المحاضرة 3: مَسْأَلَةُ التَوْقِيتِ

إِحْدَى الْمَشَاكِلِ الْأَسَاسِيَّةِ الَتِي نُوَاجِهُهَا عِنْدَمَا نُحَاوِلُ حَلَّ أَلْغَازِ النُصُوصِ الصَعْبَةِ الَتِي تَتَنَاوَلُ الْأُمُورَ الْمُسْتَقْبَلِيَّةَ أَوِ الْأُخْرَوِيَّاتِ هِيَ الْأُسْلُوبُ أَوِ الْقَالَبُ الْأَدَبِيُّ الَذِي وَرَدَتْ بِهِ نُبُوَّاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. يُعْرَفُ هَذَا الْقَالَبُ الْأَدَبِيُّ أَحْيَانًا بِالْأَدَبِ الرُؤْيَوِيِّ، وَأَحْيَانًا يَحْمِلُ سِفْرُ الرُؤْيَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ لَقَبًا آخَرَ هُوَ السِفْرُ الرُؤْيَوِيُّ. وَمَا يُمَيِّزُ الْأَدَبَ الْخَاصَّ بِسِفْرِ الرُؤْيَا هُوَ أَنَّهُ يَمِيلُ إِلَى أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا جِدًّا بِالتَعَابِيرِ الْمَجَازِيَّةِ التَصْوِيرِيَّةِ الْحَيَّةِ، الَتِي غَالِبًا مَا تَحْمِلُ مَعْنًى رَمْزِيًّا. فَإِنْ قَرَأْتُمْ سِفْرَ الرُؤْيَا مَثَلًا وَرَأَيْتُمُ الْجَامَاتِ مِنَ الذَهَبِ وَالنُجُومَ وَالصُوَرَ الْعَدِيدَةَ الْمُنْتَشِرَةَ فِي هَذَا السِفْرِ فَإِنَّكُمْ سَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنَ الصَعْبِ جِدًّا أَحْيَانًا فَهْمُ الْفِكْرَةِ الْمُحَدَّدَةِ الَتِي يَتِمُّ نَقْلُهَا مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الرُمُوزِ الْقَدِيمَةِ وَالْغَامِضَةِ إِلَى حَدٍّ مَا.

وَهَذَا يَجْعَلُ الْأَدَبَ الرُؤْيَوِيَّ عُرْضَةً لِأَغْرَبِ أَنْوَاعِ التَخْمِينَاتِ، حَيْثُ يَجِدُ النَاسُ شَتَّى أَنْوَاعِ الْمَعَانِي الضِمْنِيَّةِ فِي هَذِهِ الرُمُوزِ مِمَّا يُفَسِّرُ تَنَوُّعَ النَظَرِيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأُخْرَوِيَّاتِ. لَكِنْ عِنْدَمَا نَطَّلِعُ عَلَى الْمَشَاكِلِ الَتِي أَثَارَهَا النُقَّادُ بِشَأْنِ مِصْدَاقِيَّةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَيَسُوعَ، أُرِيدُ بِدَايَةً أَنْ أَتَأَمَّلَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ لِسَبَبَيْنِ. الْأَوَّلُ هُوَ أَنَّ الِانْتِقَادَاتِ تَعْلُو هُنَا بِشَكْلٍ رَئِيسِيٍّ، تَحْدِيدًا ضِدَّ تَعْلِيمِ يَسُوعَ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَجِيئِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَثَانِيًا، عَلَى الرَغْمِ مِنْ وُجُودِ عَنَاصِرَ مَجَازِيَّةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ –بِمَعْنَى اسْتِعْمَالِ تَعَابِيرَ مَجَازِيَّةٍ حَيَّةٍ– فَإِنَّ الْحَبْكَةَ الْأَسَاسِيَّةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ تَتْبَعُ الْأُسْلُوبَ الْأَدَبِيَّ التَعْلِيمِيَّ الْعَادِيَّ الَذِي نَجِدُهُ فِي الْأَنَاجِيلِ.

