المحاضرة 1: مَا مِقْيَاسُ الْحَقِّ؟

الْكَنِيسَةُ الْمَسِيحِيَّةُ مَوْجُودَةٌ عَلَى هَذَا الْكَوْكَبِ مُنْذُ نَحْوِ أَلْفَيْ سَنَةٍ. وَطَوَالَ الأَلْفِ وَثَمَانِمَائَةِ سَنَةٍ الأُولَى مِنْ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، تَحَلَّتِ الْكَنِيسَةُ فِعْلِيًّا بِيَقِينٍ عَامٍّ فِي مَصْدَرِهَا الرَئِيسِيِّ لِلسُلْطَةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَهُوَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ. لَكِنْ فِي الْمَائَتَيْ سَنَةٍ الأَخِيرَةٍ، مَرَّتِ الْكَنِيسَةُ بِأَزْمَةٍ غَيْرِ مَسْبُوقَةٍ، وَصَلَتْ حَتَّى إِلَى جُذُورِ حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ، إِذْ تَعَلَّقَتْ بِالسُؤَالِ: "هَلْ نَسْتَطِيعُ الْوُثُوقَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟" وَوُجِّهَ الْكَثِيرُ جِدًّا مِنَ النَقْدِ الأَكَادِيمِيِّ وَالْعِلْمِيِّ لِجَدَارَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِالثِقَةِ، خِلالَ الْمَائَتَيْ سَنَةٍ الأَخِيرَةِ، حَتَّى إِنَّنَا عَانَيْنَا، لَيْسَ فَقَطْ فِي الْكَنِيسَةِ، بَلْ فِي الْمُجْتَمَعِ أَيْضًا، مِنْ فُقْدَانٍ لِمَعْنَى السُلْطَةِ بِرُمَّتِهِ. أَحَدُ اللَاهُوتِيِّينَ، فِي مَطْلَعِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، أَدْلَى بِهَذِهِ الْمُلاحَظَةِ، وَقَالَ: "بَلَغَتْ أَيَّامُ النَقْدِ الْكِتَابِيِّ ذُرْوَتَهَا، لِدَرَجَةِ أَنَّنَا نَعِيشُ الْيَوْمَ فَتْرَةً مِنَ التَشْوِيهِ الْكِتَابِيِّ المُتَعَمِّدِ".

وَكَيْ نَفْهَمَ أَزْمَةَ السُلْطَةِ الْكِتَابِيَّةِ هَذِهِ، أَوَدُّ أَنْ نَعُودَ بِالزَمَنِ قَلِيلًا، لِعَمَلِ اسْتِطْلاعٍ تَارِيخِيٍّ، فَنَذْهَبُ أَوَّلًا إِلَى الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، إِلَى الإِصْلَاحِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيِّ. أَعْتَقِدُ أَنَّ غَالِبِيَّةَ الْمَسِيحِيِّينَ يُدْرِكُونَ أَنَّ الْقَضِيَّةَ الْجَوْهَرِيَّةَ لِلإِصْلاحِ البْرُوتِسْتَانْتِيِّ فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ تَعَلَّقَتْ بِعَقِيدَةِ لُوثَرَ عَنِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ. وَكَانَ شِعَارُ الإِصْلاحِ، بِسَبَبِ أَنَّ التَبْرِيرَ كَانَ نُقْطَةَ الْجَدَلِ الْمِحْوَرِيَّةَ، هُوَ الْعِبَارَةُ اللَاتِينِيَّةُ الْبَسِيطَةُ: "سُولا فِيدِي"، وَمَعْنَاهَا "بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ". كَمَا سَمِعْنَا بِمَا فَعَلَهُ لُوثَرُ فِي عَشِيَّةِ عِيدِ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، حِينَ عَلَّقَ الْخَمْسَ وَالتِسْعِينَ أُطْرُوحَةً عَلَى بَابِ الْكَنِيسَةِ فِي فِيتِنْبُرْجْ (Wittenburg). ثُمَّ نَتَتَبَّعُ الانْتِشَارَ السَرِيعَ لِلْجَدَلِ، مُتَجَاوِزًا حُدُودَ تِلْكَ الْجَامِعَةِ، وَمُكْتَسِحًا أَلْمَانْيَا كُلِّهَا، مُحْدِثًا صَخَبًا شَدِيدًا، مُؤَدِّيًا فِي النِهَايَةِ إِلَى أَكْبَرِ تَمَزُّقٍ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ فِي جَسَدِ الْمَسِيحِ. وَفِي الْوَاقِعِ، حِينَ عَزَلَ بَابَا رُومَا لُوثَرَ فِي النِهَايَةِ، كَانَ الْمَرْسُومُ الْبَابَوِيُّ الَذِي أَعْلَنَ عَزْلَهُ بِعُنْوَانِ إِكْسُورْج دُومِينِي "Exsurge Domine"، وَمَعْنَاهُ بِاللَاتِينِيَّةِ "قُمْ يَا رَبُّ". (هَذِهِ أُولَى كَلِمَاتِ الْمَنْشُورِ الْبَابَوِيِّ)، مَتْبُوعًا بِهَذِهِ الْمُلاحَظَةِ: "هُنَاكَ خِنْزِيرٌ بَرِّيٌّ طَلِيقٌ فِي كَرْمِكَ". وَكَانَ هَذَا الْخِنْزِيرُ الْبَرِّيُّ، قَطْعًا، هُوَ مَارْتِن لُوثَرُ، الَذِي قَلَبَ الْعَالَمَ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، بِسَبَبِ الْجَدَلِ حَوْلَ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ.

