المحاضرة 4: مُعَزُّونَ مُتْعِبُونَ
هَذِهِ هِيَ الْمُحَاضَرَةُ ٤ فِي سِفْرِ أَيُّوبَ. وَسَنَنْظُرُ فِي الْأَصْحَاحَاتِ ٤ وَ٥ وَ٦ وَ٧. فَالْأَصْحَاحَانِ ٤ وَ٥ يُسَجِّلَانِ حَدِيثًا لِأَوَّلِ أَصْدِقَاءِ أَيُّوبَ، وَهُوَ أَلِيفَازُ، مِنْ ثَمَّ خُصِّصَ الْأَصْحَاحَانِ ٦ وَ٧ لِجَوَابِ أَيُّوبَ عَمَّا قَالَهُ صَدِيقُهُ أَلِيفَازُ.
كَانَ أَلِيفَازُ أَوَّلَ مَنْ تَحَدَّثَ رُبَّمَا لِأَنَّهُ الْأَكْبَرُ سِنًّا، إِذْ نُلَاحِظُ مِنَ الْأَصْحَاحِ ١٥ وَالْآيَتَيْنِ ٩ وَ١٠ أَنَّهُ أَشْيَبُ الشَعْرِ وَأَكْبَرُ مِنْ أَبِي أَيُّوبَ؛ مِمَّا يَمْنَحُكُمُ انْطِبَاعًا نَوْعًا مَا عَنْهُ. كَمَا أَنَّهُ اسْتَفَاضَ بَعْضَ الشَيْءِ فِي حَدِيثِهِ. إِذْ قَدِ ادَّعَى أَنَّ مَا يَقُولُهُ هُوَ بِإِرْشَادٍ مِنَ اللَّهِ. فَمِنَ الصَعْبِ دَوْمًا الدُخُولُ في نِقَاشٍ مَعَ شَخْصٍ مَا يَقُولُ: كَمَا تَعْلَمُونَ: "لَقَدْ تَحَدَّثَ اللَّهُ إِلَيَّ". هَذَا مَا قَالَهُ أَلِيفَازُ. فَهُوَ يُدْرِكُ وَيَعِي تَمَامًا السَبَبَ وَرَاءَ مُعَانَاةِ أَيُّوبَ. لَقَدْ أَصَابَ كَبِدَ الْحَقِيقَةِ بِالضَبْطِ. فَالْمَسْكُونَةُ أَوِ الْعَالَمُ أَوِ الْكَوْنُ مَوْجُودٌ فَقَطْ لإحْقَاقِ الْعَدْلِ. إِذْ إِنَّ الْأُمُورَ تَحْدُثُ بِطَرِيقَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. فَلِلْكَوْنِ قَانُونٌ يَعْمَلُ بِنَمَطٍ مُعَيَّنٍ. فِي مُسَلْسَلِ الرُسُومِ الْمُتَحَرِّكَةِ بِينَتْسْ (Peanuts)، تَقُولُ لُوسِي لِتْشَارْلِي بْرَاوْنْ: "أَمْرٌ وَاحِدٌ سَيَكُونُ عَلَيْكَ تَعَلُّمُهُ: أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ، وتَأْخُذُ مِنَ الْحَيَاةِ مَا تَضَعُهُ فِيهَا، لَا أَكْثَرَ وَلَا أَقَلَّ". مِنْ ثَمَّ يَقُولُ سْنُوبِي: "أَرْغَبُ فِي رُؤْيَةِ هَامِشٍ بَسِيطٍ مِنَ الْخَطَأِ".
فِي الْوَاقِعِ، يَنْتَمِي أَلِيفَازُ إِلَى جَمَاعَةِ الْبَشَرِ الذِينَ يُدْرِكُونَ أَنَّ الْكَوْنَ يَعْمَلُ حَسَبَ قَانُونٍ مُعَيَّنٍ. أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ. دَعُونَا نَبْدَأُ بِمَا يَقُولُهُ، بِالطَبْعِ يَبْدَأُ أَلِيفَازُ بِالْقَوْلِ: "إِنِ امْتَحَنَ أَحَدٌ كَلِمَةً مَعَكَ، فَهَلْ تَسْتَاءُ؟ وَلَكِنْ مَنْ يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ عَنِ الْكَلَامِ؟" كَانَ أَصْدِقَاءُ أَيُّوبَ الثَلَاثَةُ قَدْ وَصَلُوا. وَبَعْدَ أَنْ ظَلُّوا صَامِتِينَ لِمُدَّةِ أُسْبُوعٍ، حانَ الْوَقْتُ لِيَتَحَدَّثُوا. وَنَقْرَأُ فِي الْأَصْحَاحِ ٤ وَالْآيَةِ ٧: "اُذْكُرْ: مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَأَيْنَ أُبِيدَ الْمُسْتَقِيمُونَ؟ كَمَا قَدْ رَأَيْتُ: أَنَّ الْحَارِثِينَ إِثْمًا، وَالزَّارِعِينَ شَقَاوَةً يَحْصُدُونَهَا". وَهَا الْأَمْرُ، حَقًّا، يَحْمِلُ دِيبَاجَةً بَعْضَ الشَيْءِ، لَكِنَّهُ كَانَ مُصِيبًا فِيهَا، فِي الْآيَتَيْنِ ٧ وَ٨. فَسَبَبُ الْأَلَمِ مُبَاشِرٌ لِلْغَايَة: أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ، أَنْتَ تَأْخُذُ مِنَ الْحَيَاةِ مَا تَضَعُهُ فِيهَا، أَنْتَ مَسْؤُولٌ عَنْ أَفْعَالِكَ. مَا تَمُرُّ بِهِ نِتَاجُ أَفْعَالِكَ، وَنِتَاجُ أُسْلُوبِ حَيَاتِكَ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أَيُّوبَ قَدْ أَخْطَأَ. رُبَّمَا كَانَتْ خَطِيَّةً صَغِيرَةً، أَوْ خَطِيَّةً مُتَوَسِّطَةَ الفَدَاحَةِ أَوْ خَطِيَّةً جَسِيمَةً؛ رُبَّمَا خَطِيَّةً فِي الْحَاضِرِ، أو خَطِيَّةً فِي الْمَاضِي؛ رُبَّمَا خَطِيَّةً قَدْ نَسِيَهَا. بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى، سَبَبُ هَذَا الضِيقِ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرٍ فَلْسَفِيَّةٍ وَلَاهُوتِيَّةٍ هُوَ أَنَّ أَيُّوبَ يَحْصُدُ مَا قَدْ زَرَعَهُ. إِنَّهُ الْجَزَاءُ الْعَادِلُ. فَأَنْتَ تَحْصُدُ مَا زَرَعْتَ وَتَجْنِي مَا فَعَلْتَ.
