المحاضرة 1: وَاجِبُ السَّعْيِ وَرَاءَ الْيَقِينِ

الْيَوْمَ، سَنَبْدَأُ سِلْسِلَةً جَدِيدَةً نُرَكِّزُ فِيهَا عَلَى مَسْأَلَةِ يَقِينِ الْخَلَاصِ. وَبِرَأْيِي، مِنَ الْمُهِمِّ جِدًّا أَنْ نَدْرُسَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ اللَاهُوتِيَّةَ، لَيْسَ بِبَسَاطَةٍ بِدَافِعِ اهْتِمَامِنَا بِالدِرَاسَةِ اللَاهُوتِيَّةِ أَوْ إِشْبَاعًا لِفُضُولِنَا، وَإِنَّمَا لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَلْمِسُ حَيَاتَنَا كَمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ لَدَيْهَا تَأْثِيرًا كَبِيرًا عَلَى حَوَاسِّنَا وَمَشَاعِرِنَا وَرَاحَتِنَا وَسُلُوكِنَا كَمُؤْمِنِينَ لِنَحْسِمَ مَسْأَلَةَ مَا إِذَا كُنَّا فِي حَالَةِ النِعْمَةِ.

إِذًا، أَوَدُّ أَنْ أَسْتَهِلَّ هَذِهِ السِلْسِلَةَ الْمُمَيَّزَةَ بِلَفْتِ انْتِبَاهِكُمْ إِلَى نَصٍّ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَعْتَبِرُهُ وَاحِدًا مِنْ أَكْثَرِ النُصُوصِ رُعْبًا فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَهُوَ صَدَرَ عَنْ شَفَتَيْ يَسُوعَ فِي آخِرِ الْمَوْعِظَةِ عَلَى الْجَبَلِ. نَحْنُ نَمِيلُ إِلَى اعْتِبَارِ الْمَوْعِظَةِ عَلَى الْجَبَلِ تَصْرِيحًا مُبْهِجًا تَمَامًا قَامَ بِهِ يَسُوعُ، حَيْثُ تَكَلَّمَ عَنِ التَطْوِيبَاتِ –طُوبَى لِمَنْ يَفْعَلُ هَذَا وَطُوبَى لِمَنْ يَفْعَلُ ذَاكَ– وَقَدِ اكْتَسَبَ يَسُوعُ هَذِهِ السُمْعَةَ بِفَضْلِ الْمَوْعِظَةِ عَلَى الْجَبَلِ، لَيْسَ كَوَاعِظٍ مَحْبُوبٍ فَحَسْبُ، بَلْ كَمَنْ يُؤَكِّدُ عَلَى الْإِيجَابِيَّاتِ بَدَلًا مِنَ السَلْبِيَّاتِ. وَمَا يَتِمُّ التَغَاضِي عَنْهُ غَالِبًا هُوَ ذُرْوَةُ تِلْكَ الْمَوْعِظَةِ، الَتِي نَقْرَأُهَا فِي الْآيَةِ ٢١ مِنَ الْأَصْحَاحِ 7 مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى، حَيْثُ قَالَ يَسُوعُ: "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يا فَاعِلِي الْإِثْمِ!"

هُنَا يُعْطِينَا يَسُوعُ لَمْحَةً مُسْبَقَةً عَنِ الدَيْنُونَةِ الْأَخِيرَةِ، حَيْثُ يَقُولُ إِنَّ النَاسَ سَيَأْتُونَ إِلَيْهِ وَيُنَادُونَهُ بِلَقَبِ: "يَا رَبُّ، يَا رَبُّ" –وَسَأَشْرَحُ ذَلِكَ بَعْدَ قَلِيلٍ– وَسَيَقُولُ هَؤُلَاءِ لِيَسُوعَ: "يَا رَبُّ، لَقَدْ قُمْنَا بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ الرَائِعَةِ بِاسْمِكَ؛ لَقَدْ خَدَمْنَاكَ، وَبَشَّرْنَا بِاسْمِكَ، وَأَخْرَجْنَا الشَيَاطِينَ وَفَعَلْنَا كُلَّ هَذِهِ الْأُمُورِ". وَقَالَ يَسُوعُ: "سَأَلْتَفِتُ إِلَى هَؤُلَاءِ قَائِلًا: رَجَاءً ارْحَلُوا". هُوَ لَمْ يَكْتَفِ بِالْقَوْلِ: "لَا أَعْرِفُكُمْ"، لَكِنَّهُ قَالَ: "لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ!" أَنْتُمْ يَا مَنْ تَقُومُونَ بِأَعْمَالِ الْعِصْيَانِ أَوِ التَمَرُّدِ أَوِ الْإِثْمِ –كَمَا جَاءَ فِي تَرْجَمَاتٍ أُخْرَى.

