المحاضرة 6: عِبَادَةُ الْمَلائِكَةِ؟

اخْتَتَمْنَا مُحَاضَرَتَنَا السَابِقَةَ فِي دِرَاسَتِنَا لِلْمَلَائِكَةِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِإِلْقَاءِ نَظْرَةٍ سَرِيعَةٍ عَلَى الْمَقْطَعِ فِي يَشُوعَ والأَصْحَاحِ 5، حَيْثُ نَرَى ظُهُورًا لِرَئِيسِ، أَوْ قَائِدِ، جُنْدِ الرَبِّ، الَذِي سَجَدَ يَشُوعُ أَمَامَهُ فِي عِبَادَةٍ. وَأَثَارَ ذَلِكَ مَسْأَلَةَ صِحَّةِ تَقْدِيمِ الْعِبَادَةِ أَوْ التَبْجِيلِ لِكَائِنَاتٍ مَلَائِكِيَّةٍ. وَمَثَّلَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةً كُبْرَى قَدِيمًا بِظُهُورِ بَعْضِ الدِيَانَاتِ الشَرْقِيَّةِ الَتِي مَارَسَتْ عَلَانِيَةً عِبَادَةَ الْمَلَائِكَةِ ضِمْنَ نِظَامِهَا. وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَانَ عَلَى جَمَاعَةِ الْكَنِيسَةِ الْأُولَى مُوَاجَهَتُهَا، لِأَنَّ بَعْضَ الْمَسِيحِيِّينَ الْجُدُدِ جَلَبُوا هَذِهِ الْأَفْكَارَ مَعَهُمْ مِنْ الثَقَافَةِ الْوَثَنِيَّةِ. وَبِهَذَا، بَرَزَتْ مُشْكِلَةُ وُجُودِ مَسِيحِيِّينَ مُتَوَرِّطِينَ فِي عِبَادَةِ الْمَلَائِكَةِ. وَرِسَالَةُ بُولُسَ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِي، مَثَلًا، وَاحِدَةٌ مِنْ رَسَائِلِهِ الَتِي تَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ تَحْدِيدًا. لَكِنَّ أَكْثَرَ مَوْضِعٍ نَجِدُ فِيهِ نَظْرَةً شَامِلَةً عَنْ سُمُوِّ الْمَسِيحِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ هُوَ الرِسَالَةُ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ.

تَذَكَّرُوا، مُجَدَّدًا، أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَائِنَاتٌ سَمَاوِيَّةٌ، وَهُمْ يَأْتُونَ مِنْ مَحْضَرِ اللَّهِ. لَكِنْ مَعَ كَوْنِهِمْ كَائِنَاتٍ سَمَاوِيَّةً، لَا يَزَالُونَ مَخْلُوقَاتٍ. وَتَقْدِيمُ الْعِبَادَةِ لِمَخْلُوقٍ مَهْمَا كَانَتْ أَهَمِّيَّتُهُ أَوْ مَرْتَبَتُهُ هُوَ تَوَرُّطٌ فِي خَطِيَّةِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ. وَمُجَدَّدًا، نَتَذَكَّرُ تَعْلِيمَ بُولُسَ لِأَهْلِ رُومِيَةَ، فِي الْأَصْحَاحِ ۱، بِأَنَّ "غَضَبَ اللَّهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالْإِثْمِ"، إِلَى آخِرِهِ. وَقَدْ أَشَارَ مُنْذُ الْأَصْحَاحِ ۱ إِلَى مَيْلِنَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ - أَيْ اسْتِبْدَالِ حَقِّ اللَّهِ بِالْكَذِبِ، وَاتِّقَاءِ وَعِبَادَةِ الْمَخْلُوقِ دُونَ الْخَالِقِ. وَالْوَصِيَّةُ الْأُولَى، وَالْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ، وَالْوَصِيَّةُ الثَّالِثَةُ، وَالْوَصِيَّةُ الرَّابِعَةُ جَمِيعُهَا تَنْهَى، بِطَرِيقَةٍ أَوْ بِأُخْرَى، عَنْ أَيِّ تَوَرُّطٍ فِي عِبَادَةِ الْمَخْلُوقِ.

لِنَنْتَقِلِ الآنَ إِلَى الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ، وَالأَصْحَاحِ ۱، حَيْثُ نَقْرَأُ فِي الآيَةِ الأُولَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ: "اللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الْآبَاءَ بِالْأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ". دَعُونِي أَتَوَقَّفُ هُنَا قَلِيلًا. لَيْسَ هَذَا هُوَ النَصُّ الْوَحِيدُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الَذِي يُعْلِنُ أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ خَالِقُ الْكَوْنِ. فَفِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، اللُوجُوسُ، الَذِي ظَهَرَ فِي تَجَسُّدِ يَسُوعَ، هُوَ الَذِي بِهِ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ. وَتُشَدِّدُ رِسَالَةُ كُولُوسِي أَيْضًا عَلَى مَا نُسَمِّيهِ "الْمَسِيحَ الْكَوْنِيَّ"، الَذِي هُوَ خَالِقُ الْكَوْنِ. وَبِهَذَا، فَالْأُمُورُ الَتِي تُظْهِرُ أَوْ تَلْفِتُ الِانْتِبَاهَ إِلَى تَفَرُّدِ الْمَسِيحِ، فِي هَذِهِ الِافْتِتَاحِيَّةِ، هِيَ سَبَبُ كَوْنِهِ الْإِعْلَانَ الْكَامِلَ عَنِ اللَّهِ. تَكَلَّمَ اللَّهُ بِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَفِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَبِأَسَالِيبَ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْمَاضِي، لَكِنَّهُ تَكَلَّمَ الْآنَ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ، فِي ذَاكَ الَذِي هُوَ وَارِثُ اللَّهِ، وَهُوَ الْخَالِقُ.

فَالْمَسِيحُ وَحْدَهُ هُوَ الْمُعَيَّنُ وَارِثًا لِلْآبِ. نَحْنُ نَصِيرُ شُرَكَاءَ مَعَهُ فِي الْمِيرَاثِ بِفَضْلِ تَبَنِّينَا، لَكِنَّ الْمَسِيحَ وَحْدَهُ يَتَمَتَّعُ بِالْعَلَاقَةِ الطَبِيعِيَّةِ - إِنْ جَازَ التَّعْبِيرُ - أَوِ الْجَوْهَرِيَّةِ بِالْآبِ، بِصِفَتِهِ الِابْنَ الْوَحِيدَ لِلْآبِ، وَالْوَرِيثَ الشَّرْعِيَّ لِلَّهِ. فَهُوَ يَقُولُ: "الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ" - ثُمَّ الآيَةُ التَالِيَةُ، وَهِيَ آيَةٌ مُذْهِلَةٌ -"الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الْأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ". هَذِهِ أَسْمَى كْرِيسْتُولُوجْيَا يُمْكِنُ إِيجَادُهَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَحِينَ نُفَكِّرُ فِي مَجْدِ اللَّهِ، وَفِي الْجَلَالِ الْمُتَأَلِّقِ الَذِي يَسْطَعُ مِنْ آنٍ لِآخَرَ عَبْرَ التَارِيخِ الْكِتَابِيِّ، وَفِي ذَلِكَ الْمَجْدِ، كَمَا ظَهَرَ فِي سَحَابَةِ الشَكِينَةِ، أَوْ الْمَجْدِ الَذِي أَحَاطَ بِظُهُورِ الْمَلَائِكَةِ فِي بَيْتِ لَحْمٍ، كَمَا ذَكَرْنَا، أَوْ سَحَابَةِ الْمَجْدِ الَتِي أَخَذَتِ الْمَسِيحَ فِي الصُعُودِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، نَجِدُ أَنَّ ضَوْءًا سَاطِعًا ارْتَبَطَ بِمَجْدِ اللَّهِ. وَمَا يَقُولُهُ كَاتِبُ الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ هُوَ أَنَّ الِابْنَ هُوَ بَرِيقُ ذَلِكَ الْمَجْدِ، أَيْ إِنَّهُ يَنْتَمِي إِلَى جَوْهَرِ الْكَائِنِ الْإِلَهِيِّ.

مُجَدَّدًا، فِي الْحِقْبَةِ الْكِتَابِيَّةِ، كَانَ نَسَبُ الْمَجْدِ يَعْنِي نَسَبَ الْأُلُوهَةِ. فَقَدْ كَانَ الْمَجْدُ صِفَةً إِلَهِيَّةً. وَنَرَى أَنَّهُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ أَهَمِّ التَرَانِيمِ الْقَدِيمَةِ لِلْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ، وَهِيَ "جْلُورْيَا بَاتْرِي"، مَاذَا نَقُولُ؟ "الْمَجْدُ لِلْآبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" - أَيْ إِنَّ أَقَانِيمَ اللَاهُوتِ الثَلَاثَةَ جَمِيعَهُمْ مُتَسَرْبِلُونَ بِالْمَجْدِ - "كَمَا كَانَ فِي الْبَدْءِ، وَالْيَوْمِ، وَإِلَى الْأَبَدِ" - أَيْ إِنَّ هَذَا مَفْهُومٌ سَرْمَدِيٌّ عَنِ الْمَجْدِ الْإِلَهِيِّ، لَا بِدَايَةَ وَلَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الزَمَنِ. فَهُوَ شَيْءٌ يَسْتَمِرُّ إِلَى الْأَبَدِ. وَهُنَا، فِي الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ، نَجِدُ تَأْكِيدًا عَلَى مَجْدِ الْمَسِيحِ، بِصِفَتِهِ بَهَاءَ مَجْدِ الْآبِ، وَرَسْمَ جَوْهَرِهِ.

أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَعْنِي أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ نَاسُوتِ يَسُوعَ الْمُتَجَسِّدِ، الَذِي بِهِ أَظْهَرَ يَسُوعُ كَمَالَ صُورَةِ اللَّهِ، كَمَا لَمْ يَفْعَلْ أَيُّ إِنْسَانٍ آخَرَ. فَحِينَ أَخْفَقَ آدَمُ فِي أَنْ يُطِيعَ، فَشِلَ فِي أَنْ يُظْهِرَ وَيَعْكِسَ قَدَاسَةَ اللَّهِ، وَهَذِهِ خَطِيَّةُ كُلِّ إِنْسَانٍ. نَحْنُ لَا نَزَالُ عَلَى صُورَةِ اللَّهِ مِنْ نَاحِيَةٍ، لَكِنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ تَلَطَّخَتْ وَتَشَوَّهَتْ، لِأَنَّنَا لَا نَعْكِسُ بِدِقَّةٍ كَمَالَ قَدَاسَةِ اللَّهِ. لَكِنَّ هَذَا مَا خُلِقْنَا لِأَجْلِهِ. وَبِالطَبْعِ، الشَخْصُ الْوَحِيدُ الَذِي حَقَّقَ هَذَا الِانْعِكَاسَ الْكَامِلَ، أَوْ الْإِظْهَارَ، لِلْقَدَاسَةِ الْإِلَهِيَّةِ، هُوَ يَسُوعُ فِي نَاسِوَتِهِ. إِذَنْ، عِنْدَمَا نَقْرَأُ هَذَا النَصَّ الْقَائِلَ إِنَّهُ رَسْمُ جَوْهَرِهِ، رُبَّمَا نَقُولُ إِنَّهُ الْحَامِلُ الْكَامِلُ لِلصُورَةِ، وَإِنَّ هَذَا يُشِيرُ إِلَى نَاسُوَتِهِ.

رُبَّمَا هَذَا مَا قَصَدَهُ الْكَاتِبُ، لَكِنَّنِي لَا أَظُنُّ ذَلِكَ. لِأَنَّهُ يَتَحَدَّثُ عَنْ كَوْنِهِ بِهَاءَ مَجْدِ اللَّهِ. هَذَا تَأْكِيدٌ عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ. وَهُوَ رَسْمُ جَوْهَرِ الْأُقْنُومِ الْإِلَهِيِّ لِلْآبِ. وَأَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا تَعْبِيرٌ عَنِ الْكَلِمَةِ الْأَزَلِيِّ، الَذِي هُوَ التَعْبِيرُ الْأَزَلِيُّ عَنِ الْأُلُوهِيَّةِ، فِي الْكَلِمَةِ. يَبْدُو أَنَّ هَذَا هُوَ سِيَاقُ حَدِيثِهِ فِي هَذَا النَصِّ.

لَكِنْ مَرَّةً أُخْرَى، هَذَا كُلُّهُ يُمَهِّدُ لِمَا جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، حَيْثُ يَقُولُ: "وَحَامِلٌ كُلَّ الْأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الْأَعَالِي، صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ". رُبَّمَا انْتَقَلَ التَرْكِيزُ هُنَا إِلَى خِدْمَةِ الْمَسِيحِ الْمُتَجَسِّدِ، لِأَنَّهُ بَدِيهِيًّا لَا يُرْفَعُ مِنْ شَأْنِ الطَبِيعَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ نَتِيجَةَ الْخِدْمَةِ الْأَرْضِيَّةِ. فَالتَعْظِيمُ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ هُوَ تَعْظِيمٌ لِلْمَسِيحِ الْمُتَجَسِّدِ فَوْقَ الْمَلَائِكَةِ. فَتَذَكَّرُوا أَنَّهُ فِي الْخَلْقِ، كَمَا يُخْبِرُنَا كَاتِبُ الْمَزْمُورِ، عِنْدَمَا طَرَحَ السُؤَالَ: "إِذَا أَرَى سَمَاوَاتِكَ عَمَلَ أَصَابِعِكَ، الْقَمَرَ وَالنُّجُومَ الَتِي كَوَّنْتَهَا، فَمَنْ هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ؟ وَابْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَتَنْقُصَهُ" - مَاذَا؟ "قَلِيلًا عَنِ الْمَلَائِكَةِ". إِذَنْ، الْبَشَرُ رُتْبَةٌ مِنْ الْخَلِيقَةِ أَدْنَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَالْمَلَائِكَةُ رُتْبَةٌ أَعْلَى. إِذَنْ، يَسُوعُ الْمُتَجَسِّدُ، عِنْدَمَا تَسَرْبَلَ بِالنَاسُوتِ، أَيِ الطَبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، كَانَ عَلَى الْأَقَلِّ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ أَدْنَى مِنْ الْمَلَائِكَةِ. لَكِنَّ الْأَمْرَ لَا يَنْتَهِي هُنَا، بَلْ لِنَنْظُرْ إِلَى هَذَا.

"صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ". لَا يُخْبِرُنَا النَصُّ مَا هُوَ هَذَا الِاسْمُ، الْأَفْضَلُ، الَذِي وَرِثَهُ يَسُوعُ. رُبَّمَا فِي ضَوْءِ السِيَاقِ الْمُبَاشِرِ لِهَذَا الْمَقْطَعِ، الِاسْمُ الْأَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يُشِيرُ بِبَسَاطَةٍ إِلَى لَقَبِ "الِابْنِ"، الَذِي هُوَ مِحْوَرُ الِاهْتِمَامِ هُنَا. مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، نَقْرَأُ عَنِ اكْتِسَابِ يَسُوعَ اسْمًا نَتِيجَةَ طَاعَتِهِ الْكَامِلَةِ، وَهَذَا الِاسْمُ لَيْسَ "ابْنًا"، بَلْ الِاسْمُ هُوَ "رَبٌّ". نَجِدُ ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ بُولُسَ إِلَى أَهْلِ فِيلِبِّي، حَيْثُ يَحُثُّنَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَنَا هَذَا الْفِكْرُ الَذِي كَانَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لِلهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ" - لم يُخْلِ نَفْسَهُ بِالتَأْكِيدِ مِنْ أُلُوهِيَّتِهِ، بَلْ أَخْلَى نَفْسَهُ مِنِ امْتِيَازَاتِهِ، وَمِنْ مَجْدِهِ، وَمِنْ تَمْجِيدِهِ - "آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ، وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ". إِذَنْ، يَقُولُ بُولُسُ هُنَا: "انْظُرُوا هَذَا النَمُوذَجَ الَذِي قَدَّمَهُ لَنَا الْمَسِيحُ، الَذِي تَخَلَّى عَنِ امْتِيَازَاتِهِ الَتِي كَانَ يَتَمَتَّعُ بِهَا فِي السَمَاءِ، لِيَتَنَازَلَ إِلَى وَضَاعَتِنَا، وَلِيَأْخُذَ بَشَرِيَّتَنَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَتَحَمَّلَ الذُلَّ نِيَابَةً عَنَّا". وَهَكَذَا يَجِبُ أَنْ نَسْلُكَ تُجَاهَ إِخْوَتِنَا وَأَخَوَاتِنَا، غَيْرَ رَاغِبِينَ فِي الْحِفَاظِ عَلَى مَكَانَتِنَا أَوْ مَنْزِلَتِنَا، بَلْ مُسْتَعِدِّينَ لِلتَخَلِّي عَنْهَا لِمَنْفَعَةِ الْآخَرِينَ.

ثُمَّ خِتَامًا يَقُولُ بُولُسُ: "لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ". وَهُنَا نَقْرَأُ عَنِ الِاسْمِ الَذِي أُعْطِيَ لِلْمَسِيحِ مِنَ اللَّهِ. وَالِاسْمُ الَذِي أُعْطِيَ لَهُ - مَكْتُوبٌ أَنَّ لِاسْمِ يَسُوعَ سَتَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ، "وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ، لِمَجْدِ اللَّهِ الْآبِ". إِذَنْ، الِاسْمُ الَذِي فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لَيْسَ هُوَ يَسُوعَ، بَلْ الِاسْمُ الَذِي فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ هُوَ الِاسْمُ الَذِي أُعْطِيَ لَهُ، بِحَيْثُ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِ يَسُوعَ يَتَجَاوَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ مَعَ هَذَا الِاسْمِ الَذِي أُعْطِيَ لَهُ، وَهُوَ اللَقَبُ الْقَاصِرُ عَلَى اللَهِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، لَقَبُ "أَدُونَايْ"، أَوْ "كِيرْيُوسْ" فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. وَلِهَذَا كَانَ أَوَّلُ اعْتِرَافِ إِيمَانٍ لِلْجَمَاعَةِ الْمَسِيحِيَّةِ الْأُولَى هُوَ بِبَسَاطَةٍ "يِيسُوسْ هُو كِيرْيُوسْ" (Jesus ho Curios)، أَيْ يَسُوعُ هُوَ رَبٌّ، وَهُوَ مَا يَعْكِسُ الْعَمَلَ الَذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الرَسُولُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ نَفْسَهُ أَعْطَى لَقَبَهُ لِابْنِهِ.

هَذَا هُوَ السِيَاقُ الأَوْسَعُ لِلاسْمِ الأَعْظَمِ. لَكِنَّ السِيَاقَ الْمُبَاشِرَ لِلرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ يُشِيرُ إِلَى مَفْهُومِ الْبُنُوَّةِ. وَلْنَتَحَدَّثْ عَنْ ذَلِكَ. اسْتَخْدَمَ الْكَاتِبُ السُؤالَ الْبَلاغِيَّ هُنَا بِبَرَاعَةٍ شَدِيدَةٍ، إِذْ قَالَ: "لِأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ قَطُّ: "أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ"؟" فَهُوَ لا يَدْعُو الْمَلائِكَةَ أَبْنَاءً. فَالْمَلَائِكَةُ خُدَّامٌ لا أَبْنَاءٌ. "وَأَيْضًا: "أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا"؟ وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ...".

وَالْآنَ دَعُونِي أَذْكُرُ شَيْئًا مِنَ الْمَاضِي. فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، هَذِهِ الْمَقَاطِعُ الَتِي أَقْرَأُهَا الْآنَ مِنَ الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ، وَغَيْرِهَا، هِيَ الَتِي دَعَمَتْ وَاحِدَةً مِنْ أَسْوَأِ الْهَرْطَقَاتِ الَتِي كَانَ عَلَى الْكَنِيسَةِ مُوَاجَهَتُهَا، وَهِيَ الْهَرْطَقَةُ الْأَرْيُوسِيَّةُ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ، الَّتِي أَدَّتْ إِلَى عَقْدِ مَجْمَعِ نِيقِيَّةَ. لِأَنَّ الْكَنِيسَةَ كَانَتْ مُهَدَّدَةً بِالِانْقِسَامِ بَيْنَ الْأَرْيُوسِيِّينَ، الَذِينَ كَانُوا وَحْدَوِيِّينَ، وَالْمَسِيحِيِّينَ قَوِيمِي الْإِيمَانِ الَذِينَ كَانُوا ثَالُوثِيِّينَ. كَانَ أَرْيُوسُ يَتَبَنَّى مَذْهَبَ التَبَنِّي بِشَأْنِ الْمَسِيحِ، الَذِي لَنْ نَخُوضَ فِيهِ هُنَا، بَلْ فَقَطْ سَنَذْكُرُهُ سَرِيعًا. فَقَدْ قَالَ إِنَّ نَصَّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ يَدْعُو يَسُوعَ الِابْنَ الْوَحِيدَ لِلْآبِ، وَبِكْرَ كُلِّ خَلِيقَةٍ، مِثْلَمَا دُعِيَ هُنَا فِي الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ. وَالْحُجَّةُ الَتِي قَدَّمَهَا أَرْيُوسُ هِيَ أَنَّ الْبِكْرَ أَوْ الْمَوْلُودَ -حَيْثُ إِنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ "يَلِدُ" -وَهُوَ "جِينُومَايْ" أَوْ "جِنَاوْ" - مَعْنَاهُ "يَكُونُ، أَوْ يُصْبِحُ، أَوْ يَحْدُثُ"، وَهِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ عَادَةً لِلْإِشَارَةِ إِلَى شَخْصٍ لَهُ بِدَايَةٌ فِي الزَمَنِ. إِذَنْ، إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ مَوْلُودًا، فَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي وَقْتٍ مَا. إِذَنْ، قَالَ أَرْيُوسُ إِنَّهُ بِمَا أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يَقُولُ إِنَّ يَسُوعَ هُوَ الْبِكْرُ أَوْ الِابْنُ الْوَحِيدُ لِلْآبِ - أَيْ إِنْ كَانَ يَقُولُ إِنَّهُ مَوْلُودٌ - فَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهُ مَخْلُوقٌ. رُبَّمَا يَكُونُ الْمَخْلُوقَ الْأَسْمَى، أَوْ أَوَّلَ خَلِيقَةِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ كُلَّ شَيْءٍ آخَرَ. وَرُبَّمَا يَكُونُ خَالِقَ الْكَوْنِ. وَالْفِكْرَةُ هُنَا هِيَ أَنَّهُ رُبَّمَا خَلَقَ اللَّهُ أَوَّلًا هَذَا اللُوجُوسَ، أَوْ هَذَا الْمَخْلُوقَ، ثُمَّ أَعْطَاهُ السُلْطَانَ أَنْ يَخْلُقَ بَقِيَّةَ الْعَالَمِ، وَهَذَا رَأْيُ الْمُورْمُونِ وَشُهُودِ يَهْوَه، مَثَلًا. فَيَسُوعُ مُمَجَّدٌ، لَكِنَّهُ يَظَلُّ مَخْلُوقًا. وَهَذَا مَا قَالَهُ أَرْيُوسُ.

وَأَجَابَ أَثَنَاسْيُوسُ وَالْآخَرُونَ فِي مَجْمَعِ نِيقِيَّةَ قَائِلِينَ: "كَلَّا". وَإِنْ أَلْقَيْتُمْ نَظْرَةً عَلَى قَانُونِ الْإِيمَانِ النِيقَاوِيِّ - الْبَعْضُ مِنْكُمْ يَسْتَخْدِمُهُ فِي الْعِبَادَةِ فِي الْكَنَائِسِ - فَهُوَ يَحْوِي جُمْلَةً صَغِيرَةً شَدِيدَةَ الْأَهَمِّيَّةِ، تَقُولُ عَنِ الْمَسِيحِ إِنَّهُ "مَوْلُودٌ غَيْرُ" مَاذَا؟ "مَخْلُوقٍ". فَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ بِحَسَبِ الْكُتُبِ، وَبِحَسَبِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، لَيْسَ مَفْهُومُ الْبُنُوَّةِ مُتَّصِلًا بِعِلْمِ الْأَحْيَاءِ، بَلْ مُتَّصِلٌ بِالْحَمِيمِيَّةِ بَيْنَ الْآبِ وَالِابْنِ، الَذِي يَنَالُ الْبَرَكَةَ، وَاَلَذِي هُوَ الْوَارِثُ. وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِعِدَّةِ طُرُقٍ. أَوَّلًا، بِدَعْوَةِ الْمَسِيحِ "مُونُوجِينِيسْ" - الِابْنَ الْوَحِيدَ. فَهُنَاكَ صِفَةُ وِلَادَةٍ تُنْسَبُ إِلَى يَسُوعَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَهُوَ نَوْعُ وِلَادَةٍ اسْتِثْنَائِيٌّ، وَفَرِيدٌ تَمَامًا مِنْ نَوْعِهِ. فَلَا مَثِيلَ لَهُ فِي أَيِّ مَكَانٍ فِي الْعَالَمِ. فَحِينَ يَتَحَدَّثُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عَنْ كَوْنِ الْمَسِيحِ مَوْلُودًا، فَهُوَ يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ بِمَعْنًى خَاصٍّ، وَمَعْنًى مُحَدَّدٍ. فَهُوَ مَعْنًى خَاصٌّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَمْنَعَكَ عَنِ الْقِيَامِ بِافْتِرَاضَاتٍ يُونَانِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْوِلَادَةِ الْبَيُولُوجِيَّةِ.

إِذَنْ، عَلَى أَيِّ حَالٍ، يَقُولُ النَصُّ هُنَا. لَكِنْ لَاحَظُوا هَذَا: "وَأَيْضًا مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ" - اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالِمِ - "يَقُولُ: "وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلَائِكَةِ اللَّهِ"". حَسَنًا، أُكْرِّرُ، إِنْ كَانَ بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ مَخْلُوقًا، فَلَا يُمْكِنُ لِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ تَجْدِيفًا مِمَّا يَقُولُهُ كَاتِبُ الرِسَالَةِ، مُقْتَبِسًا مِنْ الْمَزَامِيرِ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ الْمَلَائِكَةِ أَنْ يَسْجُدُوا لَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ يَنْهَى عَنِ السُجُودِ لِلْمَخْلُوقَاتِ. وَإِنْ كَانَ اللَّهُ يَأْمُرُ بِالسُجُودِ لِبِكْرِهَ، فَهُوَ بِذَلِكَ يَقُولُ إِنَّ الْبِكْرَ هُوَ اللَّهُ وَلَيْسَ مَخْلُوقًا.

إِذَنْ، الْمَلائِكَةُ خَاضِعُونَ لِلْمَسِيحِ، لأَنَّ اللهَ أَمَرَ الْمَلائِكَةَ بِالسُجُودِ لَهُ. "وَعَنِ الْمَلَائِكَةِ يَقُولُ: "الصَّانِعُ مَلَائِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ". وَأَمَّا عَنْ الِابْنِ: "كُرْسِيُّكَ يَا اللهُ، إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ الْبِرَّ، وَأَبْغَضْتَ الْإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَسَحَكَ اللهُ إِلَهُكَ بِزَيْتِ الِابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ". وَ"أَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الْأَرْضَ..."" إِلَى آخِرِهِ.

"ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ قَطُّ: "اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ"؟" هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى جُلُوسِ الْمَسِيحِ. وَجُلُوسُ الْمَسِيحِ يُشِيرُ إِلَى تِلْكَ الْكَلِمَاتِ فِي قَانُونِ إِيمَانِ الرُسُلِ الْقَائِلَةِ: "وَهُوَ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ". فَالْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ يَعْنِي الْجُلُوسَ عَلَى عَرْشِ السُلْطَةِ الْكَوْنِيَّةِ. فَالْمَسِيحُ الْقَائِمُ مِنْ الْمَوْتِ، وَالصَاعِدُ إِلَى السَمَاءِ، أُعْطِيَ مَا لَا يَقِلُّ عَنْ سُلْطَانٍ كَوْنِيٍّ بِصِفَتِهِ مَلِكَ الْمُلُوكِ وَرَبَّ الْأَرْبَابِ، الْجَالِسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ. لَمْ يُرْفَعْ أَيُّ مَلَاكٍ قَطُّ إِلَى يَمِينِ اللَّهِ. وَفِي الْوَاقِعِ، لَا يُمْكِنُ لِأَيِّ مَخْلُوقٍ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى يَمِينِ اللَّهِ، وَلَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ أَيَّ مَخْلُوقٍ كُلَّ سُلْطَانٍ فِي السَمَاءِ وَعَلَى الْأَرْضِ، ذَلِكَ السُلْطَانَ الَذِي مَنَحَهُ لِابْنِهِ. إِذَنْ، يُشَدِّدُ هَذَا النَصُّ، بِأَقْوَى مَا لَدَيْهِ، عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَيَسُوعَ، أَيْ عَلَى سُمُوِّ الْمَسِيحِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ.

"ثُمَّ لِمَنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ قَطُّ: "اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ"؟ أَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ أَرْوَاحًا خَادِمَةً مُرْسَلَةً لِلْخِدْمَةِ لِأَجْلِ الْعَتِيدِينَ أَنْ يَرِثُوا الْخَلَاصَ!". إِذَنْ، مُجَدَّدًا، نَجِدُ هُنَا مُلَخَّصًا بَسِيطًا لِطَبِيعَةِ وَوَظِيفَةِ الْمَلَائِكَةِ. فَهُمْ لَا يَحْكُمُونَ الْكَوْنَ، بَلْ الْمَلَائِكَةُ الصَالِحُونَ هُمْ أَرْوَاحٌ خَادِمَةٌ، مُرْسَلَةٌ مِنَ اللَّهِ. وَهُمْ غَيْرُ مُرْسَلِينَ لِخِدْمَةِ الْجَمِيعِ، بَلْ هُمْ مُرْسَلُونَ لِخِدْمَةِ وَرَثَةِ الْخَلَاصِ، أَيِ الْمُؤْمِنِينَ. وَسَوَاءٌ كَانَ لَدَيْنَا مَلَاكٌ حَارِسٌ وَاحِدٌ أَوْ جَيْشٌ سَمَاوِيٌّ كَاَلَذِي أَحَاطَ بِأَلِيشَعَ، هَذَا مَثَارُ جَدَلٍ مُسْتَمِرٍّ. لَكِنْ لَدَيْنَا مَعُونَةٌ كَبِيرَةٌ.

بِالْأَمْسِ، قَرَأْتُ عِظَةً لَمْ أَقْرَأْهَا قَطُّ مِنْ قَبْلُ، لَمَارْتِنْ لُوثَرَ، عَنْ الْمَلَائِكَةِ، أَعْطَانِي إِيَّاهَا أَحَدُ أَعْضَاءِ الْمَجْمُوعَةِ هُنَا. فَلُوثَرُ، الَّذِي كَانَ عَلَى وَعْيٍ شَدِيدٍ بِالْعَالَمِ الْمَلَائِكِيِّ، بِسَبَبِ الْهُجُومِ الشَيْطَانِيِّ الْمُكَثَّفِ الَذِي قَاسَى مِنْهُ طَوَالَ حَيَاتِهِ. فَبِالنِسْبَةِ إلَيْهِ، يَكَادُ يَكُونُ الشَيْطَانُ مَلْمُوسًا. فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ مَرَّ فِي "الْأَنْفِكْتُومِ" (anfectum) - أَيْ الْهُجُومِ الْجَامِحِ مِنَ الْأَعْدَاءِ. وَقَالَ: "لَوْلَا الْمَلَائِكَةُ الصَالِحُونَ، مَلَائِكَةُ النُورِ، الَذِينَ يُسَانِدُونَ الْكَنِيسَةَ الْمَسِيحِيَّةَ، لَقُضِيَ عَلَى الْكَنِيسَةِ تَمَامًا بِفِعْلِ شَرِّ الشَيْطَانِ وَأَتْبَاعِهِ". لِذَا دَعُوْنَا نَتَذَكَّرُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ مَلَائِكَتَهُ الصَّالِحِينَ إِلَى الْعَالَمِ كَأَرْوَاحٍ خَادِمَةٍ. كَانَ لُوثَرُ مُحِقًّا. فَمُصَارَعَتُنَا هِيَ مَعَ الْعَالَمِ، وَالْجَسَدِ، وَإِبْلِيسَ. وَالْمَلَائِكَةُ هُنَا لِمُسَاعَدَتِنَا وَنَحْنُ نُصَارِعُ مَعَ هَؤُلَاءِ الثَلَاثَةِ جَمِيعِهِمْ. وَبِهَذَا نَصِلُ إِلَى الْقِسْمِ التَالِي مِنْ هَذِهِ الدِرَاسَةِ، حَيْثُ سَنَدْرُسُ الْمَلَائِكَةَ السَاقِطِينَ. وَفِي الْبِدَايَةِ، سَنَتَنَاوَلُ طَبِيعَةَ وَوَظِيفَةَ الشَيْطَانِ، كَمَا نَقْرَأُ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.