المحاضرة 8: النظرة الكاثوليكيَّة للتبرير (الجزء الثاني)

فِي مُحَاضَرَتِنا السَّابِقَةِ تَناوَلْنَا بِدايَةً بَعْضَ الْخَطَواتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَفْهُومِ الْكَاثُولِيكِيِّ لِلتَّبْرِيرِ، وَفِي هَذِهِ الْمُحَاضَرَةِ سَنُلْقِي نَظْرَةً أُخْرَى عَلَى بَعْضِ الْعَناصِرِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِتِلْكَ النَّظْرَةِ الْخَاصَّةِ لِلتَّبْرِيرِ، وَفِي الْمُحَاضَرَاتِ التَّالِيَةِ سَنُحاوِلُ رُؤْيَةَ التَّبايُنِ بَيْنَ نَظْرَةِ الإِصْلاحِ لِلتَّبْرِيرِ مُقارَنَةً بِالنَّظْرَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ.

فِي الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَر، حِينَ بَرَزَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اللَّاهُوتِيَّةُ، أَبْدَتِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ بِرُومَا رَدَّ فِعْلٍ، فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَر، خِلالَ دَعْوَةٍ إِلَى عَقْدِ مَجْمَعٍ مَسْكُونِيٍّ كَبِيرٍ فِي مَدِينَةِ تْرانْتُو فِي إِيطَالْيا، وَهْوَ يُدْعَى بِبَساطَةٍ "مَجْمَعَ تْرانْت". وَانْعِكاساتُ ذَلِكَ الْمَجْمَعِ غالِبًا مَا تَتِمُّ مُناقَشَتُها مِنْ خِلالِ عِبارَةِ "تْرِيدِنْتِين". يَبْدُو كَمَا لَوْ أَنَّهُ يَتِمُّ لَفْظُها "تْرَايْدِنْتِينْ"، لَكِنَّ اللَّفْظَ الطَّبِيعِيَّ هُوَ "تْرِيدِنْتِين". إذًا، حِينَ نَنْظُرُ إِلَى الْبَياناتِ الْمَجْمَعِيَّةِ لِمَجْمَعِ تْرانت، فَإِنَّنَا نَدْرُسُ الْمَراسِيمَ الرَّسْمِيَّةَ لِلطَّائِفَةِ الْكاثولِيكِيَّةِ فِي ما يَتَعَلَّقُ بِعَقِيدَةِ التَّبْرِيرِ الْخَاصَّةِ بِهَا.

وَقَبْلَ أَنْ أَتَطَرَّقَ إِلَى مَضْمُونِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، يَعْتَقِدُ أُناسٌ كُثُرٌ الْيَوْمَ أَنَّ الإِصْلاحَ انْتَهَى، وَأَنَّ الْمَراسِيمَ الصَّادِرَةَ عَنْ مَجْمَعِ تْرانْت لا صِلَةَ لَهَا بِالْمُناقَشَاتِ الْمَسْكُونِيَّةِ الْيَوْمَ بَيْنَ رُومَا وَالْمُمَثِّلِينَ الْبْرُوتِسْتانْتِيِّينَ. وَعَليَّ دَائِمًا أَنْ أُذَكِّرَ النَّاسَ بِهَذَا الأَمْرِ الْمُؤْلِمِ بِأَنَّ مَجْمَعَ تْرانْت هُوَ مَجْمَعٌ مَسْكُونِيٌّ، يَحْمِلُ وَراءَهُ كُلَّ عِبْءِ عِصْمَةِ الْكَنِيسَةِ مِنَ الْخَطَإِ. وَتُعانِي رُومَا نَوْعًا مِنَ الْهِمُوفِيلْيا اللَّاهُوتِيَّةِ، أَيْ أَنَّكَ إِنْ خَدَشْتَها لاهُوتِيًّا فَإِنَّهَا تَنْزِفُ حَتَّى الْمَوْتِ. لِذَا، فَإِنَّ رُومَا نَوْعًا مَا، وَلِكَيْ تُحافِظَ عَلَى نَظْرَتِهَا الْمُنْتَصِرَةِ لِسُلْطَةِ الْكَنِيسَةِ وَتَقْلِيدِهَا، لا تَقْدِرُ أَنْ تُبْطِلَ قَوَانِينَ مَجْمَعِ تْرَانْت وَمَراسِيمَهُ. وَمُؤَخَّرًا، فِي التَّعْلِيمِ الْمَسِيحِيِّ الْكاثُولِيكِيِّ، فِي آخِرِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينِ، رَأَيْنَا إِعادَةَ تَأْكِيدٍ وَاضِحَةً جِدًّا عَلَى سُلْطَةِ مَجْمَعِ تْرَانْت.

