المحاضرة 8: مَلاكُ "النُّورِ"

فِيمَا نَصِلُ إِلَى خِتَامِ سِلْسِلَتِنَا عَنِ الْمَلَائِكَةِ، لَا يَزَالُ هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِمَّا نَحْتَاجُ أَنْ نُغَطِّيَهُ عَنْ عَمَلِ الشَيْطَانِ. رَأَيْنَا بِالْفِعْلِ أَنَّهُ لَا يَمْتَلِكُ صِفَاتٍ إِلَهِيَّةً. فَمَعَ أَنَّهُ أَقْوَى مِنَّا، لَكِنَّهُ لَيْسَ كُلِّيَّ الْقُدْرَةِ. وَمَعَ أَنَّهُ يَفُوقُنَا مَعْرِفَةً، هُوَ لَيْسَ كُلِّيَّ الْعِلْمِ. وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَكَانٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ مَحْدُودٌ بِمَحْدُودِيَّتِهِ كَمَخْلُوقٍ. لَكِنْ رَأَيْنَا أَيْضًا أَنَّهُ كَذَّابٌ، وَأَنَّهُ حَاذِقٌ وَمَاكِرٌ، لَكِنْ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ يُمْكِنُ مُقَاوَمَتُهُ.

أَحَدُ الْأُمُورِ الَتِي نَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرًا بِشَأْنِ طَبِيعَةِ الشَيْطَانِ وَعَمَلِهِ هِيَ طَبِيعَتُهُ الْمُتَحَوِّلَةُ. وَحِينَ نَتَكَلَّمُ عَنِ التَحَوُّلِ، نَقْصِدُ الشَيْءَ الَذِي يَتَغَيَّرُ فِي مَظْهَرِهِ الْخَارِجِيِّ - مِثْلَمَا تَمُرُّ الْفَرَاشَةُ بِعَمَلِيَّةِ التَحَوُّلِ مِنْ دُودَةٍ إِلَى مَخْلُوقٍ بَدِيعٍ طَائِرٍ. وَمَا نَقْصِدُهُ بِوَصْفِ الشَيْطَانِ بِأَنَّهُ مُتَحَوِّلٌ هُوَ قُدْرَتُهُ، كَمَا نَقُولُ فِي عِلْمِ اللَاهُوتِ، عَلَى أَنْ يَظْهَرَ "سَابْ سِبِيسِيزْ بُونَايْ"، (subspecies boni) وَمَعْنَاهَا الْحَرْفِيُّ "تَحْتَ سِتَارِ الْخَيْرِ". فَهُوَ لَيْسَ تِلْكَ الشَخْصِيَّةَ الْغَرِيبَةَ ذَاتَ السُتْرَةِ الْحَمْرَاءِ وَالْقُرُونِ وَالْمِذْرَاةِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُحَاضَرَةِ السَابِقَةِ، لَكِنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَظْهَرَ، كَمَا يَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، فِي شِبْهِ مَلَاكِ نُورٍ. فَهُوَ لَا يُهَاجِمُنَا بِأَنْيَابٍ وَوَجْهٍ قَبِيحٍ، لَكِنَّهُ يَقْتَرِبُ مِنَّا مُتَنَكِّرًا فِي هَيْئَةٍ جَمِيلَةٍ تَبْدُو جَذَّابَةً. هَذَا جُزْءٌ مِنْ مُغْرَيَاتِ أَسَالِيبِهِ الْجَاذِبَةِ. وَأَظُنُّ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ الشَيْطَانُ فِي شَكْلِ إِنْسَانٍ، لَنْ يَكُونَ شَخْصًا بَشِعًا، وَشِرِّيرًا شَهِيرًا، مِثْلَ صَدَّامِ حُسَيْنٍ أَوْ أُسَامَةَ بْنِ لَادِنٍ، لَكِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَى سَاحَةِ التَارِيخِ فِي شِبْهِ بِيلِي جْرَاهَامْ. لَا أَقْصِدُ إِهَانَةَ بِيلِي جْرَاهَامْ، بَلْ فَقَطْ أَقُولُ إِنَّهُ سَيُحَاوِلُ أَنْ يَظْهَرَ فِي شَكْلِ إِنْسَانٍ مُوَقَّرٍ، يَسْلُكُ بِشَيْءٍ مِنْ الْبِرِّ، لَكِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي رِيَاءٍ لِأَنَّهُ كَذَّابٌ.

