المحاضرة 4: غَضَبُ اللهِ
شَكَّلَ الْعَامُ 1968 فَتْرَةَ الذُرْوَةِ لِذَلِكَ الْعَقْدِ الَذِي أَسْمَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ عَقْدَ الثَوْرَةِ الثَقَافِيَّةِ فِي الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ. إِنَّهُ الْعَقْدُ الَذِي شَهِدَ وِلَادَةَ حَرَكَةِ حُرِّيَّةِ التَعْبِيرِ، وَحَرَكَةِ الْحُرِّيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ، وَالْهَيَجَانِ بَيْنَ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ لِلْإِقْرَارِ بِالْإِجْهَاضِ حَسَبَ الطَلَبِ، وَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ إِلَّا بَعْدَ مُرُورِ سَنَتَيْنِ. إِنَّهَا فَتْرَةُ احْتِجَاجٍ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثِيلٌ ضِدَّ الْحُكُومَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَوَرُّطِنَا فِي فْيِتْنَامَ، وَكَانَتْ تِلْكَ أَيْضًا حِقْبَةَ هَيَجَانٍ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثِيلٌ فِي الْجَامِعَاتِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْبِلَادِ.
وَجَدْتُ نَفْسِي فِي الْعَامِ 1968 أُعَلِّمُ فِي حَرَمِ جَامِعَةِ تَامْبِلْ فِي فِيلَادِلْفِيَا، وَلَدَيَّ ذِكْرَيَاتٌ حَيَّةٌ عَنْ مُحَاوَلَةِ تَقْدِيمِ مُحَاضَرَتِي فِي الْفَصْلِ، فِيمَا كَانَ الطَلَبَةُ فِي الْخَارِجِ يَحْتَجُّونَ مُسْتَخْدِمِينَ الْأَبْوَاقَ وَيَسْتَمِرُّونَ فِي الِاحْتِجَاجِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. وَبَعْدَ ظُهْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، كُنْتُ قَدِ انْتَهَيْتُ لِلتَوِّ مِنْ تَنَاوُلِ الْغَدَاءِ فِي كَافِيتِيرْيَا جَامِعَةِ تَامْبِلْ، وَكُنْتُ أَعْبُرُ فِي السَاحَةِ الْعَامَّةِ فِي طَرِيقِي إِلَى كُلِّيَّةِ كُونْوِيلْ لِلَاهُوتِ، حَيْثُ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنْ أَلْتَقِيَ طُلَّابِي فِي مَادَّةِ اللَاهُوتِ النِظَامِيِّ بَعْدَ لَحَظَاتٍ قَلِيلَةٍ، حِينَ جَاءَ إِلَيَّ غَرِيبٌ وَاسْتَوْقَفَنِي وَاعْتَرَضَ طَرِيقِي، وَطَرَحَ عَلَيَّ هَذَا السُؤَالَ قَائِلًا: "أَيُّهَا الْأَخُ، هَلْ أَنْتَ مُخَلَّصٌ؟" وَكَانَ أَوَّلُ رَدِّ فِعْلٍ لِي حِينَ سَمِعْتُ ذَلِكَ مُتَنَاقِضًا: فَمِنْ نَاحِيَةٍ، كُنْتُ بِصَرَاحَةٍ مُنْزَعِجًا وَمُتَضَايِقًا قَلِيلًا لِأَنَّ أَحَدَهُمْ اسْتَوْقَفَنِي بِتِلْكَ الطَرِيقَةِ وَقَاطَعَ مُحَاوَلَتِي دُخُولَ الْفَصْلِ، وَكُنْتُ عَلَى وَشْكِ الرَدِّ عَلَى سُؤَالِهِ "هَلْ أَنْتَ مُخَلَّصٌ؟" كُنْتُ عَلَى وَشْكِ الْقَوْلِ "مُخَلَّصٌ مِمَّ؟" بِالطَبْعِ لَيْسَتْ مُخَلَّصًا مِنَ الْأَشْخَاصِ الْوَقِحِينَ الَذِينَ يُخَاطِبُونَنِي وَأَنَا فِي طَرِيقِي إِلَى الْفَصْلِ. لَكِنِّي لَمْ أُجِبْ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ لِأَنَّ مَشَاعِرِي كَانَتْ مُتَنَاقِضَةً كَمَا ذَكَرْتُ. أَمَّا الْوَجْهُ الْآخَرُ لِلْعُمْلَةِ فَهُوَ الْآتِي: كُنْتُ مَسْرُورًا بِرُؤْيَةِ مُؤْمِنٍ يَتَمَتَّعُ بِالْجُرْأَةِ وَالشَجَاعَةِ لِيَتَقَدَّمَ إِلَى شَخْصٍ غَرِيبٍ تَمَامًا بِالنِسْبَةِ إِلَيْهِ وَيَطْرَحَ عَلَيْهِ سُؤَالًا مُمَاثِلًا.
دَعُونَا نَنْتَقِلُ سَرِيعًا إِلَى الْعَامِ 1991. كُنْتُ مَدْعُوًّا لِتَقْدِيمِ خِطَابٍ عَامٍّ فِي مُؤْتَمَرِ بَاعَةِ الْكُتُبِ الْمَسِيحِيِّينَ صَبَاحَ يَوْمِ أَحَدٍ، وَفِي تِلْكَ الْمُنَاسَبَةِ تَكَلَّمْتُ عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ "مُخَلّصٌ مِمَّ؟" وَذَكَرْتُ قِصَّةَ أَنَّ أَحَدَهُمْ جَاءَ إِلَيَّ قَائِلًا: "هَلْ أَنْتَ مُخَلَّصٌ؟" فَحِينَ يَتَكَلَّمُ النَاسُ عَنِ الْخَلَاصِ نَسْتَخْدِمُ هَذِهِ اللُغَةَ. وَأَنَا أَطْرَحُ هَذَا السُؤَالَ: هَلْ نَفْهَمُ مَا نَقُولُهُ حِينَ نَقُولُ إِنَّنَا مُخَلَّصُونَ؟ وَأُكَرِّرُ أَنَّ السُؤَالَ الَذِي أَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ – كَمَا فَعَلْتُ فِي الْعَامِ 1991. مَعَ تِلْكَ الْمَجْمُوعَةِ – لَيْسَ "كَيْفَ نِلْتَ الْخَلَاصَ؟" بَلْ "مَمَّ أَنْتَ مُخَلَّصٌ؟""
إِنْ رَاجَعْتُمُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَأَجْرَيْتُمْ دِرَاسَةً حَوْلَ كَلِمَةِ "خَلَاصٍ" فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، أَوْ الْفِعْلِ "يُخَلِّصُ"، فَسَتَرَوْنَ أَنَّ الْفِعْلَ "يُخَلِّصُ" فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ وَرَدَ فِي كُلِّ صِيغَةٍ مُمْكِنَةٍ فِي اللُغَةِ الْيُونَانِيَّةِ. وَاللُغَةُ الْيُونَانِيَّةُ تَتَضَمَّنُ صِيَغًا أَكْثَرَ مِنَ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، فَهِيَ تَتَضَمَّنُ صِيغَةَ فِعْلِ الْمَاضِي الْمُطْلَقِ وَالْفِعْلِ غَيْرِ التَامِّ، وَصِيغَةَ الْمُسْتَقْبَلِ غَيْرِ التَامِّ وَغَيْرِهِ، وَالْمَاضِي التَامِّ، وَجَمِيعَ هَذِهِ الصِيَغِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَتَجِدُ الْفِعْلَ "يُخَلِّصُ" فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِيَغِ. إِذًا، بِمَعْنًى مَا، نَحْنُ مُخَلَّصُونَ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَفِي الْمَاضِي كُنَّا نَخْلُصُ، وَنَحْنُ مُخَلَّصُونَ، وَنَحْنُ نَخْلُصُ، وَسَوْفَ نَخْلُصُ. لَكِنْ لَيْسَ هَذَا فَحَسْبُ، فَكَلِمَةُ "مُخَلَّصٌ" تُسْتَعْمَلُ أَيْضًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى شَتَّى أَنْوَاعِ النَجَاةِ مِنْ بَعْضِ الْكَوَارِثِ أَوِ الْبَلَايَا. نُلَاحِظُ مَثَلًا أَنَّهُ حِينَ يَشْفِي يَسُوعُ أَحَدَهُمْ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ مِنْ مَرَضٍ مَا، كَانَ يَقُولُ لَهُ: "إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ". إِذًا، أَحَدُ مَعَانِي كَلِمَةِ "يُخَلِّصُ" فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ الشِفَاءُ مِنْ مَرَضٍ خَطِيرٍ يُهَدِّدُ الْحَيَاةَ. أَوْ إِنْ ذَهَبَ جَيْشٌ لِيُحَارِبَ عَدُوًّا لَدُودًا وَانْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَهُوَ نَجَا مِنَ الْهَزِيمَةِ، مِثْلَمَا نَتَكَلَّمُ عَنْ خَلَاصِ الْمُلَاكِمِ فِي اللَحْظَةِ الْأَخِيرَةِ. فَحِينَ نَتَكَلَّمُ عَنْ خَلَاصِ الْمُلَاكِمِ فِي اللَحْظَةِ الْأَخِيرَةِ، نَحْنُ لَا نَقْصِدُ أَنَّهُ دَخَلَ الْآنَ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا مَا خَلُصَ مِنْهُ هُوَ الْخَطَرُ الْوَاضِحُ وَالْحَالِيُّ مِنَ الْهَزِيمَةِ فِي الْمُلَاكَمَةِ. إِذًا، إِنْ تَتَبَّعْتَ اللُغَةَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فَإِنَّكَ تَجِدُ أَنَّ كَلِمَةَ "يُخَلِّصُ" قَدْ تُشِيرُ إِلَى أَيِّ نَوْعٍ مِنَ النَجَاةِ مِنَ الْكَارِثَةِ أَوِ الْبَلِيَّةِ.
