المحاضرة 1: عَقِيدَةٌ مِنْ أَجْلِ الْحَاضِرِ

الْيَوْمَ، سَنَبْدَأُ سِلْسِلَةَ مُحَاضَرَاتٍ عَنْ عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. وَسَنَتَنَاوَلُ الْعَقِيدَةَ مِنْ وُجْهَاتِ النَظَرِ التَارِيخِيَّةِ وَاللاهُوتِيَّةِ وَالْكِتَابِيَّةِ أَيْضًا طَوَالَ السِلْسِلَةِ. سَمِعْتُ مُؤَخَّرًا عَنْ مُؤَرِّخٍ كَنَسِيٍّ بَارِزٍ يَقُولُ إِنَّ الإِصْلاحَ انْتَهَى. أَيْ إِنَّ الْمَعْرَكَةَ الَتِي كَانَتْ مُسْتَعِرَةً فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، مَعَ بُزُوغِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ، قَدْ هَمَدَتْ وَخَمَدَتْ مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ، حتَّى إِنَّهُ لَمْ تَعُدْ هُنَاكَ حاجَةٌ مُطْلَقًا إِلَى اسْتِمْرَارِ المُنَاظَرَاتِ حَوْلَ عَقِيدَةٍ مِثْلِ عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهِ.

فَنَحْنُ نَعْلَمُ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَنَّه فِي الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَرَ أَثْنَاءَ الإِصْلاحِ البْرُوتِسْتَانْتِيِّ، عَانَتِ الْكَنِيسَةُ مِنْ أَعْمَقِ انْشِقاقٍ فِي تَارِيخِهَا، وَعَلَيْهِ احْتَدَّتِ الْمَعْرَكَةُ لِلْغَايَةِ عَقِبَ الانْفِصَالِ الَذِي حَدَثَ بَيْنَ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ وَالْكَنِيسَةِ البْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ. لِدَرَجَةِ أَنَّ الثَأْرَ بَيْنَهُمَا بَلَغَ سَفْكَ الدِمَاءِ أَحْيَانًا. لا أَتَذَكَّرُ ارْتِبَاطَ لَقَبِ "دَمَوِيٍّ" بِأَيِّ مَلِكٍ فِي إِنْجِلْتِرَا سِوَى بالْمَلِكَةِ مَارِي الدَمَوِيَّةِ أَثْنَاءَ مُحَاوَلَتِها اسْتِرْجَاعَ الْكاثُولِيكِيَّةِ إِلَى إِنْجِلْتِرا، فَشَنَّتِ اضْطِهَادًا عَنِيفًا ضِدَّ كُلِّ مَنْ هَرَبَ مِنِ اضْطِهادِهَا إِلَى بُلْدَانٍ أُخْرَى. لَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلاءِ الْمُؤْمِنِينَ تَعَذَّبُوا وَضُرِبُوا وَقُتِلُوا بِسَبَبِ أَمْرٍ بَدَا لِلْمُعَاصِرِينَ وَقْتَئِذٍ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنِزاعِ الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَرَ، وَأَنَّهُ بَالِغُ الأَهَمِّيَّةِ، فِي الْوَاقِعِ كَانَ جِدَالًا عَقَائِدِيًّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوَاقِبِ الأَبَدِيَّةِ.

فَعَلَى الْكَنِيسَةِ دَوْمًا مُوَاجَهَةُ الْجِدَالِ وَالانْقِسَامِ وَالْمُنَاقَشَاتِ بِشَأْنِ اللاهُوتِ، الَتِي يَكُونُ بَعْضُها أَكْثَرَ أَهَمِّيَّةً مِنْ غَيْرِها. عِنْدَمَا نَعُودُ إِلَى الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَنَتَأَمَّلُ الْجِدَالَ الْمُهِمَّ مَعَ أَرْيُوسَ الَذِي أَنْكَرَ أُلُوهِيَّةَ الْمَسِيحِ مِمَّا اسْتَدْعَى عَقْدَ مَجْمَعِ نِيقِيَّةَ الَذِي بِدَوْرِهِ أَصْدَرَ قَانُونَ الإِيمانِ النِيقَاوِيَّ. ثُمَّ نَأْتِي إِلَى الْقَرْنِ الْخَامِسِ، أَثْنَاءَ صِرَاعِ الْكَنِيسَةِ مَعَ أُوطَاخِي وَهَرْطَقَةِ "أُحَادِيَّةِ طَبِيعَةِ الْمَسِيحِ"، الْهَرْطَقَةِ الَتِي لَمْ تَقِلَّ خُطُورَتُها وَتَدْمِيرُها عَنْ تِلْكَ الَتِي لِنَسْطُورَ، مِمَّا دَعَا إِلَى عَقْدِ مَجْمَعِ خَلْقِيدُونِيَّةَ الَذِي فِيهِ حَصَلْنَا عَلَى التَعْرِيفِ الأَكْثَرِ اكْتِمالًا لِمَفْهُومِ الْكَنِيسَةِ عَنْ شَخْصِ الرَبِّ يَسُوعَ الَذِي صِيغَ وَقْتَئِذٍ. لَكِنَّ تِلْكَ الْخِلافاتِ، بِالرَّغْمِ مِنْ عُمْقِهَا فِي الْقَرْنَيْنِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ، قَدْ تُعَدُّ لا تُذْكَرُ عِنْدَمَا نَتَأَمَّلُ فِيمَا حَدَثَ فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ أَثْنَاءَ الإِصْلاحِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيِّ.

وَقَدِ اعْتَبَرَ مَارْتِنْ لُوثَر، كَمَا سَنَرَى الآنَ وَنَحْنُ نُواصِلُ حَدِيثَنا، أَنَّ قَضِيَّةَ التَبْرِيرِ فِي غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ عَلَى اسْتِعْدادٍ لانْشِقَاقِ الْكَنِيسَةِ مِنْ أَجْلِ خَلاصِ أُولَئِكَ الَذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا الإِنْجِيلَ. سَتَتَذَكَّرُونَ هَذَا إِذَا سَافَرْتُمْ إِلَى سْوِيسْرَا، وَذَهَبْتُمْ إِلَى حَدِيقَةِ الإِصْلاحِ بِمَدِينَةِ جُنِيفَ الْقَدِيمَةِ، إِذْ سَتُشَاهِدُونَ ذَلِكَ الْجِدَارَ الضَخْمَ الَذِي يَحْمِلُ مُجَسَّدَاتٍ لِرِجَالٍ مِثْلِ كَالْفِن وَبِيزَا وَلُوثَر وَزُوِينْجْلِي وَنُوكْس، وَغَيْرِهِمْ الَذِينَ بَرَزَتْ إِسْهَامَاتُهُمْ فِي إِصْلاحِ الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ. لَكِنْ أَيْضًا حُفِرَ عَلَى حَجَرِ جِدَارِ الإِصْلاحِ عِبَارَةٌ لاتِينِيَّةٌ تَقُولُ "post tenebras lux" (بُوسْتْ تِينِيبْرَاسْ لُوكْسْ) الَتِي تَعْنِي "بَعْدَ الظُلْمَةِ نُورٌ".

لَقَدْ كَانَ لُوثَرُ مُقْتَنِعًا أَنَّ الإِنْجِيلَ نَفْسَهُ خَيَّمَتْ عَلَيْهِ سَحَابَةٌ مُظْلِمَةٌ قَاتِمَةٌ فِي نِهَايَةِ الْعُصُورِ الْوُسْطَى في عَصْرٍ مِنَ الْفَسَادِ الْكَنَسِيِّ غَيْرِ الْمَسْبُوقِ. وَإِنَّ الإِصْلاحَ، بِحَسَبِ مَنْظُورِهِ، كَانَ المُنْتَشِلَ وَالْمُسْتَرِدَّ لِلإِنْجِيلِ نَفْسِهِ عَلَى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ. إِنَّهُ الإِنْجِيلُ الَذِي خُبِّئَ أَسْفَلَ دَسَائِسِ طُقُوسِ كَنِيسَةِ الْعُصُورِ الوُسْطَى، وَهَذَا مَا كَانَ لُوثَرُ مُهْتَمًّا بِإِصْلاحِهِ، أَنْ يَرْفَعَ الإِنْجِيلَ وَيَضَعَهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ كَيْ يُشْرِقَ بِنُورِهِ مِنْ جَدِيدٍ عَلَى حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ.