إِذًا، الأَشْخاصُ الَّذِينَ يُحاوِلُونَ أَنْ يُثْبِتُوا أَنَّ تَعْلِيمَ تْرِيدِنْتِين عَنِ التَّبْرِيرِ لَمْ يَعُدْ وَثِيقَ الصِّلَةِ بِالْوَضْعِ، هُمْ بِبَساطَةٍ يَتَجاهَلُونَ مَا تُعَلِّمُهُ الْكَنِيسَةُ. وَحِينَ أَتَكَلَّمُ عَنِ الْكَنِيسَةِ فَإِنِّي أَتَكَلَّمُ عَنِ الْمُجْتَمَعِ الرُّومانِيِّ. سَتَجِدُونَ كَهَنَةً فِي أَمِيرْكا وَفِي الْمَناطِقِ الْغَرْبِيَّةِ مِثْلِ هُولَنْدا وَأَلْمَانْيَا مِمَّنْ يُهاجِمُونَ بَعْضَ التَّعالِيمِ التَّقْلِيدِيَّةِ لِطَائِفَتِهِمْ، لَكِنْ فِي ما يَتَعَلَّقُ بِالْجَماعَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ وَبِالسُّلُطاتِ فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ، فَإِنَّ مَوَاقِفَ مَجْمَعِ تْرانْت تَبْقَى ثَابِتَةً فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّعْلِيمِ عَنِ التَّبْرِيرِ.

فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْرِيرِ، عَقَدَ مَجْمَعُ تْرَانْت جَلَسَاتٍ عِدَّةً، وَتَمَّتْ مُعالَجَةُ مَسَائِلَ عِدَّةٍ فِي جَلْسَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ مَسَأْلَةِ الأَسْرارِ فِي الْجَلْسَةِ الأُولَى، وَمَسْأَلَةِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ مَثَلًا فِي الْجَلْسَةِ الرَّابِعَةِ، أَيْضًا مَشاكِلِ فَسادِ رِجالِ الدِّينِ وَالْمُصْلِحِينَ الْحَقِيقِيِّينَ تَمَّتْ مُعالَجَتُها فِي الْكَنِيسَةِ لْمُحاوَلَةِ التَّخَلُّصِ مِنْ بَعْضِ مَشاكِلِ السِّيمُونِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْناها سَابِقًا، وَمِنْ مَشَاكِلَ أَخْلاقِيَّةٍ أُخْرَى كَانَتْ قَدْ أَفْسَدَتِ الْكَنِيسَةَ. لَكِنَّ الْجَلْسَةَ السَّادِسَةَ لِمَجْمَعِ الْكَنِيسَةِ – لِمَجْمَعِ تْرانْت – هِيَ الأَكْثَرُ ارْتِباطًا بِالنِّقاشِ حَوْلَ عَقِيدَةِ التَّبْرِيرِ. وَتَنْقَسِمُ تِلْكَ الْجَلْسَةُ إِلَى قِسْمَيْنِ، نُمَيِّزُ التَّعْلِيمَ الْمَنْهَجِيَّ لِلنَّظْرَةِ الْكاثُولِيكِيَّةِ لِلتَّبْرِيرِ كَجُزْءٍ أَوَّلٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ هُنَاكَ الْقَوانِينُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْها، وَهَذِهِ الْقَوانِينُ مُتَعَلِّقَةٌ بِرَفْضِ الْكَنِيسَةِ لِلْخَطَإِ وَالْهَرْطَقَةِ.

