المحاضرة 1: مُقَدِّمَةٌ لِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ

هناك شيء واحد مشترك بين كل غير المؤمنين — عدم الإيمان. ولكن هناك العديد من أنواع غير المؤمنين. هناك أولئك غير المؤمنين الذين يتمسكون بنظام ديني كاذب. ومع ذلك، في حين أن آخرين ليس لديهم أسباب مدروسة جيدًا، فهناك الكثير ممن يثقون في عدم إيمانهم يلجؤون إلى بعض الحجج الفلسفية والعلمية. ما مدى استعدادك للإجابة على أنواع الأشخاص المختلفة بأسئلتهم وانتقاداتهم؟ بداية من هذه السلسلة التي تحمل عنوان "علم الدفاعيات"، يقدم لنا د. سبرول بعض المدافعين القدماء عن المسيحية والتحديات التي واجهوها أثناء سعيهم إلى الدفاع عن الإيمان المسيحي.

حِينَ أَتَحَدَّثُ إِلَى أَحَدِهِمْ، أَوْ أَلْتَقِي بِأَحَدِهِمْ لِلْمَرَّةِ الأُولَى، وَيَسْأَلُنِي عَنْ عَمَلِي، أُجِيبُ بِأَنَّنِي مُعَلِّمٌ بِكُلِّيَّةِ اللاهُوتِ. وَأُسْأَلُ دَائِمًا: "مَاذا تُعَلِّمُ؟" وَحِينَ أُجِيبُ بِأَنَّنِي أُسْتَاذٌ فِي اللاهُوتِ النِظَامِيِّ والدِفاعِيَّاتِ، أُقابَلُ عادَةً بِنظراتِ جَهْلٍ، بَلْ وَكَثِيرًا مَا أُقَابَلُ بِنَظَرَاتِ جَهْلٍ مُضَاعَفَةٍ، لأَنَّ الْغَالِبِيَّةَ لا يَدْرُونَ شَيْئًا عَنِ اللاهُوتِ النِظَامِيِّ. وَإِنِ اسْتَطَعْتُ شَرْحَ ذَلِكَ لَهُمْ، يَتَحَيَّرُونَ مِنَ المَجالِ الآخَرِ، أَيِ الدِفَاعِيَّاتِ، فَيَقُولُونَ: "وَمَا هُوَ عِلْمُ الدِفَاعِيَّاتِ بِحَقِّ السَماءِ؟"

لِنُدوِّنْ هَذِهِ الكَلِمَةَ عَلَى السَبُّورَةِ، لأنَّهَا مِحْوَرُ هَذَا المُقَرَّرِ - مَجَالُ أَوْ عِلْمُ الدِفَاعِيَّاتِ. وَهُوَ فِي الْعَالَمِ اللاهُوتِيِّ يُعْتَبَرُ عَادَةً عِلْمًا مُنْفَصِلاً عَنْ عِلْمِ اللاهُوتِ أَوْ عَنِ الدِرَاسَاتِ الكِتَابِيَّةِ. وَيُعنَى عِلْمُ الدِفَاعِيَّاتِ بِتَقْدِيمِ دِفَاعٍ فِكْرِيٍّ عَنْ تَصْرِيحَاتِ الإِيمانِ الْمَسِيحِي. وَفِي هَيْئَةِ لِيجُونِير، نَقُولُ إِنَّ إِحْدَى مَهَامِّنَا هِيَ أَنْ نُسَاعِدَ الناسَ لِيَعْرِفُوا مَا يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَسَبَبَ إِيمَانِهِمْ بِهِ. وَلِذَا، فَتَقْدِيمُ الأَدِلَّةِ عَلَى تَصْرِيحٍ مُعَيَّنٍ، أَيْ عرضُ البَراهِينِ أَوِ الأَسْبَابِ الَّتِي تَدْعُونا إِلَى الإِيمانِ بِهَذَا الأَمْرِ دُونَ ذَاكَ، هُوَ مُهِمَّةُ عِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ.

مُصْطَلَحُ "الدِفَاعِيَّاتِ" - apologetics - هُوَ عِلْمُ تَقْدِيمِ apology. فِي الإِنْجْلِيزِيَّةِ، تَقْدِيمُ apology يَعْنِي أَنْ تَقُولَ: "أَعْتَذِرُ لأَنَّنِي أَسَأْتُ إِلَيْكَ أَوِ ارْتَكَبْتُ خطأً". لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ مَعْنَى الْمُصْطَلَحِ هُنَا. تَأْتِي كَلِمَةُ "apologetics" مِنَ الْكَلِمَةِ اليُونَانِيَّةِ "apologia"، ومَعْنَاها الحَرْفِيُّ "تَقْدِيمُ ردٍّ أَوْ تَقْدِيمُ جَوَابٍ".

لِنَصْرِفْ بَعْضَ الْوَقْتِ فِي تَناوُلِ النَصِّ الكِتَابِيِّ الَذِي فِيهِ نَلْتَقِي بِمَفْهُومِ الدِفَاعِيَّاتِ، وَمَسْؤُولِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهُ. إِذَا نَظَرْنَا إِلَى رِسَالَةِ بُطْرُسَ الأُولَى، الأَصْحَاحِ الثَالِثِ، والآيَةِ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ، نَقْرَأُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ: "بَلْ قَدِّسُوا الرَّبَّ الإِلَهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ وَلَكُمْ ضَمِيرٌ صَالِحٌ لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ يَشْتِمُونَ سِيرَتَكُمُ الصَّالِحَةَ فِي الْمَسِيحِ يُخْزَوْنَ فِي مَا يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرٍّ".

الْجَانِبُ الأَوَّلُ الَذِي نُوصَى بِأَنْ نُعْنَى بِهِ هُنَا هُوَ أَنْ نَكُونَ قَادِرِينَ -أَوْ مُسْتَعِدِّينَ- لِتَقْدِيمِ دِفاعٍ أَوْ جَوَابٍ أَوْ "apologia"، أيْ رَدٍّ عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْأَلُ، أَوْ كُلِّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ نُخْبِرَهُ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِينَا. ثُمَّ يُتَابِعُ قَائِلاً إِنَّهُ فِي النِّهَايَةِ، كُلُّ مَنْ يَفْتَرِي عَلَى حَقِّ الْمَسِيحِيَّةِ سَيَخْزَى، وَهَذَا يَكْشِفُ لَنَا وَاحِدًا مِنَ الأَهْدَافِ الرَّئِيسِيَّةِ لِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ.

لَكِنْ فِي الْكَنِيسَةِ الأُولَى، الْمُدَافِعُونَ عَنِ الْعَقَائِدِ الْمَسِيحِيَّةِ، فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ وَحَتَّى الْقَرْنِ الثَّانِي، أَيِ الْمُفَكِّرُونَ الْمَسِيحِيُّونَ لِذَلِكَ الْمُجْتَمَعِ، كَانَ عَلَيْهِمْ الانْخِرَاطُ فِي عَمَلٍ دِفَاعِيٍّ، وَالرَّدُّ عَلَى اتِّهَامَاتٍ كَاذِبَةٍ وُجِّهَتْ ضِدَّ الْمُجْتَمَعِ الْمَسِيحِيِّ الْوَلِيدِ.

فَمَثَلاً، فِي كِتَابَاتِ يُوسْتِينُوسَ الشَّهِيدِ، مِثْلِ "الدِّفاعِ" أَوْ "The Apologia". كانَ يَرُدُّ عَلَى نُقَّادِ الْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ، الَّذِينَ اتَّهَمُوا الْمَسِيحِيَّةَ بِعِدَّةِ أُمُورٍ. أَوَّلاً، كَانَ أَحَدُ الاتِّهَاماتِ الْمُوَجَّهَةِ إِلَى الْمُجْتَمَعِ الْمَسِيحِيِّ هُوَ أَنَّ الْمَسِيحِيِّينَ الأَوَائِلَ مُثِيرُونَ لِلْفِتَنِ، أَيْ أَنَّهُمْ خَوَنَةٌ يُضْعِفُونَ مِنْ سُلْطَةِ الدَوْلَةِ.

فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ مِنَ التَارِيخِ الرُومَانِيِّ، كَانَتْ عِبَادَةُ الإِمْبْراطُورِ قَدْ ظَهَرَتْ، وَكَانَ القَسَمُ بِالْوَلاءِ لِقَيْصَرَ إِلْزَامِيًّا عَلَى الْمُوَاطِنِينَ الرُّومَانِيِّينَ. فَكَيْ يُثْبِتُوا وَلاءَهُمْ، كَانَ عَلَيْهِمْ تَرْدِيدُ عِبَارَةِ "كَايْزَر كِيرْيُوس"، أَيْ "القَيْصَرُ رَبٌّ". لكنَّ المَسِيحِيِّينَ الَّذِينَ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِوُجُوبِ إِكْرَامِ قَيْصَرَ، كَمَا يُعَلِّمُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ، رَدُّوا قَائِلِينَ، كَمَا قَالَ يُوسْتِينُوسُ الشَّهِيدُ: "إِنَّ الْمَسِيحِيِّينَ نَمُوذَجٌ لِلطَاعَةِ الْمَدَنِيَّةِ. فَنَحْنُ لا نُشْغِلُ شُرْطَةَ رُومَا بِمُلاحَقَتِنَا أَوْ بِمُحَاوَلَةِ الْقَبْضِ عَلَيْنَا بِتُهْمَةِ السَرِقَةِ أَوِ الْقَتْلِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنَّنَا نُحَاوِلُ أَنْ نَكُونَ مُوَاطِنِينَ صَالِحِينَ، وَنَلْتَزِمَ بِالحَدِّ الأَقْصَى لِلسُّرْعَةِ، وَنُسَدِّدَ الضَّرَائِبَ، إِلَى آخِرِهِ. لَكِنْ لا يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ قَيْصَرَ رَبٌّ، لَكِنَّنَا نَقُول فِي الْمُقَابِلِ: ’يِيسُوسْ هُوَ كِيريُوس ‘أَيْ ’يَسُوعُ هُوَ الرَّبُّ‘".

فِي التَارِيخِ الأَمْرِيكِيِّ الْحَدِيثِ، أَحَدُ الْمُرَشَّحِينَ لِمَنْصِبِ عَضْوِ مَجْلِسِ الْوُزَرَاءِ فِي حُكُومَةِ جُورْج بُوش، وَهُوَ السَيِّدُ أَشْكْرُوفْت، تَعَرَّضَ لِنَقْدٍ لاذِعٍ بِسَبَبِ خُطَابٍ أَلْقَاهُ فِي كُلِّيَّةِ لاهُوتٍ بالْجَنُوبِ، حَيْثُ اقْتَبَسَ كَلامَ أَحَدِ الْمَسِيحِيِّينَ الأَوَائِلِ الْمُؤَسِّسِينَ لأَمْرِيكَا، قَائِلًا: "فِي أَمْرِيكَا، لا مَلِكَ لَنَا سِوَى يَسُوعَ". وَكَمُؤْمِنٍ، حَاوَلَ السَيِّدُ أَشْكْرُوفْت الإِقْرَارَ بِوَلائِهِ التَامِّ لِلْمَسِيحِ الْمَلِكِ، مِمَّا أَوْقَعَهُ فِي مَتَاعِبَ جَمَّةٍ.

تِلْكَ هِيَ الْمُشْكِلَاتُ الَتِي وَاجَهَهَا الْمَسِيحِيُّونَ فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ، حِينَ قَالُوا: "سَنَحْتَرِمُ قَوَانِينَ الْبِلادِ، وَنُسَدِّدُ الضَّرَائِبَ، لَكِنَّنَا لَنْ نَدْعُوَ قَيْصَرَ رَبًّا". كَمَا رَفَضُوا أَنْ يَدْعُوهُ "سَابَاتُوسَ" أَوْ "أَغُسْطُسَ"، لأَنَّهُ بِحَسَبِ الْمَنْظُورِ الْمَسِيحِيِّ، اللهُ وَحْدَهُ هُوَ مَنْ يُدْعَى "أَغُسْطُس". إِذَنْ، كَانَ الْغَرَضُ مِنَ الرَدِّ هُوَ أَنْ يُدْرِكَ الإِمْبْرَاطُورُ -وَبِالْمُنَاسَبَةِ، كَتَبَ يُوسْتِينُوسُ الشَهِيدُ دِفَاعَهُ إِلَى الإِمْبْرَاطُورِ أَنْطُونْيُوسَ بَايُوسَ، مُحْتَكِمًا إِلَى صِيتِهِ وَمَا عُرِفَ عَنْهُ مِنْ إِنْصَافٍ، لِيَكُونَ عَادِلاً فِي حُكْمِهِ عَلَى الْمَسِيحِيِّينَ، وَلا يَدِينَهُمْ اسْتِنادًا إِلَى شَائِعَاتٍ بَاطِلَةٍ.

أَمَّا الاتِّهَامُ الآخَرُ الَّذِي وُجِّهَ إِلَى الْمُجْتَمَعِ الْمَسِيحِيِّ، فَهُوَ أَنَّهُمْ مُلْحِدُونَ، لأَنَّ الْمُجْتَمَعَ الْمَسِيحِيَّ رَفَضَ عِبَادَةَ آلِهَةِ مَجْمَعِ الآلِهَةِ الرُومَانِي. نَتَذَكَّرُ أَنَّهُ فِي حادِثَةِ اسْتِشْهَادِ بُولِيكَارْبُوسَ، وَهُوَ شَيْخٌ فِي أَوَاخِرِ الثَمَانِينَاتِ مِنْ عُمْرِهِ، أَحْضَرُوهُ إِلَى السَاحَةِ لِلْمُثُولِ أَمَامَ الإِمْبْرَاطُورِ. وَلَمْ يَشَإِ الإِمْبْرَاطُورُ أَنْ يُصْبِحَ بُولِيكَارْبُوسُ شَهِيدًا، لأَنَّهُ كَانَ أُسْقُفَ سْمِيرْنَا آنَذَاكَ، وَقِدِّيسًا مُبَجَّلًا، لأَنَّ الإِمْبْرَاطُورَ أَدْرَكَ أَنَّهُ إِنْ أَعْدَمَ هَذا الشَيْخَ الضَعِيفَ، سَيُسِيءُ ذَلِكَ إِلَى صُورَةِ الْحُكُومَةِ. فَحَاوَلَ الإِمْبْرَاطُورُ إِيجادَ وَسِيلَةٍ لِمُسَاعَدَةِ بُولِيكَارْبُوسَ عَلَى الإِفْلاتِ مِنْ عُقُوبَةِ الإِعْدَامِ، فَقَالَ لِبُولِيكَارْبُوسَ، الَذِي كَانَ وَاقِفًا فِي وَسَطِ السَاحَةِ: "كُلُّ مَا عَلَيْكَ فِعْلُهُ لِتَنْجُوَ بِحَيَاتِكَ هُوَ أَنْ تَقُولَ: ’سَحْقًا لِلْمُلْحِدينَ! ‘"، لأَنَّ الْمَسِيحِيِّينَ كَانُوا يُحْسَبُونَ مُلْحِدِينَ فِي رُومَا، لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِالآلِهَةِ الرُومَانِيَّةِ. وَفِي حِكْمَةِ بُولِيكَارْبُوسَ، قَالَ: "أَكُلُّ مَا تُرِيدُهُ مِنِّي هُوَ أَنْ أَقُولَ: ’سَحْقًا لِلْمُلْحِدِينَ! ‘؟" ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْمُدَرَّجَاتِ، إِلَى جَمِيعِ الرُومَانِ، وَقَالَ: "حَسَنًا، سَحْقًا لِلْمُلْحِدِينَ!" ثُمَّ قَالَ: "لَسْتُ مُلْحِدًا، بَلْ أَنْتُمْ هُمُ الْمُلْحِدُونَ". وَبِالطَبْعِ، لَمْ يَرُقْ ذَلِكَ لِلإِمْبْرَاطُورِ، فَأَمَرَ بِإِعْدَامِ بُولِيكَارْبُوسَ. لَكِنَّ يُوسْتِينُوسَ الشَهِيدَ حَاوَلَ الرَدَّ عَلَى اتِّهَامِ الْمَسِيحِيِّينَ بِأَنَّهُمْ مُلْحِدُونَ، وَقَالَ إِنَّ هَذَا تَشْوِيهٌ لِهُوِيَّتِنَا. لَسْنَا مُلْحِدِينَ، لَكِنَّنَا مُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ اللهِ، وَمُخْلِصُونَ تَمَامًا لِحَقِيقَةِ وُجُودِهِ؛ لَكِنَّنَا فَقَطْ نَرْفُضُ تَعَدُّدَ الآلِهَةِ.

كَذَلِكَ، كَانَ الْمَسِيحِيُّونَ يُحْسَبونَ مِنْ آكِلِي لُحُومِ الْبَشَرِ، بِسَبَبِ انْتِشَارِ شَائِعَةٍ فِي رُومَا بِأَنَّ الْمَسِيحِيِّينَ، غَرِيبو الأَطْوَارِ، يَجْتَمِعُونَ فِي مَقَابِرَ تَحْتَ الأَرْض، في اجْتِمَاعَاتٍ سِرِّيَّةٍ، لِمُمَارَسَةِ أَكْلِ لُحُومِ الْبَشَرِ، إِذْ ذَاعَ الْخَبَرُ بِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ جَسَدَ أَحَدِهِمْ وَيَشْرَبُونَ دَمَهُ. وكانَ عَلى الدِفَاعِيِّينَ الرَدُّ عَلَى تِلْكَ الاتِّهَامَاتِ، قَائِلِينَ: "هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ نَحْنُ نُمَارِسُ فِي اجْتِمَاعَاتِنَا فَرِيضَةَ عَشَاءِ الرَبِّ، حَيْثُ يُمَثِّلُ الْخُبْزُ جَسَدَ رَبِّنا، الَذِي ذُبِحَ لأَجْلِنَا، إِلَى آخِرِهِ".

إِذَنْ، فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ، مَا كَانَ الدِفَاعِيُّونَ يَفْعَلُونَهُ هُوَ التَوْضِيحُ وَالرَدُّ عَلَى الاتِّهَامَاتِ الْكَاذِبَةِ الْمُوَجَّهَةِ إِلَى الْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ. وَلَمْ تَنْتَهِ، يَا أَحِبَّائِي، مُهِمَّةُ الرَدِّ عَلَى التَحْرِيفَاتِ وَالْمَفَاهِيمِ الْخَاطِئَةِ عَنْ طَبِيعَةِ الْمَسِيحِيَّةِ فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ أَوِ الثَانِي، بَلْ هَذِهِ مُهِمَّةٌ عَلَى الدِفَاعِي تَأْدِيَتُهَا فِي كُلِّ جِيلٍ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا تَزْدَهِرُ الْمَسِيحِيَّةُ، تَتَعَرَّضُ لِلتَشْوِيهِ وَالتَحْرِيفِ، وَيَتَّهِمُ خُصُومُها الْمَسِيحِيِّينَ وَالْكَنِيسَةَ بِشَتَّى الاتِّهَامَاتِ. وَهَكَذَا، اقْتَضَتْ مُهِمَّةُ الدِفَاعِيِّ فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ اتِّخَاذَ مَوْقِفٍ دِفَاعِيٍّ لِصَدِّ الاتِّهَامَاتِ الْبَاطِلَةِ.

لَكِنْ إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ، نَتَذَكَّرُ أَيْضًا الصِرَاعَ الْحَقِيقِيَّ الَذِي دَارَ فِي الْقُرُونِ الثَلاثَةِ الأُولَى حَوْلَ الْمِصْدَاقِيَّةِ الْفِكْرِيَّةِ لِلْمَسِيحِيَّةِ. ظَهَرَتِ الْمَسِيحِيَّةُ فِي فَتْرَةٍ فِيهَا كَانَتِ الْفَلْسَفَةُ الْيُونَانِيَّةُ، الَتِي كَانَتْ سَائِدَةً عَلَى الْعَالَمِ الْفِكْرِيِّ قَدِيمًا، فِي تَدَهْوُرٍ شَدِيدٍ. وَفِي الْوَاقِعِ، يَقُولُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ إِنَّ الْحَضَارَةَ الْغَرْبِيَّةَ أُنْقِذَتْ مِنَ الْفَسَادِ وَالانْحِلالِ الدَّاخِلِيِّ لِلإِمْبْرَاطُورِيَّةِ الْيُونَانِيَّةِ، عِنْدَمَا غَزَتْهَا رُومَا؛ وَإِنَّ تِلْكَ الْحَضَارَةَ تَعَافَتْ بِفَضْلِ فَلْسَفَةٍ جَدِيدَةٍ لِلْحَيَاةِ، وَأَخْلَاِقيَّاتٍ جَدِيدَةٍ، جَسَّدَهَا يَسُوعُ وَرُسُلُهُ، وَلا سِيَّمَا الرَسُولُ بُولُسُ، بِحَيْثُ صَارَتْ هُنَاكَ لَيْسَ فَقَطْ دِيانَةٌ جَدِيدَةٌ، بَلْ أَيْضًا فَلْسَفَةٌ جَدِيدَةٌ، حَلَّتْ مَحَلَّ الأَفْلاطُونِيَّةِ الْقَدِيمَةِ، أَوِ الأَرِسْطِيَّةِ، أَوِ الرِوَاقِيَّةِ، أَوِ الأَبِيقُورِيَّةِ، أَوِ الأَنْظِمَةِ الْفَلْسَفِيَّةِ الأُخْرَى الَّتِي تُنَافِسُ الْمَسِيحِيَّةَ عَلَى وَلاءِ الْبَشَرِ.

وَفِي الْوَاقِعِ، نَرَى لَمْحَةً عَنْ ذَلِكَ عَلَى صَفَحَاتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، حِينَ زَارَ بُولُسُ أَثِينا، الَتِي كَانَتِ الْمَرْكَزَ الثَقَافِيَّ لِلْعَالَمِ الْقَدِيمِ. وَفِيهَا أَسَّسَ أَفْلاطُونُ أَكَادِيمِيَّتَهُ، وَأَسَّسَ أَرِسْطُو اللِيسْيُوم، وَازْدَهَرَتِ الْفَلْسَفَةُ الْيُونَانِيَّةُ وَالْحَضَارَةُ الْيُونَانِيَّةُ. وَتَذْكُرُونَ أَنَّهُ حِينَ جَاءَ بُولُسُ أَخِيرًا إِلَى أَثِينَا، رَأَى الْمَدِينَةَ، وَنَقْرَأُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَنَّ رُوحَهُ احْتَدَّتْ فِيهِ، لأَنَّهُ رَأَى الْمَدِينَةَ بِأَكْمَلِها مُسَلَّمَةً لِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ. لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ التَصَوُّرُ الْمُعْتادُ. فَالتَصَوُّرُ الْمُعْتَادُ لِلسُيَّاحِ والزُوَّارِ هُوَ أَنَّ أَثِينَا تَتَرَبَّعُ عَلَى قِمَّةِ أَعْظَمِ حَضَارَةٍ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِ، وَأَنَّ جَوْهَرَ عَظَمَةِ الإِنْسَانِ مُتَجَسِّدٌ فِي أَثِينَا. رَأَى بُولُسُ أَنَّ أَثِينَا مُسلَّمَةٌ بِالْكَامِلِ لِعِبَادَةِ الأَوْثانِ. ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَرْيُوسَ بَاغُوسَ. تَذْكُرونَ أَنَّ إِلَهَ الْحَرْبِ فِي الأَسَاطِيرِ الْيُونَانِيَّةِ كَانَ مَعْرُوفًا بِاسْمِ "أَرِيس"، وَكَانَ نَظِيرُهُ فِي الأَسَاطِيرِ الرُومَانِيَّةِ هُوَ "مَارْس" أَوِ "الْمَرِّيخُ". وَلِهَذَا نَقْرَأُ فِي سِفْرِ أَعْمَالِ الرُسُلِ أَنَّ بُولُسَ زَارَ "أَرْيُوسَ بَاغُوسَ" نِسْبَةً إِلَى الإِلَهِ أَرِيس.

عَلَى أَيِّ حالٍ، كَانَتْ هُنَاكَ تَلَّةٌ عَلَيْهَا هَيْكلٌ لإِلَهِ الْحَرْبِ. وَذَهَبَ بُولُسُ إِلَى هُنَاكَ لِيَكْرِزَ بِالْمَسِيحِيَّةِ، مُؤَدِّيًا وَظِيفَةَ الدِفَاعِيِّ وَسَطَ تِلْكَ الْحَضَارَةِ الْفِكْرِيَّةِ. وَهُنَاكَ، الْتَقَى بِفَلاسِفَةٍ مِنَ الْمَدْرَسَتَيْنِ الرِوَاقِيَّةِ والأَبِيقُورِيَّةِ. وَبِالْمُنَاسَبَةِ، هَاتَانِ هُمَا مَدْرَسَتَا الْفَلْسَفَةِ الْوَحِيدَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ صَرَاحَةً فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. ثُمَّ خَاضَ الرَسُولُ بُولُسُ جَدَلًا فِي الدِفَاعِيَّاتِ، فِي السَاحَةِ العَامَّةِ، مَعَ مُمَثِّلِي الْفَلْسَفَاتِ الأُخْرَى، وَلا سِيَّمَا الرِوَاقِيَّةُ وَالأَبِيقُورِيَّةُ. وَسَنَتَطَرَّقُ لاحِقًا إِلَى الدِرَاسَةِ الْمُثِيرَةِ لِلاهْتِمَامِ لِلْكَيْفِيَّةِ الَتِي تَعَامَلَ بِهَا بُولُسُ مَعَ الْفَلاسِفَةِ الْوَثَنِيِّينَ. لَكِنْ تُمَثِّلُ تِلْكَ الْحَادِثَةُ الْبَسِيطَةُ مَا كانَتِ الْكَنِيسَةُ تُوَاجِهُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ فِي الْقُرُونِ الثَلاثَةِ الأُولَى - أَيْ تَصادُمَهَا الْمُبَاشِرَ مَعَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ، وَالْحَرَكَاتِ الْفَلْسَفِيَّةِ الأُخْرَى. وَبِالتَّالِي، كَانَتِ الْكَنِيسَةُ الْمَسِيحِيَّةُ مَدْعُوَّةً لِلْمُجَاوَبَةِ أَوِ الرَدِّ عَلَى الاعْتِرَاضَاتِ الْمُثارَةِ ضِدَّ الْكَنِيسَةِ مِنْ مُؤَيِّدِي الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ.

مُجَدَّدًا، إِنْ دَرَسْتُمْ كِتَابَاتِ أَثِينَاغُورَاس، وَكِتَابَاتِ يُوسْتِينُوسَ الشَهِيدِ، سَيَلْفِتُ شَيْءٌ انْتِبَاهَكُمْ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنَ الْعَنَاصِرِ الرَئِيسِيَّةِ لِمُبَارَزَتِهِمْ ضِدَّ الْفَلاسِفَةِ الْوَثَنِيِّينَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ هُوَ احْتِكَامُهُمْ إِلَى "اللُوجُوسْ"، أَيْ كَلِمَةِ اللهِ، الَذِي أَشارَ إِلَيْهِ يُوحَنَّا فِي الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ مِنْ إِنْجِيلِهِ. تَعْلَمُونَ أَنَّهُ حِينَ قَدَّمَ يُوحَنَّا رِوَايَتَهُ عَنْ حَيَاةِ الْمَسِيحِ، أَيْ إِنْجِيلَهُ، اسْتَهَلَّ حَدِيثَهُ بِالْكَلِمَاتِ: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ" - أيْ "اللُوجُوسْ" - "وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ". أَلَيْسَ هَذَا لافِتًا؟ فِي أَوَّلِ جُمْلَةٍ، مَيَّزَ يُوحَنَّا بَيْنَ الْكَلِمَةِ وَاللهِ، قَائِلاً إِنَّ الْكَلِمَةَ كَانَ عِنْدَ اللهِ. ثُمَّ فِي الْجُمْلَةِ التَالِيَةِ، طَابَقَ بَيْنَ الْكَلِمَةِ وَاللهِ قَائِلاً: "وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ". ثُمَّ تَابَعَ قَائِلاً إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ كانَ بِالْكَلِمَةِ، وَبِغَيْرِ الْكَلِمَةِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كانَ. يَتَّفِقُ ذَلِكَ مَعَ الْجَوَانِبِ الأُخْرَى مِنْ عَقِيدَةِ الْمَسِيحِ الَتِي نَجِدُهَا فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، الَتِي تَقُولُ إِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ الَذِي مِنْهُ، وَفِيهِ، وَلَهُ كُلُّ الأَشْيَاءِ.

رُبَّمَا لا يُثِيرُ هَذَا النَوْعُ مِنَ التَصْرِيحَاتِ حَمَاسَنَا، لَكِنْ بِالنِسْبَةِ إِلَى الْفَيْلَسُوفِ الْيُونَانِيِّ، كَانَ ذَلِكَ صَادِمًا، لأَنَّهُ فِي تَارِيخِ الْفِكْرِ الْيُونَانِيِّ، لَمْ تَكُنْ كَلِمَةُ "لُوجُوسْ" هِيَ اللَفْظُ الْمُعْتَادُ الَذِي يَعْنِي "الْكَلِمَةَ"، بَلْ كَانَ مَفْهُومًا مُفْعَمًا بِالْمُحْتَوَى الْفَلْسَفِيِّ. فَمَثَلاً، فِي فَلْسَفَةِ هِرَقْلِيطُسَ، وَفِي الفَلْسَفَةِ الرِوَاقِيَّةِ اللاحِقَةِ، كَانَ "اللُوجُوسْ" يُعْتَبَرُ الْقُوَّةَ الأَسْمَى فِي الْكَوْنِ، الَتِي رَتَّبَتْ وَضَبَطَتْ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ. وَأَهَمُّ سُؤَالٍ حَاوَلَ الْفَلاسِفَةُ الْيُونَانِيُّونَ الإِجَابَةَ عَنْهُ يَتَعَلَّقُ بِمَا نُسَمِّيهِ مَسْأَلَةَ الْوِحْدَةِ وَالتَنَوُّعِ، أَوِ الْوَاحِدِ وَالْكَثِيرِ. فَعِنْدَمَا نَتَطَلَّعُ مِنَ النَافِذَةِ، نَرَى طُيُورًا، وَعُشْبًا، وَأَعْمِدَةَ هَاتِفٍ، وَسَيَّارَاتٍ، وَبَشَرًا - وَكُلَّ الْمَظَاهِرِ الْمُتَنَوِّعَةِ الأُخْرَى لِلْعَالَمِ الْمُحيطِ بِنَا. وَنَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ وَنَقُولُ: "كَيْفَ يَكُونُ لِكُلِّ ذَلِكَ مَعْنًى؟ هَلْ نَرَى أَنَّ الطَبِيعَةَ وَالْحَيَاةَ مُجَرَّدُ فَوْضًى، أَيْ كُتْلَةٍ غَيْرِ مُتَرَابِطَةٍ مِنَ الْبَيَانَاتِ عَدِيمَةِ الْمَعْنَى وَغَيْرِ الْمُتَّصِلَةِ، أَمْ هُنَاكَ مَا يَجْعَلُ كُلَّ ذَلِكَ مَفْهُومًا؟"

كارْلْ سَاجانْ، حِينَ عُرِضَ بَرْنَامَجُهُ عَلَى التِلْفَازِ، ثُمَّ صَدَرَ كِتَابُهُ لاحِقًا، كانَ بَرْنَامَجُهُ بِعُنْوَانِ "كُوزْمُوس". وَفِي الْبِدَايَةِ، مَيَّزَ بَيْنَ الكُوزْمُوسْ وَالْفَوْضَى. وَمَعْنَى "كُوزْمُوس" فِي الْفِكْرِ الْيُونَانِيِّ هُوَ أَنَّ الْعَالَمَ فِي الأَسَاسِ مُنَظَّمٌ، يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ، وَأَنَّهُ مُتَنَاغِمٌ، وَذُو مَعْنًى. لَكِنْ لا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مَبْدَأٍ أَوْ قُوَّةٍ عَامَّةٍ تُضْفِي وَحْدَةً عَلَى التَنَوُّعِ، وَتَجْعَلُ الْعالَمَ الَذِي نَعِيشُ فِيهِ كَوْنًا مُتَّحِدًا، وَلَيْسَ مُفَكَّكًا، حَتَّى يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ. وَفِي الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ، كَانَ مَفْهُومُ الْوَحْدَةِ والتَرْتِيبِ وَالتَنَاغُمِ يُدْعَى "اللُوجُوسْ".

إنَّهُ لَخَطَأٌ فَادِحٌ أَنْ نَذْهَبَ إِلَى الأَصْحَاحِ الأَوَّلِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، وَنَقُولَ إِنَّ مَا فَعَلَهُ يُوحَنَّا هُوَ الاسْتِعَانَةُ بِمَفْهُومِ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ عَنِ "اللُوجُوس"، وإلصَاقُهُ بِلاهُوتِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، دُونَ إِحْدَاثِ أَيِّ تَغْيِيرٍ عَلَيْهِ. لَكِنَّ يُوحَنَّا ملأَهُ بِمُحْتَوًى عِبْرَانِيٍّ مُسْتَمَدٍّ مِنْ تَشْخِيصِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ فِي العَهْدِ الْقَدِيمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. لَكِنْ ثَمَّةَ أَوْجُهُ شَبَهٍ، وَقَوَاسِمُ مُشْتَرَكَةٌ، اسْتَغَلَّها الدِفَاعِيُّونَ الأَوائِلُ؛ فَقَالُوا: "أَتَقُولُونَ إِنَّكُمْ مُهْتَمُّونَ بِاللُوجُوسْ؟ نَحْنُ أَيْضًا مُهْتَمُّونَ بِهِ. وَنُخْبِرُكُمْ بأنَّ ما يُضْفِي تَرْتِيبًا وَتَناغُمًا عَلَى الْعَالَمِ الْمَخْلُوقِ بِأَكْمَلِهِ، وَمَا عَبَّرَ عَنْهُ أَفْلاطُونُ فِي فَلْسَفَتِه المِيتَافِيزِيقِيَّةِ، وَمَا حَاوَلَ أَرِسْطُو إِدْرَاكَهُ فِي بَحْثِهِ الْفَلْسَفِيِّ، هُوَ سِرُّ اللُوجُوسْ الإِلَهِي، أَيْ ذَاكَ الَذِي يَخْلُقُ تَرْتِيبًا، وَمَعْنًى، وَتَنَاغُمًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ".

أَشَارَ أَحَدُ أَسَاتِذَةِ الدِفَاعِيَّاتِ إِلَى إِمْكَانِيَّةِ تَرْجَمَةِ الآيَةِ الأُولَى مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا كَالتَّالِي: "فِي الْبَدْءِ كَانَ الْمَنْطِقُ، وَالْمَنْطِقُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْمَنْطِقُ هُوَ اللهُ. وَالْمَنْطِقُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا". وَقَطْعًا، الْفَرْقُ بَيْنَ لُوجُوسْ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ وَلُوجُوسْ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ هُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَنْطِقَ لَيْسَ قُوَّةً غَيْرَ عَاقِلَةٍ - كَمَا يُقالُ "لِتَصْحَبَكَ الْقُوَّةُ"؛ بَلْ مَا كَانَ جَهَالَةً لِلْيُونَانِيِّينَ، وَأَعْمَقَ مِنْ إِدْرَاكِ مُفَكِّري ذَلِكَ الْعَصْرِ، هُوَ أَنَّ ذَاكَ الَّذِي هُوَ مَنْطِقُ كُلِّ الْكَوْنِ هُوَ شَخْصٌ أَزَلِيٌّ، لَهُ عَقْلٌ، وَإِرَادَةٌ، وَهُوِيَّةٌ شَخْصِيَّةٌ. وَهَذَا هُوَ الإِسْهَامُ الَّذِي قَدَّمَهُ الدِفَاعِيُّونَ الْمَسِيحِيُّونَ الْقُدَامَى وَالأَوَائِلُ فِي الْعَالَمِ الْيُونَانِيِّ. وَسَنَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْفِكْرَةَ وَمَثِيلاتِهَا فِي بَقِيَّةِ هَذِهِ الدِرَاسَةِ.