لَاحِظُوا فِي الْأَصْحَاحِ ٥ وَالْآيَتَيْنِ ٦ وَ٧ يَقُولُ: "إِنَّ الْبَلِيَّةَ لَا تَخْرُجُ مِنَ التُّرَابِ، وَالشَّقَاوَةَ لَا تَنْبُتُ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ مَوْلُودٌ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَوَارِحَ لِارْتِفَاعِ الْجَنَاحِ". حَقًّا يَمْتَلِئُ سِفْرُ أَيُّوبَ بِالْكَثِيرِ مِنَ الْمَقَاطِعِ الَتِي يُمْكِنُكَ إِخْرَاجُهَا مِنْ سِيَاقِهَا، وَإِلْقَاءُ عَظَاتٍ قَوِيمَةٍ لِلْغَايَةِ مِنْ هَذِهِ النُصُوصِ، لَكِنْ فِي السِيَاقِ الَذِي قِيلَتْ فِيهِ، الْمَقْصُودُ فِي الْغَالِبِ مُخْتَلِفٌ كَثِيرًا. وَهَذَا مِثَالٌ عَلَى ذَلِكَ. فَمَاذَا يَقُولُ أَلِيفَازُ؟ "إِنَّ الْبَلِيَّةَ لَا تَخْرُجُ مِنَ التُّرَابِ"، الْبَلِيَّةُ لَا تَخْرُجُ مِنَ الْعَدَمِ. هُنَاكَ سَبَبٌ وَرَاءَهَا، وَلَهَا تَفْسِيرٌ. وَهَذَا التَفْسِيرُ وَاضِحٌ. أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ. أَنْتَ تَأْخُذُ مِنَ الْحَيَاةِ مَا تضَعُهُ فِيهَا تَمَامًا. فَالْبَلِيَّةُ لَا تَقَعُ جُزَافًا.
مَا الْمَبْدَأُ وَالرَأْيُ الْفَلْسَفِيُّ وَالمَنْظُورُ اللَاهُوتِيُّ الَذِي نَتَّخِذُهُ لِفَهْمِ بَلِيَّةِ أَيُّوبَ؟ وَتَذَكَّرُوا أَنَّ أَيُّوبَ فَقَدَ أَبْنَاءَهُ الْعَشَرَةَ، وَخَسِرَ كُلَّ ثَرْوَتِهِ، وَالْآنَ هُوَ يَفْقِدُ صِحَّتَهُ، إِذْ أُصِيبَ بِمَرَضٍ يُهَدِّدُ حَيَاتَهُ. فَمَاذَا نَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ؟ أَعْتَقِدُ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ يَنْبَغِي قَوْلُهُ هُوَ أَنَّ الْأَمْرَ صَحِيحٌ جُزْئِيًّا. صَحِيحٌ بَعْضَ الشَيْءِ. أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ. إِنَّهُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. إِنَّهُ فِي الآيَةِ ٧ مِنَ الأَصْحَاحِ ٦ مِنَ الرِسَالَةِ إِلَى غَلاطِيَةَ: "لَا تَضِلُّوا! اللهُ لَا يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الْإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا". هَذَا بُولُسُ. نَحْنُ نُعَلِّمُ أَبْنَاءَنَا هَذَا. هُنَاكَ عَوَاقِبُ لِأَفْعَالِكَ. لَا تَتَفَاجَؤُوا إِنَّ هَذَا أَوْ ذَاكَ عَاقِبَةٌ لِفِعْلِكُمْ، لِأَنَّ عَلَيْكُمْ النَظَرَ إِلَى مَا قَدْ فَعَلْتُمُوهُ. إِنَّ قَانُونَ السَبَبِ وَالنَتِيجَةِ هُوَ أَكْثَرُ مَا يَعْمَلُ فِي هَذَا الْكَوْنِ، وَنَحْنُ نَتَوَقَّعُ هَذَا، وَنُعَلِّمُهُ لأَوْلَادِنَا. يَقُولُ بُولُسُ فِي الْأَصْحَاحِ ١ مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ: "لِأَنَّ غَضَبَ اللَّهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالْإِثْمِ". فَمَا سَبَبُ وُقُوعِ غَضَبِ اللَّهِ وَوُجُودِهِ وَإِعْلَانِهِ لِلْكَوْنِ؟ إِنَّهُ عَاقِبَةُ الْخَطِيَّةِ، اللَّهُ يَأْتِي بِالدَيْنُونَةِ. إِنَّ إِعْلَانَاتِ غَضَبِ اللَّهِ تَعْبِيرٌ عَنْ رَدِّ فِعْلِهِ، رَدِّ فِعْلِ قَدَاسَتِهِ تُجَاهَ الْخَطِيَّةِ. بِاسْتِطَاعَتِنَا اخْتِيَارُ أَمْثِلَةٍ بِعَيْنِهَا مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.
أَذْكُرُ الْآنَ سِفْرَ صَمُوئِيلَ الثَانِي، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، وَالْأَصْحَاحَ ٦ مِنْهُ عَنْ قِصَّةِ عُزَّةَ وَتَابُوتِ الْعَهْدِ. أَنْتُمْ تَتَذَكَّرُونَ ابْنَ أَبِينَادَابَ، الَذِي فِي بَيْتِهِ وَضَعَ رِجَالُ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ التَابُوتَ عِنْدَمَا اسْتُعِيدَ وَجُلِبَ مِنْ أَرْضِ الْفِلَسْطِينِيِّينَ، وَهُوَ وَأَخُوهُ، أَخِيُو، يَسُوقَانِ الْعَجَلَةَ. وَتَتَذَكَّرُونَ أَنَّهُمْ وَضَعُوا تَابُوتَ الْعَهْدِ هَذَا، تَابُوتَ الْعَهْدِ الَذِي يُمَثِّلُ حُضُورَ اللَّهِ. وَيَحْتَوِي عَلَى بَعْضِ الْمُتَعَلَّقَاتِ الدِينِيَّةِ الْقَيِّمَةِ وَكَانَ، فِي الْحَقِيقَةِ، رَمْزًا لِحُضُورِ اللَّهِ بِذَاتِهِ. لَقَدْ كَانَ مَوْضِعُهُ فِي قُدْسِ أَقْدَاسِ خَيْمَةِ الِاجْتِمَاعِ، وَكَانَ قَدْ سَرَقَهُ الْفِلَسْطِينِيُّونَ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ. وَهُوَ هُنَا فِي هَذَا الْمَقْطَعِ فِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ إِلَى أُورْشَلِيمَ لَكِنْ عَلَى ظَهْرِ عَجَلَةٍ، أَنَا لَا أَعْلَمُ كَيْفَ تَبْدُو طُرُقُكُمْ هُنَا فِي فْلُورِيدَا لَكِنْ فِي كَارُولَيْنَا الْجَنُوبِيَّةِ يَتَخَلَّلُهَا الْكَثِيرُ مِنَ الْحُفَرِ، وَإِذَا مَرَّتِ الْعَجَلَةُ بِإِحْدَى هَذِهِ الْحُفَرِ فَإِنَّهَا تَتَأَرْجَحُ وَتَكَادُ تَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ، فَمَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ لِيُثَبِّتَ التَابُوتَ، فَضَرَبَهُ اللَّهُ وَأَمَاتَهُ. فَكَيْفَ نُفَسِّرُ هَذَا؟ بِالطَبْعِ، خَارِجَ الْإِطَارِ الْكِتَابِيِّ وَخَارِجَ الْمَنْظُورِ الْكِتَابِيِّ وَخَارِجَ الِافْتِرَاضِ حِيَالَ قَدَاسَةِ اللَّهِ، هَذَا أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُهُ. إِنَّمَا دَاخِلَ هَذَا الْإِطَارِ مِنَ التَفْكِيرِ، كَيْفَ يُمْكِنُنَا تَفْسِيرُ الْأَمْرِ؟ لَقَدْ نَالَ عُزَّةُ مَا يَسْتَحِقُّهُ. لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُفْتَرَضِ لَهُ لَمْسُ التَابُوتِ. لَمْ يَكُنْ لِأَيِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَلْمُسَ تَابُوتَ الْعَهْدِ. كُلُّ مَا هُوَ دَاخِلَ طَيَّاتِ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَيْسَ بِصَوَابٍ. ما كَانَ مُفْتَرَضًا أَنْ يَكُونَ تَابُوتُ الْعَهْدِ عَلَى عَجَلَةٍ تَجُرُّهَا الثِيرَانُ، وَلَا أَنْ يَلْمِسَهُ شَخْصٌ مَا. لِذَا فَقَدْ حَصَدَ مَا زَرَعَهُ.
دَعُونَا الآنَ نَنْتَقِلُ إِلَى الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. رُبَّمَا تَقُولُونَ إِنَّهَا قِصَّةٌ مِنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، عَنِ الْفَلْسَفَةِ الَتِي أَثَارَهَا أَلِيفَازُ هُنَا فِي قَوْلِهِ: "اُذْكُرْ: مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَأَيْنَ أُبِيدَ الْمُسْتَقِيمُونَ؟" الْأَصْحَاحُ ٤ وَالْآيَةُ ٧. دَعُونَا نَذْهَبُ إِلَى الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. كَمَا تَعْلَمُونَ، فِي الْغَالِبِ هَذَا مَبْدَأٌ يَعُودُ لِلْعَهْدِ الْقَدِيمِ، لَكِنَّنَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. فَاذْهَبُوا إِلَى سِفْرِ أَعْمَالِ الرُسُلِ وَإِلَى الْأَصْحَاحِ ٥ مِنْهُ، عَنْ حَنَانِيَّا وَسَفِّيرَةَ، فَفِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ مِنَ التَارِيخِ الْمُبَكِّرِ لِكَنِيسَةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مُشْتَرَكًا، فَكَانُوا يَبِيعُونَ مُمْتَلَكَاتِهِمْ مِنْ أَجْلِ مَنْفَعَةِ جَمَاعَةِ الْكَنِيسَةِ كُلِّهَا. فَهِيَ لَيْسَتْ بِالْمُمَارَسَةِ الَتِي اسْتَمَرَّتْ فِي حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ. فَأَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَعُودُ إِلَى الْحِقْبَةِ الْأُولَى مِنْ حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ فِي أُورُشَلِيمَ. فَقَدْ كَذَبَ حَنَانِيَّا وَسَفِّيرَةُ كِذْبَةً بَيْضَاءَ بِشَأْنِ ثَمَنِ عَقَارٍ. رُبَّمَا تَظُنُّونَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِالْخَطِيَّةِ الْجَسِيمَةِ. وَقَدْ ضَرَبَ اللهُ الْأَوَّلَ ثُمَّ الثَانِيَةَ وأمَاتَهُمَا. فَهَذِهِ هِيَ كَنِيسَةُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. هَذِهِ هِيَ الْكَنِيسَةُ دَاخِلَ الذَاكِرَةِ الْحَاضِرَةِ لِيَوْمِ الْخَمْسِينَ. هَذِهِ هِيَ الْكَنِيسَةُ ذَاتُ الْمَوَاهِبِ الرَسُولِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الِاسْتِعْلَانُ دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ. يَقُولُ بَعْضُ النَاسِ: "دَعُونَا نَعُودُ إِلَى الْكَنِيسَةِ الْأُولَى". حَسَنًا، دَعُونَا نَعُودُ إِلَى الْأَصْحَاحِ ٥ مِنْ سِفْرِ أَعْمَالِ الرُسُلِ الَذِي فِيهِ يَضْرِبُ اللَّهُ الْبَعْضَ فَيُمِيتُهُمْ لِعَدَمِ قَوْلِهِمَا الْحَقِيقَةَ بِشَأْنِ ثَمَنِ الْعَقَارِ. فَهَذَا مَبْدَأٌ. لَقَدْ حَصَدَا مَا قَدْ زَرَعَاهُ. إِنَّ مَبْدَأَ الْقِصَاصِ الْفَوْرِيِّ قَائِمٌ وَحَالٌّ. هَذَا مَا يَقُولُهُ أَلِيفَازُ. الْمُعَانَاةُ عِقَابٌ. إِنَّهُ قِصَاصٌ فَوْرِيٌّ. إِنَّهَا دَيْنُونَةُ اللَّهِ. فَاَللَّهُ غَاضِبٌ. فَهُوَ يَفْتَقِدُ، وَيَفْتَقِدُ بِالْعِقَابِ. إِنَّهُ يَفْتَقِدُ بِإِرْسَالِ الْأَلَمِ. وَيَفْتَقِدُ بِاخْتِبَارِ بَلِيَّةٍ. أَنَا أَقُولُ إِنَّ هَذَا صَحِيحٌ جُزْئِيًّا. الْآن، أَيُّ مَنْظُورٍ غَيْرِ مَسِيحِيٍّ لَا يَقْبَلُ هَذَا لَكِنْ، من وُجْهَةِ النَظَرِ الْمَسِيحِيَّةِ، وَمِنْ وُجْهَةِ النَظَرِ الْكِتَابِيَّةِ، نَحْنُ نُؤْمِنُ فِعْلًا بِأَنَّ لِأَفْعَالِنَا عَوَاقِبَ.
كَتَبَ بُولُسُ إِلَى كَنِيسَةِ كُورِنْثُوسَ مَقْطَعًا سَنَقْرَأُهُ سَوِيًّا، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ فِي عِشَاءِ الرَبِّ، يَحُثُّ الشَعْبَ عَلَى امْتِحَانِ أَنْفُسِهِمْ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ، والسَبَبُ لِكَيْ يَحْضُرُوا لِيَتَشَارَكُوا فِي عِشَاءِ الرَبِّ فِي مُنَاخٍ يَكُونُ مَرْكَزُهُ الْمَسِيحُ وَالْإِنْجِيلُ. فَهُوَ يُذَكِّرُنَا فِي ذَلِكَ الْمُقْطَعِ، فِي الْأَصْحَاحِ ١٠ مِنْ 1 كُورْنْثُوسَ، ثُمَّ في الْأَصْحَاحِ ١١. يُذَكِّرُنَا بُولُسُ بِأَنَّ هُنَاكَ مَنْ هُمْ مَرْضَى فِي كُورْنِثُوسَ وَالْبَعْضَ قَدْ مَاتُوا، وَأَنَّ هَذَا عِقَابٌ، إِنَّهُ افْتِقَادٌ مِنَ اللَّهِ. اللَّهُ هُوَ مَنْ فَعَلَ هَذَا. لَقَدْ حَلَّ اللَّهُ بِقَدَاسَتِهِ وَحَلَّ بِبِرِّهِ. الْعَالَمُ لَا يُؤْمِنُ بِهَذَا، لَكِنَّ هَذَا مَا يُعَلِّمُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ. يَحْدُثُ هَذَا فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ. فَهَذَا صَحِيحٌ جُزْئِيًّا. لِمَاذَا مَاتَ الرَبُّ يَسُوعُ؟ رُبَّمَا هَذَا أَهَمُّ سُؤَالٍ تَطْرَحُهُ على الإطلاق. لِمَاذَا مَاتَ الرَبُّ يَسُوعُ؟ لَقَدْ كَانَ بِلَا خَطِيَّةٍ، وبِلَا أَيَّةِ شَائِبَةٍ، ولَمْ يَتَعَدَّ أَيَّةَ وَصِيَّةٍ نَامُوسِيَّةٍ. لِمَاذَا مِنَ الصَوَابِ حَتْمِيَّةُ مَوْتِ الرَبِّ يَسُوعَ؟ أُجْرَةُ الْخَطِيَّةِ هِيَ الْمَوْتُ. وَالْمَبْدَأُ الْقَائِمُ أَنَّكَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ. أَنْتَ تُخْطِئُ، فَمَا الَذِي سَتَحْصُدُهُ؟ سَتَحْصُدُ مَوْتًا. فَالْمَوْتُ هُوَ أُجْرَةُ الْخَطِيَّةِ. الْخَطِيَّةُ تَأْخُذُ أُجْرَتَهَا. الْخَطِيَّةُ تَسْتَوْفِي أَجْرَهَا، الَذِي هُوَ الْمَوْتُ. إِذَنْ، لِمَاذَا مَاتَ الرَبُّ يَسُوعُ؟ هُنَاكَ إِجَابَتَانِ فَقَطْ لِهَذَا السُؤَالِ. الْأُولَى أَنَّ هَذَا الْكَوْنَ يَفْتَقِرُ إِلَى الْعَدْلِ. فَلَا تَنْتَظِرِ الْعَدْلَ. فَقَدْ تَكُونُ إِنْسَانًا بَرِيئًا، وَتَحْيَا بِاسْتِقَامَةٍ. وَرُبَّمَا تَحْيَا بِنَزَاهَةٍ، لَكِنْ يَتَعَقَّبُكَ الْمَوْتُ فِي النِهَايَةِ. وَتَظَلُّ الْمَصَائِبُ تَتَوَالَى لِأَنَّ هَذَا الْعَالَمَ يَفْتَقِرُ إِلَى الْعَدْلِ. أَمَّا الْإِجَابَةُ الثَانِيَةُ تَتَمَثَّلُ، بِالطَبْعِ، فِي الْإِجَابَةِ الْإِنْجِيلِيَّةِ، الْإِجَابَةِ الْكِتَابِيَّةِ. إِنَّهَا فِي كُورْنِثُوسَ الثَانِيَةِ وَالْأَصْحَاحِ ٥ وَالْآيَةِ ٢١. فَسَبَبُ مَوْتِ الرَبِّ يَسُوعَ هُوَ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ. فِي اللَحْظَةِ الَتِي مَاتَ فِيهَا، كَانَ قَدْ احْتُسِبَ خَطِيَّةً. وَبِكَلِمَاتِ لُوثَرَ: كَانَ "أَكْبَرَ خَاطِئٍ شَهِدَهُ الْعَالَمُ". لَقَدِ احْتَسَبَ اللَّهُ خَطَايَانَا عَلَيْهِ، وَفِي تِلْكَ اللَحْظَةِ، اسْتَحَقَّ الْمَوْتَ. لِذَا ذَاقَ الْمَوْتَ. إِنَّهُ مَبْدَأُ الْعَدَالَةِ، لذا أَقُولُ إِنَّ مَبْدَأَ أَلِيفَازَ هَذَا صَحِيحٌ جُزْئِيًّا.
لَكِنْ بِالطَبْعِ، جَانَبَهُ الْخَطَأُ أَيْضًا، وَلَمْ يَكُنْ على حَقٍّ جُزْئِيًّا. خُذُوا الْأَصْحَاحَ ٩ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا مِثَالًا، تِلْكَ الْوَاقِعَةُ الَتِي نَقْرَأُ فِيهَا عَنِ الرَجُلِ الْمَوْلُودِ أَعْمَى. ثُمَّ يَسْأَلُ التَلَامِيذُ الرَبَّ يَسُوعَ مَنْ أَخْطَأَ: "هَذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟" أتُلَاحِظُونَ اسْتِدْلَالَ السُؤَالِ. فَمَا خَلْفِيَّةُ هَذَا السُؤَالِ؟ أَخْطَأَ أَحَدُهُمْ. وَالتَفْسِيرُ الْوَحِيدُ لِهَذَا الْعَمَى أَنَّ هُنَاكَ شَخْصًا مَا قَدْ أَخْطَأَ. إِمَّا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ نَفْسَهُ أَخْطَأَ وَإِمَّا وَالِدَيْهِ اقْتَرَفَا إِثْمًا مَا، وَهَذِهِ هِيَ دَيْنُونَةُ اللَّهِ الْمُبَاشِرَةُ عَلَيْهِ. هَلْ تَتَذَكَّرُونَ جَوَابَ الرَبِّ يَسُوعَ؟ لَا هَذَا أَخْطَأَ وَلَا أَبَوَاهُ. هُنَا، لَا يَقُولُ الرَبُّ يَسُوعُ إِنَّ هَذَا الرَجُلَ لَمْ يُخْطِئْ قَطُّ. وَلَا يَقُولُ إِنَّ أَبَوَيْهِ كَانَا بِلَا خَطِيَّةٍ. فَهَذَا لَيْسَ الْمَقْصُودَ. فَمَا يَقُولُهُ إِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ رَابِطٌ مُبَاشِرٌ بَيْنَ خَطِيَّةِ هَذَا الرَجُلِ، أَوْ خَطِيَّةِ أَبَوَيْهِ، وَبَيْنَ الْعَاهَةِ الَتِي لَدَيْهِ. بَلْ سَبَبُ عَمَاهُ مُخْتَلِفٌ. "لَا هَذَا أَخْطَأَ وَلَا أَبَوَاهُ، لَكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللَّهِ فِيهِ". ثُمَّ شَفَاهُ الرَبُّ يَسُوعُ. وهكذا أَصْبَحَ اخْتِبَارُهُ قِصَّةً رَائِعَةً نَتَذَكَّرُهَا إِلَى الْآنَ. نَتَذَكَّرُ أَنَّنَا تحَدَّثْنَا عَنْهَا هُنَا الْآنَ. فَقَدِ اسْتَخْدَمَهَا اللَّهُ لِيُعَلِّمَ آخَرِينَ، وَقَدْ حَوَّلَهَا إلى أَدَاةٍ فِي يَدِهِ لِيُعَلِّمَ آخَرِينَ وَيُنْشِئَهُمْ.
مِثَالٌ آخَرُ، بُولُسُ فِي الْأَصْحَاحِ ١٢ مِنْ رِسَالَةِ 2 كُورِنْثُوسَ "شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ" مَهْمَا كَانَتْ. تَضْرَّعُ بُولُسُ ٣ مَرَّاتٍ، نَعَمْ ٣ مَرَّاتٍ أَنْ تُفَارِقَهُ هَذِهِ الشَوْكَةُ. فَلَا يَحْمِلُ الْمَقْطَعُ أَيَّةَ دَلَالَةٍ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ، هَذِهِ الشَوْكَةَ فِي الْجَسَدِ، مَهْمَا كَانَتْ، كَانَتْ عِقَابًا مِنَ اللَّهِ. إِذْ يَخْلُو النَصُّ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَفْتَرِضُ ذَلِكَ. يَظُنُّ الْبَعْضُ أَنَّهَا كَانَتْ عِلَّةَ ضَعْفِ نَظَرٍ، أَوْ شَيئًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. لَكِنْ، مَهْمَا كَانَتْ، يَخْلُو النَصُّ مِنْ أَيَّةِ دَلَالَةٍ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ ضَرْبَةً مِنْ دَيْنُونَةِ اللَّهِ. أَوْ خُذُوا الْآيَةَ ٦ مِنْ الْأَصْحَاحِ ١٢ مِنْ الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ: "لِأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ". نَعَمْ، الَذِي يُحِبُّهُ الرَبُّ يُؤَدِّبُهُ. إِنَّهُ يُؤَدِّبُ أَحِبَّاءَهُ.
لَكِنْ فِي هَذَا الْمَقْطَعِ، فِي الْأَصْحَاحِ ٤ مِنْ سِفْرِ أَيُّوبَ وَفِي الْآيَةِ ٧ مِنْهُ: "اُذْكُرْ: مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ؟" قَصَدَ أَلَيُفَازُ أَنَّ أَيُّوبَ لَيْسَ بَرِيئًا؛ وَأَنَّ كُلَّ الِاعْتِرَاضَاتِ مِنْ جَانِبِ أَيُّوبَ بِأَنَّهُ بَرِيءٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ. فَقَدْ بَدَأَ هُنَا يُشَكِّكُ فِي ذَلِكَ. فَمَاذَا كَانَ جَوَابُ أَيُّوبَ؟ اُنْظُرُوا إِلَى الْأَصْحَاحَيْنِ ٦ وَ٧. اُنْظُرُوا إِلَى الْآيَةِ ١٦ مِنَ الْأَصْحَاحِ ٦. دَعُونَا نَعُودُ إِلَى الْآيَةِ ١٤:
حَقُّ الْمَحْزُونِ مَعْرُوفٌ مِنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ تَرَكَ خَشْيَةَ الْقَدِيرِ. أَمَّا إِخْوَانِي فَقَدْ غَدَرُوا مِثْلَ الْغَدِيرِ. مِثْلَ سَاقِيَةِ الْوِدْيَانِ يَعْبُرُونَ، الَّتِي هِيَ عَكِرَةٌ مِنَ الْبَرَدِ، وَيَخْتَفِي فِيهَا الْجَلِيدُ. إِذَا جَرَتِ انْقَطَعَتْ. إِذَا حَمِيَتْ جَفَّتْ مِنْ مَكَانِهَا. تَحِيدُ الْقَوَافِلُ عَنْ طَرِيقِهَا، تَدْخُلُ التِّيهَ فَتَهْلِكُ. نَظَرَتْ قَوَافِلُ تَيْمَاءَ. سَيَّارَةُ سَبَأٍ رَجَوْهَا. خَزُوا فِي مَا كَانُوا مُطْمَئِنِّينَ. جَاءُوا إِلَيْهَا فَخَجِلُوا. فَالْآنَ قَدْ صِرْتُمْ مِثْلَهَا. رَأَيْتُمْ ضَرْبَةً فَفَزِعْتُمْ.
وَإِلَى بَقِيَّةِ النَصِّ. فَهُوَ يُشَبِّهُ أَلِيفَازَ، يَقُولُ عَلَى أَلِيفَازَ إِنَّهُ مِثْلُ الْعَاصِفَةِ. عَاصِفَةٌ تَهُبُّ وَتَخْمُدُ. عَاصِفَةٌ تَأْتِي ثُمَّ تَخْتَفِي. أَيْ أَنَّ أَلِيفَازَ ثَرْثَارٌ بَعْضَ الشَيْءِ. يَتَكَلَّمُ كَثِيرًا، وَلَدَيْهِ الْكَثِيرُ لِيَقُولَهُ. وَبَالِغُ الثِقَةِ فِي نَفْسِهِ. فَيَقُولُ أَيُّوبُ رَدًّا عَلَى ذَلِكَ: "أَلَا إِنَّهُ لَيْسَتْ فِيَّ مَعُونَتِي وَالْمُسَاعَدَةُ مَطْرُودَةٌ عَنِّي!" يَحْمِلُ هَذَا تَشْبِيهًا سَاخِرًا، تَشْبِيهًا سَاخِرًا بِالْمَزْمُورِ ٨ الَذِي فِيهِ نَقْرَأُ: "فَمَنْ هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟" دَعُونَا أَيْضًا نَنْظُرُ إِلَى الأَصْحَاحِ ٧ وَالآيَةِ ٢١، فِي نِهَايَةِ جَوَابِ أَيُّوبَ. نَقْرَأُهُ يَقُولُ: "وَلِمَاذَا" دَعُونَا نَعُودُ إِلَى الآيَةِ ١٩: "حَتَّى مَتَى لَا تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلَا تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ أَأَخْطَأْتُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا لِنَفْسِكَ؟" (وَكَأَنَّ اللهَ قَدْ وَضَعَ هَدَفًا عَلَى ظَهْرِهِ). "حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلًا؟ وَلِمَاذَا لَا تَغْفِرُ ذَنْبِي، وَلَا تُزِيلُ إِثْمِي؟ لِأَنِّي الْآنَ أَضْطَجِعُ فِي التُّرَابِ، تَطْلُبُنِي فَلَا أَكُونُ".
يَبْدُو كَمَا لَوْ أَنَّ أَيُّوبَ يَقُولُ، أَوْ حَتَّى كَطِفْلٍ يَقُولُ: أَتَعْلَمُ: "سَتَفْتَقِدُنِي حِينَ أَمْضِي". أَتَذَكَّرُ فِي طُفُولَتِي، وَكَمَا تَعْلَمُونَ، كُلُّ مُرَاهِقٍ يَمُرُّ بِهَذِهِ اللَحْظَةِ الْخَاصَّةِ وَيَرْغَبُ فِي الْفِرَارِ مِنَ الْمَنْزِلِ بِسَبَبِ صُعُوبَةِ الْأُمُورِ، وَقَسْوَةِ الْحَيَاةِ، وَالْمَصَاعِبِ الَتِي تُقَابِلُ الْأُسَرَ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. أَتَذَكَّرُ أَنَّنِي أَعْدَدْتُ حَقِيبَةً صَغِيرَةً فِيهَا بَعْضُ الْبَسْكَوِيتِ وَالمَاءِ لِأَشْرَبَ، وَسَلَكْتُ الطَرِيقَ وَابْتَعَدْتُ حَتَّى الْمُنْعَطِفِ، نَحْوَ ٩٠ مِتْرًا تَقْرِيبًا، وَأَذْكُرُ أَنِّي قُلْتُ، نَظَرْتُ لِلْوَرَاءِ وَقُلْتُ لِأُمِّي: "سَتَتَأَسَّفِينَ عَلَى مُغَادَرَتِي". وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَيَّ بِحُزْنٍ. وَبِالطَبْعِ اجْتَزَتُ الْمُنْعَطَفَ، وَبِمُجَرَّدِ أَنْ اجْتَزْتُهُ، جَلَسْتُ مَكَانِي. وَبَعْدَ ٢٠ دَقِيقَةً، أَتَتْ شَقِيقَتِي تَقُولُ: "حَانَ الْوَقْتُ لِتَعُودَ إِلَى الْمَنْزِلِ. هَيَّا بِنَا". فَهَذَا يُشْبِهُ كَثِيرًا مَا يَقُولُهُ أَيُّوبُ هُنَا، فِي نِهَايَةِ جَوَابِهِ وَالْأَصْحَاحِ: "تَطْلُبُنِي فَلَا أَكُونُ". مَاذَا يَقُولُ أَيُّوبُ هُنَا؟ فَهُوَ يَسْتَعِينُ بِكَلَامِ أَلِيفَازَ، وأَلِيفَازُ رَجُلٌ مَنْظُورُهُ في الْحَيَاةِ بَالِغُ السَذَاجَةِ. مَنْظُورٌ مِنْ نَوْعِيَّةِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ. مَنْظُورٌ يَسْهُلُ جِدًّا إِدْرَاكُهُ. مَنْظُورٌ يَسْهُلُ لِلْغَايَةِ فَهْمُهُ. مَنْظُورٌ يَخْلُو مِنَ الِاسْتِفْهَامِ، ومِنَ الْمَنَاطِقِ الرَمَادِيَّةِ. فَمَا مِنْ شَيْءٍ يَعْجُزُ هَذَا الرَجُلُ عَنْ جَعْلِهِ يَتَلاءَمُ مَعَ مَنْظُورِهِ لِلْحَيَاةِ وَحُدُودِهِ. فَلَدَيْهِ الْأَلَمُ عِقَابٌ، دَائِمًا وَأَبَدًا دُونَ أَيِّ اسْتِثْنَاءٍ. وَأَنَا أَقُولُ إِنَّ هَذَا صَحِيحٌ جُزْئِيًّا. فَأَحْيَانًا يَكُونُ الْأَمْرُ هَكَذَا، حِينَ تَرْتَكِبُ إِثْمًا عَمْدًا. حِينَهَا لا جَدْوَى مِنَ الشَكْوَى حِيَالَ الْعَوَاقِبِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى هَذِهِ الْخَطِيَّةِ. الْعَوَاقِبُ قَادِمَةٌ لَا مَحَالَةَ. أَنْتَ تَحْصُدُ مَا تَزْرَعُهُ. لِنَفْتَرِضْ أَنَّكَ أُصِبْتَ بِمَرَضٍ مِنْ جَرَّاءِ مَعِيشَةٍ تُخَالِفُ كَلِمَةَ اللَّهِ، فَقَدِ انْخَرَطْتَ فِي مَعِيشَةٍ بِعَيْنِهَا، فَأُصِبْتَ بِدَاءٍ يَنْتَقِلُ بِالِاتِّصَالِ الْجِنْسِيِّ. فَهُنَا، لَا تَلُمْ إِلَّا نَفْسَكَ. نَعَمْ، نَتَعَاطَفُ مَعَكَ. نَرْأَفُ بِكَ وَنَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِالْمَحَبَّةِ الْمَسِيحِيَّةِ وَنُسَامِحُكَ؛ نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِكُلِّ هَذَا. لَكِنْ، لَيْسَ لَكَ أَنْ تَأْتِيَ وَتَقُولَ: "أَنَا لَا أَفْهَمُ هَذَا! لِمَاذَا يَحْدُثُ هَذَا لِي؟ لِمَاذَا تَبْدُو هَذِهِ الْحَيَاةُ ظَالِمَةً؟" لَقَدْ عِشْتَ حَيَاةَ الخَلَاعَةِ، لِذَا أُصِبْتَ بِهَذَا الدَاءِ. إِذًا لَا تَلُمْ إِلَّا نَفْسَكَ. إِنَّهَا أَفْعَالُكَ، وَيَجِبُ أَنْ تَتَحَمَّلَ عَاقِبَتَها. لَكِنْ مَاذَا لَوْ، مَاذَا لَوْ أُصِبْتَ بِمَرَضٍ جَرَّاءَ عَمَلِيَّةِ نَقْلِ دَمٍ؟ هُنَا لَا تَقَعُ الْمَلَامَةُ عَلَيْكَ. فَالْأَمْرُ لَيْسَ بِعَاقِبَةِ أَمْرٍ قَدْ فَعَلْتَهُ. لَكِنَّكَ أُصِبْتَ بِالْمَرَضِ. فَالْإِصَابَةُ بِالْمَرَضِ وَاحِدٌ فِي الْحَالَتَيْنِ، لَكِنَّ أَحَدَهُمْ بَرِيءٌ وَالْآخرُ لَا. فَالْحَيَاةُ أَكْثَرُ تَعْقِيدًا مِمَّا يَقُولُهُ أَلْيُفَازُ هُنَا.
حَسَنًا، سَوْفَ نُدَقِّقُ فِي هَذَا بِشَيْءٍ مِنَ التَفْصِيلِ حِينَ يَنْضَمُّ إِلَيْنَا بَقِيَّةُ أَحِبَّائِنَا. لَكِنْ مَا الدُرُوسُ الَتِي نَتَعَلَّمُهَا مِنْ هَذَا التَعْلِيقِ الْأَوَّلِيِّ الَذِي أَبْدَاهُ أَلِيفَازُ؟ نَتَعَلَّمُ أَمْرَيْنِ. الْأَمْرُ الْأَوَّلُ، الْمُشِيرُونَ حَسَنُو النِيَّةِ قَدْ يَكُونُونَ مُخْطِئِينَ. أَوْ دَعُونِي أُصِيغُهَا بِتَعْبِيرٍ أَيْسَرَ: الْمُؤْمِنُونَ قَدْ يَكُونُونَ عَلَى خَطَأٍ. الْمُؤْمِنُونَ حَسَنُو النِيَّةِ وَصَادِقُو النِيَّةِ قَدْ يَكُونُونَ مُخْطِئِينَ. قَدْ يَتَدَخَّلُونَ وَيُحَلِّلُونَ الْمَوْقِفَ، وَيُقَدِّمُونَ مَشُورَتَهُمْ، وَقَدْ يَكُونُونَ عَلَى خَطَأٍ. قَدْ يَبْتَعِدُونَ عَنِ الصَوَابِ بِآلَافِ الْأَمْيَالِ. أَلْيفَازُ كَانَ بَعِيدًا عَنِ الصَوَابِ كَثِيرًا. وَنَحْنُ نَعْلَمُ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ هَذَا. لَقَدْ أُخْبِرْنَا بِهَذَا مِنَ الْمُقَدِّمَةِ. هَذِهِ كَانَتْ وَظِيفَةَ الْمُقَدِّمَةِ أَنْ تُعَرِّفَنَا أَنَّ أَيُّوبَ كَانَ رَجُلًا تَقِيًّا، وَأَنَّ سَبَبَ آلَامِهِ وَمُعَانَاتِهِ لَمْ تَكُنْ خَطِيَّتَهُ.
لَكِنْ هُنَاكَ دَرْسٌ آخَرُ، دَرْسٌ سَوْفَ نَشْرَحُهُ فِي دِرَاسَتِنَا طَوَالَ سِفْرِ أَيُّوبَ. طُرُقُ اللَّهِ لَيْسَتْ كَطُرُقِنَا. وَأَفْكَارُهُ لَيْسَتْ كَأَفْكَارِنَا. هَلْ حَصَلَ أَيُّوبُ عَلَى جَوَابِ سُؤَالِ "لِمَاذَا؟" كلَّا، لَمْ يَحْصُلْ عَلَيْهِ. فَأَلْيُفَازُ لَمْ يُجِبْهُ عَنْهُ. وَأَيُّوبُ ذَاتُهُ لَمْ يَصِلْ إِلَى إِدْرَاكٍ كَامِلٍ لَهُ. فَهُوَ يَسِيرُ الْآنَ فِي هَذَا الطَرِيقِ مَرَّةً أُخْرَى لِيَكْتَشِفَ أَنَّ طُرُقَ اللَّهِ لَيْسَتْ كَطُرُقِنَا وَأَفْكَارَهُ لَيْسَتْ كَأَفْكَارِنَا. وَيَخْتُمُ هَذَا الْجَوَابَ الْقَصِيرَ قَائِلًا: "تَطْلُبُنِي فَلَا أَكُونُ". هُنَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِلَى اللهِ، فَقَدْ تَوَقَّفَ عَنِ الإِنْصَاتِ إِلَى أَلِيفَازَ، وَهُوَ يَأْخُذُ مَشَاكِلَهُ الْمُثِيرَةَ لِلشَفَقَةِ الآنَ ويَضَعُهَا عِنْدَ قَدَمَيِ اللهِ الْقَدِيرِ.