بِالْإِضَافَةِ إِلَى هَذِهِ الِاسْتِعْمَالَاتِ الْعَادِيَّةِ لِلْفِعْلِ "يُخَلِّصُ"، يُوجَدُ الْمَعْنَى الْأَسَاسِيُّ، وَالِاسْتِعْمَالُ الْأَسَاسِيُّ، وَالْفَهْمُ الْأَبْرَزُ لِمَفْهُومِ الْخَلَاصِ الْكِتَابِيِّ، وَالَذِي يَعْنِي أَيْضًا "النَجَاةَ مِنَ الْبَلِيَّةِ". وَتِلْكَ الْبَلِيَّةُ لَيْسَتِ الْهَزِيمَةَ فِي الْحَرْبِ، وَلَيْسَتْ مَوْتًا، وَلَيْسَتْ مَرَضًا، وَلَيْسَتِ النَجَاةَ مِنَ الْإِفْلَاسِ الْمَالِيِّ، لَكِنَّ الْبَلِيَّةَ الْأَشَدَّ خُطُورَةً الَتِي يَرْتَبِطُ بِهَا مَفْهُومُ الْخَلَاصِ وَهِيَ كَارِثَةُ مُثُولِ الْمَرْءِ عُرْيَانًا فِي مَحْضَرِ إِلَهٍ عَادِلٍ وَقُدُّوسٍ. وَمَا نَخْلُصُ مِنْهُ وَفْقًا لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ بِبَسَاطَةٍ مَا يَلِي: اللَّهُ. هَذَا يَصْعَقُنَا قَلِيلًا لِأَنَّنَا نَعِي جَيِّدًا مِنْ نَاحِيَةٍ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُخَلِّصُ، اللَّهُ هُوَ مَنْ أَوْجَدَ الْخَلَاصَ وَهُوَ مُتَمِّمُهِ. لَكِنَّ الْخَلَاصَ الَذِي يُوجِدُهُ هُوَ الْخَلَاصُ مِنْ شَخْصِهِ. هَذَا لِأَنَّ الْعَهْدَيْنِ الْجَدِيدَ وَالْقَدِيمَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ يَذْكُرَانِ أَنَّ اللَّهَ حَدَّدَ يَوْمًا لِلدَيْنُونَةِ، يَدِينُ فِيهِ كُلَّ إِنْسَانٍ وَفْقَ مِعْيَارِ قَدَاسَتِهِ، وَمِعْيَارِ بِرِّهِ، وَوَعَدَ بِأَنْ يَكُونَ يَوْمُ الدَيْنُونَةِ هَذَا يَوْمَ غَضَبٍ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ.
