المحاضرة 7: الْخَصْمُ
نَصِلُ الْآنَ فِي دِرَاسَتِنَا لِلْعَقِيدَةِ الْكِتَابِيَّةِ عَنِ الْمَلَائِكَةِ إِلَى دِرَاسَةِ أَشَرِّ مَخْلُوقٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ فِعْلِيًّا جَوْهَرُ الشَرِّ، وَيُدْعَى الشَيْطَانَ. يَجِبُ أَنْ أَعْتَرِفَ بِأَنِّي أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالتَّخَوُّفِ حِيَالَ التَعْلِيمِ عَنْ مَوْضُوعِ الشَيْطَانِ. أَذْكُرُ أَنَّهُ حِينَ كَتَبَ سِي. إِسْ. لُوِيسْ كِتَابَهُ الشَهِيرَ "رَسَائِلَ خُرْبُرْ"، شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ مُرُورِهِ بِفَتْرَةٍ مِنْ الِاكْتِئَابِ بَيْنَمَا كَانَ يَكْتُبُ ذَلِكَ الْكِتَابَ، وَرَاوَدَهُ شُعُورٌ قَوِيٌّ بِالضَغْطِ مِنَ الْمَوْضُوعِ الَذِي يَكْتُبُ عَنْهُ، وَهُوَ الشَيْطَانُ نَفْسُهُ. أَشْعَرُ دَائِمًا بِبَعْضِ الْخَوْفِ وَالرِعْدَةِ حِينَ نَبْدَأُ الْحَدِيثَ عَنِ الشَيْطَانِ، لِأَنَّ التَنَاوُلَ النَظَرِيَّ لِلشَيْطَانِ، أَوْ دِرَاسَتَهُ مِنْ مَنْظُورٍ عَقِيدِيٍّ بَحْتٍ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا عَنْ وُقُوفِنَا وَجْهًا لِوَجْهٍ أَمَامَ التَعْلِيمِ الْكِتَابِيِّ عَنِ الشَيْطَانِ، الَذِي هُوَ الْعَدُوُّ اللَدُودُ لِلْقِدِّيسِينَ. فَثَمَّةَ سَبَبٌ وَجِيهٌ لِتَوَخِّي الْحَذَرِ الشَدِيدِ.
دَعُونِي أَبْدَأُ بِالْقَوْلِ إِنِّي أَتَذَكَّرُ ذَاتَ مَرَّةٍ أَنِّي كُنْتُ أَعَلِّمُ فِي صَفٍّ بِالْجَامِعَةِ، وَسَأَلْتُ الطُلَّابَ بِالصَفِّ كَمْ مِنْهُمْ يُؤْمِنُ بِوُجُودِ اللَّهِ. كَانَ لَدَيَّ 30 طَالِبًا بِالصَفِّ، وَرَفَعَ الثَلَاثُونَ أَيْدِيَهُمْ. ثُمَّ قُلْتُ: "حَسَنًا، كَمْ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِوُجُودِ الشَيْطَانِ؟" فَرَفَعَ ثَلَاثَةُ طُلَّابٍ أَيْدِيَهِمْ، وَفَاجَأَنِي ذَلِكَ. فَقُلْتُ: "لِمَاذَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَيْسَ بِالشَيْطَانِ؟" فَقَدْ أَدْرَجُوا الشَيْطَانَ فِي الْحَالِ ضِمْنَ فِئَةِ السَحَرَةِ، وَالْعَفَارِيتِ، وَالْغَيْبِيَّاتِ الْمُخِيفَةِ، وَأَنْزَلُوهُ إِلَى مَرْتَبَةِ الْخُرَافَاتِ. فَقُلْتُ: "مَهْلًا، إِنْ عَرَّفْنَا اللَّهَ بِأَنَّهُ كَائِنٌ رُوحِيٌّ غَيْرُ مَنْظُورٍ، قَادِرٌ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْبَشَرِ إِيجَابًا - وَجَمِيعُكُمْ وَافَقَ عَلَى ذَلِكَ - فَمَا الْمُشْكِلَةُ فِي التَحَدُّثِ عَنْ كَائِنٍ رُوحِيٍّ قَادِرٍ عَلَى التَأْثِيرِ فِي الْبَشَرِ سَلْبًا؟ فَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَنْظُورٍ، لَكِنْ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ لَدَيْنَا بَرَاهِينُ جَلِيَّةٌ فِي التَارِيخِ عَلَى تَفَشٍّ لِلشَرِّ يَفُوقُ الْوَصْفَ".
لَكِنْ مُجَدَّدًا، حِينَ ضَغَطْتُ عَلَى الطُلَّابِ، عَلِمْتُ أَنَّهُمْ يَرْبُطُونَ الشَيْطَانَ بِالْخُرَافَاتِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ قَالَ: "مِنْ الْمُؤَكَّدِ أَنَّكَ لَا تُؤْمِنُ بِذَلِكَ الْكَائِنِ الَذِي يَرْتَدِي سُتْرَةً حَمْرَاءَ، وَيَحْمِلُ مِذْرَاةً، وَلَدَيْهِ حَوَافِرُ مَشْقُوقَةٌ، وَتَخْرُجُ قُرُونٌ مِنْ رَأْسِهِ؟" فَقُلْتُ: "لَا، لَسْتُ أُؤْمِنُ بِأَنَّ الشَيْطَانَ كَائِنٌ يَرْتَدِي سُتْرَةً حَمْرَاءَ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ". وَقُلْتُ: "لَكِنْ مِنْ أَيْنَ أَتَيْنَا بِتِلْكَ الصُورَةِ لِلشَيْطَانِ الَتِي نَرَاهَا فِي عِيدِ الْهَالْوِينْ، أَوْ فِي الرُسُومِ الْهَزْلِيَّةِ؟". قُلْتُ: "هَذِهِ الصُورَةُ لِلشَيْطَانِ - ذَلِكَ الْكَائِنِ اللَابِسِ سُتْرَةً حَمْرَاءَ وَلِبَاسًا ضَيِّقًا وَمَا إِلَى ذَلِكَ - تَعُودُ إِلَى الْعُصُورِ الْوُسْطَى، عِنْدَمَا كَانَ الشَعْبُ الْمَسِيحِيُّ عَلَى وَعْيٍ تَامٍّ بِحَقِيقَةِ الْعَالَمِ الرُوحِيِّ، وَلَا سِيَّمَا بِحَقِيقَةِ الشَيْطَانِ، وَاتَّخَذُوا خُطُوَاتٍ لِلدِفَاعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مِنْ مَكَائِدِهِ. وَفِي دِرَاسَاتِهِمْ، أَرَادُوا اكْتِشَافَ مَوْطِنِ الضَعْفِ فِي طَبِيعَةِ الشَيْطَانِ، وَاسْتَنْتَجُوا أَنَّ أَكْبَرَ نُقْطَةِ ضَعْفٍ لَدَيْهِ هِيَ كِبْرِيَاؤُهِ. فَهَاجَمُوهُ مِنْ تِلْكَ النُقْطَةِ، عَبْرَ رَسْمِ تِلْكَ الرُسُومِ السَخِيفَةِ لَهُ، كَيْ يَسْخَرُوا مِنْهُ. لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي الْكَنِيسَةِ آنَذَاكَ يُؤْمِنُ بِأَنَّ الشَيْطَانَ هُوَ حَقًّا كَائِنٌ يَرْتَدِي سُتْرَةً حَمْرَاءَ، وَيَحْمِلُ مِذْرَاةً صَغِيرَةً، إِلَى آخِرِهِ". وَقُلْتُ، كَانَ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الصُورَةِ هُوَ صَدُّهُ بِالْهُجُومِ عَلَى كِبْرِيَائِهِ.
حَسَنًا، فَلْنُكَرِّسْ بَعْضَ الْوَقْتِ لِتَنَاوُلِ مَا يَقُولُهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنِ الشَيْطَانِ. اسْمُ "الشَيْطَانِ" نَفْسُهُ مَعْنَاهُ "الْخَصْمُ". وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ مُلَائِمٌ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ عَنْ طَبِيعَتِهِ. فَهُوَ لَيْسَ مُجَرَّدَ رَئِيسِ شَيَاطِينَ، مُدْمِنٍ عَلَى الشَرِّ، لَكِنَّهُ الْعَدُوُّ لِكُلِّ مَا هُوَ صَالِحٌ. فَهُوَ الْعَدُوُّ وَالْخَصْمُ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْمَسِيحِ. وَبِالطَبْعِ، أَكْثَرُ عَدُوٍّ مُحْتَقَرٍ لَدَيْهِ هُوَ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ. نَتَذَكَّرُ أَنَّهُ عِنْدَ السُقُوطِ، عِنْدَمَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ اللَّهِ تُجَاهَ سُقُوطِ آدَمَ وَحَوَّاءَ هُوَ صَبُّ لَعْنَةٍ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَعْنَةٍ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَلَعْنَةٍ عَلَى الرَجُلِ، صَبَّ لَعْنَتَهُ أَيْضًا عَلَى الْحَيَّةِ، الَتِي أَغْوَتْ آدَمَ وَحَوَّاءَ، وَقَالَ إِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ فَصَاعِدًا سَتَسْعَى عَلَى بَطْنِهَا. ثُمَّ تَنَبَّأَ بِأَنْ يَسْحَقَ نَسْلُ الْمَرْأَةِ رَأْسَ الْحَيَّةِ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، سَتَسْحَقُ الْحَيَّةُ عَقِبَ نَسْلِ الْمَرْأَةِ. نُسَمِّي ذَلِكَ "بْرُوتُو إِيفَانْجِيلْيُومْ"، أَوِ الوَعْدَ الْأَوَّلَ لِلْإِنْجِيلِ، الَّذِي قُطِعَ مِنْ وَسَطِ اللَعْنَةِ. فَقَدْ قُطِعَ وَعْدٌ بِالْفِدَاءِ الْمُسْتَقْبَلِيِّ، حَيْثُ سَيُسْحَقُ رَأْسُ الْحَيَّةِ. لَكِنْ مِنْ تِلْكَ اللَحْظَةِ، وَخِلَالَ بَقِيَّةِ تَارِيخِ الْفِدَاءِ، ظَهَرَ الشَيْطَانُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِصِفَتِهِ خَصْمًا لِشَعْبِ اللَّهِ.
مِنْ الْمُهِمِّ أَنْ نَفْهَمَ أَنَّنَا نَنْظُرُ إِلَى الشَيْطَانِ مِنْ مَنْظُورِ دِرَاسَتِنَا الْأَوْسَعِ فِي هَذِهِ السِلْسِلَةِ، لِلْمَلَائِكَةِ. فَفِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، كَمَا ذَكَرْتُ قَبْلًا، حَدَثَ تَحْرِيفَانِ كَبِيرَانِ لِشَخْصِ الشَيْطَانِ وَعَمَلِهِ. التَحْرِيفُ الْأَوَّلُ هُوَ الِانْتِقَاصُ مِنْ حَقِيقَتِهِ، بَلْ وَإِنْكَارُ وُجُودِهِ مِنَ الْأَسَاسِ، وَعَدَمُ أَخْذِهِ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدِّ عَلَى أَنَّهُ خَصْمٌ رُوحِيٌّ حَقِيقِيٌّ لَنَا.
التَحْرِيفُ الثَّانِي هُوَ نَسْبُ قُوَّةٍ وَأَهَمِّيَّةٍ إِلَيْهِ تَفُوقُ مَا يَتَمَتَّعُ بِهِ بِالْفِعْلِ. كَثِيرًا مَا تَأَثَّرَتِ الْكَنِيسَةُ بِالدِيَانَاتِ الثُنَائِيَّةِ، الَتِي تَعْتَبِرُ أَنَّ قُوَى الْخَيْرِ وَالشَرِّ، وَالنُورِ وَالظُلْمَةِ، هِيَ قُوًى مُتَسَاوِيَةٌ وَمُتَضَادَّةٌ، تَتَنَافَسُ فِيمَا بَيْنَهَا عَلَى السِيَادَةِ الْمُطْلَقَةِ. لَكِنَّ الْمَنْظُورَ الْكِتَابِيَّ لَا يَعْرِفُ مِثْلَ هَذِهِ الثُنَائِيَّةِ، لِأَنَّ الصِرَاعَ بَيْنَ اللَّهِ وَالشَيْطَانِ لَيْسَ تَنَافُسًا مُتَكَافِئًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. فَالشَيْطَانُ مَخْلُوقٌ. فَهُوَ كَائِنٌ مَخْلُوقٌ. وَهُوَ دَائِمًا وَفِي كُلِّ مَكَانٍ خَاضِعٌ لِقُوَّةِ الْخَالِقِ السِيَادِيَّةِ وَسُلْطَانِهِ. وَهُوَ لَيْسَ بِأَيِّ حَالٍ خَصْمًا مُسَاوِيًا لِلَّهِ نَفْسِهِ. وَكَمَخْلُوقٍ، هُوَ لَا يَتَّصِفُ بِأَيٍّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ غَيْرِ الْقَابِلَةِ لِلنَقْلِ.
حِينَ نَتَحَدَّثُ عَنْ صِفَاتِ اللَّهِ فِي الْعَقِيدَةِ عَنِ اللَّهِ، نُمَيِّزُ بَيْنَ الصِفَاتِ الْقَابِلَةِ لِلنَقْلِ وَغَيْرِ الْقَابِلَةِ لِلنَقْلِ. الصِفَاتُ الْقَابِلَةُ لِلنَقْلِ هِيَ الصِفَاتُ الَتِي يَتَمَتَّعُ بِهَا اللَّهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَيْنَا، أَوْ إِلَى الْمَخْلُوقِ، بِدَرَجَةٍ أَقَلَّ. فَبِإِمْكَانِنَا أَنْ نُظْهِرَ الصَلَاحَ مَثَلًا -لَيْسَ كَمَالَ الصَلَاحِ الْمَوْجُودِ فِي اللَّهِ، بَلْ اللَّهُ، الْكَائِنُ الصَالِحُ، يَنْقُلُ إِمْكَانِيَّةَ الصَلَاحِ إِلَى مَخْلُوقَاتِهِ. إِذَنْ، هَذِهِ صِفَةٌ قَابِلَةٌ لِلنَقْلِ. أَمَّا الصِفَاتُ غَيْرُ الْقَابِلَةِ لِلنَقْلِ فَهِيَ الصِفَاتُ الَتِي يَتَمَتَّعُ بِهَا اللَّهُ، وَلَيْسَ فَقَطْ لَا تُنْقَلُ إِلَى الْمَخْلُوقِ، بَلْ لَا يُمْكِنُ صَرَاحَةً نَقْلُهَا إِلَى الْمَخْلُوقِ.
فَمِنَ الْأُمُورِ الَتِي مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ اللَّهَ يَعْجِزُ عَنْ فِعْلِهَا هُوَ خَلْقُ إِلَهٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ مَا أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ إِلَهًا ثَانِيًا، لَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ الثَانِي أَزَلِيًّا، بَلْ سَيَكُونُ مَخْلُوقًا، بِحُكْمِ طَبِيعَتِهِ. فَسَتَكُونُ لَهُ بِدَايَةٌ فِي الزَمَنِ، مِنْ لَحْظَةِ خَلْقِ الْخَالِقِ الْأَصْلِيِّ لَهُ. إِذَنْ، حَتَّى اللَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْلُقَ إِلَهًا آخَرَ، لِأَنَّ كُلَّ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ يَكُونُ، بِحُكْمِ طَبِيعَتِهِ، مَخْلُوقًا.
لَكِنْ أَحْيَانًا، وَبِسَبَبِ اسْتِحْوَاذِ الشَيْطَانِ عَلَى اهْتِمَامِنَا، نَتَسَرَّعُ فِي نَسْبِ صِفَاتٍ إِلَيْهِ تَنْتَمِي إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ. حَذَّرَ مَارْتِنْ لُوثَرُ شَعْبَهُ بِشَأْنِ حَقِيقَةِ الشَيْطَانِ الْجَلِيَّةِ، وَقَالَ: "الشَيْطَانُ قَرِيبٌ مِنْكَ كَثِيَابِكَ". فَإِنْ كُنْتَ تَرْتَدِي قَمِيصًا، فَمَارْتْنْ لَوثَرُ يُحَذِّرُكَ مِنْ أَنَّ الشَيْطَانَ قَرِيبٌ مِنْكَ قُرْبَ قَمِيصِكَ مِنْ جَسَدِكَ. أَخْتَلِفُ مَعَ لَوْثَرَ فِي ذَلِكَ. وَأَرَى أَنَّهُ حِينَ تَحَدَّثَ لَوْثَرُ عَنْ قُرْبِ الشَيْطَانِ مِنَ الْبَشَرِ، كَانَ يَتَحَدَّثُ مِنْ وَاقِعِ خِبْرَتِهِ الشَخْصِيَّةِ، وَلَيْسَ مِنْ وَاقِعِ تَفْسِيرِهِ الْكِتَابِيِّ، لِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَكَّدِ أَنَّ مَارْتِنْ لُوثَرَ كَانَ يُدْرِكُ أَنَّ الشَيْطَانَ، كَمَخْلُوقٍ، لَا يَمْلِكُ قُدْرَةَ الْوُجُودِ الْكُلِّيِّ، وَأَنَّهُ كَمَخْلُوقٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَكَانٍ فِي آنٍ وَاحِدٍ. فَهُوَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْكَ أَنْتَ كَقَمِيصِكَ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ قَرِيبًا مِنْكَ أَنْتَ كَقَمِيصِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَيْنِ الْمَكَانَيْنِ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ.
لَكِنْ يَظْهَرُ شَخْصٌ عَلَى سَاحَةِ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، حَيَوِيٌّ فِي تَقَدُّمِ الْمَلَكُوتِ مِثْلُ مَارْتِنْ لُوثَرَ. أُدْرِكُ جَيِّدًا أَنَّ مَارْتِنْ لُوثَرَ عَاشَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ حَيَاتِهِ مُرْتَدِيًا هَذَا الْقَمِيصَ الشَيْطَانِيَّ الَذِي طَارَدَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَمِنْ خِبْرَاتِ لُوثَرَ، كَمَا أَشَرْتُ سَابِقًا، وَالَتِي دَعَاهَا "أَنْفِيشْتُونْجْ" (Anfechtung) الشَيْطَانِ، أَيْ الْهُجُومَ الْجَامِحَ وَالْقَاسِي مِنْ رَئِيسِ مَمْلَكَةِ الظُلْمَةِ عَلَيْهِ، يُمْكِنُ أَنْ نَفْهَمَ لِمَاذَا كَانَ الشَيْطَانُ هَدَفًا - أَعْنِي لِمَاذَا كَانَ لَوَثَرُ هَدَفًا لِلشَيْطَانِ. فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُسْقِطَ لُوثَرَ، يَكُونُ قَدْ قَضَى عَلَى الْإِصْلَاحِ.
لَكِنِّي أَظُنُّ أَنَّ لَنَا بَعْضَ التَعْزِيَةِ فِي أَنَّهُ مِنْ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ نَلْتَقِيَ خِلَالَ حَيَاتِنَا بِالشَيْطَانِ. فَهُوَ لَدَيْهِ فَرِيسَةٌ أَهَمُّ. فَإِنْ كَانَ سَيَهْجُمُ بِنَفْسِهِ عَلَى أَحَدِهِمْ، لَنْ يُطَارِدَنَا نَحْنُ الْبُسَطَاءَ. لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَدَيْهِ جَيْشٌ مِنْ الْأَتْبَاعِ، أَيِ الشَيَاطِينِ، الَذِينَ يُؤَدُّونَ الْعَمَلَ عَنْهُ. وَرُبَّمَا يُحِيطُ بِنَا هَؤُلَاءِ، وَيَقْتَرِبُونَ مِثْلَ ثِيَابِنَا. فَقَدْ يُحَاصِرُنَا مَبْعُوثُونَ شَيْطَانِيُّونَ، لِذَا يَجِبُ أَنْ نَحْتَرِسَ. لَكِنَّ رَئِيسَهُمْ نَفْسَهُ - مِنْ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ نَلْتَقِيَ أَنْتَ أَوْ أَنَا بِهِ يَوْمًا. وَأَقُولُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلِّيَّ الْوُجُودِ. فَهَذِهِ صِفَةٌ تَخُصُّ اللَّهَ وَحْدَهُ.
وَهُوَ لَيْسَ غَيْرَ مَحْدُودٍ، وَلَيْسَ كُلِّيَّ الْعِلْمِ. فَالشَيْطَانُ لَا يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ. الشَيْطَانُ مَخْلُوقٌ، وَهُوَ مَحْدُودٌ بِحُدُودِ طَبِيعَتِهِ الْمَخْلُوقَةِ. تَذَكَّرُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَعْظَمُ مِنَّا. فَالْمَلَائِكَةُ يَتَفَوَّقُونَ عَلَيْنَا فِي الْقُوَّةِ، وَعَلَى الْأَرْجَحِ يَتَفَوَّقُونَ عَلَيْنَا فِي الْمَعْرِفَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ أَدْنَى كَثِيرًا مِنْ مُسْتَوَى اللَّهِ نَفْسِهِ. إِذَنْ، دَعَوْنَا لَا نُخْطِئُ بِنَسْبِ صِفَاتٍ إِلَهِيَّةٍ إِلَى الشَيْطَانِ. فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ، نَحْنُ نُبَالِغُ فِي تَقْدِيرِهِ.
إِذَنْ كَيْفَ يَبْدُو حَقًّا؟ يُخْبِرُنَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ بِالْكَثِيرِ عَنْ طَبِيعَتِهِ وَكَيْنُونَتِهِ. أَوَّلًا، حِينَ ظَهَرَ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى فِي أُولَى صَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، دُعِيَ "الْمُحْتَالَ"، "أَحْيَلَ - أَوْ أَمْكَرَ - جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ". فَحِينَ اقْتَرَبَ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ، جَاءَ لِغِوَايَتِهِمَا، فِي مَكْرٍ شَدِيدٍ. تَكَلَّمْنَا عَنْ هَذِهِ الْغِوَايَةِ فِي سِلْسِلَةٍ أُخْرَى، لَكِنْ دَعُونِي أُذَكِّرُكُمْ كَيْفَ هَاجَمَتِ الْحَيَّةُ أَبَوَيْنَا الْأَوَّلَيْنِ. فَقَدْ طَرَحَتْ عَلَى حَوَّاءَ سُؤَالًا هُوَ: "أَحَقًّا قَالَ اللَّهُ لَا تَأْكُلَا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟" هَذَا السُؤَالُ سَخِيفٌ مِنْ نَاحِيَةٍ. فَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ لَهُمَا أَلَّا يَأْكُلَا مِنْ كُلِّ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ، بَلْ فِي الْوَاقِعِ، قَالَ اللَّهُ لِمَخْلُوقَاتِهِ: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ بِحُرِّيَّةٍ، بِاسْتِثْنَاءِ وَاحِدَةٍ". لَكِنْ جَاءَ الشَيْطَانُ قَائِلًا: "أَحَقًّا قَالَ اللَّهُ إِنَّهُ لَا يُمْكِنُكُمَا الْأَكْلُ مِنْ أَيِّ شَجَرَةٍ؟" أَيْنَ الدَهَاءُ فِي ذَلِكَ؟
جَانْ بُولْ سَارْتَرْ، فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، حِينَ قَدَّمَ حُجَجَهُ ضِدَّ وُجُودِ اللَّهِ، بُنِيَتْ إِحْدَى الْحُجَجِ عَلَى افْتِرَاضِ حُرِّيَّةِ الْإِنْسَانِ. وَقَالَ إِنَّهُ إِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ حُرًّا حَقًّا، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَوْجُودًا، لِأَنَّهُ طَالَمَا هُنَاكَ إِلَهٌ يُمْلِي الْقَوَانِينَ، مَهْمَا كَانَتْ بَسِيطَةً، أَيْ طَالَمَا كَانَ لِلَّهِ سِيَادَةٌ، لَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا. فَالِاسْتِقْلَالُ يَعْنِي أَنْ تَكُونَ قَاعِدَةً لِنَفْسِكَ - قَانُونًا لِنَفْسِكَ، وَألَّا تُقَدِّمَ حِسَابًا لِأَحَدٍ. وَالرَّأْيُ الْكِتَابِيُّ هُوَ أَنَّ اللَّهَ حُرٌّ، وَهُوَ يَخْلُقُ خَلِيقَتَهُ، وَيَمْنَحُ الْبَشَرَ الْحُرِّيَّةَ، لَكِنَّ هَذِهِ الْحُرِّيَّاتِ مَحْدُودَةٌ بِأَحْكَامِ اللَّهِ. وَقَالَ سَارْتَرْ إِنَّكَ مَا لَمْ تَكُنْ حُرًّا تَمَامًا، فَأَنْتَ لَسْتَ حُرًّا بِالْحَقِيقَةِ. فَمَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِلًّا، لَنْ تَكُونَ حُرًّا الْبَتَّةَ.
هَذَا الْفَيْلَسُوفُ رَفِيعُ الشَّأْنِ، فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، قَدَّمَ الْحُجَّةَ نَفْسَهَا الَتِي قَدَّمَتْهَا الْحَيَّةُ فِي الْجَنَّةِ، لِأَنَّ الِافْتِرَاضَ الْمَاكِرَ هُوَ: "يَا حَوَّاءُ، مَا دَامَ اللَّهُ قَدْ وَضَعَ قَيْدًا عَلَى هَذِهِ الشَجَرَةِ، فَهُوَ إِذَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ لَكُمَا أَلَّا تَأْكُلَا مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ". ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ الْمَكْرِ إِلَى الْهُجُومِ الْمُبَاشِرِ، قَائِلًا... أَجَابَتْهُ حَوَّاءُ: "قَالَ لَنَا اللَّهُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْ كُلِّ الشَجَرِ، لَكِنْ إِنْ أَكَلْنَا مِنْ هَذِهِ بِالذَاتِ سَنَمُوتُ". فَأَجَابَ الشَيْطَانُ: "لَنْ تَمُوتَا، بَلْ تَكُونَانِ كَاللَّهِ". وَكَانَ هَذَا هُوَ الْإِغْرَاءُ الَذِي قُدِّمَ لِأَبَوَيْنَا الْأَوَّلَيْنِ؛ لَيْسَ فَقَطْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، بَلِ بِالتَّأْلِيهِ.
وُصِفَ الشَيْطَانُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِأَنَّهُ كَذَّابٌ. وَنَقْرَأُ أَنَّهُ كَانَ كَذَّابًا مُنْذُ الْبَدْءِ، وَأَنَّهُ أَبُو الْكَذَّابِ. وَمَرَّةً أُخْرَى، مَا أَدَّى إِلَى دُخُولِهِ تَارِيخَ الْفِدَاءِ هُوَ الْكِذْبَةُ الْكُبْرَى الَتِي قَالَهَا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ، وَشَمَلَتْ وَعْدًا بِالِاسْتِقْلَالِ: "إِنْ أَرَدْتُمَا الْحُرِّيَّةَ فِعْلًا، إِنْ أَكَلْتُمَا مِنْ هَذِهِ، فَإِنَّكُمَا تُؤَكِّدَانِ اسْتِقْلَالِيَّتَكُمَا، وَتَطْرَحَانِ عَنْكُمَا نِيرَ هَذَا الْإِلَهِ الْمُقَيِّدِ، وَتَكُونَانِ كَاَللَّهِ. سَتَكُونَانِ آلِهَةً، وَلَنْ تَعُودَا خَاضِعَيْنِ لَهُ". هَذِهِ كِذْبَةٌ. وَمَعَ ذَلِكَ، كُلَّمَا أَخْطَأْنَا، نُصَدِّقُ الْكَذِبَ. لِأَنَّهُ كُلَّمَا أَخْطَأْنَا، نُفَضِّلُ رَغَبَاتِنَا عَلَى رَغَبَاتِ اللَّهِ. وَنُنْكِرُ حَقَّ اللَّهِ فِي أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْنَا. فَبِأَبْسَطِ خَطِيَّةٍ، نَرْتَكِبُ خِيَانَةً عُظْمَى، لِأَنَّنَا نُحَاوِلُ الْإِطَاحَةَ بِمُلْكِ اللَّهِ عَلَى حَيَاتِنَا، غَيْرَ رَاغِبِينَ أَنْ يَمْلِكَ اللَّهُ عَلَيْنَا، مُصَدِّقِينَ هَذِهِ الْكِذْبَةَ الَتِي قِيلَتْ مِنَ الْبَدْءِ.
إِذَنْ، هُوَ حَاذِقٌ وَمَاكِرٌ. لَيْسَ هَذَا فَحَسْبُ، لَكِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يَصِفُ الشَيْطَانَ بِأَنَّهُ قَوِيٌّ بِشَكْلٍ لا يُصَدَّقُ. هُوَ لا يُضَاهِي اللهَ، أَوْ يُضَاهِي الرُوحَ الْقُدُسَ. فَهُوَ لَيْسَ كُلِّيَّ الْقُدْرَةِ، لَكِنَّهُ قَوِيٌّ، وَأَقْوَى مِنَّا. تَذْكُرُونَ حِينَ قَالَ ربُّنا لِسِمْعانَ إِنَّهُ سَيَخُونُهُ وَيُنْكِرُهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، احْتَجَّ بُطْرُسُ قَائِلًا إِنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. أَتَذْكُرُونَ مَا قَالَهُ يَسُوعُ؟ "سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!" "أَنْتَ تَظُنُّ أَنَّكَ قَوِيٌّ، لَكِنَّكَ فَرِيسَةٌ سَهْلَةٌ. أَنْتَ مُهِمَّةٌ سَهْلَةٌ عِنْدَ رَئِيسِ مَمْلَكَةِ الظُلْمَةِ". كَانَ الشَيْطَانُ أَقْوَى كَثِيرًا مِنْ بُطْرُسَ. وَالصُورَةُ الَتِي وُصِفَ بِهَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ هُوَ أَنَّهُ أَسَدٌ زَائِرٌ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ.
الْأَسَدُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ دَائِمًا رَمْزٌ لِلْقُوَّةِ. وَقَدْ اسْتُخْدِمَ إِيجَابِيًّا عَنْ أَسَدِ يَهُوذَا، أَيِ الْمَلِكِ الَذِي سَيَتَمَتَّعُ بِقُوَّةِ مَلْكِ الْحَيَوَانَاتِ. لَكِنْ فِي التَطْبِيقِ السَلْبِيِّ لِلْكَلِمَةِ، وُصِفَ الشَيْطَانُ بِأَنَّهُ أَسَدٌ زَائِرٌ، لَيْسَ بِوُسْعِنَا مُضَاهَاتُهُ. لَكِنْ، كَمَا قُلْتُ، لَيْسَ لِلشَيْطَانِ الصِفَةُ الْإِلَهِيَّةُ لِلْقُدْرَةِ الْكُلِّيَّةِ. فَقُوَّتُهُ مَحْدُودَةٌ.
وَهُنَاكَ صُورَةٌ أُخْرَى فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ تُوحِي بِأَنَّهُ بِقَدْرِ قُوَّةِ هَذَا الْأَسَدِ، الَذِي يُحَاوِلُ ابْتِلَاعَنَا، لَكِنَّ قُوَّتَهُ وَمَكْرَهُ يُمْكِنُ مُقَاوَمَتُهُمَا. وَنَقْرَأُ هَذِهِ النَصِيحَةَ، بِأَنْ نُقَاوِمَهُ. وَمَاذَا سَيَفْعَلُ؟ سَيَهْرُبُ مِنَّا. أَتَخَيَّلُ فِي ذِهْنِي هَذَا الْأَسَدَ الضَخْمَ، وَالْمَفْتُولَ الْعَضَلَاتِ، يَقْتَرِبُ مِنَّا وَيَزْأَرُ وَيُكَشِّرُ عَنْ أَنْيَابِهِ. لَكِنْ إِنْ قَاوَمْنَاهُ، سَيُصَابُ بِالذُعْرِ وَيَنْسَحِبُ فِي جُبْنٍ.
فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ، نَتَعَلَّمُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَدَيْهِ قُوَّةٌ، غَيْرُ مُتَأَصِّلَةٍ فِي بَشَرِيَّتِنَا، لَكِنَّهَا قُوَّةٌ أَعْظَمُ مِنْ قُوَّةِ الشَيْطَانِ، وَهِيَ قُوَّةُ الرُوحِ الْقُدُسِ. فَإِنَّنَا نَقْرَأُ: "الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ". فَحِينَ نَتَسَلَّحُ، وَنَلْبَسُ سِلَاحَ اللَّهِ الْكَامِلَ، وَيَسْكُنُ فِينَا الرُوحُ الْقُدُسُ، تَكُونُ لَدَيْنَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْقُوَّةُ لِمُقَاوَمَةِ الشَيْطَانِ وَهَزِيمَتِهِ.
أَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ تَرْنِيمَةُ "اللهُ مَلْجَأٌ لَنَا"، الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الْمَزْمُورِ 46، مَحْبُوبَةً لَدَيْكُمْ. فَيَا لِلِاهْتِمَامِ الَذِي تُولِيهِ تِلْكَ التَرْنِيمَةُ، الَتِي تَرَى اللَّهَ مَلْجَأً لَنَا، لِكَوْنِهِ قُوَّتَنَا الشَدِيدَةَ، الَذِي يُدَافِعُ عَنَّا ضِدَّ الشَيْطَانِ، وَضِدَّ عَالَمٍ مَلِيءٍ بِشَيَاطِينَ يُهَدِّدُونَ بِإِبَادَتِنَا. لَكِنَّ اللَّهَ أَعْطَانَا قُوَّةَ كَلِمَتِهِ، قُوَّةَ الْحَقِّ، وَقُوَّةَ الرُوحِ - "فَالرُّوحُ وَالْمَوَاهِبُ لَنَا" إِلَى آخِرِهِ- وَبِهَا نَسْتَطِيعُ هَزِيمَةَ قُوَّاتِ الْجَحِيمِ هَذِهِ. بَعْدَ مَوْتِ لَوثَرَ، كَانَ تِلْمِيذُهُ الرَئِيسِيُّ، فِيلِيبْ مِيلَانْكِثُونْ، يَقُولُ لِأَتْبَاعِهِ فِي أَوْقَاتِ الشِدَّةِ، وَكُلَّمَا شَعَرُوا بِالْإِحْبَاطِ: "دَعُونَا نُرَتِّلُ الْمَزْمُورَ 46. لِنُنْشِدْ "اللهُ مَلْجَأٌ لَنَا". إِذَنْ، يُمْكِنُ مُقَاوَمَةُ الشَيْطَانِ.
لَكِنْ هُنَاكَ الْمَزِيدُ الَذِي يَجِبُ أَنْ نَعْرِفَهُ وَنَفْهَمَهُ عَنِ الشَيْطَانِ. وَسَنَتَطَرَّقُ إِلَى ذَلِكَ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْقَادِمَةِ.