المحاضرة 5: الروح القدس والكنيسة

في هذه المحاضرة من دراستنا لقانون الإيمان ولأسس العقيدة المسيحية، سنتكلم عن عقيدة الكنيسة المتعلقة بالروح القدس وبالكنيسة؛ ذلك الجزء من قانون الإيمان الذي جاء فيه "أؤمن بالروح القدس، الكنيسة الجامعة المقدسة، شركة القديسين". لاحظنا سابقًا أن قانون الإيمان، وحتى قبل ذلك، العقيدة الرومانية القديمة قبل ذلك بكثير كانت ثالوثية بوعي ذاتي. أنا أقول ذلك ببساطة لأن بعض الناس يعتقدون أن مفهوم الثالوث الكامل لم يظهر إلا في القرن الرابع في مجمع نيقية. لكن في الواقع، كان مجمع نيقية مدعوًا لإعادة التأكيد على ما كان منذ البداية اعترافًا واضحًا بالإيمان الثالوثي. إذًا، يعطينا قانون الإيمان ببساطة إعلانًا وجيزًا: "أؤمن بالروح القدس"، ولم يذكر أكثر من ذلك عن الروح القدس. ليس لدينا رسم تصويري، كما نجد لاحقًا في تاريخ الكنيسة، لدور الروح القدس ووظيفة الروح القدس.

لكن بين هلالين، فلنتذكر أنه وفق الكتاب المقدس، أحد أهم الأمور التي يجب فهمها، وهو مهم خصوصًا للمؤمنين الجدد، هو الفهم أن الروح القدس هو شخص، هو ليس مجرد قوة أو قدرة غير شخصية، الروح القدس هو شخص وليس شيئًا. ولسبب ما، اللغة التي نستخدمها في الكنيسة تعكس غالبًا مفهومًا للروح القدس كما لو أنه كان قوة غير شخصية. ودور الروح القدس أساسي في حياتنا المسيحية. نحن نعلم أنه توجد أوجه عدة لعمله، وأن الروح القدس شارك في عمل الخلق. تذكروا أنه حين استدعى الله العالم للوجود، وكانت الأرض خربة خالية، وكانت الظلمة على وجه الغمر، كان روح الرب يرف على وجه المياه. ومن ذلك التصوير البدائي لما يبدو غير مرتب أو غير منظم، أو حتى وضعًا فوضويًا، جاء النور والثبات. الروح القدس ليس روح تشويش، الروح القدس هو روح الحق – هذا ما جاء في العهد الجديد. الروح القدس جدير بالثقة، يمكننا الاعتماد عليه، نحن نعلم أنه روح الحق. إذًا، يهمّنا دوره في مسح الأنبياء. روح الرب يحل على النبي، ثم يعلن النبي حق الله. بالروح القدس أوحي بالنصوص الكتابية وتم الإشراف عليها.

تبدأ الحياة المسيحية بإحياء الله الروح القدس، حيث يضطلع الروح بدور تغيير قلوبنا لكي يجعلنا أحياء تجاه أمور الله. إذًا، في بداية الحياة المسيحية، ما نسميه "تجدد" يتم بقوة الروح القدس. لكن ليست هذه سوى البداية. ولادتنا، ودخولنا في شركة مع الله، عملية اختبارنا المسيحي برمتها، نمونا في النعمة، نمونا لبلوغ النضوج الروحي، ما نسميه "عملية التقديس"، تندرج ضمن إطار عمل الروح القدس. وأخلاقيات العهد الجديد تدعونا إلى السلوك بثمر الروح القدس: محبة، لطف، وداعة صبر، طول أناة، إلى آخره. هذه نتيجة تدخل إلى حياتنا من خلال تأثير شخص فائق للطبيعة، الأقنوم الثالث في الثالوث. القوة الساكنة فينا ليست ببساطة قوة غير شخصية، بل إنها الروح الساكن فينا والعامل فينا، والذي يساعدنا على عيش حياتنا المسيحية. هذه هي طبعًا الأبعاد المقياسية والتقليدية لعمل الروح القدس، التي أعتقد أنها مألوفة لدى معظمنا.

لكن هناك بعد للروح واهتمامه الشخصي بنا أود أن أذكره قبل أن ننتقل إلى موضوع الكنيسة، وهو أنه في العهد الجديد، حين يكلّم يسوع تلاميذه في العلية – ولدينا ذلك الحديث المطوّل عن حلول الروح في إنجيل يوحنا والأصحاحات 14، و15، و16، و17 – يدعو يسوع الروح باسمه الأسمى في العهد الجديد، البارقليط. وإن سألت طلابي في معهد اللاهوت، وقلت "من هو البارقليط في العهد الجديد؟" – ذلك اللقب. فسيقدم الجميع بدون استثناء الجواب نفسه: "البارقليط هو الروح القدس"، فأقول "أنتم على حق جزئيًا". لكن حين يعرّف العهد الجديد إلى البارقليط، فهو يعرّف إليه عبر تسمية غريبة، فهو لا يدعى ببساطة "البارقليط". لم يقل يسوع "سأرسل إليكم البارقليط"، بل قال "سأرسل إليكم" ماذا؟ بارقليط آخر.

توجد ترجمات مختلفة لذلك. الترجمة التقليدية القديمة لكلمة "بارقليط" هي كلمة "معزي". الترجمات الأكثر حداثة تترجم كلمة "بارقليط" اليونانية بكلمة "مشير". كلمة "بارقليط" مشتقة من كلمتين يونانيتين: البادئة "بارا"، و"قليط" مشتقة من الكلمة اليونانية "قليطس"، وهي الصيغة الآنية للفعل "كاليئو". ربما لا تعرفون اليونانية، لكنكم سمعتم حتمًا هذه الكلمة مصادفة في اللغة الإنجليزية. "كاليئو" ليست كلمة يونانية يصعب تذكّرها، إنها واحدة من الكلمات السهلة لأنها تعني "يدعو". "كاليئو" يدعو، هذا سهل.

أين يرد ذلك بشكل أكثر وضوحًا ضمن الإطار الكنسي؟ ضمن الإطار الكنسي، الكلمة اليونانية في العهد الجديد التي تعني "كنيسة" هي "إكليسيا" – التي سنتطرق إليها بعد قليل – وهي مؤلفة من البادئة "إك"، مع الفعل نفسه "كاليئو". "إكليسيا" هي جماعة المدعوين من الله للخروج من العالم والدخول في شركة معه. إذًا، لديك الجذر الأساسي نفسه لكلمة "كنيسة" كما في لقب الروح القدس "بارقليط"، وإنما مع بادئة مختلفة. الكنيسة هي جماعة المدعوين، والبارقليط هو شخص مدعو "بارا"، أي "إلى جانب". في الكنيسة نميّز بين خدمات الكنيسة والخدمات الجانبية. ما هي الخدمات الجانبية؟ إنها خارج الكنيسة. لكنها لا تدعى "خدمات جانبية" لهذا السبب. إنها تعمل إلى جانب الكنيسة، إنها تقف إلى جانب الكنيسة وهي تُعتبر مساعِدة للكنيسة – "باراتروبرز"، "باراميديكس". هذا ما تعنيه كلمة "بارا". إذًا "البارقليط" هو شخص مدعو للوقوف إلى جانب أحدهم، للوقوف بجانبه.

في العالم القديم، كان "البارقليط" أولًا – أقصد أنه كان اللقب المعطى لمحامي الدفاع، وعادة، نوع محامي الدفاع الذي تتعامل معه العائلة على أساس التوكيل الدائم. إذًا، كلما وقع أحدهم في ورطة، كان بإمكانه استدعاء البارقليط للوقوف معه في وسط الأزمة. السبب الذي يجعلني أشدد على هذه النقطة هو أنه حين قال يسوع "سوف أنطلق وسأرسل إليكم معزيًا، أو بارقليط"، لم يقل "بعد أن أرسلكم إلى العالم كحملان بين ذئاب، وتُستنزف أفكاركم، وتعانون من الذل والمأساة والاضطهاد"، وقال "إنكم ستعانون من هذه كلها، لكن لا تقلقوا. فبعد أن تمروا في هذا الصراع كله، وتعودوا إلى البيت وتبكوا لشدة الإحباط، عندئذٍ، سأرسل الروح ليجعلكم تشعرون بتحسن". ليس هذا ما يقوله هنا. قال "سأرسل بارقليط آخر ليقف إلى جانبكم"، متى؟ "في وسط المعركة، وفي وسط الصراع، وفي وسط الأزمة".

الواقع، سبب استعمال ترجمة "كينغ جايمس" كلمة "معزي"، هو أنه حين تمت كتابة ترجمة "كينغ جايمس" كانت اللغة الإنجليزية في ذلك الحين أكثر ارتباطًا بجذورها اللاتينية مما هي عليه اليوم، ولم يكن يتم التفكير في المعزي بالطريقة التي نصفه بها اليوم. وإنما هنا، إنها مشتقة من الكلمة اللاتينية – هنا إنها مشتقة من اليونانية "بارقليط" – الكلمة اللاتينية هي "كوم"، وماذا تعني كلمة "كوم"؟ في اللاتينية "مع". إذًا، المعزي هو شخص يأتي مع، وللأشخاص الذين يعزفون على البيانو بينكم، "فورتي"، أي جهوري. لكن الكلمة تعني قوة. إن تكلمت عن "فورتي" أحدهم، فهذا يعني "نقطة قوته". إذًا، المعزي هو شخص يأتي مع قوة. إذًا، يعد يسوع بالروح القدس كحليف لنا ليقف معنا، ويمكن أن أضيف أيضًا "ليشجعنا".

أنا أؤيد ذلك بقوة، لأنه في العهد الجديد، أنا أرى، بحسب رأيي، تشديدًا أو انهماكًا أحيانًا بأهمية التشجيع ضمن الجماعة المسيحية. فكّرت كثيرًا في الأمر، لماذا مثلًا، أنا أقول لتلاميذي: ما هو أول نهي سلبي يعطيه يسوع لشعبه في العهد الجديد؟ فيقولون لي "لا تسرق لا تقتل، لا تفعل كذا"، فأقول "لا". فالنهي الأول إلى حد بعيد هو "لا تخف"، "لا تخف". في الواقع، إنه يقول ذلك غالبًا لدرجة أننا نغفل عنه، وهو يبدو مثل الترحيب والوداع. في إيابه كان يقول "لا تخف"، وفي ذهابه كان يقول "لا تخف". لماذا قال ربنا ذلك مرارًا عدة؟ أنا أخمّن هنا، لكني أعتقد أن يسوع فهم أمرًا ما بشأن الطبيعة البشرية، أولًا؛ وثانيًا، لقد أدرك أنه إن كان يوجد أمر سيحبط الخدمة والمهمة التي أوكل كنيسته بها، فهو الشلل الناتج عن الشعور بالذعر.

مجددًا، حثّ الرسائل على تشجيع بعضنا البعض. تحدثتُ عن الأمر مع ابني مرارًا عدة، وقلت "أنظر الآن، ما هو الشرط الأساسي الضروري، العنصر الواحد الضروري تمامًا لوجود الشجاعة؟ الشرط الضروري الذي بدونه لا يمكن أن توجد الشجاعة؟" غياب الخوف. أقول إنه نقيض ذلك إنه وجود الخوف، لأنك لا تحتاج إلى الشجاعة لتفعل ما لست خائفًا من فعله. بتعبير آخر، وحده الخائف يقدر أن يكون شجاعًا. لكن ما تفعله الشجاعة هو إعطاؤنا القدرة على العمل على الرغم من خوفنا – هذه هي الشجاعة البطولية. وما يقوله يسوع هو "لا أريد أن تخافوا. لكن من ناحية أخرى أنا أعلم أنكم ستخافون، أنتم خائفون دائمًا". التخويف هو ما يعيق الكنيسة أكثر من أي شيء آخر. إذًا، ليس غياب الاستقامة بقدر ما هو غياب الشجاعة هو ما يمنعنا من أن نكون شعب الله. إذًا، قال يسوع: "أولًا، سأرسل إليكم الروح القدس، الذي سيأتي ليقف معكم، ويشجعكم، ويعطيكم قوة. وبالإضافة إلى ذلك، أريد أن يشجع أحدكم الآخر".

هذا يقودنا بطبيعة الحال إلى النقطة التالية في قانون الإيمان، وهي أننا ما إن نتكلم عن الروح القدس الذي يهدي، ويقدّس، ويبكّت، ويمنح المواهب للأفراد، حين يعمل الروح في حياة الفرد، فهو يضعه دائمًا ويرشده إلى مجموعة، إلى جماعة. روح الله هو روح قدوس، والمعنى الأساسي لكلمة "قدوس" هو مفرز ومكرّس. في العهد الجديد، الكلمة الرئيسية التي تعني "قدوس" هي كلمة "هاغيوس"، الصفة "هاغيوس". المؤمنون في جماعة ما، ماذا يدعون؟ خدام. يكتب بولس للقديسين في كورنثوس، أو للقديسين هنا، للقديسين هناك. ما هي الكلمة اليونانية؟ للـ"هاغيوي". لديكم الـ"هاغيوس" أو الـ"هاغيانوما"، الروح القدس الذي يُظهر قوته وثمره في الشعب، وهم مدعوون "قديسين". ليس لأنهم أنقياء وأبرار وقديسين، وإنما لأن الروح القدس ساكن فيهم، والروح القدس فرزهم. هو فرزهم عبر تكريسهم، ومن ثم جمعهم ضمن جسد. هؤلاء الأفراد الذين هم أهل إيمان، مدعوون للدخول في شركة إيمان، نسميها "الكنيسة". وقانون الإيمان يعلن أنها الكنيسة الجامعة المقدسة، الكنيسة الجامعة المقدسة.

إن كان يوجد أي مؤسسة في يومنا وعصرنا لا تبدو دائمًا مقدسة فهي الكنيسة. قلت مرارًا إن الكنيسة هي المؤسسة الأكثر فسادًا في العالم، لكن هذا إعلان متعمّد يهدف إلى جذب انتباه الناس، لأنه علي أن أكون محددًا. أنا أؤكد أنه توجد مؤسسات بشرية أخرى أكثر فسادًا بكثير من الكنيسة – المافيا وغيرها – لكن إن قيّمنا أداء الكنائس على ضوء المعيار الكتابي، "مَنْ أُعْطِيَ كَثِيراً يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ"، إن قيّمنا أداء أحدهم على ضوء قداسة مهمته، والطريقة المميزة التي تمت مباركته بها، عندئذٍ أعتقد أننا إن حكمنا على ضوء هذا المعيار النسبي فإن الكنيسة هي الأكثر فسادًا، لأننا ابتعدنا كثيرًا عن المعيار الذي دعينا إليه مما تفعل المافيا. ليس لدى المافيا معايير سامية وفاضلة ونبيلة، ليس لديها وعد المسيح بألا تقوى عليها أبواب الجحيم، خلافًا للكنيسة. لكن إن صحّ أن الكنيسة هي المؤسسة الأكثر فسادًا، أو أنها واحدة من المؤسسات الأكثر فسادًا في العالم، فالسؤال التالي السؤال المهم، هو "لماذا؟" أعتقد أن جوابي على ذلك هو "لأنها أهم مؤسسة في العالم". أهم مؤسسة في العالم هي كنيسة يسوع المسيح، وكل قوى الجحيم تفهم ذلك. إذًا، الهدف الأبرز للأرواح الشريرة والشيطان هو كنيسة يسوع المسيح.

لكن إن كانت الوحيدة بين جميع المؤسسات البشرية التي لها ضمانة المسيح، لماذا يعتبرها قانون الإيمان مقدسة في حين أنها ليست مقدسة دائمًا؟ هي ليست مقدسة بفضل نقاوة وبرّ كل عضو من أعضائها. الكنيسة هي المؤسسة الوحيدة التي أعرفها التي تطلب منك أن تكون خاطئًا لتدخل إليها. الكنيسة مصمّمة لتكون شركة مميزة منظمة لأجل منفعة الخطاة، أليس كذلك؟ هذا سبب وجود الكنيسة؛ إنها شركة بين خطاة. وأنا أقول دائمًا على سبيل المزاح إن وجدت يومًا كنيسة كاملة فلا تنضم إليها، لأنك ستفسدها، ستضع حدًا لكمالها. لكن السبب الذي يجعل الكنيسة مقدّسة هو مؤسسها ورأسها، الذي هو المسيح. والمسيح هو من قال "سأبني كنيستي". إذًا، الكنيسة موجودة لأنها مدعوة من المسيح، ومؤسسة من المسيح، ومعيّنة من المسيح، وموهوبة من المسيح، والروح القدس يسكن فيها؛ ونحن ننال منفعة قداسة الكنيسة. بتعبير آخر، أيًا تكن القداسة التي نبلغها، نحن نبلغها بفضل القوى نفسها التي تجمع الكنيسة في المقام الأول بالروح القدس وبيسوع المسيح، ليس أننا نحن من نجعل الكنيسة مقدسة.

بالإضافة إلى الإشارة إلى هذه المؤسسة المقدسة، هذه المؤسسة المميزة التي عيّنها المسيح ودعا كل مؤمن إلى المشاركة فيها، قائلًا لنا ألا نترك اجتماع القديسين، لا يمكن للإنسان أن يعيش بدون الآخرين في ما يتعلق بالإيمان المسيحي، ولدينا جميعًا واجب وامتياز المشاركة في الكنيسة. يعلن قانون الإيمان إيمانًا بالكنيسة الجامعة المقدسة، وليس كنيسة الروم الكاثوليك، بل الكنيسة الجامعة المقدسة. هنا مفهوم كلمة "جامعة"، يندرج ضمن إطار المفردات المتعلقة بالإعلانات العقائدية في منتصف القرن الثاني من خلال مفردات القديس أغناطيوس. كان أغناطيوس أول من استعمل هذه الكلمة، لأنه رأى أنه أينما انتشر المسيحيون حول العالم كانت الكنيسة تتجه أيضًا. وكان يتكلم مستعملًا كلمة "جامعة"، التي تعني ببساطة "شاملة"، وأن الكنيسة موجودة حيثما يتواجد شعب الله في جميع أنحاء العالم. ومن ثم طبعًا بدأوا يحاولون إضفاء طابع رسمي على الأمر. لكن ما الذي يميز الكنيسة عن أي شيء آخر؟ وقالوا سابقًا "حيثما يتم الاحتفال بعشاء الرب، هناك تكون الكنيسة". وفي وقت لاحق، ووفق المصطلحات الكنسية، قررت روما أنه حيثما يوجد الأسقف هناك تكون الكنيسة. وإن لم تحصل على موافقة رياسة الكنيسة، فلم تحصل على موافقة الكنيسة. وقال آخرون "حيثما يوجد الروح هناك تكون الكنيسة". إذًا، أصبحت تلك المسألة محط نزاع بين الطوائف المختلفة، بما أنه يوجد أكثر من طائفة واحدة بشأن المكان الذي تكون فيه الكنيسة.

لكن ما زال البروتستانتيون يستبقون على عقيدة في قانون الإيمان، لأنهم يقولون إن بإمكاننا ألا نقبل كنيسة الروم الكاثوليك، لكننا نؤمن حتمًا بوجود جسد للمسيح حول العالم، أكبر وأوسع وأعمق وأضخم من الطوائف التي ننتمي إليها. هذا أنشأ في تاريخ الكنيسة، وخصوصًا مع الإصلاح البروتستانتي، مفهومًا لفهم كنيسة المؤمنين الشاملة هذه. وإن رجعتم إلى عمل أوغسطينوس، وتمييز أوغسطينوس بين الكنيسة المنظورة والكنيسة غير المنظورة – إنه تمييز مهم لكنه خطير أيضًا. حين ميّز أوغسطينوس بين الكنيسة المنظورة والكنيسة غير المنظورة، رجع إلى العهد الجديد إلى حيثما شبّه يسوع الكنيسة بالحديقة، حيث سينبت دائمًا زوان بين الحنطة. لكي تنضم إلى الكنيسة المسيحية، يجب أن تقوم بإعلان إيمان شفهي، يجب أن تقول إنك تؤمن. هل كل من يقول إنه يؤمن هو مؤمن فعلًا؟ لا، فيسوع نفسه قال إن البعض سيكرمه بشفتيه، لكن قلبه بعيد عنه. ومن الممكن القيام باعتراف إيمان لشتى أنواع الأسباب – سياسية، واجتماعية واقتصادية – بدون أن يكون لديك إيمان حقيقي في قلبك.

إذًا، قال أوغسطينوس: الكنيسة في هذا العالم ستكون دائمًا "كوربوس بيرميكستوم"، جسد مؤلف من وزوان ينمو إلى جانب الحنطة، مؤمنين مختلطين مع غير مؤمنين. ما قصده بالكنيسة غير المنظورة ليس كنيسة سرية موجودة جوهريًا خارج الكنيسة المنظورة، لكنه كان يتكلم – قال إن الكنيسة غير المنظورة موجودة جوهريًا أين؟ ضمن الكنيسة المنظورة، لأن المسيح دعانا لممارسة شركتنا وعبادتنا وغير ذلك بشكل منظور، شاهدين له مع كنيسة منظورة. لكن ما يقوله أوغسطينوس هو إنه داخل الكنيسة المنظورة توجد الكنيسة غير المنظورة، أي شعب الله الحقيقي. وهي تدعى الكنيسة غير المنظورة، ليس لأنها غير منظورة لله، وإنما لأنه لا يمكنني قراءة ما في قلب إنسان آخر، هذا يبقى خارج إطار رؤيتي، لا يمكنني رؤية ذلك، إنه غير منظور بالنسبة إلي. لكنه موجود، والله قادر أن يراه.

سأذكر – يبقى لدي حوالي دقيقة واحدة – شركة القديسين، كلمة أخرى تصف الكنيسة الجامعة الشاملة. الأصل اللاتيني هنا هو "كوميونيوس سانكتروم". والآن أريد توضيح فكرة خاطئة شائعة. أحيانًا كثيرة حين يقول الناس "أنا أؤمن بشركة القديسين"، يُعتقد أنهم يقولون "أنا أؤمن بممارسة الحق الطقسي بالاحتفال بعشاء الرب"، لأنه في جماعات بروتستانتية عدة إنها تدعى شركة، شركة مقدسة. لكن شركة القديسين تعني أنه توجد شركة وأخوة وربط من خلال الروح القدس لجميع المؤمنين حول العالم. جميع المؤمنين الذين يشكلّون جزءًا من الكنيسة غير المنظورة لديهم رابط واحد، وروح واحد، وهم مرتبطون، ما يعني أننا إن كنا مؤمنين فنحن في المسيح والمسيح فينا. إذًا، إن كنت أنت في المسيح، وأنا في المسيح، نحن الاثنان في المسيح نختبر وحدة مشتركة. حسنًا، هناك شاهد ووحدة نشترك بها بفضل اتحادنا بالمسيح ومن خلال الروح.

لكن لم تعلن الكنيسة إيمانها فحسب بشركة أو وحدة تفوق الحدود الطائفية والجغرافية والعرقية، لكنها تفوق حدود الزمن أيضًا. يوجد عنصر رمزي هنا متعلق بجسد المسيح الرمزي، وهو أني لست فحسب في شركة معكم كمؤمن، لكن الآن في هذه اللحظة أنا في شركة مع مارتن لوثر، ومع جون كالفن، ومع القديس أوغسطينوس، ومع كل مؤمن عاش يومًا. لأن كل مؤمن عاش يومًا، واختبر الوحدة في المسيح، تلك الوحدة التي يتمتع بها مع المسيح لا يمكن نقضها. مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ... أَمْ جُوعٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ لا شيء يقدر أن يفصلنا. ولحظة أصبح لوثر في المسيح، أصبح متحدًا بربّه. وبموجب ذلك الاتحاد، رمزيًا انضم إلى كل شخص متحد بالمسيح. وحين أتحد بالمسيح، فإني أتحد بجسد المسيح كله، الماضي والحاضر على حد سواء، وسنكون حتمًا متحدين في المستقبل. إذًا، هذا ما نقصده حين نقول إننا نؤمن بشركة القديسين. انتهى الوقت، سنتطرق في محاضرتنا المقبلة إلى الإعلانات الأخيرة في قانون الإيمان المتعلقة بغفران الخطايا وقيامة الجسد، إلى آخره.