المحاضرة 5: الصَلاةُ الرَبَّانِيَّةُ، الجُزْءُ 2
بَيْنَمَا نُتَابِعُ الْآنَ دِرَاسَتَنَا لِلصَلَاةِ، سَنُلْقِي مُجَدَّدًا نَظْرَةً عَلَى الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ الَتِي بَدَأْنَاهَا فِي الْمُحَاضَرَةِ السَابِقَةِ. وَأَنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ مَنْ أَعْطَى الصَلَاةَ الرَبَّانِيَّةَ لِلتَلَامِيذِ، بِنَاءً عَلَى طَلَبِهِمْ حِينَ جَاءُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: "يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ". إِذًا، عِنْدَمَا اسْتَجَابَ يَسُوعُ لِهَذَا الطَلَبِ قَالَ: "مَتَى صَلَّيْتُمْ، صَلُّوا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ". وَأُذَكِّرُكُمْ بِأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يُعْطِ هَذِهِ الصَلَاةَ لِتَكُونَ بِبَسَاطَةٍ كَلَامًا يَتْلُوهُ شَعْبُهُ مِرَارًا وَتَكْرَارًا. مَا مِنْ سُوءٍ فِي تِلَاوَةِ الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ. هُوَ لَمْ يَقُلْ: "مَتَى صَلَّيْتُمْ، قُولُوا هَذِهِ الصَلَاةَ"، بَلْ قَالَ "مَتَى صَلَّيْتُمْ، صَلُّوا بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ". إِذًا، نَحْنُ نَدْرُسُ عَنَاصِرَ الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ لِنَرَى الْقِيمَةَ التَعْلِيمِيَّةَ الَتِي تَنْطَوِي عَلَيْهَا، لِتَقُودَنَا فِي مَسِيرَةِ صَلَاتِنَا الْأَوْسَعِ نِطَاقًا.
حِينَ كُنْتُ طَالِبًا فِي كُلِّيَّةِ اللَاهُوتِ، كَانَ أُسْتَاذُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ سَاخِرًا نَوْعًا مَا، وَحِينَ تَطَرَّقَ إِلَى هَذَا النَصِّ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ قَالَ إِنَّ تِلَاوَةَ الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ تَسْتَغْرِقُ ٢٨ ثَانِيَةً فَقَطْ. إِذًا جُزْءٌ مِمَّا كَانَ يَسُوعُ يَقُولُهُ لَنَا هُوَ إِنَّكَ حِينَ تُصَلِّي فَلْيَكُنْ كَلَامُكَ مُخْتَصَرًا لِدَرَجَةِ أَلَّا تَسْتَغْرِقَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ دَقِيقَةٍ فِي الصَلَاةِ. فَخَلَقَ الْأَمْرُ نَوْعًا مِنَ الْجَدَلِ فِي الْمُحَاضَرَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، حِينَ قُمْنَا بِتَذْكِيرِ الْأُسْتَاذِ بِأَنَّ يَسُوعَ أَعْطَى مِثَالًا عَنِ اسْتِغْرَاقِ سَاعَاتٍ فِي الصَلَاةِ فِي حَيَاتِهِ. بِالطَبْعِ، مَا أَرَادَ رَبُّنَا قَوْلَهُ هُنَا فِي رَدِّهِ عَلَى تَلَامِيذِهِ لَمْ يَكُنْ يَتَعَلَّقُ بِطُولِ الصَلَاةِ، بَلْ بِالْعَنَاصِرِ الَتِي يَجِبُ إِدْرَاجُهَا فِي الصَلَاةِ الْعَادِيَّةِ.
