المحاضرة 11: الاخْتِطَافُ

خِلالَ هَذِهِ السِلْسِلَةِ مِنَ الْمُحَاضَراتِ حَوْلَ نِهَايَةِ الأَزْمِنَةِ، كُنَّا نَتَكَلَّمُ عَنْ نُبُوَّاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَتِي رُبَّمَا تَمَّتْ نَوْعًا مَا ضِمْنَ الإِطَارِ الزَمَنِيِّ لِلْقَرْنِ الأَوَّلِ، وَخُصُوصًا فِي فَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ دَمَارِ أُورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلِ. وَالأَشْخَاصُ الَذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ نُبُوَّاتِ الْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ قَدْ تَمَّتْ فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ يُعْرَفُونَ عَادَةً بِأَتْبَاعِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ أَوْ بِمُؤَيِّدِي نَظَرِيَّةِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ، مَا يَعْنِي أَنَّ تِلْكَ النُبُوَّاتِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةَ قَدْ تَمَّتْ بِالْفِعْلِ فِي الْمَاضِي. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ نَكُونَ حَرِيصِينَ أَيْضًا عَلَى التَمْيِيزِ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنَ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ. فَهُنَاكَ مَجْمُوعَةٌ تُطْلِقُ عَلَى نَفْسِهَا أَتْبَاعَ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْكَامِلِ، وَمَجْمُوعَةٌ أُخْرَى تُطْلِقُ عَلَى نَفْسِها أَتْبَاعَ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْجُزْئِيِّ.

مَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْكَامِلِ وَالتَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْجُزْئِيِّ؟ نَظَرِيَّةُ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْكَامِلِ، وَكَمَا تُبَيِّنُ التَسْمِيَةُ، تُؤْمِنُ أَنَّ جَمِيعَ الأَحْدَاثِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ الْمُحَدَّدَةِ الَتِي تَنَبَّأَ بِهَا الْعَهْدُ الْجَدِيدُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنِهَايَةِ الأَزْمِنَةِ قَدْ تَمَّتْ فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ. وَالأَمْرُ لا يَشْمَلُ دَمَارَ الْهَيْكَلِ وَأُورُشَلِيمَ وَعَوْدَةَ يَسُوعَ فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا الْقِيَامَةَ الْعَظِيمَةَ والاخْتِطَافَ وَجَمِيعَ الْمَسَائِلِ الأُخْرَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنُبُوَّاتِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ. لَكِنَّ نَظَرِيَّةَ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْجُزْئِيِّ تَخْتَلِفُ عَنِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْكَامِلِ فِي هَذَا الصَدَدِ، حَيْثُ تُؤْمِنُ نَظَرِيَّةُ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْجُزْئِيِّ أَنَّهُ عَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنَّ عَوْدَةَ يَسُوعَ فَي عَامِ 70 مِيلادِيًّا كَانَتْ عَوْدَةً لِلْمَسِيحِ لِيَدِينَ إِسْرَائِيلَ، فَهِيَ لَمْ تَكُنْ "الْبَارُوسْيَا" أَوِ الْمَجِيءَ النِهَائِيَّ لِيَسُوعَ فِي نِهَايَةِ الأَزْمِنَةِ. تَعْتَبِرُ نَظَرِيَّةُ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْجُزْئِيِّ أَنَّ يَسُوعَ عَادَ فِي عَامِ 70 مِيلادِيًّا فِي نِهَايَةِ جِيلٍ، أَيْ فِي نِهَايَةِ الْجِيلِ الْيَهُودِيِّ، لَكِنْ لَيْسَ فِي نِهَايَةِ التَارِيخِ. وَأَنَّ دَمَارَ أُورُشَلِيمَ وَسَكْبَ اللهِ لِغَضَبِهِ عَلَى شَعْبِهِ هُنَاكَ كَانَ يَوْمًا مُهِمًّا مِنْ أَيَّامِ الرَبِّ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْيَوْمَ الأَخِيرَ وَالنِهَائِيَّ لِلرَبِّ الَذِي سَيَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

