المحاضرة 3: الْخَمْسَةُ وَالتِسْعُونَ احْتِجَاجًا
لَقَدْ تَتَبَّعْنَا الأَزَمَاتِ الَتِي مَرَّ بِهَا مَارْتِنْ لُوثَر، وَكَمَا قُلْتُ، دَوْرِيًّا كُلَّ خَمْسِ سَنَواتٍ، عامَ 1505 ثُمَّ 1510. وَسَوفَ نَتَتَبَّعُ هَذا الصَبَاحَ أَزْمَةَ عامِ 1515. لَكِنِّي لَنْ أَتَطَرَّقَ إِلَى أَزْمَةِ سَنَةِ 1520، السَنَةِ الَتِي حُرِمَ فِيهَا كَنَسِيًّا بِالْمَرْسُومِ الْبَابَاوِيِّ بِعُنْوَانِ "قُمْ يَا اللهُ" (Exsurge Domine)، كَمَا لَنْ أَتَطَرَّقَ إِلَى أَزْمَتِهِ الْخَطِيرَةِ لِعَامِ أَلْفٍ وَخَمْسِمائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، حِينَ خَطَبَ كَاتْرِينَا فُون بُورَا، لَكِنَّ هَذِهِ القِصَّةَ لِوَقْتٍ آخَرَ. لَكِنْ أَعْتَقِدُ أَنَّ أَعْتَى أَزْمَاتِ لُوثَرَ الَتِي شَكَّلَتْ حَيَاتَهُ بِرُمَّتِها وَكَانَتِ الدَافِعَ الْمُؤَثِّرَ الْحَقِيقِيَّ لِلإِصْلاحِ بِأَكْمَلِهِ، هِيَ الَتِي اجْتَازَهَا سَنَةَ 1515. نَتَذَكَّرُ أَنَّهُ فِي سَنَةِ 1507 كَانَ قَدْ رُسِمَ كَاهِنًا فِي دَيْرِ إِرْفُورْت.
وَفِي سَنَةِ 1510، ذَهَبَ إِلَى رُومَا، لَكِنْ طَوَالَ الْوَقْتِ الَذِي كَانَ فِيهِ فِي إِرْفُورْت، كانَ يُجْرِي دِراساتٍ لاهُوتِيَّةً وَكِتَابِيَّةً مِنْ أَجْلِ نَيْلِ دَرَجَةِ الدُكْتُورَاه. وَفِي السَنَةِ ذَاتِهَا، بَدَأَ فْرِيدِرِيك، أَمِيرُ سَاكْسُونْيَا، جَامِعَةً جَدِيدَةً تَمَامًا فِي وِيتِنْبُرْج، وَكَانَ يُحَاوِلُ، فِي مَرَاحِلِهَا الأُولَى، تَعْيِينَ هَيْئَةِ تَدْرِيسٍ بَارِزَةٍ. لِذَلِكَ حَصَلَ عَلَى خِدْمَاتِ لُوثَرَ عَلَى سَبِيلِ الإِعَارَةِ مِنْ إِرْفُورْت لِيُحَاضِرَ لِمُدَّةِ عَامَيْنِ، كَمَا أَنَّهُ اسْتَعَانَ بِفِيلِيب مِيلانْكْثُون وَكَارْلِسْتَادْت وَجُونَاس وَبَعْضِ الآخَرِينَ لِيَكُونُوا ضِمْنَ هَيْئَةِ التَدْرِيسِ. لَكِنْ عَلَى أَيِّ حَالٍ، حَاضَرَ لُوثَرُ لِمُدَّةِ عَامَيْنِ ثُمَّ عَادَ إِلَى إِرْفُورْت. ثُمَّ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى وِيتِنْبُرْج وَحَاضَرَ لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ عَنْ سِفْرِ الْمَزَامِيرِ. وَعِنْدَمَا أَنْهَى هَذِهِ الْمُحَاضَرَاتِ، بَدَأَ فِي تَدْرِيسِ رِسَالَةِ رُومِيَةَ، وَذَلِكَ عَامَ 1515.
أَقُولُ أَنَا عامَ 1515، لَكِنْ تَكْثُرُ الْجِدَالاتُ بِشَأْنِ ذَلِكَ. إِذْ يَقُولُ الْبَعْضُ إِنَّهُ بَدَأَ ذَلِكَ مُبَكِّرًا فِي عَامِ 1512، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي عَامِ 1519. لَكِنَّ مُعْظَمَ الدَارِسِينَ يَضَعُونَهَا بَيْنَ عَامَيْ 1514 و1515. ولأَجْلِ دَوْرَةِ الأَزَمَاتِ الْخَمْسِيَّةِ، سَأَقُولُ إِنَّهَا عَامُ 1515. لَكِنْ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، فِي أَثْنَاءِ مَا كَانَ يُعِدُّ مُحَاضَرَاتِهِ عَنْ رُومِيَةَ، قَرَأَ أُطْرُوحَةً لِلْقِدِّيسِ أُوغُسْطِينُوسَ عَنِ الْحَرْفِ وَالرُوحِ، الَتِي لَمْ تَكُنْ فِي الأَسَاسِ شَرْحًا لِرِسَالَةِ رُومِيَةَ، بَلْ كَانَتْ تَتَنَاوَلُ أُمُورًا أُخْرَى. لَكِنْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الأُطْرُوحَةُ تَحْدِيدًا تَلْمِيحَاتٍ مُوجَزَةً قَدَّمَها أُوغُسْطِينُوسُ فِي ذِكْرِهِ لِلآيَةِ 17 مِنَ الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ لِرِسَالَةِ رُومِيَةَ. فِي الآيَةِ 16، يَبْدَأُ بُولُسُ تَصْرِيحَهُ بِأَنَّهُ لا يَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ، وَيَسْتَطْرِدُ قَائِلًا: "لِأَنْ فِيهِ" أَيِ الإِنْجِيلِ "مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ، لِإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: "أَمَّا الْبَارُّ فَبِالْإِيمَانِ يَحْيَا".
