المحاضرة 11: الصعود

نُتابِعُ الآنَ دِرَاسَتَنَا لِعَمَلِ الْمَسِيحِ. وَالْيَوْمَ سَنُرَكِّزُ عَلَى انْطِلاقِهِ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ خِلالَ الصُّعُودِ. إِنْ كَانَ ثَمَّةَ بُعْدٌ فِي حَياةِ يَسُوعَ وَعَمَلِهِ الَّذِي أَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُهْمَلٌ بِشَكْلٍ مُحْزِنٍ فِي حَياةِ الْكَنِيسَةِ الْيَوْمَ، فَهْوَ الاهْتِمامُ بِصُعُودِهِ، مَعَ أَنَّ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ هَذِهِ ذُرْوَةُ عَمَلِ يَسُوعَ، بِقَدْرِ مَا أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أَنْهَى مُهِمَّةَ الْكَفَّارَةِ وَالْقِيامَةِ، عَادَ إِلَى السَّماءِ. تَذْكُرُونَ أَنَّنا فِي بِدَايَةِ هَذِهِ السِّلْسِلَةِ تَكَلَّمْنا عَنِ التَّجَسُّدِ عَلَى أَنَّهُ نُزُولٌ، وَقَرَأْنَا أَنْ لا أَحَدَ يَصْعَدُ إِلَى السَّماءِ إِلَّا مَنْ نَزَلَ مِنَ السَّماءِ. إِذًا، حِينَ يَتَكَلَّمُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ عَنْ صُعُودِ يَسُوعَ فَهْوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ أَمْرٍ أَعْظَمَ بِكَثِيرٍ مِنْ مُجَرَّدِ صُعُودِهِ إِلَى مَكانٍ مَا. لَكِنْ مَا يَصْعَدُ لَهُ وَلأَجْلِهِ هُوَ الْمُهِمُّ جِدًّا فِي فَهْمِنَا لِعَمَلِ يَسُوعَ.

وَقَبْلَ تَنَاوُلِ هَذَا الأَمْرِ، دَعُونِي أَقْرَأُ لَكُمُ الْوَصْفَ الْوَجِيزَ الَّذِي وَصَلَنا عَنْ صُعُودِ يَسُوعَ بِقَلَمِ لُوقَا. إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنِ الصُّعُودِ فِي آخِرِ إِنْجِيلِهِ، وَأَيْضًا فِي الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ مِنْ سِفْرِ أَعْمَالِ الرُّسُلِ. أَوَّلًا، فَلْنَتَنَاوَلْ مَا جاءَ فِي إِنْجِيلِ لُوقَا، حَيْثُ نَقْرَأُ: "وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجًا إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ، انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ".

تُوجَدُ بَعْضُ التَّفاصِيلِ الْبَسِيطَةِ الْمُضافَةِ إِلَى السَّرْدِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ لَنَا لُوقَا فِي بِدَايَةِ سِفْرِ أَعْمالِ الرُّسُلِ. فَلْنَسْتَمِعْ إِلَيْهِ إِنْ شِئْتُمْ: "وَلَمَّا قَالَ هَذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ، وَقَالاَ: "أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هَذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ"". فِي السِّرْدِ الأَوَّلِ قَرَأْنَا أَنَّ يَسُوعَ انْطَلَقَ مِنْ هَذَا الْكَوْكَبِ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. لَمْ يَتِمَّ ذِكْرُ كَيْفِيَّةِ إِصْعادِهِ. هُنا، فِي سِفْرِ أَعْمالِ الرُّسُلِ، قِيلَ لَنا إِنَّ سَحابَةً أَخَذَتْهُ. هَذَا مُثِيرٌ لِلاهْتِمامِ، لأَنَّ تِلْكَ هِيَ سَحَابَةُ الْمَجْدِ. وَسِيلَةُ نَقْلِ رَبِّنا مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّماءِ كَانَتْ مِنْ خِلالِ سَحابَةِ مَجْدِ الله.

ثَمَّةَ تَفاصِيلُ فِي الْقِراءَةِ الأُولَى مَرَرْتُ عَلَيْهَا مُرُورَ الْكِرامِ لأَنِّي أَرَدْتُ مُفَاجَأَتَكُمْ، لَكِنِّي أُرِيدُ الْعَوْدَةَ إِلَيْهَا وَالنَّظَرَ مُجَدَّدًا. فِي إِنْجِيلِ لُوقَا، مَكْتُوبٌ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ أُصْعِدَ يَسُوعُ، رَجَعَ التَّلامِيذُ إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، وَكَانُوا يُسَبِّحونَ اللهَ بِاسْتِمْرارٍ. مَا يَدْفَعُنِي إِلَى التَّأَمُّلِ فِي هَذَا الأَمْرِ وَفِي أَهَمِّيَّتِهِ، هُوَ أَنَّهُ حِينَ أَخْبَرَ يَسُوعُ تَلامِيذَهُ لِلمَرَّةِ الأُولَى بِانْطِلاقِهِ لَمْ يَشْعُرُوا أَبَدًا بِالْفَرَحِ. نَجِدُ ذَلِكَ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، فِي الأَصْحاحِ 16 ابْتِداءً مِنَ الآيَةِ 16، حَيْثُ يَقُولُ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ: "بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضًا تَرَوْنَنِي، لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ. فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ تلاَمِيذِهِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: "مَا هُوَ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ لَنَا: بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضًا تَرَوْنَنِي، وَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ؟" فَتَسَاءَلُوا: "مَا هُوَ هَذَا الْقَلِيلُ الَّذِي يَقُولُ عَنْهُ؟ لَسْنَا نَعْلَمُ بِمَاذَا يَتَكَلَّمُ". فَعَلِمَ يَسُوعُ بِمَاذَا يفكِّرُونَ، فَقَالَ لَهُمْ: "أَعَنْ هَذَا تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي قُلْتُ: بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضًا تَرَوْنَنِي. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلَكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ"".

أَقْصِدُ أَنَّ أَسْوَأَ أَمْرٍ قَالَهُ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ فِي هَذَا الصَّدَدِ، هُوَ أَنَّهُ كَانَ سَيَتْرُكُهُمْ. هُمْ لَمْ يُرِيدُوا أَبَدًا أَنْ يَتْرُكَهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَتَخَيَّلُوا كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِرَحِيلِهِ أَيُّ قِيمَةٍ فِي الْفِداءِ. لَكِنَّهُ شَرَحَ لَهُمْ أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يَرْحَلَ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا فِي الْبِدايَةِ. وَفِي نَوَاحٍ كَثِيرَةٍ، لا أَظُنُّ أَنَّ الْكَنِيسَةَ فَهِمَتِ الأَمْرَ. مَا زِلْنَا نَبْدُو، وَكَما فِي إِطارِ الشُّعُورِ بِالْحَنِينِ، نَتَمَنَّى لَوْ أَنَّنَا كُنَّا أَحْيَاءَ أَثْنَاءَ وُجُودِ يَسُوعَ عَلَى الأَرْضِ. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ غِيابَهُ عَنِ الأَرْضِ أَفْضَلُ لَنا الآنَ مِمَّا كانَ حُضُورُهُ خِلالَ الْقَرْنِ الأَوَّلِ. وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَا بَيْنَ تَفْسِيرِ يَسُوعَ لِتَلامِيذِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يَنْطَلِقَ، وَانْطِلاقِهِ، رَدُّ فِعْلِهِمْ تُجاهَ الأَمْرِ تَغَيَّرَ تَغْيِيرًا جَذْرِيًّا، مِنْ حُزْنٍ عَمِيقٍ وَخَوْفٍ وَخَيْبَةِ أَمَلٍ، الآنَ عَادُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ فَرِحِينَ جِدًّا. لِمَاذَا؟ هَلْ كَانُوا فَرِحِينَ بِرُؤْيَتِهِ يَنْطَلِقُ؟ بِالطَّبْعِ لا. لَكِنَّهُمْ فَهِمُوا سَبَبَ انْطِلاقِهِ وَالْمَكانَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ. وَبِالطَّبْعِ، كَانَ هَذَا سَبَبَ فَرَحِهِمْ.

دَوَّنْتُ عَلَى اللَّوْحِ أَرْبَعَةَ أُمُورٍ تَحْدُثُ جَرَّاءَ صُعُودِ يَسُوعَ، أَرْبَعَةَ أُمُورٍ تَدْعَمُ فِكْرَةَ اسْتِفَادَتِنا مِنِ انْطِلاقِهِ. الأَمْرُ الأَوَّلُ أُسَمِّيهِ بِبَسَاطَةٍ الْمَجْدَ. إِنْ دَرَسْنَا الأَصْحَاحَ 17 مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، أَيْ صَلاةَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّتِي صَلَّاها يَسُوعُ فِي حُضُورِ تَلامِيذِهِ فِي الْعُلِّيَّةِ، اسْتَهَلَّ الصَّلاةَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ "تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ، قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضًا، إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَانًا عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ. وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ. وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ".

هُوَ تَرَكَ ذَلِكَ الْمَجْدَ لَدَى نُزُولِهِ فِي التَّجَسُّدِ، وَهَا إِنَّ يَسُوعَ يُصَلِّي الآنَ فِي الْعُلِّيَّةِ "أَيُّهَا الآبُ، أُرِيدُ اسْتِرْدادَ الْمَجْدِ. دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ بِالْمَجْدِ الَّذِي كانَ لِي عِنْدَكَ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ". وَحِينَ يَتْرُكُ يَسُوعُ هَذَا الْعَالَمَ عَلَى سَحَابَةِ الْمَجْدِ، سَوْفَ يَرْجِعُ إِلَى عَالَمِ الْمَجْدِ. سَوْفَ يَنَالُ ذَلِكَ الْمَجْدَ الَّذِي كانَ لَهُ مَعَ الآبِ مُنْذُ الأَزَلِ، وَهْوَ كَانَ قَدْ تَخَلَّى عَنْهُ أَثْناءَ تَجَسُّدِهِ عَلَى الأَرْضِ. إِذًا، هَذَا أَوَّلُ أَمْرٍ يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَهُ بِشَأْنِ أَهَمِّيَّةِ الصُّعُودِ؛ إِنَّهُ أَمْرٌ مَجِيدٌ. وَالأَشْخاصُ الَّذِينَ يُحِبُّونَ يَسُوعَ – تَلامِيذُهُ الَّذِينَ كَانُوا يُسَبِّحُونَهُ وَرَجَعُوا إِلَى الْهَيْكَلِ لِيُسَبِّحُوهُ بَعْدَ انْطِلاقِهِ، لأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا أَنَّهُ سَيَسْتَرِدُّ مَجْدَهُ. كانَ الإِذْلالُ قَدِ انْتَهَى وَالتَّمْجِيدُ قَدِ ازْدَادَ.

لَكِنْ تُوجَدُ أَبْعادٌ مُهِمَّةٌ أُخْرَى لِذَلِكَ الصُّعُودِ. الأَمْرُ التَّالِي الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ، هُوَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ. فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ نَفْسِهَا، فِي الْحَدِيثِ الَّذِي كانَ لِيَسُوعَ مَعَ تَلامِيذِهِ فِي الْعُلِّيَّةِ – وَقَدْ تَمَّ تَدْوِينُهُ لَنَا فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا – فَسَّرَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ أَنَّهُ سَيَنْطَلِقُ، لِكَيْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بَارَاقْلِيطَ آخَرَ. غَالِبًا، حِينَ نَسْتَعْمِلُ كَلِمَةَ "بَارَاقْلِيطَ"، نَظُنُّ أَنَّنَا نُشِيرُ بِبَسَاطَةٍ إِلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ. لا، فَالرُّوحُ الْقُدُسُ لَيْسَ بَارَاقْلِيطَ، الرُّوحُ الْقُدُسُ هُوَ بَاراقْلِيطُ آخَرُ. بَارَاقْلِيطُ الأَسَاسِي هُوَ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ، كَمَا سَبَقَ وَرَأَيْنَا أَنَّهُ تَعْزِيَةُ إِسْرَائِيلَ.

أَمَّا التَّرْجَماتُ الإِنْجْلِيزِيَّةُ الْقَدِيمَةُ لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، فَتُشِيرُ إِلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ عَلَى أَنَّهُ الْمُعَزِّي. وَنَحْنُ نَعْتَقِدُ أَنَّ الْهَدَفَ مِنْ دُخُولِ الرُّوحِ الْقُدُسِ إِلَى حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ هُوَ تَعْزِيَةُ الْمُتَأَلِّمِينَ، وَالْمُعَذَّبِينَ، وَمَنْ يَحْتَاجُ إِلَى تَعْزِيَةٍ. إِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ. لَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى الأَسَاسِيَّ لِكَلِمَةِ "مُعَزِّي" كَمَا وَرَدَ فِي اللُّغَةِ الإِنْجْلِيزِيَّةِ الْقَدِيمَةِ. التَّرْجَمَةُ الْقَدِيمَةُ لِكَلِمَةِ بَارَاقْلِيطَ هِيَ كَلِمَةُ "مُعَزِّي" – اسْتِنادًا إِلَى الْمَعْنَى الأَسَاسِيِّ لِكَلِمَةِ "تَعْزِيَةٍ" – وَمَعْنَاهَا "مَعَ قُوَّةٍ". إِذًا لَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالْكَلِمَةِ التَّعْزِيَةَ، بِقَدْرِ مَا تَقْصِدُ الْقُوَّةَ. كانَتْ تُطْلَقُ تَسْمِيَةُ بَارَاقْلِيطَ عَلَى مُحَامِي الْعَائِلَةِ فِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ. وَإِنْ وَاجَهْتَ مُشْكِلَةً صَعْبَةً، كُنْتَ تَسْتَدْعِي بَارَاقْلِيطَ. وَكَلِمَةُ "بَارَاقْلِيطُ" تَعْنِي "الْمَدْعُوَّ لِلْوُقُوفِ إِلَى جَانِبِكَ".

وَقَدْ قَالَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ: "سَوْفَ تُطْرَدُونَ إِلَى السُّجُونِ، وَسَيُبْغِضُكُمُ النَّاسُ وَيَحْتَقِرُونَكُمْ، لَكِنْ حِينَ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى الْمَجامِعِ تَشَدَّدُوا لا تَخَافُوا، لأَنِّي أُرْسِلُ الْمُعَزِّي بَارَاقْلِيطَ لِيُعْطِيَكُمْ قُوَّةً، وَيَقِفَ إِلَى جَانِبِكُمْ لِكَيْ تَكُونُوا أُمَناءَ فِي وَقْتِ الأَزَمَاتِ". تَذَكَّرُوا أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا لِتَلامِيذِهِ أَنَّهُ بَعْدَ انْطِلاقِهِ، قَالَ: "اذْهَبُوا إِلَى مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ وَأَقِيمُوا فِيهَا. انْتَظِرُوا لِبَعْضِ الْوَقْتِ، لأَنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً بَعْدَ حُلُولِ الرُّوحِ الْقُدُسِ عَلَيْكُمْ". مُجَدَّدًا، قالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "لَنْ أَتْرُكَكُمْ، سَأَكُونُ مَعَكُمْ. بالرَّغْمِ من أَنِّي سَأَنْطَلِقُ نَوْعًا مَا، إِلَّا أَنِّي سَأَكُونُ مَعَكُمْ حَتَّى أَقاصِي الأَرْضِ". آخِرُ سُؤالٍ طَرَحَهُ التَّلامِيذُ عَلَى يَسُوعَ قَبْلَ الصُّعُودِ كانَ: "يَا رَبُّ، هَلْ فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟" وَماذَا قَالَ يَسُوعُ؟ قَالَ بِمَا مَعْنَاهُ: "لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا مَتَى أَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى مَمْلَكَةِ إِسْرائِيلَ، لَكِنَّ مَسْؤُولِيَّتَكُمْ هِيَ الآتِيَةُ: سَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ".

إذًا، أَحَدُ أَهَمِّ أَسْبابِ صُعُودِ يَسُوعَ لِيَجْلِسَ عَنْ يَمِينِ الآبِ، كَانَ حُلُولَ يَوْمِ الْخَمْسِينَ، أَنْ يَفِيضَ الآبُ وَالابْنُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ عَلَى الْكَنِيسَةِ. وَالْهَدَفُ مِنِ انْسِكابِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، كَانَ تَمْكِينَ الْكَنِيسَةِ مِنْ تَتْمِيمِ مُهِمَّتِها الأَرْضِيَّةِ، وَتَمْكِينَ الْكَنِيسَةِ لِلْخِدْمَةِ. مُجَدَّدًا، الشَّهَادَةُ لِلْمَسِيحِ فِي عالَمٍ فَاسِدٍ تَتَطَلَّبُ قُوَّةً أَعْظَمَ مِنْ قُوَّتِنا. وَنَحْنُ مَدْعُوُّونَ لِنَشْهَدَ لِمَلَكُوتِ اللهِ وَهْوَ غَيْرُ مَنْظُورٍ. قَالَ جُون كَالْفِنْ إِنَّ أَهَمَّ مُهِمَّةٍ تُؤَدِّيهَا الْكَنِيسَةُ هِيَ أَنْ تَكُونَ الْكَنِيسَةُ شَهَادَةً مَنْظُورَةً لِلْمَلَكُوتِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ. لِذَا نَحْنُ نَحْتَاجُ إِلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ لِتَتْمِيمِ تِلْكَ الرِّسالَةِ. إِذًا، انْطَلَقَ يَسُوعُ لِكَيْ يَقْدِرَ أَنْ يُرْسِلَ الرُّوحَ يَوْمَ الْخَمْسِينِ، وَلِيُمَكِّنَ الْكَنِيسَةَ مِنْ تَتْمِيمِ مُهِمَّتِها عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ. وَالرُّوحُ كَانَ حُضُورَهُ الرُّوحِيَّ مَعَنا بَعْدَ انْطِلاقِهِ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ.

يُوجَدُ أَيْضًا مَغْزَيَانِ آخَرَانِ مِنِ انْطلاقِ يَسُوعَ فِي الصُّعُودِ. وَرُبَّمَا التَّالِي هُوَ الأَكْثَرُ وُضُوحًا. مَا ذَهَبَ لأَجْلِهِ حِينَ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ لَمْ يَكُنْ بِبَسَاطَةٍ دُخُولَ راحَتِهِ، لَكِنَّهُ كَانَ ذَاهِبًا لأَجْلِ تَتْوِيجِهِ. كَانَ ذَاهِبًا لأَجْلِ خِدْمَةِ تَنْصِيبِهِ. كَانَ يَعْتَلِي الْعَرْشَ. كَانَ يُرْفَعُ لِيَجْلِسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ حَيْثُ نَالَ السِّيَادَةَ وَالْقُوَّةَ وَالسُّلْطَانَ عَلَى الأَرْضِ كُلِّها، لِكَيْ يُرَى الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ كَأَسَدِ يَهُوذَا الَّذِي سَيَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ. أَيْضًا، لَمْ تَفْهَمِ الْكَنِيسَةُ. لا يَزالُ أُنَاسٌ كُثُرٌ يَنْظُرُونَ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُسْتَقْبَلِ الَّذِي لَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ، لَكِنَّ الْمَلَكُوتَ قَدْ بَدَأَ. لِمَاذَا؟ لأَنَّ الْمَلِكَ قَدْ تُوِّجَ. لَقَدِ انْطَلَقَ الْمَلِكُ لِيَتِمَّ تَتْوِيجُهُ، وَالآبُ قَدْ قامَ بِتَنْصِيبِهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ كُلَّ سُلْطَانٍ فِي السَّماءِ وَعَلَى الأَرْضِ. هَذَا حَدَثٌ كَوْنِيٌّ؛ تَتْوِيجُ الْمَسِيحِ. نَحْنُ نُسَمِّيهِ "التَّجْلِيسَ".

نَحْنُ نَتْلُو قَانُونَ الإِيمانِ، وَنَقُولُ إِنَّهُ صَعِدَ إِلَى السَّماءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ الآبِ الْقَدِيرِ. هَذَا ما يُعْرَفُ بِجُلُوسِ الْمَسِيحِ. وَهْوَ لا يَجْلِسُ فِي الْجَوْقَةِ وَلا عَلَى الْمَقْعَدِ، إِنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ السُّلْطَةِ عَنْ يَمِينِ الآبِ، كَمَا لَوْ أَنَّهُ رَئِيسُ الْوُزَراءِ السَّماوِيُّ. وَاللَّقَبُ الَّذِي يُطْلِقُهُ عَلَيْهِ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ فِي هَذَا الصَّدَدِ هُوَ مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، مَا يَعْنِي أَنَّ أَعْلَى مَرْكَزِ سُلْطَةٍ فِي الْكَوْنِ، يَشْغَلُهُ الْمَسِيحُ. هُوَ لَمْ يَعُدْ ذَلِكَ الْمُعَلِّمَ الْمُتَجَوِّلَ الَّذي يَجُولُ فِي الْجَلِيلِ وَالْيَهُودِيَّةِ، إِنَّهُ مُتَوَّجٌ. وَمَا مِنْ حَاكِمٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ يَقْدِرُ أَنْ يَحْكُمَ لِلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ بِدُونِ سُلْطَانِ اللهِ. إِنَّهُ يَرْفَعُ مَمَالِكَ وَيَهْدِمُ مَمَالِكَ. وَمَلِكُنا الَّذِي هُوَ مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبابِ لا يُقَدِّمُ حِسابًا لأَيِّ حَاكِمٍ أَرْضِيٍّ. إِذًا، هَذَا وَضْعٌ هَائِلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا. لِذَا مِنَ الأَفْضَلِ لَنَا أَنْ يَنْطَلِقَ يَسُوعُ عَلَى أَنْ يَبْقَى، لأَنَّهُ انْطَلَقَ لِيَجْلِسَ عَنْ يَمِينِ الآبِ.

أَخِيرًا، الأَمْرُ الرَّابِعُ الَّذِي يَحْدُثُ أَثْنَاءَ الصُّعُودِ، هُوَ أَنَّ يَسُوعَ رَئِيسَ كَهَنَتِنَا يَدْخُلُ إِلَى الْمَسْكَنِ السَّماوِيِّ، إِلَى قُدْسِ الأَقْداسِ حَيْثُ يَلْعَبُ دَوْرَ الْكَاهِنِ وَالْمَلِكِ لأَجْلِنَا. إِنَّهُ الْمَلِكُ، وَهْوَ الْكَاهِنُ. وَالاطِّلاعُ بِهَذِهِ الأَدْوارِ الْمُزْدَوِجَةِ مُهِمٌّ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنا، لأَنَّ لَدَيْنَا كَاهِنًا، لَدَيْنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ، لَدَيْنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَظِيمًا عَاشَ بَيْنَنا، وَهْوَ يَرْثِي لِمَشَاعِرِنَا وَيَرْثِي لِضَعَفاتِنا، وَهْوَ يَعِيشُ فِي مَحْضَرِ اللهِ وَيَتَشَفَّعُ كَرَئِيسِ كَهَنَةٍ. هُوَ لا يُقَدِّمُ الذَّبائِحَ عَنَّا فَوْقُ، فَالذَّبِيحَةُ الَّتِي قَدَّمَها عَلَى الصَّلِيبِ تَمَّتْ مَرَّةً وَإِلَى الأَبَدِ. وَلَيْسَ عَلَى الابْنِ أَنْ يُذَكِّرَ الآبَ فِي قُدَّاسٍ يَوْمِيٍّ فِي السَّماءِ بِأَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا فَعَلَ وَحَقَّقَ مَرَّةً وَإِلَى الأَبَدِ فِي الْكَفَّارَةِ. هَذَا الْعَمَلُ قَدْ أُكْمِلَ.

لَكِنْ لَيْسَ هَذَا كُلَّ مَا تَمَّ فِي خِدْمَتِهِ الْكَهْنُوتِيَّةِ. الْخِدْمَةُ الْكَهْنُوتِيَّةُ الأُخْرَى تَسْتَمِرُّ، وَهْيَ خِدْمَةُ التَّشَفُّعِ. فَلْنَقْرَأْ مُجَدَّدًا مَا جَاءَ فِي يُوحَنَّا 17، وَسَأَبْدَأُ بِالآيَةِ 6 حَيْثُ قَالَ يَسُوعُ: "أَنَا أَظْهَرْتُ اسْمَكَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَالَمِ. كَانُوا لَكَ وَأَعْطَيْتَهُمْ لِي، وَقَدْ حَفِظُوا كَلَامَكَ. وَالآنَ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَيْتَنِي هُوَ مِنْ عِنْدِكَ، لأَنَّ الْكلاَمَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ، وَهُمْ قَبِلُوا وَعَلِمُوا يَقِينًا أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ، وَآمَنُوا أَنَّكَ أَنْتَ أَرْسَلْتَنِي". والآنَ اسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ: "مِنْ أَجْلِهِمْ أَنَا أَسْأَلُ. لَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ الْعَالَمِ، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لأَنَّهُمْ لَكَ. وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ". ثُمَّ يَسْأَلُ الآبَ أَنْ يَحْفَظَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَعْطَاهُمْ لِيَسُوعَ لِكَيْ يُثَابِرُوا.

لَدَيْنَا عَقِيدَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِـ"مُثَابَرَةِ الْقِدِّيسِينَ". أَنَا لا أُحِبُّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ، لأَنَّهُ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ يُثَابِرُونَ، هَذَا لَيْسَ لأَنَّنَا نَمْلِكُ قُوَّةَ الْمُثَابَرَةِ فِي دَاخِلِنا. لَوْ تُرِكَ لِي أَمْرُ الْمُثَابَرَةِ فِي سُلُوكِي الْمَسِيحِيِّ لَوَقَعْتُ وَتَعَثَّرْتُ وَتَرَكْتُ الْمَلَكُوتَ غَدًا. لَكِنْ مَنْ يُثَابِرُ فِعْلًا هُوَ اللهُ. إِنَّهُ يُثَابِرُ مَعَ أَوْلادِهِ وَيَعْمَلُ عَلَى حِفْظِهِمْ. وَإِحْدَى الطُّرُقِ الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي يَحْفَظُ بِهَا اللهُ شَعْبَهُ، هِيَ مِنْ خِلالِ تَشَفُّعِ يَسُوعَ كَكَاهِنٍ.

دَعُونِي أَخْتِمُ ذَلِكَ عَبْرَ تَذْكِيرِكُمْ بِحَادِثَةٍ تَمَّتْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي سَبَقَتْ مَوْتَ يَسُوعَ. حِينَ كَانَ مُجْتَمِعًا مَعَ تَلامِيذِهِ قَالَ لَهُمْ إِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ سَيُسَلِّمُهُ – أَيْ يَهُوذَا. وَبَعْدَ أَنْ ذَهَبُوا فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْغُرْفَةِ مُتَسَائِلِينَ: "يَا رَبُّ هَلْ أَنَا هُوَ مَنْ سَيُسَلِّمُكَ؟" أَخِيرًا نَظَرَ يَسُوعُ إِلَى يَهُوذَا قَائِلًا: "أَنْتَ قُلْتَ. مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ"، وَصَرَفَ يَهُوذَا لِيُتَمِّمَ عَمَلَ خِيَانَتِهِ. وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ نِهَايَةَ يَهُوذَا كَانَتْ كَارِثِيَّةً. لَكِنْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ نَفْسِها كانَ يُوجَدُ تِلْمِيذٌ آخَرُ عِنْدَ الْمَائِدَةِ نَفْسِها، قالَ عَنْهُ يَسُوعُ إِنَّهُ سَيُنْكِرُهُ عَلَنًا ثَلاثَ مَرَّاتٍ. وَماذَا قالَ لِبُطْرُسَ؟ قال: "سِمْعَانُ سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!" فاذْهَبْ وَافْعَلْ فِعْلَكَ، لا، "وَلَكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ تُثَبِّتَ إِخْوَتَكَ مَتَى رَجَعْتَ".

مَاذَا كانَ الْفَرْقُ بَيْنَ يَهُوذَا وَبُطْرُسَ؟ يَسُوعُ لَمْ يُصَلِّ لأَجْلِ يَهُوذَا. هُوَ قالَ: "وَلَمْ يَهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ابْنُ الْهلاَكِ، الَّذِي هُوَ ابْنُ ُالْهَلاكِ مُنْذُ الْبِدايَةِ". لَكِنَّ الآبَ كانَ قَدْ أَعْطَى بُطْرُسَ لِيَسُوعَ، وَإِنْكارُهُ كَانَ مُرَوِّعًا وَجَرِيمَةً شَائِنَةً. قَالَ يَسُوعُ: "افْعَلِ الأَمْرَ، لَكِنِّي صَلَّيْتُ لأَجْلِكَ بِحَيْثُ إِنَّكَ إِنْ رَجَعْتَ..." هُوَ لَمْ يَقُلْ: "إِنْ رَجَعْتَ"، بَلْ قَالَ: "مَتَى رَجَعْتَ، ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ". وَيَسُوعُ نَفْسُهُ هَذَا مَوْجُودٌ فِي السَّماءِ الْيَوْمَ لِيَتَشَفَّعَ لأَجْلِكَ وَلِأَجْلِي إِنْ كُنَّا خَاصَّتَهُ فِعْلًا. إِذًا الصُّعُودُ يَتَعَلَّقُ بِانْتِصارِ يَسُوعَ الْمَجِيدِ، إِنَّهُ بِمَثَابَةِ نُقْطَةِ تَعَجُّبٍ مُضَافَةٍ إِلَى خِدْمَتِهِ الأَرْضِيَّةِ.