لَكِنَّ الأَهَمَّ هُوَ الاخْتِلافُ فِي فَهْمِ الْقِيَامَةِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ لِلْقِدِّيسِينَ، وَالاخْتِطَافِ وَالدَيْنُونَةِ الأَخِيرَةِ الَتِي تَنَبَّأَ بِهَا الْعَهْدُ الْجَدِيدُ. دَعُونَا نَنْظُرُ أَوَّلًا الْيَوْمَ إِلَى الاخْتِلافِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِيَامَةِ. عِنْدَمَا نَقْرَأُ 1 كورنثوس 15 حَيْثُ نَجِدُ التَعْلِيمَ الأَطْوَلَ وَالأَكْثَرَ تَعْقِيدًا لِبُولُسَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِقِيَامَةِ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الَذِينَ سَيَشْتَرِكُونَ فِي جَسَدِ الْمَسِيحِ المُمَجَّدِ وَفْقًا لِقِيَامَتِهِ، يَخْتِمُ بُولُسُ هَذِهِ الدِرَاسَةَ فِي 1 كورنثوس 15 بِهَذَا التَعْلِيمِ الَذِي يَبْدَأُ مِنَ الآيَةِ 50:

فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ. هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ. فَإِنَّهُ سَيُبَوَّقُ فَيُقَامُ الأَمْوَاتُ عَدِيمِي فَسَادٍ، وَنَحْنُ نَتَغَيَّرُ. لأَنَّ هَذَا الْفَاسِدَ لاَ بُدَّ أَنْ يَلْبَسَ عَدَمَ فَسَادٍ، وَهَذَا الْمَائِتَ يَلْبَسُ عَدَمَ مَوْتٍ. وَمَتَى لَبِسَ هَذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هَذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ. أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ؟ أَمَّا شَوْكَةُ الْمَوْتِ فَهِيَ الْخَطِيَّةُ، وَقُوَّةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ النَّامُوسُ. وَلَكِنْ شُكْرًا لِلَّهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ.

قَبْلَ هَذَا الْجُزْءِ فِي 1 كورنثوس 15 تَحَدَّثَ بُولُسُ عَنْ قِيَامَتِنَا بِأَجْسَادٍ مُمَجَّدَةٍ عَلَى مِثَالِ جَسَدِ الْقِيَامَةِ الَذِي قَامَ بِهِ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ. حَتَّى هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ فِي مُنَاقَشَاتِنَا حَوْلَ النُبُوَّاتِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ، كَانَ الْعُنْصُرُ الرَئِيسِيُّ وَالأَهَمُّ فِي دِرَاسَتِنَا هُوَ دَلالاتُ الأُطُرِ الزَمَنِيَّةِ الَتِي قَدَّمَها يَسُوعُ أَوْ كَاتِبُ سِفْرِ الرُؤْيَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْتِ الَذِي يُمْكِنُ أَنْ نَتَوَقَّعَ تَتْمِيمَ هَذِهِ النُبُوَّاتِ فِيهِ. نَحْنُ نُدْرِكُ أَنَّهُ فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى كَانَ أَحَدُ أَوَائِلِ قَوَانِينِ الإِيمَانِ الْمَسِيحِيَّةِ الَتِي تَمَّتْ صِيَاغَتُهَا هُوَ قَانُونُ الإِيمَانِ الْمُسَمَّى قَانُونَ إِيمَانِ الرُسُلِ. وَفِي قَانُونِ إِيمَانِ الرُسُلِ تُوجَدُ عِبَارَةٌ فِي اللُغَةِ اللاتِينِيَّةِ الأَصْلِيَّةِ تَقُولُ: "رِيزِيرَكْسْيُونِسْ كَارْنِيسْ" (Resurrectionis carnis)، الَتِي نُؤَكِّدُ فِيهَا كَمُؤْمِنِينَ إِيمَانَنَا بِقِيَامَةِ الْجَسَدِ.

فَنَحْنُ نَقُولُ: "أُؤْمِنُ بِقِيَامَةِ الْجَسَدِ". إِنَّ إِعْلَانَ الإِيمَانِ هَذَا النَابِعَ مِنَ الْكَنِيسَةِ الأُولَى لَمْ يَكُنْ بِبَسَاطَةٍ إِعْلانَ إِيمَانٍ بِقِيَامَةِ جَسَدِ الْمَسِيحِ بَلْ بِقِيَامَةِ أَجْسَادِنَا نَحْنُ. كَمَا وَعَدَ الْمَسِيحُ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ بَاكُورَةَ الَذِين يَقُومُونَ مِنَ الأَمْوَاتِ، هَكَذَا أَيْضًا قِيلَ لَنَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ إِنَّنَا سَنَنَالُ أَجْسادًا مُمَجَّدَةً فِي الْقِيَامَةِ. وَإِنَّنَا لَنْ نَكُونَ أَرْواحًا بِلا جَسَدٍ تَهِيمُ فِي الأَبَدِيَّةِ بِتِلْكَ الْحَالَةِ. لَكِنْ سَيَأْتِي وَقْتٌ تَتَّحِدُ فِيهِ أَرْواحُنا بِأَجْسَادِنَا وَتُقامُ أَجْسَادُنَا. وَالأَجْسَادُ الْجَدِيدَةُ الَتِي سَنَتَمَتَّعُ بِهَا سَتَكُونُ عَدِيمَةَ الْفَسَادِ وَعَدِيمَةَ الْمَوْتِ. وَلِذَا كَانَ هَذَا دَائِمًا رَجَاءً أَسَاسِيًّا لِلْمُجْتَمَعِ الْمَسِيحِيِّ أَنَّنَا نَتُوقُ إِلَى الْيَوْمِ الَذِي سَنُشَارِكُ فِيهِ فِي قِيَامَةِ الْجَسَدِ.