هُوَ يُسَمَّى فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ "رَئِيسَ مَمْلَكَةِ الظُلْمَةِ"، وَ"رَئِيسَ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ"، وَ"رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ". فَهَذَا هُوَ مَيْدَانُ عَمَلِهِ. وَالْوَظِيفَتَانِ الرَئِيسِيَّتَانِ اللَتَانِ يُمَارِسُهُمَا فِي الْعَالَمِ هُمَا الْغِوَايَةُ وَالشِكَايَةُ. مِنَ الْمُهِمِّ جِدًّا أَنْ نَفْهَمَ هَاتَيْنِ الْوَظِيفَتَيْنِ لِلشَيْطَانِ. أَكْثَرُ وَظِيفَةٍ مَأْلُوفَةٍ لَدَيْنَا هِيَ وَظِيفَتُهُ كَمُجَرِّبٍ. فَسَبَقَ أَنْ رَأَيْنَا كَيْفَ، فِي الْجَنَّةِ، أَغْوَى آدَمَ وَحَوَّاءَ وَجَرَّبَهُمَا بِارْتِكَابِ الْخَطِيَّةِ. وَنَعْلَمُ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْعِنَانَ لِكُلِّ قُوَاهُ وَمَهَارَاتِهِ ضِدَّ يَسُوعَ فِي اخْتِبَارِهِ الشَيْطَانِيِّ لِلتَجْرِبَةِ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. أَقْشَعِرُّ حِينَ أُفَكِّرُ فِيمَا مَرَّ بِهِ رَبُّنَا فِي هَذِهِ التَجْرِبَةِ الَتِي دَامَتْ 40 يَوْمًا.

كَمَا ذَكَرْتُ قَبْلًا، شَاسِعٌ هُوَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْبِيئَةِ الَتِي تَعَرَّضَ فِيهَا يَسُوعُ لِقُوَّةِ الشَيْطَانِ، مُقَارَنَةً بِبِيئَةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ. فَقَدْ جُرِّبَ آدَمُ وَحَوَّاءُ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، فِي وَسَطِ بُسْتَانٍ فَاتِنٍ، كَانَ الثَمَرُ وَالطَعَامُ مُتَاحًا فِيهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ. لَكِنْ تَعَرَّضَ يَسُوعُ لِهُجُومِ الشَيْطَانِ وَسَطَ بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. وَإِذَا سَبَقَ أَنْ زُرْتَ فَلَسْطِينَ - أَيْ زُرْتَ إِسْرَائِيلَ - وَمَرَرْتَ بِبَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ، سَتَجِدُ أَنَّهَا مِنْ أَكْثَرِ الْأَمَاكِنِ الْمُوحِشَةِ الَتِي يُمْكِنُ أَنْ تَرَاهَا فِي حَيَاتِكَ. فَالْكَائِنَاتُ الْحَيَّةُ الْوَحِيدَةُ هُنَاكَ هِيَ بَعْضُ الطُيُورِ، وَقَلِيلٌ مِنْ الْأَرَانِبِ، وَالْعَقَارِبِ، وَبَعْضُ الثَعَابِينِ. فَهِيَ مَكَانٌ بَشِعٌ. وَمَعَ ذَلِكَ، أَمْضَى يَسُوعُ 40 يَوْمًا فِي هَذَا الْمَكَانِ الْمُوحِشِ، وَتَعَرَّضَ لِلْهُجُومِ الْجَامِحِ مِنْ خَصْمِهِ، مِنَ الشَيْطَانِ. وَقَعَ الْهُجُومُ عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ وَبَطْنُهُمَا مُمْتَلِئَةٌ، فِي حِينِ وَقَعَ الْهُجُومُ عَلَى يَسُوعَ بَعْدَ 40 يَوْمًا مِنَ الصَوْمِ، حِينَ شَعَرَ بِوَخْزِ الْجُوعِ الْبَيُولُوجِيِّ الطَبِيعِيِّ. أَيْضًا، وَقَعَ الْهُجُومُ عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ وَهُمَا يَتَمَتَّعَانِ بِقُوَّةِ الشَرِكَةِ الْمُتَبَادَلَةِ وَالصُحْبَةِ الْبَشَرِيَّةِ. قَالَ سُورِينْ كِيرْكِيجَارْدْ (Soren Kirkegaard): "لَا تُوجَدُ حَالَةٌ يُمْكِنُ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهَا فِي أَيِّ فَتْرَةٍ مِنْ الزَمَنِ أَكْثَرُ تَدْمِيرًا لَهُ مِنَ الْوَحْدَةِ". فَإِنْ أَرَدْنَا تَشْدِيدَ الْعُقُوبَةِ عَلَى الْمَسَاجِينِ وَرَاءَ الْقُضْبَانِ، نَضَعُهُمْ فِي حَبْسٍ انْفِرَادِيٍّ. وَهُوَذَا يَسُوعُ، وَحِيدًا تَمَامًا، طَوَالَ 40 يَوْمًا، وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ التَجْرِبَةُ.