إِذًا، فَلْنُتَابِعِ التَأَمُّلَ فِيمَا نَرَاهُ فِي الصَلَاةِ. رَأَيْنَا أَنَّه فِي بِدَايَةِ الصَلَاةِ الطِلْبَاتُ الِافْتِتَاحِيَّةُ، وَهِيَ طِلْبَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِامْتِدَادِ مَلَكُوتِ الْمَسِيحِ. ثُمَّ نَقْرَأُ فِي الْآيَةِ ١١ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى، وَفِي الْأَصْحَاحِ ٦ مِنْ إِنْجِيلِ مَتَّى فِي الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ، أَوَّلُ طَلَبٍ مُتَعَلِّقٌ بِاحْتِيَاجِنَا؛ هَذَا هُوَ الطَلَبُ "خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ". أُكَرِّرُ، إِنِ اعْتَبَرْنَا الصَلَاةَ نَمُوذَجًا لِتَعْلِيمِنَا، لَمْ يَقُلْ يَسُوعُ إِنَّ الِاحْتِيَاجَ الْوَحِيدَ الَذِي يَجِبُ أَنْ نُصَلِّيَ لِأَجْلِهِ هُوَ الْخُبْزُ. وَإِنَّمَا اسْتِعْمَالُ الْخُبْزِ هُنَا فِي الصَلَاةِ يُبَيِّنُ اعْتِمَادَنَا الْيَوْمِيَّ عَلَى عِنَايَةِ اللَّهِ لِتَسْدِيدِ الِاحْتِيَاجَاتِ الْأَسَاسِيَّةِ وَالرَئِيسِيَّةِ فِي حَيَاتِنَا. كَانَ بِإِمْكَانِهِ الْقَوْلُ: مَاءَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ، أَوْ رَاحَتَنَا الْيَوْمِيَّةَ، أَوْ أَيَّ أَمْرٍ آخَرَ نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِنَبْقَى عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ كَبَشَرٍ. لَكِنَّهُ اسْتَعْمَلَ مَثَلَ الْخُبْزِ لِيَرْمُزَ أَوْ لِيُشِيرَ إِلَى أَمْرٍ أَوْسَعَ نِطَاقًا؛ حَيْثُ يَقُولُ يَسُوعُ إِنَّكَ تَمْثُلُ أَمَامَ الْآبِ وَتَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُسَدِّدَ احْتِيَاجَكَ. كَانَ يَسُوعُ قَدْ أَعْطَى فِي الْمَوْعِظَةِ عَلَى الْجَبَلِ تَعْلِيمًا مُوَسَّعًا عَنِ اعْتِمَادِنَا عَلَى الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ لِتَسْدِيدِ احْتِيَاجَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ. إِذًا، تَمَّ إِدْرَاجُ ذَلِكَ هُنَا كَجُزْءٍ مِنْ صَلَاتِنَا الرَبَّانِيَّةِ.
دَعُونِي أُشِيرُ مُجَدَّدًا إِلَى أَهَمِّيَّةِ كَلِمَةِ "الْيَوْمَ" هُنَا. هَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَمْثُلَ أَمَامَ اللَّهِ مَرَّةً فِي السَنَةِ قَائِلِينَ: "يَا رَبُّ، أَرْجُوكَ، اعْتَنِ بِنَا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ". أَوْ مَرَّةً فِي الشَهْرِ "أَعْطِنَا هَذَا الشَهْرَ احْتِيَاجَاتِنَا الشَهْرِيَّةَ". أَوْ "أَعْطِنَا هَذَا الْأُسْبُوعَ احْتِيَاجَاتِنَا الْأُسْبُوعِيَّةَ". لَكِنَّ يَسُوعَ يَلْفِتُ الِانْتِبَاهَ إِلَى اعْتِمَادِنَا الْيَوْمِيِّ، لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ، عَلَى صَلَاحِ عِنَايَةِ اللَّهِ لِأَجْلِ خَيْرِنَا. سَنَتَوَسَّعُ فِي الْكَلَامِ عَنْ تِلْكَ الْعِنَايَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالصَلَاةِ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ.
لَكِنْ دَعُونِي أُذَكِّرُكُمْ بِأَنَّ كَلِمَةَ "عِنَايَةٍ" مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجُذُورِ نَفْسِهَا لِكَلِمَةِ "تَدْبِيرٍ" فِي اللُغَةِ الْإِنْجِلِيزِيَّةِ. عِنَايَةُ اللَّهِ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَيْفِيَّةِ تَسْدِيدِ اللَّهِ لِاحْتِيَاجَاتِ شَعْبِهِ. إِذًا، مَا يَقُولُهُ يَسُوعُ هُوَ أَنَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نَعِيَ عَلَى نَحْوٍ يَوْمِيٍّ أَنَّنَا نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، وَنِعْمَتِهِ، وَتَدْبِيرِهِ، فَلَا نَقْعُ فِي فَخِّ التَفْكِيرِ أَنَّنَا صَنَعْنَا أَنْفُسَنَا وَأَنَّ بِإِمْكَانِنَا تَسْدِيدَ احْتِيَاجَاتِنَا كُلِّهَا بِأَنْفُسِنَا.
ثُمَّ يُتَابِعُ يَسُوعُ قَائِلًا: "وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا". أَنَا أَعْتَبِرُ هَذَا الْجُزْءَ الْأَكْثَرَ إِخَافَةً فِي الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ. فِي الْوَاقِعِ، أَنَا أَعْتَبِرُهُ مُرْعِبًا تَمَامًا. هُنَا، نَجِدُ إِدْرَاجًا لِعُنْصُرِ الِاعْتِرَافِ الَذِي سَبَقَ أَنْ رَأَيْنَاهُ فِي الْكَلِمَةِ الْمُتَسَلْسِلَةِ الْأَحْرَفِ "ACTS". يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِرَافُ جُزْءًا مِنِ اخْتِبَارِ صَلَاتِنَا الطَبِيعِيِّ. لَكِنْ هَلْ تُلَاحَظُ طَرِيقَةَ عَرْضِ يَسُوعَ لِلْأَمْرِ هُنَا فِي الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ حِينَ يَقُولُ: حِينَ تَطْلُبُونَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ مَاذَا تَقُولُونَ؟ "وَاغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا، أَوْ ذُنُوبَنَا، أَوْ دُيُونَنَا، كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا". مَا الْأَمْرُ الْمُخِيفُ جِدًّا فِي ذَلِكَ؟ فَلْنُقَلِّبْ هَذَا الْأَمْرَ قَلِيلًا قَائِلِينَ: "يَا رَبُّ، أَرْجُوكَ تَرْأَّفْ عَلَيَّ مِثْلَمَا أَتَرَأَّفُ عَلَى الَذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيَّ وَيَعْتَدُونَ عَلَيَّ"، أَوْ "يَا رَبُّ، رَجَاءً، أَعْطِنِي الْمِقْدَارَ الْمُتَنَاسِبَ نَفْسَهُ مِنَ الرَحْمَةِ الَذِي أُعْطِيهِ لِأَعْدَائِي". تَقُولُ "مَهْلًا، هَذَا كَلَامٌ مُبَالَغٌ بِهِ قَلِيلًا لِأَنَّنَا لَسْنَا أَعْدَاءً لِلَّهِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟" بِحُكْمِ الطَبِيعَةِ، نَحْنُ أَعْدَاءٌ لِلَّهِ. وَحِينَ نُخْطِئُ إِلَى اللَّهِ، فَنَحْنُ نَقُومُ بِأَعْمَالٍ مُعَادِيَةٍ لِشَخْصِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، ثُمَّ نَأْتِي إِلَيْهِ طَالِبِينَ مِنْهُ الْغُفْرَانَ. لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ: "اُطْلُبُ مِنْ الْآبِ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ، مِثْلَمَا غَفَرْتَ أَنْتَ لِلْأَشْخَاصِ الَذِينَ أَسَاءُوا إِلَيْكَ". مَا الْمُخِيفُ فِي الْأَمْرِ؟ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ، إِنْ كَانَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ تَقْتَصِرُ عَلَى غُفْرَانِ خَطَايَايَ بِقَدْرِ غُفْرَانِي لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيَّ، فَأَنَا أَخْشَى أَنَّنِي فِي مَأْزِقٍ كَبِيرٍ. وَإِنْ فَكَّرْنَا فِي هَذَا التَعْلِيمِ فَنَحْنُ لَا نَتَعَلَّمُ فِيهِ عَنِ اعْتِمَادِنَا عَلَى غُفْرَانِ اللَّهِ فَحَسْبُ، بَلْ عَنْ مَسْؤُولِيَّتِنَا كَأُنَاسٍ غُفِرَتْ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ بِإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ فِي تَعَامُلَاتِنَا مَعَ الْأَشْخَاصِ الَذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْنَا.
ثَمَّةَ اسْتِنْتَاجٌ اسْتَمَدَّهُ أُنَاسٌ كَثِيرونَ مِنْ هَذَا النَصِّ، وَبِصَرَاحَةٍ أَنَا لَا أُوَافِقُهُمُ الرَأْيَ وَيَجِبُ أَنْ أُشِيرَ إِلَى هَذَا الْأَمْرِ. أَنَا لَا أَسْمَعُ يَسُوعَ يَقُولُ هُنَا إِنَّ الْمُؤْمِنَ مُجْبَرٌ عَلَى تَقْدِيمِ غُفْرَانٍ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لِكُلِّ شَخْصٍ يَعْتَدِي عَلَى الْمُؤْمِنِ. إِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ إِلَيْكَ، فَمَا أَنْتَ مَدْعُوٌّ لِفِعْلِهِ هُوَ الِاسْتِعْدَادُ لِمُسَامَحَةِ هَذَا الشَخْصِ فِي اللَحْظَةِ الَتِي يَتُوبُ فِيهَا. لَكِنَّ هَذَا لَا يَعْنِي الْقَوْلَ إِنَّهُ يَجْدُرُ بِكَ أَنْ تَغْفِرَ لَهُ، سَوَاءٌ تَابَ أَوْ لَمْ يَتُبْ. مَا مِنْ مَكَانٍ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ يَطْلُبُ مِنَ الْمُؤْمِنِ أَنْ يُسَامِحَ شَخْصًا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، بالرَغْمَ من أَنَّنَا نَرَى مِثَالَ يَسُوعَ حِينَ تَمّتِ الْإِسَاءَةُ إِلَيْهِ وَصَرَخَ عَلَى الصَلِيبِ: "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ". هُمْ لَمْ يَتُوبُوا إِطْلَاقًا، وَفِي حِينِ أَنَّهُمْ شَارَكُوا فِي هَذَا الْعَمَلِ التَدْمِيرِيِّ ضِدَّهُ، صَلَّى يَسُوعُ لِأَجْلِ غُفْرَانِهِمْ لِأَنَّهُ أَحَبَّ أَعْدَاءَهُ. وَكَانَ يُصَلِّي لِأَجْلِ أَعْدَائِهِ. وَنَحْنُ مَدْعُوُّونَ لِلصَلَاةِ لِأَجْلِ أَعْدَائِنَا. نَحْنُ مَدْعُوُّونَ لِلصَلَاةِ لِأَجْلِ خَيْرِ أَعْدَائِنَا. لَكِنْ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، وَضَعَ اللَّهُ فِي الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ شَتَّى أَنْوَاعِ الْإِجْرَاءَاتِ الَتِي تَسْمَحُ لِلْأَشْخَاصِ الَذِينَ تَمَّتِ الْإِسَاءَةُ إِلَيْهِمْ فِي هَذَا الْعَالَمِ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْمَحَاكِمِ الْكَنَسِيَّةِ، وَحَتَّى إِلَى الْمَحَاكِمِ الْمَدَنِيَّةِ أَحْيَانًا طَلَبًا لِإِصْلَاحِ خَطَأٍ ارْتَكَبَهُ آخَرُ بِحَقِّهِمْ. إِذًا، يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مَطْلُوبًا مِنَّا أَنْ نَغْفِرَ لِلْجَمِيعِ إِنْ ظَلُّوا غَيْرَ نَادِمِينَ. لَكِنْ إِنْ تَابُوا، فَلَيْسَ أَمَامَنَا أَيُّ خِيَارٍ سِوَى أَنْ نَغْفِرَ.
أَذْكُرُ اخْتِبَارًا لِي فِي هَذَا الْإِطَارِ. مُنْذُ سَنَوَاتٍ عِدَّةٍ، فِي بِدَايَةِ خِدْمَتِي، كُنْتُ قَدْ قُلْتُ كَلَامًا أَسَاءَ إِلَى أَحَدِهِمْ. وَلَمّا أَطْلَعَنِي هَذَا الشَخْصُ عَلَى انْزِعَاجِهِ شَعَرْتُ بِسُوءٍ كَبِيرٍ حِيَالَ الْأَمْرِ وَقُلْتُ: "مَا كَانَ يَجِبُ أَبَدًا أَنْ أَقُولَ لَهُ ذَلِكَ". فَذَهَبْتُ إِلَى ذَلِكَ الشَخْصِ وَاعْتَذَرْتُ عَلَى مَا قُلْتُهُ. فَرَفَضَ هَذَا الشَخْصُ أَنْ يَقْبَلَ اعْتِذَارِي، وَرَفَضَ أَنْ يُكَلِّمَنِي. لَكِنِّي ذَهَبْتُ مَرَّةً أُخْرَى وَاعْتَرَفْتُ مُجَدَّدًا بِأَنِّي أَخْطَأْتُ إِلَيْهِ وَطَلَبْتُ مِنْهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي بِدُمُوعٍ. لَكِنْ بالرَغْمِ مِنْ ذَلِكَ، رَفَضَ هَذَا الشَخْصُ أَنْ يَقْبَلَ اعْتِذَارِي. حَدَثَ هَذَا الْأَمْرُ دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ الَتِي كُنْتُ أَخْدُمُ بِهَا وَأَنَا طَالِبٌ فِي كُلِّيَّةِ اللَاهُوتِ. وَكَانَ رَئِيسُ مَجْلِسِ الْكَنِيسَةِ مُرْسَلًا مُتَقَاعِدًا فِي ٨٥ مِنَ الْعُمْرِ، وَكَانَ قَدِّيسًا. وَكَانَ قَدْ أَمْضَى خَمْسَ سَنَوَاتٍ فِي مُعَسْكَرٍ لِلسُجَنَاءِ فِي الصِينِ خِلَالَ الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَانِيَةِ، بَعِيدًا عَنْ زَوْجَتِهِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. وَأَنَا كُنْتُ مُعْجَبًا جِدًّا بِحِكْمَةِ هَذَا الرَجُلِ الرُوحِيَّةِ وَنِعْمَتِهِ. فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فَعَلْتُهُ. قُلْتُ: "أَكْرَهُ أَنْ أُخْبِرَكَ بِذَلِكَ لَكِنِّي قُلْتُ كَذَا وَكَذَا لِتِلْكَ السَيِّدَةِ وَقَدْ أَزْعَجَهَا الْأَمْرُ فِعْلًا. فَذَهَبَتُ إِلَيْهَا وَطَلَبْتُ مِنْهَا الْغُفْرَانَ وَمَا إِلَى ذَلِكَ". أَخْبَرْتُهُ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: "لَقَدِ ارْتَكَبْتَ خَطَأَيْنِ". فَقُلْتُ: "وَمَا هُمَا؟" قَالَ: "الْخَطَأُ الْأَوَّلُ، أَنْتَ تَعْرِفُهُ جَيِّدًا، مَا كَانَ يَجِبُ أَبَدًا أَنْ تَقُولَ هَذَا الْأَمْرَ لِلسَيِّدَةِ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ. فَأَجَبْتُ: "نَعَمْ سَيِّدِي، أَنْتَ عَلَى حَقٍّ". وَقَالَ: "أَمَّا الْخَطَأُ الثَانِي فَهُوَ ذَهَابُكَ إِلَيْهَا مَرَّتَيْنِ". قَالَ: "حِينَ تُبْتَ وَاعْتَذَرْتَ وَرَفَضَتْ هِيَ أَنْ تَغْفِرَ لَكَ. أَنْتَ تَمَّمْتَ وَاجِبَكَ، وَمُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ هِيَ تَجْمَعُ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهَا لِأَنَّهَا رَفَضَتْ أَنْ تَغْفِرَ لَكَ". لَمْ أَنَسَ أَبَدًا مَا قَالَهُ لِي.
يَجِبُ أَنْ نَكُونَ مُسْتَعِدِّينَ لِلْغُفْرَانِ. وَحِينَ نَقُولُ إِنَّنَا نَغْفِرُ لِلنَاسِ، لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ عَفَوِيًّا. يَجِبُ أَنْ نَفْعَلَ الْأَمْرَ بِجِدِّيَّةٍ. وَأَحْيَانًا مِنَ الصَعْبِ جِدًّا أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ. لِذَا أَجِدُ أَنَّهُ يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ يَسُوعَ يَرْبِطُ هُنَا عَلَاقَتَنَا الْعَمُودِيَّةَ بِالْآبِ بِعَلَاقَتِنَا الْأُفُقِيَّةِ بِالنَاسِ الَذِينَ نُعَاشِرُهُمْ فِي حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ. ثُمَّ ذَهَبَ الْمَسِيحُ إِلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنَ الاعْتِرَافِ قَائِلًا: "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ". هذا وَاحِدٌ مِنْ أَكْثَرِ الأَجْزَاءِ الَتِي يُسَاءُ فَهْمُهَا فِي الصَلاةِ الرَبَّانِيَّةِ، بِسَبَبِ عِبَارَةِ "نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ". الْفِكْرَةُ هُنَا فِي الْجُزْءِ الأَوَّلِ مِنَ الْجُمْلَةِ "وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ"، قَدْ تَبَيّنَ لِلْبَعْضِ أَنَّ اللَّهَ يَعْمَلُ عَلَى حَثِّنَا عَلَى ارْتِكَابِ الْخَطِيَّةِ. لَكِنَّ يَعْقُوبَ يُحَذِّرُنَا طَبْعًا مِنِ اسْتِنْتَاجِ هَذَا الْأَمْرِ فِي رِسَالَتِهِ حِينَ يَقُولُ "لَاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ". لِأَنَّ التَجْرِبَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى نَابِعَةٌ مِنَ الدَاخِلِ، حِينَ تَكُونُ لَدَيْنَا شَهَوَاتٌ مُشْتَعِلَةٌ نَابِعَةٌ مِنْ مُيُولِنَا الدَاخِلِيَّةِ. الْفِكْرَةُ هِيَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَحُثُّ الناسَ أَبَدًا عَلَى الْخَطِيَّةِ. إِذًا، لِمَاذَا يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَقُولَ "يَا رَبُّ، لَاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ؟"
تَمَّ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْمُصْطَلَحِ بِطَرِيقَتَيْنِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ؛ إِحْدَاهُمَا هِيَ الِامْتِحَانُ. هَلْ تَذْكُرُونَ أَنَّهُ حِينَ تَعَمَّدَ يَسُوعُ فِي نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، مَا إِنِ انْفَتَحَتِ السَمَاءُ وَنَزَلَ رُوحُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسُمِعَ صَوْتٌ مِنَ السَمَاءِ قَائِلًا: "هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ"، فِي آخِرِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، نَقْرَأُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَنَّ الرُوحَ قَادَ يَسُوعَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ ٤٠ يَوْمًا. هَذَا لَا يَعْنِي كَمَا لَوْ أَنَّ اللَّهَ كَانَ يُغْرِي يَسُوعَ لِيَرْتَكِبَ الْخَطِيَّةَ. وَبِالطَبْعِ، لَمْ يَكُنِ الرُوحُ الْقُدُسُ يُجَرِّبُ يَسُوعَ. لَكِنَّ هَذِهِ التَجْرِبَةَ تَضَمَّنَتْ امْتِحَانَ اللَّهِ لِيَسُوعَ، وإِخْضَاعَهُ لِلِامْتِحَانِ.
نَحْنُ نُصَادِفُ هَذَا الْمَفْهُومَ كَثِيرًا فِي جَمِيعِ أَسْفَارِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فِي بِدَايَةِ الْخَلْقِ، تَمَّ وَضْعُ آدَمَ وَحَوَّاءَ فِي الْجَنَّةِ، وَهُمَا كَانَا مُمَثِّلَانِ لَنَا، وَقَدْ كَانَا تَحْتَ الِاخْتِبَارِ، إِذَا جَازَ التَعْبِيرُ. تَمَّ وَضْعُهُمَا أَمَامَ مُفْتَرَقِ طُرُقِ الِاخْتِبَارِ الَذِي جَلَبَتْهُ الْحَيَّةُ. وَإِنْ نَجَحَا فِي الِامْتِحَانِ، فَإِنَّهُمَا يَسْتَفِيدَانِ كَثِيرًا مَعَ ذُرِّيَّتِهِمَا. وَإِنْ رَسَبَا فِي الِامْتِحَانِ، فَسَيَتَحَمَّلَانِ عَوَاقِبَ كَارِثِيَّةً مَعَ ذُرِّيَّتِهِمَا. هَذَا مَا حَدَثَ تَحْدِيدًا. لَقَدْ فَشِلَا فِي الِاخْتِبَارِ. وَمِنْ خِلَالِ خَطِيَّتِهِمَا غَرِقَ الْعَالَمُ كُلُّهُ فِي الدَمَارِ. لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ مَنْ أَعَدَّ ذَلِكَ الِامْتِحَانَ.
تَذَكَّرُوا أَيْضًا الْقِصَّةَ الْوَارِدَةَ فِي سِفْرِ أَيُّوبَ. حَيْثُ دَارُ حَدِيثٌ فِي السَمَاءِ، حَيْثُ إِنَّ الشَيْطَانَ بِكُلِّ عَجْرَفَتِهِ وَصَلَ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَجُولُ فِي الْأَرْضِ وَبَدَأَ يَسْتَهْزِئُ بِاللَّهِ قَائِلًا: "اُنْظُرْ إِلَى شَعْبِكَ. إِنَّهُمْ جَمِيعًا فِي حَوْزَتِي. إِنَّهُمْ يَتْبَعُونَنِي جَمِيعًا وَلَا أَحَدَ يُطِيعُكَ فِعْلًا". فَقَالَ اللَّهُ لِلشَيْطَانِ: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟" وَمَاذَا كَانَ رَدُّ الشَيْطَانِ؟ ضَحِكَ قَائِلًا: "عَبْدُكَ أَيُّوبُ مُطِيعٌ فِعْلًا. وَلِمَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ؟ لَقَدْ وُلِدَ مَعَ مِلْعَقَةِ ذَهَبٍ فِي فَمِهِ. وَأَنْتَ سَيَّجْتَ مِنْ حَوْلِهِ. أَعْطَيْتَهُ الْغِنَى وَالسَعَادَةَ وَمَنَحْتَهُ كُلَّ مَا يَشْتَهِيهِ قَلْبُهُ. هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللَّهَ؟ أَبْعِدْ عَنْهُ ذَلِكَ السِيَاجَ. وَارْفَعْ عَنْهُ حَمَايَتَكَ الْجَسَدِيَّةَ. دَعْنِي أُهَاجِمُهُ وَسَنَرَى كَمْ سَيَبْقَى أَمِينًا لَكَ". إِذًا، الدْرَامَا كُلُّهَا فِي سِفْرِ أَيُّوبَ تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ مَا إِذَا كَانَ أَيُّوبُ سَيَتَمَسَّكُ بِاسْتِقَامَتِهِ، وَسَيَتَمَسَّكُ بِأَمَانَتِهِ لِلَّهِ فِي وَسَطِ هَذَا الِامْتِحَانِ. وَبِالطَبْعِ، الِامْتِحَانُ الْأَشَدُّ خُطُورَةً هُوَ ذَاكَ الَذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ لِلتَوِّ، حَيْثُ أُرْسِلَ يَسُوعُ نَفْسُهُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِيَتِمَّ امْتِحَانُهُ.
مَا الَذِي قَصَدَهُ رَبُّنَا بِقَوْلِهِ: "لَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ؟" هُوَ لَا يَقُولُ إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ أَلَّا يَمْتَحِنَكَ أَوْ يَحُثَّكَ عَلَى الْخَطِيَّةِ. لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَقُولَ لَهُ: "يَا رَبُّ، أَرْجُوكَ لَا تُخْضِعْنِي لِلِامْتِحَانِ. يَا رَبُّ، لَا تَضَعْنِي فِي هَذَا الْمَكَانِ حَيْثُ أَجِدُ نَفْسِي عُرْضَةً تَمَامًا لِهَجَمَاتِ الْعَالَمِ وَالْجَسَدِ وَالشَيْطَانِ. لَا تَنْزِعْ مِنِّي نِعْمَتَكَ الدَاعِمَةَ الَتِي مَنَحْتَهَا لِي". مَثَلًا، مَنْ كَانَ خَاضِعًا لِلتَأْدِيبِ فِي الْكَنِيسَةِ وَقَدْ تَمَّ تَهْدِيدُهُ بِالْحِرْمَانِ الْكَنَسِيِّ، عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ هَذِهِ الصَلَاةَ فِي كُلِّ دَقِيقَةٍ، قَائِلًا: "يَا رَبُّ، أَرْجُوكَ لَا تَسْمَحْ بِحِرْمَانِي مِنْ فَوَائِدِ جَمَاعَةِ الْعَهْدِ حَيْثُ تَفِيضُ نِعْمَتُكَ. لَا تَطْرَحْنِي فِي الظُلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. لَا تَدْفَعْنِي إِلَى يَدَيْ الشَيْطَانِ حَيْثُ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُدَافِعَ عَنْ نَفْسِي أَمَامَهُ".
تَذَكَّرُوا أَنَّهُ حِينَ أَخْبَرَ يَسُوعُ بُطْرُسَ بِأَنَّهُ سَيُنْكِرُ الْمَسِيحَ وَأَصَرَّ بُطْرُسُ عَلَى أَنَّهُ لَنْ يَفْعَلَ أَبَدًا أَمْرًا مُمَاثِلًا، قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "سِمْعَانُ سِمْعَانُ هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ". أَنْتَ عُمْلَةٌ سَهْلَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ. "وَلَكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لَا يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ". مَا الَذِي يَقُولُهُ هُنَا فِي هَذِهِ الصَلَاةِ؟ إِنَّهُ يَقُولُ "لَا تُغَالِي أَبَدًا فِي تَقْدِيرِ قُوَّتِكِ الرُوحِيَّةِ ضِدَّ قُوَى الشَرِّ". حِينَ تُصَلِّي، قُلْ: "يَا رَبُّ، أَرْجُوكَ لَا تَضَعْنِي أَبَدًا فِي هَذَا الْمَوْقِفِ حَيْثُ أَتَعَرَّضُ لِهَجَمَاتِ الشَيْطَانِ مِنْ دُونِ حِمَايَةٍ".
إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنِ الشَيْطَانِ هُنَا وَالْأَمْرُ وَاضِحٌ جِدًّا. لِأَنَّهُ فِي الْجُزْءِ الثَانِي مِنْ هَذَا الْمَقْطَعِ الشِعْرِيِّ "لَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ"، جَاءَ فِي التَرْجَمَةِ الْقَدِيمَةِ "نَجِّنَا مِنَ الشَرِّ". هَذِهِ تَرْجَمَةٌ سَيِّئَةٌ فِعْلًا. لِأَنَّ الْمُصْطَلَحَ الْمُسْتَخْدَمَ هُنَا فِي اللُغَةِ الْيُونَانِيَّةِ هُوَ كَلِمَةُ "بُونِيرُوسْ"، وَقَدْ وَرَدَتْ اسْمًا بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ الْمُذَكَّرِ. أَمَّا كَلِمَةُ "شَرٍّ" فِي الْيُونَانِيَّةِ فَهِيَ "بُونِيرُونْ"، وَهِيَ الصِيغَةُ الْمُحَايِدَةُ لِنَفْسِ الِاسْمِ. وَحِينَ يَرِدُ الِاسْمُ بِصِيغَةِ الْمُذَكَّرِ الْمُفْرَدِ فَالتَرْجَمَةُ الصَحِيحَةُ لَيْسَتِ "الشَرَّ" بِالْمَعْنَى التَجْرِيدِيِّ، بَلْ "الشِرِّيرُ"، وَهُوَ لَقَبٌ مَنْسُوبٌ إِلَى الشَيْطَانِ فِي حِقْبَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.
إِذًا، يَقُولُ يَسُوعُ هُنَا: "لَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِرِّيرِ"، نَجِّنَا مِنَ الشَيْطَانِ. إِنَّهُ يَطْلُبُ مُجَدَّدًا أَنْ يُوضَعَ سِيَاجٌ مِنْ حَوْلِنَا لِكَيْ نَحْتَمِيَ مِنْ حِيَلِ الْعَدُوِّ. يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جُزْءًا مِنْ صَلَاتِنَا. لِأَنَّ دِرْهَمَ وِقَايَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِنْطَارِ عِلَاجٍ. إِذًا، مَرَّةً أُخْرَى، نَحْنُ نَطْلُبُ الْغُفْرَانَ لَكِنَّنَا نَطْلُبُ أَيْضًا تَشْدِيدًا وَحِمَايَةً مِنَ الْإِغْرَاءِ الْمُقْبِلِ لِارْتِكَابِ الْخَطِيَّةِ.
أَخِيرًا، خِتَامُ الصَلَاةِ كَمَا نَجِدُهَا فِي مَتَّى هُوَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ "لِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ". بِمَعْنَى مَا، قَدْ يَكُونُ هَذَا الْجُزْءَ الْأَهَمَّ مِنَ الصَلَاةِ. تَذَكَّرْ أَنِّي قُلْتُ بِبَسَاطَةٍ إِنَّ ثَمَّةَ أَمْرَيْنِ يَجِبُ أَنْ تَتَذَكَّرَهُمَا دَائِمًا حِينَ تُصَلِّي؛ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ هُوَ "مَنِ الَذِي تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ؟" وَالْأَمْرُ الثَانِي هُوَ "مَنِ الَذِي يَتَكَلَّمُ؟" يَجِبُ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَنْ هُوَ اللَّهُ، وَيَجِبُ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَنْ تَكُونُ أَنْتَ. فِي خِتَامِ الصَلَاةِ، يُوجَدُ أَيْضًا إِعْلَانٌ مُسْتَتِرٌ لِلتَمْجِيدِ وَالتَوَاضُعِ، حَالَةُ تَوَاضُعٍ يَجِبُ أَنْ تُرَافِقَ جَمِيعَ الصَلَوَاتِ أَمَامَ اللَّهِ الْقَدِيرِ.
ثُمَّ قَامَ الْمَسِيحُ بِتَذْكِيرٍ أَخِيرٍ هُوَ الْآتِي: عِنْدَمَا تَنْتَهِي مِنَ الصَلَاةِ، تَعْتَرِفُ بِأَنَّ الْمُلْكَ لَيْسَ لَكَ أَنْتَ. فَأَنْتَ لَسْتَ الْمَلِكَ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ مَمْلَكَتَكَ. أَنْتَ لَا تَسُودُ هُنَا. وَالْقُوَّةُ لَيْسَتْ قُوَّتَكَ. وَالْمَجْدُ لَيْسَ لَكَ. لَكِنْ بَيْنَمَا تُصَلِّي، وَتَتَذَكَّرُ مَنْ تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ، تَذَكَّرْ أَنَّكَ تُخَاطِبُ السَيِّدَ الْمُطْلَقَ، وَهُوَ مَلِكٌ يَسُودُ عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَقُوَّتُهُ الْقَدِيرَةُ تَسُودُ عَلَى كُلِّ ذَرَّةٍ فِي الْكَوْنِ. يَجِبُ أَنْ تُدْرِكَ أَنَّهُ إِلَهُ الْمَجْدِ الْمُطْلَقِ الَذِي لَا يُعْطِي مَجْدَهُ لِآخَرَ.
إِحْدَى تَرَانِيمِ عِيدِ الْمِيلَادِ الْمُفَضَّلَةِ لَدَيَّ هِيَ الْآتِيَةُ "جَيْشَ أَمْلَاكِ السَّمَاءْ"، وَتَنْتَهِي بِالْقَرَارِ الَذِي يَتِمُّ تَكْرَارُهُ "مَجْدٌ مَجْدٌ فِي الْأَعَالِي". هَذَا قَرَارٌ تَمَّ اقْتِبَاسُهُ مِنْ سَرْدِ قِصَّةِ الْمِيلَادِ فِي لُوقَا الأَصْحَاحِ ٢، حَيْثُ ظَهَرَ جُنُودُ السَمَاءِ لِلرُعَاةِ خَارِجَ بَيْتِ لَحْمٍ وَهُمْ يَرْنِّمُونَ مَاذَا؟ "الْمَجْدُ لِلَّهِ فِي الْأَعَالِي". هَذَا مَا يَقُولُهُ يَسُوعُ. حِينَ تُنْهِي صَلَاتَكَ، تَخْتِمُ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ. لأَنَّ لَهُ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ.