المحاضرة 4: الرَاعِي الصَالِحُ

مَرَّةً أُخْرَى، نُتَابِعُ سِلْسِلَتَنا التَعْلِيمِيَّةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَقْوالِ يَسُوعَ عَنْ ذَاتِهِ. وَفِي مُحاضَرَتِنَا السَابِقَةِ تَكَلَّمْنا عَنْ إِعْلانِ يَسُوعَ "أَنَا هُوَ الْبَابُ"، حَيْثُ تَكَلَّمَ عَنْ بَابِ الْحَظِيرَةِ، أَوِ الْمَدْخَلِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، إِلَى بَيْتِ الآبِ. وَذَكَرْتُ آنَذَاكَ أَنَّ هَذَا الْكَلامَ جَاءَ كَجَوَابٍ عَلَى رَدِّ الْفِعْلِ ضِدَّ شِفَاءِ يَسُوعَ الرَجُلَ الَذِي وُلِدَ أَعْمَى، وَفِي الْمُحَادَثَةِ نَفْسِهَا، دَعَا يَسُوعُ نَفْسَهُ الرَاعِي الصَالِحَ. وَذَكَرْتُ أَنَّهُ يُمْكِنُنَا التَمْيِيزُ بَيْنَ الإِعْلانَيْنِ "أَنَا بَابُ الْحَظِيرَةِ"، وَ"أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ". لَكِنَّهُمَا يُشَكِّلانِ مَعًا جُزْءًا مِنَ الْمُحَادَثَةِ نَفْسِهَا الَتِي كَانَتْ لِيَسُوعَ مَعَ شَعْبِهِ.

قَبْلَ أَنْ نَتَكَلَّمَ عَنِ الإِعْلانِ "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ"، دَعُونِي أُعَلِّقُ لِلْمَرَّةِ الأَخِيرَةِ عَلَى قَوْلِهِ "أَنَا هُوَ الْبَابُ". لأَنَّنَا رَأَيْنَا أَنَّهُ فِي نِهَايَةِ تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ مِنَ الْمُحَادَثَةِ، قَالَ "إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ". وَتَكَلَّمَ عَنِ الْخَلاصِ وَعَنِ ارْتِبَاطِهِ بِكَوْنِهِ الْمَدْخَلَ أَوِ الْبَوَّابَةَ أَوِ الْبَابَ. وَأَرَدْتُ لَفْتَ انْتِبَاهِكُمْ إِلَى رُومِيَةَ الأَصْحَاحِ 5، بَعْدَ شَرْحِ بُولُسَ الإِنْجِيلَ وَعَقِيدَةَ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ، حِينَ انْتَقَلَ بُولُسُ إِلَى الأَصْحَاحِ 5 مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ، تَكَلَّمَ عَنْ نَتَائِجِ أَوْ فَوَائِدِ تَبْرِيرِنَا، وَمَا حَقَّقَهُ الْمَسِيحُ لِشَعْبِهِ فِي عَمَلِ تَبْرِيرِهِ إِيَّانَا. وَنَقْرَأُ فِي الأَصْحَاحِ 5 مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ الْكَلِمَاتِ الآتِيَةَ "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ". إِذًا، هَذِهِ هِيَ الْفَائِدَةُ الأُولَى، مُصَالَحَتُنَا مَعَ اللهِ؛ انْتَهَى زَمَنُ الانْفِصَالِ. لَمْ تَعُدْ تُوجَدُ حَرْبٌ قَائِمَةٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ. لَدَيْنَا سَلامٌ بِفَضْلِ تَبْرِيرِنَا.