مَا أَجِدُهُ مُؤَثِّرًا بِشَكْلٍ خَاصٍّ فِي هَذَا التَحْذِيرِ الْمُرْعِبِ الَذِي أَعْطَاهُ يَسُوعُ لِلْكَنِيسَةِ هُوَ أَنَّهُ بَدَأَ بِالْقَوْلِ:"لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ". ثُمَّ يُكَرِّرُ ذَلِكَ قَائِلًا: "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ!" فِي سِيَاقٍ آخَرَ فِي سِلْسِلَةٍ أُخْرَى عَلَّمْتُهَا فِي خِدْمَاتِ لِيجُونِيرْ، تَكَلَّمْتُ تَفْصِيلًا عَنْ أَهَمِّيَّةِ تَكْرَارِ اللَقَبِ "يَا رَبُّ". حَدَثَ ١٥ مَرَّةً فَقَطْ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ كُلِّهِ أَنْ تَمَّتْ مُنَادَاةُ أَحَدِهِمْ عَبْرَ تَكْرَارِ اسْمِهِ. تَذَكَّرُوا حِينَ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى جَبَلِ الْمُرِيَّا وَكَانَ عَلَى وَشْكِ غَرْزِ السِكِّينِ فِي صَدْرِ ابْنِهِ، حِينَ تَدَخَّلَ اللَّهُ فِي اللَحْظَةِ الْأَخِيرَةِ قَائِلًا: "إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ! ... لَا تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلَامِ". عِنْدَمَا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى مِنَ الْعُلَّيْقَةِ الْمُشْتَعِلَةِ فِي بَرِّيَّةِ الْمِدْيَانِيِّينَ نَادَاهُ قَائِلًا: "مُوسَى، مُوسَى!" وَحِينَ كَانَ يَعْقُوبُ خَائِفًا مِنَ النُزُولِ إِلَى مِصْرَ كَلَّمَهُ اللَّهُ قَائِلًا: "يَعْقُوبُ، يَعْقُوبُ!" صَوْتٌ مِنَ السَمَاءِ نَادَى صَمُوئِيلَ فِي مُنْتَصَفِ اللَيْلِ قَائِلًا: "صَمُوئِيلُ، صَمُوئِيلُ"، إِلَى آخِرِهِ.

نَحْنُ نَرَى ذَلِكَ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَفِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. تَذَكَّرُوا أَنَّهُ حِينَ وَاجَهَ الرَبُّ يَسُوعُ شَاوُلَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى دِمَشْقَ، نَادَاهُ الْمَسِيحُ قَائِلًا: "شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟" وَحِينَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَهِرَ مَرْثَا فِي بَيْتِ عَنْيَا قَالَ لَهَا: "مَرْثَا، مَرْثَا". وَلِبُطْرُسَ، حِينَ قَالَ بُطْرُسُ إِنَّهُ سَيَكُونُ ثَابِتًا كُلَّ حِينٍ، قَالَ: "سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!" وَحِينَ بَكَى يَسُوعُ عَلَى مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ قَالَ: "يَا أُورُشَلِيمُ، يا أُورُشَلِيمُ! يا قَاتِلَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!" وَبِالطَبْعِ، الْمَثَلُ الأَكْثَرُ تَأْثِيرًا عَلَى الإِطْلاقِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ نَجِدُهُ عَلَى الصَلِيبِ حِينَ صَرَخَ الْمَسِيحُ: "إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟ أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" وَنْذُكُرُ آخَرِينَ مِثْلَ أَلِيشَعَ، حِينَ رَأَى الْمَلاكَ مُقْبِلًا وَشَاهَدَ مَرْكَبَاتِ النَارِ، إِلَى آخِرِهِ.

