
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة كورنثوس الأولى
۱٤ يناير ۲۰۲۵
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر الجامعة
۲۱ يناير ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة كورنثوس الثانية

تشابه رسالة كورنثوس الثانية رسالة كورنثوس الأولى في أنّها تغطّي مجموعةً كبيرة من القضايا والمسائل التي تخاطب كنيسة محاطة بالفساد الأخلاقي والمُعلِّمين الكذبة والتحزُّب والتشويش اللاهوتي. وفي هذه الرسالة، تُلمَس عناية الرسول بولس واهتمامه بكنيسة كورنثوس. ولننظر إلى ثلاث سمات مهمّة لهذه الرسالة تساعدنا في فهم رسالتها العامّة وتطبيقها.
1. تمثِّل رسالة كورنثوس الثانية ذورة تعامُلات بولس الشديدة والمُكثَّفة مع كنيسة كورنثوس.
حدث تأسيس كنيسة كورنثوس (حوالي العام 52 م.) تم خلال رحلة بولس الإرساليّة الثانية (انظر أعمال الرسل 18: 1-11). ويُخبِرنا لوقا أنّ بولس بقي في كورنثوس مدّة زادت على الثماني عشر شهرًا. ويبدو أنّه فورَ مغادرةِ بولسَ مدينةَ كورنثوس إلى أنطاكية، حدثت مشكلات مُعيّنة في هذه الكنيسة الجديدة. وقد اكتشف بولس هذه المشكلات حين كان في أفسس في رحلته الإرساليّة الثالثة (انظر أعمال الرسل 19). ومن المحتمَل جدًّا أن رسالة كورنثوس الثانية هي الرسالة الرابعة التي كتبها بولس لهذه الكنيسة في مدّةِ سنتين من الزمن تقريبًا:
- الرسالة الأولى: هي "الرسالة" المذكورة في 1كورنثوس 5: 9، وهي مفقودة.
- الرسالة الثانية: رسالة كورنثوس الأولى
- الرسالة الثالثة: الرسالة "المؤلمة" (غير موجودة)، وهي رسالة كتبها بولس بعد زيارةٍ "مؤلمة" و"محزنة" قام بها إلى كنيسة كورنثوس (انظر 2كورنثوس 2: 3-4؛ 7: 8-12).
- الرسالة الرابعة: رسالة كورنثوس الثانية
أرسل بولس الرسالة "المُحزِنة" بيد تيطس، الذي عاد إلى بولس بأخبارٍ مُفرِحة عن توبة الكنيسة وولائها للرسول بولس وللتعليم الرسوليّ. وهكذا، فإنّ رسالة كورنثوس الثانية هي ذروة "سعيدة" (ولكنْ ليست كاملة) لعلاقة مُعقَّدة ما بين الرسول بولس والمؤمنين الكورنثيّين. فَرَحُ الرسول بولس بالأخبار التي أتى بها تيطس عن أوضاع المؤمنين الكورِنثيّين (انظر 2كورنثوس 7: 6-7) يُظهِر الأمورَ التي كان الرسول بولس يعطيها قيمة في حياة الكنيسة، التي منها السلام والنقاوة ووحدة الكنيسة (بما في ذلك التأديب الكنسيّ)، بالإضافة إلى السلوك الأخلاقيّ المسيحيّ والتواضع المسيحيّ والوكالة المسيحيّة السخيّة. فإنْ كان الرسول شديد الاهتمام والشغف بأنْ تكون هذه سمات الكنيسة وتُظهِرها، فعلينا نحنُ أيضًا أن نسعى إليها في كنائسنا وحياتنا المسيحيّة.
2. تقدِّم رسالة كورنثوس الثانية دفاعًا قويًّا عن خدمة بولس الرسوليّة.
يسعى بولس جاهدًا إلى أن يُظهِر صحّة رسوليّته لأنّ الربّ يسوع المسيح الذي قام من الموت وصعِد إلى السماء هو من أوكله واستأمنه على مهمة التكلُّم باسمه، بخلاف الذين يدّعون أنّهم "فائقو الرسل"، ولكنّهم كذبة (انظر 2كورنثوس 5: 18؛ 11: 5؛ 13: 3). وهو يعمل هذا بمعالجةٍ طويلة لمواضيع الضعف والألم (2كورنثوس 11: 29-30؛ 2كورنثوس 12: 1-10؛ 2كورنثوس 13: 4)، والعهد الجديد (2كورنثوس 3)، والخدمة المسيحيّة (2كورنثوس 5-6)، مُظهِرًا أنّ خدمته الرسوليّة متوافقة مع خدمة الرب يسوع وصفاته، وتتّصف بما يراه العالم ضعفًا بينما يراه الله أمانةً (ثمّة مزيدٌ عن هذا الموضوع أدناه). وبولس مُصرٌّ، إلى حدّ العناد، على الدفاع عن رسوليّته، لأنّه مُصرٌّ جدًّا، إلى حدِّ العناد أيضًا، على الدفاع عن الإنجيل. فإنْ كانَ إنجيلُه غيرَ صحيح، فما يزال الكورنثيون في خطاياهم وبلا رجاء. ولذا، فإنّ دفاعه ينبع من محبّته لقرّائه أكثر من كونه ينبع من اهتمامه بصورته عند الآخرين. ويستحقّ الأمر أن ننتبه إلى أنَّ دفاعَ بولس عن حقيقة رسوليّته يجعل رسالة كورنثوس الثانية نوعًا من الرسالة الشخصيّة التي تقدِّم شيئاً من السيرة الذاتيّة لبولس. وربما نتعلّم أكثر عن بولس والكنيسة التي كتب إليها من هذه الرسالة أكثر ممّا نتعلَّمه من أيّة رسالة أخرى في العهد الجديد. فليس بولس ذلك الرواقيّ الفظّ، كما صوَّره كثيرون. فهو حسّاس ولكنّه شهم شجاع أيضًا، وهو قلقٌ ولكنه واثق أيضًا، وهو لطيف ولكنّه حازمٌ أيضًا. يحبّ بولس الكنيسة، وهو يحبّ الإنجيل. وهو غير مستعدّ لأن يسمح للمُعلِّمين الكذبة بأن يدخلوا ويُفسِدوا عمله الرسولي. هو يحبُّ هؤلاءِ المؤمنين الجدد كثيرًا جدًّا لدرجة أنْ لا يسمح بأن تأتي الذئاب وتفترسهم.