وَمِنْ ثَمَّ الْفَائِدَةُ الثَانِيَةُ الَتِي يَذْكُرُهَا الرَسُولُ بُولُسُ هِيَ الآتِيَةُ "الَّذِي بِهِ"، أَيْ بِيَسُوعَ، "أيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ". إذًا، الْكَلِمَةُ الَتِي يَسْتَعْمِلُهَا بُولُسُ هُنَا لِوَصْفِ مَا حَقَّقَهُ الْمَسِيحُ لَنَا هِيَ "الدُخُولُ" إِلَى الآبِ. وَهَذَا مَا يَقْصِدُهُ يَسُوعُ هُنَا حِينَ يَقُولُ إِنَّهُ هُوَ الْبَابُ. الْبَابُ هُوَ الْمَدْخَلُ. إِنْ أَرَدْتُ الدُخُولَ إِلَى مَنْزِلِي، لا أَتَسَلَّلُ عَبْرَ الشُبَّاكِ، إِلَّا إِذَا أَضَعْتُ مِفْتَاحِي أَوْ مَا شَابَهَ. عَادَةً، إِنْ رَأَيْتَ شَخْصًا يَتَسَلَّلُ خِلْسَةً عَبْرَ شُبَّاكِ مَنْزِلٍ مَا، فَإِنَّكَ تَسْتَدْعِي الشُرْطَةَ لأَنَّكَ تَظُنُّ أَنَّهُ سَارِقٌ. الطَّريقَةُ الطَبِيعِيَّةُ لِدُخُولِ مَبْنًى مَا هِيَ الْمَدْخَلُ الَذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ بَابِ. إِذًا يَسُوعُ هُوَ ذَلِكَ الْبَابُ، أَوْ ذَلِكَ الْمَدْخَلُ إِلَى بَيْتِ الآبِ، إِلَى مَحْضَرِ الآبِ.

مَرَّةً أُخْرَى، تَذَكَّرُوا أَنَّ هَذَا التَشْبِيهَ مُرْتَبِطٌ بِصُورَةِ حَاجِزِ الْمَدْخَلِ الَتِي تَعُودُ إِلَى أَيَّامِ سِفْرِ التَكْوِينِ، فَحِينَ طُرِدَ آدَمُ وَحَوَّاءُ مِنَ الْجَنَّةِ، عَيَّنَ اللهُ حَارِسًا، وَضَعَ اللهُ مَلاكًا مَعَ لَهِيبِ سَيْفٍ عِنْدَ مَدْخَلِ الْجَنَّةِ لِمَنْعِ الدُخُولِ مُجَدَّدًا إِلَى مَحْضَرِ اللهِ. وَنَرَى الصُورَةَ نَفْسَهَا تَتَجَلَّى لَدَى بِنَاءِ خَيْمَةِ الِاجْتِماعِ أَوَّلًا فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَمِنْ ثَمَّ الْهَيْكَلِ، حَيْثُ كَانَ يُوجَدُ جِدَارٌ فَاصِلٌ، أَوْ حَاجِزٌ يَفْصِلُ قُدْسَ الأَقْدَاسِ عَنِ الْقُدْسِ، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ يَحِقُّ لأَحَدٍ سِوَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَمَرَّةً فِي السَنَةِ فَقَطْ، وَبَعْدَ مُمَارَسَةِ طُقُوسِ تَطْهِيرٍ دَقِيقَةٍ، بِالدُخُولِ إِلَى قُدْسِ الأَقْدَاسِ. لَكِنْ عِنْدَمَا مَاتَ الْمَسِيحُ، انْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ، وَرُفِعَ الْحَاجِزُ، وَصَارَ لِشَعْبِ اللهِ دُخُولٌ مِنْ خِلالِ عَمَلِ الْمَسِيحِ. إِذًا، هُوَ كَانَ الْبَابَ لِعُبُورِ الْحَاجِزِ. كَانَ الْبَابَ الْمُؤَدِّيَ إِلَى قُدْسِ الأَقْدَاسِ. كَانَ الْبَابَ الَذِي نَدْخُلُ مِنْ خِلالِهِ إِلَى مَحْضَرِ اللهِ.

بَعْدَ قَوْلِ ذَلِكَ، فَلْنَرْجِعْ إِلَى الْمُحَادَثَةِ، وَنُتَابِعْ حَيْثُ يُضِيفُ يَسُوعُ إِلَى تَشْبِيهِ نَفْسِهِ بِالْبَابِ، فِكْرَةَ كَوْنِهِ الرَاعِي الصَالحَ. فِي الآيَةِ 11 مِنَ الأَصْحَاحِ 10 مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا يَقُولُ يَسُوعُ "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَاف. وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ رَاعِيًا، الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلًا وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. وَالأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَاف. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي".