وَفِي الْقَوانِينِ الْعِشْرِينَ فِي مَجْمَعِ تْرانْت، تَبْدَأُ الصِّيغَةُ بِالطَّرِيقَةِ نَفْسِها؛ إِنْ قالَ أَحَدُهُمْ إِنَّ كَذَا وَكَذا، فَالاسْتِنْتَاجُ هُوَ "فَلْيَكُنْ أَناثِيما". الْقَوانِينُ الثَّلاثَةُ الأُولَى مُوَجَّهَةٌ ضِدَّ الْبِيلاجِيُوسِيَّةِ، الَّتِي تَمَّتْ إِدَانَتُها فِي مَجَامِعَ سَابِقَةٍ لِلْكَنِيسَةِ، وَلَمْ تَكُنْ مُوَجَّهَةً خِصِّيصًا إِلَى الإِصْلاحِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيِّ. الدِّراسَةُ الدَّقِيقَةُ لِقَوانِينِ تْرانْت تُعْلِنُ – عَلَى مَا أَظُنُّ – أَنَّهُ فِي حَالاتٍ عِدَّةٍ حَيْثُ وَجَّهَتْ رُومَا أَسْلِحَتَها ضِدَّ الإِصْلاحِيِّينَ، غَفَلَتْ عَنِ الإِصْلاحِيِّينَ تَمامًا، كانَ يُوجَدُ سُوءُ فَهْمٍ مُعَيَّنٌ ضِمْنَ الأَناثيما الْخاصَّةِ بِهِمْ. وَنَظَرَ الْبَعْضُ إِلَى ذَلِكَ وَقَالُوا إِنَّ الأَمْرَ بِرُمَّتِهِ كَانَ سُوءَ فَهْمٍ، وَإِنَّ كِلا الطَّرَفَيْنِ يَتَكَلَّمَانِ لأَهْدافٍ مُتَعارِضَةٍ وَلَمْ يَفْهَما الْمَسائِلَ فِعْلًا. مِنَ الْمُؤْسِفِ أَنَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ صَحِيحًا لِدَرَجَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَكِنْ لَيْسَ تَمامًا. بَعْضُ تِلْكَ الْقَوانِينِ صَحِيحٌ، وَهْيَ تُعْلِنُ بِوُضُوحٍ عَقِيدَةَ الإِصْلاحِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّبْرِيرِ بِالإِيمانِ.

إِلَيْكُمْ مَعْنَى ذَلِكَ، إِنْ كانَ تَعْبِيرُ الإِصْلاحِ عَنْ عَقِيدَةِ التَّبْرِيرِ الْكِتابِيَّةِ صَحِيحًا – وَأَنا أُؤْمِنُ طَبْعًا بِأَنَّهُ كَذَلِكَ – فَإِنَّ لَعْنَهُ هُوَ لَعْنٌ لِلإِنْجِيلِ، وَأَيُّ طَائِفَةٍ أَوْ مُنَظَّمَةٍ تُعْلِنُ أَنَّهَا مَسِيحِيَّةٌ، إِنْ أَنْكَرَتْ أَوْ دَانَتْ حَقِيقَةً جَوْهَرِيَّةً فِي الْمَسِيحِيَّةِ، فَفِي هَذَا الصَّدَدِ تُصْبِحُ تِلْكَ الْمُنَظَّمَةُ مُرْتَدَّةً، وَلا تَعُودُ كَنِيسَةً حَقِيقِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً. وَهَذَا جُزْءٌ مِنْ مُشْكِلَةِ الْمُناقَشَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ بَيْنَ رُومَا وَالْهَيْئَاتِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ. تُوجَدُ هَيْئَاتٌ بْرُوتِسْتَانْتِيَّةٌ عِدَّةٌ لا تَأْبَهُ فِعْلًا لِلاخْتِلافاتِ الْعَقائِدِيَّةِ، وَيَسُرُّهَا الدُّخُولُ فِي نِقاشاتٍ وَاتِّفاقَاتٍ مَسْكُونِيَّةٍ مَعَ رُومَا، لَكِنْ إِنْ أَخَذَ أَحَدُهُمْ عَقِيدَةَ التَّبْرِيرِ الْكِتابِيَّةَ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ، فَفِي هَذَا الصَّدَدِ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُناكَ تَقَارُبٌ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُناكَ أَيُّ وَحْدَةٍ مَا لَمْ يَسْتَسْلِمْ طَرَفٌ أَوْ آخَرُ، لأَنَّ الْمَوْقِفَيْنِ هُمَا بِبَساطَةٍ مُتَضَارِبانِ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَخْتَارَ فِي مَرْحَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَيُّ وَاحِدٍ عَلَى صَوابٍ. أَحَدُهُمْ مُحِقٌّ، وَالآخَرُ مُخْطِئٌ، وَالْمُخْطِئُ شَوَّهَ بِشَكْلٍ مَلْحُوظٍ إِنْجِيلَ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. وَكَما قَالَ الرَّسُولُ بُولُسُ لأَهْلِ غَلاطِيَةَ "وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ بِغَيْرِ مَا قَبِلْتُمْ"، لأَنَّهُ لا يُوجَدُ إِنْجِيلٌ آخَرُ، ثُمَّ يُتابِعُ قَائِلًا "إِنْ كَانَ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا»". إذًا، أَحَدُهُمْ تَحْتَ لَعْنَةِ اللهِ هُنَا. وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ – وَأَنَا أُسَارِعُ إِلَى الْقَوْلِ لَكُمْ – لَمْ تُحَلَّ.

بِقَدْرِ مَا أَنَّ قَوَانِينَ الأَنَاثيما جِدِّيَّةٌ فِي الْجَلْسَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مَجْمَعِ تْرانت، أَعْتَقِدُ أَنَّ أَصْعَبَ مَا يُمْكِنُ حَلُّهُ لَدَى الطَّرَفَيْنِ مَوْجُودٌ فِي الْجُزْءِ الأَوَّلِ مِنَ الْجَلْسَةِ السَّادِسَةِ، حِينَ تَمَّ تَحْدِيدُ عَقِيدَةِ رُومَا. تَبْذُلُ رُومَا مَجْهُودًا كَبِيرًا لِوَصْفِ مَاهِيَّةِ الإِيمانِ الَّذِي يُخَلِّصُ، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ الإِيمانُ الَّذِي يُخَلِّصُ. وَكَما قُلْتُ سَابِقًا، مِنَ الافْتِراءِ الْقَوْلُ إِنَّنَا نُؤْمِنُ بِالتَّبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَرُومَا تُؤْمِنُ بِبَسَاطَةٍ بِالتَّبْرِيرِ بِالأَعْمالِ كَمَا لَوْ أَنَّ الإِيمانَ لَيْسَ ضَرُورِيًّا. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، تُعَلِّمُ رُومَا بِوُضُوحٍ فِي الْجَلْسَةِ السَّادِسَةِ أَنَّ الإِيمانَ هُوَ مَا نُسَمِّيهِ الشَّرْطَ الضَّرُورِيَّ لِلتَّبْرِيرِ. وَلَدَى الإِيمانِ ثَلاثَةُ عَناصِرَ أَوْ خَطَواتٍ مُرْتَبِطَةٍ بِهِ.

فِي الْجَلْسَةِ السَّادِسَةِ، تَتَكَلَّمُ رُومَا عَنِ الإِيمانِ عَلَى أَنَّهُ "ذِي إِينِيتْسِيُوم"، "ذِي فُونْدامِنْتُوم"، و"ذِي رُودَكْس" التبرير، ما تَرْجَمَتُهُ:

أَنَّ الإِيمَانَ هُوَ بَدْءُ التَّبْرِيرِ، إِنَّهُ نُقْطَةُ الانْطِلاقِ الَّتِي تَسْتَهِلُّ عَمَلِيَّةَ التَّبْرِيرِ، إِنَّهُ "ذِي فُونْدَامَنْتُوم"، الأَساسُ، الْبُنْيَةُ الأَسَاسِيَّةُ الَّتِي يُثْبَتُ عَلَيْها التَّبْرِيرُ. وَبِدُونِ ذَلِكَ الأَسَاسِ، بِدُونِ تِلْكَ الْبُنْيَةِ الأَسَاسِيَّةِ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ تَبْرِيرٌ، وَهْوَ لَيْسَ الْبَدْءَ وَالأَسَاسَ فَحَسْبُ، إِنَّهُ أَيْضًا "رُودَكْس"، أيْ أَصْلُ. إِنَّهُ الْجَوْهَرُ الأَسَاسِيُّ لِلتَّبْرِيرِ. هَلْ تَسْمَعُونَ الْمَقْصُودَ بِذَلِكَ؟ وَهْوَ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُومَا لَيْسَ الإِيمانُ مُجَرَّدَ مُلْحَقٍ لِلتَّبْرِيرِ، لَيْسَ إِضَافَةً عَدِيمَةَ الأَهَمِّيَّةِ إِلَى قُوَّةِ الأَسْرارِ فِي الْكَنِيسَةِ، بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، الإِيمانُ – كَمَا ذَكَرْتُ – هُوَ الْبَدْءُ، هُوَ الأَسَاسُ، وَهْوَ الْجَوْهَرُ الأَسَاسِيُّ لِلتَّبْرِيرِ.

إذًا، هَذَا شَرْطٌ ضَرُورِيٌّ، هَذَا يَعْنِي أَنَّهُ شَرْطٌ بِدُونِهِ لا يُمْكِنُ الْحُصُولُ عَلَى تَبْرِيرٍ. لَكِنَّ الْفَرْقَ هُوَ أَنَّهُ وَفْقَ رُومَا لَيْسَ الإِيمانُ شَرْطًا كَافِيًا، الشَّرْطُ الْكَافِي هُوَ شَرْطٌ إِذَا تَمَّتْ تَلْبِيَتُهُ سَيُؤَدِّي حَتْمًا إِلَى النَّتِيجَةِ الْمَرْجُوَّةِ. الأُوكْسِيجِينُ مَثَلًا، هُوَ فِي مُعْظَمِ الْحَالاتِ شَرْطٌ ضَرُورِيٌّ لاشْتِعالِ النَّارِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا كَافِيًا. بِدُونِ أُوكْسِيجِين، لا نَارَ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَكانُ مَلِيئًا بِالأُوكْسِيجِين بِدُونِ أَنْ تَشْتَعِلَ النَّارُ، لأَنَّهُ لا يَمْلِكُ الْقُوَّةَ الْكافِيَةَ لإِشْعالِ النَّارِ. شُكْرًا للهِ، وَإِلَّا فِي كُلِّ مَرَّةٍ نَكُونُ فِي مَكانٍ مَلِيءٍ بِالأُوكْسِيجِينِ كُنَّا لنَتَنَفَّسَ النِّيرانَ. إِذًا، تُدْرِكُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّرْطِ الضَّرُورِيِّ وَالشَّرْطِ الْكَافِي.

نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَجْمَعَ تْرانْت يُعَلِّمُ أَنَّ الإِيمانَ لَيْسَ كَافِيًا بِحَدِّ ذَاتِهِ لِيُعْطِيَ نَتِيجَةَ التَّبْرِيرِ، لأَنَّهُ أَثْناءَ مُعالَجَتِهِ مَوْضُوعَ فُقْدَانِ التَّبْرِيرِ مِنْ خِلالِ الْخَطِيَّةِ الْمُمِيتَةِ، فَهْوَ يُعْلِنُ صَرَاحَةً أَنَّهُ يُمْكِنُ لإِيمانِ الإِنْسانِ أَلَّا يُمَسَّ، إِيمانٍ حَقِيقِيٍّ لا يُمَسُّ، وَبَيْنَما هُوَ فِي حَالَةِ الإِيمانِ يَرْتَكِبُ خَطِيَّةً مُمِيتَةً، وَحِينَ تُرْتَكَبُ خَطِيَّةٌ مُمِيتَةٌ بَيْنَمَا تَكُونُ فِي حَالَةِ إِيمانٍ حَقِيقِيٍّ، لا يُفْقَدُ الإِيمانُ، خِلافًا لِلتَّبْرِيرِ. إِذًا، أَنْتُمْ تَرَوْنَ بِوُضُوحٍ فِي ذَلِكَ الْمَثَلِ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لأَحَدِهِمْ مَا نُسَمِّيهِ "الإِيمانَ الَّذِي يُخَلِّصُ" بِدُونِ تَبْرِيرٍ، يُمْكِنُكَ أَنْ تُحافِظَ عَلَى الإِيمانِ وَأَنْ تَخْسَرَ التَّبْرِيرَ لأَنَّكَ ارْتَكَبْتَ خَطِيَّةً مُمِيتَةً.

النُّقْطَةُ التَّالِيَةُ الَّتِي يَجِبُ أَنْ نَتَناوَلَها هِيَ كَيْفِيَّةُ فَهْمِ رُومَا السَّبَبَ الْوَسِيلِيَّ لِلتَّبْرِيرِ. حِينَ نَتَحَدَّثُ عَنْ أُمورٍ تُسَبِّبُ أُمُورًا أُخْرَى فَإِنَّنَا نُفَكِّرُ عَادَةً فِي السَّبَبِيَّةِ بِمُصْطَلحاتٍ بَسِيطَةٍ أُحادِيَّةِ الْبُعْدِ، لَكِنَّ الْكَنِيسَةَ الْكَاثُولِيكِيَّةَ تُمَيِّزُ بَيْنَ أَنْواعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الأَسْبابِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ، هَذَا يَرْجِعُ إِلَى تَوْلِيفِ الْقُرُونِ الْوُسْطَى بَيْنَ اللَّاهُوتِ الْكاثُولِيكِيِّ وَفَلْسَفَةِ أَرِسْطُو الْيُونَانِيَّةِ الْقَدِيمَةِ. وَأَرِسْطُو، وَأَثْنَاءَ تَأَمُّلِهِ فِي سِرِّ الْحَرَكَةِ، مَا يُحَرِّكُ شَيْئًا مَا لِيُسَبِّبَ شَيْئًا آخَرَ، لِيُنْتِجَ تَغْيِيرًا وَتَحَوُّلاتٍ، دَرَسَ مَا أَسْماهُ أَنْواعًا مُخْتَلِفَةً مِنَ الأَسْبابِ.