فَكِّرُوا مَثَلًا فِي الْمَثَلِ الَذِي ضَرَبَهُ يَسُوعُ عَنِ الِابْنِ الضَالِّ، الَذِي سَلَكَ بِطَرِيقَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَمَعَ الْعَائِلَةِ. وَلَمْ يُظْهِرِ انْحِطَاطَهُ الشَدِيدَ إِلَّا حِينَ ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، حَيْثُ كَانَ مَجْهُولَ الْهُوِيَّةِ، لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ، وَحَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّعْ أَحَدٌ مِنْهُ مُسْتَوًى مُعَيَّنًا مِنَ السُلُوكِ. إِذَنْ، كَانَ رَبُّنَا مَجْهُولَ الْهُوِيَّةِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَحَاوَلَ الشَيْطَانُ اسْتِغْلَالَ ذَلِكَ. "فَقَطْ اُسْجُدْ لِي، ارْكَعْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَنْ يَعْرِفَ أَحَدٌ ذَلِكَ، وَلَنْ يَرَى أَحَدٌ ذَلِكَ. وَكُلُّ مَمَالِكِ الْعَالَمِ تَكُونُ لَكَ".

هَذَا مَوْطِنُ قُوَّتِهِ، أَنْ يَأْتِيَ إِلَى شَعْبِ اللَّهِ وَيُحَاوِلَ غِوَايَتَهُمْ بِارْتِكَابِ الْخَطِيَّةِ. إِنَّ الْخَطِيَّةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا جَذَّابَةٌ جِدًّا لَنَا. لَكِنْ إِنْ كُنَّا نَعْرِفُ شَيْئًا عَنْ أُمُورِ اللَّهِ، فَسَنَعْلَمُ أَنَّ الْخَطِيَّةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْعِدَ أَحَدًا. وَمَعَ ذَلِكَ، نَحْنُ مُنْسَاقُونَ وَرَاءَ تَحْقِيقِ سَعَادَتِنَا. قَالَ جُونَاثَانْ إِدْوَارْدِزْ ذَاتَ مَرَّةٍ إِنَّ فِعْلَ الْإِرَادَةِ، أَوْ فِعْلَ الِاخْتِيَارِ، هُوَ اخْتِيَارُ الذِهْنِ لِمَا يَبْدُو جَيِّدًا لَنَا فِي تِلْكَ اللَحْظَةِ، بِحَيْثُ حِينَ نَخْتَارُ فِعْلَ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ، نَخْتَارُ أَنْ نَفْعَلَهَا لَا لِأَنَّنَا نَظُنُّ أَنَّ بِهَا أَيَّ بَرٍّ أَخْلَاقِيٍّ، بَلْ لِأَنَّنَا نَظُنُّ أَنَّهَا سَتَكُونُ جَيِّدَةً لَنَا. وَنَحْنُ نَخْلِطُ بَيْنَ السَعَادَةِ وَاللَذَّةِ. الْخَطِيَّةُ تَجْلِبُ اللَذَّةَ لَكِنَّهَا لَا تُحَقِّقُ أَيَّةَ سَعَادَةٍ. لَمْ نَتَعَلَّمْ ذَلِكَ بَعْدُ، وَلَنْ نَتَعَلَّمَهُ إِلَّا حِينَ نَكْتَشِفُ أَنَّ سَعَادَتَنَا الْوَحِيدَةَ هِيَ فِي اللَّهِ وَفِي أُمُورِ اللَّهِ، حِينَ نَدْخُلُ الْحَالَةَ السَمَاوِيَّةَ. وَحَتَّى يَحْدُثَ ذَلِكَ، نَحْنُ نَتَعَرَّضُ لِهَجَمَاتِ غِوَايَةٍ مِنَ الشَيْطَانِ، الَذِي يَجْعَلُ الْخَطِيَّةَ تَبْدُو جَيِّدَةً لَنَا، وَيَعِدُنَا بِاللَذَّةِ.

نَرَى كَيْفَ حَاوَلَ الشَيْطَانُ غِوَايَةَ يَسُوعَ. فَقَدْ نَجَحَ مَعَ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَلَاحَقَ بُطْرُسَ، وَلَاحَقَ كُلَّ شَعْبِ اللَّهِ عَبْرَ صَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. نَقْرَأُ أَنَّ اللَّهَ لَا يُجَرِّبُ أَحَدًا الْبَتَّةَ. هُنَاكَ فَرْقٌ شَاسِعٌ بَيْنَ الشَيْطَانِ وَاَللَّهِ، وَمَعَ ذَلِكَ نَقْرَأُ كَثِيرًا فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَنَّ اللَّهَ سَيَمْتَحِنُنَا. فَهُوَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ. وَالرُوحُ الْقُدُسُ هُوَ الَذِي اقْتَادَ يَسُوعَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِيُجَرَّبَ مِنَ الشَيْطَانِ. وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ يَعْقُوبُ: "لَاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ". مِنْ هَذِهِ النَاحِيَةِ، الْمَقْصُودُ هُوَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُغْوِينَا الْبَتَّةَ، أَوْ يُحَاوِلُ حَثَّنَا عَلَى ارْتِكَابِ الْخَطِيَّةِ، لَكِنَّهُ قَدْ يَمْتَحِنُنَا. وَهُنَا تَكْتَسِبُ قِصَّةُ أَيُّوبَ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ أَهَمِّيَّةً كَبِيرَةً جِدًّا. لِنُلْقِ نَظْرَةً عَلَيْهَا لِبَعْضِ الْوَقْتِ.

نَقْرَأُ فِي الأَصْحَاحِ 1 مِنْ هَذَا السِفْرِ هَذَا الْوَصْفَ لأَيُّوبَ، فِي الآيَةِ الأُولَى: "كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ كَامِلًا وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ". يَا لَهُ مِنْ وَصْفٍ مُذْهِلٍ لاسْتِقَامَةِ أَيُّوبَ، جَاءَ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ. "وَوُلِدَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلَاثُ بَنَاتٍ. وَكَانَتْ مَوَاشِيهِ سَبْعَةَ آلَافٍ مِنَ الْغَنَمِ، وَثَلَاثَةَ آلَافِ جَمَلٍ". رُبَّمَا جَعَلَهُ ذَلِكَ أَغْنَى رَجُلٍ فِي الْعَالَمِ. "وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ، وَيُرْسِلُونَ وَيَسْتَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ الثَّلَاثَ لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ". كَانَتْ هَذِهِ الْعَائِلَةُ رَائِعَةً. "وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ الْوَلِيمَةِ، أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي الْغَدِ" - لِمَاذَا؟ لِيَعْبُدَ اللهَ - "وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لِأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: "رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ". هَكَذَا كَانَ أَيُّوبُ يَفْعَلُ كُلَّ الأَيَّامِ". فَقَدْ كَانَ نَمُوذَجًا لِلأَبِ الْفَاضِلِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.

ثُمَّ مَاذَا حَدَثَ؟ مَا الَذِي تَسَبَّبَ فِي انْهِيَارِ عَالَمِ أَيُّوبَ؟ فِي الآيَةِ 6: "وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: "مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟". فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: "مِنَ الْجَوَلَانِ فِي الْأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا". فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الْأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ". فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: "هَلْ مَجَّانًا" - أَوْ بِلا مُقَابِلٍ - "يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟ أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الْأَرْضِ. وَلَكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الْآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ"".

هَذَا هُوَ التَحَدِّي الَذِي وَضَعَهُ الشَيْطَانُ أَمَامَ اللَّهِ. فَقَدِ اتَّهَمَ أَيُّوبَ بِالرِيَاءِ، وَقَالَ: "لَقَدْ تَمَشَّيْتُ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا وَالْكُلُّ هُنَاكَ فِي قَبْضَتِي. فَأَنَا رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ، وَالْكُلُّ يَتْبَعُنِي". فَقَالَ اللَّهُ: "مَاذَا عَنْ أَيُّوبَ؟ هَلْ رَأَيْتَ عَبْدِي أَيُّوبَ الْمُسْتَقِيمَ وَالْكَامِلَ؟" "هَهْ!" - أَجَابَ الشَيْطَانُ: "بِالطَبْعِ، فَمَنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفِسَ النِعْمَةَ؟ أَنْتَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَأَعْطَيْتَهُ مَالًا أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ شَخْصٍ آخَرَ فِي الْعَالَمِ. هَلْ مَجَّانًا يَعْبُدُكَ أَيُّوبُ؟ بِالطَبْعِ لَا. لَكِنِ اُتْرُكْنِي عَلَيْهِ، دَعْنِي أُهَاجِمُهُ، وَسَأُرِيكَ أَنَّ أَيُّوبَ يَتْبَعُكَ لِمَصْلَحَتِهِ. وَحِينَ أَنْتَهِي مِنْهُ، سَيُجَدِّفُ عَلَيْكَ فِي وَجْهِكَ". هَذَا هُوَ التَحَدِّي، الَذِي وَضَعَهُ أَيُّوبُ - وَضَعَهُ الشَيْطَانُ أَمَامَ اللَّهِ.

فَقَالَ اللَّهُ: "حَسَنًا، هُوَ فِي يَدِكَ. سَأَرْفَعُ السِيَاجَ، وَلْنَرَ مَا يَحْدُثُ". نَقْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبْعَدَ قِصَّةٍ عَنِ التَصْدِيقِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، عَنْ بُؤْسٍ بَشَرِيٍّ مُتَوَاصِلٍ أَنْزَلَهُ الشَيْطَانُ عَلَى حَيَاةِ هَذَا الرَجُلِ التَقِيِّ، وَعَلَى عَائِلَتِهِ، وَعَلَى مُمْتَلَكَاتِهِ.

أَوَّلًا، يَجِبُ أَنْ نَتَعَلَّمَ مِنْ هَذَا شَيْئًا عَنْ عَمَلِ الشَيْطَانِ. الشَيْطَانُ قَادِرٌ أَنْ يُلْحِقَ بِحَيَاتِنَا ضَرَرًا كَبِيرًا - آلَامًا جَسَدِيَّةً، وَخَسَارَةَ مُمْتَلَكَاتٍ، وَشَتَّى أَنْوَاعِ الْبُؤْسِ. لَكِنَّنَا نُغْوَى بِفَصْلِ الشَيْطَانِ عَنِ اللَّهِ، وَتَحْمِيلِ الشَيْطَانِ مَسْؤُولِيَّةَ جَمِيعِ بَلَايَانَا وَمَصَائِبِنَا، كَمَا لَوْ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْقُدْرَةَ مِنْ ذَاتِهِ عَلَى أَنْ يَعِيثَ فَسَادًا بِحَيَاتِنَا. إِنَّما كُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الشَيْطَانُ خَاضِعٌ دَائِمًا لِسُلْطَانِ اللَّهِ السِيَادِيِّ. لَا يَقْدِرُ الشَيْطَانُ أَنْ يُحَرِّكَ إِصْبَعًا دُونَ سَمَاحٍ إِلَهِيٍّ.

كَانَ يَسُوعُ يُدْرِكُ ذَلِكَ. وَكَانَ يُدْرِكُ الْوَضْعَ الَذِي كَانَ أَيُّوبُ فِيهِ. وَفَهِمَ الْوَضْعَ الَذِي وَاجَهَهُ آدَمُ وَحَوَّاءُ فِي الْجَنَّةِ. وَبِالطَبْعِ، لَمْ يَنْسَ قَطُّ الظَرْفَ الَذِي قَاسَاهُ فِي عُزْلَةِ بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ، حَتَّى إِنَّهُ حِينَ عَلَّمَ تَلَامِيذَهُ أَنْ يُصَلُّوا قالَ: "مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: ... لَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ". أَوَدُّ الْإِشَارَةَ إِلَى أَمْرَيْنِ بِشَأْنِ هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ. أَوَّلًا، كُتِبَ هَذَا الْجُزْءُ بِصِيغَةٍ تُدْعَى التَوَازِي، حَيْثُ الشَطْرُ الثَانِي يَحْمِلُ مَعْنَى الشَطْرِ الْأَوَّلِ نَفْسَهُ، مَعَ اخْتِلَافِ الْكَلِمَاتِ. وَالْأَمْرُ الثَّانِي هُوَ أَنِّي حَاوَلْتُ جَاهِدًا أَنْ أَفْهَمَ لِمَاذَا ظَلَّتِ التَرْجَمَاتُ الْإِنْجِلِيزِيَّةُ لِسَنَوَاتٍ وَقُرُونٍ تُتَرْجِمُ تِلْكَ الْعِبَارَةُ إِلَى: "لَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشَّرِّ". فَحِينَ يُشَارُ إِلَى الشَرِّ كَفِكْرَةٍ مُجَرَّدَةٍ، تَأْتِي الْكَلِمَةُ مُحَايِدَةَ النَوْعِ وليس في المُذَكَّرِ. وَالْكَلِمَةُ الْيُونَانِيَّةُ الْمُسْتَخْدَمَةُ هُنَا فِي الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ هِيَ "بُونِيرُوسْ" (ponerosوَتَرْجَمَتُهَا الْأَدَقُّ هِيَ: "لَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِرِّيرِ". "بُونِيرُوسْ" لَقَبٌ مِنْ أَلْقَابِ الشَيْطَانِ.

مَا الَذِي يَقْصِدُهُ يَسُوعُ؟ أَنَّنَا يَجِبُ أَنْ نُصَلِّيَ لِأَجْلِ أَنْ يُسِيِّجَ اللَّهُ حَوْلَنَا، وَيُحَافِظَ عَلَى هَذَا السِيَاجِ، وَلَا يَتْرُكَنَا فِي وَضْعٍ يُمْكِنُ أَنْ نَتَعَرَّضَ فِيهِ لِهُجُومِ الشَيْطَانِ. يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ صَلَاتَنَا، عَالِمِينَ أَنَّنَا عُرْضَةٌ طَوَالَ الْوَقْتِ لِلْعَدُوِّ. وَلِهَذَا نَقُولُ: "يَا رَبُّ، احْمِنَا، كُنْ حِصْنًا لَنَا، وَقَلْعَتَنَا الْحَصِينَةَ، احْمِنَا مِنْ هَجَمَاتِ الشَيْطَانِ". هَذَا مَا أَوْصَانَا يَسُوعُ أَنْ نُصَلِّيَ بِهِ. لِأَنَّنَا - لِأَنَّنَا نَرَى مَا حَدَثَ لِأَيُّوبَ. فَقَدْ سَقَطَ السِيَاجُ، وَأُطْلِقَ الْعِنَانُ لِكُلِّ الْجَحِيمِ فِعْلِيًّا عَلَى حَيَاتِهِ. وَكَانَ أَلَمُهُ شَدِيدًا لِدَرَجَةِ أَنَّ أَصْدِقَاءَهُ الْأَقْرَبِينَ، الَذِينَ افْتَرَضُوا قَبْلًا أَنَّهُ رَجُلٌ مُسْتَقِيمٌ، جَاؤُوا إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ وَسَطَ كَوْمَةِ الرَمَادِ، وَجَسَدُهُ مَلِيءٌ بِالتَقَرُّحَاتِ، وَقَالُوا: "يَا أَيُّوبُ، لَا بُدَّ مِنْ أَنَّكَ ارْتَكَبْتَ فِعْلًا شَنِيعًا لِتُصْبِحَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. فَأَنْتَ أَشْقَى رَجُلٍ فِي الْعَالَمِ. لَا بُدَّ مِنْ أَنَّ لَدَيْكَ أَسْوَأَ سِجِلٍّ مِنَ الْخَطَايَا فِي الْعَالَمِ كَيْ يَحْدُثَ لَكَ ذَلِكَ". وَحَتَّى رَفِيقَتُهُ الْأَقْرَبُ إِلَيْهِ، زَوْجَتُهُ، لَمْ تَتَحَمَّلْ رُؤْيَةَ زَوْجِهَا يَتَأَلَّمُ، فَقَالَتْ: "اسْتَسْلِمْ يَا أَيُّوبُ. الْعَنِ اللَّهَ وَمُتْ. سَتَأْتِيكَ الرَاحَةُ الْوَحِيدَةُ إِذَا لَعَنْتَ اللَّهَ". يُشْبِهُ هَذَا تَلَامِيذَ يَسُوعَ، أَصْدِقَاءَهُ الْمُقَرَّبِينَ. "لَا تَذْهَبُ إِلَى أُورْشَلِيمَ. لَا تُطِعِ اللَّهَ، فَسَيُكَلِّفُكَ الْأَمْرُ الْكَثِيرَ". فَإِنَّ زَوْجَتَهُ، فِيمَا كَانَ أَيُّوبُ يَقُولُ: "هُوَذَا يَقْتُلُنِي. سَأَظَلُّ أَثِقُ بِهِ. وَسَأَظَلُّ أَعْبُدُهُ"، قَالَتْ: "كُفَّ عَنْ ذَلِكَ، لَا يُمْكِنُكَ تَحَمُّلُ الْمَزِيدِ، الْعَنْهُ وَمُتْ".

لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَهُزِمَ الشَيْطَانُ. وَفِي ذَلِكَ تَمَجَّدَ اللَّهُ، وَتَزَكَّى أَيُّوبُ، إِذِ اسْتَعَادَ كُلَّ مَا خَسِرَهُ وَأَكْثَرَ. يَا لَهَا مِنْ قِصَّةٍ مُذْهِلَةٍ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ عَنْ قُوَّةِ الشَيْطَانِ وَتَزْكِيَةِ الرَبِّ لِشَعْبِهِ.

مَرَّةً أُخْرَى، اتَّبَعَ الشَيْطَانُ أُسْلُوبَيْنِ لِلْقَضَاءِ عَلَى أَيُّوبَ: أَوَّلًا، حَاوَلَ أَنْ يُجَرِّبَهُ بِإِنْكَارِ اللَّهِ. وَتَكْمُنُ قُوَّةُ التَجْرِبَةِ فِي الْأَلَمِ الَذِي سَبَّبَتْهُ. لَيْسَ ذَلِكَ فَحَسْبُ، لَكِنَّهُ يَأْتِي لِلْمُؤْمِنِ بِأُسْلُوبِهِ الْمُفَضَّلِ فِي الْعَمَلِ. فَهُنَاكَ لَقَبٌ آخَرُ لِلشَيْطَانِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَهُوَ "دِيَابُولُوسْ" (diabolus)، وَمَعْنَاهُ "الْمُشْتَكِي". فَالشَيْطَانُ يُعْتَبَرُ الْمُشْتَكِي عَلَى الْإِخْوَةِ. وَالشِكَايَةُ الَتِي قَدَّمَهَا ضِدَّ أَيُّوبَ هِيَ أَنَّ السَبَبَ الْوَحِيدَ الَذِي لِأَجْلِهِ يَتَّقِي أَيُّوبُ اللَّهَ هُوَ الرَخَاءُ الَذِي وَفَّرَهُ لَهُ اللَّهُ. هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ. هَذَا اتِّهَامٌ بَاطِلٌ. وَشِكَايَةٌ بَاطِلَةٌ.

نَعْرِفُ جَمِيعًا الطَرِيقَةَ الَتِي يُجَرِّبُنَا بِهَا الشَيْطَانُ، لَكِنَّ عَمَلَهُ الْأَخْطَرَ، بِالنِسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِ، هُوَ شِكَايَتُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِ، أَيْ أَنْ يُلَوِّحَ بِإِصْبَعِ الِاتِّهَامِ فِي وَجْهِكَ، وَيُبْعِدُ عَيْنَيْكَ عَنِ الصَلِيبِ وَعَنِ الْإِنْجِيلِ، مُشِيرًا إِلَى مَدَى فَسَادِكَ. وَالْبَشِعُ فِي لَعِبِ الشَيْطَانِ دَوْرَ جِهَةِ الِادِّعَاءِ هُوَ أَنَّهُ لَا يُضْطَرُّ لِاخْتِلَاقِ تُهَمٍ كَاذِبَةٍ، بَلْ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يُشِيرَ إِلَى خَطَايَا حَقِيقِيَّةٍ، مُحَاوِلًا سَلْبَ فَرَحِنَا، وَنَزْعَ سَلَامِنَا، وَتَحْطِيمَ ثِقَتِنَا فِي الْإِنْجِيلِ.

مِنَ الْأُمُورِ الصَعْبَةِ فِي الْحَيَاةِ الْمَسِيحِيَّةِ هُوَ التَمْيِيزُ بَيْنَ عَمَلِ الرُوحِ الْقُدُسِ الذِي يُبَكِّتُنَا عَلَى خَطِيَّتِنَا، وَعَمَلِ الشَيْطَانِ الَذِي يَشْتَكِي عَلَيْنَا بِالْخَطِيَّةِ، لِأَنَّ كِلَيْهِمَا قَدْ يُشِيرُ إِلَى الْخَطِيَّةِ نَفْسِهَا. لَكِنِّي لَاحَظْتُ هَذَا الْفَرْقَ. حِينَ يُبَكِّتُنَا الرُوحُ الْقُدُسُ عَلَى الْخَطِيَّةِ، بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْأَمْرُ مُؤْلِمًا لِبَعْضِ الْوَقْتِ، إِنَّمَا هُنَاكَ دائِمًا حَلَاوَةٌ فِيهِ، لِأَنَّهُ فِي التَبْكِيتِ يَعِدُنَا الرُوحُ الْقُدُسُ دَائِمًا بِالْغُفْرَانِ وَالِاسْتِرْدَادِ. أَمَّا الشَيْطَانُ، فَحِينَ يَشْتَكِي عَلَيْنَا، يَكُونُ الْغَرَضُ وَالْهَدَفُ مِنْ شِكَايَتِهِ هُوَ تَدْمِيرُنَا وَشَلُّ حَرَكَتِنَا، وَدَفَعُنَا إِلَى التَخَلِّي عَنْ كُلِّ رَجَاءٍ. لِذَا حِينَ تَكَلَّمَ بُولُسُ عَنِ الِاخْتِيَارِ، وَحِينَ تَكَلَّمَ بُولُسُ عَنْ نِعْمَةِ اللَّهِ الْفَائِضَةِ وَالرَائِعَةِ، تَحَدَّى الشَيْطَانَ فِي جُرْأَةٍ: "مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللَّهِ؟ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُ". لِذَا، حِينَ يَأْتِي الشَيْطَانُ بِشِكَايَاتِهِ، يَجِبُ أَنْ نَقُولَ: "لَنْ يُؤْذِيَنِي هَذَا أَيُّهَا الشَيْطَانُ. اُغْرُبْ عَنِّي. نَعْلَمُ أَنَّنَا مُذْنِبُونَ، لَكِنْ لَدَيْنَا الْمَسِيحُ، وَلَدَيْنَا الْإِنْجِيلُ، وَهَذَا دِرْعُنَا ضِدَّ شِكَايَاتِكَ". لِهَذَا يُعْجِبُنِي فِي دَلِيلِ إِيمَانِ هَايْدِلْبِرْجْ التَصْرِيحُ الْقَائِلُ إِنَّ الْمَسِيحَ هُوَ رَجَاؤُنَا الْوَحِيدُ فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. فَلِهَذَا يَجِبُ أَنْ أَتَعَلَّقَ بِهِ، وَأَتَعَلَّقَ بِالْإِنْجِيلِ، لِأَنَّ الشَيْطَانَ سَيَشْتَكِي عَلَيْنَا كُلَّ لَحْظَةٍ.

أَخِيرًا، نَقْرَأُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَنَّ الشَيْطَانَ لَدَيْهِ جَيْشٌ كَامِلٌ مِنْ الْأَعْوَانِ - "دِيمُونْيُونْ" (daimonion)- أَيِ الشَيَاطِينِ. وَنَرَى أَنَّ عَمَلَهُمْ كَانَ مُكَثَّفًا بِشِدَّةٍ خِلَالَ وُجُودِ يَسُوعَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ. وَفِي الْوَاقِعِ، كَانَتْ أُولَى الْكَائِنَاتِ الَتِي تَعَرَّفَتْ عَلَى هُوِيَّةِ يَسُوعَ الْكَامِلَةِ هُمُ الشَيَاطِينُ. فَقَدْ دَعَوهُ "قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ"، وَ"ابْنَ اللَّهِ". "أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِتُعَذِّبَنَا؟" فَقَدْ فَهِمُوا وَعَلِمُوا أَنَّ أَيَّامَهُمْ مَعْدُودَةٌ. وَعَلِمُوا أَنَّهُ سَيَأْتِي يَوْمٌ يَنْتَهِي فِيهِ أَمْرُهُمْ. لَكِنَّهُمْ عَلِمُوا أَيْضًا أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَحِنْ بَعْدُ. وَحَاوَلُوا التَفَاوُضَ مَعَ يَسُوعَ. لَكِنَّ يَسُوعَ طَرَدَهُمْ مِنْ سُكْنَاهُمْ دَاخِلَ الرَجُلِ الَذِي كَانُوا يُعَذِّبُونَهُ، وَأَدْخَلَهُمْ فِي الْخَنَازِيرِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى الْهَلَاكِ. يَقُولُ الْبَعْضُ: "وَلِمَ لَمْ يُرْسِلْهُمْ إِلَى الْجَحِيمِ؟" لِأَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَكُنْ قَدْ حَانَ بَعْدُ. لَكِنَّهُ تَوَلَّى أَمْرَهُمْ. وَهَؤُلَاءِ الشَيَاطِينُ فِي كُلِّ مَكَانٍ.

وَفِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، نَرَاهُمْ يَسْكُنُونَ فِي النَاسِ، وَيَسْتَعْبِدُونَهُمْ، مُسَبِّبِينَ أَذًى جَسَدِيًّا، وَأَضْرَارًا فِي الْمُمْتَلَكَاتِ، وَشَتَّى الْأُمُورِ الْوَحْشِيَّةِ. وَالْمُؤْمِنُ يَسْأَلُ دَائِمًا: "هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْكُنَنِي شَيْطَانٌ؟" لَا أَعْتَقِدُ ذَلِكَ. أَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُمْكِنُ لِلشَيَاطِينِ أَنْ يَسْكُنُوا بَشَرًا، لَكِنِّي لَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ بِإِمْكَانِهِمْ أَنْ يَسْكُنُوا الْمُؤْمِنَ - أَقْصِدُ الْمُؤْمِنَ الْحَقِيقِيَّ، وَالْمَوْلُودَ ثَانِيَةً، لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْلُودِ ثَانِيَةً يَسْكُنُ اللَّهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ. وَيَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ: "حَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ". فَلَا يُمْكِنُ لِشَيْطَانٍ أَنْ يَسْتَعْبِدَنَا لِقُوَّةِ إِبْلِيسَ. فَقَدْ يَضْطَهِدُونَنَا، وَقَدْ يُضَايِقُونَنَا، وَقَدْ يُجَرِّبُونَنَا وَيُهَاجِمُونَنَا، وَيَفْعَلُونَ كُلَّ تِلْكَ الْأُمُورِ، لَكِنْ شُكْرًا لِلَّهِ، لِأَنَّ الَذِي فِينَا أَعْظَمُ مِنَ الَذِي فِي الْعَالَمِ.