أَمَّا لُوثَرُ فَقَدْ عَلَّقَ فِي الْبِدَايَةِ قَائِلًا إِنَّهُ طَوَالَ حَيَاتِهِ الْمِهْنِيَّةِ كَانَ يُصَارِعُ بِشِدَّةٍ ضِدَّ فِكْرَةِ عَدَالَةِ اللهِ بِرُمَّتِها. إِذْ تَمَثَّلَ مَا يَخَافُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ فِي عَدْلِ اللهِ، مَا يَنْبَغِي لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَخَافَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ. دَوْمًا مَا أُحَذِّرُ طُلَّابِي قَائِلًا: "لا تَطْلُبُوا مِنَ اللهِ عَدَالَتَهُ أَبَدًا، كَيْلا تَنَالُوهَا". هَذَا، فَقَدْ كَرِهَ لُوثَرُ مَفْهُومَ عَدْلِ اللهِ، وَهُوَ الآنَ يُعِدُّ مُحَاضَرَاتِهِ بِشَأْنِ هَذِهِ الآيَةِ الْمُتَحَدِّثَةِ عَنْ إِعْلانِ عَدْلِ اللهِ وَبِرِّهِ، وَتُخْتَتَمُ بِعِبَارَةِ "أَمَّا الْبَارُّ فَبِالْإِيمَانِ يَحْيَا". وَفِيمَا كَانَ يَقْرَأُ هَذِهِ الأُطْرُوحَةَ الَتِي كَتَبَ فِيهَا أُوغُسْطِينُوسُ أَنَّ بِرَّ اللهِ الَذِي يَتَحَدَّثُ عَنْهُ بُولُسُ فِي الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ مِنْ رُومِيَةَ، لَيْسَ ذَلِكَ الْبِرَّ الَذِي بِهِ وَفِيهِ اللهُ نَفْسُهُ بَارٌّ، بَلْ بِرٌّ يَهَبُهُ اللهُ لِلْفُجَّارِ.
اسْمَحُوا لِي أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ ثَانِيَةً، أُوغُسْطِينُوسُ كَانَ يَقُولُ إِنَّهُ عِنْدَمَا كَتَبَ بُولُسُ فِي الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ مِنْ رُومِيَةَ عَنْ بِرِّ اللهِ، لَمْ يَقْصِدْ بِرَّ اللهِ الْمُتَأَصِّلَ فِيهِ، البِرَّ الَذِي بِهِ يَكُونُ اللهُ نَفْسُهُ بَارًّا. بَلْ يَتَحَدَّثُ عَنْ نَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْبِرِّ، بِرٍّ يَسْكُبُهُ اللهُ بِنِعْمَتِهِ عَلَى الْمُفْتَقِرِينَ إِلَيْهِ. أَيْ أَنَّنَا نَرَى هُنَا بِدَايَةَ تَطْوِيرِ لُوثَرَ لِلْمَفْهُومِ الْكَامِلِ لاحْتِسَابِ بِرِّ اللهِ أَوْ بِرِّ الْمَسِيحِ لِلْمُؤْمِنِ، الَذِي يَتِمُّ بِالإِيمَانِ. كَمَا سَنَرَى لاحِقًا، يَشْرَحُ بُولُسُ ذَلِكَ مُسْتَرْسِلًا فِي بَقِيَّةِ رِسَالَتِهِ إِلَى كَنِيسَةِ رُومِيَةَ، وَلَكِنَّ مَفْهُومَ الاحْتِسَابِ يَعْنِي أَنَّنَا لَسْنَا أَبْرارًا بِالطَبِيعَةِ، بَلْ أنَّ اللهَ احْتَسَبَ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْمَسِيحِ بَارًّا، لأَنَّهُمْ حِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْمَسِيحِ، يَنْتَقِلُ بِرُّ الْمَسِيحِ أَوْ يُحْتَسَبُ أَوْ يُنْسَبُ إِلَى الْمُؤْمِنِ بِالإِيمَانِ؛ وَهَذَا كانَ الاكْتِشَافَ الْعَظِيمَ لِلُوثَرَ.
