المحاضرة 28: الكتابُ المُقَدَّسُ وَعِلْمُ الدِّفَاعِيَّاتِ (الجُزْءُ الثالِثُ)
في الجزء الثالث من محاضرة "الكتاب المقدس وعلم الدفاعيات"، يحاول د. سبرول إظهار أن هناك في الواقع حجة خطيَّة تتحرك تدريجيًا عبر مراحل مختلفة. كما يوضح أيضًا بعبارات بسيطة كيف ترتبط مسألة سلطان المسيح بسلطة الكتاب المقدس.
فِي أَوَائِلِ سَبْعِينِيَّاتِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، وَقَبْلَ عَقْدِ الْمَجْمَعِ الدَّوْلِيِّ عَنْ عِصْمَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، الَّذِي اخْتُتِمَ بِاجْتِمَاعِ قِمَّةِ شِيكَاغُو، وَبِبَيَانٍ يُدَافِعُ عَنْ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، عَقَدَتْ هَيْئَةُ خِدْمَاتِ لِيجُونِيرْ مُؤْتَمَرًا خَاصًّا عَنْ مَوْثُوقِيَّةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَسُلْطَتِهِ، فِي بِنْسِلْفَانْيَا. وَفِي ذَلِكَ الْمُؤْتَمَرِ، اجْتَمَعَ لَاهُوتِيُّونَ وَبَاحِثُونَ كِتَّابِيُّونَ مِنْ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ لِفَحْصِ مَسْأَلَةِ ادِّعَاءِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ تَمَتُّعَهُ بِسُلْطَةٍ إِلَهِيَّةٍ. وَدُونَ أَيِّ تَوَاطُؤٍ، فِي ذَلِكَ الْمُؤْتَمَرِ، بَنَى الْجَمِيعُ ثِقَتَهُمْ فِي سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَلَى سُلْطَانِ الْمَسِيحِ. وَكَانَ هَذَا تَوَجُّهًا مُثِيرًا لِلِاهْتِمَامِ، لِأَنَّهُ عَرَّضَ الْجَمِيعَ لِلِاتِّهَامِ عَيْنِهِ الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الَّذِينَ يُدَافِعُونَ عَنِ الْمَوْثُوقِيَّةِ الذَّاتِيَّةِ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَالسُّؤَالُ هُوَ: "أَلَيْسَ مَنْطِقًا دَائِرِيًّا أَنْ نَقُولَ إِنَّنَا نُؤْمِنُ بِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لِأَنَّ يَسُوعَ عَلَّمَ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ، بَيْنَمَا الْوَسِيلَةُ الْوَحِيدَةُ لِنَعْرِفَ أَنَّ يَسُوعَ عَلَّمَ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ هُوَ وُجُودُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟ فَقَطْعًا، يَبْدُو ذَلِكَ ظَاهِرِيًّا شَبِيهًا بِمُمَارَسَةٍ أُخْرَى لِلْمَنْطِقِ الدَّائِرِيِّ.
سَأُحَاوِلُ الْيَوْمَ أَنْ أُبَيِّنَ أَنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ طُولِيَّةٌ، تَتَحَرَّكُ تَدْرِيجِيًّا عَبْرَ مَرَاحِلَ مُخْتَلِفَةٍ؛ وَأَنَّ فِي الْوَاقِعِ، بِفَحْصِ الْحُجَّةِ عَنْ كَثْبٍ، نَجِدُهَا لَيْسَتْ دَائِرِيَّةً. كَذَلِكَ، دَعُونِي أُبَيِّنُ فِي كَلِمَاتٍ بَسِيطَةٍ أَنَّ سُلْطَانَ الْمَسِيحِ وَسُلْطَةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مُتَّصِلَانِ.
مُنْذُ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ، كُنْتُ أَتَحَدَّثُ فِي فِيلَادِلْفِيَا عَنْ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَفِي خِتَامِ الِاجْتِمَاعِ الَّذِي وَعَظْتُ فِيهِ - فِي الْوَاقِعِ، كَانَ هَذَا مُؤْتَمَرًا - نَزَلْتُ عَنِ الْمِنْبَرِ، وَبَيْنَمَا كُنْتُ أَسِيرُ فِي الْمَمَرِّ، فُوجِئْتُ بِرُؤْيَةِ أَحَدِ زُمَلَائِي بِالْجَامِعَةِ، لَمْ أَكُنْ قَدْ رَأَيْتُهُ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً عَلَى الْأَقَلِّ، وَرُبَّمَا أَكْثَرُ. وَكَانَتْ هَذِهِ فُرْصَةً رَائِعَةً لِنَلْتَقِيَ مُجَدَّدًا. وَذَهَبْنَا لِتَنَاوُلِ الْعِشَاءِ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ مُبَاشَرَةً. وَحِينَ كُنَّا شَرِيكَيْ غُرْفَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْجَامِعَةِ، كُنَّا نَلْتَقِي كُلَّ مَسَاءٍ لِمُدَّةِ نِصْفِ سَاعَةٍ لِدِرَاسَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، تَتْبَعُهَا نِصْفُ سَاعَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ. وَأَتَذَكَّرُ مَحَبَّتَهُ الشَّدِيدَةَ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَحِينَ جَلَسْنَا لِتَنَاوُلِ الْعِشَاءِ، قَالَ لِي: "قَبْلَ أَيِّ شَيْءٍ"، قَالَ: "يَجِبُ أَنْ أُخْبِرَكَ يَا آرْ. سِي. بِأَنَّنِي لَمْ أَعُدْ أُؤْمِنُ بِمَا كُنْتُ أُؤْمِنُ بِهِ وَأَنَا بِالْجَامِعَةِ، بِشَأْنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَبَعْدَ الْجَامِعَةِ، دَخَلْتُ كُلِّيَّةَ لَاهُوتٍ" - وَكَانَتْ لِيبْرَالِيَّةً وَمَا إِلَى ذَلِكَ - وَقَالَ: "ذُهِلْتُ مِنْ كَمِّ الِانْتِقَادَاتِ السَّلْبِيَّةِ، بِحَيْثُ لَمْ أَعُدْ أُؤْمِنُ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ الْمُوحَى بِهَا". حَزِنْتُ جِدًّا لِسَمَاعِي ذَلِكَ وَقُلْتُ: "وَبِمَ لَا تَزَالُ تُؤْمِنُ، مِنْ بَيْنِ مَا كُنْتَ تُؤْمِنُ بِهِ وَنَحْنُ مَعًا بِالْجَامِعَةِ؟" ابْتَسَمَ وَقَالَ: "لَا زِلْتُ أُؤْمِنُ بِأَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ مُخَلِّصِي وَرَبِّي". فَقُلْتُ: "يَسُرُّنِي سَمَاعُ ذَلِكَ، لَكِنْ عِنْدِي سُؤَالٌ لَكَ"، قَالَ: "مَا هُوَ؟" قُلْتُ: "كَيْفَ يُمَارِسُ يَسُوعُ رُبُوبِيَّتَهُ عَلَيْكَ؟" فَقَالَ: "مَاذَا تَقْصِدُ؟" أَجَبْتُهُ: "حَسَنًا، الرَّبُّ هُوَ شَخْصٌ لَدَيْهِ الْقُوَّةُ وَالسُّلْطَانُ لِيَفْرِضَ وَاجِبَاتٍ وَيُصْدِرَ أَوَامِرَ عَلَى رَعَايَاهُ. فَكَيْفَ تَسْمَعُ أَوَامِرَ اللَّهِ لِحَيَاتِكَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ خِلَالِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟" أَجَابَنِي: "مِنْ خِلَالِ الْكَنِيسَةِ". فَقُلْتُ: "أَيَّةُ كَنِيسَةٍ؟" فَذَكَرَ طَائِفَةً مَا، فَقُلْتُ: "حَسَنًا، فِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ، هَلِ السُّلْطَةُ لِلْكَنِيسَةِ الْمَحَلِّيَّةِ أَمْ لِلْمَجْلِسِ الْعَامِّ لِلْكَنِيسَةِ؟" فَقَالَ: "لِلْمَجْلِسِ الْعَامِّ" فَقُلْتُ: "وَأَيُّ مَجْلِسٍ عَامٍّ؟ هَلِ الْمَجْلِسُ الْعَامُّ لِلسَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، الَّذِي صَوَّتَ هَكَذَا بِشَأْنِ مَسْأَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَمِ الْمَجْلِسُ الْعَامُّ لِهَذِهِ السَّنَةِ الَّذِي صَوَّتَ بِالنَّقِيضِ؟ أَيٌّ مِنْهُمَا هُوَ فِكْرُ الْمَسِيحِ؟" أَجَابَنِي: "أَعْتَقِدُ أَنَّنِي أُوَاجِهُ مُشْكِلَةً هُنَا". فَقُلْتُ: "أَعْتَقِدُ ذَلِكَ". ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: "لَسْتَ وَاقِفًا عَلَى أَرْضٍ صُلْبَةٍ. تُرِيدُ الِاحْتِفَاظَ بِإِيمَانِكَ بِالْمَسِيحِ مُخَلِّصًا وَرَبًّا، لَكِنَّكَ لَسْتَ تَثِقُ بِالْمَصْدَرِ الرَّئِيسِيِّ لِلْمَعْلُومَاتِ عَنْ هُوِيَّتِهِ وَشَخْصِهِ وَعَمَلِهِ. لَدَيْكَ مُشْكِلَةٌ هُنَا". وَهُنَا شَعَرَ بِحَجْمِ الْمُشْكِلَةِ.
لَكِنَّهُ لَيْسَ حَالَةً فَرْدِيَّةً عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَثَمَّةَ مُؤْمِنونَ مِثْلُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، بِفِعْلِ الشُّكُوكِ الَّتِي أُثِيرَتْ حَوْلَ نَزَاهَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، يَجِدُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي صِرَاعٍ بَيْنَ الثِّقَةِ فِي أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يُعَلِّمُنَا عَنْ أُمُورِ اللَّهِ وَعَنِ الْمَسِيحِ، وَفِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ، بَيْنَ قَبُولِ نَظْرَةٍ شُكُوكِيَّةٍ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. إِذَنْ، كَيْفَ نُعَالِجُ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ؟
مُجَدَّدًا، وَبِالْعَوْدَةِ إِلَى الْمُؤْتَمَرِ الَّذِي عَقَدْنَاهُ فِي بِنْسِلْفَانْيَا، النَّهْجُ الْأَسَاسِيُّ الَّذِي اتَّبَعْنَاهُ (وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ النَّهْجُ التَّسَلْسُلِيُّ) لِبِنَاءِ حُجَّةٍ لِلدِّفَاعِ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، هُوَ الْبَدْءُ بِالْفَرَضِيَّةِ الْأُولَى، الْقَائِلَةِ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَثِيقَةٌ تَارِيخِيَّةٌ مَوْثُوقَةٌ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ - وَثِيقَةٌ تَارِيخِيَّةٌ مَوْثُوقَةٌ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ. تِلْكَ الْفَرْضِيَّةُ لَا تَعْنِي أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مُوحًى بِهِ، أَوْ مَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ، أَوْ خَالٍ مِنَ الْخَطَأِ، وَإِنَّمَا تَعْنِي فَقَطْ أَنَّهُ جَدِيرٌ بِالثِّقَةِ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ، مُقَارَنَةً بِالْوَثَائِقِ التَّارِيخِيَّةِ الْأُخْرَى الْكَثِيرَةِ - مِثْلِ كِتَابَاتِ هِيرُودُوتْ، وَكِتَابَاتِ يُوسِيفُوسْ، وَسُوِيتُونْيُوسْ، وَبِلِّينِي، وَآخَرِينَ مِمَّنْ دَرَسُوا التَّارِيخَ الْقَدِيمَ.
وَالْآنَ، دَعُونِي أَتَوَقَّفُ قَلِيلًا لِأَقُولَ إِنَّنِي إِذَا كُنْتُ أُحَاوِلُ الدِّفَاعَ عَنْ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَمَامَ شَخْصٍ غَيْرِ مُؤْمِنٍ، فَسَأَصْرِفُ وَقْتًا طَوِيلًا لِإِثْبَاتِ هَذِهِ الْفَرَضِيَّةِ، لِأَنَّهَا الْأَهَمُّ. فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ جَدِيرًا بِالثِّقَةِ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ كَوَثِيقَةٍ تَارِيخِيَّةٍ، لَنْ يُوجَدَ مَا يَدْعُو لِنَسْبِ أَيَّةِ أَهَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ لِيَسُوعَ النَّاصِرِيَّ، لَوْ كُنَّا نَتَعَامَلُ مَعَ نَصٍّ تَارِيخِيٍّ غَيْرِ جَدِيرٍ بِالثِّقَةِ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ. إِذَنْ مُجَدَّدًا، يَقَعُ الْعِبْءُ أَوَّلًا لَيْسَ عَلَى إِثْبَاتِ الْعِصْمَةِ، أَوِ الْوَحْيِ، أَوِ الْخُلُوِّ مِنَ الْخَطَأِ، أَوْ أَيٍّ مِنِ ادِّعَاءَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَنْ نَفْسِهِ، بَلْ فَقَطْ عَلَى إِثْبَاتِ هَذَا الْقَدْرِ.
فِي الْمُقَابِلِ، إِذَا كُنَّا نُدَافِعُ عَنْ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ، فَسَتَخْتَلِفُ الْمَسْأَلَةُ تَمَامًا. فَمَثَلًا، بَعْدَ عَقْدِ هَذَا الْمُؤْتَمَرِ بِفَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ، دُعِيتُ لِمُخَاطَبَةِ هَيْئَةِ تَدْرِيسٍ فِي كُلِّيَّةٍ لِلَّاهُوتِ، كَانَتْ مُعَادِيَةً بِشَكْلٍ صَرِيحٍ لِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. غَيْرَ أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ هَيْئَةِ التَّدْرِيسِ كَانَ يَقُولُ إِنَّهُ مُؤْمِنٌ. وَحِينَ وَقَفْتُ أَمَامَ هَيْئَةِ التَّدْرِيسِ لِأُكَلِّمَهُمْ، بَدَأَتُ بِالْفَرَضِيَّةِ نَفْسِهَا، وَقُلْتُ: "أَفَتَرِضُ قَطْعًا أَنَّكُمْ، بِصِفَتِكُمْ أَعْضَاءَ هَيْئَةِ تَدْرِيسٍ، سَتُؤَيِّدُونَ هَذِهِ الْفَرَضِيَّةَ، وَإِلَّا سَتُقِرُّونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَدَيْكُمْ أَيُّ أَسَاسٍ مَنْطِقِيٍّ لِاعْتِرَافِ إِيمَانِكُمْ". وَسَأَلْتُ: "هَلْ مِنْ أَسْئِلَةٍ؟" فَقَدْ سَأَلْتُ وَتَحَدَّيْتُهُمْ، لَكِنْ لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُمْ شَيْئًا، لِأَنَّنِي كُنْتُ أَعْلَمُ جَيِّدًا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُ جَدِيرٌ بِالثِّقَةِ، لَكِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَقُولُوا: "أُؤْمِنُ بِالْمَسِيحِ دُونَ أَيِّ سَبَبٍ وَجِيهٍ، بَلْ فَقَطْ بِقَفْزَةِ إِيمَانٍ". وَهَكَذَا، شَعَرُوا بِالتَّبْكِيتِ. وَهَذَا مَا يَحْدُثُ الْيَوْمَ قَطْعًا فِي "نَدْوَةِ يَسُوعَ"، وَغَيْرِهَا مِنَ النَّظَرِيَّاتِ الشُّكُوكِيَّةِ، الَّتِي تُحَاوِلُ إِثْبَاتَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ لَيْسَ جَدِيرًا بِالثِّقَةِ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ، بَلْ فِي الْوَاقِعِ، قَدْرٌ قَلِيلٌ جِدًّا مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ الْجَدِيرُ بِالثِّقَةِ.
حِينَ تَتَعَامَلُ مَعَ مَوْثُوقِيَّةِ أَيَّةِ وَثِيقَةٍ تَارِيخِيَّةٍ، ثَمَّةَ قَوَاعِدُ تَأْرِيخٍ يَقِيسُ الْمُؤَرِّخُونَ الْعُلَمَاءُ وَيُقَيِّمُونَ بِهَا مِصْدَاقِيَّةَ الْمَصَادِرِ التَّارِيخِيَّةِ. وَثَمَّةَ مَعَايِيرُ تُطَبَّقُ عَلَى يُوسِيفُوسْ، وَسُوِيتُونْيُوسْ، وَتَاسِيتُوسْ، وَهِيرُودُوتْ، وَغَيْرِهِمْ. وَتِلْكَ الْمَعَايِيرُ تَسْتَخْدِمُ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنَ التَّحْقِيقِ التَّجْرِيبِيِّ. مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الْمُؤَرِّخَ لَا يَسْتَطِيعُ إِخْضَاعَ تَصْرِيحَاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ عَنْ ظُهُورِ مَلَائِكَةٍ لِلْقَوَانِينِ الْمُعْتَادَةِ لِلْإِثْبَاتِ أَوْ التَّكْذِيبِ التَّارِيخِيِّ. فَالْوَسِيلَةُ التَّجْرِيبِيَّةُ الْوَحِيدَةُ، مِنْ مَنْظُورِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، الَّتِي يُمْكِنُ أَنْ نُثْبِتَ بِهَا مَا إِذَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ التَّارِيخِيَّةُ عَنِ الْمَلَائِكَةِ، مِثْلُ زِيَارَةِ جِبْرَائِيلَ لِمَرْيَمَ أَوْ زَكَرِيَّا، مَوْثُوقَةً، رُبَّمَا هِيَ الْعُثُورُ عَلَى مَجْمُوعَةٍ مِنْ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ الْمُتَحَجِّرَةِ فِي مَكَانٍ مَا. وَمَعَ ذَلِكَ، ثَمَّةَ مُحْتَوًى كَبِيرٌ فِي أَدَبِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ قَابِلٌ لِلْإِثْبَاتِ أَوِ التَّكْذِيبِ التَّارِيخِيِّ.
فَمَثَلًا، فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، أَحَدُ الْعُلَمَاءِ الْبْرِيطَانِيِّينَ الَّذِي كَانَ مُتَشَكِّكًا فِي صِحَّةِ رِوَايَاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، قَامَ بِرِحْلَةٍ خَاصَّةٍ، وَاقْتَفَى أَثَرَ خُطَى الرَّسُولِ بُولُسَ فِي رِحْلَاتِهِ التَّبْشِيرِيَّةِ - مِثْلَمَا أَجْرَى دَارْوِينْ بَحْثَهُ الْعِلْمِيَّ فِي كِتَابِهِ "رِحْلَةُ الْبِيجِلْ". وَهَذَا الْعَالِمُ، بِتَتَبُّعِهِ رِوَايَةَ سِفْرِ أَعْمَالِ الرُّسُلِ، فَحَصَ مِنْ مَنْظُورٍ أَثَرِيٍّ أُمُورًا يُمْكِنُ إِثْبَاتُ صِحَّتِهَا أَوْ كِذْبِهَا؛ مَثَلًا، قَوْلُ لُوقَا إِنَّهُ حِينَ زَارَ بُولُسُ الْمَدِينَةَ كَذَا، كَانَ الْوَالِي الْمَحَلِّيُّ يُسَمَّى بِاللَّقَبِ الْعَسْكَرِيِّ الْفُلَانِيِّ، وَيَقُولُ الْبَعْضُ: "لَيْسَ لَدَيْنَا بُرْهَانٌ عَلَى أَنَّ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كَانُوا يَحْمِلُونَ تِلْكَ الْأَلْقَابَ". فَذَهَبَ عَالِمُ الْآثَارِ هَذَا، وَاكْتَشَفَ بُرْهَانًا عَلَى أَنَّ الْوَالِيَ الْمَحَلِّيَّ كَانَ يَحْمِلُ اللَّقَبَ نَفْسَهُ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَيْهِ لُوقَا فِي سِفْرِ أَعْمَالِ الرُّسُلِ. بِاخْتِصَارٍ، بَعْدَمَا أَنْهَى السَّيِّدُ رَامِزِي هَذِهِ الْبِعْثَةَ الْعِلْمِيَّةَ، الَّتِي بَدَأَهَا شُكُوكِيًّا، عَازِمًا عَلَى دَحْضِ الْمَوْثُوقِيَّةِ التَّارِيخِيَّةِ لِلُوقَا كَمُؤَرِّخٍ، اسْتَنْتَجَ فِي خِتَامِ رِحْلَتِهِ أَنَّ لُوقَا يَحْمِلُ أَفْضَلَ مُؤَهِّلَاتِ الْمَوْثُوقِيَّةِ التَّارِيخِيَّةِ الَّتِي يُمْكِنُ لِأَيِّ مُؤَرِّخٍ قَدِيمٍ أَنْ يَحْمِلَهَا.
أَتَذَكَّرُ أَنَّهُ بَعْدَ فَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ مِنْ مَوْتِ وِيلْيَام فُوكْسْوِيل أُولْبْرايْت، الَّذِي ذَكَرْتُ سَابِقًا أَنَّهُ كَانَ عَمِيدَ قِسْمِ آثَارِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَأَنَّهُ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الآثارِ مِثْلَمَا كَانَ أَيْنْشْتَايْن بِالنِّسْبَةِ لِلْفِيزْيَاءِ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ. فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ لإِنْجِيلِ مَتَّى، فِي سِلْسِلَةِ “Anchor Bible”، رَثَا التَّأْثِيرَ غَيْرَ الْمَشْرُوعِ لِفَلْسَفَةِ هِيجِل فِي الْقَرْنِ التَاسِعَ عَشَرَ عَلَى دِرَاسَةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَالْمَنْهَجِيَّاتِ الْوُجُودِيَّةِ غَيْرِ الْمَسْؤُولَةِ لِتَنَاوُلِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، قَائِلًا، فِي تَحَفُّظِهِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ ابْتَعَدُوا عَنْ عِلْمِ الآثَارِ وَالتَحْقِيقِ التَجْرِيبِيِّ، وَهُمَا أَهَمُّ أَدَاةٍ لِفَحْصِ مَوْثُوقِيَّةِ الْوَثَائِقِ التَّارِيخِيَّةِ. وَقَالَ إِنَ النَّاسَ يَتَفَاعَلُونَ مَعَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِنَاءً عَلَى فَلْسَفَاتٍ مُعَارِضَةٍ مُعَدَّةٍ مُسْبَقًا، لَمْ تُثْبِتِ الْمِجْرَفَةُ صِحَّتَهَا. فَإِنَّ أَكْبَرَ تَقَدُّمٍ فِي اسْتِعَادَةِ مَوْثُوقِيَّةِ السِجِلِّ الْكِتَابِيِّ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ تَحَقَّقَ بِوَاسِطَةِ عِلْمِ الآثَارِ. وَيَبْدُو كَمَا لَوْ أَنَّهُ كُلَّمَا أَزَاحَ عُلَمَاءُ الآثَارِ بَعْضَ التُرَابِ فِي فِسَلْطِينَ، تُثْبَتُ صِحَّةُ مَسْأَلَةٍ تَارِيخِيَّةٍ جَدِيدَةٍ.
وَفِي الْوَاقِعِ، سَأُتَابِعُ قَائِلًا إِنَّهُ لَمْ يَأْتِ وَقْتٌ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ كَانَتِ الْمَوْثُوقِيَّةُ التَّارِيخِيَّةُ لِوَثَائِقِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ - أَوِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ - مُثْبَتَةً كَمَا هِيَ الْيَوْمَ. وَأَنْضَمُّ إِلَى د. أُولْبِرَايِتْ فِي قَنَاعَتِهِ بِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِلنَّظَرِيَّاتِ الْخَيَالِيَّةِ الْجَامِحَةِ لِلْبَعْضِ، مِثْلِ جَمَاعَةِ "نَدْوَةِ يَسُوعَ"، الَّذِينَ أُسَمِّيهِمْ "الْجَمَاعَةَ الْمُتَطَرِّفَةَ" مِنَ الْعُلَمَاءِ - أَوْ مِنَ الْمُجْتَمَعِ الْعِلْمِيِّ. فَحَتَّى اللَّاهُوتِيُّونَ الْيَهُودُ أَنْفُسُهُمْ سَلَّمُوا بِأَنَّ لُوقَا هُوَ أَكْثَرُ الْمُؤَرِّخِينَ مَوْثُوقِيَّةً فِي التَّارِيخِ.
إِذَنْ، اسْتِنَادًا إِلَى قَوَاعِدِ التَّقْيِيمِ التَّارِيخِيِّ - كَمَا جَاءَ فِي كُتَيِّبِ ف. ف. بْرُوسْ بِعُنْوَانِ "وَثَائِقُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ: أَهِيَ مَوْثُوقَةٌ؟" - أَثْبَتْنَا مِنْ خِلَالِ أَفْضَلِ الدِّرَاسَاتِ الْعِلْمِيَّةِ الْمُتَاحَةِ الْمَوْثُوقِيَّةَ التَّارِيخِيَّةَ الْأَسَاسِيَّةَ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَقَدْ قَدَّمْتُ لَكُمْ هُنَا فَقَطْ نَظْرَةً عَامَّةً. وَلَا يُمْكِنُنِي الْخَوْضُ فِي كُلِّ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، لَكِنَّنِي فَقَطْ أَوْضَحْتُ الْمَنْهَجِيَّةَ الْمُتَّبَعَةَ. لَكِنْ يُوجَدُ قَدْرٌ ضَخْمٌ مِنَ الْبَرَاهِينِ لِلدِّفَاعِ عَنِ الْمَوْثُوقِيَّةِ التَّارِيخِيَّةِ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَمُجَدَّدًا، لَا يُمْكِنُنَا، اسْتِنَادًا إِلَى هَذَا النَّوْعِ التَّارِيخِيِّ مِنَ الْبَحْثِ، الْقَفْزُ مِنَ الْمَوْثُوقِيَّةِ التَّارِيخِيَّةِ إِلَى إِثْبَاتِ الْعِصْمَةِ أَوِ الْوَحْيِ. فَلَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِوَاسِطَةِ عِلْمِ الْآثَارِ.
لَكِنْ، دَعُونَا نَنْتَقِلُ إِلَى الْفَرَضِيَّةِ التَّالِيَةِ. أَقُولُ إِنَّكُمْ إِذَا اسْتَطَعْتُمْ إِثْبَاتَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَوَثَائِقَهُ مَوْثُوقَةٌ بِشَكْلٍ عَامٍّ أَوْ أَسَاسِيٍّ، يَصِيرُ لَدَيْكُمْ مَصْدَرٌ تَارِيخِيٌّ يُمْكِنُ الْحُكْمُ مِنْ خِلَالِهِ مَنْطِقِيًّا عَلَى شَخْصِ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. وَيُثِيرُ اهْتِمَامِي أَنَّهُ حَتَّى أَتْبَاعُ الدِّيَانَاتِ الْأُخْرَى، الَّذِينَ لَا يَقْبَلُونَ ادِّعَاءَاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ عَنْ أُلُوهِيَّةِ الْمَسِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يُقِرُّونَ بِأَنَّ يَسُوعَ كَانَ عَلَى الْأَقَلِّ نَبِيًّا. وَإِذَا كَانَ يَسُوعُ نَبِيًّا، الْأَمْرُ الَّذِي يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالِاسْتِنَادِ إلَى هَذِهِ الْوَثَائِقِ، فَعَلَيْنَا إِذَنْ أَنْ نَطْرَحَ السُّؤَالَ التَّالِيَ: هَلْ كَانَ نَبِيًّا كَاذِبًا أَمْ نَبِيًّا حَقِيقِيًّا؟ لِأَنَّ يَسُوعَ تَنَبَّأَ عَنْ نَفْسِهِ. وَالنُّبُوَّاتُ الَّتِي قَالَهَا عَنْ نَفْسِهِ كَانَتْ تُشِيرُ بِبَسَاطَةٍ إِلَى أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ نَبِيٍّ. لَكِنْ دَعُونَا نَكْتَفِي بِالْقَوْلِ إِنَّهُ نَبِيٌّ. وَإِذَا كَانَ نَبِيًّا حَقِيقِيًّا، فَهُوَ تَكَلَّمَ بِدِقَّةٍ بِلِسَانِ اللَّهِ . وَإِذْ هُوَ نَبِيٌّ حَقِيقِيٌّ - وَأَنَا أُبَسِّطُ الْأَمْرَ - يَصْحَبُنَا ذَلِكَ إلَى الْخُطْوَةِ التَّالِيَةِ. فَتَعْلِيمُهُ النَّبَوِيُّ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ أَنَّهُ، وَفْقًا لِيَسُوعَ، الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ لَيْسَ فَقَطْ مَوْثُوقًا بِشَكْلٍ عَامٍّ. فَكَانَ جُزْءٌ مِنَ التَّعْلِيمِ النَّبَوِيِّ لِهَذَا النَّبِيِّ يَسُوعَ هُوَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ نَقْضُهَا. فَهُوَ لَمْ يُعَلِّمْ فَقَطْ بِالْوَحْيِ اللَّفْظِيِّ، بَلْ عَلَّمَ بِوَحْيِ كُلِّ حَرْفٍ وَنُقْطَةٍ، قَائِلًا: "لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ ... حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ".
إِذَنْ، بِاخْتِصَارٍ، نَبْدَأُ بِالْمَوْثُوقِيَّةِ الْأَسَاسِيَّةِ، ثُمَّ نَنْتَقِلُ إِلَى بَعْضِ الْمَعْلُومَاتِ عَنْ يَسُوعَ، ثُمَّ نَطْرَحُ السُّؤَالَ التَّالِيَ: "كَيْفَ نَظَرَ يَسُوعُ إِلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟" وَإِذَا كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الْمَسِيحَ أَكْثَرُ مِنْ مُجَرَّدِ نَبِيٍّ، وَكُنْتُمْ عَلَى قَنَاعَةٍ بِأَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، وَبِأَنَّهُ رَبُّكُمْ - نَظِيرَ صَدِيقِي الَّذِي كَانَ لَا يَزَالُ يُؤْمِنُ بِذَلِكَ، وَزَمِيلِي السَّابِقِ بِالْجَامِعَةِ - فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا أَنْفُسَكُمْ: "مَا التَّعْلِيمُ الْمَوْثُوقُ لِرَبِّ الْكَنِيسَةِ عَنْ طَبِيعَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟" وَهَكَذَا، فَالْمُؤْمِنُونَ الْمُقْتَنِعُونَ بِأَنَّ الْمَسِيحَ، أَيْ يَسُوعَ التَّارِيخِيَّ، كَانَ هُوَ ابْنَ اللَّهِ الْمُتَجَسِّدَ، وَالْحَقَّ مُتَجَسِّدًا، وَبِأَنَّهُ عَلَّمَ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ الْحَقِيقِيَّةُ، يَسْأَلُونَ أَنْفُسَهُمْ: "هَلْ نَخْضَعُ لِسُلْطَانِ الْمَسِيحِ فِي هَذَا الشَّأْنِ؟"
نَجِدُ فِي الدِّرَاسَاتِ الْأَكَادِيمِيَّةِ الْكِتَابِيَّةِ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ تَنَاقُضَاتٍ مُذْهِلَةً. فَشَتَّى أَنْوَاعِ الْعُلَمَاءِ يُقِرُّونَ بِإِيمَانِهِمْ بِالْمَسِيحِ، لَيْسَ فَقَطْ كَنَبِيٍّ، بَلْ كَابْنِ اللَّهِ الْحَقِيقِيِّ. وَهُمْ يُقِرُّونَ بِوُضُوحٍ بِمَعْرِفَتِهِمْ أَنَّ يَسُوعَ التَّارِيخِيَّ تَبَنَّى وَعَلَّمَ الرَّأْيَ الْيَهُودِيَّ السَّائِدَ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءَ، مَعَ أَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِأَنَّ يَسُوعَ عَلَّمَ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللَّهِ، وَمَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ، إِلَى آخِرِهِ، قَالُوا إِنَّ يَسُوعَ كَانَ مُخْطِئًا. وَهُمْ لَا يُعَلِّمُونَ فَقَطْ بِأَنَّهُ كَانَ مُخْطِئًا، بَلْ يُعَلِّمُونَ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَوَقَّعَ، مَنْطِقِيًّا، أَنَّ يَسُوعَ، فِي نَاسُوتِهِ، أَمْكَنَهُ أَنْ يُعَلِّمَ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَكْتُبِ الْأَسْفَارَ الْخَمْسَةَ الْأُولَى لِلْعَهْدِ الْقَدِيمِ، الَّتِي قَالَ إِنَّ مُوسَى كَتَبَهَا. وَقَالُوا إِنَّنَا يَجِبُ أَلَّا نُحَاسِبَهُ عَلَى تَبَنِّيهِ نَظْرَةً عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ كَانَتْ سَائِدَةً فِي أَيَّامِهِ، لِأَنَّهُ، فِي نَاسُوتِهِ، لَمْ يَكُنْ كُلِّيَّ الْعِلْمِ. إِذَنْ، مِنْ مَنْظُورٍ لَاهُوتِيٍّ، يَقُولُ عُلَمَاءُ أَمْثَالُ كَارْلْ بَارْتْ، وَبُولْ أَلْتَاوْسْ، وَإِمِيلْ بُرُونَرْ، وَيُوَاكِيمْ إِرِيمُورِيُوسْ، وَسْ. ه. دُودْ - لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ - إِنَّهُمْ يُوَافِقُونَ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ يَسُوعَ عَلَّمَ بِالْفِعْلِ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ، لَكِنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ جَمِيعُهُمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ يَسُوعَ، الَّذِي يُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُ رَبُّ الْمَجْدِ، كَانَ مُخْطِئًا فِي تَعْلِيمِهِ عَنْ طَبِيعَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. هَذَا هُوَ التَّنَاقُضُ الَّذِي نَجِدُهُ لَدَى النُّقَّادِ بِدَاخِلِ الْكَنِيسَةِ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، بُنِيَ مُبَرِّرُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى فَهْمِهِمْ لِطَبِيعَةِ الْمَسِيحِ. فَفِي النِّهَايَةِ، الْجَدَلُ الْمُتَعَلِّقُ بِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، دَاخِلَ الْكَنِيسَةِ، يُخْتَزَلُ إِلَى جَدَلٍ كْرِيسْتُولُوجِيٍّ. وَأَوَدُّ أَنْ أُكَرِّسَ مُحَاضَرَةً كَامِلَةً لِدِرَاسَةِ هَذَا الْمَوْضُوعِ، وَعَلَاقَتِهِ بِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.