يَقُولُ مُؤَيِّدُو نَظَرِيَّةِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْكَامِلِ إِنَّ تِلْكَ النُبُوَّةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْمُسْتَقْبَلِ قَدْ تَحَقَّقَتْ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ اسْتِنْتَاجٌ مُذْهِلٌ وَمُدْهِشٌ. دَعُونَا نَرَى بِدَايَةً لِمَاذَا يَقُولُونَ إِنَّ النُبُوَّاتِ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمَاضِي، ثُمَّ نَنْظُرُ إِلَى كَيْفِيَّةِ تَقْدِيمِهِمْ لِهَذِهِ الْحُجَجِ. إِذَا لاحَظْتُمْ، بَيْنَمَا كُنْتُ أَقْرَأُ مِنْ 1 كورنثوس 15، قَالَ بُولُسُ مَا يَلِي: "هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، فِي لَحْظَةٍ، فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، عِنْدَ الْبُوقِ الأَخِيرِ". ثُمَّ تَابَعَ قَائِلًا: "وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ". نُلاحِظُ أَنَّهُ فِي هَذَا النَصِّ، وَخِلافًا لِلْحَدِيثِ عَلَى جَبَلِ الزَيْتُونِ، لا تُوجَدُ إِشَارَاتٌ إِلَى إِطَارٍ زَمَنِيٍّ مُحَدَّدٍ وَوَاضِحٍ. لَمْ يَقُلْ بُولُسُ إِنَّ الأَمْرَ سَيَتِمُّ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ هَذَا الْجِيلُ، وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ هَذِهِ الأُمُورَ سَتَتِمُّ بَعْدَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ أَوْ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ. فَلِمَاذا إِذَنْ قَدْ يَعْتَبِرُ أَحَدُهُمْ هَذِهِ نُبُوَّةً مُسْتَقْبَلِيَّةً يُتَوَقَّعُ حُدُوثُها فِي الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ؟

الأَشْخَاصُ الَذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ النُبُوَّاتِ تَمَّتْ كُلُّهَا فِي الْمَاضِي يَسْتَنِدُونَ إِلَى اسْتِعْمَالِ الضَمِيرِ "نَحْنُ" فِي هَذَا النَصِّ. فِي هَذَا النَصِّ الَذِي قَرَأْتُهُ لِلتَوِّ، يَسْتَعْمِلُ بُولُسُ كَلِمَةَ "نَحْنُ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَيَقُولُ: "لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ، (وَنَلْبَسُ عَدَمَ فَسَادٍ)". وَفِي نَصٍّ آخَرَ مُتَعَلِّقٍ بِالاخْتِطَافِ يَسْتَخْدِمُ بُولُسُ عِبَارَاتٍ مُمَاثِلَةً، حَيْثُ يَرْتَبِطُ ذَلِكَ أَيْضًا بِالنَصِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالاخْتِطافِ، إِذْ يَقُولُ بُولُسُ فِي 1 تسالونيكي: "نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ". ما يُبَيِّنُ أَنَّ الضَمِيرَ "نَحْنُ" يَشْمَلُ الرَسُولَ بُولُسَ. إِذَنْ، يَبْدُو أَنَّ بُولُسَ يَقُولُ إِنَّ تِلْكَ الأُمُورَ سَتَحْدُثُ فِي حَيَاتِهِ بِمَا أَنَّهُ يَشْمَلُ نَفْسَهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ الَتِي أَشَارَ إِلَيْهَا عَبْرَ اسْتِعْمَالِ الضَمِيرِ "نَحْنُ". لاحِظُوا أَنَّ بُولُسَ لا يَقُولُ فِي هَذَا التَصْرِيحِ: "سَأَكُونُ حَيًّا" بِشَكْلٍ وَاضِحٍ وَمُحَدَّدٍ. بَلْ بَيْنَمَا يَتَحَدَّثُ فِي سِيَاقِ الْمَوْضُوعِ يَقُولُ: "نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى ذَلِكَ الْيَوْم"، وَيَقُولُ فِي كُورِنْثُوسَ الأُولَى: "كُلُّنَا نَتَغَيَّرُ"، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا لا يَعْنِي بِالضَرُورَةِ أَنَّ الرَسُولَ تَوَقَّعَ أَنَّهُ سَيَكُونُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ حِينَ تَتِمُّ هَذِهِ النُبُوَّاتُ.

يَقُولُ الْمُدَافِعُونَ عَنْ نَظَرِيَّةِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْكَامِلِ لِلنُبُوَّاتِ إِنَّ الضَمِيرَ "نَحْنُ" يَعْنِي أَنَّ بُولُسَ تَوَقَّعَ حُدُوثَ تِلْكَ الأُمُورِ فِي حَيَاتِهِ. وَيَجْدُرُ بِي الْقَوْلُ فِي هَذَا الصَدَدِ إِنَّ مُؤَيِّدِي نَظَرِيَّةِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ لَيْسُوا وَحْدَهُمْ مَنْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ بُولُسَ تَوَقَّعَ هُنَا أَنْ يَكُونَ هُوَ نَفْسُهُ بَيْنَ الأَشْخَاصِ الَذِينَ سَيَكُونُونَ بَعْدُ أَحْيَاءَ حِينَ تَتِمُّ هَذِهِ النُبُوَّاتُ، لأَنَّ عُلَمَاءَ النَقْدِ الأَعْلَى لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ اسْتَنَدُوا أَيْضًا إِلَى هَذِهِ النُقْطَةِ، مُعْتَبِرِينَ أَنَّ بُولُسَ تَوَقَّعَ حَتْمًا أَنْ يَأْتِيَ الْمَلَكُوتُ بِشَكْلٍ نِهَائِيٍّ وَهُوَ لا يَزَالُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ بِمَا فِي ذَلِكَ الْقِيَامَةُ الْعَظِيمَةُ وَالاخْتِطَافُ. وَهُمْ يَسْتَنِدُونَ إِلَى الأَسَاسِ نَفْسِهِ الَذِي اسْتَنَدَ إِلَيْهِ مُؤَيِّدُو نَظَرِيَّةِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ، وَهِيَ اسْتِنْتَاجَاتٌ مُسْتَوْحَاةٌ مِنَ اللُغَةِ الشُمُولِيَّةِ الَتِي يَسْتَعْمِلُهَا الرَسُولُ بُولُسُ بِقَوْلِهِ "نَحْنُ" أَوْ "نَحْنُ الأَحْيَاءَ".

لَكِنْ مَرَّةً أُخْرَى، هَذِهِ الْكَلِمَاتُ لا تَعْنِي بِالضَرُورَةِ أَنْ نَفْتَرِضَ أَنَّ بُولُسَ كَانَ يُحَاوِلُ أَنْ يَقُولَ لِشَعْبِهِ إِنَّهُ سَيَكُونُ هُوَ شَخْصِيًّا عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، لَكِنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُ الْمُجْتَمَعَ الْمَسِيحِيَّ، وَلَيْسَ لِمُعَاصِرِيهِ فَحَسْبُ وَإِنَّمَا لِجَسَدِ الْمَسِيحِ كُلِّهِ مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ فَصَاعِدًا. وَبِالطَبْعِ، سَيَكُونُ بُولُسُ مَشْمُولًا فِي الْقِيَامَةِ أَيًّا كَانَ الْوَقْتُ الَذِي سَتَتِمُّ فِيهِ، سَوَاءٌ كَانِ فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ أَوْ فِي الأَلْفِيَّةِ الثَالِثَةِ، فَمَنْ يَعْلَمُ الْمِيعَادَ؟ سَيَكُونُ هُوَ أَيْضًا مَشْمُولًا بِالضَمِيرِ "نَحْنُ" لأَنَّ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ سَيُشَارِكُونَ فِي الْقِيَامَةِ، وَسَيُشَارِكُونَ جَمِيعًا فِي الاخْتِطَافِ. وَفِي إِطَارِ الاخْتِطافِ، حِينَ يَقُولُ "نَحْنُ الأَحْيَاءَ"، فَهَذَا لا يَعْنِي بِالضَرُورَةِ أَنَّهُ سَيَكُونُ حَيًّا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. مَا أَقُولُهُ هُوَ أَنَّ تِلْكَ الاسْتِنْتَاجَاتِ الْمَأْخُوذَةَ مِن نَظَرِيَّةِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْكَامِلِ هِيَ اسْتِنْتَاجَاتٌ مُحْتَمَلَةٌ مِنَ النَصِّ، لَكِنَّهَا لَيْسَتِ اسْتِنْتَاجَاتٍ حَتْمِيَّةً مِنَ النَصِّ.

وَلِذَا فَإِنَّنَا نَنْظُرُ إِلَى هَذَا الأَمْرِ مِنْ مَنْظُورِ رُؤْيَتِهِمْ لِتَتْمِيمِ تِلْكَ الأُمُورِ فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ. وَلِكَيْ نَتَبَنَّى مَنْظُورَ أَنَّ الْقِيَامَةَ وَالاخْتِطَافَ قَدْ حَدَثَا فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ عَلَيْنَا أَنْ نَقُومَ بِرَوْحَنَةِ النُصُوصِ مِنْ حَيْثُ الأَفْكارُ وَالْمَفَاهِيمُ التَصْوِيرِيَّةُ الْمُسْتَخْدَمَةُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقِيَامَةِ. وَتَكْمُنُ الْخُطُورَةُ فِي الْبَدْءِ بِرَوْحَنَةِ الأُمُورِ عِنْدَمَا تَقُومُ بِرَوْحَنَةِ أَمْرٍ يَتَنَاوَلُ مَوْضُوعًا يُفْتَرَضُ بِهِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا جَسَدِيًّا وَمَادِّيًّا. فَمِنَ الصَعْبِ جِدًّا أَنْ تُرَوْحِنَ الْقِيَامَةَ الْجَسَدِيَّةَ لِلْقِدِّيسِينَ مِنْ دُونِ أَنْ تُنْكِرَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ الْقِيَامَةَ الْجَسَدِيَّةَ لِلْقِدِّيسِينَ، لأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْقِيَامَةُ رُوحِيَّةً فَحَسْبُ، فَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهَا لَيْسَتْ قِيَامَةً جَسَدِيَّةً.

لَكِنَّ الْمُدَافِعِينَ عَنْ نَظَرِيَّةِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْكَامِلِ، أَمْثَالَ سْتِيوَارْت رَاسِيل (Stuart Russell) وَمَاكْس كِينْج (Max King)، يَفْعَلُونَ تَحْدِيدًا ذَلِكَ. فَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الْقِيَامَةَ الَتِي تَحَدَّثَ عَنْهَا بُولُسُ تَمَّتْ فِي عَامِ 70 مِيلادِيًّا، لَكِنَّهَا كَانَتْ قِيَامَةً رُوحِيَّةً لِلَذِينَ كَانُوا قَدْ مَاتُوا، لَقَدْ قَامُوا رُوحِيًّا وَهُمْ فِي السَمَاءِ الآنَ، وَلا يَجِبُ فَهْمُ ذَلِكَ بِشَكْلٍ مَادِّيٍّ جَسَدِيٍّ. فَلا عَجَبَ أَنْ يَتِمَّ اتِّهَامُ هَذَا الرَأْيِ بِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الغْنُوسِيَّةِ، لأَنَّ الْغُنُوسِيِّينَ يُنْكِرُونَ حَقِيقَةَ قِيَامَةِ يَسُوعَ بِالْجَسَد وَحَتَّى تَجَسُّدَهُ الْمَادِّيَّ، وَهَذَا الرَأْيُ يَبْدُو إِنْكارًا لِلْقِيَامَةِ الْجَسَدِيَّةِ لِلْقِدِّيسِينَ، لأَنَّهُ لِكَيْ يَكُونَ الأَمْرُ قَدْ تَمَّ فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ مِنْ دُونِ أَنْ يُدْرِكَ أَحَدٌ ذَلِكَ، وَمِنْ دُونِ أَنْ يُسَجِّلَ أَحَدٌ فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى قِيَامَةَ هَؤُلاءِ الَذِينَ مَاتُوا قَبْلَهُمْ، فَإِنَّ هَذَا يَدْفَعُهُمْ إِلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الْقَيَامَةَ كَانَتْ رُوحِيَّةً.

يَحْدُثُ الأَمْرُ نَفْسُهُ بِالنِسْبَةِ إِلَى تَنَاوُلِ مَسْأَلَةِ الاخْتِطَافِ الَتِي وَصَفَهَا بُولُسُ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي، فِي رِسَالَةِ تَسَالُونِيكِي الأُولَى. فِي الأَصْحَاحِ الرَابِعِ مِنْ تَسَالُونِيكِي الأُولَى نَقْرَأُ الأَمْرَ الآتِي عَنِ الاخْتِطافِ، وَهُو أَمْرٌ قَدْ لَقِيَ اهْتِمَامًا كَبِيرًا فِي مَجَالِ الأُخْرَوِيَّاتِ الْمَسِيحِيَّةِ، لِذَا يَجْدُرُ بِنَا قِرَاءَةُ النَصِّ. فِي الآيَةِ 13 مِنَ الأَصْحَاحِ 4 مِنْ رِسَالَةِ تَسَالُونِيكِي الأُولَى نَقْرَأُ مَا يَلِي:

ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذَلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هَذَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ الرَّبِّ، لاَ نَسْبِقُ الرَّاقِدِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ اللهِ وَالأَمْوَاتُ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الْهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ. لِذَلِكَ عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهَذَا الْكَلاَمِ.

هُنَا، تَنَاوَلَ الرَسُولُ بُولُسُ أَمْرًا أَثَارَ قَلَقَ الْمَسِيحِيِّينَ الأَوَائِلِ. فَلَقَدْ كَانَ لِلْكَنِيسَةِ الأُولَى رِجَاءٌ بِالْقِيَامَةِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ وَبِعَوْدَةِ الْمَسِيحِ عَلَى سَحَابِ الْمَجْدِ، لَكِنْ قَبْلَ أَنْ تَحْدُثَ تِلْكَ الأُمُورُ مَاتَ الْكَثِيرُ مِنْ مُؤْمِنِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى. إِذَنْ، السُؤَالُ الْبَدِيهِيُّ الَذِي طَرَحَهُ أَقَارِبُ هَؤُلاءِ هُوَ الآتِي: "هَلْ يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ أَقَارِبَنَا وَأَصْدِقَاءَنَا الَذِين رَقَدُوا سَتَفُوتُهُمْ هَذِهِ الأَحْدَاثُ الأُخْرَوِيَّةُ الْعَظِيمَةُ الَتِي وُعِدْنَا بِهَا؟" وَهُنَا يُجِيبُ بُولُسُ الْمُجْتَمَعَ الْمَسِيحِيَّ قَائِلًا: "إِطْلاقًا". فِي الْوَاقِعِ، هَؤُلاءِ الَذِينَ رَقَدُوا لَنْ تَفُوتَهُمْ عَوْدَةُ الْمَسِيحِ وَالْقِيَامَةُ الْعَظِيمَةُ فِي نِهَايَةِ الأَزْمِنَةِ، لأَنَّهُم سَيُشَارِكُونَ فِيهَا وَسَيَجْلِسُونَ فِي الْمَقَاعِدِ الأَمَامِيَّةِ، إِذْ سَيَكُونُونَ فِي الْمُقَدِّمَةِ. لأَنَّ الرَسُولَ بُولُسَ يَقُولُ: "إِنَّ الأَمْوَاتَ فِي الْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا". وَسَوْفَ يُخْطَفُونَ فِي الْهَوَاءِ. وَنَحْنُ الأَحْيَاءَ عِنْدَ مَجِيئِهِ سَنُخْطَفُ أَيْضًا لِلانْضِمَامِ إِلَى الرَبِّ أَوْ "لِمُلاقَاةِ الرَبِّ" كَمَا يَقُولُ الرَسُولُ بُولُسُ "فِي الْهَوَاءِ" حِينَ يَنْزِلُ بِصَوْتِ الْبُوقِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ.

لِذَا اضْطُرَّ مُؤَيِّدُو نَظَرِيَّةِ التَحْقِيقِ الْمَاضَوِيِّ الْكَامِلِ لِلْقَوْلِ إِنَّ الاخْتِطَافَ تَمَّ سِرًّا، وَأَنَّهُ كَانَ اخْتِطافًا صَامِتًا وَغَيْرَ مَنْظُورٍ. وَالْقَوْلُ إِنَّ الاخْتِطَافَ قَدْ حَدَثَ بِالْفِعْلِ يَعْنِي أَنَّهُ تَمَّ وَلَمْ يَسْمَعْ بِهِ أَحَدٌ وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ وَلَمْ يُدْرِكْهُ أَحَدٌ. إِذَنْ، إِنْ كَانَ بِبَسَاطَةٍ رُوحِيًّا وَغَيْرَ مَنْظُورٍ وَصَامِتًا، فَكَيْفَ يُمْكِنُنا أَنْ نَكُونَ مُنْصِفِينَ بِحَقِّ تَعْبِيراتِ هَذَا النَصِّ وَغَيْرِهِ؟ مَرَّةً أُخْرَى، يَلْجَأُ رَاسِيل وَغَيْرُهُ إِلَى الرَمْزِيَّةِ الَتِي غَالِبًا مَا تَمَّ اسْتِخْدَامُهَا فِي النُبُوَّاتِ، وَالَتِي تَقُولُ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تُفَسِّرَ هَذِهِ الأُمُورَ تَفْسِيرًا حَرْفيًّا. لَكِنْ بِالنِسْبَةِ إِلَيَّ، هَذَا الرَأْيُ يَنْطَوِي عَلَى الْكَثِيرِ مِنْ تَشْوِيهٍ لِكَلِمَاتِ هَذَا النَصِّ لِلْحَدِيثِ عَنْ سِرٍّ، وَهُوَ أَمْرٌ بِحَسَبِ لُغَةِ الرَسُولِ بُولُسَ سَيَكُونُ أَسْوَأَ تَكَتُّمٍ عَلَى سِرٍّ تَمَّ فِي التَارِيخِ، وَحَدَثٍ يَصْعُبُ أَنْ يَتِمَّ بِصَمْتٍ لأَنَّ السَمَاءَ كُلَّهَا سَتَحْدُثُ بِهَا ضَجَّةٌ عَظِيمَةٌ.

وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، كَثُرَ الْجِدَالُ بِشَأْنِ مَا سَيَحْدُثُ فِعْلِيًّا أَثْنَاءَ الاخْتِطَافِ، وَأَيْضًا بِشَأْنِ تَوْقِيتِ الاخْتِطَافِ. الأَشْخَاصُ الَذِين يَعْتَبِرُونَ أَنَّ الأَحْدَاثَ الأُخْرَوِيَّةَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ سَتَتِمُّ كُلُّهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لا سِيَّمَا التَدْبِيرِيُّونَ مُؤَيِّدُو نَظَرِيَّةِ مَا قَبْلَ الأَلْفِيَّةِ، يَتَوَقَّعُونَ أَنْ يَتِمَّ الاخْتِطَافُ قَبْلَ الضِيقَةِ الْعَظِيمَةِ. تَسْمَعُونَ عَنْ أَشْخَاصٍ يَتَكَلَّمُونَ عَنِ اخْتِطَافٍ قَبْلَ الضِيقَةِ الْعَظِيمَةِ. الْفِكْرَةُ الأَسَاسِيَّةُ هِيَ أَنَّهُ سَتَكُونُ ضِيقَةٌ عَظِيمَةٌ فِي نِهَايَةِ الأَزْمِنَةِ، لَكِنْ قَبْلَ هَذِهِ الضِيقَةِ، سَتُخْطَفُ الْكَنِيسَةُ لِمُلاقَاةِ يَسُوعَ، وَسَيَعُودُ يَسُوعُ جُزْئِيًّا إِلَى الأَرْضِ، سَيَخْطَفُ الْقِدِّيسِينَ مِنَ الأَرْضِ لِمُلاقَاتِهِ فِي الْهَواءِ، ثُمَّ سَيَبْقَى مَعَ قِدِّيسِيهِ مُرْتَفِعًا إِمَّا طَوَالَ سَنَواتِ الضِيقَةِ السَبْعِ أَوْ أيًّا كانَتِ الْكَيْفِيَّةُ الَتِي سَيَتِمُّ بِهَا تَنْفِيذُ هَذَا الْمُخَطَّطِ. وَفِي النِهَايَةِ، سَيَعُودُ مُجَدَّدًا لِيَظْهَرَ لِلْمَرَّةِ الأَخِيرَةِ، حَيْثُ سَيَعُودُ مَعَ الْقِدِّيسِينَ الَذِينَ اخْتَطَفَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ قَبْلَ الضِيقَةِ. إِذَنْ، يَتَضَمَّنُ هَذَا الْمُخَطَّطُ عَوْدَتَيْنِ لِيَسُوعَ فِي نِهَايَةِ الأَزْمِنَةِ، الْعَوْدَةُ الأُولَى سَتَكُونُ سِرِّيَّةً حِينَ سَيَخْتَطِفُ قِدِّيسِيهِ مِنَ الْعَالَمِ لِمُلاقَاتِهِ، ثُمَّ سَتَكُونُ عَوْدَتُهُ الأَخِيرَةُ بَعْدَ الضِيقَةِ.

أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا الرَأْيَ يُسِيءُ فَهْمَ الصُوَرِ وَالتَعْبِيرَاتِ الَتِي اسْتَخْدَمَهَا الرَسُولُ بُولُسُ هُنَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالاخْتِطَافِ وَمَعْنَاهُ. لا يَقُولُ بُولُسُ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَيُخْطَفُونَ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ سَيَبْقَوْنَ فِي الْهَوَاءِ مَعَ يَسُوعَ. الصُورَةُ المُعَبَّرُ عَنْهَا هُنَا هِيَ مُلاقَاةُ الْمَسِيحِ حِينَ يَعُودُ بِمَجْدِهِ، لَكِنْ يُشَارِكُ الْمُؤْمِنُونَ فِي عَوْدَتِهِ الْمُنْتَصِرَةِ إِلَى هَذَا الْعَالَمِ. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ سَيَعُودُ وَيَخْتَطِفُ الْكَنِيسَةَ ثُمَّ يَبْقَى فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَعُودُ إِلَى السَمَاءِ حَتَّى وَقْتٍ لاحِقٍ. لَكِنَّ الْهَدَفَ مِنْ هَذِهِ الصُورَةِ المُعَبَّرِ عَنْهَا هُنَا يَعْكِسُ أَمْرًا كَانَ شَائِعًا فِي الْعَالَمِ الَذِي عَاشَ فِيهِ بُولُسُ، أَيْ أُسْلُوبَ عَوْدَةِ الْجُيُوشِ الرُومَانِيَّةِ الْمُنْتَصِرَةِ إِلَى رُومَا. فَمَتَى عَادَتِ الْجُيُوشُ الرُومَانِيَّةُ مِنَ الْحَمْلَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَدِينَةَ رُومَا، كَانَتْ تُخَيِّمُ عَلَى بُعْدِ مِيلٍ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُمْ جَمِيعُ الْجُنُودِ وَالأَسْرَى الَذِينَ أَتَوْا بِهِمْ مِنَ الْمَعْرَكَةِ. ثُمَّ يُرْسِلُونَ رَسُولًا إِلَى مَجْلِسِ الشُيُوخِ لِيُعْلِنَ عَنْ مَجِيئِهِمْ. تَذَكَّرُوا أَنَّهُم كَانُوا يَحْمِلُونَ الرَايَاتِ SPQR: أَيْ "مَجْلِسَ الشُيُوخِ وَشَعْبَ رُومَا"، وَهَذَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَمْنَحَ وَقْتًا لِلْمُخَطِّطِينَ فِي الْمَدِينَةِ لإِقَامَةِ قَوْسِ الانْتِصَارِ وَتَزْيِينِ الْمَدِينَةِ، مِثْلَمَا نَفْعَلُ عِنْدَمَا نُقِيمُ اسْتِعْراضًا لإِظْهَارِ بَرَاعَةِ الأَبْطَالِ الْمُنْتَصِرِينَ. وَكَانُوا يَنْثُرُونَ أَكَالِيلَ زُهُورٍ زَكِيَّةِ الرَائِحَةِ فِي الْمَدِينَةِ كُلِّها لِيُغَطُّوا عَلَى رَائِحَةِ الْعَبِيدِ النَتِنَةِ. وَفِي وَقْتٍ تَمَّ تَرْتِيبُهُ مُسْبَقًا كَانَتْ تُعْطَى إِشَارَةٌ فتُضْرَبُ الأَبْوَاقُ، وَهِيَ إِشَارَةٌ تَدْعُو الْجُيُوشَ الرُومَانِيَّةَ إِلَى التَقَدُّمِ مُنْتَصِرَةً دَاخِلَ الْمَدِينَةِ. وَقَبْلَ أَنْ تَبْدَأَ الْمَسِيرَةُ عِنْدَ الضَرْبِ بِالْبُوقِ، كَانَ كُلُّ مُوَاطِنٍ رُومَانِيٍّ فِعْلِيٍّ يُدْعَى لِلْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ للانْضِمَامِ إِلَى الاسْتِعْرَاضِ الْعَسْكَرِيِّ وَلِلتَّوَجُّهِ نَحْوَ قَوْسِ الانْتِصَارِ مَعَ الْجَيْشِ الْمُنْتَصِرِ لِكَيْ يُشَارِكَ فِي الانْتِصَارِ وَيُشَارِكَ فِي الْغَلْبَةِ.

وَأَعْتَقِدُ أَنَّكُم إِذَا نَظَرْتُمْ عَبْرَ كِتَابَاتِ بُولُسَ، سَتَجِدُونَهُ يَقْتَبِسُ دَائِمًا صُوَرًا مِنَ الرُومَانِ. وَمَا أَفْهَمُهُ مِنْ كَلامِ بُولُسَ هُوَ أَنَّهُ حِينَ يَأْتِي يَسُوعُ، فَهُوَ سَيَعُودُ إِلَى الأَرْضِ مَعَ كَنِيسَتِهِ كُلِّهَا، سَوْفَ تُخْطَفُ الْكَنِيسَةُ لِمُلاقَاتِهِ فِي الْهَوَاءِ، حَيْثُ سَيُتَابِعُ النُزُولَ مَعَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَاحِبِينَ لَهُ. أَمَّا تَوْقِيتُ حُدُوثِ ذَلِكَ، فَيَعْتَمِدُ عَلَى مَنْظُورِكَ حَوْلَ الْمُلْكِ الأَلْفِيِّ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَنْ هَذِهِ الأُمُورِ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ وَالأَخِيرَةِ.