لَكِنَّ هَذِهِ الصِيغَةَ النَحَوِيَّةَ النَادِرَةَ لَهَا أَهَمِّيَّةٌ كَبِيرَةٌ فِي اللُغَةِ الْعِبْرِيَّةِ. فَعِنْدَمَا يُكَرِّرُ أَحَدُهُمْ صِيغَةَ الْمُخَاطَبَةَ الشَخْصِيَّةَ فَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ عَلَاقَةٍ شَخْصِيَّةٍ حَمِيمَةٍ مَعَ الشَخْصِ الَذِي يُخَاطِبُهُ. إِذًا، يَقُولُ يَسُوعُ إِنَّهُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ لَنْ يَأْتِيَ النَاسُ إِلَيْهِ فَحَسْبُ قَائِلِينَ: "يَا رَبُّ، نَحْنُ خَاصَّتُكَ، نَحْنُ لَكَ"، لَكِنَّهُ قَالَ إِنَّهُمْ سَيُنَادُونَهُ بِنَاءً عَلَى الْعَلَاقَةِ الْحَمِيمَةِ مَعَهُ، سَيَسْتَعْمِلُونَ صِيغَةَ الْمُخَاطَبَةِ هَذِهِ قَائِلِينَ: "يَا رَبُّ، يَا رَبُّ"، كَمَا لَوْ أَنَّ عَلَاقَةً عَمِيقَةً وَشَخْصِيَّةً وَرُوحِيَّةً تَرْبُطُهُمْ بِهِ. وَسَيَقُولُ لَهُمْ يَسُوعُ: "رَجَاءً ارْحَلُوا، أَنَا لَا أَعْرِفُكُمْ يَا فَاعِلِي الْإِثْمِ". مَا يَقُولُهُ يَسُوعُ هُنَا هُوَ أَنَّ أُنَاسًا كَثِيرينَ سَيُعْلِنُونَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَهُمْ يَسْتَخْدِمُونَ اسْمَ الْمَسِيحِ وَيُنَادُونَهُ بِلَقَبِهِ الْمَجِيدِ: "يَا رَبُّ"، وَهُمْ لَيْسُوا فِي مَلَكُوتِ اللَّهِ، وَلَا يَنْتَمُونَ إِلَيْهِ، وَلَنْ يَنْجُوا فِي الدَيْنُونَةِ الْأَخِيرَةِ. لِذَا أَقُولُ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يُثِيرُ الرُعْبَ، لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ هُنَا عَنْ أَشْخَاصٍ خَارِجَ إِطَارِ الْكَنِيسَةِ، بَلْ هَؤُلَاءِ أَشْخَاصٌ مُنْغَمِسُونَ فِي حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ وَيَشْتَرِكُونَ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي خِدْمَةِ الْكَنِيسَةِ، وَرُبَّمَا اكْتَسَبُوا سُمْعَةَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُون، لَكِنَّ يَسُوعَ لَا يَعْرِفُهُمْ، وَيَسُوعَ سَيَطْرِدُهُمْ مِنْ مَلَكُوتِهِ.

