المحاضرة 9: بُولُسُ مُقَابِلَ يَعْقُوبَ

فِي عَصْرِ الْإِصْلَاحِ الْبُرُوتِسْتَانْتِيِّ، لَمْ يَسْتَسْلِمِ الْمُجْتَمَعُ الْكَاثُولِيكِيُّ وَلَمْ يَخْضَعْ لِلُوثَرَ وَالْمُصْلِحِينَ. إِذْ حَمَلُوا رَدًّا عَلَى التَشْدِيدِ عَلَى أَنَّ التَبْرِيرَ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ دُونَ أَيَّةِ إِشَارَةٍ إِلَى الْأَعْمَالِ، وَوَجَدُوا ضَالَّتَهُمْ تِلْكَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ نَفْسِهِ، وَبِالتَحْدِيدِ فِي رِسَالَةِ الرَسُولِ يَعْقُوبَ. سَأَقْرَأُ نَصًّا صَغِيرًا مِنَ الْأَصْحَاحِ 2 مِنْ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، وَهُوَ النَصُّ الَذِي تَمَّ الِاسْتِشْهَادُ بِهِ فِي أَكْثَرِ مِنْ حَدَثٍ لَاحِقًا فِي الدَوْرَةِ السَادِسَةِ مِنْ مَجْمَعِ تَرِينتْ، فِي أَثْنَاءِ رَدِّ الْكَاثُولِيكِ عَلَى الْبُرُوتِسْتَانْتْ.

سَنَقْرَأُ مِنَ الآيَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الأَصْحَاحِ الثَانِي "أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالْأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ فَتَرَى أَنَّ الْإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالْأَعْمَالِ أُكْمِلَ الْإِيمَانُ، وَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: "فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا". وَدُعِيَ خَلِيلَ اللهِ. تَرَوْنَ إِذًا أَنَّهُ بِالْأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ الْإِنْسَانُ، لَا بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ".

ثُمَّ فِي الآيَةِ 25: "كَذَلِكَ رَاحَابُ الزَّانِيَةُ أَيْضًا، أَمَا تَبَرَّرَتْ بِالْأَعْمَالِ، إِذْ قَبِلَتِ الرُّسُلَ وَأَخْرَجَتْهُمْ فِي طَرِيقٍ آخَرَ؟" أَمَامَنَا هُنَا إِعَلانٌ صَرِيحٌ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِأَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالأَعْمَالِ لا بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. قَدْ تَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الْوَحِيدَةَ سَتُعَدُّ الضَرْبَةَ الْقَاضِيَةَ لِلْعَقِيدَةِ الَتِي قَالَ لُوثَرُ إِنَّهَا الْعَقِيدَةُ الَتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْكَنِيسَةُ أَوْ تَسْقُطُ.

إِذَنْ، كَيْفَ نُوَفِّقُ بَيْنَ مَا يُعَلِّمُهُ بُولُسُ فِي رِسَالَةِ رُومِيَةَ وَمَا يُعَلِّمُهُ يَعْقُوبُ فِي رِسَالَتِهِ هَذِهِ؟ يَظُنُّ الْبَعْضُ أَنَّهَا مُهِمَّةٌ مُسْتَحِيلَةٌ، إِذْ لَا يُمْكِنُ التَوْفِيقُ بَيْنَهُمَا. كَمَا يُحِيطُ جَدَلٌ تَارِيخِيٌّ حَوْلَ أَيِّ الرِسَالَتَيْنِ دُوَّنَتْ أَوَّلًا، رِسَالَةُ يَعْقُوبَ أَمْ رِسَالَةُ رُومِيَةَ. رَكَّزَ هَذَا السُؤَالُ عَلَى مُحَاوَلَةِ فَهْمِ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَنْشَأَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْكَنِيسَةِ الْأُولَى. يُجَادِلُ الْبَعْضُ بِأَنَّ رِسَالَةَ رُومِيَةَ ظَهَرَتْ قَبْلَ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، لِذَا كَتَبَ يَعْقُوبُ رِسَالَتَهُ لِإِنْكَارِ مَا عَلَّمَهُ بِوَلُسُ وَدَحْضِهِ. إِنَّمَا آخَرُونَ يَقُولُونَ: "لَا، ظَهَرَتْ رِسَالَةُ يَعْقُوبَ قَبْلَ رِسَالَةِ رُومِيَةِ، وَكَانَ بُولُسُ يُحَاوِلُ دَحْضَ تَعَالِيمِ يَعْقُوبَ". فَنَحْنُ أَمَامَ جَمَاعَةٍ مُنْقَسِمَةٍ حَوْلَ هَذَا السُؤَالِ تَارِيخِيًّا حَوْلَ مَنْ كَانَ يُحَاوِلُ دَحْضَ تَعْلِيمِ مَنْ. بَيْنَمَا التَعْلِيمُ الْقَوِيمُ الْقَدِيمُ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ أَيٌّ مِنْهُمَا يُحَاوِلُ دَحْضَ الْآخَرِ، وَإِنَّ الرَّأْيَيْنِ لَيْسَا مُتَنَاقِضَيْنِ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُمَا يَبْدُوَانِ كَذَلِكَ ظَاهِرِيًّا. فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُهِمَّةٌ لِلْغَايَةِ إِذْ تَسْتَوْجِبُ فَلْسَفَةَ النَظْرَةِ الثَانِيَةِ.

يَتَفاقَمُ جُزْءٌ مِنْ الْمُشْكِلَةِ بِسَبَبِ حَقِيقَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ يَعْقُوبَ وَبُولُسَ يَسْتَخْدِمَانِ الْكَلِمَةَ الْيُونَانِيَّةَ عَيْنَهَا لِلتَبْرِيرِ (dikaiosune). لَكِنْ مِنَ الْجَيِّدِ أَنْ نُدْرِكَ أَنَّهُمَا يَسْتَخْدِمَانِ كَلِمَاتٍ مُخْتَلِفَةً وَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهُ كَانَتْ فِي ذِهْنَيْهِمَا أَفْكَارٌ مُخْتَلِفَةٌ. لِلْأَسَفِ، إِذَا كُنَّا نُحَاوِلُ التَوْفِيقَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ، فَقَدِ اسْتَخْدَمَ كِلَاهُمَا الْكَلِمَةَ عَيْنَهَا. تَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ أَكْثَرَ تَعْقِيدًا عِنْدَمَا نَرَى أَنَّ كِلَيْهِمَا يَتَّخِذُ الشَخْصَ عَيْنَهُ مِثَالًا لِإِثْبَاتِ وُجْهَتَيْ نَظَرَيْهِمَا. يُبْرِزُ بُولُسُ نُقْطَةَ أَبَوِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّرَ بِالْإِيمَانِ وَحُسِبَ بَارًّا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ بِأَيِّ عَمَلٍ؛ أَيْ قَبْلَ أَنْ يُخْتَتَنَ وَقَبْلَ أَنْ يُقَدِّمَ إِسْحَاقَ عَلَى الْمَذْبَحِ. أَيْ أَنَّ بُولُسَ قَدْ اعْتَبَرَ إِبْرَاهِيمَ بَارًّا فِي الْأَصْحَاحِ 15 مِنْ سِفْرِ التَكْوِينِ، فِي حِينِ يَعْقُوبُ لَمْ يَعْتَبِرْ إِبْرَاهِيمَ بَارًّا حَتَّى الْأَصْحَاحِ 22، الْأَصْحَاحِ الَذِي يُسَجِّلُ تَقْدِيمَهُ لِابْنِهِ إِسْحَاقَ عَلَى الْمَذْبَحِ.

وَعَلَى نَحْوٍ يُعَقِّدُ الْمَسْأَلَةَ، كَانَ هَذَا أَحَدَ الْأُمُورِ الَتِي دَفَعَتْ لُوثَرَ إِلَى الشَكِّ فِي قَانُونِيَّةِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، عِنْدَمَا قَالَ فِي الْبِدَايَةِ إِنَّ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ "رِسَالَةٌ مِنْ الْقَشِّ" أَوْ بِتَرْجَمَةٍ أُخْرَى "رِسَالَةُ قَشٍّ فِي صَمِيمِهَا"، وَلَكِنَّهُ تَابَ فِيمَا بَعْدُ عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ. وَلَكِنْ لِكَوْنِهِ رَفَضَ فِي مَرْحَلَةٍ مَا قَانُونِيَّةَ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ، اسْتَغَلَّتْ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ اللَّاهُوتِ هَذَا الرَّفْضَ مُحَاوِلِينَ إِظْهَارَ أَنَّ لُوثَرَ نَفْسَهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِعِصْمَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. حَسَنًا، لَوَثَرُ كَانَ يُؤْمِنُ بِعِصْمَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. إِذْ قَالَ: "الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ لَا يُخْطِئُ أَبَدًا"، لَكِنَّهُ كَانَ مُتَشَكِّكًا مَا إِذَا كَانَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ يَشْمَلُ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ، لَكِنْ نُنَاقِشُ هَذَا الْأَمْرَ فِي يَوْمٍ آخَرَ.