لَكِنْ مَا يُغْفَلُ عَنْهُ عَادَةً فِي هَذَا النِزَاعِ الَذِي دَارَ فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ هُوَ جَدَلٌ آخَرُ رُبَّمَا كَانَ مُهِمًّا لِحَيَاةِ الْكَنِيسَةِ وَلِلأَجْيَالِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ بِقَدْرِ أَهَمِّيَّةِ الْجَدَلِ حَوْلَ التَبْرِيرِ. وَفِي الْوَاقِعِ، يُحِبُّ مُؤَرِّخُو الْكَنِيسَةِ اسْتِخْدَامَ تَفْرِقَةٍ قَدِيمَةٍ، رُبَّمَا كَانَ أَرِسْطُو أَوَّلَ مَنْ عَرَّفَ بِهَا فِي أَثِينَا الْقَدِيمَةِ. وَهِيَ تَفْرِقَةٌ بَيْنَ مَا يُسَمَّى "الشَكْلَ" وَ"الْمَادَّةَ". الْمَادَّةُ هِيَ جَوْهَرُ الشَيْءِ. وَالشَكْلُ، بِالتَأْكِيدِ، هُوَ الْهَيْكَلُ الَذِي يُسْكَبُ أَوْ يُصَبُّ فِيهِ هَذَا الْجَوْهَرُ. إِذَنْ، نَحْنُ نُمَيِّزُ فِي الْفَلْسَفَةِ بَيْنَ الشَكْلِي وَالْمَادِّي. وَعِنْدَمَا يَنْظُرُ الْمُؤَرِّخُونَ إِلَى الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، يَقُولُونَ: "كَانَتِ الْقَضِيَّةُ الْمَادِّيَّةُ لِلإِصْلاحِ، أَيْ جَوْهَرُ هَذَا الْجَدَلِ، هُوَ الْجَدَلُ حَوْلَ التَبْرِيرِ". لَكِنَّ الْقَضِيَّةَ الشَكْلِيَّةَ لِلْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، أَيِ الْهَيْكَلَ الَذِي دَارَ بِدَاخِلِهِ الْجَدَلُ بِرُمَّتِهِ، هُوَ مَسْأَلَةُ السُلْطَةِ النِهَائِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ وَالْمُؤْمِنِ.

بَعْدَمَا عَلَّقَ لُوثَرُ أُطْرُوحَاتِهِ فِي فِيتِنْبُرْجْ، وَاسْتَرْعَى انْتِبَاهَ سُلُطَاتِ الْكَنِيسَةِ فِي رُومَا، وَوَرَّطَ نَفْسَهُ فِي مَأْزِقٍ كَنَسِيٍّ كَبِيرٍ، الْتَمَسَ فُرْصَةً لِخَوْضِ نِقَاشٍ، بَلْ وَلِلْمُشَارَكَةِ فِيمَا كَانَ يُسَمَّى بِالْمُنَاظَراتِ الْعَامَّةِ. وَكَمَا تُوحِي كَلِمَةُ "مُنَاظَراتٍ"، كَانَ مَعْنَاهَا خَوْضَ نَقِاشٍ لاهُوتِيٍّ مَعَ مُمَثِّلِينَ مِنَ الْكَنِيسَةِ، لِمُحَاوَلَةِ التَوَصُّلِ إِلَى حَلٍّ سِلْمِيٍّ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ الَتِي كَانَتْ تُهَدِّدُ وَحْدَةَ الْكَنِيسَةِ. وَبِالطَبْعِ، خِلالَ تِلْكَ الْفَتْرَةِ، خَاضَ لُوثَرُ مُنَاظَرَتَيْنِ مِنْ هَذَا النَوْعِ، رُبَّمَا مَعَ أَعْظَمِ لاهُوتِيَّيْنِ كَاثُولِيكيَّيْنِ فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، مَارْتِنْ إِيك (Martin Eck) وَالْكَارْدِينَالِ كَايِيتَانْ (Cajetan).

لَكِنَّ الْمُثِيرَ لِلاهْتِمَامِ فِي هَذِهِ الْمُنَاظَرَاتِ، بِالنِسْبَةِ إِلَيَّ عَلَى الأَقَلِّ، هُوَ أَنَّهُمْ بَيْنَمَا كَانُوا يُنَاقِشُونَ قَضِيَّةَ التَبْرِيرِ، قالَ هَذَانِ اللاهُوتِيَّانِ الْعَظِيمَانِ لِهَذَا الرَاهِبِ الأُوغُسْطِينِيِّ مِنْ فِيتِنْبُرْج إِنَّ آراءَهُ فِي مَوْضُوعِ التَبْرِيرِ تَخْتَلِفُ كَثِيرًا عَنْ بَعْضِ التَعَالِيمِ الرَسْمِيَّةِ لِلْكَنِيسَةِ. وَذَكَّرَا لُوثَرَ بِمَا عَلَّمَتْهُ الْكَنِيسَةُ فِي مَجَامِعِهَا الْكُبْرَى، حِينَ اجْتَمَعَتِ الْكَثِيرُ مِنَ الشَخْصِيَّاتِ الْبَارِزَةِ فِي الْكَنِيسَةِ، لِلْبَحْثِ فِي الْقَضَايَا اللَاهُوتِيَّةِ، وَتَوَصَّلُوا إِلَى تَعْرِيفٍ رَسْمِيٍّ لِلْعَقِيدَةِ، وَقَدَّمُوهُ تَحْتَ مُسَمَّى "دِي فِيدِي"، أَيْ شَرْحٍ لِلْعَقِيدَةِ الرَسْمِيَّةِ لِلْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مَا جَعَلَهُ مُلْزِمًا لأيِّ عُضْوٍ فِي الْكَنِيسَةِ. وَلَمْ يَكْتَفِ هَذَانِ اللاهُوتِيَّانِ بِلَفْتِ انْتِباهِ لُوثَرَ إِلَى الْمَجَامِعِ السَابِقَةِ لِلْكَنِيسَةِ، لَكِنَّهُمَا نَهَضَا، وَرَدَّدَا تَصْرِيحَاتٍ بَابَوِيَّةً مُتَعَلِّقَةً بِالتَبْرِيرِ. وَاسْتَطَاعَا إِظْهَارَ أَنَّ لُوثَرَ يَخْتَلِفُ فِي الرَأْيِ مَعَ كُلٍّ مِنَ الْبَابَا وَمَجَامِعِ الْكَنِيسَةِ.

وَعِنْدَ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ مِنَ الْمُدَاوَلاتِ، صَارَ مَارْتِنْ لُوثَرُ، فِي نَظَرِ بَعْضِ رِجَالِ الدِينِ فِي الْكَنِيسَةِ، الرَجُلَ الأَشَدَّ تَعَجْرُفًا عَلَى الإِطْلاقِ. وَسَأَلُوهُ: "مَنْ تَخالُ نَفْسَكَ، إِذْ تَظُنُّ أَنَّكَ أَحْكَمُ مِنْ مَجَامِعِ الْكَنِيسَةِ، أَوْ مِنَ الْحَبْرِ الأَعْظَمِ فِي رُومَا؟ كَيْفَ تَجْرُؤُ عَلَى تَعْلِيمِ عَقِيدَتِكَ عَنِ التَبْرِيرِ، فِيمَا أَنْتَ فِي تَعارُضٍ مَعَ تَعْرِيفِ الْكَنِيسَةِ الرَسْمِيِّ لَهُ فِي الْمَاضِي؟" إِذًا، خِلالَ هَذِهِ الْمُنَاظَراتِ، سُئِلَ لُوثَرُ: "هَلْ تُعَارِضُ الْبَابَا وَمَجَامِعَ الْكَنِيسَةِ؟" وَلِصَدْمَةِ الْحَاضِرِينَ، اعْتَرَفَ لُوثَرُ بِاخْتِلافِهِ مَعَ بَعْضِ هَذِهِ التَعَالِيمِ الْكَنَسِيَّةِ، وَاعْتَرَفَ أَمَامَ الْمُجْتَمِعِينَ بِأَنَّهُ، فِي رَأْيِهِ -الَذِي لَمْ يَبْدُ لِلْكَثِيرِينَ رَأْيًا مُتَوَاضِعًا- يُمْكِنُ لِمَجَامِعِ الْكَنِيسَةِ أَنْ تُخْطِئَ. فَيُمْكِنُ لِلْمَجَامِعِ أَنْ تَرْتَكِبَ الأَخْطَاءَ. وَلَيْسَتْ مَجَامِعُ الْكَنِيسَةِ فَقَطْ يُمْكِنُ أَنْ تُخْطِئَ لاهُوتِيًّا، بَلِ الْبَابَا نَفْسُهُ أَيْضًا قَدْ يُخْطِئُ.

حَسَنًا، عِنْدَ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، بِالطَبْعِ، شُبِّهَ لُوثَرُ بِالْمُهَرْطِقِ الْبُوهِيمِيِّ جُونْ هَاسْ، الَذِي أُعْدِمَ حَرْقًا عَلَى عَمُودٍ بِسَبَبِ تَصْرِيحَاتٍ مُمَاثِلَةٍ، قَبْلَ ذَلِكَ بِنَحْوِ قَرْنٍ. وَعِنْدَئِذٍ، تَمَّ عَزْلُ لُوثَرَ، وَتَخْصِيصُ مُكَافَأَةٍ مَالِيَّةٍ لِمَنْ يَقْتُلُهُ، فَصَارَ رَجُلًا مَطْلُوبًا.

وَأَخِيرًا، وَبِسَبَبِ انْتِشَارِ صَخَبٍ شَدِيدٍ فِي أَنْحَاءِ الْعَالَمِ، أُجْرِيَتْ مُحَاوَلَةٌ لِلتَوَصُّلِ إِلَى حَلٍّ نِهَائِيٍّ. وَعُقِدَ الْمَجْمَعُ الْمَلَكِيُّ فِي فُورْمْز بِأَلْمَانْيَا، حَيْثُ اجْتَمَعَ مَسْؤُولُونَ فِي الْكَنِيسَةِ، مَعَ مَسْؤُولِينَ فِي الدَوْلَةِ، لإِتَاحَةِ فُرْصَةٍ أَخِيرَةٍ لِمُنَاقَشَةِ هَذِهِ الْقَضَايَا. وَحَصَلَ لُوثَرُ عَلَى تَأْشِيرَةِ مُرُورٍ آمِنَةٍ، أَيْ كَانَ بِإِمْكَانِهِ حُضُورُ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ، دُونَ خَوْفٍ مِنَ الْقَبْضِ عَلَيْهِ أَوْ قَتْلِهِ. وَبِهَذَا، رُفِعَ الْحَظْرُ عَنْهُ مُؤَقَّتًا، فَذَهَبَ إِلَى فُورْمْز. وَتَعْرِفُونَ تِلْكَ اللَحْظَةَ الْحَاسِمَةَ حِينَ دُعِي إِلَى التَراجُعِ عَنْ تَعَالِيمِهِ عَنِ التَبْرِيرِ، إِلَى آخِرِهِ.

ثُمَّ أَدْلَى لُوثَرُ بِهَذَا التَصْرِيحِ، حِينَ قَالُوا: "أَيُّهَا الأَخُ مَارْتِن، هَلْ تَتَرَاجَعُ عَنْ أَقْوَالِكَ؟" فَأَجَابَ: "مَا لَمْ يُقْنِعْنِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ أَوْ سَبَبٌ وَاضِحٌ، لَنْ أَتَرَاجَعَ عَنْ أَقْوَالِي". ثُمَّ نَطَقَ بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ الَتِي أَحْدَثَتْ تَأْثِيرًا كَبِيرًا عَلَى الْعالَمِ مُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ: "لأَنَّ ضَمِيرِي أَسِيرُ كَلِمَةِ اللهِ. وَمُخَالَفَةَ ضَمِيرِي لَيْسَ بِالأَمْرِ الصَائِبِ وَلا الآمِنِ. هُنَا أَقِفُ، وَلَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ آخَرُ، وَلْيُعِنِّي اللهُ..." إِلَى آخِرِهِ. ثُمَّ خَرَجَ لَيْلًا، وَاخْتَطَفَهُ أَصْدِقَاؤُهُ، وَذَهَبَ إِلَى قَلْعَةِ وَارْتِبُرْج، وَتَرْجَمَ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ إِلَى الأَلْمَانِيَّةِ.

عَلَى أَيِّ حَالٍ، فِي فُورْمْز، وَفِي هَذِهِ اللَحْظَةِ الْفَارِقَةِ، تَأَسَّسَ الشِعَارُ الثَانِي لِلإِصْلاحِ. فَبِالإِضَافَةِ إِلَى "سُولا فِيدِي" الَذِي سَبَقَ أَنْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ، أُضِيفُ شِعَارُ "سُولا سْكْرِيبْتُورَا". مَرَّةً أُخْرَى، كَلِمَةُ "سُولا" تَعْنِي "وَحْدَهُ". وَتُشِيرُ كَلِمَةُ "سْكْرِيبْتُورَا" بِوُضُوحٍ إِلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. إِذًا الشِعَارُ هُوَ "كَذَا بِالْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَحْدَهُ!". وَمَا الَذِي "بِالْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَحْدَهُ"؟ قَالَ لُوثَرُ إِنَّ الْمَصْدَرَ الْمَكْتُوبَ الْوَحِيدَ فِي الْعَالَمِ الَذِي يَبْلُغُ مُسْتَوًى مِنَ السُلْطَةِ يُمَكِّنُهُ مِنْ إِلْزَامِ ضَمِيرِ الإِنْسَانِ هُوَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ. كَانَ لُوثَرُ يَحْتَرِمُ بِشِدَّةٍ أَفْكَارَ، وَحِكْمَةَ، وَتَعَالِيمَ اللَاهُوتِيِّينَ الْقُدَامَى الْعُظَمَاءِ. وَقَالَ: "يُمْكِنُنَا قَطْعًا أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ تَقْلِيدِ الْكَنِيسَةِ، وَأَنْ نَسْتَرْشِدَ بِمَجَامِعِ الْكَنيسَةِ، وَيَجِبُ أَلَّا نَزْدَرِيَ بِقَوَانِينِ إِيمَانِنَا وَإِقْرَارَاتِهِ". وَسَنَكُونُ بِالْفِعْلِ مُتَعَجْرِفِينَ بِشَكْلٍ لا يُوصَفُ إِذَا اخْتَرَعْنَا عَقَائِدَنَا اللَاهُوتِيَّةَ، دُونَ أَدْنَى رُجُوعٍ إِلَى جُهُودِ الْمَاضِي. ثُمَّ قَالَ: "لَكِنْ بِقَدْرِ احْتِرَامِنَا لِهَذِهِ الْكِتَابَاتِ، وَبِقَدْرِ السُلْطَةِ الثَانَوِيَّةِ الَتِي تَتَمَتَّعُ بِهَا لإِدَارَةِ شُؤُونِ الْكَنِيسَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَا مِنْ وَثِيقَةٍ كَتَبَهَا بَشَرٌ، أَوْ إِقْرَارِ إِيمَانٍ، أَوْ بَيَانٍ عَقِيدِيٍّ، أَوْ تَصْرِيحٍ مَجْمَعِيٍّ يُمْكِنُ أَنْ يُلْزِمَ الضَمِيرَ. الشَخْصُ الْوَحِيدُ الَذِي يَتَمَتَّعُ بِنَوْعِ السُلْطَةِ الَذِي يُخَوِّلُهُ أَنْ يَقُولَ: "لِيَكْنُ كَقَوْلِي" هُوَ اللهُ نَفْسُهُ. وَكَلِمَةُ اللهِ وَحْدَهَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْقِيمَةَ وَالسُلْطَةَ".

إِذَنْ، أَمَامَنَا هُنَا أَزْمَةُ سُلْطَةٍ. فَهَلْ مُنِحَتِ السُلْطَةُ لِكِتَابٍ؟ أَمْ مُنِحَتِ السُلْطَةُ لِلْمُؤَسَّسَةِ، أَيِ الْكَنِيسَةِ؟ كَانَتْ هَذِهِ هِيَ الْقَضِيَّةُ الشَكْلِيَّةُ لِلإِصْلاحِ البْرُوتِسْتَانْتِيِّ. وَقَطْعًا، انْطَلَقَ الْجَدَلُ مِنْ هُنَا. وَرَدَّتِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ عَلَى "سُولَا سْكْرِيبْتُورَا" بِطَرِيقَتَيْنِ. أَوَّلًا، ذَكَّرَتْ لُوثَرَ وَكَالْفِنَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ مُصْلِحِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ بِأَنَّ الْكَنِيسَةَ لَمْ تَكُنْ لِتَحْصُلَ عَلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لَوْلَا الْمَجَامِعُ الْكَنَسِيَّةُ الَتِي عُقِدَتْ فِي فَتْرَةٍ مُبَكِّرَةٍ مِنْ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، وَالَتِي حَدَّدَتْ مَا هُوَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، إِذْ رَسَّخَتِ الْمَجَامِعُ الْكَنَسِيَّةُ قَانُونِيَّةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَالْعَهْدِ الْجَدِيدِ. سَأُلْقِي مُحَاضَرَةً مُنْفَصِلَةً عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ، وَكَيْفَ جُمِعَتْ قَانُونِيَّةُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِعْلِيًّا عَبْرَ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ. لَكِنَّ حُجَّةَ رُومَا، رَدًّا عَلَى لُوثَرَ، كَانَتْ كَالتَالِي: بِمَا أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ تَكَوَّنَ مِنْ خِلالِ سُلْطَةِ الْكَنِيسَةِ، فَلا بُدَّ مِنْ أَنَّ لِلْكَنِيسَةِ إِذَنْ سُلْطَةً مُسَاوِيَةً عَلَى الأَقَلِّ لِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الَذِي كَوَّنَتْهُ، أَوْ كَمَا قَالَ الْبَعْضُ، لَهَا سُلْطَةٌ أَعْلَى مِنْ وَثَائِقِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الْمَكْتُوبَةِ. أَتَرَوْنَ كَيْفَ تَطَوَّرَ الأَمْرُ؟ فَإِذَا كَانَتِ الْكَنِيسَةُ هِيَ الْمُؤَسَّسَةُ الَتِي أَعْلَنَتْ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، أَفَلا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَنِيسَةَ، أَوِ الْمُؤَسَّسَةَ الَّتِي فَعَلَتْ ذَلِكَ، لَهَا سُلْطَةٌ مُسَاوِيَةٌ عَلَى الأَقَلِّ لِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، أَوْ أَعْلَى مِنْهَا؟

بِالطَبْعِ، تَفَاعَلَ كُلٌّ مِنْ لُوثَرَ وَكَالْفِنَ فِي غَضَبٍ مَعَ ذَلِكَ، وَذَكَّرَا سُلُطَاتِ رُومَا بِأَنَّ الْكَلِمَةَ الْمِفْتَاحِيَّةِ الَتِي اسْتَخْدَمَتْهَا الْكَنِيسَةُ عَبْرَ التَارِيخِ، عِنْدَمَا حَدَّدَتْ مُحْتَوَياتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، هِيَ الْكَلِمَةُ اللاتِينِيَّةُ "رِيسِيبِيمُوسْ" (recipemous)، وَمَعْنَاهَا "نَقبَلُ". فَحِينَ أَعْلَنَتِ الْكَنِيسَةُ قَائِمَةَ الأَسْفَارِ الَتِي يَجِبُ إِدْرَاجُهَا ضِمْنَ أَسْفَارِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، قَالَتْ: "نَقْبَلُ هَذِهِ بِصِفَتِهَا أَسْفارًا مُقَدَّسَةً". دَعُونِي أَعْقِدُ تَشْبِيهًا هُنَا بِطَرِيقَةِ لُوثَرَ أَوْ بِطَرِيقَةِ كَالْفِنَ. يَسْتَخْدِمُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ الْفِعْلَ "يَقْبَلُ" بِالارْتِبَاطِ بِعَلاقَةِ الْمُؤْمِنِ بِيَسُوعَ. فَنَحْنُ مَدْعُوُّونَ إِلَى قَبُولِهِ. "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ". حِينَ أَقْبَلُ الْمَسِيحَ رَبًّا وَمُخَلِّصًا، فَإِنَّ قَبُولِي لَهُ لا يَمْنَحُهُ بِالتَأْكِيدِ أَيَّ سُلْطَانٍ. فَيَسُوعُ يَتَمَتَّعُ بِذَلِكَ السُلْطَانِ سَوَاءٌ قَبِلْتُهُ أَمْ رَفَضْتُهُ. فُهَوَ الرَبُّ، سَوَاءٌ اعْتَرَفْتُ بِهِ رَبًّا أَمْ لَمْ أَعْتَرِفْ بِهِ. أَلَيْسَ ذَلِكَ بَدِيهِيًّا؟ وَمَا ذَكَّرَ مُصْلِحُو الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ الْكَنِيسَةَ بِهِ هُوَ أَنَّهُ فِي أَوَائِلِ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، حِينَ اسْتُخدِمَتْ كَلِمَةُ "رِيسِيبِيمُوسْ"، كَانَتِ الْكَنِيسَةُ فَقَطْ تَرْضَخُ فِي اتِّضَاعٍ، وَتُقِرُّ بِخُضُوعِهَا، لِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.

الرَدُّ الثَانِي عَلَى هَذَا جَاءَ فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ. فَبَعْدَ بَدْءِ الإِصْلاحِ البْرُوتِسْتَانْتِيِّ، وَاكْتِسَاحِهِ الْعَالَمَ، لَمْ تَدْخُلِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ فِي سُبَاتٍ، أَوْ تُقَرِّرْ أَنْ تَنْحَلَّ، بَلِ انْهَمَكَتِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ فِي تَقْدِيمِ رَدٍّ عَنِيفٍ عَلَى البْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ دُعِيَ بِالإِصْلاحِ الْمُعَاكِسِ. وَأَحَدُ الأُمُورِ، بِالْمُنَاسَبَةِ، الَتِي فَعَلَتْهَا الْكَنِيسَةُ فِي الإِصْلاحِ الْمُعَاكِسِ، هُوَ أَنَّهَا أَخَذَتْ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ بَعْضَ الِانْتِقَادَاتِ الَتِي وُجِّهَتْ ضِدَّ الْفَضَائِحِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْمُرَوِّعَةِ فِي الْكَنِيسَةِ. وَأُجْرِيَ بِالْفِعْلِ إِصْلَاحٌ أَخْلَاقِيٌّ حَقِيقِيٌّ لِلْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ فِي الْإِصْلَاحِ الْمُعَاكِسِ. كَانَ هَذَا الْإِصْلَاحُ مُهِمًّا، وَعَادَةً مَا يُغْفَلُ عَنْهُ. لَكِنْ، رُبَّمَا كَانَ أَهَمُّ حَدَثٍ فِي الْإِصْلَاحِ الْمُعَاكِسِ هُوَ مَجْمَعٌ مَسْكُونِيٌّ دَعَتْ رُومَا إِلَى عَقْدِهِ فِي مَكَانٍ يُدْعَى تْرَنْتْ. وَكَانَ مَجْمَعُ تْرَنْتْ هُوَ الرَدُّ اللَاهُوتِيُّ الرَسْمِيُّ لِلْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ عَلَى الْإِصْلَاحِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيِّ. نُوقِشَتْ عِدَّةُ قَضَايَا بِعُمْقٍ وَتَفْصِيلٍ شَدِيدٍ فِي هَذَا الْمَجْمَعِ، وَأَهَمُّهَا بِالتَأْكِيدِ هُوَ التَبْرِيرُ بِالْإِيمَانِ وَحْدَهُ.

لَكِنْ حَتَّى قَبْلَ أَنْ يُنَاقِشُوا مَوْضُوعَ التَبْرِيرِ، الَذِي تَمَّ فِي الْجَلْسَةِ السَادِسَةِ، فِي الْجَلْسَةِ الرَابِعَةِ لِمَجْمَعِ تْرَنْتْ، نَاقَشُوا مَسْأَلَةَ السُلْطَةِ. وَفِي هَذِهِ الْجَلْسَةِ الرَابِعَةِ، أَوْضَحَتِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ تَمَامًا – فِي مَجْمَعِ تْرَنْتْ – أَنَّ هُنَاكَ مَصْدَرَيْنَ لِلسُلْطَةِ الْإِلَهِيَّةِ فِي الْعَالَمِ الْيَوْمَ. لَنْ أَخُوضَ الْآنَ فِي تَفَاصِيلِ هَذَيْنِ الْمَصْدَرَيْنِ، بَلْ سَأَفْعَلُ ذَلِكَ فِي سِلْسِلَةِ مُحَاضَرَاتٍ أُخْرَى عَنِ اللَاهُوتِ الْكَاثُولِيكِيِّ. هَذَانِ الْمَصْدَرَانِ هُمَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ (وَ) -فِي اللَاتِينِيَّةِ "et" وَتُنْطَقُ "إِتْ"- الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ (وَ) التَقْلِيدُ. يُشِيرُ هَذَا إِلَى مَا نُسَمِّيهِ بِالْمَصْدَرِ الثُنَائِيِّ لِلْإِعْلَانِ الْإِلَهِيِّ الْخَاصِّ الْمَكْتُوبِ. وَهُوَ يَكْمُنُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَفِي تَقْلِيدِ الْكَنِيسَةِ.

مَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ مَعْنَاهُ كَالْآتِي: أَنَّ الْكَنِيسَةَ الْكَاثُولِيكِيَّةَ كَانَتْ دَائِمًا تُوَقِّرُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ بِشِدَّةٍ. لَمْ تَرْفُضِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ بِأَيِّ شَكْلٍ سُلْطَةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. لَكِنَّ الْكَنِيسَةَ الْكَاثُولِيكِيَّةَ، سَوَاءٌ فِي الْقَدِيمِ أَوْ الْيَوْمَ، تَتَبَنَّى رَسْمِيًّا الرَأْيَ الْقَائِلَ إِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لَا يَقِلُّ عَنْ كَوْنِهِ كَلِمَةَ اللَّهِ الْمُوحَى بِهَا، وَالْمَعْصُومَةَ، إِلَى آخِرِهِ. فَهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ، بَلْ قَالُوا: "بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ الْمَصْدَرِ، لَدَيْنَا مَصْدَرٌ آخَرُ مَعْصُومٌ لِلْحَقِّ الْإِلَهِيِّ، وَذَلِكَ الْمَصْدَرُ الْمَعْصُومُ هُوَ التَقْلِيدُ".

وَهُنَا تَظْهَرُ الْمُشْكِلَةُ. مَاذَا لَوْ وُجِدَ تَضَارُبٌ بَيْنَ تَعْلِيمِ التَقْلِيدِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟ هَذَا مَا عَانَى لُوثَرُ مِنْهُ. فَقَدْ قَالَ: "أَعْرِفُ مَا يُعَلِّمُهُ التَقْلِيدُ، لَكِنَّنِي لَا أَرَى تَوَافُقًا بَيْنَ التَقْلِيدِ وَمَا يُعَلِّمُهُ بُولُسُ عَنِ التَبْرِيرِ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى رُومِيَةَ". وَكَانَ رَدُّ الْكَنِيسَةِ هُوَ أَنَّ وَظِيفَةَ التَقْلِيدِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى كَوْنِهِ مَصْدَرًا لِمَعْلُومَاتٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لَكِنَّهُ يُقَدِّمُ أَيْضًا التَفْسِيرَ الْمَعْصُومَ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَبِالتَالِي، بِرَفْضِ لُوثَرَ لِلتَقْلِيدِ –بِحَسْبِ رَأْيِ رُومَا– هُوَ يَرْفُضُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ أَيْضًا، لِأَنَّ رُومَا تَقُولُ: "التَقْلِيدُ وَالْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ مُتَّفِقَانِ". وَلَا يَزَالُ هَذَا النِزَاعُ قَائِمًا، بِالتَأْكِيدِ، إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

خِلَالَ الدَقَائِقِ الْقَلِيلَةِ الْمُتَبَقِّيَةِ، أَوَدُّ وَضْعَ مَزِيدٍ مِنَ الْأَسَاسَاتِ لِهَذِهِ السِلْسِلَةِ. تَفْهَمُونَ الْآنَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ هَذَا الْجَدَلُ. وَقَدْ صَرَفْتُ كُلَّ هَذَا الْوَقْتِ فِي الْحَدِيثِ عَنِ الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ لِأَنَّ هَذَا الْجَدَلَ نَفْسَهُ تَقْرِيبًا دَائِرٌ الْيَوْمِ. فَالْجَدَلُ الدَائِرُ فِي حَيَاةِ الْكَنِيسَةِ هُوَ: "مَا مَصْدَرُ السُلْطَةِ؟" هَلْ يُقَرِّرُ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ نَفْسِهِ؟ وَهَلْ نَقْبَلُ بِالنِسْبِيَّةِ الثَقَافِيَّةِ، أَوْ النِسْبِيَّةِ الْفَلْسَفِيَّةِ؟"

فِي جَرِيدَةِ هَذَا الصَبَاحِ، قَرَأْتُ إِحْدَى الْمَقَالَاتِ الِافْتِتَاحِيَّةِ بِقَلَمِ تْشَارْلِي رِيسْ، يَقُولُ فِيهَا إِنَّنَا نَعِيشُ الْيَوْمَ فِي مُجْتَمَعٍ يَفْتَقِرُ إِلَى الْحِسِّ الْأَخْلَاقِيِّ. فَهُوَ لَيْسَ فَاسِدَ الْأَخْلَاقِ، بَلْ عَدِيمُ الْحِسِّ الْأَخْلَاقِيِّ! فَمَا مِنْ مِقْيَاسٍ، أَوْ سُلْطَةٍ مُطْلَقَةٍ. وَهَذِهِ هِيَ الْأَزْمَةُ الَتِي نَمُرُّ بِهَا الْيَوْمَ. "هَلْ هُنَاكَ مَصْدَرُ سُلْطَةٍ؟"

حِينَ كُنْتُ فِي الْجَامِعَةِ، قَرَأْتُ كِتَابًا صَغِيرًا، لَكِنَّهُ كَانَ عَمِيقًا وَفَلْسَفِيًّا بِشِدَّةٍ. وَعُنْوَانُهُ بَسِيطٌ، فِي شَكْلِ سُؤَالٍ. عُنْوَانُ الْكِتَابِ "وَفْقَ أَيِّ مِقْيَاسٍ؟" لا أَدْرِي كَمْ فكَّرتُ فِي عُنْوَانِ هَذَا الْكِتَابِ، مُنْذُ قَرَأْتُهُ وَأَنَا طَالِبٌ جَامِعِيٌّ. وَفْقَ أَيِّ مِقْيَاسٍ نُحَدِّدُ مَنْ يَقُولُ الْحَقَّ؟ أَهُنَاكَ مِقْيَاسٌ مِنَ الأَسَاسِ؟ أَلَدَيْنَا وَسِيلَةُ فَحْصٍ؟ أَيُمْكِنُ أَنْ نَعْرِفَ أَيَّ شَيْءٍ مَعْرِفَةً أَكِيدَةً؟ أَمِ اخْتَفَتْ كُلُّ الْمَقَايِيسِ مِنْ وَسَطِنَا؟

مُجَدَّدًا، يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِالسُلْطَةِ. وَقَبْلَ أَنْ نُتَابِعَ حَدِيثَنَا عَنْ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، أَوَدُّ تَخْصِيصَ الدَقَائِقِ الْقَلِيلَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ هَذِهِ الْمُحَاضَرَةِ لِتَقْدِيمِ بَعْضِ التَعْرِيفَاتِ الْمُخْتَصَرةِ لِمَعْنَى كَلِمَةِ "سُلْطَةٍ".

مَا مَعْنَى كَلِمَةِ "سُلْطَةٍ"؟ دَعُونِي أَكْتُبُ هَذَا عَلَى السَبُّورَةِ. هَذِهِ السَبُّورَةُ ازْدَحَمَتْ، وَأَرْجُو أَنْ تَعْذُرُونِي لأَجْلِ الْغُبَارِ الَذِي يَتَطَايَرُ فِي وُجُوهِكُمْ. التَعْرِيفُ الْبَسِيطُ لِلسُلْطَةِ هُوَ "الْحَقُّ فِي فَرْضِ وَاجِبٍ". الْحَقُّ فِي فَرْضِ وَاجِبٍ. نَحْنُ نَسْتَخْدِمُ لُغَةَ السُلْطَةِ دَائِمًا فِي مُجْتَمَعِنَا. فَنَقُولُ: "يَجِبُ أَنْ، يَنْبَغِي أَنْ، يَلْزَمُ أَنْ". وَالشَخْصُ الْمُفَكِّرُ، حِينَ يَسْمَعُ أَحَدَهُمْ يَقُولُ: "عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ هَذَا، أَوْ يَجِبُ أَنْ تَفْعَلَ هَذَا، أَوْ يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ"، الشَخْصُ الْمُفَكِّرُ، سَيَقُولُ فِي سِرِّهِ عَلَى الأَقَلِّ: "بِأَيِّ سُلْطَانٍ؟ لِمَ يَجِبُ أَنْ أَفْعَلَ هَذَا؟ وَلِمَ قَدْ أَسْمَحُ لَكَ بِفَرْضِ إِلْزامٍ عَلَيَّ؟ بِأَيِّ سُلْطَانٍ تُحَاوِلُ أَنْ تُوَجِّهَنِي وَتُحَاسِبَنِي عَلَى أَيِّ تَصَرُّفٍ أَوْ سُلُوكٍ؟" هَذَا هُوَ السُؤالُ الأَهَمُّ.

وَفْقَ أَيِّ مِقْيَاسٍ؟ وَبِأَيِّ سُلْطَانٍ نُجِيبُ عَنِ السُؤَالِ؟ هَذَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمِحَكِّ فِي قَضِيَّةِ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.