وَجُزْءٌ مِنْ سَبَبِ صِرَاعِ النَاسِ مَعَ فِكْرَةِ الْخَلَاصِ مِنَ اللَّهِ هُوَ أَنَّهُ فِي يَوْمِنَا وَعَصْرِنَا الْحَالِيِّ، الْأَشْخَاصُ الَذِينَ يَعْتَنِقُونَ مَا يُعْرَفُ بِالدِيَانَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ، لَمْ يَعُودُوا يُؤْمِنُونَ بِحَقِيقَةِ غَضَبِ اللَّهِ. بَيْنَمَا كُنَّا نَفْحَصُ وُجْهَاتِ النَظَرِ الْمُخْتَلِفَةَ عَنِ الْحَيَاةِ، كُنْتُ أَقُولُ مُنْذُ الْبِدَايَةِ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأَسَاسِيَّةَ فِي تَأْسِيسِ وُجْهَةِ نَظَرِكُمْ عَنِ الْحَيَاةِ هِيَ التَوَصُّلُ إِلَى فَهْمٍ لِطَبِيعَةِ اللَّهِ وَطَبِيعَةِ الْبَشَرِ، وَالْعَلَاقَةِ بَيْنَهُما. وَإِلَهُ الْمَسِيحِيَّةِ هُوَ إِلَهٌ قُدُّوسٌ، إِنَّهُ إِلَهٌ بَارٌّ بِجُمْلَتِهِ، وَهُوَ الْإِلَهُ الَذِي يَدِينُ الْعَالَمَ. وَهُوَ إِلَهٌ يُعْلِنُ عَنْ غَضَبِهِ وَفْقَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَاسِ وَإِثْمِهِمْ. إِذًا، يَقُولُ لَنَا الرَسُولُ بُولُسُ إِنَّنَا كَخُطَاةٍ غَيْرِ تَائِبِينَ، نَذْخُرُ الْغَضَبَ وَنَجْمَعُهُ وَنَدَّخِرُهُ لِيَوْمِ الْغَضَبِ. لَكِنْ يَبْدُو أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ أَحَدٌ يَقْلَقُ بِشَأْنِ ذَلِكَ، لِأَنَّنَا، وَكَمَا ذَكَرْتُ، لَمْ نَعُدْ نُؤْمِنُ بِغَضَبِ اللَّهِ.
وَمَعَ الْأَحْدَاثِ الَتِي أَعْقَبَتِ الْهُجُومَ الْإِرْهَابِيَّ عَلَى مَرْكَزِ التِجَارَةِ الْعَالَمِيِّ فِي نِيُويُورْكْ وَالْبِنْتَاجُونْ، فَضْلًا عَنْ أَحْدَاثِ الْإِرْهَابِ الْأُخْرَى الَتِي عَرَفْنَاهَا عَلَى طُولِ الطَرِيقِ، يَحْتَشِدُ النَاسُ خَلْفَ أَمْرِيكَا، وَيَتَجَمَّعُونَ مَعًا فِي نَوْعٍ مِنَ الْوَحْدَةِ تَحْتَ شِعَارِ "نَقِفُ مَعًا مُتَّحِدِينَ". وَكَمَا ذَكَرْتُ قَبْلًا، يَقُولُ الْجَمِيعُ: "لِيُبَارِكِ اللَّهُ أَمْرِيكَا". وَقَدْ رَأَيْتُ أَعْلَامًا أَمْرِيكِيَّةً تُرَفْرِفُ فِي هَذَا الْبَلَدِ أَكْثَرَ مِمَّا رَأَيْتُهُ مُنْذُ الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَانِيَةِ. فِي الْوَاقِعِ، عِنْدَمَا نُسَافِرُ أَنَا وَزَوْجَتِي، نُحِبُّ مُمَارَسَةَ الْأَلْعَابِ. نَنْظُرُ إِلَى اللَوْحَاتِ الْمَعْدَنِيَّةِ لِلسَيَّارَاتِ وَنُحْصِي عَدَدَ الْوِلَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُدَوَّنَةِ وَالَتِي يُمْكِنُنَا رُؤْيَتُهَا أَوْ عَدَدَ الْأَبْقَارِ فِي الْحُقُولِ. لُعْبَتُنَا الْجَدِيدَةُ هِيَ عَدُّ الْأَعْلَامِ. كَمْ عَدَدُ الْأَعْلَامِ عَلَى جَانِبِهَا؟ وَكَمْ عَدَدُ الْأَعْلَامِ عَلَى جَانِبِي؟ وَيَغْمُرُنِي عَدَدُ الْأَعْلَامِ الَتِي أَرَاهَا تُرَفْرِفُ فِي الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ. وَهُنَا الْمُفَارَقَةُ. أَسْمَعُ بِاسْتِمْرَارٍ أَغَانِي وَطَنِيَّةً تَشْمَلُ عِبَارَةَ "لِيُبَارِكِ اللَّهُ أَمْرِيكَا". وَلَكِنْ هُنَاكَ نَشِيدٌ آخَرُ سَمِعْتُهُ كَثِيرًا أَكْثَرَ مِمَّا سَمِعْتُ مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ وَهُوَ يُسَمَّى "نَشِيدُ مَعْرَكَةِ الْجُمْهُورِيَّةِ". وَ "نَشِيدُ مَعْرَكَةِ الْجُمْهُورِيَّةِ" كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ نَشِيدَ الْقِتَالِ لِلْجَيْشِ الِاتِّحَادِيِّ فِي الْحَرْبِ الْأَهْلِيَّةِ. وَنَحْنُ نَعْرِفُ كَلِمَاتِ "نَشِيدِ مَعْرَكَةِ الْجُمْهُورِيَّةِ". كَمَا نَعْرِفُ الْقَرَارَ "مَجْدًا، مَجْدًا، هَلِّلُويَا..." وَكُلَّ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ يَبْدَأُ بِعِبَارَةِ "رَأَتْ عَيْنَايَ مَجْدًا ..." مَجْدَ مَاذَا؟ ... "مَجِيءِ الرَبِّ". ثُمَّ مَاذَا؟ "لَقَدْ دَاسَ عَلَى الْكَرْمِ الْمَخْزُونِ فِي مَعْصَرَةِ الْغَضَبِ". كَلِمَاتُ "نَشِيدِ مَعْرَكَةِ الْجُمْهُورِيَّةِ" مَأْخُوذَةٌ مُبَاشِرَةً مِنْ صَفَحَاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ.
وَعِبَارَةُ "مَعْصَرَةِ الْغَضَبِ" الَتِي أَصْبَحَتْ عُنْوَانَ أَحَدِ أَشْهَرِ الْأَعْمَالِ الْأَدَبِيَّةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ مُقْتَبَسَةٌ مِنَ الْأَصْحَاحِ 14 مِنْ سِفْرِ الرُؤْيَا –الْأَصْحَاحِ 14 مِنْ سِفْرِ رُؤْيَا الْقِدِّيسِ يُوحَنَّا. لِنَقْضِ بَعْضَ الْوَقْتِ فِي إِلْقَاءِ نَظْرَةٍ عَلَى الْكَلِمَاتِ الَتِي اسْتَعْمَلَهَا سِتَايِنْبِيكْ فِي رِوَايَتِهِ، وَالَتِي اقْتَبَسَهَا الْمُؤَلِّفُ مِنْ نَشِيدِ الْمَعْرَكَةِ الْخَاصِّ بِالْجُمْهُورِيَّةِ. جَاءَ فِي الْآيَةِ 17 مِنَ الْأَصْحَاحِ 14 مَا يَلِي: "ثُمَّ خَرَجَ مَلَاكٌ آخَرُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، مَعَهُ أَيْضًا مِنْجَلٌ حَادٌّ. وَخَرَجَ مَلَاكٌ آخَرُ مِنَ الْمَذْبَحِ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى النَّارِ، وَصَرَخَ صُرَاخًا عَظِيمًا إِلَى الَّذِي مَعَهُ الْمِنْجَلُ الْحَادُّ، قَائِلًا: "أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ الْحَادَّ وَاقْطِفْ عَنَاقِيدَ كَرْمِ الْأَرْضِ، لِأَنَّ عِنَبَهَا قَدْ نَضِجَ"".
كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِي هَذَا السِفْرِ، نَجِدُ هَذَا التَصْوِيرَ الْمَجَازِيَّ الْحَيَّ لِلْكَلِمَةِ النَبَوِيَّةِ. وَظَهَرَ مَلاكٌ حَامِلًا مِنْجَلًا ضَخْمًا يُشْبِهُ أَدَاةَ حَصَادٍ، وَقَالَ الْمَلاكُ الآخَرُ "اجْعَلِ الْمِنْجَلَ دَاخِلَ الْكَرْمَةِ". فَتَرَوْنَ أَشْجَارَ الْكُرُومِ تَتَهَاوَى عَلَى السِيَاجِ، وَهِيَ كُرُومٌ نَاضِجَةٌ جِدًّا، وَكَثِيفَةٌ، وَقَوِيَّةٌ، مَلِيئَةٌ بِعَنَاقِيدِ عِنَبٍ فَاخِرٍ. ثُمَّ وَصَلَتْ تَعْلِيمَاتٌ مِنَ السَمَاءِ تَقْضِي بِإِدْخَالِ الْمِنْجَلِ – وَهُوَ أَدَاةُ قَطْعٍ – لِقَطْعِ الْكُرُومِ الَتِي تَحْمِلُ هَذَا الثَمَرَ الشَهِيَّ. وَنَقْرَأُ مَا يَلِي: "أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ الْحَادَّ وَاقْطِفْ عَنَاقِيدَ كَرْمِ الْأَرْضِ، لِأَنَّ عِنَبَهَا قَدْ نَضِجَ". فَأَلْقَى الْمَلَاكُ مِنْجَلَهُ إِلَى الْأَرْضِ وَقَطَفَ كَرْمَ الْأَرْضِ، فَأَلْقَاهُ إِلَى مَعْصَرَةِ غَضَبِ اللهِ الْعَظِيمَةِ". تَمَّ رَمْيُ جَمِيعِ هَذِهِ الْكُرُومِ مَعَ عَنَاقِيدِهَا فِي مَعْصَرَةِ عِنَبٍ. كَلَّا، لا يَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ إِنَّهَا أُلْقِيَتْ فِي مَعْصَرَةٍ مَا، بَلْ فِي الْمَعْصَرَةِ الْعَظِيمَةِ، وَتَمَّ تَعْرِيفُ تِلْكَ الْمَعْصَرَةِ وَوَصْفُهَا فِي النَصِّ. فَلْنُرَاجِعْ ذَلِكَ مُجَدَّدًا "فَأَلْقَى الْمَلَاكُ مِنْجَلَهُ إِلَى الْأَرْضِ وَقَطَفَ كَرْمَ الْأَرْضِ، فَأَلْقَاهُ إِلَى مَعْصَرَةِ غَضَبِ اللهِ الْعَظِيمَةِ". صُورَةُ الْمَعْصَرَةِ الَتِي أُلْقِيَ الْعِنَبُ فِيهَا هِيَ مَعْصَرَةُ الْغَضَبِ الإِلَهِيِّ الَتِي عَصَرَتْ عَنَاقِيدَ الْغَضَبِ.
"وَدِيسَتِ الْمَعْصَرَةُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ الْمَعْصَرَةِ حَتَّى إِلَى لُجُمِ الْخَيْلِ، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ". عَلَى مَدَى تِلْكَ الْمَسَافَةِ الْكَبِيرَةِ، سَالَ الدَمُ فِي الشَوَارِعِ حَتَّى إِلَى لُجُمِ الْخَيْلِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَصِيرَ عِنَبٍ. تُمَثِّلُ الْكُرُومُ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصَ الَذِينَ يَعِيشُونَ فِي عِصْيَانٍ وَتَمَرُّدٍ دَائِمَيْنِ. إِنَّ اللَّهَ طَوِيلُ الرُوحِ وَالْأَنَاةِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، لَكِنَّهُ يَعِدُ بِأَنْ تَكُونَ هُنَاكَ نِهَايَةٌ لِطُولِ أَنَاتِهِ، وَبِأَنْ يَأْتِيَ وَقْتٌ يَصُبُّ فِيهِ غَضَبَهُ عَلَى شَرِّ الْبَشَرِ – عَنَاقِيدِ الْغَضَبِ. مَا زِلْنَا نُرَدِّدُ هَذَا النَشِيدَ، لَكِنَّنَا لَا نُؤْمِنُ بِمَضْمُونِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا.
أَحَدُ الْأُمُورِ الَتِي نَتَعَلَّمُهَا عَنِ اللَّهِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ أَنَّهُ قَاضِي الْأَرْضِ كُلِّهَا. وَإِنْ تَسَاهَلَ الْقَاضِي مَعَ الشَرِّ إِلَى الْأَبَدِ مِنْ دُونِ صَبِّ الدَيْنُونَةِ فَهُوَ لَيْسَ قَاضِيًا عَادِلًا، إِنَّهُ قَاضٍ ظَالِمٌ، وَهُوَ نَفْسُهُ جُزْءٌ مِنْ مُمَارَسَةِ الشَرِّ. أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ، لَيْسَ اللَّهُ عَدِيمَ الْمُبَالَاةِ تُجَاهَ طَرِيقَةِ مُمَارَسَةِ النَاسِ لِلْعُنْفِ بِحَقِّ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ، وَلَا يَقِفُ اللَّهُ مُتَفَرِّجًا عَلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْأُمُورِ، لَكِنَّنَا نُثِيرُ غَضَبَهُ لَيْلَ نَهَارٍ بِشَرِّنَا الْمُفْرِطِ، وَهُوَ وَعَدَ بِصَبِّ الدَيْنُونَةِ عَلَى الْأَرْضِ، كَمَا أَنَّهُ يَعِدُ بِإِيجَادِ مَخْرَجٍ مِنْ ذَلِكَ. لَكِنَّنَا نَعْتَبِرُ يَوْمَ 11 من سِبْتَمْبِرَ عَامَ 2001 يَوْمَ وُقُوعِ الْبَلِيَّةِ الْأَكْبَرِ فِي تَارِيخِ الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ، وَيَوْمُ الْبَلِيَّةِ ذَاكَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ نُقَارِنَهُ بِيَوْمِ الْبَلِيَّةِ الَذِي يَقُولُ اللَّهُ إِنَّهُ سَيَأْتِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ، عِنْدَمَا يَتِمُّ إِلْقَاءُ عَنَاقِيدِ الْغَضَبِ فِي الْمَعْصَرَةِ وَتُدَاسُ بِدَيْنُونَتِهِ.
لَاحِظُوا أَنَّ الِاحْتِفَالَ بِهَذَا الْحَدَثِ فِي نَشِيدِ الْمَعْرَكَةِ الْخَاصِّ بِالْجُمْهُورِيَّةِ هُوَ احْتِفَالٌ دَخِيلٌ جِدًّا عَلَى طَرِيقَةِ تَفْكِيرِنَا فِي الْمُجْتَمَعِ الْيَوْمَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ احْتِفَالًا بِأَمْرٍ بَغِيضٍ فِي اللَّهِ، وَلَا بِعُنْصُرٍ قَاتِمٍ وَغَامِضٍ وَشَيْطَانِيٍّ فِي اللَّهِ، بَلْ إِنَّهُ احْتِفَالٌ بِالْمَجْدِ الْإِلَهِيِّ. "رَأَتْ عَيْنَايَ مَجْدَ مَجِيءِ الرَّبِّ"، أَيْ إِنَّ مَجِيئَهُ بِدَيْنُونَتِهِ هُوَ إِظْهَارٌ لِمَجْدِهِ الْإِلَهِيِّ وَلِكَمَالِهِ الْإِلَهِيِّ. نَحْنُ نَرَى غَضَبَ اللَّهِ عَائِقًا أَمَامَ نَظْرَتِنَا لِشَخْصِ اللَّهِ، وَالسَبَبُ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ هُوَ أَنَّ نَظْرَتَنَا لِشَخْصِ اللَّهِ فِي بِلَادِنَا تُشَكِّلُ وَثَنًا؛ إِنَّهُ إِلَهٌ مُجَرَّدٌ مِنْ صِفَاتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ، إِنَّهُ إِلَهٌ مَعْرُوفٌ بِبَسَاطَةٍ بِالْمَحَبَّةِ وَالرَحْمَةِ وَالنِعْمَةِ، لَكِنَّنَا سَاوَمْنَا وَرَمَيْنَا فِي سَلَّةِ الْمُهْمَلَاتِ أَيَّ فِكْرَةٍ عَنْ كَوْنِهِ عَادِلًا وَقُدُّوسًا وَغَاضِبًا. لَكِنْ إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَكُونَ أُمَنَاءَ لِلْمَفْهُومِ الْكِتَابِيِّ عَنِ اللَّهِ، عَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ أَنَّهُ، وَإِلَى جَانِبِ أُمُورٍ أُخْرَى، إِلَهُ الْغَضَبِ. أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُفَكِّرُونَ الْآنَ "لَكِنَّهُ إِلَهُ الرَحْمَةِ أَيْضًا". أَجَلْ، وَسَيَكُونُ هَذَا مَوْضُوعَ مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ. لَكِنِ الْآنَ، لَا يُمْكِنُ فَهْمُ الرَحْمَةِ إِلَّا عَلَى خَلْفِيَّةِ حَقِيقَةِ الْغَضَبِ. حِينَ يَكْبِتُ اللَّهُ ذَلِكَ الْغَضَبَ، حِينَ يُطَوِّقُ اللَّهُ ذَلِكَ الْغَضَبَ، عِنْدَئِذٍ، نَفْهَمُ الرَحْمَةَ الْحَقِيقِيَّةَ. لَكِنْ لَا مَكَانَ لِلرَحْمَةِ إِنْ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَغْضَبَ، لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَا يَجِبُ أَنْ نَخْلُصَ مِنْهُ.
الْيَوْمَ الْمَاضِي سَمِعْتُ مُعَلِّقًا تِلِفِزْيُونِيًّا يَقُولُ: "سَأَقُولُ ذَلِكَ، فِي هَذِهِ الْحَرْبِ ضِدَّ الْإِرْهَابِ، اللَّهُ فِي صَفِّنَا"، وَقَالَ "أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ فِي صَفِّنَا لِأَنَّ اللَّهَ صَالِحٌ، وَنَحْنُ صَالِحُونَ، نَحْنُ شَعْبٌ صَالِحٌ". كَتَبَ الْمُعَلِّمُ الْيَهُودِيُّ كُوشِنِيرْ، الْكِتَابَ الْأَكْثَرَ مَبِيعًا: "لِمَاذَا تُحْدُثُ أُمُورٌ سَيِّئَةٌ لِأُنَاسٍ صَالِحِينَ؟" لَيْتَنِي أَنَا وَقَّعْتُ عَقْدَ تَأْلِيفِ ذَلِكَ الْكِتَابِ، لَتَمَكَّنْتُ مِنْ إِنْهَائِهِ فِي أَقَلِّ مِنْ خَمْسِ دَقَائِقَ، لِأَنَّ الْأُمُورَ السَيِّئَةَ لَا تَحْدُثُ لِأُنَاسٍ صَالِحِينَ. السُؤَالُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ: لِمَاذَا تَحْدُثُ أُمُورٌ صَالِحَةٌ لِأُنَاسٍ آثِمِينَ أَمْثَالِنَا؟ وَالْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ يَقُولُ لَنَا "إِنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ". وَعَلَيْكَ أَنْ تَتَوَخَّى الْحَذَرَ حِينَ تَفْتَرِضُ أَنَّ اللَّهَ فِي صَفِّكَ، لَا سِيَّمَا إِنْ قُمْتَ بِهَذَا الِافْتِرَاضِ اسْتِنَادًا إِلَى تَقْيِيمِكَ لِصَلَاحِكَ، لِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يُخْبِرُنَا أَنَّهُ إِنْ كَانَ الرَبُّ يُرَاقِبُ الْآثَامَ، فَمَنْ يَقِفُ. لَكِنَّ جَوْهَرَ الْخَلَاصِ هُوَ النَجَاةُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَهُوَ غَضَبٌ عَادِلٌ. وَالسَبَبُ الَذِي يَجْعَلُ الْأَمْرَ مُبْهِجًا جِدًّا بِالنِسْبَةِ إِلَيْنَا هُوَ أَنَّنَا نَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْغَضَبَ.
دَعُونِي أُذَكِّرْكُمْ بِأَنَّهُ فِي قَلْبِ النَظْرَةِ الْمَسِيحِيَّةِ عَنِ الْحَيَاةِ يُوجَدُ فَهْمُكَ لِلَّهِ وَفَهْمُكَ لِلْإِنْسَانِ. إِنْ كُنْتَ تَفْهَمُ الطَبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةَ عَلَى أَنَّهَا صَالِحَةٌ أَسَاسًا وَجَوْهَرِيًّا وَبِشَكْلٍ غَيْرِ قَابِلٍ لِلْجَدَلِ، فَبِالطَبْعِ، لَا يُوجَدُ مَكَانٌ لِغَضَبِ اللَّهِ فِي ذِهْنِكَ. فَلِكَيْ يَكُونَ اللَّهُ غَاضِبًا تُجَاهَ نَاسٍ صَالِحِينَ، فَالْأَمْرُ يُشِيرُ حَتْمًا إِلَى وُجُودِ نَاحِيَةٍ قَاتِمَةٍ وَشَيْطَانِيَّةٍ فِي شَخْصِهِ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، حِينَ يَتَكَلَّمُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنْ غَضَبِ اللَّهِ، فَهُوَ غَضَبٌ مُعْلَنٌ لَيْسَ ضِدَّ الْبَرَاءَةِ، وَلَا ضِدَّ الْبِرِّ، وَلَا ضِدَّ الطَهَارَةِ، وَلَا ضِدَّ الصَلَاحِ، لَكِنَّهُ غَضَبٌ مُعْلَنٌ ضِدَّ جَمِيعِ فُجُورِ النَاسِ وَإِثْمِهِمْ. وَإِذَا فَحَصَ اللَّهُ حَيَاتِي، فَسَيَجِدُ مَا يَكْفِي مِنَ الْفُجُورِ وَمَا يَكْفِي مِنَ الْإِثْمِ مَا يَجْعَلُهُ يَمِيلُ إِلَى الْإِمْسَاكِ بِي وَاسْتِخْدَامِ الْمِنْجَلِ لِيَقْطَعَنِي مِنَ الْأَرْضِ وَيَرْمِيَنِي فِي مَعْصَرَةِ غَضَبِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ يَتَوَافَقُ تَمَامًا مَعَ كَمَالِهِ وَقِدَاسَتِهِ وَمَجْدِهِ. لَكِنْ شُكْرًا لِلَّهِ لِأَنَّهُ أَعْطَانَا سَبِيلًا لِلْخَلَاصِ، وَلِأَنَّهُ يُعْطِينَا سَبِيلًا لِلنَجَاةِ مِنْهُ. هَذَا هُوَ جَوْهَرُ الْإِنْجِيلِ كُلِّهُ، وَهَذَا مَا سَنَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ.