المحاضرة 5: هَذَا الْجِيلُ
فِي دِرَاسَتِنَا لِأَزْمَةِ الْأُخْرَوِيَّاتِ فِي أَيَّامِنَا، رَكَّزْنَا كَثِيرًا عَلَى النَقْدِ الَذِي تَمَّ شَنُّهُ ضِدَّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَضِدَّ مِصْدَاقِيَّةِ يَسُوعَ، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنُبُوَّاتِ غَيْرِ الْمُتَمَّمَةِ الَتِي أَعْلَنَهَا يَسُوعُ وَالرُسُلُ أَيْضًا بِشَأْنِ مَجِيءِ الْمَسِيحِ. وَحَاوَلَ النُقَّادُ أَنْ يُبَرْهِنُوا أَنَّ مَجِيءَ الْمَسِيحِ الَذِي تَمَّ التَنَبُّؤُ بِهِ لَمْ يَحْدُثْ ضِمْنَ الْإِطَارِ الزَمَنِيِّ الَذِي حَدَّدَهُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ لِتَتْمِيمِ هَذَا الْحَدَثِ.
وَكَمَا رَأَيْنَا حَتَّى الْآنَ فِي دِرَاسَاتِنَا، أَنَّ الْعِبَارَةَ الَتِي أَثَارَتْ جَدَلًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ، هِيَ عِبَارَةُ "هَذَا الْجِيلِ". لَاحِظْ قَوْلَهُ "إِنَّهُ لَاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ (سَنَسْتَخْدِمُ كَلِمَةَ "يَمْضِي") حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ". إِنَّ الْمَعْنَى الْعَادِيَّ وَالْبَدِيهِيَّ لِهَذَا النَصِّ، كَمَا قَالَ بِيرْتْرَانْدْ رَاسِيلْ (Bertrand Russell) فِي إِطَارِ نَقْدِهِ لِلْمَسِيحِيَّةِ، بِالْإِضَافَةِ لِمَا قَالَهُ النُقَّادُ فِي مَجَالِ الدِرَاسَاتِ الْكِتَابِيَّةِ، هُوَ أَنَّ هَذَا الْجِيلَ يُشِيرُ حَرْفِيًّا إِلَى الْقَوْمِ الَذِينَ كَانُوا مُعَاصِرِينَ لِيَسُوعَ، وَالْجِيلُ يَدُومُ حَوَالَيْ أَرْبَعِينَ سَنَةً. وَكَلِمَةُ "يَمْضِي" تُشِيرُ إِلَى مَوْتِهِمْ، أَيْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَنْ يَمُوتُوا جَمِيعًا أَوْ يَمْضُوا حَتَّى يَتِمَّ كُلُّ كَلَامِ النُبُوَّةِ. وَكَلِمَةُ "الْكُلُّ" تَشْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ.
وَكَمَا ذَكَرْتُ سَابِقًا، فَإِنَّنَا نَرَى أَنَّ الْمُشْكِلَةَ تَتَفَاقَمُ لَدَى مَعْرِفَتِنَا بِأَنَّ مَا دَفَعَ إِلَى الْحَدِيثِ كُلِّهِ هُوَ نُبُوَّةُ يَسُوعَ بِدَمَارِ الْهَيْكَلِ فِي أُورُشَلِيمَ وَدَمَارِ مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ، الْأَمْرُ الَذِي تَمَّ ضِمْنَ فَتْرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْدَاثَ تَمَّتْ فِي عَامِ 70 مِيلَادِيًّا. إِذَنْ، مَرَّةً أُخْرَى أَعْتَقِدُ أَنَّنَا نَرَى وَنَشْعُرُ بِوَطْأَةِ الْمُشْكِلَةِ. وَالسَبَبُ الَذِي مِنْ أَجْلِهِ أَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْفِكْرَةَ هُوَ أَنَّنِي لَسْتُ مُقْتَنِعًا بِأَنَّ الْمَسِيحِيِّينَ الْإِنْجِيلِيِّينَ يَشْعُرُونَ فِعْلًا بِوَطْأَةِ الْمُشْكِلَةِ، وَهَذَا جُزْءٌ مِنْ مُشْكِلَةِ تَجَاهُلِ النَقْدِ الْعَالِي، وَالْقِيَامِ بِمُخَاطَبَةِ الْمُؤَيِّدِينَ لَنَا فِي الْفِكْرِ فَقَطْ وَالتَكَلُّمِ فِيمَا بَيْنَنَا مِنْ دُونِ الْإِصْغَاءِ إِلَى النَقْدِ الْمُثَارِ، فِيمَا يَتَوَجَّبُ عَلَيْنَا تَقْدِيمُ جَوَابٍ لِهَؤُلَاءِ النُقَّادِ الَذِينَ دَمَّرُوا الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَشَخْصَ الْمَسِيحِ. لِذَا أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ وَاجِبِنَا كَمَسِيحِيِّينَ يُؤْمِنُونَ بِأُلُوهِيَّةِ الْمَسِيحِ وَبِوَحْيِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَنْ نَشْعُرَ بِثِقْلِ الْمُشْكِلَةِ وَأَنْ نُعَالِجَهَا عِنْدَمَا نُوَاجِهُهَا.
يَشْعُرُ الْكَثِيرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ مَنْفَذَ الْهُرُوبِ مِنْ هَذِهِ الصُعُوبَةِ مَوْجُودٌ فِي الْآيَةِ 32 مِنْ إِنْجِيلِ مَرْقُسَ الأَصْحَاحِ 13. فَمُبَاشَرَةٌ بَعْدَ أَنْ أَشَارَ يَسُوعُ مُجَدَّدًا إِلَى الْإِطَارِ الزَمَنِيِّ، يَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى فِي الْآيَةِ 30: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ". دَعُونِي أُذَكِّرُكُمْ مُجَدَّدًا بِأَنَّ يَسُوعَ قَالَ هَذَا الْكَلامَ هُنَا بِأُسْلُوبٍ تَوْكِيدِيٍّ. لا أَعْتَقِدُ أَنَّ يَسُوعَ شَدَّدَ يَوْمًا عَلَى مَسْأَلَةِ الإِطَارِ الزَمَنِيِّ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَ هُنَا حِينَ قَالَ: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ". ثُمَّ يُتَابِعُ بِالتَفْصِيلِ قَائِلًا: "اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ". إِذَنْ، يُعَلِّقُ يَسُوعُ جُزْءًا كَبِيرًا مِنْ مِصْدَاقِيَّتِهِ عَلَى مَا يَقُولُهُ هُنَا. هَذَا هُوَ كَلَامِي، وَكَلَامِي يَدُومُ أَكْثَرَ مِنَ السَمَاءِ وَالْأَرْضِ.
ثُمَّ نَرَى مَنْفَذَ الْهُرُوبِ فِي الْآيَةِ 32: "وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ، فَلَاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلَاَ الْمَلَاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلَاَ الِاِبْنُ إِلَّا الْآبُ". الْآيَةُ 32 هِيَ مِنْ أَكْثَرِ الْآيَاتِ إِثَارَةً لِلْجَدَلِ فِي إِنْجِيلِ مَرْقُسَ كُلِّهِ. فَإِلَى جَانِبِ أُمُورٍ أُخْرَى، هَذِهِ آيَةٌ يَضَعُ فِيهَا يَسُوعُ حُدُودًا لِمَعْرِفَتِهِ، حِينَ قَالَ إِنَّ لَا أَحَدَ يَعْرِفُ الْيَوْمَ وَلَا السَاعَةَ، وَلَا حَتَّى الْمَلَائِكَةُ وَلَا الِابْنُ إِلَّا الْآبُ. أَثَارَ ذَلِكَ شَتَّى أَنْوَاعِ الْجِدَالَاتِ حَوْلَ طَبِيعَةِ الْمَسِيحِ، فِي حِينِ أَنَّهُ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ يَسُوعَ كَانَ يُشِيرُ هُنَا إِلَى طَبِيعَتِهِ الْبَشَرِيَّةِ، وَالطَبِيعَةُ الْبَشَرِيَّةُ لَيْسَتْ كُلِّيَّةَ الْمَعْرِفَةِ.
إِنَّهُ لَمِنَ الْهَرْطَقَةِ التَأْكِيدُ عَلَى أَنَّ طَبِيعَةَ الْمَسِيحِ الْبَشَرِيَّةَ كَانَتْ تَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ. فَطَبِيعَتُهُ الْإِلَهِيَّةُ بِالتَأْكِيدِ كَانَتْ تَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ، أَمَّا طَبِيعَتُهُ الْبَشَرِيَّةُ فَلَمْ تَكُنْ تَعْرَفُ إِلَّا مَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ الْعَادِيِّ أَنْ يَعْرِفَهُ، أَوْ مَا يُخْبِرُ بِهِ اللَّهُ الْإِنْسَانَ الْعَادِيَّ. فَأَحْيَانًا، تَنْتَقِلُ الْمَعْرِفَةُ مِنَ الطَبِيعَةِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى الطَبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ. فَنَحْنُ لَا نَفْصِلُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى، بَلْ نُمَيّزُ بَيْنَهُمَا. لَكِنِّي لَا أُرِيدُ الدُخُولَ فِي تَفَاصِيلِ هَذَا الْأَمْرِ، فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِطَبِيعَةِ الْمَسِيحِ. أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشْكِلَةِ الَتِي نَتَنَاوَلُهَا، فَإِنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَصِلُونَ إِلَى الْآيَةِ 32، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ يَسُوعَ يُقَيِّدُ نُبُوَّتَهُ هُنَا بِقَوْلِهِ إِنَّ لَا أَحَدَ يَعْرِفُ الْيَوْمَ وَلَا السَاعَةَ وَلَا حَتَّى أَنَا. لِذَلِكَ، فَيَسُوعُ لَدَيْهِ بِشَكْلٍ مَا مَنْفَذٌ لِلْهُرُوبِ مِنْ كَوْنِهِ مُخْطِئًا فِي الْقَوْلِ إِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمُورِ سَتَتِمُّ ضِمْنَ الْإِطَارِ الزَمَنِيِّ لِهَذَا الْجِيلِ. وَبِالتَالِي فَإِخْلَاؤُهُ لِلْمَسْؤُولِيَّةِ هُنَا يُبْطِلُ أَوْ يُضْعِفُ أَهَمِّيَّةَ كَلَامِهِ السَابِقِ الَذِي يُفِيدُ بِأَنَّ الْأَمْرَ سَيَحْدُثُ فِي هَذَا الْجِيلِ.
أَظُنُّ أَنَّ هَذَا مَثَلٌ آخَرُ مِنْ تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ الَتِي يُشَكِّلُ فِيهَا نَصٌّ مَا إِشْكَالِيَّةً، فَيَسْتَعْمِلُ الْعُلَمَاءُ أَسَالِيبَ خَاطِئَةً لِمُحَاوَلَةِ حَلِّ الْمُشْكِلَةِ. مَا مِنْ سَبَبٍ يَدْفَعُ إِلَى اعْتِبَارِ الْآيَةِ 32 لَاغِيَةً لِمَا أَعْلَنَهُ يَسُوعُ سَابِقًا حِينَ قَالَ بِبَسَاطَةٍ: "لَاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ". ثُمَّ وَضَّحَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ مَاذَا؟ لَا أَعْلَمُ فِي أَيِّ يَوْمٍ فِي هَذَا الْجِيلِ. لَا أَعْلَمُ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ سَيَكُونُ ذَلِكَ، لَكِنِّي أَعْرِفُ أَمْرًا وَاحِدًا، وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ سَتَتِمُّ حَتْمًا ضِمْنَ الْإِطَارِ الزَّمَنِيِّ لِهَذَا الْجِيلِ. لَكِنْ فِي وَقْتٍ مَا فِي هَذَا الْجِيلِ وَقَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ هَذَا الْجِيلُ، سَتَتِمُّ جَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ، لَكِنْ لَا تَسْأَلُونِي عَنِ الْيَوْمِ وَالسَاعَةِ. يَبْدُو هَذَا فَهْمًا أَكْثَرَ رَصَانَةً لِمَا يَقُولُهُ يَسُوعُ هُنَا.
كَمَا أَنَّنَا لَا نُرِيدُ أَنْ يُعْلِنَ رَبُّنَا هَذِهِ الْأُمُورَ وَأَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، أَيْ أَنْ يُؤَكِّدَ عَلَى حُدُوثِ الْأَمْرِ ضِمْنَ إِطَارٍ زَمَنِيٍّ مُعَيَّنٍ، وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ دَقَائِقَ إِنَّ الْأَمْرَ لَنْ يَحْدُثَ ضِمْنَ ذَلِكَ الْإِطَارِ الزَمَنِيِّ. لَقَدْ أَعْلَنَ أَمْرًا مَا وَشَدَّدَ وَأَكَّدَ عَلَى أَنَّهُ سَيَتِمُّ حَتْمًا ضِمْنَ جِيلٍ وَاحِدٍ. عَلَيْنَا أَنْ نَقْبَلَ ذَلِكَ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَتَسَاءَلَ: "مَا الَذِي يَعْنِيهِ بِكَلِمَةِ جِيلٍ؟" "مَا الَذِي يَقْصِدُهُ بِقَوْلِهِ إِنَّ هَذَا الْجِيلَ لَنْ يَمْضِيَ؟" ثُمَّ إِنَّ النُقَّادَ، بِمَنْ فِيهِمْ بِرْتِرَانْدْ رَاسِيلْ، يَفْهَمُونَ أَنَّهُ يُشَارُ بِمُصْطَلَحِ "هَذَا الْجِيلِ" إِلَى الْقَوْمِ الْمُعَاصِرِينَ لِيَسُوعَ، هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصِ الَذِينَ عَاشُوا فِي تِلْكَ الْحِقْبَةِ، وَإِلَى جِيلٍ مِنَ النَاسِ. إِذَنْ، عِنْدَمَا وَضَّحَ يَسُوعُ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ 32، قَالَ: "لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَ تَحْدِيدًا، سِوَى أَنَّ الْأُمُورَ سَتَتِمُّ فِي هَذَا الْجِيلِ". لَكِنْ تَذَكَّرُوا أَنَّ هَذَا لَا يَعْنِي أَنَّ الْمَسِيحَ أَقَلَّ تَحْدِيدًا عِنْدَمَا تَحَدَّثَ عَنْ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي ذَلِكَ الْجِيلِ.
مَرَّةً أُخْرَى، فَإِنَّ مَسْأَلَةَ مُضِيِّ الْجِيلِ تُحَتِّمُ الْإِشَارَةَ إِلَى مَوْتِ هَؤُلَاءِ الَذِينَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ. وَهَذَا يَتَمَاشَى مَعَ الْإِشَارَةِ الزَمَنِيَّةِ الْأُخْرَى الَتِي اسْتَخْدَمَهَا بِيرْتِرَانْدْ رَاسِيلْ لِدَحْضِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ وَيَسُوعَ، حِينَ قَالَ يَسُوعُ: "إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ هَهُنَا قَوْمًا لَاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا ابْنَ الْإِنْسَانِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ". إِذَنْ، هُنَا تَحَوَّلَتْ كَلِمَةُ "يَمْضِي" إِلَى عِبَارَةِ "يَذُوقُ الْمَوْتَ". وَالْمَعْنَى هُنَا مُتَّسِقٌ مَعًا، فَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَنْ أَشْخَاصٍ سَيَبْقَوْنَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا تَحْقِيقَ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ الَتِي تَنَبَّأَ بِهَا يَسُوعُ. مَا مِنْ مَعْنًى آخَرَ لِعِبَارَةِ "لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ".
أَيْضًا، وَفِي مُحَاوَلَةٍ لِحَلِّ تِلْكَ الْمُعْضِلَةِ الْوَارِدَةِ فِي مَتَّى الأَصْحَاحِ 16، يَقُولُ لَنَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ الْأَمْرَ تَحَقَّقَ إِمَّا فِي التَجَلِّي أَوِ الْقِيَامَةِ. فَأَثْنَاءَ التَجَلِّي، رَأَى النَاسُ يَسُوعَ ظَاهِرًا بِمَجْدِهِ. فَعَلَى جَبَلِ التَجَلِّي، ظَهَرَتْ طَبِيعَتُهُ الْإِلَهِيَّةُ، وَشَعَرَ التَلَامِيذُ، بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا، بِالرَهْبَةِ عِنْدَمَا رَأَوْا يَسُوعَ مُتَجَلِّيًا وَعَايَنُوا مَجْدَهُ. لِذَا فَرُبَّمَا كَانَ يَسُوعُ يُشِيرُ إِمَّا إِلَى إِظْهَارِ مَجْدِهِ فِي التَجَلِّي، أَوْ إِلَى إِظْهَارِ مَجْدِهِ فِي الْقِيَامَةِ أَوِ الصُعُودِ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي مَجِيئِهِ الثَانِي. لَكِنْ تَكْمُنُ مُشْكِلَةٌ فِي الْأَمْرِ هِيَ أَنَّ التَجَلِّيَ بِحَسَبِ إِنْجِيلِ مَتَّى، تَمَّ بَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ إِعْلَانِ يَسُوعَ عَنِ الْإِطَارِ الزَمَنِيِّ، وَالْقِيَامَةُ تَمَّتْ بَعْدَ بِضْعَةِ أَسَابِيعَ. إِذَنْ، لَا يَبْدُو مَنْطِقِيًّا بِالنِسْبَةِ إِلَيَّ أَنْ يَقُولَ يَسُوعُ: "الْبَعْضُ مِنْكُمْ لَنْ يَذُوقَ الْمَوْتَ حَتَّى تَتِمَّ هَذِهِ الْأُمُورُ"، إِلَّا إِذَا كَانَ يَتَوَقَّعُ أَنْ يَمُوتَ مُعْظَمُ تَلَامِيذِهِ فِي الْأُسْبُوعِ التَالِي. بَلْ مَا كَانَ يَقُولُهُ بِبَسَاطَةٍ هُوَ إِنَّ الْبَعْضَ مِنْهُمْ سَيَعِيشُ لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى يَرَوْا ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ. وَلَا يَبْدُو لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ لِلرَبِّ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ إِنَّهُمْ لَنْ يَذُوقُوا الْمَوْتَ حَتَّى يَتِمَّ حَدَثٌ مَا بَعْدَ أُسْبُوعٍ أَوْ بَعْدَ أُسْبُوعَيْنِ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ تَنْتَظِرُهُمْ مَعْرَكَةٌ وَشِيكَةٌ لَا يُمْكِنُ لَهُمْ أَنْ يَنْجُوا مِنْهَا أَوْ مَا شَابَهَ. لَكِنْ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الْحَالُ.
إِذَنْ، إِلَيْكُمْ وُجْهَةَ نَظَرِي، إِنْ نَسَبْنَا هَذَا النَصَّ الَذِي جَاءَ فِيهِ أَنَّ الْبَعْضَ مِنْهُمْ لَنْ يَذُوقُوا الْمَوْتَ إِلَى حَدَثِ التَجَلِّي أَوْ إِلَى أَحْدَاثٍ أُخْرَى مُرْتَبِطَةٍ بِهِ عَلَى الْمَدَى الْقَصِيرِ، فَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْفَتْرَةَ الزَمَنِيَّةَ قَصِيرَةٌ جِدًّا. أَعْتَقِدُ أَنَّهُ حِينَ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ إِنَّ الْبَعْضَ مِنْهُمْ لَنْ يَذُوقَ الْمَوْتَ، فَهُوَ كَانَ يُشِيرُ حَتْمًا إِلَى فَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ تَتَجَاوَزُ الْأُسْبُوعَ الْوَاحِدَ أَوِ الشَهْرَ. لِذَا، فَإِنَّ الطَرِيقَةَ الْأُخْرَى الْأَكْثَرَ شُيُوعًا الَتِي اتَّبَعَهَا الْعُلَمَاءُ لِيُحَاوِلُوا أَنْ يَرُدُّوا عَلَى النُقَّادِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنُبُوَّةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ وَيَسُوعَ الَتِي لَمْ تَتَحَقَّقْ تَقْضِي بِتَفْسِيرِ كَلِمَةِ "جِيلٍ" بِمَا يَجْعَلُهَا لَا تُشِيرُ إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَذِينَ كَانُوا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ حِينَ أَعْلَنَ يَسُوعُ النُبُوَّةَ، وَالَذِينَ كَانُوا مُعَاصِرِينَ لِلْمَسِيحِ. وَإِنَّمَا بِالْأَحْرَى، تَمَّ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ "جِيلٍ" لِلْإِشَارَةِ إِلَى نَوْعٍ أَوْ صِنْفٍ أَوْ مِثَالٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ. كَمَا لَوْ أَنَّ يَسُوعَ يَقُولُ إِنَّ أَمْثَالَ هَؤُلَاءِ لَنْ يَمْضُوا إِلَى أَنْ تَتِمَّ هَذِهِ الْأُمُورُ. هَذَا هُوَ التَفْسِيرُ الْأَكْثَرُ شُيُوعًا.
وَيَقُولُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ نَوْعَ الْأَشْخَاصِ الَذِينَ يُشِيرُ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ هُنَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ أَوِ الْأَبْرَارُ، أَيْ أَنَّ الْأُمَنَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ بَيْنَكُمْ وَاَلَذِينَ يَثِقُونَ بِي لَنْ يَمْضُوا حَتَّى تَتِمَّ جَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ. بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، سَيَظَلُّ هُنَاكَ مُؤْمِنُونَ مُتَوَاجِدُونَ عِنْدَمَا أَعُودُ فِي نِهَايَةِ الْجِيلِ. هَذَا وَاحِدٌ مِنَ التَفْسِيرَاتِ. وَبِالطَبْعِ، هَذَا التَفْسِيرُ رَفَعَ الْمَسْؤُولِيَّةَ عَنِ الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدِ الْجِيلُ مَحْصُورًا بِفَتْرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَعُدْ تَتْمِيمُ الْأُمُورِ مَحْصُورًا بِالْقَرْنِ الْأَوَّلِ، وَأَصْبَحَ مُمْكِنًا التَسْلِيمُ بِمَا أَسْمَاهُ سِوَايْتْزَرْ بِالْمَجِيءِ الثَانِي الْمُؤَجَّلِ عَبْرَ الْقُرُونِ. بِحَيْثُ إِنَّهُ يُمْكِنُنَا الِانْتِظَارُ أَلْفَيْ سَنَةٍ أَوْ ثَلَاثَةِ آلَافِ أَوْ أَرْبَعَةِ آلَافِ سَنَةٍ لِكَيْ تَتِمَّ تِلْكَ الْأُمُورُ.
وَالْأَكْثَرُ شُيُوعًا هُوَ أَنَّ الْجِيلَ، الَذِي تَمَّ وَصْفُهُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ نَوْعٌ أَوْ صِنْفٌ مِنَ الْأَشْخَاصِ، لَا يُشَارُ بِهِ إِلَى الْأَبْرَارِ أَوْ الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ إِلَى غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِلَى الْأَشْرَارِ، إِلَى الْجِيلِ الشِرِّيرِ. وَهِيرْمَانْ رِيدِيرْبُوسْ (Herman Ridderbos) الَذِي سَبَقَ لِي أَنْ تَكَلَّمْتُ عَنْهُ، وَالَّذِي طَوَّرَ مَفْهُومَ "مَا حَدَثَ بِالْفِعْلِ وَلَكِنْ لَيْسَ بَعْدُ" حَوْلَ مَلَكُوتِ اللَّهِ كَمَا يَرَاهُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. يَتَبَنَّى رِيدِيرْبُوسْ فِكْرَةَ أَنَّ الْكَلِمَةَ الْيُونَانِيَّةَ "جِينِيَا" (genea) الَتِي يَتِمُّ اسْتِخْدَامُهَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْجِيلِ لَيْسَتْ وَصْفًا لِإِطَارٍ زَمَنِيٍّ بَلْ لِإِطَارٍ ذِهْنِيٍّ. أَيْ أَنَّ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى حَالَةٍ ذِهْنِيَّةٍ، بِحَيْثُ إِنَّ الْأَشْخَاصَ الَذِينَ لَدَيْهِمْ هَذِهِ الْحَالَةُ الذِهْنِيَّةُ سَيَظَلُّونَ مُتَوَاجِدِينَ إِلَى أَنْ تَتِمَّ كُلُّ تِلْكَ الْأُمُورِ. هَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ الْأَكْثَرُ شُيُوعًا الَذِي يَتَبَنَّاهُ الْإِنْجِيلِيُّونَ الْمُحَافِظُونَ عَنِ الْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ لِيَهْرُبُوا مِنْ هَجَمَاتِ النَقْدِ الْأَعْلَى. أَمَّا أَنَا شَخْصِيًّا، وَبِصَرَاحَةٍ، أَجِدُ هَذَا التَفْسِيرَ أَقَلَّ مِنْ مُقْنِعٍ. فَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ فِي حَالَاتٍ نَادِرَةٍ فِي التَرْجَمَةِ السَبْعِينِيَّةِ لِلتَوْرَاةِ، وَفِي الْوَثَائِقِ خَارِجَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ "جِينِيَا" لِلْإِشَارَةِ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْأَشْخَاصِ، لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ يُشِيرُ بِكُلِّ إِصْرَارٍ وَتَأْكِيدٍ إِلَى قَوْمٍ عَاشُوا فِي فَتْرَةٍ مُحَدَّدَةٍ بِالذَاتِ.
وَالْآنَ أُرِيدُ تَكْرِيسَ بَعْضِ الْوَقْتِ لِلتَأَمُّلِ فِي بَعْضِ هَذِهِ النُصُوصِ. النَصُّ الْأَوَّلُ الَذِي سَنَقْرَأُهُ هُوَ مَتَّى الأصحاحُ 23 وَالْآيَةُ 36. فِي هَذَا السِيَاقِ، كَانَ يَسُوعُ يُلْقِي خِطَابَهُ الْأَخِيرَ، الَذِي يُفْتَرَضُ أَنَّهُ أَعْلَنَهُ فِي الْيَوْمِ نَفْسِهِ الَذِي أَعْلَنَ فِيهِ الْحَدِيثَ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ، حَيْثُ قَالَ: "إِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَأْتِي عَلَى هَذَا الْجِيلِ!" عَلَى حَدِّ عِلْمِي، لَا يُوجَدُ أَيُّ مُفَسِّرٍ أَوْ عَالِمٍ فَسَّرَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ أُولَئِكَ الْمُعَاصِرِينَ الَذِينَ عَاشُوا فِي الْحِقْبَةِ الَتِي تَكَلَّمَ فِيهَا يَسُوعُ عَنِ الْأُمُورِ الَتِي سَتَحُلُّ بِذَلِكَ الْجِيلِ. وَفِي مَتَّى الأَصْحَاحِ 11 يَقُولُ: "وَبِمَنْ أُشَبِّهُ هَذَا الْجِيلَ؟" يُجْمِعُ كُلُّ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُشَارُ بِذَلِكَ إِلَى الْجِيلِ الْيَهُودِيِّ الَذِي عَاشَ فِي تِلْكَ الْحِقْبَةِ. إِلَيْكُمْ مَا جَاءَ فِي مَتَّى الأَصْحَاحِ 12: 39، 41، 42، 45: "رِجَالُ نِينَوَى سَيَقُومُونَ فِي الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ"، مِنَ الْبَدِيهِيِّ أَنَّ رِجَالَ نينوى كَانُوا جِيلًا سَابِقًا. "مَلِكَةُ التَّيْمَنِ سَتَقُومُ فِي الدِّينِ مَعَ هَذَا الْجِيلِ وَتَدِينُهُ"، "هَكَذَا يَكُونُ أَيْضًا لِهَذَا الْجِيلِ الشِّرِّيرِ". لا يُمْكِنُ أَنْ يُشِيرَ ذَلِكَ إِلَّا إِلَى الْجِيلِ الْقَائِمِ آنَذَاكَ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُوَجِّهُ إِلَيْهِ تَحْذِيرًا. جَاءَ أَيْضًا فِي لُوقَا الأَصْحَاحِ 11 والآيَتَيْنِ 50 و51: "لِكَيْ يُطْلَبَ مِنْ هَذَا الْجِيلِ دَمُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ". مُجَدَّدًا، سَوْفَ يُطْلَبُ مِنْ هَذَا الْجِيلِ. مَرْقُسُ 8: 38: "لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هَذَا الْجِيلِ الْفَاسِقِ الْخَاطِئِ"، وَلُوقَا 17: 25: "وَيُرْفَضَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنْ هَذَا الْجِيلِ".
فَإِذَا فَهِمْنَا السِيَاقَ الْكِتَابِيَّ الَذِي قَامَ فِيهِ رَبُّنَا بِهَذِهِ التَصْرِيحَاتِ، نَجِدُهُ يَتَكَلَّمُ حَتْمًا عَنْ لَحْظَةٍ حَاسِمَةٍ فِي تَارِيخِ الْفِدَاءِ، حَيْثُ افْتَقَدَ اللَّهُ شَعْبَ إِسْرَائِيلَ فِي شَخْصِ ابْنِهِ الْوَحِيدِ، وَهَذَا هُوَ الْجِيلُ الَذِي كَانَ حَيًّا فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ، وَالَذِي تَمَتَّعَ مِنْ نَاحِيَةٍ بِامْتِيَازِ رُؤْيَةِ الْمَسِيحِ بِالْجَسَدِ. لَكِنْ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، هَذَا هُوَ الْجِيلُ الَذِي اقْتَرَفَ أَكْبَرَ ذَنْبٍ فِي التَارِيخِ الْيَهُودِيِّ، لِأَنَّهُ رَفَضَ ذَاكَ الَذِي جَاءَ إِلَى خَاصَّتِهِ وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. إِذَنْ، يُحَذِّرُ يَسُوعُ هَذَا الْجِيلَ مِرَارًا وَتَكْرَارًا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ مِنْ قَسْوَةِ الدَيْنُونَةِ الَتِي سَتَقَعُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، لِأَنَّ دَينُونَتَهُمْ سَتَكُونُ أَعْظَمَ بِكَثِيرٍ مِنْ دَيْنُونَةِ الْأَجْيَالِ السَابِقَةِ فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ، كَتِلْكَ الَتِي وَقَعَتْ فِي أَيَّامِ مَلِكَةِ سَبَا وَفِي حِقَبٍ أُخْرَى، لِأَنَّنَا قَدْ وَصَلْنَا إِلَى اللَحْظَةِ الْحَاسِمَةِ لِلْأَمْرِ بِمَجِيءِ الْمَسِيحِ. وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الدَيْنُونَةِ الَتِي سَتَأْتِي عَلَى هَذَا الْجِيلِ. وَالْمَعْنَى الْوَاضِحُ لِهَذِهِ التَحْذِيرَاتِ يُشِيرُ إِلَى الدَيْنُونَةِ الَتِي سَتُسْكَبُ عَلَى ذَلِكَ الْجِيلِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُتَمَرِّدِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
فِي الْوَاقِعِ، بِصَرْفِ النَظَرِ عَنِ اسْتِعْمَالِ كَلِمَةِ "جِينِيَا" أَيْ "جِيلِ" الَتِي نَجِدُهَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ، فَلَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ 38 مَرَّةً أُخْرَى فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَتُشِيرُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا إِلَى الْقَوْمِ الْمُعَاصِرِينَ الَذِينَ عَاشُوا فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ. مِنَ النَاحِيَةِ اللُغَوِيَّةِ، يُمْكِنُ لِكَلِمَةِ "جِينِيَا" أَنْ تَعْنِيَ نَوْعًا مِنَ الْأَشْخَاصِ، أَوْ كَمَا يَقُولُ رِيدِيرْبُوسْ، إِلَى إِطَارٍ ذِهْنِيٍّ بَدَلًا مِنَ الْإِطَارِ الزَمَنِيِّ، لَكِنْ مَا أَقُولُهُ لَكُمْ هُوَ إِنَّ الدَلِيلَ التَفْسِيرِيَّ وَاللُغَوِيَّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ قَاطِعٌ، وَعَلَى أَحَدِهِمْ أَنْ يَمْلِكَ سَبَبًا قَوِيًّا لِيُفَسِّرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ "لَاَ يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ" خَارِجَ إِطَارِ اسْتِعْمَالِهَا الطَبِيعِيِّ.
وَالسُؤَالُ هُوَ: "هَلْ نَمْلِكُ سَبَبًا قَوِيًّا؟" بِالطَبْعِ، يَعْتَبِرُ الْكَثِيرُ مِنَ الْإِنْجِيلِيِّينَ أَنَّنَا نَمْلِكُ سَبَبًا قَوِيًّا، وَالسَبَبُ الْقَوِيُّ هُوَ أَنَّ نِهَايَةَ الْجِيلِ لَمْ تَتِمَّ، وَيَسُوعَ لَمْ يَأْتِ. وَإِنْ كَانَ يَسُوعُ يَقُولُ الْحَقَّ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُفَسِّرَ كَلِمَةَ "جِينِيَا" فِي إِطَارٍ مُخْتَلِفٍ عَنِ الْإِطَارِ الْعَادِيِّ الَذِي تَرِدُ فِيهِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. لَكِنْ مَاذَا لَوْ كَانَ الْجِيلُ قَدِ انْقَضَى فِعْلًا؟ مَاذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ يَسُوعُ يَتَكَلَّمُ هُنَا عَنْ نِهَايَةِ التَارِيخِ، بَلْ عَنْ نِهَايَةِ الْجِيلِ الْيَهُودِيِّ؟ مَاذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ يَسُوعُ يَتَكَلَّمُ عَنْ مَجِيئِهِ النِهَائِيِّ لِيُتَمِّمَ كُلَّ النُبُوَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسَمَاءِ الْجَدِيدَةِ وَالْأَرْضِ الْجَدِيدَةِ، بَلْ كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْ مَجِيئِهِ لِيَدِينَ إِسْرَائِيلَ، الَذِي ظَهَرَ بِوُضُوحٍ فِي دَمَارِ الْهَيْكَلِ وَدَمَارِ أُورُشَلِيمَ؟ مَاذَا لَوْ كَانَ هَذَا هُوَ جَوْهَرُ كَلَامِهِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ؟ أَنَا أَعْتَقِدُ ذَلِكَ. لَسْتُ مُتَيَقِّنًا تَمَامًا، لَكِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا مَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ النَصِّ. وَفِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ سَنُلْقِي نَظْرَةً أَعْمَقَ عَلَى أَسْبَابِ ذَلِكَ.