عَلَى أَيِّ حَالٍ، نَرَى أَنَّهُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ اسْتِخْدَامِ كُلٍّ مِنْ يَعْقُوبَ وَبُولُسَ لِلْكَلِمَةِ عَيْنِهَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى التَبْرِيرِ (dikaiosune)، نَجِدُ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْ مَعْنًى. فَأَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي الَتِي أَنَا عَلَى يَقِينٍ أَنَّكُمْ عَلَى دِرَايَةٍ بِهَا، نَجِدُهَا عِنْدَمَا قَالَ الرَبُّ يَسُوعُ فِي الْأَنَاجِيلِ "الْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنِيهَا"، فَمِنْ الْوَاضِحِ فِي هَذَا التَصْرِيحِ الْخَاصِّ أَنَّ الْكَلِمَةَ الْمُسْتَخْدَمَةَ هُنَا لَا تَعْنِي أَنَّ الْحِكْمَةَ تَتَصَالَحُ مَعَ إِلَهٍ قُدُّوسٍ بِبَرٍّ مُحْتَسَبٍ تَكْتَسِبُهُ الْحِكْمَةُ بِإِنْجَابِ الْأَطْفَالِ. لَا، إِنَّهُ يُوَضِّحُ بِبَسَاطَةٍ أَنَّ مَا تَدَّعِي بِأَنَّهَا حِكْمَةٌ تُظْهِرُ حَقِيقَتَهَا بِثَمَرِهَا؛ مَا يُعَدُّ أَحَدَ مَبَادِئِ الْحِكْمَةِ الَتِي تَشْمَلُهَا أَسْفَارُ الْحِكْمَةِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَلِلْعِلْمِ، يَقُولُ كَثِيرُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ إِنَّهُ مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْأَسْفَارِ الَتِي تُعَدُّ أَسْفَارَ الْحِكْمَةِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لَا يَقْتَصِرُ الْأَمْرُ عَلَى أَسْفَارِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مِنْ الْمَزَامِيرِ وَالْأَمْثَالِ وَالْجَامِعَةِ وَأَيُّوبَ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْقَائِمَةَ تَشْمَلُ رِسَالَةَ يَعْقُوبَ مِنَ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ لِأَنَّ الْعَدِيدَ مِنَ الصِيَغِ الْأَدَبِيَّةِ الَّتِي تَجِدُهَا فِي أَسْفَارِ الْحِكْمَةِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ تَحْمِلُهَا أَيْضًا رِسَالَةُ يَعْقُوبَ.

وَالْآنَ، بِالْمَعْنَى الَذِي اسْتَخْدَمَهُ الرَبُّ يَسُوعُ فِي قَوْلِهِ "الْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنِيهَا"، فَهَذَا الْفِعْلُ "تَبَرَّرَتْ" يُثْبُتُ أَوْ يُظْهِرُ حَقِيقَةَ شَيْءٍ مَا. إِذَا قُلْتُ لَكُمْ بِاسْتِطَاعَتِي الرَكْضُ لِمَسَافَةِ مِيْلٍ فِي أَقَلِّ مِنْ 4 دَقَائِقَ، فَلَا أَتَوَقَّعُ أَنْ تُصَدِّقُوا ذَلِكَ. وَسَتَرْغَبُونَ فِي رُؤْيَةِ ذَلِكَ لِتُصَدِّقُوا، حَامِلِينَ سَاعَةَ تَوْقِيتٍ فِي أَيْدِيكُمْ. فِي الْوَاقِعِ، الطَرِيقَةُ الْوَحِيدَةُ الَتِي يُمْكِنُنِي بِهَا إِثْبَاتُ تَصْرِيحِي لَكُمْ هِيَ إِظْهَارُ ذَلِكَ بِالرَكْضِ لِمَسَافَةِ مِيلٍ فِي أَقَلَّ مِنْ 4 دَقَائِقَ. لِذَا، إِذَا قُلْتُ لَكُمْ بِاسْتِطَاعَتِي الرَكْضُ لِمَسَافَةِ مِيلٍ فِي أَقَلَّ مِنْ 4 دَقَائِقَ، مَا دُمْتُ لَا أُحَاوِلُ الْقِيامَ بخُدْعَةٍ، مِنْ الْحِكْمَةِ أَلَّا تُصَدَّقُوا ادِّعَائِي. فِي الْوَاقِعِ، إِذَا قُلْتُ لَكُمْ "بِاسْتِطَاعَتِي الرَّكْضُ لِمَسَافَةِ مِيلٍ، وَأَنْهَيْتُ ادِّعَائِي"، لَا أَعْتَقِدُ أَنَّنِي سَأَسْتَطِيعُ تَبْرِيرَ هَذَا الِادِّعَاءِ أَيْضًا. وَعَلَيْهِ، هُنَاكَ مَعْنًى تُسْتَخْدَمُ فِيهِ كَلِمَةُ "بَرِّرْ" لِإِثْبَاتِ حَقِيقَةِ الِادِّعَاءِ.