3. تمثِّل رسالة كورنثوس الثانية نوعًا من نموذج الخدمة المسيحيّة.
كانت الكنيسة عبر تاريخها مُجرَّبةً ومُعرَّضةً بأن تتبنّى سماتٍ عالميّةً للنجاح معيارًا لقيادة الكنيسة. وفي زمننا، كثيرًا ما نفترض أنّ على القادة المسيحيّين أن يُظهروا في أنفسهم نموذجًا ناجحًا للمدير التنفيذي أو الشخصيّة التلفزيونيّة الكاريزماتيّة. افترض الكورنثيون أنّه يُفترَض أن يظهر القائد المسيحي بوصفه مثالَ الخطيب اليونانيّ البليغ. كان الرسل الكذبة الذي كانوا قد تسلَّلوا إلى داخل كنيسة كورنثوس يتحدَّون ادّعاء بولس بأنّه رسول، مُشيرِين إلى ألمه وضعفه وافتقاره إلى جمال البلاغة. في ذلك الزمن والآن، يمكن أن تصير القوّة والشخصيّة الكاريزماتيّة المؤثِّرة سِمتَين واقعيّتَين لخادم الإنجيل المُبارَك. وفي ردّ بولس على هذه الاتّهامات الكاذبة، يستعرض بولس مؤهّلاتِه، ولكنْ ليس المؤهّلاتِ التي نتوقَّع سماعها. وهو هنا يمتدح نفسه (والرسُل الآخرين):
وَلَسْنَا نَجْعَلُ عَثْرَةً فِي شَيْءٍ لِئَلاَّ تُلاَمَ الْخِدْمَةُ. بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ نُظْهِرُ أَنْفُسَنَا كَخُدَّامِ اللهِ: فِي صَبْرٍ كَثِيرٍ، فِي شَدَائِدَ، فِي ضَرُورَاتٍ، فِي ضِيقَاتٍ، فِي ضَرَبَاتٍ، فِي سُجُونٍ، فِي اضْطِرَابَاتٍ، فِي أَتْعَابٍ، فِي أَسْهَارٍ، فِي أَصْوَامٍ، فِي طَهَارَةٍ، فِي عِلْمٍ، فِي أَنَاةٍ، فِي لُطْفٍ، فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، فِي مَحَبَّةٍ بِلاَ رِيَاءٍ، فِي كَلاَمِ الْحَقِّ، فِي قُوَّةِ اللهِ بِسِلاَحِ الْبِرِّ لِلْيَمِينِ وَلِلْيَسَارِ. بِمَجْدٍ وَهَوَانٍ، بِصِيتٍ رَدِيءٍ وَصِيتٍ حَسَنٍ. كَمُضِلِّينَ وَنَحْنُ صَادِقُونَ، كَمَجْهُولِينَ وَنَحْنُ مَعْرُوفُونَ، كَمَائِتِينَ وَهَا نَحْنُ نَحْيَا، كَمُؤَدَّبِينَ وَنَحْنُ غَيْرُ مَقْتُولِينَ، كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِمًا فَرِحُونَ، كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ، كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ. (2كورنثوس 6: 3-10)
تشكِّك هذه الرواية بنموذجنا الخفيّ الذي نتبنّاه للخدمة الناجحة. هل نفكِّر بالنّاس بحسب الجسد (2كورنثوس 5: 16)؟ تعلِّمنا كورنثوس الثانية أنّ الخدمة المسيحيّة تتّصف بـ"البَسَاطَةِ وَالإِخْلاصِ" (2كورنثوس 1: 12)، وبعدم كفاية المسؤوليّين في الكنيسة في أنفسهم (2كورنثوس 3: 5)، وأنَّ الخدمةَ موتٌ عن الذات أكثر من كونها ترويجًا للذات (2كورنثوس 4: 11-12). وقد اختار بولس ألا يقبل تعويضًا ودعمًا ماليًّا من الكورنثيّين، لأنه لا يريد أنْ يصير عمله هذا يكون حجرَ عثرة (2كورنثوس 11: 7-9). لم يحمل رسائل توصية معه (2كورنثوس 3: 1-3)، ورفض أن يمارس المكر (2كورنثوس 4: 2) أو يغشّ الكلمة ويحكّ أذن السامعين بما يُحبُّون سماعه (2كورنثوس 2: 17)، لأنّ الخدمة ليست خدمته، ولا الرسالة رسالته، بل هي خدمة الله ورسالة الله. وهذا ينطبق على كلّ الخدّام المسيحيّين في العهد الجديد. ينبغي أن تتمّ الخدمة باتّباع نموذج رأس الكنيسة، الذي "قَدْ صُلِبَ مِنْ ضَعْفٍ، لكِنَّهُ حَيٌّ بِقُوَّةِ اللهِ" (2كورنثوس 13: 4).
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.