وَالآنَ، دَعُونِي أُقَارِنْ كَلِمَاتِ يَسُوعَ تِلْكَ بِالْمَزْمُورِ الشَهِيرِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مِنْ بَيْنِ مَزَامِيرِ دَاوُدَ، وَهُوَ الْمَزْمُورُ 23 الثَالِثُ وَالْعِشْرُونَ، حَيْثُ شَبَّهَ اللهَ بِالرَاعِي قَائِلًا: "اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا" لِمَاذَا؟ لأَنَّ الرَاعِي مَعِي. "عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي". هَذَا أُسْلُوبٌ لافِتٌ فِي الْمَزْمُورِ حَيْثُ يَتَذَكَّرُ دَاوُدُ الأَيَّامَ الَتِي كَانَ فِيهَا رَاعِيًا. تَذْكُرُونَ حِينَ كَانَ لا يَزالُ بَعْدُ فَتًى، وَكَانَتْ جُيُوشُ إِسْرَائِيلَ تُوَاجِهُ الْجُيُوشَ الْفَلَسْطِينِيَّةَ، حِينَ نَزَلَ الْعِمْلاقُ جُلْيَاتُ إِلَى الْوَادِي، وَدَعَا إِلَى الْمُبَارَزَةِ وَإِلَى نُزُولِ مُبَارِزٍ مِنْ صُفُوفِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُحَارِبُ ذَلِكَ الْعِمْلاقَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، حَيْثُ يَنَالُ الرَابِحُ كُلَّ شَيْءٍ. فَمَنْ يَرْبَحُ الْمَعْرَكَةَ، يَنْصُرُ فَرِيقَهُ. فَنَظَرَ شَاوُلُ مَنْ حَوْلَهُ وَلَمْ يَجِدْ أَيًّا مِنْ مُحَارِبِيهِ مُسْتَعِدًّا لِمُوَاجَهَةِ "جُلْيَاتَ"، وَحَدَثَ أَنَّ دَاوُدَ وَصَلَ إِلَى الْمَكَانِ لِيُعْطِيَ الطَعَامَ لإِخْوَتِهِ، وَهُمْ جُنُودٌ فِي الْجَيْشِ. وَسَمِعَ التَحَدِّي وَالتَعْيِيرَ عَلَى لِسَانِ ذَلِكَ الْوَثَنِيِّ، جُلْيَاتَ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُصَدِّقَ أَنَّ لا أَحَدَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَيَقِفُ فِي وَجْهِ جُلْيَاتَ. فَصَعِدَ إِلَى شَاوُلَ وَقَالَ لَهُ: "دَعْنِي أَذْهَبْ وَأُحَارِبُ الْعِمْلاقَ". تَذْكُرُونَ الْقِصَّةَ. وَحِينَ سَخِرُوا مِنْهُ قَائِلِينَ "أَنْتَ مُجَرَّدُ وَلَدٍ. لا يُمْكِنُكَ فِعْلُ ذَلِكَ"، قَالَ: "مَهْلًا، أَنَا حَارَبْتُ الدُبَّ حِينَ هَاجَمَ خِرَافِي. وَأَنْقَذَنِي اللهُ مِنْ يَدِ الدُبِّ وَهُوَ سَيُنْقِذُنِي مِنْ جُلْيَاتَ". وَبِالطَبْعِ، الْكُلُّ يَعْرِفُ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ.

إذًا، كَانَ دَاوُدُ مُتَمَرِّسًا فِي الْقِتَالِ لِيَحْمِيَ خِرَافَهُ مِنَ الأَسَدِ وَمِنَ الدُبِّ، وَكَانَ لَدَيْهِ عَصًا وَمِقْلاعٌ. لَقَدْ رَأَيْتُمْ عَصا الرَاعِي الْمُعَوَجَّةَ فِي آخِرِها. وَفِي الصَلاةِ، قَالَ دَاوُدُ إِنَّ عَصَا اللهِ وَعُكَّازَهُ يُعَزِّيَانِهِ. وَذَلِكَ الاعْوِجَاجُ الَذِي تَرَوْنَهُ فِي الصُوَرِ وَالرُسُومِ لِعَصَا الرَاعِي، مَعَ ذَلِكَ الِانْحِناءِ فِي الآخِرِ، كَانَ يُسَاعِدُ الرَاعِي عَلَى مَدِّ يَدِهِ وَسَحْبِ الْخِرافِ إِلَى بَرِّ الأَمَانِ إِنِ انْحَرَفَتْ نَحْوَ الْحَافَّةِ أَوِ الْمُنْحَدَرِ، أَوْ إِنْ عَلِقَتْ فِي صَخْرَةٍ فِي مَكَانٍ مَا أَوْ فِي خَنْدَقٍ، يُمْكِنُ لِلرَاعِي أَنْ يَرُدَّهَا وَأَنْ يُنْقِذَهَا عَبْرَ اسْتِعْمَالِ الْعَصَا. كَانَتِ الْعَصَا الأَدَاةَ الدِفَاعِيَّةَ الَتِي يَسْتَعْمِلُهَا الرَاعِي لِصَدِّ الْحَيَوانَاتِ الْمُفْتَرِسَةِ، أَوْ حَتَّى السَارِقِ الَذِي يَأْتِي مُحَاوِلًا سَرِقَةَ الْخِرَافِ. إِذًا، هُنَا، تَطَلَّعَ دَاوُدُ إِلَى اللهِ عَلَى أَنَّهُ الرَاعِي الْعَظِيمُ، وَقَالَ لَهُ: "يَا رَبُّ عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ يُعَزِّيَانِنِي، لأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ قُوَّتَكَ مَوْجُودَةٌ لِتَحْمِيَنِي. وَحَتَّى إِنْ سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَجْتَازَهُ وَحْدِي".

مَرَّةً أُخْرَى، عَلَيْنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ أَنَّ اللهَ لَمْ يَعِدْ شَعْبَهُ أَبَدًا بِأَنَّهُمْ لَنْ يَمُرُّوا فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ. سَنَدْخُلُ جَمِيعًا عَبْرَ ذَلِكَ الوَادِي فِي مَرْحَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ. لَكِنَّ الْوَعْدَ الأَسَاسِيَّ الَذِي يَقْطَعُهُ اللهُ لِشَعْبِهِ هُوَ أَنَّهُ لَنْ يُرْسِلَنَا أَبَدًا إِلَى هُنَاكَ وَحْدَنَا. وَلا يُمْكِنُنِي تَخَيُّلُ أَيِّ مَكانٍ قَدْ أَشْعُرُ فِيهِ بِالرُعْبِ إِنْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ مَعِي. إِذًا، هَذَا هُوَ رَجَاؤُنَا كَمُؤْمِنينَ، وَهُوَ أَنَّهُ يُمْكِنُنَا الاتِّكَالُ عَلَى وُجُودِ الرَاعِي الأَعْظَمِ لِنُفُوسِنَا مَعَنَا أَيًّا تَكُنِ الظُرُوفُ. يَا لَهُ مِنْ تَشْبِيهٍ رَائِعٍ! يَا لَهُ مِنْ أَمْرٍ رَائِعٍ أَنَّ دَاوُدَ، الَذِي هُوَ، وَكَمَا ذَكَرْتُ، الْمَلِكُ الرَاعِي، الَذِي يَتَنَبَّأُ بِمَجِيءِ ابْنِهِ الأَعْظَمِ الَذِي هُوَ تَجَسُّدُ الرَاعِي الإِلَهِيِّ، وَتَجَسُّدُ ذَاكَ الَذِي يُمَجِّدُهُ دَاوُدُ فِي الْمَزْمُورِ 23، ذَاكَ الَذِي هُوَ حَقًّا الرَاعِي الصَالِحُ.

وَالآنَ، فَلْنَرْجِعْ إِلَى إِنْجِيلِ يُوحَنَّا وَنَقْرَأُ مِنْ جَدِيدٍ. نَحْنُ فِي الْبِدَايَةِ حَيْثُ يَقُولُ يَسُوعُ "أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ"، لاحِظُوا أَنَّ أَوَّلَ أَمْرٍ يَفْعَلُهُ هُنَا هُوَ الْمُقَارَنَةُ بَيْنَ الرَاعِي الصَالِحِ وَالأَجِيرِ. وَالْفَرْقُ هُوَ الآتِي: الرَاعِي الصَالِحُ يَمْلِكُ الْخِرَافَ. كَانَتِ الْخِرَافُ مُلْكَهُ. وَكَانَ يَجْنِي رِزْقَهُ مِنَ الْخِرَافِ. وَكَانَ مُلْتَزِمًا بِالاهْتِمَامِ بِالْخِرَافِ. أَمَّا الأَجِيرُ فَهُوَ شَخْصٌ تَسْتَخْدِمُهُ وَيَتَقَاضَى أَجْرَهُ بِالسَاعَةِ، تُوَظِّفُهُ لِفَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ لِيَعْتَنِيَ بِالْخِرَافِ، لَكِنْ لَيْسَتْ لَدَيْهِ فَائِدَةٌ مُكْتَسَبَةٌ مِنَ الْخِرَافِ. فَهُوَ لا يَمْلِكُ الْخِرَافَ. وَلَيْسَتْ لَدَيْهِ أَيُّ عَاطِفَةٍ تُجَاهَهَا. وَلَمْ يَكُنْ يَهْتَمُّ أَسَاسًا بِرَفَاهِيَةِ الْخِرَافِ. وَهَكَذَا أَمَامَ ظُهُورِ أَوَّلِ عَلامَةٍ عَلَى وُجُودِ مُشْكِلَةٍ، عِنْدَمَا يَأْتِي الْحَيَوانُ، عِنْدَمَا يَأْتِي الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ وَالْمُفْتَرِسُ، أَوْ عِنْدَمَا يَأْتِي السَارِقُ، يَهْرُبُ الأَجِيرُ. لَكِنَّ مَا يَقُولُهُ يَسُوعُ هُوَ "لَيْسَ هَذَا مَا أَفْعَلُهُ مَعَ خِرَافِي. لأَنِّي أَنَا الرَاعِي الصَالِحُ، وَالرَاعِي الصَالِحُ يُدَافِعُ عَنْ خِرَافِهِ حَتَّى الْمَوْتِ". وَيَقُولُ يَسُوعُ هُنَا، مُتَنَبِّئًا عَنِ الصَلِيبِ "أَنَا أَبْذُلُ نَفْسِي عَنْ خِرَافِي". لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَرَّةَ الأُولَى أَوِ الْوَحِيدَةَ الَتِي يَقُولُ فِيهَا يَسُوعُ ذَلِكَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. وَمُجَدَّدًا، هُوَ يُوَضِّحُ فِي مَكَانٍ آخَرَ أَنَّهُ عِنْدَمَا يَبْذُلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرافِ بِصِفَتِهِ الرَاعِي الصَالِحَ، فَهُوَ يُوَضِّحُ تَمَامًا أَنَّ مَا مِنْ أَحَدٍ يَأْخُذُ حَيَاتَهُ مِنْهُ.

تَذَكَّرُوا كَيْفَ تَعَرَّضَ لِلسُخْرِيَةِ حِينَ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى الصَلِيبِ. قَالُوا لَهُ: "خَلَّصْتَ آخَرِينَ وَالآنَ خَلِّصْ نَفْسَكَ، انْزِلْ عَنِ الصَلِيبِ"، وَكَانَ يَسُوعُ يَعْلَمُ أَنَّ جُيُوشًا مِنَ الْمَلائِكَةِ كَانَتْ تَحْتَ تَصَرُّفِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ رَدَّ عَلَى تِلْكَ السُخْرِيَةِ لاسْتَطَاعَ اسْتِدْعَاءَ السَمَاءِ بِأَسْرِهَا وَقَتْلَ الْجَمِيعِ عِنْدَ أَقْدَامِ الصَلِيبِ. لَكِنْ آنَئِذٍ، مَا كَانَ لِيُحَافِظَ عَلَى دَعْوَتِهِ. وَمَا كانَ لِيُحَقِّقَ مَا دُعِيَ لأَجْلِهِ. وَمَا كَانَ لِيَمُوتَ. تَذَكَّرُوا تِلْكَ الْحَادِثَةَ، حِينَ أَرْسَلُوا جَمِيعَ الْحُرَّاسِ لِيُمْسِكُوا بِهِ وَيَقْبِضُوا عَلَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ ساعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ. فَمَرَّ مِنْ بَيْنِهِمْ وَلَمْ يَمُدَّ أَحَدٌ يَدَهُ عَلَيْهِ. وَهُوَ لَمْ يَمُتْ إِلَّا عِنْدَمَا حَانَتْ سَاعَةُ مَوْتِهِ، حَتَّى إِنَّهُ قَالَ لِمَنْ قَبَضُوا عَلَيْهِ "لا سُلْطَانَ لَكُمْ عَلَيَّ إِلَّا مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ إِيَّاه". وَأَوْضَحَ أَنَّ حَتَّى مَمَاتَهُ كَانَ ذَبِيحَةً طَوْعِيَّةً. إِنَّهُ هُوَ مَنْ بَذَلَ حَيَاتَهُ. لِمَاذَا؟ لَيْسَ لأَجْلِ مَصْلَحَتِهِ الْخَاصَّةِ بَلْ لأَجْلِ خِرَافِهِ. وَخِرَافُهُ هُمُ الأَشْخَاصُ الَذِينَ أَعْطَاهُ إِيَّاهُمُ الآبُ. وَهُوَ قَالَ "أَنَا أَعْرِفُهَا بِأَسْمائِهَا. وَهِيَ تَعْرِفُنِي". هِيَ تَعْرِفُ صَوْتِي.

مَرَّةً أُخْرَى، أَعْلَنَ يَسُوعُ هَذَا الأَمْرَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، حَتَّى عِنْدَمَا كَانَ يَخْضَعُ لِلْمُحَاكَمَةِ أَمَامَ بِيلاطُسَ الْبُنْطِي، وَسَأَلَهُ بِيلاطُسُ عَنْ زَعْمِهِ أَنَّهُ مَلِكٌ. وَقَالَ يَسُوعُ "لِهَذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي". خِرَافِي تَعْرِفُنِي، خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي. خِرَافِي الَتِي هِيَ خَاصَّتِي هِيَ تِلْكَ الَتِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا الآبُ، وَهِيَ تَتْبَعُنِي لأَنِّي أَبْذُلُ حَيَاتِي لأَجْلِهَا، وَقَالَ:

وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ رَاعِيًا، الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلًا وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ. فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا. وَالأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَافِ. أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ. وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ.

وَالآنَ، دَعُونِي أَتَوَقَّفُ هُنَا قَلِيلًا. فِي هَذِهِ الْمُحَادَثَةِ، قَالَ يَسُوعُ كَلامًا أَثَارَ غَضَبَ الْفَرِّيسِيِّينَ الَذِينَ كَانُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، حِينَ قَارَنَ الْعَلاقَةَ بَيْنَ الرَاعِي الصَالِحِ وَالْخِرَافِ، وَكَيْفَ أَنَّ الرَاعِي يَعْرِفُ خِرَافَهُ وَيُحِبُّهَا، وَالْخِرَافُ تَعْرِفُ الرَاعِي وَتُحِبُّهُ. شَبَّهَ ذَلِكَ بِعَلاقَتِهِ بِالآبِ. الآبُ يَعْرِفُنِي مِثْلَمَا يَعْرِفُ الرَاعِي الصَالِحُ خِرَافَهُ. وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. ثُمَّ قَامَ بِهَذَا الإِعْلانِ الْمُبْهَمِ "وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ". تَذَكَّرُوا أَنِّي أَخْبَرْتُكُمْ فِي إِطَارِ كَلامِي عَنِ الإِعْلانِ "أَنَا هُوَ الْبَابُ"، أَنَّ الْحَظِيرَةَ الْكَبِيرَةَ كَانَتْ تَتَضَمَّنُ أَكْثَرَ مِنْ قَطِيعٍ وَاحِدٍ، وَأَكْثَرَ مِنْ راعٍ وَاحِدٍ. وَلِأَنَّ الرُعَاةَ كَانُوا يَعْرِفُونَ خِرَافَهُمْ، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الأَخِيرَةُ تَخْتَلِطُ وَتَضِيعُ بَيْنَ ذَلِكَ الْعَدَدِ الْكَبِيرِ مِنَ الْخِرَافِ فِي الْحَظِيرَةِ الْمَوْجُودَةِ هُنَاكَ. لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ "وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَظِيرَةِ".

رَأَيْتُ شَتَّى أَنْوَاعِ التَفْسِيرَاتِ لِهَذَا الْمَقْطَعِ وَالْبَعْضُ مِنْهَا غَرِيبٌ جِدًّا. سَمِعْتُ مُنَاقَشَةً لِهَذَا الْمَقْطَعِ تَعْتَبِرُهُ بُرْهَانًا عَلَى وُجُودِ كَائِنَاتٍ فَضَائِيَّةٍ، وَأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ جَاءَ يَسُوعُ لِيُخَلِّصَ شَعْبَهُ عَلَى الأَرْضِ ذَهَبَ إِلَى كَوَاكِبَ أُخْرَى أَوْ إِلَى نُجُومٍ أُخْرَى، وَجَمَعَ شَعْبَهُ هُنَاكَ مِنْ تِلْكَ الأَمَاكِنِ الأُخْرَى وَضَمَّهُمْ إِلَى الْقَطِيعِ الْكَبِيرِ. لا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا مَا يَقْصِدُهُ هُنَا. أَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ السَهْلِ تَمْيِيزُ مَا يَتَكَلَّمُ عَنْهُ يَسُوعُ حِينَ يَتَوَجَّهُ إِلَى جُمْهُورٍ مِنَ الْيَهُودِ. إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ مُعْضِلَةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَعَنْ كَوْنِ خِرَافِ اللهِ غَيْرَ مَحْصُورَةٍ بِإِسْرَائِيلَ، بَلْ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ وَقَبِيلَةٍ وَأُمَّةٍ جَمَعَ يَسُوعُ خِرَافَهُ. وَهُوَ يَأْتِي بِخِرَافٍ مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ وَمُتَّقِي الرَبِّ وَالسَامِرِيِّينَ إِلَى جَسَدِهِ، الْكَنِيسَةِ. حَيْثُ يُوجَدُ ضِمْنَ كَنِيسَتِهِ قَطِيعٌ وَاحِدٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ، وَلا يُوجَدُ رَاعٍ مُخْتَلِفٌ لِلأُمَمِ، كَمَا لا يُوجَدُ رَاعٍ مُخْتَلِفٌ لِلسَامِرِيِّينَ، بَلْ يُوجَدُ قَطِيعٌ وَاحِدٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ وَالْكُلُّ يَنْتَمِي إِلَى اللهِ.

الْيَوْمَ الْمَاضِي، اسْتَمَعْتُ إِلَى إِعَادَةِ بَثٍّ لِبَرْنَامَجٍ إِذَاعِيٍّ لِلدُكْتُورِ الْعَظِيمِ الرَاحِلِ جَايْمْس مُونْتِجُومْرِي بُويْس، وَكانَ جِيم يَتَكَلَّمُ فِي تِلْكَ الْمُحَاضَرَةِ عَنْ مَيْلِنَا كَمَسِيحِيِّينَ إِلَى الظَنِّ أَنَّ الطَرِيقَ الْوَحِيدَ الَذِي يُسِرُّ اللهَ هُوَ طَرِيقُنَا نَحْنُ. وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِعَمَلِ الْمَلَكُوتِ عَلَى طَرِيقَتِنا فَرُبَّمَا أَنْتَ لَسْتَ فِي الْمَلَكُوتِ. وَفِي حِينِ لا أَحَدَ بَيْنَنَا اسْتَوْعَبَ أُمُورَ اللهِ وَفَهِمَهَا بِشَكْلٍ كَامِلٍ، عِنْدَمَا نَرَى شَخْصًا فِي كَنِيسَةٍ أُخْرَى أَوْ فِي خِدْمَةٍ مُخْتَلِفَةٍ عَنْ خِدْمَتِنَا يَفْعَلُ أُمُورًا مُخْتَلِفَةً قَلِيلًا عَنْ طَرِيقَةِ قِيَامِنَا بِهَا، عِنْدَمَا نَقُومُ بِعَمَلِ الْمَسِيحِ، مَاذَا يُفْتَرَضُ بِنَا أَنْ نَفْعَلَ؟ يُفْتَرَضُ بِنَا أَنْ نَفْرَحَ بِذَلِكَ. لَيْسَ هَذَا نَوْعًا مِنَ المَسْكونيَّةِ، حَيْثُ نَقُولُ إِنَّهُ لا تُوجَدُ أَيُّ فُرُوقٍ وَلا يَهُمُّ مَا تُؤْمِنُ بِهِ. أَنَا لا أَقُولُ ذَلِكَ. بَلْ أَقُولُ إِنَّهُ عَلَى الرُغْمِ مِنْ تَمَسُّكِنا بِمَا نُؤْمِنُ بِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ لا يَزَالُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْنَا الاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ بَيْنَ الْمَسِيحِيِّينَ الْحَقِيقِيِّينَ تُوجَدُ شَتَّى أَنْوَاعِ الأَسَالِيبِ وَالأَنْظِمَةِ وَالْخِدْماتِ وَالاهْتِمَامَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَهِيَ لا تَتَطَابَقُ دَائِمًا مَعَ طَرِيقَتِنَا، لَكِنَّنَا جَمِيعًا فِي الْمَسِيحِ. نَحْنُ جَمِيعًا جُزْءٌ مِنَ الْقَطِيعِ نَفْسِهِ، وَنَحْنُ نَتَطَلَّعُ إِلَى الرَاعِي الصَالِحِ، وَهُوَ يَقُودُ خَطَوَاتِنَا.