فَقَالَ: "عِنْدَمَا أَدْرَكْتُ الْبِرَّ الَذِي يَتَحَدَّثُ عَنْهُ بُولُسُ فِي رُومِيَةَ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْفِرْدَوْسِ وَعَبَرْتُ مِنْهَا". كَمَا رَأَى أَنَّ هَذِهِ اللَحْظَةَ هِيَ لَحْظَةُ إِيمَانِهِ، وَاكْتِشَافِهِ لِلنِعْمَةِ الْمُخَلِّصَةِ. بَعْدَ كُلِّ الْعَذابِ الَذِي اجْتَازَهُ، وَكُلِّ السُبُلِ الأُخْرَى الَتِي سَعَى بِهَا إِلَى إِرْسَاءِ السَلامِ مَعَ اللهِ وَلَمْ يُفْلِحْ فِي ذَلِكَ قَطُّ، قَالَ فَجْأَةً إِنَّهُ وُلِدَ مِنْ جَدِيدٍ، وَإِنَّهُ الآنَ فِي سَلامٍ مَعَ اللهِ مِثْلَمَا شَرَحَ بُولُسُ فِي الأَصْحَاحِ الْخَامِسِ مِنْ رُومِيَةَ، لِذَا أَنْتُمُ الآنَ تَحْظَوْنَ بِبَعْضِ الإِدْرَاكِ الْوُجُودِيِّ لِمَا عَنَاهُ هَذَا بِالنِسْبَةِ إِلَى لُوثَرَ مِمَّا مَنَحَهُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْوُقُوفِ ضِدَّ طُوفَانٍ مِنَ النَقْدِ وَالْعَدَاءِ مِنَ الْعَالَمِ وَمِنَ الْكَنِيسَةِ وَمِنْ حَتَّى زُمْرَتِهِ فِي جَامِعَتِهِ فِي الْبِدَايَةِ. وَهَكَذَا، كَانَ قَادِرًا عَلَى الثَبَاتِ لأَنَّهُ نَالَ الْخَلاصَ. فَلَمْ يُقَايِضْهُ أَوْ يَتَفَاوَضْ عَلَيْهِ مُقَابِلَ أَيِّ شَيْءٍ. وَعَلَيْهِ، قَالَ إِنَّ هَذَا الاكْتِشَافَ دَفَعَهُ لِيُعِيدَ قِرَاءَةَ الْمَزَامِيرِ بِطَرِيقَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَغَيَّرَ مَفْهُومَهُ بِرُمَّتِهِ نَحْوَهَا. بَدَأَ يَرَى التَبْرِيرَ بِالإِيمَانِ فِي كُلِّ صَفْحَةٍ مِنْ صَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِعَهْدَيْهِ فِعْلِيًّا، فَكَانَتْ تَتَلَأْلَأُ هَذِهِ الْمَقَاطِعُ أَمَامَهُ وَتُؤَكِّدُ مَا قَدْ فَهِمَهُ هُوَ وَأُغُسْطِينُوسُ مِنْ قَبْلِهِ عَنِ الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ لِرُومِيَةَ.
لِذَلِكَ، نَسْتَطِيعُ أَنْ نَقُولَ هُنَا حَتَّى قَبْلَ وُقُوعِ جِدَالٍ عَامٍّ، إِنَّ الإِصْلَاحَ أَوْ بُذُورَ الإِصْلاحِ قَدْ زُرِعَتْ فِي اخْتِبَارِ لُوثَرَ الشَخْصِيِّ. وَلَكِنْ مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عَامِ 1517 –الَذِي نَعْتَبِرُهُ عَادَةً بِدَايَةَ الإِصْلاحِ، حِينَ عَلَّقَ لُوثَرُ احْتِجَاجَاتِهِ الْخَمْسَةَ وَالتِسْعِينَ عَلَى بَابِ كَنِيسَةِ الْقَلْعَةِ فِي وِيتِنْبِرْج– تَعُودُ جُذُورُهُ إِلَى الْجِدَالِ الْمُتَعَلِّقِ بِبَيْعِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ. لِفَهْمِ ذَلِكَ، لِنَعُدْ لِبِضْعِ دَقَائِقَ إِلَى ذَلِكَ. فِي عَامِ 1513، فِي الْمُقَاطَعَةِ الْمُجَاوِرَةِ الْمُسَمَّاةِ "بْرَانْدِنْبُوج" كَانَ يَعِيشُ أَمِيرٌ مِنْ آلِ هُوهِنْزُولِرْن يُدْعَى أَلْبِرْتْ، وَكَانَ يَبْلُغُ مِنَ الْعُمْرِ ثَلاثَةً وَعِشْرِينَ عَامًا. كَانَ لَأَخِيهِ الأَكْبَرِ طُمُوحَاتٌ كَبِيرَةٌ لِعَائِلَةِ هُوهِنْزُولِرْن وَأَهْلِ بَيْتِهِ، إِذْ كَانُوا يُرِيدُونَ اكْتِسَابَ قُوَّةً وَتَأْثِيرًا أَعْظَمَ فِي جَمِيعِ أَنْحاءِ أَلْمَانْيَا. فَمَا حَدَثَ عَامَ 1513 هُوَ أَنَّ ثَلاثَ إِيبْرَاشِيَّاتٍ أَصْبَحَتْ شَاغِرَةً. الأُولَى إِيبَارْشِيَّةُ رَئِيسِ أَسَاقِفَةِ ماجْدِبُورْج وَالثَانِيَةُ إِيبَارْشِيَّةُ هَلْبِرْشْتَاتْ وَالثَالِثَةُ وَالأَهَمُّ إِيبَارْشِيَّةُ رَئِيسِ أَسَاقِفَةِ مِينْز. كَمَا أَنَّ أُسْقُفَ مِينْز هُوَ مَنْ صَارَ فِعْلِيًّا بَابَا أَلْمَانْيَا. أَعْنِي، كَانَ أَعْلَى مَنْصِبِ سُلْطَةٍ كَنَسِيَّةٍ فِي الأُمَّةِ بِرُمَّتِها.
كانَ الأَمْرُ أَنَّ أَخَ أَلْبِرْت يَتَحَايَلُ لِلْحُصُولِ عَلَى تِلْكَ الإِيبْرَاشِيَّاتِ لأَلْبِرْتْ لِيَكُونَ رَئِيسَ أَسَاقِفَةِ مَاجْدِبُورْج، وَأُسْقُفَ هَلْبِرْشْتات، وَرَئِيسَ أَسَاقِفَةِ مِينْز جَمِيعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَتَمَثَّلَ سَبِيلُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي شِرَاءِ هَذِهِ الْمَنَاصِبِ مِنَ الْبَابَا. أَتَتَذَكَّرُونَ حِينَ قُلْتُ إِنَّ الْبَابَوِيَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ فِي أَشَدِّ عُصُورِهَا فَسَادًا. فَنَحْنُ أَمَامَ يُولْيُوسَ الثَانِي الَذِي كَاَن أَحَدَ الْبَابَاوَاتِ مِن أُسْرَةِ آلْ بُورْجِيَا الْبَابَوِيَّةِ، وَخَلَفَهُ لِيُو الْعَاشِرُ، الَذِي حَرَمَ لُوثَرَ كَنَسِيًّا، وَكَانَ أَحَدَ الْبَاباواتِ مِن أُسْرَةِ آلِ مِيدِيتْشِي الْبَابَوِيَّةِ. فِي تِلْكَ الأَثْنَاءِ، كَانَتِ السِيمُونِيَّةُ (أَيْ شِرَاءُ الْمَنَاصِبِ الْكَهْنُوتِيَّةِ)، مُتَفَشِّيَةً عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ. السِيمُونِيَّةُ هِيَ تِلْكَ الْخَطِيَّةُ الَتِي أُدِينَتْ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، تَتَذَكَّرُونَ عِنْدَمَا رَأَى سِيمُونُ السَاحِرُ آيَاتِ الرُسُلِ الْمُعْجِزِيَّةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرُّوحَ الْقُدُسَ، وَتَتَذَكَّرُونَ بُطْرُسَ حِينَ قَالَ: "لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلَاكِ"، الَتِي هِيَ طَرِيقَةٌ مُهَذَّبَةٌ لِقَوْلِ: "لِتَذْهَبْ أَنْتَ بِأَمْوَالِكَ إِلَى الْجَحِيمِ، فَلَنْ نَقُومَ بِهَذِهِ الصَفْقَةِ". فَأُطْلِقَ عَلَيْهَا السِيمُونِيَّةَ لأَنَّ سِيمُونَ السَاحِرَ هُوَ مَنْ حَاوَلَ شِرَاءَ قُوَّةِ الرُوحِ الْقُدُسِ. وَهَكَذَا تَفَشَّتْ بَيْعُ الْمَنَاصِبِ الْكَنَسِيَّةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ مِنَ التَارِيخِ، وَبِالطَبْعِ كَانَ أَلْبِرْت يُحَاوِلُ الاسْتِفَادَةَ مِنْهَا.
بِالإِضَافَةِ إِلَى النَهْيِ الْكِتَابِيِّ لِلسِيمُونِيَّةِ، تَفْرِضُ بُنُودُ قَانُونِ كَنِيسَةِ رُومَا حِرْمَانِيَّةً كَنَسِيَّةً. أَوَّلًا: لا يَحِقُّ لَكَ تَوَلِّي أَكْثَرَ مِنْ إِيبَارْشِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ؛ فِي حِينِ أَلْبِرْت أَرَادَ ثَلاثَ. ثاَنِيًا: كَانَ صَغِيرًا عَلَى أَنْ يُرْسَمَ أُسْقُفًا، إِذْ كَانَ فِي الثَالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ. وَبِمَا أَنَّ الأَمْرَ كَانَ مِن اخْتِصَاصِ الْبَابَا، فَالْمَالُ تَحَدَّثَ. لِذَا أُجْرِيَتْ مُفَاوَضَاتٌ بَيْنَ مُمَثِّلِي أَلْبِرْت وَأَلْبِرْتْ نَفْسِهِ مَعَ الْبَابَا، وَكانَ قَادِرًا عَلَى دَفْعِ مُقَابِلِ الِإيبْرَاشِيَّاتِ الثَلاثِ، إِبْرَاشِيَّتَيْ رَئِيسِ أَسَاقِفَةٍ، وَإِبْرَاشِيَّةِ أُسْقُفٍ، وَبَلَغَتْ تَكْلِفَتُهُمُ الإِجْمَالِيَّةُ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ أَلْفَ دُولارٍ تَقْرِيبًا.
وَعِنْدَ الدَفْعِ مُقَابِلَ هَذِهِ الْمَنَاصِبِ، تَفَاوَضَ مَعَ الْبَابَا بَعْضَ الشَيْءِ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَنْصَبِ رَئِيسِ أَسَاقِفَةِ إِيبْرَاشِيَّةِ مِينْز، كَانَ السِعْرُ الْمَعْرُوفُ يَبْلُغُ 12 أَلْفَ دُوكَاتِيَّةً ذَهَبِيَّةً، لَكِنَّ الْبَابَا أَرَادَ مِنْ أَلْبِرْت مُضَاعَفَةَ الْمَبْلَغِ قَائِلًا: "لِنَحْصُلْ عَلَى ذَهَبِنا دُفْعَةً وَاحِدَةً". فَأَجَابَهُ: "لا، سَأَعْرِضُ عَلَيْكَ سَبْعَةَ آلافٍ، كُلُّ أَلْفٍ مُقَابِلَ خَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْخَطَايَا السَبْعِ الْمُمِيتَةِ". بَيْنَمَا الْبَابَا كَانَ يُرِيدُ أَلْفًا مُقَابِلَ كُلِّ تِلْمِيذٍ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَرَسِيَ الاتِّفَاقُ النِهَائِيُّ عَلَى دَفْعِ عَشَرَةِ آلافِ دُوكَاتِيَّةٍ ذَهَبِيَّةٍ، كُلُّ أَلْفٍ مِنْهَا مُقَابِلَ كُلِّ وَصِيَّةٍ مِنَ الْوَصَايَا الْعَشْرِ. فَمَا حَدَثَ لِكَيْ تَتِمَّ هَذِهِ الصَفْقَةُ الْكَبِيرَةُ، تَحَتَّمَ عَلَى أَلْبِرْت اقْتِرَاضُ الْمَالِ، وَكَانَ الْبَنْكُ الْكَبِيرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هُوَ بَنْكُ فُوجِرْز فِي أَلْمَانْيَا، لِذَا تَوَسَّطَتْ عَائِلَةُ فُوجِرْز، بِنِسْبَةٍ مَالِيَّةٍ، فِي هَذِهِ الصَفْقَةِ بَيْنَ أَلْبِرْت وَالْبَابَا. وَلِجَمْعِ الْمَالِ وَتَسْلِيمِهِ إِلَى أَلْبِرْت، لِيَدْفَعَهُ إِلَى الْبَابَاوِيَّةِ لِلْحُصُولِ عَلَى هَذِهِ الإِيبْرَاشِيَّاتِ، لَزَمَ تَدَخُّلُ الْبَابَا فِي اتِّفاقٍ مَعَ آلْ فُوجِرْزْ لِجَمْعِ الْمَالِ لِدَفْعِهِ ثَمَنًا لِهَذِهِ الإِيبْرَاشِيَّاتِ الثَلاثِ.
بِإِتْمَامِ هَذِهِ الصَفْقَةِ، بَدَأَتْ حَمْلَةُ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ الَتِي قَدَّمَها يُوهانْ تِيتْزِل (Johann Tetzel). لِقُرُونٍ، تَبَنَّتِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ مَفْهُومَ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ هَذَا، الَذِي وَاصَلَ التَوَسُّعَ فِي تَطْبِيقِهِ بِتَقْلِيصِ فَتْرَةِ الْمَطْهَرِ أَوِ الْخُرُوجِ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَبِالْحُصُولِ عَلَى صَكِّ غُفْرَانٍ عَامٍّ لِسَتْرِ جَمِيعِ خَطَايَاهُمْ مِنْ لَحْظَةِ شِرَائِهِ وَإِلَى الأَبَدِ. وَكانَ مُرْتَبِطًا بِسِرِّ التَوْبَةِ وَالاعْتِرَافِ، الَذِي سَأَشْرَحُهُ لاحِقًا، وَبِأَعْمَالِ الاسْتِحْقاقِ الَتِي يَنْبَغِي لِلْخَاطِئِ تَأْدِيَتُها؛ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى لِيُسْتَرَدَّ إِلَى الإِيمَانِ الْمُخَلِّصِ. وَمِنْ بَيْنِ أَعْمَالِ الاسْتِحْقاقِ هَذِهِ: مُمَارَسَاتٌ بَسِيطَةٌ مِثْلُ تَرْدِيدِ صَلاةِ "أَبَانَا الَذِي" كَثِيرًا، وَالإِكْثَارِ مِنْ تَرْدِيدِ تَسْبِحَةِ "السَلامُ عَلَيْكِ يَا مَرْيَمُ"، مِثْلَمَا فَعَلَ لُوثَرُ فِي رِحْلَتِهِ إِلَى رُومَا لِيَنَالَ صُكُوكَ الْغُفْرَانِ مَعَ كُلِّ خُطْوَةٍ يَصْعَدُهَا عَلَى الدَرَجِ الْمُقَدَّسِ فِي كَنِيسَةِ لاتِيرَان. وَالآنَ امْتَدَّ هَذَا الأَمْرُ لِيَشْمَلَ الْعَطَايَا الْمَالِيَّةَ، أَيْ إِنَّ التَصَدُّقَ وَالتَبَرُّعَ سَيُسَاعِدُ الْخَاطِئَ عَلَى اسْتِرْدادِ حَالَةِ النِعْمَةِ.
سَأَسْتَفِيضُ فِي هَذَا لاحِقًا. لَكِنْ وَقْتَئِذٍ، لِجَمْعِ الأَمْوَالِ مِنْ أَجْلِ اسْتِكْمَالِ بِنَاءِ كَنِيسَةِ الْقِدِّيسِ بُطْرُسَ الَتِي بَدَأَهَا يُولْيُوسُ الثَانِي وَتَوَقَّفَ الأَمْرُ بِنَفَادِ الْمَالِ ثُمَّ اسْتِعْمَارِ الْحَشَائِشِ الأَسَاسَاتِ، رَغِبَ لِيُو الْعَاشِرُ فِي إِنْهَاءِ ذَلِكَ الْمَشْرُوعِ الضَخْمِ، لِذَلِكَ شَرَّعَ وَقَنَّنَ تَوْزِيعَ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ لِلْبَيْعِ.
وَكَانَ الأَمْرُ أَنَّ عَلَى الْخَاطِئِ التَصَدُّقَ وَالتَبَرُّعَ مُحْتَسِبًا إِيَّاهُ عَمَلًا مِنْ أَعْمَالِ الاسْتِحْقَاقِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ الأَمْرُ بِقَلْبٍ صَادِقٍ. لَكِنَّ الْكَنِيسَةَ تَجَنَّبَتْ أَيَّ ذَرَّةِ فِكْرَةٍ حَمْقَاءَ لِشِرَاءِ الْخَلاصِ. الْخَلاصُ لَيْسَ لِلْبَيْعِ، نَوْعًا مَا، وَلَكِنَّ صُكُوكَ الْغُفْرَانِ هِيَ لِلْقَلْبِ الْمُسْتَقِيمِ وَمَا إِلَى ذَلِكَ. لِذَا، بِالاتِّفاقِ مَعَ أَلْبِرْت، أَعْنِي بَيْنَ أَلْبِرْت وَالْبَابَا وَمَصْرِفِيِّي فُوجَر، أُصْدِرَ صَكُّ الْغُفْرَانِ الشَامِلِ هَذَا، وَكَلَّفَتْ كَنِيسَةُ رُومَا لَجْنَةَ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ الْخَاصَّةَ بِرِئَاسَةِ تِيتْزِل بِالذَهَابِ إِلَى مُقَاطَعَاتِ أَلْمَانْيَا وَتَوْزِيعِ الْمَرْسُومِ الْبَابَوِيِّ الَذِي يُعْلِنُ عَنْ حَمْلَةِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ الْجَدِيدَةِ هَذِهِ.
فَقَدْ كانَ تِيتْزِلُ بَائِعًا مَاهِرًا. لَمْ يَكُنْ حَيَّ الضَمِيرِ، لَكِنَّهُ كَانَ نَاجِحًا لِلْغَايَةِ. وَاتَّسَمَ بَيْعُ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ بِالْبَهْرَجَةِ قَبْلَ أَسَابِيعَ مِنْ وُصُولِ الْمَنْدُوبِ الْبَابَوِيِّ إِلَى كُلِّ بَلْدَةٍ وَقَرْيَةٍ، إِذْ كانَ الرَسُولُ يُنَادِي قَائِلًا: "الشَهْرَ الْمُقْبِلَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، سَيَحْضُرُ الْمَنْدُوبُ الْبَابَوِيُّ، حَامِلًا صُكُوكَ الْغُفْرَانِ مِنْ أَجْلِكَ إِذَا قَدَّمْتَ التَبَرُّعَاتِ اللَازِمَةَ مُقَابِلَهَا". لِدَرَجَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ مِقْياسًا يَحْسِبُ مِقْدَارَ الْمَالِ مُقَابِلَ صَكِّ غُفْرَانٍ لأَحَدِ النُبَلاءِ مُقَارَنَةً أَوْ فِي مُقَابِلِ الَذِي لِفَلَّاحٍ، وَكَانَ الْمِقْدَارُ يَخْتَلِفُ حَسَبَ كُلِّ تَاجِرٍ.
الْمُهِمُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنَادُونَ بِالرِسَالَةِ مُسْبَقًا. وَفِي يَوْمِ وُصُولِ الْمَنْدُوبِ بِالْمَرْسُومِ، يُجَهَّزُ الْمَوْكِبُ الْمُقَدَّسُ الضَخْمُ لِلْمَرْسُومِ الْبَابَوِيِّ، كَانَتْ تُحْمَلُ وَثِيقَةُ الْمَرْسُومِ إِمَّا عَلَى وِسَادَةٍ مُطَرَّزَةٍ بِالذَهَبِ أَوْ وِسَادَةٍ مُخْمَلِيَّةٍ؛ فَكَانَ الأَمْرُ أَشْبَهَ بِسِيرْكٍ قَادِمٍ إِلَى الْبَلْدَةِ. وَكَانَ يَنْدَفِعُ جَمِيعُ الشَعْبِ إِلَى سَاحَةِ الْبَلْدَةِ وَيَصْطَفُّونَ لِشِرَاءِ صُكُوكِ غُفْرَانٍ مِنْ أَجْلِ أَقَارِبِهِمْ وَأَحِبَّائِهِمْ. وَقْتَئِذٍ اسْتَخْدَمَ تِيتْزِلُ، لا نَعْرِفُ مَا إِذَا كَانَتْ حَقِيقَةً أَمْ خُرَافَةً، شِعَارَ "مَعَ رَنِينِ كُلِّ عُمْلَةٍ دَاخِلَ الصُنْدُوقِ، تَخْرُجُ نَفْسٌ مِنَ الْمَطْهَرِ". أَيْ، إِذَا اشْتَرَيْتَ صَكَّ الْغُفْرَانِ، فَقَدْ وَصَلْتَ إِلَى السَمَاءِ حُرًّا.
كَانَ هَذَا يَحْدُثُ بَعِيدًا عَنْ مَدِينَةِ لُوثَرَ، لَكِنَّهُ ذَاعَ صِيتُهُ لِلْغَايَةِ وَكَانَ الشَعْبُ مُتَحَمِّسًا جِدًّا لَهُ لِدَرَجَةِ أَنَّ شَعْبَ كَنِيسَةِ لُوثَرَ سَافَرُوا، وَاشْتَرَوْا صُكُوكَ الْغُفْرَانِ مِنْ تِيتْزِل، وَعَادَ كُلٌّ مِنْهُمْ إِلَى وِيتِنْبُرْج بِصَكِّ غُفْرَانِهِ مُلَوِّحِينَ بِهِ فِي وَجْهِ أَصْدِقَائِهِمْ قَائِلِينَ: "انْظُرُوا، لَقَدْ غُفِرَتْ كُلُّ ذُنُوبِي". وَارْتَعَدَ لُوثَرُ، الَذِي كَانَ رَاعِيًا وَقْتَئِذٍ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ حَامِلِي هَذِهِ الصُكُوكِ لَيْسُوا سِوَى مُجْرِمِينَ وَوَثَنِيِّينَ عِلْمَانِيِّينَ. وَلِهَذَا السَبَبِ، مَدْفُوعًا مِنِ اهْتِمَامِهِ الرَعَوِيِّ، أَرَادَ مُنَاقَشَةَ الأَمْرِ مَعَ زُمَلائِهِ مِنْ أَعْضَاءِ هَيْئَةِ التَدْرِيسِ فِي جَامِعَةِ وِيتِنْبُرْج. وَلِإِجْرَاءِ مُنَاقَشَةٍ أَكَادِيمِيَّةٍ، عَلَيْكَ بِنَشْرِ الاحْتِجَاجَاتِ لِمُنَاقَشَتِهَا فِي نَدْوَةٍ عِلْمِيَّةٍ، لا لِلاسْتِهْلاكِ الْعَامِّ. لِذَا، كَتَبَهَا لُوثَرُ بِاللاتِينِيَّةِ. كَتَبَ الاحْتِجَاجَاتِ الْخَمْسَةَ وَالتِسْعِينَ، وَعَلَّقَهَا عَلَى بَابِ الْكَنِيسَةِ فِي وِيتِنْبُرْج وَدَعَا بَقِيَّةَ أَعْضَاءِ هَيْئَةِ التَدْرِيسِ لِمُنَاقَشَةِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ وَالنِظَامِ بِأَكْمَلِهِ الْمُنْخَرِطِ فِيهَا.
فَقَرَأَها بَعْضُ الطَلَبَةِ الْجَرِيئِينَ، وَقَدِ انْدَهَشُوا مِنْهَا. وَدُونَ مَعْرِفَةِ لُوثَرَ أَوِ اسْتِئْذَانِهِ، أَخَذُوا هَذِهِ الاحْتِجَاجَاتِ اللاتِينِيَّةَ، وَتَرْجَمُوهَا إِلَى الأَلْمَانِيَّةِ، وَبِمَطْبَعَةِ جُوتِنْبُرْج المُخْتَرَعَةِ حَدِيثًا، اسْتَطَاعُوا طِبَاعَةَ الاحْتِجَاجَاتِ. وَفِي غُضُونِ 14 يَوْمًا، أَيْ أُسْبُوعَيْنِ، وَأَقَلِّ مِنْ نِصْفِ شَهْرٍ، كَانَتِ الاحْتِجَاجَاتُ بِنُسَخِهَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ وَمَدِينَةٍ وَكُلِّ ضَيْعَةٍ فِي أَلْمَانْيَا، كَانَ الأَمْرُ مِثْلَ النَارِ فِي الْهَشِيمِ. وَبِتَدَاوُلِهَا بَيْنَ الشَعْبِ، بَدَأَ كُلُّ شَيْءٍ. يُعَقِّبُ كارْلْ بَارْت عَلَى الأَمْرِ قَائِلًا: "لَمْ يَكُنْ فِي نِيَّةِ لُوثَرَ تَضْخِيمُ الأَمْرِ وَنَشْرُهُ بَيْنَ الْعَامَّةِ. "كَانَ سَيُنَاقِشُ الأَمْرَ بِبَسَاطَةٍ مَعَ زُمَلائِهِ"، لَكِنَّ الاسْتِعَارَةَ الَتِي اسْتَخْدَمَها بَارْت كَانَتْ: "كَانَ مِثْلَ رَجُلٍ أَعْمَى يَصْعَدُ سَلالِمَ بُرْجِ جَرَسِ الْكَنِيسَةِ وَفَقَدَ تَوَازُنَهُ، فَتَحَسَّسَتْ يَدُهُ فِي الظَلَامِ وَأَمْسَكَتْ بِأَوَّلِ شَيْءٍ يُمْكِنُهُ حَمْلُهُ، وَكَانَ حَبْلَ جَرَسِ الْكَنِيسَةِ". وَفَجْأَةً بَدَأَ جَرَسُ الْكَنِيسَةِ يَرِنُّ وَيُوقِظُ كُلَّ مَنْ فِي الْبَلْدَةِ، فَهِذِهِ كَانَتْ نَتِيجَةَ الاحْتِجَاجَاتِ.
فَلَمْ تَضْطَرِبْ أَلْمَانْيَا وَحْدَها، بَلْ وَصَلَ خَبَرُ الاحْتِجَاجَاتِ بِسُرْعَةِ الْبَرْقِ إِلَى تِيتْزِل وَأَلْبِرْت، فَأَبْلَغَا بِدَوْرِهِمَا الْبَابَا لِيُو الْعَاشِرَ فِي رُومَا عَنْ هَذِهِ الاحْتِجَاجَاتِ، الَتِي رَفَضَها كُلِّيًّا وَاعْتَبَرَهُ رَاهِبًا مَخْمُورًا فِي أَلْمَانْيَا، لا يَفْقَهُ شَيْئًا. وَلَكِنْ تَوَاصَلَ أَوْجُ الأَمْرِ حَتَّى فِي النِهَايَةِ جُلِبَ لُوثَرُ إِلَى الْمَجْمَعِ الإِمْبْراطُورِيِّ فِي فُورْمْز عَامَ 1521 لِيَتَرَاجَعَ عَنْهَا وَيُنْكِرَهَا، لَكِنَّهُ قَالَ:
"تَطْلُبُونَ مِنِّي التَرَاجُعَ، تَطْلُبُونَ مِنِّي الإِجَابَةَ non cornutum بِدُونِ أَبْوَاقٍ. "لا يُمْكِنُنِي التَرَاجُعُ مَا لَمْ تُقْنِعْنِي الْكَلِمَةُ الْمُقَدَّسَةُ أَوِ الْمَنْطِقُ الْوَاضِحُ. فَإِنَّنِي لَنْ أَتَراجَعَ لأَنَّ ضَمِيرِي أَسِيرُ كَلِمَةِ اللهِ؛ وَالسُلُوكَ فِي مُخَالَفَةٍ لِلضَمِيرِ لَيْسَ صَوَابًا أَوْ آمِنًا. هُنَا أَقِفُ، ولَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ آخَرُ. لِيُعِنِّي اللهُ".
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ.
فِي مُحَاضَرَتِنا التَالِيَةِ، مَا أُرِيدُ أَنْ نَقُومَ بِهِ هُوَ إِلْقَاءُ نَظْرَةٍ عَلَى تَارِيخِ النِظَامِ الْكَامِلِ لِوُجْهَةِ نَظَرِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ عَنِ التَبْرِيرِ، لِفَهْمِ كَيْفَ وَصَلَ هَذَا إِلَى ذُرْوَتِهِ مَعَ جَدَلِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ، وَأَعْتَقِدُ أَنَّ أَفْضَلَ طَرِيقَةِ فَهْمٍ أَنَّ عَقِيدَةَ التَبْرِيرِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيَّةَ أَوِ الْمُصْلَحَةَ، تَارِيخِيًّا، ضِدُّ خَلْفِيَّةِ وُجْهَةِ نَظَرِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ. فَبِمَشِيئَةِ اللهِ سَنَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَرَّةَ الْقَادِمَةَ.