نَرَى أَيْضًا أَنَّ مَضْمُونَ الْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ مَوْجُودٌ فِي الْأَنَاجِيلِ الْإِزَائِيَّةِ الثَلَاثَةِ، بِحَيْثُ إِنَّنَا نَجِدُ نُسْخَةَ مَتَّى فِي مَتَّى الأَصْحَاحِ 24، وَنُسْخَةَ مَرْقُسَ فِي مَرْقُسَ الأَصْحَاحِ 13، وَنُسْخَةَ لُوقَا فِي الْأَصْحَاحِ 21 مِنْ إِنْجِيلِهِ. وَأَحَدُ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ إِنْ كَانَ لَدَيْكَ وَقْتٌ لِلْقِيَامِ بِهِ، هُوَ النَظَرُ إِلَى نِقَاطِ التَوَافُقِ بَيْنَ الْأَنَاجِيلِ، وَمُقَارَنَةُ الْفُرُوقِ الدَقِيقَةِ الْعَدِيدَةِ الَتِي يُسَجِّلُهَا كُتَّابُ الْأَنَاجِيلِ الْإِزَائِيَّةِ الثَلَاثَةِ.

لَكِنَّ هَذَا النَصَّ الْمُهِمَّ جِدًّا فِي دِرَاسَتِنَا لِلْأُخْرَوِيَّاتِ عُرِفَ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ، لِأَنَّهُ يُجَسِّدُ حَدِيثًا بَيْنَ يَسُوعَ وَتَلَامِيذِهِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ. وَفِي هَذِهِ الْمُحَاضَرَةِ، أُرِيدُ لَفْتَ انْتِبَاهِكُمْ إِلَى تَرْجَمَةِ إِنْجِيلِ مَرْقُسَ لِلْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ. تَعْلَمُونَ أَنَّ مَرْقُسَ يَمِيلُ إِلَى أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ اخْتِصَارًا وَإِيجَازًا مِنْ كُتَّابِ سَائِرِ الْأَنَاجِيلِ الْإِزَائِيَّةِ. فِي الْوَاقِعِ، إِحْدَى الْكَلِمَاتِ الْيُونَانِيَّةِ الْأَسَاسِيَّةِ الْوَارِدَةِ فِي إِنْجِيلِ مَرْقُسَ الْوَجِيزِ هِيَ الْكَلِمَةُ "يُوثُوسْ" (euthus) وَمَعْنَاهَا "للوقتِ" أَوْ "فِي الْحَالِ"، أَيْ أَنَّهُ يُمْكِنُكَ قِرَاءَةُ إِنْجِيلِ مَرْقُسَ فِي جَلْسَةٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ تَكَادُ تَلْهَثُ عِنْدَمَا تَنْتَهِي لِأَنَّ أَحْدَاثَهُ تَتَوَالَى بِشَكْلٍ سَرِيعٍ.

عِنْدَمَا نَنْظُرُ إِلَى الْأَصْحَاحِ 13 مِنْ إِنْجِيلِ مَرْقُسَ نَقْرَأُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ: "وَفِيمَا هُوَ، [أَيْ يَسُوعُ] خَارِجٌ مِنَ الْهَيْكَلِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَاَمِيذِهِ يَا مُعَلِّمُ اُنْظُرْ مَا هَذِهِ الْحِجَارَةُ وَهَذِهِ الْأَبْنِيَةُ؟ فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَتَنْظُرُ هَذِهِ الْأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لَاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لَاَ يُنْقَضُ". دَعُونِي أُعَلِّقُ عَلَى الْأَمْرِ، مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ تَسَلْسُلَ الْأَحْدَاثِ هُنَا يُبَيِّنُ أَنَّ التَلَامِيذَ كَانُوا قَدْ تَرَكُوا مَبْنَى الْهَيْكَلِ. وَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ زُرْتُمْ أُورُشَلِيمَ يَوْمًا، فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَبَلَ الزَيْتُونِ يَقَعُ عَلَى مَرْمَى حَجَرٍ مِنْ مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ، وَهُوَ يُطِلُّ عَلَى مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَادٍ، وَالسُورُ الْمُوَاجِهُ لِجَبَلِ الزَيْتُونِ هُوَ سُورُ الْهَيْكَلِ.

إِذَنْ، مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا كَانُوا يُغَادِرُونَ الْهَيْكَلَ قَامَ يَسُوعُ بِهَذَا التَعْلِيقِ فِيمَا كَانَ مُتَّجِهًا مَعَ تَلَامِيذِهِ نَحْوَ جَبَلِ الزَيْتُونِ قَالَ: "أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْحِجَارَةَ هُنَا؟ لَاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لَا يُنْقَضُ". أَحَدُ أَعْظَمِ الْمُفَارَقَاتِ فِي هَذِهِ الْمُنَاقَشَةِ حَوْلَ مِصْدَاقِيَّةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ وَمِصْدَاقِيَّةِ يَسُوعَ، هُوَ أَنَّ تَتْمِيمَ النُبُوَّاتِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ كَانَ وَاحِدًا مِنَ الْبَرَاهِينِ الرَئِيسِيَّةِ الَتِي اسْتَخْدَمَهَا الْعُلَمَاءُ لِلدِفَاعِ عَنْ مِصْدَاقِيَّةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَأُصُولِهِ الْفَائِقَةِ لِلطَبِيعَةِ، وَإِلَّا فَهَلْ مِنْ طَرِيقَةٍ أُخْرَى لِتَفْسِيرِ أَحْدَاثٍ تَمَّتْ بَعْدَ سَنَوَاتٍ وَعُقُودٍ مِنَ التَنَبُّؤِ بِهَا، وَلِتَفْسِيرِ النُبُوَّاتِ الْمُتَمَّمَةِ مِثْلِ آلَافِ النُبُوَّاتِ الَتِي تَمَّتْ فِي حَيَاةِ يَسُوعَ، ابْتِدَاءً مِنَ الْقَرْيَةِ الَتِي وُلِدَ فِيهَا وَمَا إِلَى ذَلِكَ؟

فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنُبُوَّاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، رُبَّمَا لَا تُوجَدُ نُبُوَّتَانِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ تَحَقَّقَتَا بِدِقَّةٍ تَارِيخِيَّةٍ مُذْهِلَةٍ أَكْثَرَ مِنْ هَاتَيْنِ النُبُوَّتَيْنِ، بِحَيْثُ إنَّ تَحَقُّقَ هَاتَيْنِ النُبُوَّتَيْنِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَافِيًا لِسَدِّ أَفْوَاهِ النُقَّادِ إِلَى الْأَبَدِ. تَنَبَّأَ يَسُوعُ مُسْبَقًا وَبِكُلِّ وُضُوحٍ بِدَمَارِ الْهَيْكَلِ الْيَهُودِيِّ، وَبِدَمَارِ مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ، أَضِفْ إِلَى ذَلِكَ تَشَتُّتَ الْيَهُودِ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ كَمَا جَاءَ فِي لُوقَا 21 الأَصْحَاحِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ تَمَّ إِعْلَانُ هَذِهِ النُبُوَّاتِ قَبْلَ أَنْ يَحِينَ الْوَقْتُ الَذِي تَمَّ فِيهِ تَدْمِيرُ الْهَيْكَلِ، وَالَذِي دَمَّرَ فِيهِ الرُومَانُ الْمَدِينَةَ فِي عَامِ 70 مِيلَادِيًّا. فَأَصْبَحَ هَذَا التَارِيخُ، 70 مِيلَادِيًّا، وَهُوَ تَارِيخُ دَمَارِ أُورُشَلِيمَ وَهَيْكَلِ هِيرُودُسَ، مِنْ أَكْثَرِ التَوَارِيخِ الَتِي يَتِمُّ الِاسْتِشْهَادُ بِهَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَحْدَاثٍ تَمَّتْ فِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ. فَنَحْنُ نَعْرِفُ جَيِّدًا فِي أَيِّ سَنَةٍ حَدَثَ الْأَمْرُ. قَبْلَ ذَلِكَ، قُبَيْلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ وُقُوعِ هَذَا الْحَدَثِ كُتِبَ عَنْ يَسُوعَ النَاصِرِيِّ بِقَلَمِ كُتَّابِ الْأَنَاجِيلِ، وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ هُوَ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَنَاجِيلِ كُتِبَتْ قَبْلَ هَذَا الْحَدَثِ، أَنَّهُ تَنَبَّأَ بِحَدَثٍ مُسْتَقْبَلِيٍّ غَيْرِ وَارِدٍ إِطْلَاقًا بِالنِسْبَةِ إِلَى الْيَهُودِ الْمُعَاصِرِينَ آنَذَاكَ، إِذْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الْهَيْكَلَ الْمُشَيَّدَ بِأَحْجَارٍ هِيرُودُسِيَّةٍ، الَذِي كَانَ مِنْ بَيْنِ عَجَائِبِ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، سَيُدَمَّرُ تَدْمِيرًا تَامًّا.

أَنْ يَظُنَّ الْيَهُودُ بِأَنَّ مَدِينَةَ أُورُشَلِيمَ الْمُقَدَّسَةَ سَتُبَادُ وَسَيْدُوسُهَا الْأُمَمُ بِأَقْدَامِهِمْ، لَمْ يَكُنْ بِالْأَمْرِ الذِي يُمْكِنُ لِلنَاسِ أَنْ يَخْطُرَ بِبَالِهِمْ أَوْ يَتَوَقَّعُوهُ مُسْبَقًا. هَذِهِ تَنَبُّؤَاتٌ خَطِيرَةٌ بِشَأْنِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَتَحَقُّقُهَا بِهَذِهِ الدِقَّةِ الْمُذْهِلَةِ، كَمَا ذَكَرْتُ، هُوَ مُفِيدٌ لِمَجَالِ الدِفَاعِيَّاتِ. لَكِنَّ الْمُؤْسِفَ فِي الْأَمْرِ هُوَ أَنَّ يَسُوعَ تَنَبَّأَ عَنِ الْهَيْكَلِ وَأُورُشَلِيمَ فِي السِيَاقِ نَفْسِهِ الَذِي تَنَبَّأَ فِيهِ بِعَوْدَتِهِ عَلَى سَحَابِ الْمَجْدِ. فَأَصْبَحَ ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ مَزِيجِ النُبُوَّاتِ، وَهَذَا هُوَ الْجُزْءُ الشَائِكُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَتْمِيمِهَا. هَذَا النَصُّ الَذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَرَاهِينِ عَلَى مِصْدَاقِيَّةِ يَسُوعَ وَالْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، أَصْبَحَ النَصَّ الذِي رَكَّزَ عَلَيْهِ النُقَّادُ لِدَحْضِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَكَلَامِ الْمَسِيحِ.

وَلَكِنْ، فِي بِدَايَتِهِ، نَرَى التَنَبُّؤَ بِدَمَارِ الْهَيْكَلِ. الْآيَةُ 3: "وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ تُجَاهَ الْهَيْكَلِ سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى انْفِرَادٍ قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هَذَا وَمَا هِيَ الْعَلَاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هَذَا؟" أَفَهِمْتُمُ السُؤَالَ؟ جَلَسَ يَسُوعُ مَعَ تَلَامِيذِهِ وَأَعْلَنَ تِلْكَ النُبُوَّةَ الْمُذْهِلَةَ فَطَرَحُوا عَلَيْهِ سُؤَالَيْنِ: "قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هَذَا؟" وَلَمْ يَسْأَلُوهُ أَيْنَ، أَوْ كَيْفَ، أَوْ مَاذَا، أَوْ مَنْ، سَأَلُوهُ: "مَتَى". هَذَا سُؤَالٌ يَتَعَلَّقُ بِالتَوْقِيتِ، أَرَادَ التَلَامِيذُ أَنْ يَعْرِفُوا مَتَى سَيَحْدُثُ كُلُّ ذَلِكَ. الْأَمْرُ بَسِيطٌ جِدًّا، هَذَا سُؤَالٌ اسْتِفْهَامِيٌّ بَسِيطٌ. وَالسُؤَالُ الثَانِي هُوَ: "وَمَا هِيَ الْعَلَامَةُ؟، مَا الَذِي سَيَدُلُّنَا عَلَى تَوْقِيتِ حُدُوثِ ذَلِكَ؟، مَا الَذِي سَيَجْعَلُنَا نَعِي أَنَّ تِلْكَ الْأُمُورَ أَصْبَحَتْ وَشِيكَةً؟، مَتَى سَتَحْدُثُ كُلُّ تِلْكَ الْأُمُورِ؟، مَاذَا سَتَكُونُ الْعَلَامَةُ؟"، هَذِهِ هِيَ الْأَسْئِلَةُ.

فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: انْظُرُوا! لاَ يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ، وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا، لأَنَّهَا لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ، وَلَكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ، هَذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ.

هَذِهِ الْأُمُورُ الَتِي أَوْضَحَهَا يَسُوعُ تَأْتِي فِي إِطَارِ الْإِجَابَةِ عَنِ السُؤَالِ عَنْ عَلَامَاتِ تَتْمِيمِ جَمِيعِ تِلْكَ الْأُمُورِ. وَبِالْمُصْطَلَحَاتِ الدَارِجَةِ، هَذِهِ الْأَحْدَاثُ الَتِي تَنَبَّأَ بِحُدُوثِهَا "حُرُوبٌ، وَأَخْبَارُ حُرُوبٍ، وَقِيَامُ أُمَّةٍ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَجَاعَاتٌ، وَزَلَازِلُ"، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأُمُورِ، بِمَ تُعْرَفُ بِالْمُصْطَلَحَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ؟ عَلَامَاتُ الْأَزْمِنَةِ.

قَرَأْتُ مُؤَخَّرًا مَقَالًا أَوْرَدَ فِيهِ أَحَدُهُمْ دِرَاسَةً عَنْ تَزَايُدِ عَدَدِ الْهَزَّاتِ الْأَرْضِيَّةِ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ مُقَارَنَةً بِالْقُرُونِ السَابِقَةِ، وَتَزَايُدِ الْمَجَاعَاتِ حَوْلَ الْعَالَمِ، وَتَفَاقُمِ الْعُنْفِ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، مَعَ حُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ، مِمَّا يَجْعَلُنَا نَسْتَنْتِجُ أَنَّ الْمَسِيحَ سَيَأْتِي فِي أَيِّ يَوْمٍ لِأَنَّنَا نَشْهَدُ تَتْمِيمَ عَلَامَاتِ الْأَزْمِنَةِ بِشَكْلٍ سَرِيعٍ. مَرَّةً أُخْرَى، يَرَى مُعْظَمُ الْمُفَسّرِينَ أَصْحَابِ النَظْرَةِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَتِي يَقُولُهَا يَسُوعُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ هِيَ عَلَامَاتٌ لَنْ تَتَحَقَّقَ إِلَّا بَعْدَ مُرُورِ آلَافِ السِنِينَ عَلَى إِعْلَانِ النُبُوَّةِ.

"هَذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ". لاحِظُوا مَا جَاءَ فِي الآيَةِ 9 قَالَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ:

فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ، أَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ، مَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ فَلاَ تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا. بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذَلِكَ تَكَلَّمُوا، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ. وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلَكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ.

إِحْدَى الْمَشَاكِلِ الَتِي نُوَاجِهُهَا أَثْنَاءَ قِرَاءَتِنَا لِهَذِهِ النُبُوَّاتِ، هِيَ أَنَّنَا نَفْتَرِضُ أَنَّ الْأَشْخَاصَ الَذِينَ تَمَّ تَوْجِيهُ هَذِهِ النُبُوَّةِ إِلَيْهِمْ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ هُمْ نَحْنُ. نَحْنُ نَقْرَأُ هَذِهِ النُبُوَّاتِ كَمَا لَوْ أَنَّهَا كُتِبَتِ الْأُسْبُوعَ الْمَاضِيَ، وَكَمَا لَوْ أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ يُخَاطِبُ مُعَاصِرِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُخَاطِبُ تَلَامِيذَهُ، بَلْ كَانَ يُخَاطِبُنَا نَحْنُ، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ الْكَلَامُ مُمْتَدٌّ إِلَيْنَا.

هَذَا مَبْدَأٌ سَلِيمٌ بِقَدْرِ مَا نَعْتَقِدُ أَنَّ تَطْبِيقَ كَلَامِ يَسُوعَ لِتَلَامِيذِهِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ كُلِّهِ يَبْقَى سَارِيًا عَبْرَ الْعُصُورِ لِكُلِّ جِيلٍ مِنَ الْأَجْيَالِ الْمَسِيحِيَّةِ. لَكِنْ مَرَّةً أُخْرَى، دَعُونَا لَا نَنْسَى أَنَّ يَسُوعَ كَانَ يُجِيبُ هُنَا عَلَى سُؤَالٍ طَرَحَهُ أَشْخَاصٌ مُحَدَّدُونَ فِي وَقْتٍ مُحَدَّدٍ مِنَ التَارِيخِ، حِينَ سَأَلُوهُ: "مَتَى يَتِمُّ جَمِيعُ هَذَا؟" فَقَالَ إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ تَتِمَّ أُمُورٌ مُعَيَّنَةٌ أَوَّلًا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: "أَمَّا أَنْتُمْ فَسَتَقِفُونَ أَمَامَ مُلُوكٍ وَحُكَّامٍ وَسَتُضْطَهَدُونَ". دَعُونِي أَتَوَقَّفُ قَلِيلًا وَأَطْرَحُ هَذَا السُؤَالَ: هَلْ تَحَقَّقَ هَذَا الْجُزْءُ مِنَ النُبُوَّةِ بِحَسَبِ سِفْرِ أَعْمَالِ الرُسُلِ مَعَ مَعَاصِرِي يَسُوعَ الَذِينَ سَمِعُوا هَذَا التَحْذِيرَ؟ نَعَمْ، فَلَقَدْ تَعَرَّضُوا فِعْلًا لِلِاضْطِهَادِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، حَيْثُ قَالَ لَهُمْ: "فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ، لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ،" وَمَا إِلَى ذَلِكَ. ثُمَّ جَاءَ فِي الآيَةِ 14: فَمَتَى نَظَرْتُمْ "رِجْسَةَ الْخَرَابِ" الَتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ. قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي -لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ –"، هَذَا جُزْءٌ غَامِضٌ جِدًّا مِنَ النَصِّ، "فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ إِلَى الْبَيْتِ وَلاَ يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ، وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ. لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ إِلَى الآنَ وَلَنْ يَكُونَ. وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّامَ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ"، وَلَكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَذِينَ اخْتَارَهُمْ قَصَّرَ الأَيَّامَ.

نَحْنُ نَسْمَعُ هُنَا بِرِجْسَةِ الْخَرَابِ، وَنَسْمَعُ بِالضِيقَةِ الْعَظِيمَةِ الَتِي أَصْبَحَتْ فِي مُتَنَاوِلِ مَدَارِكِ النَاسِ مِنْ خِلَالِ الْكِتَابِ الْأَكْثَرِ مَبِيعًا، وَتَرْجَمَةُ عُنْوَانِهِ "كَوْكَبُ الْأَرْضِ الْعَظِيمُ الْجَدِيدُ". وَجَمِيعُ الْجِدَالَاتِ وَالنِقَاشَاتِ الْقَائِمَةِ بَيْنَ الْمَسِيحِيِّينَ الْيَوْمَ حَوْلَ مَا إِذَا كَانَ يَسُوعُ سَيَأْتِي قَبْلَ الضِيقَةِ، أَوْ خِلَالَ الضِيقَةِ، أَوْ بَعْدَ الضِيقَةِ. لَكِنْ إِلَى جَانِبِ هَذَا الْإِنْذَارِ بِحُدُوثِ الضِيقَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ جُزْءٌ مِنَ الْإِجَابَةِ عَنِ السُؤَالِ: "مَتَى يَكُونُ هَذَا؟" يُعْطِي يَسُوعُ تَوْجِيهَاتٍ مُحَدَّدَةً لِتَجَنُّبِ الضِيقَةِ: "مَتَى نَظَرْتُمْ هَذِهِ الْأُمُورَ فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ". الْمَوْضُوعُ الَذِي سَنَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ فِي سِيَاقِ هَذِهِ الدِرَاسَةِ هُوَ الْآلَامُ وَالضِيقَةُ الشَدِيدَةُ الَتِي حَلَّتْ بِالْأُمَّةِ الْيَهُودِيَّةِ فِي إِطَارِ غَزْوِ الْجُيُوشِ الرُومَانِيَّةِ لِفَلَسْطِينَ، وَدَمَارِ أُورُشَلِيمَ فِي عَامِ 70 مِيلَادِيًّا، فَكَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ إِبَادَةٍ كَبِيرَةٍ فِي التَارِيخِ، حَيْثُ تَمَّ ذَبْحُ مِلْيُونِ وَمِئَةِ أَلْفِ يَهُودِيٍّ فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ فِي عَامِ 70 مِيلَادِيًّا.

وَأَحَدُ الْأُمُورِ الْبَارِزَةِ الَتِي نَعْرِفُهَا مِنَ التَارِيخِ هُوَ أَنَّهُ حِينَ تَمَّ اجْتِيَاحُ فَلَسْطِينَ وَرَاحَ الرُومَانُ يَحْتَلُّونَهَا بَلْدَةً بَعْدَ بَلْدَةٍ وَقَرْيَةً بَعْدَ قَرْيَةٍ، قَبْلَ أَنْ يَبْدَؤُوا بِمُحَاصَرَةِ أُورُشَلِيمَ وَتَعْبُرَ الْجُيُوشُ الْحُدُودَ، يَرْجِعُ أَحَدُ أَسْبَابِ قَتْلِ الْكَثِيرِ مِنَ الْأَشْخَاصِ فِي أُورُشَلِيمَ هُوَ أَنَّ النَاسَ ذَهَبُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بَحْثًا عَنِ الْأَمَانِ وَرَاءَ الْأَسْوَارِ الضَخْمَةِ لِلْمَدِينَةِ الْعَظِيمَةِ. فَهَذَا مَا كَانَ يَتِمُّ عَادَةً فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ، أَيْ حِينَ تَتَقَدَّمُ الْجُيُوشُ الْغَرِيبَةُ كَانَ النَاسُ يَهْرُبُونَ إِلَى الْمُدُنِ الْمُحَاطَةِ بِأَسْوَارٍ بَحْثًا عَنِ الْأَمَانِ. قَالَ يَسُوعُ لِتَلَامِيذِهِ: "عِنْدَمَا تَرَوْنَ جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمُورِ تَحْدُثُ لَا تَذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، بَلْ اصْعَدُوا إِلَى الْجِبَالِ". وَهَذَا تَحْدِيدًا مَا فَعَلَهُ الْمَسِيحِيُّونَ الْأَوَائِلُ فِي عَامِ 70 مِيلَادِيًّا، هَرَبَ الْيَهُودُ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَّا أَتْبَاعُ يَسُوعَ فَسَمِعُوا تِلْكَ التَحْذِيرَاتِ وَهَرَبُوا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ.

دَعُونَا نُتَابِعْ:

حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا أَوْ هُوَذَا هُنَاكَ فَلاَ تُصَدِّقُوا. لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ لِكَيْ يُضِلُّوا -لَوْ أَمْكَنَ- الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. فَانْظُرُوا أَنْتُمْ، هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، بَعْدَ ذَلِكَ الضِّيقِ فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ. فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ.

هُنَا نَرَى ذُرْوَةَ الْمُشْكِلَةِ فِي إِطَارِ إِجَابَةِ يَسُوعَ عَلَى هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ "مَتَى يَكُونُ هَذَا؟، وَمَا هِيَ الْعَلَاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هَذَا؟" عِنْدَئِذٍ رَاحَ يَتَكَلَّمُ عَنْ عَلَامَاتٍ فِي السَمَاءِ، وَلَيْسَ عَنْ عَلَامَاتٍ عَلَى الْأَرْضِ فَحَسْبُ، وَعَنِ اضْطِرَابَاتٍ فِي الْأَجْرَامِ السَمَاوِيَّةِ، الشَمْسُ تُظْلِمُ وَالْقَمَرُ لَا يُضِيءُ، إِلَى آخِرِهِ. وَنَتَكَلَّمُ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى أَنَّهَا تُنْذِرُ بِحُلُولِ الْعَلَامَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى مَجِيءِ يَسُوعَ عَلَى سَحَابِ الْمَجْدِ. هُنَا، يَجْعَلُ يَسُوعُ مَجِيئَهُ بِالْمَجْدِ جُزْءًا مِنْ مَضْمُونِ هَذِهِ النُبُوَّةِ. وَهَذَا هُوَ الْجُزْءُ الَذِي وَرَدَ لَاحِقًا فِي النَصِّ وَالَذِي قَالَ فِيهِ: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَا يَمْضِي هَذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هَذَا كُلُّهُ، السَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ".

إِذَنْ لَا تَتَضَمَّنُ هَذِهِ النُبُوَّةُ الْمُسْتَقْبَلِيَّةُ دَمَارَ الْهَيْكَلِ فَحَسْبُ، وَلَا دَمَارَ مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا أَيْضًا نُبُوَّةَ يَسُوعَ الْوَاضِحَةَ بِمَجِيئِهِ فِي نِهَايَةِ الْجِيلِ عَلَى سَحَابِ الْمَجْدِ. وَهُوَ يَقُولُ إِنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمُورِ سَتَحْدُثُ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ الْجِيلُ، كَيْفَ نُفَسِّرُ ذَلِكَ؟ تُوجَدُ عِدَّةُ خِيَارَاتٍ: الْخِيَارُ الْأَوَّلُ هُوَ ذَاكَ الَذِي قَدَّمَهُ النُقَّادُ أَيْ بِبَسَاطَةٍ أَنَّ يَسُوعَ كَانَ عَلَى خَطَأٍ. وَأَنَّ مَا قَصَدَهُ بِهَذَا الْجِيلِ هُوَ جُمُوعُ النَاسِ الَذِينَ يَعِيشُونَ خِلَالَ فَتْرَةٍ لَا تَتَجَاوَزُ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَمْ يَحْدُثْ ذَلِكَ، لِذَا فَقَدْ كَانَ مُخْطِئًا. الْخِيَارُ الثَانِي، هُوَ رَوْحَنَةُ كَلِمَةِ "جِيلٍ" لِلْإِشَارَةِ إِلَى شَيْءٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ بِإِطَارٍ زَمَنِيٍّ مُدَّتُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُحَدَّدٍ، وَنَنْتَظِرُ تَتْمِيمًا حَرْفِيًّا لِمَضْمُونِ النُبُوَّةِ. الْخِيَارُ الثَالِثُ، هُوَ إِلْقَاءُ نَظْرَةٍ ثَانِيَةٍ عَلَى مَا كَانَ يَسُوعُ يَتَكَلَّمُ عَنْهُ، تَحْدِيدًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَجِيئِهِ. هَلْ كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْ مَجِيئِهِ النِهَائِيِّ فِي نِهَايَةِ الْأَزْمِنَةِ؟ أَمْ إِنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْ مَجِيئِهِ فِي نِهَايَةِ الْعَصْرِ الْيَهُودِيِّ، أَيْ لَيْسَ فِي نِهَايَةِ الْأَزْمِنَةِ؟ لِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يُمَيِّزُ بَيْنَ عَصْرِ الْيَهُودِ وَعَصْرِ الْأُمَمِ. أَعَارَ الْعُلَمَاءُ حَدِيثًا الْمَزِيدَ مِنْ الِاهْتِمَامِ لِمَفْهُومِ نِهَايَةِ الْعَصْرِ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَ غَيْرُهُمْ فِي الْمَاضِي. وَسَوْفَ نُحَاوِلُ أَنْ نَرَى هُنَا إِنْ كَانَ يَسُوعُ يَتَكَلَّمُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ لَا عَنْ ظُهُورِهِ النِهَائِيِّ فِي نِهَايَةِ الْأَزْمِنَةِ، وَإِنَّمَا عَنْ مَجِيئِهِ لِيَدِينَ الشَعْبَ الْيَهُودِيَّ فِي عَامِ 70 مِيلَادِيًّا. لَكِنَّنَا سَنَتَنَاوَلُ هَذَا الْمَوْضُوعَ فِي الْمُحَاضَرَةِ الْمُقْبِلَةِ.