وَأَصْبَحَ الأَمْرُ مُهِمًّا لِلْحَدِيثِ لِلسَّبَبِ الآتِي؛ التَّوْضِيحُ الشَّهِيرُ لأَرِسْطُو يَتَعَلَّقُ بِصُنْعِ مَنْحُوتَةٍ عَلَى يَدِ نَحَّاتٍ، وَمَيَّزَ بَيْنَ أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ، مَثَلًا، السَّبَبُ الْمَادِّيُّ حَدَّدَهُ أَرِسْطُو عَلَى أَنَّهُ مَا يَتِمُّ صُنْعُ شَيْءٍ مَا مِنْهُ. لا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لَدَيْكَ مَنْحُوتَةٌ حَجَرِيَّةٌ بِدُونِ حَجَرٍ، إِذًا، الْمَادَّةُ أَوِ الشَّيْءُ الَّذِي تَكَوَّنَتْ تِلْكَ الْمَنْحُوتَةُ الْجَمِيلَةُ مِنْهُ هُوَ الْحَجَرُ أَوْ الْبْرُونْز، أَوْ أيًّا تَكُنِ الْمَادَّةُ الَّتِي تَسْتَعْمِلُها يَكُونُ السَّبَبَ الْمَادِّيَّ. ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَنِ السَّبَبِ الشَّكْلِيِّ. السَّبَبُ الشَّكْلِيُّ يَعْنِي أَنْ يُدَوِّنَ الرَّسَّامُ رَسْمًا تَخْطِيطِيًّا فِي الْبِدايَةِ لِلشَّكْلِ النِّهائِيِّ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ تَتَّخِذَهُ الْمَنْحُوتَةُ، فَتَكُونُ هَذِهِ مِسْوَدَّتَهُ، تَكُونُ الشَّكْلَ الَّذِي يُرِيدُ اتِّباعَهُ، فَيَكُونُ هَذَا السَّبَبَ الشَّكْلِيَّ. السَّبَبُ النِّهائِيُّ هُوَ الْهَدَفُ الَّذِي تَمَّ صُنْعُ الْمَنْحُوتَةِ لأَجْلِهِ، رُبَّما صُنِعَتْ لِتَجْمِيلِ حَدِيقَةِ أَحَدِهِمْ، لِذَا تَمَّ اسْتِخْدامُ النَّحَّاتِ لِصُنْعِ الْمَنْحُوتَةِ. ثُمَّ نَنْتَقِلُ إِلَى السَّبَبِ الْمُؤَثِّرِ. السَّبَبُ الْمُؤَثِّرُ، أَيْ مَا يُحْدِثُ تَأْثِيرًا. تَحْوِيلُ الْمَادَّةِ إِلَى تِمْثَالٍ جَمِيلٍ هُوَ عَمَلُ النَّحَّاتِ نَفْسِهِ، إِنَّهُ هُوَ السَّبَبُ الْمُؤَثِّرُ، إِلَى آخِرِهِ.

فِي تِلْكَ الْعَمَلِيَّةِ تَكَلَّمَ أَرِسْطُو عَنِ السَّبَبِ الْوَسِيلِيِّ، أَيِ الْوَسِيلَةِ أَوِ الأَدَواتِ الَّتِي تَمَّ اسْتِعْمَالُهَا لإِحْداثِ التَّغْيِيرِ. لا يَقْتَرِبُ النَّحَّاتُ مِنْ كُتْلَةِ الصَّوَّانِ، أَوْ مَا هُوَ هَذَا الشَّيْءُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي إِيطَالْيَا؟ الرُّخامُ، مَعَ صُورَةِ ما يُرِيدُ أَنْ يَراهُ فِي النِّهايَةِ، دَاوُدَ أَوْ بِيِيتا أَوْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ بِبَساطَةٍ إِلَى الرُّخامِ قَائِلًا: "كُنْ تِمْثالًا"، لا يَنْجَحُ الأَمْرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيانِ. عَادَةً عَلَى النَّحَّاتِ أَنْ يَطَّلِعَ بِمُهِمَّةِ أَخْذِ إِزْمِيلِهِ وَأَخْذِ مِطْرَقَتِهِ وَالْبَدْءِ بِنَحْتِ كُتْلَةِ الْحِجارَةِ تِلْكَ، لِيُشَكِّلَهَا وَيُحَوِّلَها إِلَى مَنْحُوتَةٍ فَنِّيَّةٍ. إِذًا، الأَوانِي الَّتِي اسْتَعْمَلَها أَوِ الْوَسائِلُ الَّتِي اسْتَعْمَلَها تُدْعَى السَّبَبَ الْوَسِيلِيَّ لِجَعْلِ التِّمْثالِ حَيِّزَ الْوُجُودِ.

