المحاضرة 5: التجربة
فِي مُحَاضَرَتِنا السَّابِقَةِ تَكَلَّمْنا عَنْ حَادِثَةٍ مُهِمَّةٍ جِدًّا فِي حَياةِ يَسُوعَ، حِينَ أَخْضَعَ نَفْسَهُ لِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا الْمَعْمَدانِ، حِينَ مَنَعَهُ يُوحَنَّا قَائِلًا: "أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ وَلا يَجْدُرُ بِي أَنَا أَنْ أُعَمِّدَكَ". فَأَجابَ يَسُوعُ "اسْمَحِ الآنَ يا يُوحَنَّا، لأَنَّهُ هَكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرٍّ". وَنَذْكُرُ أَنَّهُ أَثْنَاءَ مَعْمُودِيَّتِهِ نَزَلَتْ حَمَامَةٌ مِنَ السَّماءِ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى يَسُوعَ، مَا يَرْمُزُ إِلَى مَسْحَةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ.
بَعْدَ تِلْكَ الْحَادِثَةِ، أَوَّلُ أَمْرٍ قَادَ الرُّوحُ يَسُوعَ لِيَفْعَلَهُ هُوَ الذَّهَابُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ طَوالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قَبْلَ أَنْ نَتَطَرَّقَ إِلَى سَرْدِ هَذِهِ التَّجْرِبَةِ، دَعُونِي أَطْرَحُ سُؤالًا تَمْهِيدِيًّا "لِمَاذَا؟" لِمَاذَا قَادَ الرُّوحُ الْقُدُسُ يَسُوعَ إِلَى تِلْكَ الْبَرِّيَّةِ الْمُقْفِرَةِ لِيَتَعَرَّضَ لِهَجَماتِ إِبْلِيسَ الْجَامِحَةِ؟ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الْواضِحِ أَنَّ جُزْءًا مِنَ الْعَمَلِ الأَسَاسِيِّ الَّذِي دُعِيَ يَسُوعُ لِتَأْدِيتِهِ فِي خِدْمَتِهِ الأَرْضِيَّةِ، هُوَ عَمَلُ مَا يُسَمِّيهِ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ آدَمَ الأَخِيرَ أَوِ الْجَدِيدَ، مُبَيِّنًا عَلاقَةَ يَسُوعَ بِآدَمَ الأَوَّلِ الَّذِي جُرِّبَ هُوَ أَيْضًا مِنْ إِبْلِيسَ.
دَعُونِي أُلْقِ نَظْرَةً وَجِيزَةً عَلَى مَا يَقُولُهُ بُولُسُ فِي الأَصْحَاحِ الْخَامِسِ مِنْ رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ فِي الآيَةِ 12، حَيْثُ يَقُولُ: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ". ثُمَّ يُتَابِعُ قَائِلًا: "لَكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي. وَلَكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيَّةِ هَكَذَا أَيْضًا الْهِبَةُ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ الْكَثِيرُونَ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا نِعْمَةُ اللهِ، وَالْعَطِيَّةُ بِالنِّعْمَةِ الَّتِي بِالإِنْسَانِ الْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، قَدِ ازْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ". وَيَقُولُ فِي مَكَانٍ آخَرَ: "فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هَكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هَكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا".
إِذًا، نَحْنُ نَرَى هَذِهِ الْمُقَارَنَةَ وَهَذَا التَّبايُنَ بَيْنَ آدَمَ الأَوَّلِ وَفَشَلَهُ فِي الامْتِحانِ وَفِي فَتْرَةِ التَّجْرِبَةِ حِينَ جُرِّبَ مِنْ إِبْلِيسَ، وَالطَّاعَةَ النَّاجِحَةَ الَّتِي أَطَاعَهَا آدَمُ الأَخِيرُ، أيْ يَسُوعُ بَعْدَما تَعَرَّضَ لِهَذا النَّوْعِ نَفْسِهِ مِنَ التَّجْرِبَةِ. لَقَدْ كانَ النَّوْعَ نَفْسَهُ إِلَى دَرَجَةٍ مَا، لَكِنْ بِطُرُقٍ أُخْرَى اخْتَلَفَتْ ظُرُوفُ تَجْرِبَةِ يَسُوعَ تَمامًا عَنْ تِلْكَ الَّتِي فُرِضَتْ عَلَى آدَمَ.
فَلْنُفَكِّرْ قَلِيلًا فِي الْمَكانِ الَّذِي تَمَّتْ فِيهِ التَّجْرِبَةُ. فِي حَالَةِ آدَمَ الأَوَّلِ تَمَّتِ التَّجْرِبَةُ بَيْنَما كانَ آدَمُ وَحَوَّاءُ يَسْتَمْتِعانِ بِحَياةِ التَّرَفِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ، الَّتِي غَالِبًا مَا نُشِيرُ إِلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا الْفِرْدَوْسُ. الْمَكانُ الَّذِي قادَ الرُّوحُ يَسُوعَ إِلَيْهِ لِيُجرَّبَ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُمْكِنِ تَسْمِيَتُهُ الْفِرْدَوْسَ، لَقَدْ كَانَ يَقَعُ فِي الْبَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ الْمُقْفِرَةِ. إِنْ رَأَيْتُمُوهَا أَوْ زُرْتُمُوهَا يَوْمًا، فَإِنَّكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَى إِحْدَى الأَرَاضِي الأَكْثَرِ شُؤْمًا وَشَرًّا فِي بَرِّيَّةِ اللهِ الْمَهْجُورَةِ، الَّتِي يُمْكِنُ إِيجادُهَا فِي أَيِّ مَكانٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ. يُقالُ إِنَّ السُّكَّانَ الْوَحِيدِينَ لِلْبَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ هُمْ الأَفاعِي وَالْعَقارِبُ، حَتَّى إِنَّ الْحَيواناتِ الضَّارِيَةَ تَرْفُضُ الْعَيْشَ فِي هَذَا الْمَكانِ الْخَرِبِ الْمُخِيفِ. إِذًا، كانَ آدَمُ مَوْجُودًا فِي تِلْكَ الْجَنَّةِ الرَّائِعَةِ، وَيَسُوعُ فِي الْبَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. مَا هُوَ وَجْهُ الاخْتِلافِ الآخَرِ؟
بَيْنَما كانَ آدَمُ يُجَرَّبُ مِنَ الْحَيَّةِ كانَ بِرِفْقَةِ زَوْجَتِهِ، الَّتِي خُلِقَتْ خِصِّيصًا لِتَكُونَ مُعِينًا لَهُ، فِي حِينِ أنَّهُ عِنْدَمَا ذَهَبَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ كانَ فِي عُزْلَةٍ تَامَّةٍ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْوَحْدَةَ هِيَ أَوَّلُ أَمْرٍ لَعَنَهُ اللهُ فِي الْخَلْقِ. بَعْدَ أَنْ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وَجَدَ أَنَّهُ حَسَنٌ وَبارَكَهُ. أَوَّلُ أَمْرٍ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ حَسَنًا هُوَ الآتِي قالَ: "لَيْسَ جَيِّدًا أنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ". حِينَ نُرِيدُ تَعْذِيبَ الْمُجْرِمِينَ أَوْ أَسْرَى الْحَرْبِ، نَجِدُ أَنَّهُ غَالِبًا مَا يَتِمُّ إِرْسَالُهُمْ إِلَى حَبْسٍ انْفِرادِيٍّ، حَيْثُ يَتِمُّ عَزْلُهُمْ عَنْ أَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّواصُلِ الْبَشَرِيِّ وَالصَّدَاقَةِ. هَكَذا كَانَتْ حَالُ يَسُوعَ. تَمَّ اقْتِيادُهُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِمُواجَهَةِ هَذِهِ التَّجْرِبَةِ الْمُضْرَمَةِ مِنَ الْجَحِيمِ وَهْوَ وَحِيدٌ تَمامًا.
حينَ جُرِّبَ آدَمُ، جُرِّبَ فِي مَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِمَطْعَمِ الذَّوَّاقَةِ. لأَنَّهُ فِي الأَراضِي الْخَصْبَةِ الْمُحِيطَةِ بِعَدْنٍ كَانَتْ تُوجَدُ أَشْجَارٌ تَحْمِلُ شَتَّى أَنْوَاعِ الثَّمَرِ الشَّهِيِّ لِلأَكْلِ، وَقَدْ مُنِحَ آدَمُ وَحَوَّاءُ حُرِّيَّةَ الاخْتِيارِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْواعِ تِلْكَ الأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ لِيُشْبِعَا جُوعَهُمَا. جُرِّبَ يَسُوعُ حِينَ كانَ فِي حَالَةِ صَوْمٍ، حِينَ امْتَنَعَ عَنِ الأَكْلِ طَوالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. إِذًا، بَيْنَما جُرِّبَ آدَمُ الأَوَّلُ فِيمَا كَانَ بَطْنُهُ مَلْآنًا، جُرِّبَ آدَمُ الْجَدِيدُ فيمَا كانَ يَتَضَوَّرُ جُوعًا. إِذًا، نَحْنُ نَرَى الْفَرْقَ الشَّاسِعَ.
إِلَيْكُمْ فَرْقًا وَاحِدًا بَعْدُ، أَجِدُ أَنَّهُ مِنَ الضَّرُورِيِّ الإِشارَةُ إِلَيْهِ. حِينَ جُرِّبَ آدَمُ لَمْ يَكُنِ ارْتِكابُ الْخَطِيَّةِ أَمْرًا اعْتِيادِيًّا، لَمْ تَكُنِ الْخَطِيَّةُ مَعْرُوفَةً قَبْلَ أَنْ يَرْتَكِبَهَا آدَمُ وَحَوَّاءُ. لَكِنْ حِينَ جُرِّبَ يَسُوعُ، لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ أَمْرٌ أَكْثَرُ شُيُوعًا فِي عَالَمِهِ مِنْ وُجُودِ الْخَطِيَّةِ. تَقُولُ: "وإِنْ يَكُنْ". لأَنَّ أَحَدَ أَعْظَمِ الأُمُورِ الَّتِي تُضْعِفُ عَزْمَنا لِنَكُونَ أَبْرارًا هُوَ أَنَّ الْكُلَّ حَوْلَنا يَرْتَكِبُ الْخَطِيَّةَ، فَلِماذَا لا يَجْدُرُ بِنَا ارْتِكابُها؟ لَكِنْ كانَ عَلَى يَسُوعَ أَنْ يَعْمَلَ ضِدَّ الْمُمَارَسَةِ الاعْتِيادِيَّةِ لِلْبَشَرِ بَيْنَمَا كانَ يَجْتَازُ تِلْكَ الامْتِحاناتِ.
أَشَرْتُ لِلتَّوِّ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ آدَمَ الأَوَّلِ وَآدَمَ الثَّانِي فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِتَجْرِبَتِهِما. لَكِنْ أَكْثَرُ مَا أُرِيدُ أَنْ نَفْهَمَهُ الْيَوْمَ هُوَ التَّشَابُهُ بَيْنَ التَّجْرِبَتَيْنِ، أَيْ أَنَّ نُقْطَةَ هُجُومِ الشَّيْطانِ ضِدَّ آدَمَ وَضِدَّ يَسُوعَ هِيَ نَفْسُهَا فِعْلِيًّا.
فَلْنَدْرُسْ أَوَّلًا طَرِيقَةَ مُهَاجَمَةِ الْحَيَّةِ آدَمَ مِنْ خِلالِ حَوَّاءَ. كَانَتِ الْحَيَّةُ أحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ، وَحِينَ هَاجَمَتْ حَوَّاءَ هاجَمَتْها بِتَجْرِبَةٍ مُبَطَّنَةٍ بِحِيلَةٍ. جَاءَتْ طَارِحَةً مَا بَدَا سُؤالًا بَسِيطًا جِدًّا: "أَحَقًّا قَالَ اللهُ لا تَأكُلا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟" دَعُونِي أَسْأَلْكُمْ "هَلْ قَالَ اللهُ ذَلِكَ؟" عَلَى الْعَكْسِ، لَمَّا صَحَّحَتْ حَوَّاءُ مَعْلُومَاتِ الْحَيَّةِ قَالَتْ: "لا، هُوَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ، قَالَ مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، لَكِنَّهُ وَضَعَ حَظْرًا عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَقالَ إِنَّهُ لا يَجْدُرُ بِنَا لَمْسُها، لأَنَّنَا إِنْ أكَلْنا مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ فَسَنَمُوتُ حَتْمًا". هَلْ تَرَوْنَ حَذَاقَةَ الطَّرِيقَةِ الَّتِي هَاجَمَتْ بِهَا الْحَيَّةُ حَوَّاءَ؟ أَحَقًّا قَالَ اللهُ لا تَأْكُلَا مِنْ هَذِهِ كُلِّها؟
يُشْبِهُ ذَلِكَ الْمُرَاهِقَ الَّذِي تُضْطَرُّ إِلَى مُوَاجَهَتِهِ فِي بَيْتِكَ. مَساءَ الإِثْنَيْنِ، يَقُولُ الْمُراهِقُ "أَيُمْكِنُنِي أَنْ أَسْهَرَ حَتَّى وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ اللَّيْلَةَ، وَأَنْ أَذْهَبَ إِلَى بَيْتِ أَحَدِ أَصْدِقائِي؟ فَهْوَ يُقِيمُ حَفْلَةً". فَتَقُولُ "أَجَل، لَكِنْ سَأَسْمَحُ لَكَ بِفِعْلِ ذَلِكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، لَكِنْ تَذَكَّرْ أَنَّ لَدَيْكَ مَدْرَسَةً غَدًا، وَيَجِبُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ". فَيَقُولُ الْمُرَاهِقُ: "آهٍ شُكْرًا". وَفِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ "أَبِي أَيُمْكِنُنِي أَنْ أَسْتَعِيرَ سَيَّارَتَكَ؟" "بِالطَّبْعِ يُمْكِنُكَ أَنْ تَسْتَعِيرَ السَّيَّارَةَ، لَكِنْ احْرِصْ عَلَى مَلْئِهَا بِالْوَقُودِ وَعَلَى إِرْجَاعِهَا فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ". فِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ يُرِيدُ الذَّهَابَ إِلَى السِّينِمَا، وَفِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ إِلَى الْمَعْرِضِ، وَفِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ إِلَى مَكانٍ آخَرَ. وَلِخَمْسَةِ لَيالٍ عَلَى التَّوالِي تَقُولُ: "نَعَمْ بِالتَّأْكِيدِ". وَفِي اللَّيْلَةِ السَّادِسَةِ يَأْتِي الْمُرَاهِقُ وَيَقُولُ: "أَوَدُّ الذَّهَابَ إِلَى حَفْلَةٍ أُخْرَى". فَتَقُولُ: "لا، عُذْرًا، لا أَسْمَحُ لَكَ بِالْخُرُوجِ" مَا هُوَ الرَّدُّ العالميُّ الْمُعْتَادُ الَّذِي يَتَعَلَّمُهُ كُلُّ مُرَاهِقٍ مَا إِنْ يَبْلُغَ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْعُمْرِ؟ "أَنْتَ لا تَسْمَحُ لِي أَبَدًا بِفِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ". صَحِيحٌ؟ "أَنْتَ لا تَسْمَحُ لِي أَبَدًا بِفِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ". إِنْ قُلْتَ: "نَعَمْ، نَعَمْ، نَعَمْ، نَعَمْ، نَعَمْ، نَعَمْ"، وَفَجْأَةً قُلْتَ: "لا"، أَنْتَ لا تَسْمَحُ لَهُ أَبَدًا بِفِعْلِ أَيِّ شَيْءٍ.
إِنَّهُ الاقْتِراحُ نَفْسُهُ الَّذِي وَضَعَهُ الشَّيْطَانُ فِي ذِهْنِ حَوَّاءَ. "أحَقّا قَالَ اللهُ لا تَأكُلا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟" بِالطَّبْعِ، لَمْ يَقُلِ اللهُ ذَلِك. وَكانَتِ الْحَيَّةُ تَعْرِفُ جَيِّدًا أَنَّ اللهَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ. لَكِنَّ الْفِكْرَةَ هِيَ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِلًّا بِذَاتِكَ، إِنْ لَمْ تَكُنْ حُرًّا تَمامًا لِتَخْتَارَ مَا تُرِيدُ اخْتِيارَهُ، إِنْ وَضَعَ خَالِقُكَ أَيَّ حَظْرٍ أَمَامَكَ، فَأَنْتَ لَسْتَ حُرًّا فِعْلًا. وَرُبَّما هُوَ قَالَ: "لا يُمْكِنُكَ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ أَيِّ شَجَرَةٍ". لَكِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ هَذَا التَّلْمِيحِ الْمَاكِرِ إِلَى تَنَاقُضٍ مُبَاشِرٍ. بَعْدَ أَنْ قَاوَمَتْ حَوَّاءُ لِبَعْضِ الْوَقْتِ وَقالَتْ "لا، مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، لَكِنْ لا يُسْمَحُ لَنَا بِلَمْسِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ لِئَلَّا نَمُوتَ"، فَقالَ الشَّيْطانُ: "لَنْ تَمُوتَا! بل تَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ". إذًا، ما أُرِيدُ أَنْ نَراهُ هُنَا هُوَ أَنَّ الْهُجُومَ كَانَ مُوَجَّهًا ضِدَّ مِصْدَاقِيَّةِ وَسُلْطانِ وَحَقِّ كَلِمَةِ اللهِ.
ذاتَ مَرَّةٍ، عَلَّقَ إِمِيلُ بْرُونَر قائِلًا: "إِنَّ السِّمَةَ الْمُمَيَّزَةَ لِلْحَقِّ هِيَ التَّنَاقُضُ". لَطَالَما كُنْتُ أَنْزَعِجُ لَدَى سَماعِ هَذَا التَّعْلِيقِ فِي "فارْ هَايْت أَلْس إِنْكاوْنْتِر أَزْ بِيغِيغْنُون"، لأَنَّهُ إِنْ كانَ صَحِيحًا أَنَّ التَّناقُضَ هُوَ السِّمَةُ الْمُمَيَّزَةُ لِلْحَقِّ، فَكَيْفَ يُمْكِنُنا أَنْ نُمَيِّزَ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّقْوَى وَعَدَمِ التَّقْوَى؟ وَبَيْنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَبَيْنَ الطَّاعَةِ وَعَدَمِ الطَّاعَةِ؟ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَتَخَيَّلُوا الشَّيْطَانَ يَقُولُ: "نَعَمْ، أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي نَاقَضْتُ مَا قالَهُ اللهُ لَكُمْ، أَنَا أُؤَكِّدُ لَكِ أَنَّكُمَا لَنْ تَمُوتَا. لَكِنْ فِي الأَسَاسِ التَّنَاقُضُ هُوَ السِّمَةُ الْمُمَيَّزَةُ لِلْحَقِّ، وَإِنْ كانَ اللهُ إِلَهَ الْحَقِّ فَهَا قَدْ أَعْلَنْتُ الصِّفَةَ الَّتِي تُمَيِّزُهُ، أَيِ التَّنَاقُضَ". إِذًا، لوْ كانَ التَّناقُضُ هُوَ السِّمَةُ الْمُمَيَّزَةُ لِلْحَقِّ، لَنْ يَكُونَ مسْمُوحًا لِحَوَّاءَ فَحَسْبُ أَنْ تَتْبَعَ تَعْلِيماتِ الشَّيْطَانِ، بَلْ لكَانَ مِنَ الضَّرُورِيِّ لها أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ. إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ يُصْبِحُ تَفْكِيرُنَا مُشَوَّهًا وَمُلْتَوِيًا. لا، التَّنَاقُضُ هُوَ السِّمَةُ الْمُمَيَّزَةُ لِلْكَذِبِ. وَخُلاصَةُ هَذَا الامْتِحانِ كَانَتْ امْتِحانَ جَدَارَةِ اللهِ بِالثِّقَةِ مِنْ خِلالِ التَّناقُضِ.
نَحْنُ نَرَى أَثْنَاءَ تَجْرِبَةِ يَسُوعَ كَيْفَ تَطَوَّرَتِ الأُمُورُ. جَاءَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ، بَعْدَ أَنْ أَمْضَى أَرْبَعِينَ نَهارًا وَلَيْلَةً وَشَعَرَ بِالْجُوعِ. وَحِينَ جَاءَ إِلَيْهِ الْمُجَرِّبُ، اسْمَعُوا مَا قالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ الْحِجَارَةُ خُبْزًا". هَلْ لاحَظْتُمْ ذَلِكَ؟ إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ حَوِّلْ هَذِهِ الْحِجارَةَ إِلَى خُبْزٍ. مَا الَّذِي يَفْعَلُهُ ابْنُ اللهِ وَهْوَ يَتَضَوَّرُ جُوعًا بَعْدَ مُرُورِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا؟ هَلْ أَنْتَ جَائِعٌ؟ أَنْتَ تَمْلِكُ السُّلْطَانَ. حَوَّلِ الْحِجارَةَ إِلَى خُبْزٍ.
تَذَكَّرُوا أَنَّ الْكَلِمَاتِ الأَخِيرَةَ الَّتِي سَمِعَهَا يَسُوعُ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، وَبَعْدَ أَنْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِ، وَبَعْدَ أَنْ تَعَمَّدَ، كَانَتْ وَاحِدَةً مِنْ تِلْكَ الْحَوادِثِ النَّادِرَةِ، حَيْثُ قِيلَ إِنَّ اللهَ تَكَلَّمَ مِنَ السَّماءِ بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ. مَا الَّذِي قَالَهُ؟ "هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ". كانَ قَدْ سَمِعَ الآبَ لِلتَّوِّ يُعْلِنُ مِنَ السَّماءِ أَنَّهُ ابْنُ اللهِ، ثُمَّ جَاءَتِ الْحَيَّةُ قَائِلَةً: "يَا ابْنَ اللهِ، إِنْ كُنْتَ حَقًّا ابْنَ اللهِ، أَوْ بِمَا أَنَّكَ ابْنُ اللهِ"، وَتَحَدَّتْ بِكُلِّ حَذَاقَةٍ الأَمْرَ الَّذِي كانَ الآبُ قَدْ أَكَّدَهُ قَبْلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
إذًا، كَيْفَ رَدَّ يَسُوعُ عَلَى التَّجْرِبَةِ؟ "نَعَمْ أَنَا جَائِعٌ. نَعَمْ أَنَا ابْنُ اللهِ. لَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَتَنَاوَلَ الْفُطُورَ لأَعْلَمَ أَنِّي ابْنُ اللهِ. لَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أُحَوِّلَ هَذِهِ الْحِجارَةَ إِلَى خُبْزٍ. وَالسَّبَبُ أَيُّهَا السَّيِّدُ الشَّيْطَانُ هُوَ أَنَّهُ جَاءَ فِي كَلِمَةِ أَبِي "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ". هَلْ تَرَى ذَلِكَ؟ الْقَضِيَّةُ هِيَ كَلِمَةُ اللهِ. وَقَدْ قالَ يَسُوعُ لِلشَّيْطَانِ: "كَلِمَةُ اللهِ أَهَمُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ مِنْ جُوعِي. أُفَضِّلُ أَنْ أَمُوتَ جُوعًا قَبْل أَنْ أُنْكِرَ مِصْدَاقِيَّةَ كَلِمَةِ أَبِي".
"ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، وَقالَ لَهُ: "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ". "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَسْتَشْهِدَ بِآياتٍ مِنَ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ يَا يَسُوعُ، وَأَرَدْتَ أَنْ تَمْتَحِنَ آياتِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ فَلْنُجَرِّبْ. أَنْتَ تَظُنُّ أَنَّهُ لا يُمْكِنُ نَقْضُ النُّصُوصِ الْكِتابِيَّةِ، وَتَعْتَقِدُ أَنَّ كَلِمَةَ أَبِيكَ صادِقَةٌ، حَسَنًا، فَلْنَصْعَدْ إِلَى فَوْقُ وَسَأَرْمِيكَ عَنْ جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَلا تَقْلَقْ بِشَأْنِ مَا إِذَا كُنْتَ سَتَتَأَذَّى، لأَنَّ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ يَقُولُ إِنَّ أَباكَ سَيُوصِي مَلائِكَتَهُ بِكَ لِئَلَّا تَصْدُمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. إِذًا، إِنْ كُنْتَ تَعْتَقِدُ فِعْلًا أَنَّ اللهَ هُوَ أَبُوكَ، وَكُنْتَ تَعْتَقِدُ فِعْلًا أَنَّ كَلِمَةَ اللهِ صَادِقَةٌ، فَلَيْسَ لَدَيْكَ مَا تَقْلَقُ بِشَأْنِهِ. اقْفِزْ عَنْ جَنَاحِ الْهَيْكَلِ". فَقالَ يَسُوعُ: "مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّكَ لا تَفْهَمُ. أَوَّلُ مَبْدَإٍ فِي تَفْسِيرِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، الْقَاعِدَةُ الأَسَاسِيَّةُ فِي تَفْسِيرِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ أَيُّهَا الشَّيْطَانُ، وَهْيَ أَنَّكَ لا تَضَعُ جُزْءًا مِنَ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ مُقابِلَ جُزْءٍ آخَرَ مِنَ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، لأنَّ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ كُلَّهُ مُتَرابِطٌ مَنْطِقِيًّا، لأَنَّ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ يَقُولُ أَيْضًا: "مَكْتُوبٌ أَيْضًا لَا تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَك". إِذًا، إِنْ وَافَقْتُ عَلَى اقْتِراحِكَ بِأَنْ أَصْعَدَ إِلَى أَعْلَى الْهَيْكَلِ وَأَقْفِزَ، فَإِنِّي بِذَلِكَ أُجَرِّبُ أَبِي. يُمْكِنُكَ أَنْتَ أَنْ تُجَرِّبَنِي، لَكِنِّي لَنْ أُجَرِّبَ أَبِي. أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ تَمَّتْ تَوْصِيَةُ الْمَلائِكَةِ بِي، وَلَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَقْفِزَ عَنْ جَناحِ الْهَيْكَلِ لأَخْتَبِرَ مِصْدَاقِيَّةَ هَذَا الْكَلامِ".
هُنَا بَدَأَ الشَّيْطَانُ يَشْعُرُ بِنَوْعٍ مِنَ الإِحْبَاطِ. ثُمَّ أَصْعَدَهُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدًّا وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدِهَا –تَذَكَّرُوا ذَلِكَ دَائِمًا جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدِهَا– وَقالَ الشَّيْطَانُ: "أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي". كُلُّ الْمَجْدِ الَّذِي يُعْطِيهِ الْعَالَمُ، كُلُّ السُّلْطَانِ وَكُلُّ الْمَمالِكِ، كُلُّ مَا فِي هَذَا الْعَالَمِ أُعْطِيكَ إِيَّاهُ. وَكُلُّ مَا عَلَيْكَ فِعْلُهُ –وَلَنْ يَرَى أَحَدٌ ذَلِكَ– هُوَ أَنْ تُحْنِيَ رُكْبَتَيْكَ قَلِيلًا. اسْجُدْ لِي مَرَّةً وَاحِدَةً فَيَكُونُ الْكُلُّ لَكَ. وَسَأَمْنَحُكَ هَذِهِ الْمَمْلَكَةَ بِدُونِ عَذَابٍ وَلا إِذْلالٍ وَلا أَلَمٍ وَلا صَلْبٍ، مُجَرَّدُ انْحِناءٍ بَسِيطٍ فَيَكُونُ الْكُلُّ لَكَ". فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ".
ثَلاثَ مَرَّاتٍ شَنَّ عَلَيْهِ الْهُجُومَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَمَّ تَوْجِيهُ الْهُجُومِ ضِدَّ مِصْدَاقِيَّةِ كَلِمَةِ اللهِ. وَبِكُلِّ مَا كانَ لَهُ مِنْ حَذَاقَةٍ، بِمَا فِيهَا الاسْتِشْهادُ بِآياتٍ مِنَ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، حَاوَلَ الشَّيْطَانُ أَنْ يُغْرِيَ يَسُوعَ لِيَعْمَلَ ضِدَّ كَلِمَةِ اللهِ. قالَ يَسُوعُ "شُكْرًا عَلَى تَقْدِيمِكَ جَمِيعَ تِلْكَ الْمَمَالِكِ، لَكِنْ تُوجَدُ مُشْكِلَةٌ وَاحِدَةٌ، كَلِمَةُ أَبِي تَقُولُ: "لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ". وَأَخْرَجَ يَسُوعُ الْحَيَّةَ مِنَ الْبَرِّيَّةِ، ثُمَّ تَرَكَ الشَّيْطَانُ يَسُوعَ إِلَى حِينٍ.
لَيْسَتْ هَذِهِ النِّهايَةَ، فَطَوالَ حَياتِهِ سَيُجَرِّبُهُ الشَّيْطانُ، سَيُهاجِمُهُ بِاسْتِمْرارٍ مُحاوِلًا حَثَّهُ عَلَى الذَّهابِ فِي طَرِيقٍ آخَرَ. وَغَالِبًا مَا سَيُجَرَّبُ مِنْ خِلالِ أَصْدِقائِهِ الْمُفَضَّلِينَ. مَا إِنْ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّ عَلَيْهِ الصُّعُودَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَتَأَلَّمَ حَتَّى قَالُوا لَهُ: "حَاشَا! لا يُمْكِنُكَ فِعْلُ ذَلِكَ". وَحِينَ قالَ بُطْرُسُ لِيَسُوعَ أَثْنَاءَ الاعْتِرافِ فِي قَيْصَرِيَّةِ فِيلِبُّسَ إِنَّهُ لا يُمْكِنُهُ الصُّعُودُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَتَأَلَّمَ، مَاذَا قالَ يَسُوعُ؟ مُباشَرَةً بَعْدَ أَنْ لَقَّبَهُ يَسُوعُ بِالصَّخْرَةِ، اسْتَدَارَ نَحْوَ بُطْرُسَ وَقَالَ لَهُ: "اخْرُجْ خَلْفِي يَا شَيْطانُ. سَبَقَ أَنْ سَمِعْتُ هَذِهِ الرِّسالَةَ".
إذًا، أَطاعَ يَسُوعُ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ التَّجْرِبَةِ. وَماذَا حَدَثَ مَا إِنْ غَادَرَتِ الْحَيَّةُ؟ جَاءَ الْمَلائِكَةُ وَصَارُوا يَخْدُمُونَ يَسُوعَ فِي جُوعِهِ وَوَحْدَتِهِ وَأَلَمِهِ. لَمْ يَذْهَبُوا إِلَى هُناكَ فِي الثَّانِيَةِ الأَخِيرَةِ كَمَا حَدَثَ فِي الْجُلْجُثَةِ، لَقَدْ كَانُوا هُناكَ طَوَالَ الْوَقْتِ. وَكانَ يَسُوعُ يَعْلَمُ أَنَّ الآبَ سَيُوصِي مَلائِكَتَهُ بِهِ. لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ الشَّيْطَانَ يَقْتَبِسُ لَهُ تِلْكَ الآيَةِ. وَمَا كانَ يَسُوعُ يُؤْمِنُ بِهِ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمِصْدَاقِيَّةِ كَلِمَةِ أَبِيهِ تَحَقَّقَ تَمامًا حِينَ جاءَ هَؤُلاءِ الْمَلائِكَةُ وَخَدَمُوهُ.