عَلَى سَبِيلِ الْمِثالِ وَفِي مَرْحَلَةٍ مَا فِي أَثْنَاءِ مَا كَانَتْ تُعَدُّ مَسْأَلَةُ "السَمَاحِ لِلشَعْبِ بِقِرَاءَةِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ مُتَجَاهِلِينَ تَفْسِيرَ الْكَنِيسَةِ" مَسْأَلَةَ جِدَالٍ ثَانَوِيَّةً مَعَ الْكَنِيسَةِ، قَالَتِ الْكَنِيسَةُ: "إِذَا سَمَحْتَ لِلشَعْبِ بِقِرَاءَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِلُغَتِهِمْ، فَرَضًا، بِأَنْفُسِهِمْ، سَيَجْلُبُ هَذَا طُوفَانًا مِنَ الشَرِّ، وَسَيَنْشَأُ عَنْهُ عَدَدٌ ضَخْمٌ مِنَ الطَوَائِفِ، وَسَتَدَّعِي كُلٌّ مِنْهَا بِأَنَّ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ سَنَدُها الشَرْعِيُّ"، وَبِالطَبْعِ مُنْذُ أَنْ صَدَرَ هَذَا التَحْذِيرُ لِلُوثَرَ مُنْذُ مَا يَقْرُبُ مِنْ 500 عَامٍ، نَشَأَتْ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْ طَائِفَةٍ بْرُوتِسْتَانْتِيَّةٍ فِي الْعَالَمِ، تَدَّعِي كُلٌّ مِنْهَا أَنَّهَا الْكَنِيسَةُ الْكِتَابِيَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ. لِذَا لُوثَرُ كَانَ مُدْرِكًا أَنَّ هَذَا سَيَحْدُثُ، لَكِنَّهُ قَالَ إِنَّ رِسَالَةَ الإِنْجِيلِ وَاضِحَةٌ تَمامًا فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ لِلطِفْلِ اسْتِيعَابُها، وَإِنَّ حَجْبَ رِسَالَةِ الإِنْجِيلِ عَنِ الْبَشَرِ فِعْلٌ لا يُغْتَفَرُ. لِذَا طَلَبَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ مُتَاحًا لِكُلِّ إِنْسَانٍ كَيْ يَتَمَكَّنَ الْجَمِيعُ مِنْ سَمَاعِ رِسَالَةِ الإِنْجِيلِ وَفَهْمِهَا وَتَعَلُّمِهَا. وَرَدَّ عَلَى الْكَنِيسَةِ قَائِلًا: "إِنْ ضَرَبَ طُوفَانٌ مِنَ الشَرِّ، فَلْيَضْرِبْ".

أَقْصِدُ أَنَّهُ عَلَيْنَا السُؤَالُ عَنْ حَالَةِ مَارْتِن لُوثَر النَفْسِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ؛ إِذْ كَيْفَ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَ عَالَمِ زَمَنِهِ بِرُمَّتِهِ مُتَشَبِّثًا بِهَذِهِ الْعَقِيدَةِ تَحْدِيدًا، عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. وَقَدْ قَالَ عِبَارَةً شَهِيرَةً تَقُولُ إِنَّ عَقِيدَةَ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ تُعَدُّ الْعَقِيدَةَ الَتِي تَقُومُ عَلَيْها الْكَنِيسَةُ وَبِدُونِهَا تَسْقُطُ. فَهِيَ عَقِيدَةٌ فِي غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ لِدَرَجَةِ أَنْ يَقُولَ إِنْ فَقَدْناها، سَنَفْقِدُ الْمَسِيحِيَّةَ. قَالَ إِنَّ التَبْرِيرَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ هُوَ الْقَائِمُ وَالْعَمُودُ وَالْمِقْيَاسُ لِكُلِّ شَيْءٍ آخَرَ نَتَعَلَّمُهُ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، فَنُرَدِّدَ شِعَارَهُ مَرَّةً أُخْرَى: إِنَّهَا الْعَقِيدَةُ الَتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْكَنِيسَةُ وَبِدُونِها تَسْقُطُ.

فَمَاذَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ؟ يَقْصِدُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَقِيدَةُ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ مَوْجُودَةً، فَلا تُوجَدُ رِسَالَةُ الإِنْجِيلِ؛ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ رِسَالَةُ الإِنْجِيلِ، فَمَا مِنْ سَبَبٍ لِوُجُودِ الْكَنِيسَةِ. فَالْكَنِيسَةُ ذَاتُها تَتَوَقَّفُ عَنْ أَنْ تَكُونَ كَنِيسَةً وَتَسْقُطُ فِي الارْتِدادِ. لَكِنْ بِصَرْفِ النَظَرِ عَنِ التَطْبِيقِ الْكَنَسِيِّ الْعَامِّ الْمُبَاشِرِ، يَسْتَفِيضُ لُوثَرُ بِالْقَوْلِ إِنَّ عَقِيدَةَ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ هِيَ الْعَقِيدَةُ الَتِي تَقِفُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَبِدُونِها تَسْقُطُ، وَهِيَ الْعَقِيدَةُ الَتِي أَقِفُ عَلَيْهَا أَنَا وَبِدُونِهَا أَسْقُطُ. مَرَّةً أُخْرَى، لِمَاذَا؟ لأَنَّهَا الْعَقِيدَةُ الَتِي تُجِيبُ عَنْ سُؤَالِ: "مَاذا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لأَخْلُصَ؟" كَيْفَ يَنَالُ أَيُّ إِنْسَانٍ الْخَلاصَ.

فَالْمُشْكِلَةُ العُظْمَى الْوَاقِفَةُ أَمَامَ الجِنْسِ البَشَرِيِّ هِيَ أَنَّ اللهَ قُدُّوسٌ. اللهُ بَارٌّ. اللهُ عَادِلٌ. لَكِنْ نَحْنُ لَسْنَا كَذَلِكَ. فَلِذَا يَتَمَحْوَرُ سُؤَالُ التَبْرِيرِ حَوْلَ: "كَيْفَ أَسْتَطِيعُ أَنَا الإِنْسَانَ الشِرِّيرَ مِنْ إِقَامَةِ عَلاقَةٍ قَوِيمَةٍ مَعَ الْخَالِقِ؟" كَثِيرُونَ لا يَشْغَلُونَ بَالَهُمْ كَثِيرًا بِهَذَا. إِذْ يَظُنُّونَ أَنَّ اللهَ خَادِمٌ سَمَاوِيٌّ حَاضِرٌ لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ طِلْبَةٍ مِنْ طِلْبَاتِنَا، وَيَتَحَلَّى بِرَحْمَةٍ لا نِهَائِيَّةٍ إِذْ يَغْفِرُ مِنْ جَانِبِهِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ ذُنُوبَهُ وَلا يَطْلُبُ أَيَّ عَمَلِيَّةٍ تُبَرِّرُ الْفاجِرَ. فَهُوَ اللهُ. يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. فَلِمَاذا لا يُشِيرُ بِيَدَيْهِ مُعْلِنًا بِبَسَاطَةٍ: "افْتُدِيتُمْ كُلُّكُمْ. "وَمَغْفُورٌ لِجَمِيعِكُمْ. "لَقَدْ خَلُصْتُمْ جَمِيعًا". فِي الْحَقِيقَةِ، لا يَسْتَطِيعُ فِعْلَ ذَلِكَ.

بَلْ دَعُونِي أَقُولُ إِنَّهُ لَنْ يَفْعَلَ هَذَا لأَنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ فِعْلَ ذَلِكَ؛ وَلا يَسْتَطِيعُ فِعْلَ ذَلِكَ لأَنَّهُ اللهُ وَلأَنَّهُ إِلَهٌ بَارٌّ. فَالطَرِيقَةُ الْوَحِيدَةُ الَتِي يُمْكِنُهُ بِهَا فِدَاءُ الْبَشَرِ بِدُونِ إِجْرَاءِ عَمَلِ التَبْرِيرِ هِيَ أَنْ يَتَنَازَلَ عَنْ بِرِّهِ. لِذَا يَقُولُ بُولُسُ فِي رُومِيَةَ: "إِنَّ اللهَ فَتَحَ طَرِيقًا لِلْبِرِّ بِالْمَسِيحِ لِيَكُونَ اللهُ حِينَهَا الْبَارَّ وَالْمُبَرِّرَ مَعًا". فَاللهُ يَجِدُ أَوْ لَدَيْهِ طَرِيقٌ، لا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَجِدَهُ، فَهُوَ يَعْلَمُ مُنْذُ الأَزَلِ هَذَا الطَرِيقَ للتَبْرِيرِ الَذِي بِهِ يَسْتَطِيعُ حِفْظَ بِرِّهِ وَفِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ يَفْدِينَا نَحْنُ الَذِينَ لا بِرَّ فِينَا.

فَلِذَا يَتَمَحْوَرُ الْجِدَالُ ثَانِيَةً حَوْلَ سُؤالِ كَيْفَ يَخْلُصُ الإِنْسَانُ. فَهِذِه لَيْسَتْ عَقِيدَةً لا عَلاقَةَ لَهَا بِالْمَوْضُوعِ بِأَيِّ حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ. فَقَدْ أَضَافَ كَالْفِنْ رَأْيَهُ إِلَى رَأْيِ لُوثَرَ قَائِلًا إِنَّ التَبْرِيرَ هُوَ الْمُفَصَّلَةُ الَتِي يَتَحَرَّكُ مِنْ عَلَيْهَا كُلُّ شَيْءٍ. لَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا التَشْبِيهَ مِرَارًا وَتَكْرَارًا فِي كِتَابَاتِ جُون كَالْفِنْ، وَتَأَمَّلْتُهُ وَأَعْتَقِدُ أَنَّ كَالْفِنْ عِنْدَما يَتَحَدَّثُ عَنِ الْمُفَصَّلاتِ، لا بُدَّ أَنْ رَاوَدَتْهُ طَرِيقَةُ عَمَلِ الْبَابِ لأَنَّنَا عَادَةً مَا نَرْبُطُ الْمُفَصَّلاتِ بِالأَبْوابِ. فَالأَبْوَابُ تَتَأَرْجَحُ لِلدَاخِلِ وَالْخَارِجِ لأَنَّهَا غَيْرُ مُثْبَتَةٍ بِإِحْكَامٍ عَلَى الإِطَارِ، لَكِنْ عَلَى مُفَصَّلَةٍ تَسْمَحُ لَهَا بِالتَأَرْجُحِ إِلَى الدَاخِلِ وَإِلَى الْخَارِجِ، مِمَّا يَسْتَدْعِينِي إِلَى الْقَفْزِ مِنْ هُنَا إِلَى عَدَدِ الْمَرَّاتِ الَتِي اسْتَخْدَمَ فِيهَا رَبُّنَا بِنَفْسِهِ هَذَا التَشْبِيهَ، بِالْبَابِ، فِي حَدِيثِهِ عَنِ الْخَلاصِ. إِذْ نَجِدُهُ يَقُولُ: "أَنَا هُوَ الْبَابُ الَذِي عَبْرَهُ يَمُرُّ الْبَشَرُ لِيَدْخُلُوا إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ"، وَأَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا مَا كانَ فِي ذِهْنِ كَالْفِن. لأَنَّهُ حِينَ يَتَكَلَّمُ عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي صُورَةِ مُفَصَّلَةٍ يَتَأَرْجَحُ عَلَيْهَا كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، يَكُونُ كَالْفِنْ قَدْ فَهِمَ أَنَّ عِبَارَةَ "التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ" تَبْسِيطٌ مُوجَزٌ لِلتَبْرِيرِ بِالْمَسِيحِ وَحْدَهُ، وَكَانَتْ هَذِهِ هِيَ الْقَضِيَّةُ.

وَبَعْدَ ذَلِكَ، اسْتَخْدَمَ پَاكِرُ تَشْبِيهًا مُخْتَلِفًا فِي اسْتِهْلالِ مُقَدِّمَتِهِ لِلتَرْجَمَةِ الإِنْجْلِيزِيَّةِ لِكِتَابِ "تَجَسُّدُ الْكَلِمَةِ" لأَثَنَاسْيُوس. وَكَانَ التَشْبِيهُ بِأَطْلَسَ، الَذِي كَانَ يَحْمِلُ كَوْكَبَ الأَرْضِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ؛ فَقَالَ إِنَّ التَبْرِيرَ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ هُوَ أَطْلَسُ الإِيمانِ الْمَسِيحِيِّ. فَإِنْ هَزَّ أَطْلَسُ كَتِفَيْهِ وَسَقَطَتِ الْعَقِيدَةُ مِنْ عَلَيْهِ، سَيَنْهَارُ كُلُّ شَيْءٍ. سَتَفْنَى جَمِيعُ حَقَائِقِ الإِيمانِ الْمَسِيحِيِّ مَعَها. وَالآنَ قَدْ يَنْظُرُ الْبَعْضُ إِلَى عِبَارَاتِ كَالْفِنْ وَپَاكِرَ وَلُوثَرَ وَيَقُولُونَ: "هَذِهِ مُبَالَغَةٌ. فَهُمْ يُبَالِغُونَ فِي أَهَمِّيَّتِها". كَمَا يَضُمُّ حَاضِرُنا، كَمَا قُلْتُ سَابِقًا، مَنْ يَرَوْنَ أَنَّ عَصْرَ الإِصْلاحِ قَدِ انْتَهَى. وَقَدْ سَمِعْتُ، بِخِلافِ ذَلِكَ، أَنَّ بَعْضَ عُلَماءِ اللَاهُوتِ يَقُولُونَ إِنَّ "الإِصْلاحَ كَانَ مُجَرَّدَ سُوءِ فَهْمٍ". وَسَمِعْتُ لاهُوتِيًّا آخَرَ يَقُولُ: "كَانَ زَوْبَعَةَ فُنْجَانٍ"، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِالأَمْرِ الْجَلَلِ. لَقَدْ غَضِبَ الشَعْبُ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، وَاهْتَاجُوا، وَهَذَا فِي الْغَالِبِ بِسَبَبِ سُوءِ تَوْضِيحِهَا وَسُوءِ فَهْمِهِمْ، مُتَجَاهِلِينَ تَمَامًا الْمُنَاقَشَاتِ وَالْجِدَالاتِ وَالْمُحَاوَلاتِ الْكَثِيرَةَ الَتِي جَرَتْ فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ لِإصْلاحِ هَذَا الصَدْعِ وَمَحْوِ هَذَا الانْقِسَامِ مِمَّا قَادَ فِي النِهَايَةِ إِلَى مُؤْتَمَرِ رِيجِنْسبُورْج، الَذِي سَنَتَحَدَّثُ عَنْهُ لاحِقًا. وَقَدْ بَاءَتْ كُلُّ الْجُهُودِ بِالْفَشَلِ لأَنَّ الاخْتِلافاتِ لَمْ تَكُنْ مُدْرَكَةً. لَقَدْ كَانَتْ حَقِيقِيَّةً، وَلا تَزَالُ حَقِيقِيَّةً حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا، كَمَا سَنَرَى.

لَدَيَّ شَيْءٌ أَخِيرٌ قَبْلَ أَنْ أَتَنَاوَلَ بَعْضَ الْخَلْفِيَّاتِ التَارِيخِيَّةِ لِلْعَقِيدَةِ، خِلالَ هَذَا الأُسْبُوعِ فَحَسْبُ قَرَأْتُ تَعْلِيقَاتٍ لِلْبَعْضِ عَلَى مَوْقِعِ الْفَيْسْبُوك وَبَعْضِ وَسَائِلِ التَوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، سَمِعْتُ أَوْ قَرَأْتُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الأَقَلِّ عِبَارَاتٍ تَقُولُ إِنَّنَا لَمْ نَخْلُصْ بِالإِيمَانِ بِالْعَقِيدَةِ. نَحْنُ لَسْنَا مُخَلَّصِينَ بِالإِيمَانِ بِعَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ تَحْدِيدًا. إِنَّ هَذَا الانْتِقَادَ تَحْدِيدًا، الَذِي قَرَأْتُهُ مِرَارًا وَتَكْرارًا فِي الأَشْهُرِ الأَخِيرَةِ، يُتَّهَمُ بِهِ أُولَئِكَ الَذِينَ يَتَبَنَّوْنَ مَا نُسَمِّيهِ "اللَاهُوتَ الْمُصَلَحَ".

أُرِيدُ فَحَسْبُ أَنْ أَقُولَ فِي سَبِيلِ الْمُقَدِّمَةِ، لَمْ أَسْمَعْ قَطُّ، خِلالَ حَيَاتِي وَتَدْرِيسِي عَلَى مَدَى خَمْسِينَ عَامًا، مِنْ لاهُوتِيٍّ مُصْلَحٍ أَوْ مُؤْمِنٍ مُصْلَحٍ يَقُولُ إِنَّكَ تَخْلُصُ بِالإِيمَانِ بِالْعَقِيدَةِ، بِالإِيمَانِ بِعَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. فِي الْحَقِيقَةِ، إِذَا كانَ هُنَاكَ أَيُّ شَيْءٍ سَيَدْحَضُ فِكْرَةَ الْخَلاصِ بِالإِيمانِ بِعَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ، فَسَتَكُونُ عَقِيدَةُ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ ذَاتُهَا. لأَنَّ عَقِيدَةَ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ تَقْطَعُ الطَرِيقَ أَمَامَ فِكْرَةِ الْخَلاصِ بِإِيمَانٍ غَيْرِ الإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ وَحْدَهُ. لَيْسَتِ الْعَقِيدَةُ مَا يُخَلِّصُ، بَلِ الْمَسِيحُ هُوَ مَن يُخلِّصُ. مَا تُحَاوِلُ الْكَنِيسَةُ أَنْ تُوَضِّحَهُ بِمُصْطَلَحِ عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ، هُوَ شَرْحُ كَيْفَ يُخلِّصُ الْمَسِيحُ شَعْبَهُ. فَمَا نَقُولُهُ هُوَ إِنَّ التَبْرِيرَ يَتِمُّ بِإِيمَانِنَا بِالْمَسِيحِ، الْمَسِيحِ وَحْدَهُ، لا فِي كُتُبِ لاهُوتِنا، وَلا فِي قَوَاِنينِ إِيمانِنا، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَهَمِّيَّتِها، وَلا فِي إِقْرارَاتِ إِيمَانِنَا بَلْ فِي إِيمَانِنَا الْفِعْلِيِّ الَذِي عَامِلُهُ هُوَ الْمَسِيحُ، لا فِي عَقِيدَةٍ عَنِ الْمَسِيحِ. أَرْجُو أَنْ تَرَوْا هَذَا الاخْتِلافَ.

حَسَنًا، كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْأَلُ نَفْسِي، أَنَا عَلَى يَقِينٍ تامٍّ بِأَنَّ مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَخْلُصُ لِمُجَرَّدِ تَأْكِيدِهِ عَلَى عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. فَالشَيْطَانُ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ، لَكِنَّ نَقِيضَ ذَلِكَ لَيْسَ بِالأَمْرِ الْيَسِيرِ. مَاذَا يَحْدُثُ إِنْ أَنْكَرْتُمْ عَقِيدَةَ التَبْرِيرِ بِالإِيمانِ وَحْدَهُ؟ حَسَنًا، هَذَا أَمْرٌ مُخْتَلِفٌ، لأَنَّكُمُ الآنَ تُنْكِرُونَ أَنَّ الْمَسِيحَ، الْمَسِيحَ وَحْدَهُ، قَدْ خَلَّصَكُمْ، وَسَيَكُونُ هَذَا الإِنْكَارُ كَافِيًا لِهَلاكِكُمْ. هَذَا مَا آمَنَتْ بِه الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ وَالْكَنِيسَةُ الْبْرُوتِسْتَانْتِيَّةُ أَيْضًا كَمَا سَنَرَى. آمَنَتْ كِلْتَاهُمَا بِأَنَّ عَقِيدَةَ الْخَلاصِ ضَرُورِيَّةٌ لِفِدَائِنا الأَبَدِيِّ، وَمَا نُؤْمِنُ بِهِ عَنِ الْمَسِيحِ يَظَلُّ ضَرُورِيًّا إِلَى الأَبَدِ، لَكِنَّهُمَا آمَنَتَا أَيْضًا بِأَنَّ التَعْلِيمَ الزَائِفَ عَنْهَا يَسْتَوْجِبُ اللَعْنَةَ وَالْهَلاكَ، كَمَا سَنَرَى عِنْدَمَا نَنْظُرُ إِلَى مَجْمَعِ تْرِينْت وَأَيْضًا فِي رِسَالَةِ بُولُسَ إِلَى أَهْلِ غَلاطِيَةَ.

لَكِنْ بِبَدْءِ اسْتِكْشَافِنَا هُنَا لعَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإيمَانِ وَحْدَهُ، أُرِيدُ فَحَسْبُ أَنْ أَبْدَأَ بِالْقَوْلِ إِنَّ الإِصْلاحَ لَمْ يَكُنْ زَوْبَعَةَ فُنْجَانٍ. هَذَا أَمْرٌ خَطِيرٌ لِلْغَايَةِ، فَلَمْ يَبْدَأِ الْبَشَرُ بِقَوْلِ إِنَّ الْعَقِيدَةَ لَيْسَتْ مُهِمَّةً إِلَّا فِي عَصْرِ عَدَمِ الإِيمانِ عُمُومًا. إِنَّ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِأَيِّ شَيْءٍ، عَلَى اسْتِعْدادٍ لِلتَفَاوُضِ بِشَأْنِ كُلِّ شَيْءٍ عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِاللاهُوتِ، وَلَكِنَّ هَذَا الَلاهُوتَ يُحَدِّدُ فَهْمَ الْكَنِيسَةِ لِرِسَالَةِ الإِنْجِيلِ نَفْسِهَا.