ثُمَّ قَالَ فِي الآيَةِ 17 "لِهَذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضًا. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا". هَا هُوَ يُشِيرُ مُجَدَّدًا إِلَى ذَلِكَ الْهَيْكَلِ الَذِي سَيَبْنِيهِ مَرَّةً أُخْرَى خِلالَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ أَنْ يَتِمَّ تَدْمِيرُهُ. قَالَ: "سَأَضَعُ نَفْسِي. وَسَأَمُوتُ لَكِنِّي سَأَقُومُ مِنْ جَدِيدٍ". مَن فَهِمَ الْكَلِمَاتِ الَتِي كَانَ يَقُولُهَا هُنَا أَثْنَاءَ قَوْلِهِ إِيَّاهَا؟ لَكِنْ مَنْ مِنَ الَذِينَ كَانُوا مَوْجُودِينَ هُنَاكَ لَمْ يُفَكِّرْ فِي تِلْكَ الأُمُورِ فِي أَحَدِ الْقِيَامَةِ؟ "لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي". قِيلَ لَنَا فِي مَكَانٍ آخَرَ إِنَّ يَسُوعَ هُوَ أُسْقُفُ وَرَاعِي نُفُوسِنَا. هَذِهِ هِيَ دَعْوَةُ اللهِ لِلْمَسِيحِ، وَهِيَ أَنَّهُ ابْنُ اللهِ، وَبِصَفِتِهِ ابْنَ اللهِ، جَعَلَهُ اللهُ مَسْؤُولًا عَنْ نُفُوسِنَا وَمَنَحَهُ سُلْطَانًا عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّهُ رَاعِي نُفُوسِنا. إِذًا هُوَ قَالَ "هَذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي". ثُمَّ إِلَيْكُمْ مَا حَدَثَ "فَحَدَثَ أَيْضًا انْشِقَاقٌ بَيْنَ الْيَهُودِ بِسَبَبِ هَذَا الْكلاَم. فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ: بِهِ شَيْطَانٌ وَهُوَ يَهْذِي. لِمَاذَا تَسْتَمِعُونَ لَهُ؟ آخَرُونَ قَالُوا: لَيْسَ هَذَا كلاَمَ مَنْ بِهِ شَيْطَانٌ. أَلَعَلَّ شَيْطَانًا يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَحَ أَعْيُنَ الْعُمْيَانِ؟" هَذَا تَفْكِيرٌ صَحِيحٌ، الشَيْطَانُ لا يَمْلِكُ هَذَا السُلْطَانَ. وَهُمْ قَالُوا: "مَهْلًا، لَقَدْ أَثْبَتَ لِلتَوِّ أَنَّهُ هُوَ الرَاعِي الصَالِحُ عَبْرَ شِفَائِهِ ذَلِكَ الْخَرُوفَ الأَعْمَى مُنْذُ الْوِلادَةِ".

قَبْلَ أَنْ يَنْطَلِقَ يَسُوعُ، وَفِي إِحْدَى مُحَادَثَاتِهِ الأَخِيرَةِ مَعَ تَلامِيذِهِ بَعْدَ الْقِيَامَةِ، الْتَقَى بُطْرُسَ وَسَأَلَهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ "أَتُحِبُّنِي يَا بُطْرُسُ؟" وَفِي الْمَرَّاتِ الثَلاثِ أَجَابَهُ بُطْرُسُ "نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ". وَفِي الْمَرَّاتِ الثَلاثِ، قَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ، وَامْتِدادًا لِكَنِيسَةِ الْعُصُورِ كُلِّهَا، "إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي، ارْعَ خِرَافِي". هِيَ لَيْسَتْ خِرَافَ بُطْرُسَ، وَلا خِرَافِي أَنَا، إِنَّهَا خِرَافُهُ هُوَ. وَنَحْنُ مَدْعُوُّونَ لِلسَيْرِ عَلَى خُطَى الرَاعِي الصَالِحِ.