بِالْمَعْنَى اللَّاهُوتِيِّ، اسْتَعْمَلَتْ رُومَا هَذَا التَّشْبِيهَ وَقالَتْ إِنَّ السَّبَبَ الْوَسِيلِيَّ لِلتَّبْرِيرِ، الْوَسِيلَةَ، الأَداةَ الَّتِي تَسْتَعْمِلُها الْكَنِيسَةُ لِجَعْلِ الإِنْسانِ فِي حَالَةِ النِّعْمَةِ الْمُبَرِّرَةِ، هُوَ سِرُّ الْمَعْمُودِيَّةِ. هُنَا الْمُصْلِحُونَ – سَنَتَعَمَّقُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ فِي الأُسْبُوعِ الْمُقْبِلِ – قَالُوا: "لا، السَّبَبُ الْوَسِيلِيُّ الْوَحِيدُ هُوَ الإِيمانُ وَلَيْسَ السِّرَّ، بَلِ الإِيمانُ الْكَامِنُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ"، هَذِهِ هِيَ الْوَسِيلَةُ الَّتِي تَرْبِطُنَا بِعَمَلِ الْمَسِيحِ لِخَلاصِنا. إِذًا، مَسْأَلَةُ تَحْدِيدِ السَّبَبِ الْوَسِيلِيِّ لِلتَّبْرِيرِ لَمْ تَكُنْ مَسْأَلَةً بَسِيطَةً آنَذَاكَ.

أَيْضًا، أَوَدُّ أَنْ أُشِيرَ إِلَى أَنَّهُ فِي النَّظْرَةِ الْكاثُولِيكِيَّةِ، نُسَمِّي النَّظْرَةَ الْكاثُولِيكِيَّةَ لِلتَّبْرِيرِ النَّظْرَةَ التَّحْلِيلِيَّةَ. النَّظْرَةُ التَّحْلِيلِيَّةُ هِيَ كَالآتِي: الْجُمْلَةُ التَّحْلِيلِيَّةُ هِيَ جُمْلَةٌ صَحِيحَةٌ بِطَبِيعَتِها، إِنَّهَا حَقِيقَةٌ رَسْمِيَّةٌ نُسَمِّيها الْحَشُو. اثْنَانِ زَائِدَ اثْنَيْنِ يُساوِي أَرْبَعَةً، هَذِهِ الْجُمْلَةُ صَحِيحَةٌ تَحْلِيلِيًّا، أَيْ تَحْتَ التَّحْلِيلِ تَدْرُسُ مَا يُساوِيهِ اثْنانِ زَائِدَ اثْنيْنِ وَتَقُولُ إِنَّكَ تَجِدُ الأَمْرَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْجَانِبِ الآخَرِ مِنَ الْمُعَادَلَةِ، أَيْ أَرْبَعَة. هَذِهِ حَقِيقَةٌ رَسْمِيَّةٌ، هَذَا لَيْسَ أَمْرًا يَجِبُ إِثْباتُهُ عَبْرَ الاخْتِبارِ أَوِ الْمُراقَبَةِ، هَذِهِ حَقِيقَةٌ حِسَابِيَّةٌ. هَذَا مَثَلٌ آخَرُ عَنِ الْجُمْلَةِ التَّحْلِيلِيَّةِ: الأَعْزَبُ هُوَ رَجُلٌ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ. لَمْ تَتَعَلَّمُوا شَيْئًا فِي الْخَبَرِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْمُبْتَدَإِ، لَمْ تَقُولُوا أَيَّ جَدِيدٍ يُحَدِّدُ كَلِمَةَ "أَعْزَبَ" غَيْرَ مَا تَتَضَمَّنُهُ الْكَلِمَةُ بِحَدِّ ذَاتِها ضِمْنِيًّا، هَلْ تَرَوْنَ مَا أَقُولُهُ؟