أَنَا تَطَرَّقْتُ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ لِأَنَّنَا عِنْدَمَا نُعْلِنُ عَنْ إِيمَانِنَا مُجَاهَرَةً يَجِبُ أَنْ نَسْأَلَ أَنْفُسَنَا: "كَيْفَ نَعْلَمُ أَنَّنَا لَنْ نَكُونَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَشْخَاصِ الَذِينَ سَيَأْتُونَ فِي الدَيْنُونَةِ الْأَخِيرَةِ مُتَوَقِّعِينَ الدُخُولَ إِلَى الْمَلَكُوتِ، مُنَادِينَ يَسُوعَ بِأَلْقَابٍ حَمِيمَةٍ، وَسَيُطْرَدُونَ؟" كَيْفَ نَعْلَمُ أَنَّ ثِقَتَنَا بِحَالَتِنَا الرُوحِيَّةِ وَبِأَنَّنَا فِي حَالَةِ النِعْمَةِ صَحِيحَةٌ وَحَقِيقِيَّةٌ، أَوْ مَا إِذَا كُنَّا قَدْ خَدَعْنَا أَنْفُسَنَا؟ قَرَأْتُ الْبَارِحَةَ تَقْرِيرًا عَنْ حَمْلَةٍ كِرَازِيَّةٍ ضَخْمَةٍ امْتَدَّتْ إِلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي التَقْرِيرِ أَنَّ الْمَلَايِينَ مِنَ النَاسِ قَرَّرُوا أَنْ يَتْبَعُوا الْمَسِيحَ. عِنْدَمَا قَرَأْتُ ذَلِكَ، فَكَّرْتُ فِي نَفْسِي، وَتَسَاءَلْتُ كَمْ وَاحِدًا مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ الذِينَ قَرَّرُوا أَنْ يَتْبَعُوا الْمَسِيحَ كَانَ تَغْيِيرُهُمْ حَقِيقِيًّا، وَكَمْ وَاحِدًا بَيْنَهُمْ كَانَ زَائِفًا.

عَلَى ضَوْءِ هَذَا النَصِّ، دَعُونِي أَتَنَاوَلُ نَصًّا آخَرَ نَقُومُ بِدِرَاسَتِهِ إِلَى جَانِبِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى، وَهُوَ يَتَطَرَّقُ إِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فِي الْأَصْحَاحِ ١٣ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى نَقْرَأُ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى:

فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خَرَجَ يَسُوعُ مِنَ الْبَيْتِ وَجَلَسَ عِنْدَ الْبَحْرِ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ السَّفِينَةَ وَجَلَسَ. وَالْجَمْعُ كُلُّهُ وَقَفَ عَلَى الشَّاطِئِ. فَكَلَّمَهُمْ كَثِيرًا بِأَمْثَالٍ قَائِلًا: "هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ، وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَاءَتِ الطُّيُورُ وَأَكَلَتْهُ. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالًا إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. وَلَكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ احْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الْأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَرًا، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ".

ثُمَّ قَالَ يَسُوعُ: "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ".

أَوَّلًا، فَلْنُلاحِظِ السِيَاقَ الْمُبَاشِرَ الَذِي وَرَدَ فِيهِ مَثَلُ الزَارِعِ الشَهِيرِ هَذَا. لاحِظُوا مَا وَرَدَ مُبَاشَرَةً فِي الأَصْحَاحِ السَابِقِ، الأَصْحَاحِ 12. فِي الآيَةِ ٤٧ قَالَ أَحَدُهُمْ لِيَسُوعَ: "هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ وَاقِفُونَ خَارِجًا طَالِبِينَ أَنْ يُكَلِّمُوكَ". فَأَجَابَ وَقَالَ لِلْقَائِلِ لَهُ: "مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتي؟" ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ: "هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي. لِأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي"". لَاحِظُوا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْأَخَ الْحَقِيقِيَّ لِلْمَسِيحِ هُوَ ذَاكَ الَذِي يَفْعَلُ مَشِيئَةَ الْآبِ، وَلَيْسَ بِبَسَاطَةٍ مَنْ قَرَّرَ أَنْ يَتْبَعَ الْمَسِيحَ. تَذَكَّرُوا دَائِمًا أَنَّ مَا مِنْ أَحَدٍ أَرْغَمَ يَهُوذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ تِلْمِيذًا. يَهُوذَا اخْتَارَ أَنْ يَتْبَعَ يَسُوعَ، يَهُوذَا قَرَّرَ بِنَفْسِهِ أَنْ يُصْبِحَ تِلْمِيذًا وَأَنْ يَدْخُلَ إِلَى مَدْرَسَةِ يَسُوعَ، وَهُوَ رَافَقَ رَبَّنَا خِلَالَ خِدْمَتِهِ الْأَرْضِيَّةِ طَوَالَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ. وَمَعَ ذَلِكَ نَقْرَأُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَنَّهُ كَانَ شَيْطَانًا مُنْذُ الْبِدَايَةِ، وَأَنَّ يَهُوذَا لَمْ يَهْتَدِ إِلَى الْمَسِيحِ بِكُلِّ صِدْقٍ، ثُمَّ سَقَطَ مِنَ النِعْمَةِ وَضَلَّ، لَكِنَّ الْفِكْرَةَ هِيَ أَنَّهُ عَلَى الرَغْمِ مِنِ اقْتِرَابِهِ مِنْ يَسُوعَ، لَمْ يَكُنْ أَبَدًا رَجُلًا مُؤْمِنًا. هَذَا يَحُثُّنَا عَلَى التَوَقُّفِ قَلِيلًا وَالتَفْكِيرِ فِي حَالَةِ نُفُوسِنَا.

بَعْدَ آيَاتٍ قَلِيلَةٍ، وَبَعْدَ أَنْ أَعْطَى يَسُوعُ مَثَلَ الزَارِعِ، قَامَ بِتَفْسِيرِهِ. وَهَذِهِ وَاحِدَةٌ مِنَ الْمَرَّاتِ النَادِرَةِ الَتِي يَحْدُثُ فِيهَا ذَلِكَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. أَيْضًا، يَخْتَلِفُ هَذَا الْمَثَلُ فِي طَرِيقَةِ تَعْلِيمِهِ عَنِ الْمَثَلِ الْعَادِيِّ. فَالطَرِيقَةُ الطَبِيعِيَّةُ لِتَفْسِيرِ الْأَمْثَالِ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمَثَلَ يَتَضَمَّنُ فِكْرَةً وَاحِدَةً بِشَكْلٍ عَامٍّ. وَمِنَ الْخَطَرِ جِدًّا تَحْوِيلُ جَمِيعِ الْأَمْثَالِ إِلَى قِصَصٍ رَمْزِيَّةٍ، حَيْثُ إِنَّ الْقِصَصَ الرَمْزِيَّةَ تَتَضَمَّنُ مَعْنًى مَجَازِيًّا مُنْتَشِرًا فِي الْقِصَّةِ. لَكِنْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، نَحْنُ نَتَعَامَلُ مَعَ قِصَّةٍ رَمْزِيَّةٍ، يَسْتَخْلِصُ يَسُوعُ مِنْهَا أَوْجُهَ تَطْبِيقٍ مُخْتَلِفَةً حِينَ يُفَسِّرُ مَعْنَاهَا لِلتَلَامِيذِ فِي الْآيَةِ ١٨. قَالَ: "فَاسْمَعُوا أَنْتُمْ مَثَلَ الزَّارِعِ: كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلَا يَفْهَمُ، فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ. هَذَا هُوَ الْمَزْرُوعُ عَلَى الطَّرِيقِ". إِذًا، الْمَجْمُوعَةُ الْأُولَى الَتِي يَتَكَلَّمُ عَنْهَا هِيَ الْبِذَارُ الَتِي تُرْمَى وَتَقَعُ عَلَى الطَرِيقِ وَلَا تَجِدُ مَكَانًا تَتَأَصَّلُ فِيهِ جُذُورُهَا، فَلَا تَتَأَصَّلُ جُذُورُهَا أَبَدًا، فَتَأْتِي الطُيُورُ وَتَأْكُلُ الْبِذَارَ. فَفِي الْقَدِيمِ، كَانَ يَتِمُّ زَرْعُ الْبِذَارِ أَوَّلًا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ تُحْرَثُ الْأَرْضُ تَحْتَهَا. وَأَحْيَانًا، كَانَتِ الْبِذَارُ تَقَعُ عَلَى الطَرِيقِ فَلَا تُحْرَثُ الْأَرْضُ تَحْتَهَا، وَلَا تَتَأَصَّلُ جُذُورُهَا فِي الْأَرْضِ، وَهَذِهِ الْبُذُورُ الْمُتَبَقِّيَةُ تَأْكُلُهَا الطُيُورُ بِبَسَاطَةٍ. وَشَبَّهَ يَسُوعُ الطُيُورَ بِالشَيْطَانِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَا تَكُونُ لِهَذِهِ الْبِذَارِ أَيُّ جُذُورٍ. يَسْمَعُ الْكَثِيرُ مِنَ الْأَشْخَاصِ فِي كُلِّ مَكَانٍ رِسَالَةَ الْإِنْجِيلِ، لَكِنَّ الْإِنْجِيلَ لَا يَتْرُكُ فِيهِمْ أَيَّ أَثَرٍ، لَيْسَ لَدَيْهِمْ أَصْلٌ فِي حَيَاتِهِمْ.

لَكِنَّهُ لا يَتَوَقَّفُ هُنَا، بَلْ يُتَابِعُ يَسُوعُ قَائِلًا: "وَالْمَزْرُوعُ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَحَالًا يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ". قَدْ تَحْضُرُ اجْتِمَاعَاتٍ كِرَازِيَّةً وَتَرَى حُشُودًا تَتَهَافَتُ إِلَى النَاحِيَةِ الْأَمَامِيَّةِ مِنَ الْكَنِيسَةِ تَجَاوُبًا مَعَ دَعْوَةِ الْإِنْجِيلِ، فَهَؤُلَاءِ أَحَبُّوا مَا سَمِعُوهُ، وَرُبَّمَا تَأَثَّرُوا عَاطِفِيًّا وَقَرَّرُوا أَنْ يَتْبَعُوا الْمَسِيحَ، لَكِنْ مَا إِنْ تَغِبِ الشَّمْسُ، أَوْ مَا إِنْ تُشْرَقِ الشَمْسُ فِي يَوْمٍ جَدِيدٍ حَتَّى يُمْحَى الْأَمْرُ مِنْ أَذْهَانِهِمْ. لَقَدْ كَانَ تَجَاوُبُهُمْ ارْتِجَالِيًّا وَعَفْوِيًّا، وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ كَانَ تَجَاوُبًا زَائِفًا.

عِنْدَمَا نَقْرَأُ مَا يُعْرَفُ بِالْإِحْصَاءَاتِ الْكِرَازِيَّةِ الَتِي تُفِيدُ بِإِقْبَالِ الْمِئَاتِ وَالْآلَافِ وَالْمَلَايِينِ إِلَى الْمَسِيحِ، أَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ قَاسِيًا فِي هَذَا الصَّدَدِ، لِأَنَّ إِحْدَى الْمَشَاكِلِ الَتِي نَجِدُهَا فِي خِدْمَاتِ الْكِرَازَةِ تَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيَّةِ قِيَاسِهَا لِفَعَالِيَّةِ الْخِدْمَةِ. يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْكَنِيسَةِ عَبْرَ إِحْصَاءِ عَدَدِ الْأَعْضَاءِ فِي الْكَنِيسَةِ وَمَدَى نُمُوِّهِمْ فِي السَنَوَاتِ الْأَخِيرَةِ. تَقُولُ الْخِدْمَاتُ الْكِرَازِيَّةُ: لَقَدْ قُمْنَا بِخِدْمَةٍ كِرَازِيَّةٍ، وَتَقَدَّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ شَخْصًا إِلَى الْأَمَامِ، أَوْ رَفَعَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَيْدِيَهُمْ، أَوْ وَقَّعَ ثَلَاثُونَ عَلَى الْبِطَاقَةِ، أَوْ صَلُّوا صَلَاةً. إِذًا، إِنَّهُمْ يَقُومُونَ بِنَوْعٍ مِنَ الْإِحْصَاءَاتِ لِمَعْرِفَةِ مَدَى تَجَاوُبِ النَاسِ. فَكَيْفَ تَقَيسُ الْوَاقِعَ الرُوحِيَّ؟ نَحْنُ نَعْلَمُ، وَأَظُنُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُشَارِكُ فِي الْخِدْمَةِ الْكِرَازِيَّةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَرَى الْقَلْبَ. إِذًا، أَفْضَلُ أَمْرٍ يُمْكِنُ فِعْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ تَعْدَادُ الْبِطَاقَاتِ، أَوْ مَعْرِفَةُ عَدَدِ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا قَرَارًا، أَوْ أَيَّ أَمْرٍ يَقُومُ بِهِ النَاسُ. لَكِنَّ يَسُوعَ يُحَذِّرُنَا مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ إِنَّ كَثِيرِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ بِفَرَحٍ، مَثْلَ الْبِذَارِ الَتِي تَقَعُ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ، لَكِنَّ الْأَرْضَ مُسَطَّحَةٌ جِدًّا بِحَيْثُ إِنَّهُ مَا إِنْ تُشْرِقِ الشَمْسُ وَتَبْدَأْ بِإِحْرَاقِ الْبِذَارِ، تَمُوتُ هَذِهِ الْأَخِيرَةُ وَلَا تُعْطِي ثَمَرًا.