عِنْدَمَا كُنْتُ أُدَرِّسُ الْفَلْسَفَةَ فِي الْجَامِعَةِ، كُنْتُ أُدَرِّسُ تَارِيخَ الْفَلْسَفَةِ وَكُنَّا نَسْتَعْرِضُ الْعَدِيدَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ لِدِرَاسَةِ فِكْرِهِمْ، بَدَا الْأَمْرُ وَكَأَنَّ الطُلَّابَ يَجِبُ أَنْ يَتَحَلَّوْا بِنَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ التَفْكِيرِ لِيَتَعَامَلُوا جَيِّدًا مَعَ الْفَلْسَفَةِ. كَانَ تَفْكِيرُهُمْ يَافِعًا، وَكَانَ الطُلَّابُ يُعَانُونَ، الطُلَّابَ الْمُتَفَوِّقُونَ فِي دَوْرَاتٍ أُخْرَى كَانُوا يُوَاجِهُونَ مُشْكِلَاتٍ فِي الْفَلْسَفَةِ. كُنْتُ أُحَاوِلُ مَنْحَهُمْ تَلْمِيحَاتٍ بَسِيطَةً لِمُسَاعَدَتِهِمْ عَلَى فَهْمِ عَمَلِ فَيْلَسُوفٍ مُعَيَّنٍ فَكُنْتُ أَقُولُ: "مَا عَلَيْكَ الْقِيَامُ بِهِ أَوَّلًا هُوَ طَرْحُ السُؤَالِ التَالِي وَاكْتِشَافُ إِجَابَتِهِ "مَا الْمُعْضِلَةُ الَتِي يُحَاوِلُ الْفَيْلَسُوفُ حَلَّهَا؟ وَلِمَاذَا؟" إِذَا كُنْتَ تَعْرِفُ سَبَبَ مُحَاوَلَةِ دِيكَارْتْ إِيجَادَ فِكْرَةٍ وَاضِحَةٍ وَمُمَيَّزَةٍ، يُمْكِنُكَ اتِّبَاعُ مَنْطِقِهِ وَالتَوَصُّلُ إِلَى نَتِيجَةٍ وَاضِحَةٍ".

فَأُرِيدُ تَطْبِيقَ الْمَبْدَأِ عَيْنِهِ عَلَى هَذَا السُؤَالِ الشَائِكِ بِشَأْنِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ بُولُسَ وَيَعْقُوبَ. لِفَهْمِ يَعْقُوبَ فِي الْأَصْحَاحِ 2 مِنْ رِسَالَتِهِ، عَلَيْنَا طَرْحُ سُؤَالِ: "مَا الْمُعْضِلَةُ الَتِي يُحَاوِلُ حَلَّهَا؟ مَا السُؤَالُ الَذِي يُحَاوِلُ الإِجَابَةَ عَنْهُ؟" وَأَعْتَقِدُ أَنَّ إِجَابَةَ سُؤَالِي هُنَا تَبْدَأُ فِي الْآيَةِ 14 مِنَ الْأَصْحَاحِ 2 إِذْ كَتَبَ يَعْقُوبُ: "مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الْإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟" فَالسُّؤَالُ الَذِي يَطْرَحُهُ يَقُولُ: "مَا فَائِدَةُ الْإِيمَانِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَدَيْكَ أَيُّ أَعْمَالٍ؟ مَا الْمَنْفَعَةُ مِنْ ذَلِكَ؟" أَيْ هُوَ يَتَعَامَلُ مَعَ مَسْأَلَةِ الْأَشْخَاصِ الَذِينَ يَعْتَرِفُونَ بِالْإِيمَانِ، لَكِنَّهُمْ لَا يُظْهِرُونَ أَيَّ ثِمَارٍ لَهُ.

فِي عَصْرِنَا هَذَا، مِئَاتُ الْآلَافِ إِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَلَايِينُ مِنَ النَاسِ فِي أَمْرِيكَا يَعْتَرِفُونَ بِالْإِيمَانِ، وَلَكِنْ لا يُظْهِرُونَ أَبَدًا حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ الَذِي يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَمْتَلِكُونَهُ. هَذَا هُوَ السُؤَالُ الَذِي يُجِيبُ عَنْهُ يَعْقُوبُ. لَيْسَ السُؤَالَ ذَاتَهُ الَذِي طَرَحَهُ بُولُسُ. لِأَنَّ بُولُسَ سَأَلَ قَائِلًا: "كَيْفَ لِإِنْسَانٍ فَاجِرٍ الْوُقُوفُ فِي مَحْضَرِ إِلَهٍ بَارٍّ وَقُدُّوسٍ؟" فَاهْتِمَامُهُ هُوَ التَبْرِيرُ أَمَامَ اللَّهِ، إِذْ يَقُولُ إِنَّنَا تَبَرَّرْنَا بِالْإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَامُوسِ. لَكِنْ هُنَا يَعْقُوبُ يَسْأَلُ: "مَاذَا عَمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ لَكِنَّهُ لَا يُبَرْهِنُ عَلَى ذَلِكَ؟" يَقُولُ: "إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الْإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟ إِنْ كَانَ أَخٌ وَأُخْتٌ عُرْيَانَيْنِ وَمُعْتَازَيْنِ لِلْقُوتِ الْيَوْمِيِّ، فَقَالَ لَهُمَا أَحَدُكُمُ: "امْضِيَا بِسَلَامٍ، اسْتَدْفِئَا وَاشْبَعَا"، وَلَكِنْ لَمْ تُعْطُوهُمَا حَاجَاتِ الْجَسَدِ، فَمَا الْمَنْفَعَةُ؟" مَا الْمَنْفَعَةُ مِنْ ذَلِكَ؟ "هَكَذَا" بَعْدَ هَذَا الْمَثَلِ التَوْضِيحِيِّ، "هَكَذَا الْإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ". لِذَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي النَصِّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِيمَانِ الْمَيِّتِ وَالْإِيمَانِ الْحَيِّ.