يُوافِقُ كُلٌّ مِنَ الْبْرُوتِسْتَانْتِ وَالْكَاثُولِيكِ عَلَى أَنَّهُ فِي نِهايَةِ الْمَطافِ لا أَحَدَ يَتَبَرَّرُ إِلَى أَنْ أَوْ مَا لَمْ يُعْلِنِ اللهُ أَنَّ هَذَا الإِنْسانَ بَارٌّ. إِعْلانُ اللهِ هَذَا هُوَ إِعْلانٌ قَانُونِيٌّ بِحُكْمِهِ هُوَ. حِينَ نَقُولُ إِنَّ النَّظْرَةَ الْكَاثُولِيكِيَّةَ تَحْلِيلِيَّةٌ، فَهَذَا يَعْنِي الآتِي: أَنَّ اللهَ لَنْ يَقُولَ إِنَّ أَحَدَهُمْ بَارٌّ وَلَنْ يُعْلِنَ أَنَّ أَحَدَهُمْ بَارٌّ شَرْعِيًّا، مَا لَمْ أَوْ إِلَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّخْصُ وَبَعْدَ التَّحْلِيلِ بَارًّا فِعْلِيًّا. هُوَ لا يَحْسِبُ بَارًّا مَنْ لَيْسَ بَارًّا فِعْلًا. لِذَا تُتَابِعُ رُومَا قَائِلَةً فِي الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَر إِنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُعْلِنَ اللهُ أَنَّ أَحَدَهُمْ بَارٌّ، يَجِبُ أَنْ يُلازِمَ الْعَدْلُ أَوِ الْبِرُّ نَفْسَ الإِنْسانِ. الْكَلِمَةُ اللَّاتِينِيَّةُ هُنَا هِيَ "إِينْهِيرِينْس"، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُلازِمًا لِلشَّخْصِ بِحَيْثُ أَنْ لا أَحَد يُصْبِحُ مُبَرَّرًا فِعْلًا إِلَى أَنْ يَقُومَ اللهُ، وَتَحْتَ التَّحْلِيلِ، بِقِراءَةِ حَيَاتِهِ وَقِراءَةِ نَفْسِهِ وَلا يَرَى شَيْئًا سِوَى الْبِرِّ لَدَيْهِ. إِنْ ماتَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ ارْتِكابِهِ خَطِيَّةً مُمِيتَةً فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى الْجَحِيمِ، إِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ وَكانَتْ لَدَيْهِ أَيُّ خَطِيَّةٍ أَوْ أَيُّ نَقْصٍ أَوْ عَيْبٍ فِي نَفْسِهِ، لا يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ قُبُولُ هَذَا الإِنْسانِ فِي السَّماءِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَجِيزَ أَوَّلًا فِي النِّيرانِ الْمُطَهِّرَةِ، فِي الْمَطْهَرِ، حَيْثُ يَتِمُّ التَّخَلُّصُ مِنْ تِلْكَ الشَّوائِبِ حَتَّى الْوَقْتِ الَّذِي يُصْبِحُ فِيهِ الْبِرُّ مُتَأَصِّلًا فِعْلًا فِي الْمُؤْمِنِ.

تَرَوْنَ مَا هُوَ عَلَى الْمِحَكِّ هُنَا؛ إِنْ فَكَّرْتُ أَنَّ مَا عَلَيَّ فِعْلُهُ لِلدُّخُولِ إِلَى السَّماءِ هُوَ الْوُصُولُ إِلَى حَالَةٍ – مَهْمَا كانَ مِقْدَارُ النِّعْمَةِ الَّذِي تَمْنَحُنِي إِيَّاهُ الْكَنِيسَةُ – الْبِرُّ الْمَحْضُ، بِدُونِ أَيِّ عُيُوبٍ، فَإِنِّي أَيْأَسُ تَمامًا مِنْ نَيْلِ الْخلاصِ يَوْمًا. إِنْ قُلْتَ لِي إِنِّي أَخْلُصُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَهَذَا لا يَكُونُ خَبَرًا سَارًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ، إِنَّهُ خَبَرٌ رَهِيبٌ. مَا نَراهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِذِهِ الْمُناقَشَةِ إِحْدَى الْمَسائِلِ اللَّاهُوتِيَّةِ الأهمِّ الَّتِي يُمْكِنُكَ مُنَاقَشَتُها يَوْمًا هِي عَلَى الطَّاوِلَةِ؛ مَاذا يَجِبُ أَنْ أَفْعَلَ لأَنَالَ الْخَلاصَ؟

كَمَا سَنَرَى، إِنْ شَاءَ اللهُ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ، مَا سَعَى إِلَيْهِ الإِصْلاحُ هُوَ تأْكِيدُ إِنْجِيلِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، وَهْوَ أَنَّهُ مَا إِنْ يَمْلِكُ أَحَدٌ الإِيمانَ الَّذِي يُخَلِّصُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ مَمْلَكَةِ الظُّلْمَةِ إِلَى مَلَكُوتِ النُّورِ، وَيُعْلَنُ بَارًّا عَلَى أَسَاسِ بِرِّ الْمَسِيحِ، وَيَتِمُّ تَبَنِّيهِ فِي عَائِلَةِ اللهِ، وَتُغْفَرُ لَهُ خَطاياهُ، وَتُمْحَى إِلَى الأَبَدِ، لا مَطْهَرَ، وَلا بَنْدًا ثانِيًا للتَّبْرِيرِ. لَكِنْ كَمَا قُلْتُ، إِنْ شَاءَ اللهُ سَنَتَطَرَّقُ إِلَى هَذِهِ النَّظْرَةِ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ.