المحاضرة 2: سيادة الله
في هذهِ الْمُحاضَرَةِ من دراستِنا للتَّعْيِينِ المُسبَقِ، أريدُ أنْ نركِّزَ على سيادَةِ اللهِ. أحَدُ أَسبابِ اعْتقادِي بِأَهَمِّيَّةِ بَدءِ دِراسَتِنا لِلْعقيدَةِ بهذا، هُوَ اتِّفاقُ كُلِّ الْمُؤْمنينَ تَقْرِيبًا عَلَيْهِ. نتَّفِقُ مَعًا على أنَّ اللهَ صاحِبُ السِّيادَةِ الْمُطْلَقَةِ. رُبَّما يَخْتَلِفُ فَهْمُ سِيادَةِ اللهِ مِنْ مُؤْمِنٍ لآخَرَ، لَكِنَّنا بِالتَّأْكِيدِ نَعتَرِفُ جَمِيعًا أنَّ اللهَ مُتَسيِّدٌ.
يَبْدَأُ الفصلُ الثَّالِثُ منْ إِقرارِ إيمانِ وَسْتْمِنِسْتَر بِهَذا: "اللهُ، مُنْذُ الأزَلِ، بِحَسَبِ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ الْخاصَّةِ الْكُلِّيِّ الْحِكْمَةِ وَالْقَداسَةِ، قَدْ عيَّنَ بِحُرِّيَّةٍ، وَدُونَ قَابِلِيَّةٍ لِلتَّغْيِيرِ" — أَيْ دُونَ أيِّ احْتِمالٍ لِلتَّغْيِيرِ — "عيَّنَ اللهُ بِحُرِّيَّةٍ وَدُونَ قَابِلِيَّةٍ لِلتَّغْيِيرِ أيًّا كانَ ما يَحْدُثُ:" لِنَتَوَقَّفْ لَحْظَةً عِنْدَ النُّقْطَتَيْنِ.
لا يَخْتَلِفُ عنِ الإِلْحَادِ:
اللهُ، مُنْذُ الأَزَلِ، بِحَسَبِ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ الْخَاصَّةِ كُلِّيِّ الْحِكْمَةِ وَالْقَداسَةِ، قَدْ عَيَّنَ-أَوْ عَيَّنَ مُسْبَقًا-بِحُرِّيَّةٍ، وَدُونَ قَابِلِيَّةٍ لِلتَّغْيِيرِ أيًّا كانَ ما يَحْدُثُ.
تَوَقَّفْتُ هُنَا فِي صَفِّ كُلِّيَّةِ اللَّاهوتِ، وَسَأَلْتُ الطَّلَبَةَ: "كَمْ مِنْكُمْ يُؤْمِنُونَ بِهَذَا التَّصْرِيحِ؟" لِلْعِلْمِ، كانَتْ هَذِهِ كُلِّيَّةَ لاهوتٍ مَشْيَخِيَّةً، وَلِذا، كانَ هؤلاءِ مَنْقُوعِينَ فِي الْفِكْرِ الأُوغُسْطِينِي. حَصَلْتُ عَلَى مُوَافَقَةِ 70 %، كانَ عَدَدٌ كَبِيرٌ يُؤمِنونَ بِالتَّصْرِيحِ.
ثُمَّ قُلْتُ: "كْمْ مِنْكُمْ لا يُؤْمِنُونَ بِهَذَا التَّصْرِيحِ؟" رَفَعَ 30% تَقرِيبًا يَدَهُمْ، فَقُلْتُ: "حَسَنًا، لأَطْرَحْ سُؤالًا آخَرَ. دُونَ خَوْفٍ مِنْ أيِّ هُجُومٍ. لَنْ يَعْتَدِيَ أَحَدٌ عَلَيْكُمْ. فَقَطْ أُريدُ أَنْ أَعْرِفَ. وَلَدَيْكُمْ حُرِّيَّةُ التَّعْبِيرِ – كَمْ مِنْكُمْ يُمكِنُ أَنْ يُسَمُّوا أَنْفُسَهُمْ مُلْحِدينَ؟" لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ يَدَهُ.
وَهُنا تَقَمَّصْتُ دَوْرَ الْمُحَقِّقِ قَائِلًا: "هناكَ شيءٌ لا أفْهَمُهُ"، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلى الثَّلاثِينَ الَّذينَ رَفَعُوا يدَهُمْ، وقُلْتُ: "أَتَسْمَحونَ أنْ أَطْرَحَ سُؤالًا شَخْصِيًّا؟ لا أَفْهَمُ لماذا رَفَعْتُمْ يَدَكُمْ وَقُلْتُمْ إِنَّكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِهَذَا التَّصريحِ، بَيْنَما لَمْ تَرْفَعُوا يَدَكُمْ حينَ سَأَلْتُ إِنْ كُنْتُمْ مُلْحِدِينَ؟" نَظَرُوا إِليَّ في مَزِيجٍ مِنَ الارْتِباكِ وَالْحَيْرَةِ–تَمامًا كما تَنْظُرونَ إِلَيَّ الآنَ–فقُلْتُ: "فإنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بهَذا التَّصْرِيحِ، اعْلَموا أَنَّكُمْ مُلْحِدُونَ". كانَ هذا أَفْظَعَ شَيْءٍ سَمِعوهُ فِي حَياتِهِمْ.
فَقُلْتُ: "لِنَفْهَمْ أنَّ هذا التصريحَ الَّذي قرأتُهُ لِتوِّي، بأنَّ اللهَ قدْ عيَّنَ مُسْبَقًا أيًّا كانَ ما يَحْدُثُ، لَيْسَ خاصًّا بِالْكالْفِينِيَّةِ أَوِ الْمَشْيَخِيَّةِ. وَهْوَ لا يُميِّزُ التَّقليدَ الْمُصْلَحَ عنِ التَّقاليدِ الأُخْرَى، بَلْ ولا يميِّزُ الْمَسِيحِيِّينَ عنِ الْيَهودِ أوِ الْمُسْلِمِين. لكنَّهُ يُميِّزُ بَيْنَ الْمُؤْمِنينَ بِوُجودِ اللهِ وَالْمُلْحِدِينَ.
كانُوا بَعْدُ فِي حَيْرَةٍ بينَما تابَعْتُ خِطابِي، وقُلْتُ: "ألَا تَرَوْنَ إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ أيُّ شيْءٍ فِي الْعالَمِ خارَجِ تَعْيِينِ اللهِ الْمُسْبَقِ، أيْ إِذا لَمْ يَكُنِ اللهُ يُعَيِّنُ أيًّا كانَ ما يَحْدُثُ، ففي أيِّ وقْتٍ يَحْدُثُ فِيهِ شَيْءٌ خارِجَ تَعْيِينِ اللهِ الْمُسْبَقِ، فَهْوَ يَحْدُثُ إذَنْ خارِجَ سِيادَةِ اللهِ؟"
حينَ نتحدَّثُ عَنْ تعْيِينِ اللهِ للأَشْياءِ، نَعْرِفُ أنَّ اللهَ يُعيِّنُ ما يَحْدُثُ بطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ. لا يَعْنِي هَذَا بِالضَّرُورِةِ أَنَّ اللهَ يَقْتَحِمُ الْكَوْكَبَ، ويُحدِثُ شَيْئًا بِتَدَخُّلٍ مُباشِرٍ وَشَخْصِيٍّ. لَكِنْ أَعْتقِدُ أنَّ الأَمْرَ يتَعلَّقُ بِكَلِمَةِ "عَيَّنَ". كُلُّ مَا يَعْنِيهِ هذَا التَّصْرِيحُ هُوَ أنَّ اللهَ مُتسيِّدٌ على كُلِّ ما يَحْدُثُ. لا يُمْكِنُ أنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ فِي هَذا الْعالَمِ خَارِجَ السِّيادَةِ الإِلَهِيَّةِ.
نُفَرِّقُ أحْيانًا بَيْنَ مَشِيئَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ (السِّيادِيَّةِ) ومشيئتِهِ الآمِرَةِ (السَّامِحَةِ)؛ قَطْعًا سَمَعْتُمْ هذا. لَكِنْ دَعُونِي أُصِيغُ الأَمْرَ بِأَسْهَلِ ألفاظٍ مُمْكِنَةٍ. إنْ حَدَثَ شيْءٌ فِي هذا الْعالَمِ، سواءَ بِقُوَّةِ الْبَشَرِ، أَوْ بِقُوَّةِ الطَّبِيعَةِ، أَوْ بِقُوَّةِ الآلاتِ، فَلَدَى اللهِ دائِمًا الْقُوَّةُ وَالسُّلْطانُ أَنْ يَمْنَعَ على الأقَلِّ حُدُوثَها، أَلَيْسَ كَذَلِك؟ وَإِنْ لَمْ يمنَعْ حُدوثَها فهذا يَعْني على الأقَلِّ أنَّهُ اخْتارَ أنْ يَتْرُكَها تَحْدُثُ.
لا يعني هذا أنَّهُ يُوافِقُ عَلَيْها، أوْ راضٍ عَنْها حَتَّى إِنَّهُ يَأْذَنُ بِهَا، وَلَيْسَ يَعْنِي أنَّهُ يُوافِقُ طَوَالَ الْوَقْتِ، لَكِنَّهُ يَسْمَحُ بِحدُوثِها، وَبِهذا يَكونُ قَدِ اتَّخذَ قَرارًا سِيادِيًّا. أَيْضًا هُوَ يَعْرِفُ مُسْبَقًا مَا سَيَحْدُثُ، وَإِنْ كانَ يَقْضِي بِحُدوثِهِ، فَهْوَ مُحْتَفَظٌ بِسِيادَتِهِ عَلَيْهِ.
لَكِنْ إنْ حَدَثَتْ أَشْيَاءُ فِي هَذا الْعالَمِ خَارِجَ سِيَادَةِ اللهِ، فَهَذَا يَعنِي بِبَساطَةٍ أَنَّ اللهَ غَيرُ مَتَسَيِّدٍ. وَقَدْ ذَكَرْتُ الإلحَادَ لأنَّهُ لَو لَم يَكُنِ اللهُ مُتَسيِّدًا، فَهْوَ إِذَنْ لَيْسَ ماذا؟ لَيْسَ اللهَ بِكُلِّ بَساطَةٍ. لَوْ لَمْ يَكُنِ اللهُ مُتَسَيِّدًا، فَاللهُ لَيْسَ اللهَ. وَلَوْ كانَ الإِلَهُ الَّذِي تُؤمِنُ بِهِ غَيْرَ مُتَسَيِّدٍ، فَأَنْتَ لا تُؤْمِنُ حَقًّا بِاللهِ. رُبَّما لَدَيْكَ نَظَرِيَّةٌ عَنِ اللهِ، أَوْ رُبَّما تُؤْمِنُ بِوُجُودِهِ نَظَرِيًّا، لَكِنْ عَمَلِيًّا لا يَخْتَلِفُ هذا عَنِ الإِلْحادِ لأَنَّكَ تُؤمِنُ بِإِلَهٍ غَيرِ مُتَسَيِّدٍ.
لا وُجُودَ لِذَرَّاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ:
وَما هِيَ الآثارُ الْعَمَلِيَّةُ لإِلَهٍ غَيْرِ مُتَسيِّدٍ؟ فَكِّروا مِنْ مَنْظُورِنا كَمُؤْمِنِينَ.
أُحِبُّ أَنْ أَشْرَحَ الأَمْرَ هَكَذا: لَوْ كانَتْ هُناكَ ذَرَّةٌ واحِدَةٌ فِي الْكَوْنِ تَسِيرُ دُونَ رَابِطٍ، خارِجَ تَحَكُّمِ سِيادَةِ اللهِ، وَسَأُسَمِّيها "الذرَّةَ المُسْتَقِلَّةَ"، سَتَكُونُ نَتِيجَةُ هَذَا عَلَيْنا كَمُؤْمِنينَ هُوَ غِيابُ أيِّ ضَمانٍ فِي تَحَقُّقِ أيِّ وَعْدٍ مُسْتَقْبَلِيٍّ قَطَعَهُ اللهُ لِشَعْبِهِ.
هَلْ تَتَذَكَّرونَ الْكلِماتِ الَّتي تَعَلَّمْناها فِي الطُّفولَةِ؟ "بِفُقْدَانِ الْمِسْمارِ، نَفْقِدُ الْحَدْوَةَ؛ وَبِفُقْدانِ الْحَدْوَةِ، نَفْقِدُ الْحِصانَ؛ وَبِفُقْدانِ الْحِصانِ، نَفْقِدُ الْفارِسَ؛ وَبِفُقْدَانِ الْفارِسِ، نَخْسَرُ الْمَعْرَكَةَ؛ وَبِخَسارَةِ الْمَعْرَكَةِ، يَخْسَرُونَ الْحَرْبَ". حَصْوَةُ رَمْلٍ وَاحِدَةٍ عَلَى كُلْيَة أولِيفَر كْرُومْوِيل غيَّرَتْ مَسارَ الْحَضارَةِ الْغَرْبِيَّةِ كُلِّها. قَدْ يُغَيِّرُ شَيْءٌ ضَئِيلٌ كَهَذا مَسارَ التَّاريخِ. غَيَّرَتْ رَصَاصَةٌ في رأسِ جون كِينِيدي مسارَ التَّارِيخِ الأمْرِيكيِّ.
فإنْ كانَتْ هناكَ ذَرَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ واحِدَةٌ هائِمَةٌ، فلا شيْءَ يَضْمَنُ ألَّا تكونَ هذه الذَّرَّةُ هي ذَرَّةُ الرَّمْلِ فِي ماكِينَةِ خُطَّةِ اللهِ السَّرْمَدِيَّةِ. رُبَّما تَكونُ هِيَ الذَّرَّةَ الَّتي تَمْنَعُ مَجِيءَ الْمَسِيحِ ثانِيَةً إلى هذا الْكَوْكَبِ، أَوِ الشَّيْءَ الَّذِي يُدَمِّرُ أيَّ رجاءٍ فِي اكْتِمالِ مَلَكوتِ اللهِ، وتُعيقُ تَتْمِيمَ جَمِيعِ وُعودِ اللهِ. لا وُجُودَ لِذَرَّاتٍ مُستَقِلَّةٍ فِي كَوْنٍ تَحْتَ سِيادَةِ اللهِ!
الْمُشْكِلَةُ الشَّائِكَةُ:
سأُكْمِلُ الآنَ ما يقولُهُ إِقرارُ إِيمانِ وِسْتْمِنِسْتِر. تَذْكُرونَ أنِّي توقَّفْتُ عِنْدَ النُّقْطَتَيْنِ، أَلَيْسَ كذلِك؟ بَعْدَ النُّقْطَتَيْنِ، أَسْرَعَ الإِقرارُ بِإِضافَةِ: "وَمَعَ ذلِكَ، فَاللهُ ليسَ هَكَذا مَصْدَرًا لِلْخَطِيَّةِ، كما أنَّه لا يُجْبِرُ بِالْقُوَّةِ إرادَةَ الْمَخْلوقاتِ، ولا تُنزَعُ حُرِّيَّةُ الْمُسبِّباتِ الثَّانَوِيَّةِ أَوِ احْتِماليَّتُها، بَلْ بِالأَحْرَى تُوَطَّدُ".
إِذَنْ، لَسْنَا نَتَحَدَّثُ هُنَا عنْ حَتْمِيَّةٍ صَارِمَةٍ تُغِيرُ عَلى الْمَخْلوقاتِ الْحُرَّةِ، بَلْ نُؤَكِّدُ عَلى إِلَهٍ مُتَسَيِّدٍ، ضَابِطِ الْمَخْلوقاتِ الْحُرَّةِ. هَذِهِ هي الْفِكْرَةُ الَّتِي يُقدِّمُها الإِقْرارُ.
يقودُنا هذا إِلَى الْمُشْكِلَةِ الشَّائِكَةِ الَّتِي أثِيرَتْ فِي إيجازٍ على الأَقلِّ في أَحَدِ أَحادِيثِنا. "إِذا كانَ اللهُ كامِلَ السِّيادَةِ، وإذا كانَ الْبَشَرُ ساقِطِينَ، وبَعْضُهُمْ سيَهْلِكونَ، فكَيْفَ لإلَهٍ مُتَسيِّدٍ أنْ يَسْمَحَ بِالشَّرِّ في الْعالَمِ؟ كيْفَ يَسْمَحُ اللهُ بهلاكِ الْبَشرِ؟ إنْ كانَ اللهُ يَعْرِفُ مُسْبَقًا، مَثلًا، أَنَّ أحَدَهُمْ سَيُولَدُ، ويَعِيشُ حَياتَهُ، ثُمَّ يَهْلِكُ إِلَى الأَبَدِ فِي الْجَحِيمِ، فَكَيْفَ لإِلهٍ صَالِحٍ أَنْ يَسْمَحَ بِهَذَا؟"
كَيْ أُوَضِّحَ الْمُشْكِلَةَ أَكْثَرَ، لِنُفَكِّرْ لِلَحْظَةٍ فِي الْعلاقَةِ بَيْنَ إِلَهٍ مُتَسَيِّدٍ وعالَمٍ ساقِطٍ. يتَّفِقُ الْمُؤْمِنوَن على شيْئَيْنِ: الأَوَّلُ، أَنَّ اللهَ مُتَسَيِّدٌ، والثَّاني، أَنَّ الْعَالَمَ سَاقِطٌ.
ألا نتَّفِقُ جَمِيعًا عَلَى هَذَيْنِ؟ فَما مِنْ خِلافٍ على هَذَا بَينَ الْكالْفِينِيِّينَ والأَرمِينِيِّينَ، أَو بَيْنَ الأُوغُسْطِينِيِّينَ وَشِبْهِ الْبِيلاجِيِّين. نَتَّفِقُ جَمِيعًا على أنَّ اللهَ مُتَسَيِّدٌ، وَنَتَّفِقُ جَمِيعًا على أنَّ الْبَشَرَ ساقِطُونَ. لَكِنْ يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِالْعلاقَةِ بَينَ الإِلَهِ الْمُتَسَيِّدِ وَالْعالَمِ السَّاقِطِ.
أرْبَعُ طُرُقٍ لِتَعامُلِ اللهِ مَعَ الْعالَمِ السَّاقِطِ:
يتَعامَلُ اللهُ كإِلَهٍ مُتَسَيِّدٍ مَعَ الْعالَمِ السَّاقِطِ بِأَرْبَعِ طُرُقٍ:
لا خلاصَ:
أَوَّلاً، كانَ فِي إِمْكانِ اللهِ أَنْ يُقَرِّرَ عَدَمَ إِتاحَةِ الْخلاصِ لأَيِّ إِنْسانٍ ساقِطٍ. فإنَّ مَحَبَّتَهُ عَادِلَةٌ وَمُقَدَّسَةٌ، وَالإِلَهُ الْعادِلُ الْقُدُّوسُ غَيْرُ مُطالَبٍ أَنْ يُحِبَّ خَلِيقَةً مُتَمَرِّدَةً لِدَرَجَةِ أَنْ يَرْحَمَها. فَهْوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحِبَّ الإنسانَ السَّاقِطَ، وَأَنْ يُعاقِبَ هذا الإِنسانَ السَّاقِطَ الَّذِي يُحِبُّهُ، كَإِظهارٍ لِعَدْلِهِ (سَنَتناوَلُ هَذَا لاحِقًا). لِنُرَكِّزِ الآنَ عَلَى الأَشْياءِ الأَرْبَعَةِ الَّتي كانَ فِي إِمْكانِ اللهِ اتِّخاذُها. يُمكِنُهُ أَنْ يُقرِّرَ هذا: "لَنْ أُتِيحَ لأَحَدٍ أَيَّةَ فُرْصَةٍ لِلْخَلاصِ".
قَبلَ أَنْ نُكْمِلَ، لأَطرَحْ هَذَا السُّؤالَ: "إِنْ قرَّرَ اللهُ أَلَّا يُخَلِّصَ أَحَدًا، فَهَلْ تُوجَدُ مُشْكِلَةٌ؟ إذَا قَرَّرَ اللهُ أن يُعاقِبَ كُلَّ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ، لأجْلِ رَفْضِ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ للهِ وَتَمَرُّدِهِمْ عَلَيْهِ، سَيَكُونُ اعْتِراضُنا الْوَحِيدُ أنَّ اللهَ عادِلٌ. وهَذا لَيْسَ اعْتِراضًا مِنَ الأَسَاسِ!
هَلْ تَتَخَيَّلُ أَنْ يَقِفَ الْمُحامي في الْمحكمَةِ ويقولَ: "اعتراضٌ، يا سيِّدِي الْقَاضِي! لا يُعْجِبُني هَذَا الْقرارُ لأنَّهُ عادِلٌ"؟ كَيْفَ يَبْدو هذا؟ أقْصِدُ أنَّ اللهَ سَيَكونُ بَارًّا تمامًا لِتَطْبِيقِهِ الْعَدْلَ ضِدَّ خَلِيقَةٍ خاطِئَةٍ.
لَكِنْ، وراءَ هذا هُوَ الافْتِراضُ بِأَنَّ اللهَ، إِنْ أرادَ أنْ يَكونَ صَالِحًا، لا بُدَّ أنْ يَكونَ رحِيمًا. وَكَما قُلْتُ كَثِيرًا لِلطَّلَبَةِ، هَذِهِ أَحَدُ أَكْبَرِ أَخْطاءِ الْفِكْرِ الْمَسِيحِيِّ.
فما أنْ يُخْبِرَكَ عَقْلُكَ بِأَنَّ اللهَ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ رَحِيمًا، أَوْ أَنَّ اللهَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّسِمَ بِاللُّطْفِ، ومَا أَنْ تَظُنَّ لِلَحْظَةٍ أَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى الرَّحْمَةِ، لا بُدَّ أَنْ يَنْطَلِقَ جَرَسُ إِنْذارٍ فِي عَقْلِكَ، لِيُنَبِّهَكَ أَنَّكَ لَمْ تَعُدْ تَقْصِدُ الرَّحْمَةَ.
لأَنَّ الْفَرْقَ الْكَبِيرَ بَيْنَ الرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ هُوَ أنَّ الرَّحْمَةَ غَيْرُ إِلْزَامِيَّةٍ تَمامًا. فَهْيَ، بِحُكْمِ تَعْرِيفِها، مِنْ كَمالاتِ اللهِ غَيْرِ الْمُجْبَرِ على تَحْقِيقِها. بَلْ يُحَقِّقُها حَسَبَ إِرَادَتِهِ وَحُرِّيَّتِهِ. لَكِنْ مَا أَنْ تَظُنَّ أنَّهُ يَدِينُ لنا بِالرَّحْمَةِ، فَأَنْتَ لَمْ تَعُدْ تَتَحَدَّثُ عَنِ الرَّحْمَةِ. الْعَدْلُ هُوَ الإِلْزامِيُّ، لَكِنَّ الرَّحْمَةَ كلَّا. وَاضِحٌ؟ يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَ هَذَا الْمَبْدَأَ.
إِذَنْ، هَذَا أَوَّلُ خَيَارٍ. بِإِمْكانِ اللهِ، اسْتِنادًا إِلَى مَا مِنْ أَحَدٍ عَلَى الْكَوْكَبِ–بِمَا أنَّ الْجَمِيعَ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ-ولأنَّهُ يَعْرِفُنا مُنْذُ الأَزَلِ، وَيَرانا، وَيَرَى سُقُوطَنا، أَنْ يَقُولَ وَيُقَرِّرَ أَلَّا يُتيِحَ لأحَدٍ فُرْصَةَ الْخَلاصِ.
فُرْصَةٌ لِلْخَلاصِ:
ثَانِيًا، بِإِمْكانِ اللهِ أنْ يُتِيحَ فُرْصَةَ الْخلاصِ لِلْجَمِيعِ. (كانَ يُمْكِنُنا أنْ نَضَعَ هُنا سِتَّةَ خَياراتٍ، لَكِنَّنِي أُحاوِلُ الاخْتِصارَ لِضيقِ الْوَقْتِ، وَسَأَضَعُ قَوْسَيْنِ – أَوْ أنْ يُتِيحَ فُرْصَةَ الْخلاصِ لِلْبَعْضِ).
لَكِنَّ الْمُجْمَلَ هُوَ أنَّهُ بِإِمْكانِ اللهِ أنْ يُتِيحَ لِلْعالَمِ فُرْصَةَ الْخلاصِ؛ بِحَيْثُ تُتاحُ فُرْصَةٌ لِلْجَمِيعِ، أوْ لِلْبَعْضِ عَلَى الأَقَلِّ، أَنْ يَخْلُصُوا؛ لَكِنْ دُونَ ضَمانِ أَنْ يَخْلُصَ أَحَدٌ. مفْهُوم؟ هذا ما نَقْصِدُهُ بِالْفُرْصَةِ. فَهُنَا، اللهُ فَادٍ مُؤمِنٌ بِتَكافُؤِ الْفُرَصِ.
ضمانُ الْخلاصِ لِلْبَعْضِ:
ثالِثًا، اللهُ، بِقُوَّتِهِ وَسِيادَتِهِ، يُمْكِنُهُ التدَخُّلُ فِي الْحالَةِ الْبَشَرِيَّةِ، لَيْسَ فَقَطْ لِيُتِيحَ فُرْصَةَ الْخلاصِ، بَلْ لِيَعْمَلَ فِي قُلوبِ الْبَشَرِ السَّاقِطِينَ، ضَامِنًا الْخَلاصَ لِلْبَعْضِ.
ضمانُ الْخلاصِ لِلْجَمِيعِ:
أوْ لِنَقُلْ: ضامِنًا الْخلاصَ لِلْجَمِيعِ. أَيْ بِإِمْكانِ اللهِ التدخُّلُ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، وَيَضْمَنُ خَلاصَهُمْ.
فَهْوَ، بِسِيَادَتِهِ، يُمْكِنُ أَنْ يَهْدِيَ خَطَواتِ الإِنْسانِ، وَيُؤَثِّرَ داخِلِيًّا عَلَى قَلْبِهِ لِيَقُودَهُ إِلَى الإِيمانِ. هَلْ يَسْتَطِيعُ اللهُ هَذَا؟ نَعَمْ. يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا لِلْبَعْضِ، أَوْ لِلْجَمِيعِ.
هذِهِ هِيَ الْخَياراتُ الْمُخْتَلِفَةُ أمامَ اللهِ. ما نُحاوِلُ الْوُصُولُ إِلَيْهِ هُنا هُوَ: ماذا فَعَلَ اللهُ حقًّا؟
استِبْعادُ خَيارَيْنِ وَاضِحَيْن:
هل يقولُ الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ إِنَّ اللهَ لَمْ يُتِحْ لأَحَدٍ أَيَّةَ فُرْصَةٍ لِلْخَلاصِ؟ يُمْكِنُنَا كَمُؤْمِنِينَ اسْتِبْعادُ هَذَا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ لا جِدالَ عَلَيْهِ. نَتَّفِقُ كُلُّنَا عَلَى أنَّ هذا لَيْسَ الرَّأْيَ الْكِتابِيَّ، أنَّ اللهَ لَمْ يُتِحْ أَيَّةَ فُرْصَةٍ لِلْخَلاصِ.
ثمَّ ماذا عن فِكْرَةِ تَدَخُّلِ اللهِ في حياةِ الْجميعِ لِيَضْمَنَ خلاصَ الْجَمِيعِ؟ ماذا نُسَمِّي هَذا الرَّأْيَ؟ شُمُولِيَّةَ الْخلاصِ. يُؤْمِنُ بَعْضُ الْمَسِيحِيِّينَ بِشُمُولِيَّةِ الْخلاصِ. لَكِنَّ الْجَدَلَ بَيْنَ شِبْهِ الْبِيلاجِيِّينَ وَالأُوغُسْطِينِيِّينَ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الشُّمولِيَّةِ. يَتَّفِقُ كِلا الطَّرَفَيْنِ على ماذا؟ أنَّ الْبَعْضَ فَقَطْ يَخْلُصُونَ. حَصْرِيَّةِ الْخلاصِ لا شُمُولِيَّتِهِ.
يبدو أنَّ الْكِتابَ الْمُقدَّسَ يُعَلِّمُ، وَبِوضوحٍ فِي رأَيِي، أَنَّ هناكَ غَيْرَ مُؤْمِنِينَ، سَيَهْلِكُونَ فِي الدَّيْنُونَةِ الأَخِيرَةِ. كما قالَ ربُّنا، الْبَعْضُ سَيُلْقَوْنَ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ إِلَى الأَبَدِ، حَيْثُ الْبُكاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنانِ (لوقا 13:22-28). نُؤْمِنُ إِذَنْ أَنَّ الْبَعْضَ لَنْ يَخْلُصُوا الْبَتَّةَ. إِذَنْ سَنَسْتَبْعِدُ هَذَا.
يَبْقَى إِذَنْ هَذانِ الْبَدِيلانِ: إِمَّا أنَّ اللهَ يُتِيحُ فُرْصَةً لِلْجَمِيعِ، أَوْ فَقَطْ لِلْبَعْضِ؛ أَوْ أنَّهُ يَفْعَلُ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ إِتَاحَةِ الْفُرْصَةِ. فَهْوَ يَأْتِي، وَيَتَدَخَّلُ، لِيَضْمَنَ خلاصَ الْبَعْضِ. هذا هو ما نُسَمِّيهِ (سَأَكْتُبُ هنا الْبَعْضَ: يَضْمَنُ اللهُ خلاصَ الْبَعْضِ)، هذا هُوَ الرَّأْيُ الأُوغُسْطِينِيُّ، أنَّ اللهَ يَضْمَنُ خَلاصَ الْمُخْتارِينَ، أَوِ الْمُعَيَّنِينَ سابِقًا لِلْخَلاصِ. وتنْدَرِجُ الآراءُ غيرُ الأُوغُسْطِينِيَّةِ تَحْتَ هَذَا الْخيارِ، هذا أوْ ذاكَ. إِمَّا أنَّ اللهَ يُتِيحُ لِلْجَمِيعِ، أَوْ لِلْبَعْضِ، فُرْصَةَ الْخلاصِ. الْجَمِيعُ لَدَيْهِمِ الْفُرْصَةُ أَوِ الْبَعْضُ لَدَيْهِمِ الْفُرْصَةُ.
"هذا لَيْسَ عَدْلًا":
قَبْلَ أَنْ نُناقِشَ أَيُّهُما صَحِيحٌ، لأَسْأَلْ هَذا: "هلْ يَسْتطِيعُ اللهُ أنْ يَضْمَنَ خلاصَ الْجميعِ، إِنْ قَرَّرَ؟ هَلْ لَدَيْهِ الْقُدْرَةُ السِّيادِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ؟"
ضَعُوا فِي اعْتِبارِكُمْ أنَّ مِنْ أَكْثَرِ الاعْتِراضاتِ عَلَى الرَّأْيِ الأُوغُسْطِينِيِّ عَنِ التَّعْيِينِ الْمُسْبَقِ هُوَ أنَّ اللهَ يَتَدَخَّلُ فِي حَياةِ الْبَعْضِ، وَيَضْمَنُ خَلاصَهُمْ، لَكِنَّهُ لا يَتَدَخَّلُ فِي حياةِ الْجَمِيعِ. وَالاعْتِراضُ مِنَ الرَّأْيِ غَيْرِ الأُوغُسْطِينِيِّ هُوَ: "يا أللهُ! هَذا لَيْسَ عَدْلًا! إِنْ كُنْتَ سَتَفْعَلُ هَذَا لأَجْلِ الْبَعْضِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَهُ، ماذا؟ لأجْلِ الْجَمِيعِ!"
لَكِنْ هَلْ تُدْرِكُونَ أنَّ هَذِهِ الْفِئَةَ لَدَيْها الْمُشْكِلَةُ نَفْسُها؟ فَإِنْ كانَ هذا الشَّخْصُ يُؤْمِنُ بأنَّ اللهَ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ الْجَمِيعَ، لَكِنَّهُ لا يُخَلِّصُهُمْ، فإِنَّ الْحُجَّةَ تَنْهارُ لأنَّ كُلَّ ما يَفْعَلُهُ اللهُ هُوَ أنْ يُتِيحَ فُرْصَةَ الْخَلاصِ لِلْبَشَرِ السَّاقِطِينَ.
لَكِنْ هُنَا، يُقَدِّمُ اللهُ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ فُرْصَةٍ، فَهْوَ يَضْمَنُ خلاصَ الْبعْضِ. لَكِنْ هُنَا، لا يُوجَدُ ضَمانٌ لِخلاصِ أَحَدٍ. وَفِي الْحَقِيقَةِ، سَنَرَى لاحِقًا أنَّ هَذَا يَضْمَنُ، إِنْ تَعَامَلْنا مَعَ الرَّأْيِ الْكِتابِيِّ عَنِ الإِنْسانِ السَّاقِطِ وَمَوْقِفِهِ مِنَ اللهِ وَمِنْ نِعْمَتِهِ بِجِدِّيَّةٍ، فَهَذا فِي رَأْيِي عَلَى الأقَلِّ، سَيَضْمَنُ أَلَّا يَخلُصَ أَحَدٌ.
أحاوِلُ الْوُصُولَ هُنا إِلَى أَنَّ أحَدَ الاعْتِراضاتِ الرَّئِيسِيَّةِ ضِدَّ الرَّأْيِ الْمُصْلَحِ أَوِ الأُوغُسْطِينِيِّ هُوَ أنَّه لا يُقَدِّمُ نِعْمَةً كَافِيَةً، فِي حِينِ أَنَّهُ أَكْثَرُ نِعْمَةً بِكَثِيرٍ! فَاللهُ لا يَقُولُ فَقَطْ: "حَسَنًا، هَذَا هُوَ الصَّلِيبُ، اخْتارُوهُ إِنْ أَرَدْتُمْ"، ثُمَّ يُتْرَكُ الْبَشَرُ لأَنْفُسِهِمْ. لَكِنَّ اللهَ يُطَبِّقُ عَمَلَ الْمَسِيحِ. وَالرُّوحُ الْقُدُسُ يَعْمَلُ فِي الْبَشَرِ الأَمْواتِ بِالذُّنوبِ وَالْخطايا، لِيَقُودَهُمْ إِلى الإِيمانِ، وَيَضْمَنَ أَلَّا يَضِيعَ مَوْتُ الْمَسِيحِ هَباءً، بَلْ أَنْ يَرَى الْمَسِيحُ مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ وَيَشْبَعَ (إشعياء 53: 11). يَقُولُ الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ إِنَّ اللهَ، اللهَ الآبَ أَعْطَى اللهَ الابْنَ أناسًا (يوحنا 6: 37).
فرصَةٌ لِلْجَمِيعِ؟
إِذَنْ فِي هَذَا الْخَيارِ – نَظَرِيًّا عَلَى الأَقَلِّ، الْفُرْصَةُ مُتاحَةٌ لِلْجَمِيعِ. كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِالإِنْجِيلِ يُمْكِنُ أَنْ يَخْلُصَ.
وَلَكِنْ، هُناكَ الْمَلايِينُ وَالْملايِينُ مِنَ الْبَشَرِ الَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا الإِنْجِيلَ قَطُّ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ لَدَيْهِمِ الْفُرْصَةُ. الْفُرْصَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْوَحِيدَةُ، وَالشَّيْءُ الْوحيدُ الَّذي يُمْكِنُ أنْ نَقولَهُ هُوَ إِنَّ الْبَعْضَ لَدَيْهِمِ الْفُرْصَةُ؛ أَيْ الْبَعْضَ مِنْ غَيْرِ الْمُعيَّنِينَ سَابِقًا لَدَيْهِمْ فُرْصَةُ الْخلاصِ. إِذَنْ، تَقولُ هَذِهِ الْحُجَّةُ إِنَّ كُلَّ مَنْ يَسْمَعُ الإِنْجِيلَ عَلَى الأَقَلِّ لَدَيْهِ فُرْصَةُ الْخَلاصِ.
لَكِنْ لَمْ يَحْرِصِ اللهُ عَلَى أَنْ يَسْمَعَ كُلُّ الْعالَمِ الإِنْجِيلَ. هَلْ كانَ يَقْدِرُ أنْ يَجْعَلَ الْعالَمَ كُلَّهُ يَسْمَعُ الإِنْجِيلَ؟ هلْ كانَ اللهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْقُشَ الرِّسَالَةَ عَلَى السُّحُبِ إِنْ أرَادَ؟ نَعَمْ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ هَذا. وَلِهَذَا تَبْقَى أمامَنا مُشْكِلَةٌ، وَهْي أنَّ اللهَ لا يَفْعَلُ كُلَّ ما نَتَصَوَّرُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ. فَداخِلَ حُدُودِ بِرِّهِ، هُوَ لا يَفْعَلُ كُلَّ ما نَتَصَوَّرُ أَنَّهُ قادِرٌ عَلَيْهِ لِيَضْمَنَ خَلاصَ الْعَالَمِ.
لماذا؟ لا أعْرِفُ. لَيْسَتْ لَدَيَّ أَدْنَى فِكْرَةٍ. أَعْرِفُ أنَّه لا يَفْعَلُ هَذَا. هَذَا هُوَ الْقَدْرُ الْوَاضِحُ لِي. وَأعْرِفُ أنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ ظِلُّ دَوَرَانٍ. وَأَعْرِفُ أَنَّ اللهَ غَيْرُ مُلْزَمٍ بِأَنْ يُخَلِّصَ أَحَدًا. وَأَعْرِفُ أَنَّ اللهَ يُخَلِّصُ الْبَعْضَ بِالْفِعْلِ.
العدلُ، وَالظُّلْمُ، وَاللَّا-عَدْلُ:
لَكِنَّ اللهَ هُوَ اللهُ، وَهْوَ يُذَكِّرُ شَعْبَهُ بِمَبْدَأٍ مُهِمٍّ عَنِ السِّيادَةِ الإِلَهِيَّةِ. سَنَتَناوَلُهُ بِأَكْثَرِ تَمَعُّنٍ لاحِقًا، حَيْثُ يُذَكِّرُ اللهُ مُوسَى، ثُمَّ لاحِقًا الْكنِيسَةَ بِوَاسِطَةِ بُولُسَ، بِحَقِّهِ الإِلَهِي: "وَأَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ" (رومية 9: 15). لا يَدِينُ اللهُ بِالرَّحمَةِ.
سَرِيعًا إِذَنْ، إذا كانَ اللهُ يُخَلِّصُ الْبَعْضَ فَقَطْ، فَعَلَيْنا أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ لَدَيْنا مَجْمُوعَتَيْنِ مِنَ الْبَشَرِ فِي الْعالَمِ–الْمُخَلَّصِينَ وَغَيْرَ الْمُخَلَّصِينَ. جَمِيعُهُمْ جُزْءٌ مِنْ مَجْمُوعَةِ خُطَاةٍ. كُلُّهُمْ سَقَطُوا وَهُمْ فِي تَمرُّدٍ عَلَى اللهِ.
اللهُ، بِحَسَبِ الرَّأْيِ الأُوغُسْطِينِيِّ، يَخْتارُ بِسيادَتِهِ الْبَعْضَ، وَيَفْدِيهِمْ، ويَعْبُرُ عَنِ الْبَقِيَّةِ. وَبِهَذا، حَسَبَ هذا التَّقْسِيمِ، تَأْخُذُ مَجْمُوعَةٌ رَحْمَةً، وَمَاذَا تَأْخُذُ هَذِهِ الْمَجْمُوعَةُ؟ عَدْلًا. مَنْ يُظْلَمُ؟ لا أَحَدَ يُظْلَمُ.
الرَّحْمَةُ لَيْسَتْ عَدْلًا. الرَّحْمَةُ لا عَدْلَ، وَالظُّلْمُ أَيْضًا لا عَدْلَ. لَكِنَّ الظُّلْمَ وَالرَّحْمَةَ لَيْسَا وَاحِدًا. كِلاهُمَا خَارِجُ دَائِرَةِ الْعَدْلِ. هُنا الْعَدْلُ، وَهُنا اللَّا-عْدُلُ، وَاللَّا-عَدْلُ نَوْعانِ – الرَّحْمَةُ وَالظُّلْمُ.
أَحَدُ صُوَرِ اللَّا-عَدْلِ هِيَ الرَّحْمَةُ. هَلِ الرَّحْمَةُ خَطِيَّةٌ أمْ شَرٌّ؟ لا، هِيَ خَيْرٌ تَمامًا. هَلِ الظُّلْمُ خَطِيَّةٌ أَمْ شَرٌّ؟ نَعَمْ، الظُّلْمُ انْتِهاكٌ لِلْعَدْلِ. الظُّلْمُ خَطِيَّةٌ، وَالظُّلْمُ شَرٌّ.
فإنْ رَحِمَ اللهُ هَذِهِ الْمَجْمُوعَةَ، وَظَلَمَ هَذِهِ الْمَجْمُوعَةَ، سَيَكُونُ قَدْ تَلاعَبَ بِنَزاهَتِهِ. لَكِنَّ اللهَ يَعْدِلُ فِي مَجْمُوعَةٍ، وَيَرْحَمُ أُخْرَى. لا أَحَدَ قَطُّ كانَ ضَحِيَّةَ ظُلْمٍ مِنَ اللهِ.
حَسَنًا، سَأَتَوَقَّفُ هُنا، وَفِي مُحاضَرَتِنا التَّالِيَةِ، سَنَتَحَدَّثُ عَنْ دَوْرِ إِرَادَةِ الإِنْسانِ فِي كُلِّ هَذَا.
تم نشر هذه المحاضرة في الأصل في موقع ليجونير.