عِنْدَمَا قُوِّمَ لُوثَرُ بِسَبَبِ عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ وَسُئِلَ عَنْ هَذَا الْإِيمَانِ، كَمَا قُلْتُ قَبْلًا، هَلْ هَذَا يَعْنِي أَنْ تُؤْمِنَ فَحَسْبُ، وَتَحْيَا كَمَا يَحْلُو لَكَ؟ حَسَنًا، يُجِيبُ بُولُسُ عَنْ هَذَا السُؤَالِ عَيْنِهِ قَائِلًا: "حَاشَا!"، وَقَالَ لَوثَرُ بِدَوْرِهِ "التَّبْرِيرُ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ وَلَكِنْ لَيْسَ بِإِيمَانٍ يَظَلُّ وَحْدَهُ". ثُمَّ وَاصَلَ لُوثَرُ قَائِلًا إِنَّ الْإِيمَانَ الَذِي يُبَرِّرُ، إِيمَانٌ حَيٌّ (fides viva)، وَكُلٌّ مِنَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَمَا يُظْهِرُ ذَاتَهُ بِثَمَرِ الطَاعَةِ.

إِذَا أَخْبَرْتُكُمُ الْآنَ فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ أَنَّنِي أَتَمَتَّعُ بِإِيمَانٍ مُخَلِّصٍ، فَهَلْ تَصِيرُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ يَقِينًا لَدَيْكُمْ لِمُجَرَّدِ قَوْلِي إِنِّي أَتَمَتَّعُ بِهِ؟ هَلْ مِنْ أَحَدٍ هُنَا يَسْتَطِيعُ مَعْرِفَةَ قَلْبِي؟ بِالطَبْعِ لَا. فَالطَرِيقَةُ الْوَحِيدَةُ لِتَقْيِيمِ حَقِّ ادِّعَائِي بِمَعْرِفَةِ مَا إِذَا كُنْتُ أُظْهِرُهُ فِي حَيَاتِي. فَقَدْ قَالَ الرَبُّ يَسَوعُ لَنَا "مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ"، وَحَتَّى بِذَلِكَ بِمَقْدُورِنَا خِدَاعُ الْآخَرِينَ بِثِمَارٍ عَفِنَةٍ، ثِمَارٍ زَائِفَةٍ.

إِلَى مَتَى يَجِبُ أَنْ يَنْتَظِرَ اللَّهُ حَتَّى يَعْرِفَ مَا إِذَا كَانَ إِيمَانِي حَقِيقِيًّا؟ أَيَسْتَطِيعُ مَعْرِفَةَ قَلْبِي؟ نَعَمْ، لَيْسَ مُحْتَاجًا إِلَى الِانْتِظَارِ أُسْبُوعًا أَوْ أُسْبُوعَيْنِ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ قِرَاءَةِ خَمْسَةِ أَصْحَاحَاتٍ لِيَعْرِفَ مَا إِذَا كَانَ الْإِيمَانُ الَذِي أَعْتَرِفُ بِهِ حَقِيقِيًّا. فَلِذَا، أَعْتَقِدُ أَنَّهُ مِنْ الضَرُورِيِّ حَلُّ هَذِهِ الْمُشْكِلَةِ الَتِي أَمَامَنَا هُنَا، مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ يَعْقُوبَ وَبُولُسَ اسْتَعَانَا بِمِثَالِ إِبْرَاهِيمَ لِطَرْحِ قَضِيَّتِهِمَا، إِلَّا أَنَّهُمَا اسْتَعَانَا بِأَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ حَيَاتِهِ. يُوَضِّحُ بُولُسُ وُجْهَةَ نَظَرِهِ بِأَنَّنَا تَبَرَّرْنَا بِالْإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَامُوسِ بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْأَصْحَاحِ 15 حِينَ آمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللَّهِ، وَقَدْ حُسِبَ لَهُ ذَلِكَ بَرًّا. بَيْنَمَا يَعْقُوبُ يَطْرَحُ قَضِيَّتَهُ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدْ تَبَرَّرَ بِالْأَعْمَالِ مُشِيرًا إِلَى الْأَصْحَاحِ 22، سَبْعَةُ أَصْحَاحَاتٍ يَصْنَعَانِ اخْتِلَافًا فِي الْوَاقِعِ بَيْنَ الْأَصْحَاحِ 15 وَالْأَصْحَاحِ 22، الْأَصْحَاحِ الَذِي يُخْبِرُنَا بِذَبِيحَةِ إِسْحَاقَ عَلَى الْمَذْبَحِ.

وَيُوَاصِلُ يَعْقُوبُ قَائِلًا إِنَّ إِبْرَاهِيمَ تَبَرَّرَ بِأَعْمَالِهِ. فَهَلْ هُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ تَبَرَّرَ فِي عَيْنَيِ اللَّهِ؟ أَمْ يَقُولُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ تَبَرَّرَ فِي عَيْنَيِ الْبَشَرِ، الَذِينَ أَمَامَهُمْ كَانَ قَدِ اعْتَرَفَ بِإِيمَانِهِ... أَمَامَ الَذِينَ يَعْتَرِفُ الْبَشَرُ بِإِيمَانِهِمْ. مَرَّةً أُخْرَى، إِنَّ السُؤَالَ الَذِي يُجِيبُ عَنْهُ يَقُولُ: "إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الْإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟" وَالْجَوَابُ الَذِي يُدَوِّي بِهِ هُنَا هُوَ "لَا". فَنَوْعُ الْإِيمَانِ الْوَحِيدِ الَذِي يُخَلِّصُ هُوَ الْإِيمَانُ الْحَيُّ، لَا الْإِيمَانُ الْمَيِّتُ؛ فَإِنْ كَانَ إِيمَانًا حَيًّا سَيَظْهَرُ بِالتَأْكِيدِ فِي الْأَعْمَالِ. لِذَا إِبْرَاهِيمُ يُبَرْهِنُ وَيُظْهِرُ وَيُصادِقُ عَلَى اعْتِرَافِهِ بِالْإِيمَانِ فِي الْأَصْحَاحِ 22 مِنْ سِفْرِ التَكْوِينِ. تَمَامًا كَمَا نَعْتَرِفُ بِأَنْ نَمْتَلِكَ إِيمَانًا، عَلَيْنَا أَنْ نُظْهِرَ هَذَا الْإِيمَانَ بِأَعْمَالِنَا. لَقَدْ أَشَرْتُ سَابِقًا إِلَى مَفْهُومِ إِلْغَاءِ النَامُوسِ الَذِي يُعَلِّمُ بِأَنَّ امْتِلَاكَ الْإِيمَانِ يُخَلِّصُ بِدُونِ الْحَاجَةِ إِلَى أَعْمَالٍ تُثْمِرُ عَنْهُ، الَذِي بِأَكْمَلِهِ يُعَدُّ الْمَفْهُومَ الْمَسِيحِيَّ الْجَسَدِيَّ الَذِي نُصَارِعُ مَعَهُ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا.

أَرْجُو أَنْ يُسَاعِدَكُمْ هَذَا الشَرْحُ الْمُوجَزُ عَلَى حَلِّ هَذِهِ الْمُشْكِلَةِ وَمَعْرِفَةِ أَنَّ الرَّسُولَيْنِ يُجِيبَانِ عَنْ سُؤَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِاسْتِخْدَامِ الْكَلِمَةِ عَيْنِهَا وَالْمِثَالِ نَفْسِهِ، وَيُظْهِرَانِ أَنَّ يَعْقُوبَ يَتَحَدَّثُ عَنْ تَبْرِيرِ إِبْرَاهِيمَ بِاعْتِرَافِهِ بِالْإِيمَانِ الَذِي يُثْمِرُ أَعْمَالًا. وَإِنْ كَانَتْ رِسَالَتُهُ تُفْهَمُ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ، فَمَا مِنْ تَنَاقُضٍ. نَعَمْ أَمَامَكَ صُعُوبَةُ قَرَارٍ، لَكِنْ مَا مِنْ تَنَاقُضٍ حَقِيقِيٍّ أَمَامَكَ.

فِي الدَقَائِقِ الْقَلِيلَةِ الْمُتَبَقِّيَةِ، أُرِيدُ أَنْ أَتَطَرَّقَ إِلَى سُؤَالٍ آخَرَ يَقُولُ: "مَا الَذِي يُثْمِرُ عَنْهُ الْإِيمَانُ الْمُخَلِّصُ بِالْمَسِيحِ؟ مِنْ أَيْنَ يَأْتِي هَذَا الْإِيمَانُ؟" رُبَّمَا هَذَا السُؤَالُ، أَكْثَرُ مِنْ أَيِّ سُؤَالٍ آخَرَ مَا يُحَدِّدُ جَوْهَرَ اللَاهُوتِ الْمُصْلَحِ. إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ مَقُولَةٌ وَاحِدَةٌ تُلَخِّصُ جَوْهَرَ اللَاهُوتِ الْمُصْلَحَ، فَهِيَ الْمَقُولَةُ الْقَصِيرَةُ "التَجْدِيدُ يَسْبِقُ الْإِيمَانَ"، أَيْ قُوَّةَ الْإِيمَانِ، قُوَّةُ الْإِيمَانِ نَتِيجَةٌ، لَا فِعْلٌ مِنْ إِرَادَتِنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَكِنَّهُ ثَمَرَةُ عَمَلِ اللَّهِ السِيَادِيِّ الْمُتَمَثِّلِ فِي تَغْيِيرِ اتِّجَاهِ قُلُوبِنَا وَمَنْحِنَا عَطِيَّةَ الْإِيمَانِ. إِنَّهُ إِيمَانُنَا، نَحْنُ الَذِينَ يُؤْمِنُونَ، لَكِنَّنَا لَا نَخْلُقُ هَذَا الْإِيمَانَ فِينَا. يَنْشَأُ الْإِيمَانُ فَوْرَ الْعَمَلِ الْمُعْجِزِيِّ لِلَّهِ الرُّوحِ الْقُدْسِ إِذْ يُحْيِينَا مِنْ الْمَوْتِ الرُوحِيِّ وَيَهَبُنَا عَطِيَّةَ الْإِيمَانِ دَاخِلَ قُلُوبِنَا.

عِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ تَرْتِيبِ عَمَلِيَّةِ الْخَلَاصِ، فَإِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنْ ordo salutis، نَحْنُ لَا نَتَحَدَّثُ كَثِيرًا عَنْ التَرْتِيبِ الزَمَنِيِّ لِمَرَاحِلِ الْعَمَلِيَّةِ بَلْ بِالْأَحْرَى عَنْ التَرْتِيبِ الْمَنْطِقِيِّ لَهَا. يَتَمَثَّلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوْلَوِيَّةِ الزَمَنِيَّةِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ الْمَنْطِقِيَّةِ فِي أَنَّهُ عِنْدَمَا نَقُولُ إِنَّ التَبْرِيرَ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ لَا نَعْنِي بِهِ أَنَّ لَدَى الشَخْصِ إِيمَانًا وَبَعْدَ ذَلِكَ بِخَمْسِ سَنَوَاتٍ يَتَبَرَّرُ. لَا، فَفِي اللَّحْظَةِ الَتِي نَنَالُ الْإِيمَانَ فِيهَا، يَحْسِبُكَ اللَّهُ بَارًّا وَيَسْتُرُكَ بِرِدَاءِ بِرِّ الْمَسِيحِ وَتَنْعَمُ بِكُلِّ بَرَكَاتِ التَبْرِيرِ. فَمَا مِنْ فَاصِلٍ زَمَنِيٍّ فِي الْعَمَلِيَّةِ، لَكِنَّنَا مَعَ ذَلِكَ نَقُولُ إِنَّ التَبْرِيرَ يَتَحَقَّقُ بِالْإِيمَانِ، أَيْ إِنَّ الْإِيمَانَ يَأْتِي مَنْطِقِيًّا قَبْلَ التَبْرِيرِ أَوْ نَقُولُ "الْإِيمَانُ بِالتَبْرِيرِ وَحْدَهُ". نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ التَبْرِيرَ لَا يَسْبِقُ الْإِيمَانَ، لَكِنَّ الْإِيمَانَ يَسْبِقُ التَبْرِيرَ مِنْ حَيْثُ تَرْتِيبُهُ الْمَنْطِقِيُّ.

إِذا طَرَحْتُ السُّؤَالَ التَّالِيَ عَلَى الْغَالِبِيَّةِ الْعُظْمَى مِنْ الْمَسِيحِيِّينَ الْإِنْجِيلِيِّينَ: "أَيُّهُما يَأْتِي أَوَّلًا، الْإِيمَانُ أَمِ الْمِيلَادُ الثَانِي؟" سَيُجِيبُونَ: "الْإِيمَانُ يَأْتِي أَوَّلًا الَذِي هُوَ نَتِيجَةٌ لِلْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ، ثُمَّ تُولَدُ ثَانِيَةً"، فِي حِينِ يُجِيبُ اللَّاهُوتِيُّونَ الْمُصْلَحُونَ بِـ "لَا". عُودُوا إِلَى الْأَصْحَاحِ 3 مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا حِينَ كَانَ يَتَحَدَّثُ الرَّبُّ يَسُوعُ مَعَ نِيقُودِيمُوسَ وَقَالَ: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ" فَمَا بَالُكُمْ بِدُخُولِهِ. عِنْدَمَا يَتَحَدَّثُ بُولُسُ فِي الْأَصْحَاحِ 2 مِنْ رِسَالَةِ أَفَسُسَ عَنِ الْإِحْيَاءِ، مَتَى نُجْعَلُ أَحْيَاءً إِلَى الْإِيمَانِ وَمَا هِيَ حَالَتُنَا حِينَهَا؟ نَكُونُ أَمْوَاتًا رُوحِيًّا، وَلِذَا نَقُولُ إِنَّ اللَّهَ الرُّوحَ الْقُدُسَ يُغَيِّرُ اتِّجَاهَ الْقَلْبِ أَوْ مَيْلَهُ، حَتَّى إِنَّ مَا كَانَ يَرْفُضُ الْإِنْسَانُ الْإِيمَانَ بِهِ قَبْلًا، يُؤْمِنُ بِهِ الْآنَ وَيَقْبَلُهُ وَيُحِبُّهُ.

إِنَّ إِحْدَى أَعْظَمِ الْعِظَاتِ الَتِي أَلْقَاهَا جُونَاثَانْ إِدْوَارْدِزْ كَانَتْ بِعُنْوَانِ "نُورٌ إِلَهِيٌّ وَخَارِقٌ لِلطَبِيعَةِ" (A Divine and Supernatural Light)، فِيهَا تَحَدَّثَ عَنْ عَمَلِ الرُوحِ الْقُدُسِ الَذِي يُغَيِّرُ قُلُوبَنَا وَاتِّجَاهَاتِهِ، لِذَلِكَ نَحْنُ لَيْسَ فَحَسْبُ نَرَى حَقَّ هَذَا الْعَمَلِ بَلْ نَتَذَوَّقُ حَلَاوَتَهُ وَنَشْعُرُ بِمَحَبَّتِهِ وَنَرَى جَمَالَهُ وَنَشْهَدُ مَجْدَهُ. فَلِذَا الْإِيمَانُ الَذِي يُبَرِّرُ هُوَ إِيمَانٌ خُلِقَ دَاخِلَ قُلُوبِنَا كعَطِيَّةٍ مِنَ اللَّهِ الرُوحِ الْقُدُسِ، لِذَا إِنَّ مَا كُنَّا نَرْفُضُ مُسْبَقًا الِاعْتِرَافَ بِهِ وَاتِّبَاعَهُ، وَمَا كُنَّا نُبْغِضُهُ فِي حَالَةِ مَوْتِنَا الرُوحِيِّ حِينَمَا كُنَّا لَا نَزَالُ فِي الْجَسَدِ، نَقْبَلُهُ الْآنَ بِطَبِيعَةِ الرُوحِ. فَبَقِيَّةُ الْحَيَاةِ الْمَسِيحِيَّةِ هِيَ حَرْبٌ بَيْنَ الْجَسَدِ، أَيِ الْإِنْسَانِ الْعَتِيقِ، وَبَيْنَ الرُّوحِ، أَيِ الْإِنْسَانِ الْجَدِيدِ الَّذِي يَلِدُ الْإِيمَانَ، لِذَا نَحْنُ نَتَجَدَّدُ لِكَيْ نُؤْمِنَ وَلِكَيْ نَتَبَرَّرَ.

عِنْدَمَا يُقَدِّمُ بُولُسُ قَائِمَةً مُخْتَصَرَةً لِتَرْتِيبِ الْخَلَاصِ فِي الْأَصْحَاحِ 8 مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ، فَهُوَ يَتَحَدَّثُ عَنْ أُولَئِكَ الَذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ ... وَالَذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ دَعَاهُمْ أَيْضًا. وَالَذِينَ دَعَاهُمْ، فَهَؤُلَاءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا. وَاَلَذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا. فَبِهَذَا التَسَلْسُلِ، يَتَّضِحُ أَنَّ جَمِيعَ الَذِينَ كَانُوا فِي فِئَةِ الْمَعْرُوفِينَ مُسْبَقًا هُمْ أَيْضًا فِي فِئَةِ الْمُعَيَّنِينَ مُسْبَقًا. وَكُلُّ مَنْ هُمْ فِي فِئَةِ الْمُعَيَّنِينَ مُسْبَقًا، فِي فِئَةِ الْمَدْعُوِّينَ؛ وَكُلُّ مَنْ هُمْ فِي فِئَةِ الْمَدْعُوِّينَ هُمْ فِي فِئَةِ الْمُبَرَّرِينَ. وَمِنْ الْوَاضِحِ هُنَا أَنَّ بُولُسَ كَانَ يَتَحَدَّثُ عَنْ دَعْوَةٍ لَيْسَتْ بِالْخَارِجِيَّةِ. نَحْنُ نَقْصِدُ بِالدَعْوَةِ الْخَارِجِيَّةِ عِنْدَمَا نَكْرِزُ بِالْإِنْجِيلِ لِلنَاسِ، إِذْ بَعْضُهُمْ يَسْتَجِيبُ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ يَرْفُضُهَا. بَيْنَمَا فِي الْأَصْحَاحِ 8 مِنْ رُومِيَةَ يَتَحَدَّثُ بُولُسُ عَنْ دَعْوَةٍ يَكُونُ فِيهَا كُلُّ الْمَدْعُوِّينَ مُبَرَّرِينَ، وَالدَعْوَةُ هَذِهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ تَسْبِقُ التَبْرِيرَ. لِذَا فَإِنَّ الدَعْوَةَ هِيَ مَا نَتَحَدَّثُ عَنْهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَجْدِيدِ، دَعْوَةَ اللَّهِ الدَّاخِلِيَّةَ الْفَعَّالَةَ الَتِي بِهَا نُحْضَرُ إِلَى إِيمَانٍ، وَهُوَ إِيمَانٌ حَيٌّ مِنْ خِلَالِهِ وَبِهِ نَتَبَرَّرُ.