ثُمَّ نَجِدُ اسْتِجَابَةَ مَجْمُوعَةٍ أُخْرَى، وَإِلَيْكُمْ مَا يَقُولُهُ يَسُوعُ عَنْ هَذِهِ الْمَجْمُوعَةِ: "وَالْمَزْرُوعُ بَيْنَ الشَّوْكِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَهَمُّ هَذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلَا ثَمَرٍ". أُكَرِّرُ، إِنَّ بَعْضَ الْبِذَارِ يَقَعُ بَيْنَ الشَوْكِ وَيَتَلَقَّاهَا الْإِنْسَانُ بِفَرَحٍ، لَكِنْ أَمَامَ أَوَّلِ صِرَاعٍ، وَأَمَامَ أَوَّلِ نِزَاعٍ بَيْنَ الْجَسَدِ وَبِشَارَةِ الْإِنْجِيلِ الَتِي تَلَقَّاهَا، يَعُودُ إِلَى الْعَالَمِ، لِأَنَّ الْبِذَارَ لَمْ تَقَعْ عَلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ.

ثُمَّ يَقُولُ يَسُوعُ: "وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى الْأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ. وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ". لَا يَخْلُصُ كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، لَكِنْ مَنْ يَعْمَلُ بِالْكَلِمَةِ هُوَ مَنْ يَخْلُصُ. أَحْيَانًا يُعْرَفُ ذَلِكَ بِمَثَلِ الزَارِعِ، وَيُعْرَفُ أَحْيَانًا بِمَثَلِ التُرْبَةِ. فَلِكَيْ يَكُونَ الِاهْتِدَاءُ إِلَى الْمَسِيحِ حَقِيقِيًّا، يَعْمَلُ اللَّهُ عَلَى تَغْيِيرِ قَلْبِ الْمُسْتَمِعِ. فَاَللَّهُ يُزَوِّدُ التُرْبَةَ لِتِلْكَ الْبِذْرَةِ لِكَيْ تَتَأَصَّلَ جُذُورُهَا وَتَنْمُوَ وَتَحْمِلَ ثَمَرًا.

يَتِمُّ ارْتِكَابُ خَطَأٍ كَبِيرٍ فِي الْكَنِيسَةِ الْيَوْمَ حِينَ يَتِمُّ الْكَلَامُ عَنْ أَشْخَاصٍ أَصْبَحُوا مُؤْمِنِينَ، وَهُمْ مُؤْمِنُونَ حَقِيقِيُّونَ، لَكِنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ جَسَدِيُّونَ، أَيْ أَنَّهُمْ يُسْلُكُونَ بِالْجَسَدِ. وَقَدْ تَمُرُّ فَتْرَةٌ طَوِيلَةٌ أَوْ قَدْ يَعِيشُونَ طَوَالَ حَيَاتِهِمْ مِنْ دُونِ أَنْ يَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَمَعَ ذَلِكَ، يُسَمُّونَهُمْ "مُؤْمِنِينَ صَادِقِينَ". أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَتَضَارَبُ مَعَ تَعْلِيمِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. إِنَّ الثَمَرَ لَا يُخَلِّصُ أَحَدًا، لَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ثَمَرٌ فَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا حَيَاةَ رُوحِيَّةً، لِأَنَّهُ حَيْثُمَا تُوجَدُ حَيَاةٌ رُوحِيَّةٌ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَتْمًا، وَبِالضَرُورَةِ، وَعَلَى الْفَوْرِ، بَعْضُ الثِمَارِ. قَدْ تَخْتَلِفُ كَمِّيَّةُ الثَمَرِ؛ قَدْ يَكُونُ مِئَةَ ضِعْفٍ أَوْ سِتِّينَ ضِعْفًا، إِلَى آخِرِهِ. فَلَيْسَ الْجَمِيعُ، وَلَيْسَ كُلُّ مُؤْمِنٍ حَقِيقِيٍّ مُثْمِرًا كَسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنَّ الْمُؤْمِنَ الْحَقِيقِيَّ يَأْتِي بِثَمَرٍ، وَإِلَّا فَهُوَ لَيْسَ مُؤْمِنًا. لِذَا قَالَ يَسُوعُ: "تَعْرِفُونَهُمْ". لَيْسَ مِنْ إِعْلَانِهِمْ لِإِيمَانِهِمْ، وَإِنَّمَا كَيْفَ؟ "مِنْ ثِمَارِهِمْ".

إِذًا، نَحْنُ انْغَمَسْنَا فِي ثَقَافَةٍ مَسِيحِيَّةٍ تُرَكِّزُ كَثِيرًا عَلَى اتِّخَاذِ الْقَرَارَاتِ بِاتِّبَاعِ الْمَسِيحِ وَالتَجَاوُبِ مَعَ الدَعَوَاتِ الْخَلَاصِيَّةِ وَتِلَاوَةِ صَلَاةِ الْخَلَاصِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ تَفُوتُنَا النُقْطَةُ الْمُهِمَّةُ وَهِيَ أَنَّ اتِّخَاذَ الْقَرَارِ بِاتِّبَاعِ الرَبِّ يَسُوعَ لَمْ يُؤَدِّ أَبَدًا إِلَى تَغْيِيرِ أَحَدٍ. لِأَنَّهُ لَيْسَ قَرَارُكَ هُوَ الَذِي يَهْدِيكَ إِلَى الْمَسِيحِ، وَإِنَّمَا قُوَّةُ الرُوحِ الْقُدُسِ هِيَ الَتِي تُغَيِّرُكَ. مَا يُدْخِلُكَ إِلَى الْمَلَكُوتِ لَيْسَ اتِّخَاذَكَ الْقَرَارَ، وَلَا تُقَدُّمَكَ إِلَى الْأَمَامِ، وَلَا رَفْعَكَ لِيَدِكَ، وَلَا تَوْقِيعَكَ عَلَى الْبِطَاقَةِ، وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ الْحَقِيقِيُّ فِي قَلْبِكَ. هَذَا هُوَ السُؤَالُ الَذِي سَنَتَنَاوَلُهُ فِي هَذِهِ السِلْسِلَةِ: "كَيْفَ أَعْلَمُ مَا إِذَا كَانَ إِعْلَانِي لِإِيمَانِي حَقِيقِيًّا؟ هَلْ أَنَا أَمْلِكُ فِعْلًا مَا أُعْلِنُهُ؟"

سَأُكَرِّرُ ذَلِكَ. مَا مِنْ أَحَدٍ تَبَرَّرَ بِفَضْلِ إِعْلَانِهِ لِإِيمَانِهِ، لَكِنَّ كُلَّ مَنْ تَبَرَّرَ مَدْعُوٌّ إِلَى الْمُجَاهَرَةِ بِإِيمَانِهِ. كُلُّ مُؤْمِنٍ مَدْعُوٌّ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْمَسِيحِ أَمَامَ النَاسِ. لَا تُسِيئُوا فَهْمِي، مَا مِنْ سُوءٍ فِي الْمُجَاهَرَةِ بِالْإِيمَانِ عَلَانِيَةً –هَذَا أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ– لَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ تَكْمُنُ فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى إِيمَانِنَا، لِأَنَّ يَسُوعَ يُحَذِّرُ قَائِلًا: "هَذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي". إِذًا السُؤَالُ هُوَ: "كَيْفَ أَعْلَمُ مَا إِذَا كَانَ إِعْلانِي لإِيمانِي نَابِعًا عَنِ امْتِلاكِي لِنِعْمَةِ الْخَلاصِ الْحَقِيقِيَّةِ؟" هَذَا مَا سَنَتَكَلَّمُ عَنْهُ فِي هَذِهِ السِلْسِلَةِ فِي الأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ.