المحاضرة 4: المَلائِكَةُ الخُدَّامُ
إِحْدَى قِصَصِ الْمَلَائِكَةِ الْمُفَضَّلَةِ لَدَيَّ فِي كُلِّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَرَدَتْ فِي سِفْرِ الْمُلُوكِ الثَانِي. وَتُعْجِبُنِي هَذِهِ الْقِصَّةُ بِالذَاتِ لِأَنَّهَا تَعْكِسُ، بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ وَغَيْرِ مُبَاشِرٍ، أُمُورًا كَثِيرَةً نَحْتَاجُ أَنْ نَفْهَمَهَا عَنْ طَبِيعَةِ وَوَظِيفَةِ الْمَلَائِكَةِ. إِذَنْ، لِنَقْضِ بَعْضَ الْوَقْتِ فِي تَنَاوُلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الَتِي وَقَعَتْ فِي أَيَّامِ أَلِيشَعَ النَبِيِّ. فِي سِفْرِ الْمُلُوكِ الثَانِي، بَدْءًا مِنَ الْأَصْحَاحِ 6، وَالْآيَةِ 8:
وَأَمَّا مَلِكُ أَرَامَ فَكَانَ يُحَارِبُ إِسْرَائِيلَ، وَتَآمَرَ مَعَ عَبِيدِهِ قَائِلًا: "فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ تَكُونُ مَحَلَّتِي". فَأَرْسَلَ رَجُلُ اللهِ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ: "احْذَرْ مِنْ أَنْ تَعْبُرَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ الْأَرَامِيِّينَ حَالُّونَ هُنَاكَ". فَأَرْسَلَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ عَنْهُ رَجُلُ اللهِ وَحَذَّرَهُ مِنْهُ وَتَحَفَّظَ هُنَاكَ، لَا مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ.
نَرَى هُنَا أَنَّ مَلِكَ أَرَامَ كَانَ يُحَاوِلُ عَمَلَ كَمِينٍ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ. لَكِنْ بِطَرِيقَةٍ مَا، كُلُّ الْخُطَطِ السِرِّيَّةِ الَتِي أَعَدَّهَا مَلِكُ أَشُّورَ -بَلْ مَلِكُ أَرَامَ- أُفْشِيَ سِرُّهَا لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ حَتَّى يَتَجَنَّبَ الْفَخَّ. وَنَقْرَأُ فِي الآيَةِ 11: "فَاضْطَرَبَ قَلْبُ مَلِكِ أَرَامَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ، وَدَعَا عَبِيدَهُ وَقَالَ لَهُمْ: "أَمَا تُخْبِرُونَنِي مَنْ مِنَّا هُوَ لِمَلِكِ إِسْرَائِيلَ؟"" فَقَدِ افْتَرَضَ تِلْقَائِيًّا وُجُودَ جَاسُوسٍ فِي الْمُعَسْكَرِ، فَحَقَّقَ فِي الأَمْرِ. "فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِهِ: "لَيْسَ هَكَذَا يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ. وَلَكِنَّ أَلِيشَعَ النَّبِيَّ الَّذِي فِي إِسْرَائِيلَ، يُخْبِرُ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ بِالْأُمُورِ الَتِي تَتَكَلَّمُ بِهَا فِي مُخْدَعِ مِضْطَجَعِكَ". فَقَالَ: "اذْهَبُوا وَانْظُرُوا أَيْنَ هُوَ، فَأُرْسِلَ وَآخُذَهُ". فَأُخْبِرَ وَقِيلَ لَهُ: "هُوَذَا هُوَ فِي دُوثَانَ"".
تَخَيَّلُوا الْمَشْهَدَ. اكْتَشَفَ مَلِكُ أَرَامَ أَنْ لَا أَحَدَ مِنْ رِجَالِهِ يَخُونُهُ، وَإِنَّمَا مُخَطَّطَاتُهُ تَصِلُ بِشَكْلٍ خَارِقٍ لِلطَبِيعَةِ بِوَاسِطَةِ أَلِيشَعَ النَبِيِّ إِلَى مَلِكِ إِسْرَائِيلَ. وَلِذَا، غَيَّرَ مَلِكُ أَرَامَ خُطَّتَهُ. "إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَنْجَحَ فِي أَسْرِ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَجِبُ أَنْ أَفْعَلَهُ هُوَ التَخَلُّصُ مِنْ أَلِيشَعَ هَذَا". فَاسْتَفْسَرَ عَنْ مَوْضِعِ إِقَامَةِ أَلِيشَعَ، وَأُخْبِرَ بِأَنَّ أَلِيشَعَ فِي دُوثَانَ. فَعَزَمَ عَلَى تَنْفِيذِ خُطَّتِهِ بِأَسْرِ أَلِيشَعَ.
ثُمَّ نَقْرَأُ فِي الآيَةِ 14: "فَأَرْسَلَ إِلَى هُنَاكَ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتٍ وَجَيْشًا ثَقِيلًا، وَجَاءُوا لَيْلًا وَأَحَاطُوا بِالْمَدِينَة. فَبَكَّرَ خَادِمُ رَجُلِ اللَّهِ وَقَامَ وَخَرَجَ، وَإِذَا جَيْشٌ مُحِيطٌ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْلٌ وَمَرْكَبَاتٌ. فَقَالَ غُلاَمُهُ لَهُ: "آهِ يَا سَيِّدِي! كَيْفَ نَعْمَلُ؟"" خَلَدَ أَلِيشَعُ إِلَى النَوْمِ فِي مَوْضِعِ إِقَامَتِهِ الْبَسِيطِ فِي دُوثَانَ، وَعِنْدَمَا اسْتَيْقَظَ غُلَامُهُ صَبَاحًا، وَذَهَبَ لِفَتْحِ السَتَائِرِ لِيُضِيءَ الْمَكَانَ، نَظَرَ خَارِجًا إِلَى أَحَدِ جَوَانِبِ الْبَيْتِ، فَرَأَى كُلَّ مَرْكَباتِ الْأَرَامِيِّينَ وَجُنُودِهِمْ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يَرَ إِلَّا مَرْكَبَاتٍ، فَتَقَدَّمَ لِلْأَمَامِ وَرَجَعَ إِلَى الْوَرَاءِ. يُذَكِّرُنِي ذَلِكَ بِقِصَّةِ تُونْتُو وَالْحَارِسِ الْوَحِيدِ، عِنْدَمَا أَحَاطَ بِهِمَا الْهُنُودُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَقَالَ الْحَارِسُ الْوَحِيدُ لِتُونْتُو: "مَاذَا نَفْعَلُ الْآنَ؟" فَأَجَابَ تُونْتُو: "مَاذَا تَقْصِدُ بِنُونِ الْجَمْعِ أَيُّهَا الرَجُلُ الْأَبْيَضُ؟"
هَذَا مَا أَتَخَيَّلُ حُدُوثَهُ هُنَا نَوْعًا مَا، حِينَ رَأَى خَادِمُ أَلِيشَعَ هَذَا الْجَيْشَ مُحِيطًا بِالْبَيْتِ الصَغِيرِ الَذِي كَانَا فِيهِ. فَأَسْرَعَ وَأَيْقَظَ أَلِيشَعَ وَأَطْلَعَهُ عَلَى الْوَضْعِ - أَيْ عَلَى الْوَرْطَةِ. وَقَالَ: "نَحْنُ مُحَاطُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ بِمَرْكَبَاتٍ وَجُيُوشٍ. مَاذَا سَنَفْعَلُ؟" اسْمَعُوا رَدَّ أَلَيشِعَ. "فَقَالَ: لَاَ تَخَفْ، لِأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ". إِذَا أَمْكَنَنَا الْقِرَاءَةُ بَيْنَ السُطُورِ هُنَا، سَيَتَّضِحُ لَنَا أَنَّ خَادِمَ أَلِيشَعَ ذُهِلَ تَمَامًا مِنْ رَدِّ أَلِيشَعَ. "لَسْتَ تَفْهَمُ يَا سَيِّدِي، أَخْبَرْتُكَ لِلتَوِّ بِأَنَّهُ يُوجَدُ عَدَدٌ لَا يُحْصَى مِنْ الْجُنُودِ وَالْمَرْكَبَاتِ مِنْ حَوْلِنَا. انْظُرْ حَوْلَكَ يَا أَلِيشَعُ. لَا يُوجَدُ هُنَا سِوَانَا. مَاذَا تَقْصِدُ بِقَوْلِكَ إِنَّ الَذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَذِينَ مَعَهُمْ؟"
وَصَلَّى أَلِيشَعُ وَقَالَ: "يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ". فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ، وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلًا وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ. وَلَمَّا نَزَلُوا إِلَيْهِ صَلَّى أَلِيشَعُ إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: "اضْرِبْ هَؤُلَاءِ الْأُمَمَ بِالْعَمَى". فَضَرَبَهُمْ بِالْعَمَى كَقَوْلِ أَلِيشَعَ.
كَمَا قُلْتُ قَبْلًا، ثَمَّةَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ نَتَعَلَّمُهَا مِنْ هَذَا الْمَقْطَعِ بِالذَاتِ. يَتَعَلَّقُ أَمْرٌ مِنْهَا بِجَدَلٍ دَائِرٍ بَيْنَ اللَاهُوتِيِّينَ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، لِأَنَّهُ حِينَ طَلَبَ يَسُوعُ مِنْ تَلَامِيذِهِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَلَّا يَمْنَعُوا الْأَوْلَادَ الصِغَارَ مِنَ الْمَجِيءِ إِلَيْهِ، بَلْ يَسْمَحُوا لَهُمْ بِالِاقْتِرَابِ، قَالَ: "لِأَنَّ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ مَلَكُوتَ اللَّهِ"، ثُمَّ تَابَعَ لَاحِقًا لِيَقُولَ إِنَّ مَلَائِكَتَهُمْ يَحْرُسُونَهُمْ مِنْ السَمَاءِ. وَالْفِكْرَةُ الَتِي اسْتُخْلِصَتْ مِنْ هَذَا التَصْرِيحِ لِرَبِّنَا هِيَ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ فِي الْمَلَكُوتِ - كُلَّ مُؤْمِنٍ - لَدَيْهِ مَلاكٌ حَارِسٌ مُعَيَّنٌ لِأَجْلِهِ لِلِاعْتِنَاءِ بِهِ. هَذَا أَيْضًا لِأَنَّهُ، كَمَا سَنَرَى بَعْدَ قَلِيلٍ، يُخْبِرُنَا كَاتِبُ الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ بِأَنَّ وَظِيفَةَ الْمَلَائِكَةِ الرَئِيسِيَّةَ، فِي هَذَا الْعَالَمِ، هِيَ خِدْمَةُ شَعْبِ اللَّهِ. لِذَا كَمَا ذَكَرْتُ، ثَمَّةَ تَقْلِيدٌ رَاسِخٌ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ يُفِيدُ بِأَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مَلَاكًا مُخَصَّصًا لَهُ. يُشْبِهُ هَذَا فِيلْمَ "It’s a Wonderful Life". وَ"كُلَّمَا سَمِعْتَ رَنِينَ جَرَسٍ، يَحْصُلُ مَلاكٌ عَلَى جَنَاحَيْنِ"؛ وَمَا إِلَى ذَلِكَ.
لَكِنَّنَا نَكْتَشِفُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَلاكٌ وَاحِدٌ يَحْرُسُ أَلِيشَعَ، بَلْ احْتَشَدَ الْجُنْدُ السَمَاوِيُّ كُلُّهُ لِلدِفَاعِ عَنْهُ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ الْحَرِجِ. نَرَى الْأَمْرَ ذَاتَهُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، فِي جَمَاهِيرِ الْمَلَائِكَةِ الَتِي رَافَقَتْ خِدْمَةَ يَسُوعَ. وَسَنَتَطَرَّقُ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ قَلِيلٍ. لَكِنْ لِنَرَ الْآنَ جَمَاهِيرَ الْمَلَائِكَةِ الْمُرْسَلِينَ لِلدِفَاعِ عَنْ أَلِيشَعَ.
فِي بِدَايَةِ هَذِهِ السِلْسِلَةِ، رَوَيْتُ قِصَّةَ إِنْقَاذِ عَامِلَيْ مَنْجَمٍ ظَلَّا تَحْتَ الْأَرْضِ لِعِدَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ شَهِدَا عَنِ اعْتِنَاءِ مَلَائِكَةٍ بِهِمَا. وَهَكَذَا فَسَّرَا نَجَاتَهُمَا. تَذْكُرُونَ تِلْكَ الْقِصَّةَ، وَكَيْفَ افْتَرَضَتْ وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ تِلْقَائِيًّا أَنَّهُمَا يَهْذِيَانِ. وَالِافْتِرَاضُ السَائِدُ فِي الْعَالَمِ الْعِلْمَانِيِّ الَذِي نَعِيشُ فِيهِ هُوَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى مَلَاكًا لَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُ تُرَاوِدُهُ، بِالطَبِيعَةِ، هَلَاوِسُ.
وَالْهَلْوَسَةُ تَحْدُثُ حِينَ يَرَى أَحَدُهُمْ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ فِعْلًا. وَذَكَرْتُ أَنَّ رُودُولْفْ بُولْتِمَانْ قَالَ إِنَّهُ لَا يُمْكِنُكَ الْعَيْشُ فِي مُجْتَمَعِنَا الْمُتَطَوِّرِ وَتَظَلُّ تُؤْمِنُ بِالْأَشْبَاحِ، وَالْعَفَارِيتِ، وَالْغَيْبِيَّاتِ الْمُخِيفَةِ، وَالْأَشْيَاءِ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ، كَالْمَلَائِكَةِ.
لَكِنْ فِي لُبِّ الْإِيمَانِ الْيَهُودِيِّ-الْمَسِيحِيِّ يَكْمُنُ إِيمَانٌ رَاسِخٌ بِمَا هُوَ فَائِقٌ لِلطَبِيعَةِ يَقُولُ إِنَّ الْوَاقِعَ بِهِ أَكْثَرُ مِمَّا نَرَاهُ بِأَعْيُنِنَا. فَاَللَّهُ نَفْسُهُ غَيْرُ مَنْظُورٍ، لَكِنْ مَا مِنْ أَمْرٍ أَهَمَّ لِلْمَسِيحِيَّةِ مِنْ حَقِيقَةِ وُجُودِ اللَّهِ. وَمَا يَجْعَلُ مِنَ الصَعْبِ عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ أُمَنَاءَ لِلَّهِ، بِرَأْيِي، هُوَ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْظُورٍ. وَمِنَ الصَعْبِ أَنْ تَعْبُدَ مَا لَا يُمْكِنُكَ أَنْ تَرَاهُ، وَأَنْ تُطِيعَ شَخْصًا لَمْ تُكَلِّمْهُ قَطُّ، إِلَى آخِرِهِ.
لَكِنَّ الْأَمْرَ ذَاتَهُ يُمْكِنُ أَنْ يَنْطَبِقَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ. فَهُمْ غَيْرُ مَنْظُورَيْنَ مُعْظَمَ الْوَقْتِ. وَأَحْيَانًا عَبْرَ التَارِيخِ الْكِتَابِيِّ، كَمَا قَرَأْنَا عَنْ زَائِرَي سَدُومَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يَظْهَرُ الْمَلَائِكَةُ، عَادَةً فِي هَيْئَةِ بَشَرٍ. لَكِنْ فِي الظُرُوفِ الْعَادِيَّةِ، هُمْ كَائِنَاتٌ رُوحِيَّةٌ. هُمْ حَقِيقِيُّونَ، وَهُمْ مَخْلُوقَاتٌ. فَهُمْ كَائِنَاتٌ رُوحِيَّةٌ غَيْرُ مَنْظُورَةٍ. وَإِنْ كُنَّا نُصَدِّقُ حَقًّا رِسَالَةَ الْإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ، عَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ هَذَا جُزْءٌ لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ تِلْكَ الرِسَالَةِ - وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِعَ الَذِي نَعِيشُ فِيهِ يَحْوِي أَكْثَرَ مِمَّا نَرَاهُ بِأَعْيُنِنَا.
يَجِبُ أَلَّا يَكُونَ هَذَا غَرِيبًا عَلَيْنَا، نَحْنُ الَذِينَ نَعِيشُ بَعْدَ عَصْرِ التَنْوِيرِ، وَنَعِيشُ بَعْدَ اخْتِرَاعِ التِلِسْكُوبِ، وَبَعْدَ اخْتِرَاعِ الْمِجْهَرِ، لِأَنَّ الثَوْرَةَ الْعِلْمِيَّةَ لِلْعَصْرِ الْحَدِيثِ حَدَثَتْ حِينَ تَزَايَدَ وَتَعَزَّزَ إِدْرَاكُنَا لِلْوَاقِعِ بِفَضْلِ الْأَجْهِزَةِ الَتِي مَكَّنَتْنَا مِنْ رُؤْيَةِ أَشْيَاءَ لَا تُرَى بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ. مِنْ بَيْنِ الْأَزَمَاتِ فِي أَيَّامِ جَالِيلْيُو أَنَّ عُلَمَاءَ عَصْرِهِ، وَالْأُسْقُفَ آنَذَاكَ، رَفَضُوا النَظَرَ عَبْرَ التِلِسْكُوبِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ يُصَدِّقُوا الْأَدِلَّةَ الَتِي يَكْشِفُهَا التِلِسْكُوبُ عَنْ تَقْسِيمِ السَمَاوَاتِ، وَمَدَارَاتِ الْكَوَاكِبِ. وَاكْتَشَفُوا أَنَّ الثَوْرَةَ بِأَكْمَلِهَا -الَتِي نُسَمِّيهَا الثَّوْرَةَ الْكُوبَرْنِيكِيَّةَ - كَانَتْ ثَوْرَةً فِي الْعِلْمِ نَاتِجَةً عَنْ قُدْرَةٍ مُفَاجِئَةٍ عَلَى رُؤْيَةِ مَا كَانَ غَيْرَ مَرْئِيٍّ سَابِقًا. وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الثَوْرَةُ حَدَثَتْ بِظُهُورِ التِلِسْكُوبِ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ تِلْكَ الثَوْرَةُ الَتِي حَدَثَتْ فِي عَصْرِنَا، بِظُهُورِ الْمِجْهَرِ - وَعِلْمِ الْمِيْكْرُوبِيُولُوجْيَا - وَبِهَا عَرَفْنَا أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْغُرْفَةِ، بَيْنَمَا أَتَكَلَّمُ، تُوجَدُ كَائِنَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ كَافِيَةٌ لِلْقَضَاءِ عَلَيْنَا جَمِيعًا. وَإِنْ أَمْكَنْنَا أَنْ نَرَاهَا بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ، قَدْ يُصِيبُنَا الرُعْبُ. لَكِنْ لِحُسْنِ حَظِّنَا، نَحْنُ نَعِيشُ فِي هَنَاءٍ، غَافِلِينَ تَمَامًا عَنِ الْأَعْدَادِ الَتِي لَا تُحْصَى مِنَ الْمِيكْرُوبَاتِ الْقَادِرَةِ على قَتْلِنَا. فَإِنِ اسْتَطَعْنَا أَنْ نَرَاهَا كُلَّهَا، رُبَّمَا نُلَازِمُ الْفِرَاشَ، مُخْتَبِئِينَ تَحْتَ الْأَغْطِيَةِ لِبَقِيَّةِ أَيَّامِ حَيَاتِنَا.
لَكِنَّنَا تَعَلَّمْنَا مِنْ خِلَالِ الْعِلْمِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ تُوجَدُ حَقَائِقُ حَوْلَنَا تَتَجَاوَزُ قُدْرَتَنَا عَلَى رُؤْيَتِهَا. فَلِمَاذَا نُصَدِّقُ أَنَّ الْمِيكْرُوبَاتَ الَتِي لَا نَقْدِرُ أَنْ نَرَاهَا مَوْجُودَةً حَقًّا، بَيْنَمَا لَدَيْنَا تَحَيُّزٌ ضِدَّ وُجُودِ كَائِنَاتٍ سَمَاوِيَّةٍ فَائِقَةٍ لِلطَبِيعَةِ -كَائِنَاتٍ رُوحِيَّةٍ -كَالْمَلَائِكَةِ، فِي حِينِ أَنَّ نُصُوصَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ حَافِلَةٌ بِهَا؟ هَذَا أَحَدُ الْأُمُورِ الَتِي تُعْجِبُنِي فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْغُلَامَ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَرَى مَا كَانَ مَوْجُودًا بِالْفِعْلِ إِلَى أَنْ صَلَّى أَلِيشَعُ قَائِلًا: "يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ لِيُبْصِرَ" - لَيْسَ "دَعْهُ يَرَى هَلَاوِسَ"، وَلَا "دَعْهُ يَرَى رُؤْيَا لِشَيْءٍ غَيْرِ حَقِيقِيٍّ"، بَلْ "دَعْهُ يَرَى مَا هُوَ مَوْجُودٌ حَقًّا". وَحِينَ فَتَحَ عَيْنَيْهِ، كَانَتْ جُيُوشُ الْمَلَائِكَةِ الْمُحْتَشِدَةُ تَفُوقُ كَثِيرًا فِي الْعَدَدِ وَالْقُوَّةِ كُلَّ مَرْكَبَاتِ مَلِكِ أَرَامَ وَجُيُوشِهِ. وَهَذَا مَا يُخْبِرُنَا بِهِ اللَّهُ عَنِ الْعَالَمِ الَذِي نَعِيشُ فِيهِ.
وَقَعَتْ حَادِثَةٌ مُمَاثِلَةٌ أَرَى أَنَّهَا تَكْشِفُ الْكَثِيرَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. وَالْغَرِيبُ أَنَّهَا حَدَثَتْ أَثْنَاءَ تَجْرِبَةِ يَسُوعَ. فَبَعْدَ مَعْمُودِيَّةِ يَسُوعَ مُبَاشَرَةً، اقْتَادَهُ الرُوحُ إِلَى بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ لِيُجَرَّبَ مِنَ الشَيْطَانِ. وَتَعْلَمُونَ كَيْفَ جَاءَ الشَيْطَانُ، وَأَوْحَى لِيَسُوعَ بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَيْسَ حَقًّا ابْنَ اللَّهِ، مَعَ أَنَّ الْكَلِمَاتِ الْأَخِيرَةَ الَتِي سَمِعَهَا يَسُوعُ قَبْلَ ذَهَابِهِ إِلَى الْبَرِيَّةِ كَانَتِ الصَوْتَ مِنَ السَمَاءِ: "هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ". وَهَكَذَا، جَاءَ الشَيْطَانُ إِلَيْهِ، تَمَامًا كَمَا جَاءَ إِلَى آدَمَ، قَائِلًا: "أَحَقًّا قَالَ اللَّهُ؟" "إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ، وَكُنْتَ جَائِعًا، حَوِّلْ هَذِهِ الْحِجَارَةَ إِلَى خُبْزٍ". كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ تَجْرِبَةٍ، وَكَانَ رَدُّ يَسُوعَ: "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ". أَنَا صَائِمٌ، وَأَجْتَازُ فِي امْتِحَانٍ، مَعْذِرَةً أَيُّهَا الشَيْطَانُ، لَكِنِّي لَنْ أُحَوِّلَ هَذِهِ الْحِجَارَةَ إِلَى خُبْزٍ. بِإِمْكَانِي فِعْلُ ذَلِكَ، لَكِنِّي لَمْ آخُذِ الْإِذْنَ مِنْ أَبِي، لِذَا ابْتَعِدْ عَنِّي". وَرَدَّ عَلَى الشَيْطَانِ بِنَصٍّ كِتَابِيٍّ.
ثُمَّ فِي وَسَطِ هَذِهِ التَجْرِبَةِ، بَدَأَ الشَيْطَانُ بِالرَدِّ عَلَى يَسُوعَ أَيْضًا بِنُصُوصٍ كِتَابِيَّةٍ. فَقَالَ: "دَعْنِي أَصْحَبُكَ إِلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ، وَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلَ، لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ، لِئَلَّا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. لِنَرَ إِذَنْ إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا، لِنَرَ إِنْ كُنْتَ حَقًّا ابْنَ اللَّهِ. لِنَصْعَدْ إِلَى جَنَاحِ الْهَيْكَلِ وَنُلْقِ بِأَنْفُسِنَا، وَنَرَ إِنْ كَانَ الْمَلَائِكَةُ سَيَحْمِلُونَكَ". كَانَ عَلَى يَسُوعَ أَنْ يُصَحِّحَ تَفْسِيرَ إِبْلِيسَ وَيَقُولَ: "أَجَلْ، يَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ ذَلِكَ، لَكِنْ عَلَيْكَ تَفْسِيرُ الْمَكْتُوبِ بِالْمَكْتُوبِ. وَعَلَيْكَ أَلَّا تُنَاقِضَ الْمَكْتُوبَ بِالْمَكْتُوبِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ أَيْضًا: "لَاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إِلَهَكَ". لِذَا، شُكْرًا جَزِيلًا، لَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ".
وَحِينَ انْتَهَتْ سِلْسِلَةُ التَجَارِبِ، نَقْرَأُ مَا يَكَادُ يَكُونُ حَاشِيَةً خِتَامِيَّةً عَابِرَةً، أَنَّهُ بَعْدَمَا فَارَقَ الشَيْطَانُ يَسُوعَ إِلَى حِينٍ، مَاذَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ جَاءَ الْمَلَائِكَةُ لِيَخْدُمُوا يَسُوعَ. كَانُوا هُنَاكَ طَوَالَ الْوَقْتِ. يَدْفَعُنَا هَذَا أَنْ نَتَسَاءَلَ إِذَا كَانَ قَدِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَرَاهُمْ، مِثْلَ أَلَيشَعَ. لَكِنَّ اللَّهَ أَوْصَى مَلَائِكَتَهُ بِهِ، وَجَاءَ الْمَلَائِكَةُ إِلَيْهِ فِي وَسَطِ تِلْكَ التَجْرِبَةِ الْحَرِجَةِ مِنْ حَيَاتِهِ. وَبَعْدَ رَحِيلِ الْمَلَاكِ السَاقِطِ مُبَاشَرَةً، جَاءَ جُنْدُ السَمَاءِ، وَخَدَمُوا يَسُوعَ.
وَمِنْ اللَّافِتِ أَنَّ هَذَا الْجُنْدَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ رَافَقُوا يَسُوعَ مِرَارًا خِلَالَ حَيَاتِهِ - لَيْسَ فَقَطْ عِنْدَ إِعْلَانِ مِيلَادِهِ، وَهُوَ مَا سَنَتَنَاوَلُهُ عَلَى حِدَةٍ، بَلْ أَيْضًا عِنْدَ قِيَامَتِهِ. فَحِينَ جَاءَ التَلَامِيذُ، وَجَاءَتِ النِسْوَةُ، إِذَا بِمَلَاكَيْنِ فِي الْبُسْتَانِ - وَاحِدٌ عِنْدَ الرَأْسِ وَالْآخَرُ عِنْدَ الرِجْلَيْنِ، وَقَالَا: "الَّذِي تَطْلُبَانِهِ لَيْسَ هُنَا، لَكِنَّهُ قَامَ، وَهَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ". فَمَلَاكَا اللَّهِ، اللَذَانِ قَامَا بِدَوْرِ الرُسُلِ هُنَا كَانَا بِالطَبْعِ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ حَارِسَيْنِ لِلْقَبْرِ. فَقَدْ كَانَا يَحْرُسَانِ جَسَدَ يَسُوعَ - وَرُبَّمَا كَانَ هَذَا أَكْثَرَ عَمَلٍ حَسَّاسٍ قَامَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ عَبْرَ تَارِيخِ الْفِدَاءِ بِرُمَّتِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَضَى بِأَلَّا يَرَى تَقِيُّهُ فَسَادًا. وَلِهَذَا أَقَامَ الْمَلَاكَيْنِ عِنْدَ الْقَبْرِ. كَمَا رَافَقَ الْمَلَائِكَةُ الْمَسِيحَ فِي صُعُودِهِ إِلَى السَمَاءِ، حِينَ ذَهَبَ إِلَى حَفْلِ تَتْوِيجِهِ بِصِفَتِهِ مَلِكَ الْمُلُوكِ. وَهُوَ قَالَ إِنَّهُ حِينَ يَعُودُ فِي نِهَايَةِ الزَمَانِ، سَيُرَافِقُهُ جُنْدُ السَمَاءِ، جُنْدُ السَمَاءِ نَفْسُهُ الَذِي ظَهَرَ فِي حُقُولِ بَيْتِ لَحْمٍ، عِنْدَ إِعْلَانِ مِيلَادِ يَسُوعَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ.
مُجَدَّدًا، يَجِبُ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ هَذَا. لَسْتُ أَعْرِفُ بِشَأْنِكُمْ. لَكِنْ حِينَ أَتَأَمَّلُ فِي الْأَحْدَاثِ الَتِي وَقَعَتْ خِلَالَ حَيَاةِ يَسُوعَ، وَكَيْفَ أَنَّ التَّلَامِيذَ - أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ بَعْضَهُمْ - كَانُوا شُهُودَ عِيَانٍ عَلَى جَمِيعِهَا تَقْرِيبًا، أَسْأَلُ نَفْسِي: "إِذَا أَمْكَنَ أَنْ أَكُونَ شَاهِدَ عِيَانٍ عَلَى حَدَثٍ فِي حَيَاةِ يَسُوعَ، فَأَيُّ حَدَثٍ سَأَخْتَارُ؟ أَيُّ حَدَثٍ سَأَرْغَبُ بِأَنْ أَرَاهُ بِعَيْنِي؟" وَهَذَا سُؤَالٌ صَعْبٌ حَقًّا. فَمِنْ الْمُؤَكَّدِ أَنِّي سَأُسَرُّ بِمُعَايَنَةِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ قَدْ لَا يَرْغَبُ فِي ذَلِكَ؟ سَيَكُونُ ذَلِكَ رَائِعًا. لَكِنْ مِنَ الصَعْبِ أَنْ أَخْتَارَ بَيْنَ الْقِيَامَةِ وَالتَجَلِّي - أَنْ أَرَى هَذَا الِانْبِثَاقَ لِمَجْدِ الْمَسِيحِ عَبْرَ حِجَابِ نَاسُوتِهِ، حِينَ تَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ. لَا بُدَّ مِنْ أَنَّ هَذَا كَانَ مُذْهِلًا. وَالتَلَامِيذُ لَمْ يَنْسَوْا ذَلِكَ قَطُّ، بَلْ ظَلُّوا يَتَكَلَّمُونَ عَنْهُ: "وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ".
لَكِنْ مِنْ الْأَحْدَاثِ الْمُمَيَّزَةِ حَقًّا - مِنْ أَهَمِّهَا - وَخَيَالِي يَجْمَحُ الْآنَ لِأَنِّي زُرْتُ مَكَانَ وُقُوعِهِ. أَتَذَكَّرُ حِينَ زُرْنَا بَيْتَ لَحْمٍ، وَذَهَبْنَا إِلَى كَنِيسَةِ الْمَهْد، وَدَخَلْنَا الْكَنِيسَةَ، وجُلْنَا جَوْلَةً إِرْشَادِيَّةً. لَمْ يُثِرْ كُلُّ ذَلِكَ حَمَاسِي حَقًّا. فَانْفَصَلْتُ عَنِ الْمَجْمُوعَةِ الَتِي تَقُومُ بِالْجَوْلَةِ السِيَاحِيَّةِ، وَخَرَجْتُ بِمُفْرَدِي إِلَى حَافَّةِ الْكَنِيسَةِ، وَكَانَ هُنَاكَ سُورٌ حَجَرِيٌّ صَغِيرٌ وَبِدَائِيٌّ. فَجَلَسَتُ عَلَى السُورِ، وَهُوَ يُطِلُّ عَلَى السُهُولِ الشَاسِعَةِ الْمُنْبَسِطَةِ، الَتِي كَانَتْ هِيَ حُقُولَ بَيْتِ لَحْمٍ. وَتَرَكْتُ خَيَالِي يَجْمَحُ. جَلَسْتُ هُنَاكَ وَقُلْتُ: "تَخَيَّلْ تِلْكَ اللَيْلَةَ، حَالِكَةَ السَوَادِ، رُبَّمَا مَعَ الْقَلِيلِ مِنْ نَارِ مُخَيَّمٍ، تَتَوَهَّجُ عَبْرَ الظُلَمَةِ، وَهَؤُلَاءِ الرُعَاةُ جَالِسُونَ حَوْلَهَا، يُحَاوِلُونَ الِاسْتِدْفَاءَ، وَحِرَاسَةَ قُطْعَانِهِمْ، وَفَجْأَةً سَطَعَتِ السَمَاءُ بِبَرِيقِ مَجْدِ اللَّهِ، وَبَدَأَ جُنْدُ السَمَاءِ يُنْشِدُونَ عَنْ مِيلَادِ الْمَسِيحِ. لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ ذَلِكَ، لَقُلْتُ مِثْلَ سِمْعَانَ: "الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ بِسَلاَمٍ. فَقَدْ رَأَيْتُ كُلَّ مَا أَحْتَاجُ أَنْ أَرَاهُ. وَالأَمْرُ رَائِعٌ".
حَضَرَ الْمَلَائِكَةُ - لَيْسَ فَقَطْ عِنْدَ تَأَلُّمِ يَسُوعَ، بَلْ فِي مَجْدِهِ أَيْضًا. فَقَدْ رَافَقُوهُ عِنْدَ اسْتِعْلَانِ مَجْدِهِ، وَفِي أَمْجَادِهِ، وَهِيَ أُمُورٌ تَاقَ الْقِدِّيسُونَ الْعُظَمَاءُ إِلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهَا، لَكِنَّهَا أُعْطِيَتْ لِقَلِيلِينَ فَقَطْ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ. إِذَنْ، بِمَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يُظْهِرُونَ مَجْدَ اللَّهِ، إذًا فَقَطْ حِينَ يَكُونُ مَجْدُ اللَّهِ مُحْتَجِبًا فِي مُجْتَمَعٍ مَا أَوْ فِي الْكَنِيسَةِ، يُنْبَذُ الْمَلَائِكَةُ بِاعْتِبَارِهِمْ عَدِيمِي الْأَهَمِّيَّةِ. لَكِنْ حَيْثُمَا يُكْرَمُ مَجْدُ اللَّهِ، وَحَيْثُمَا يُرْفَعُ مِنْ شَأْنِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، يُرَافِقُ تِلْكَ اللَحَظَاتِ - فِي الْمَاضِي وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ - جُنْدُ السَمَاءِ، الَذِينَ هُمْ بِمَثَابَةِ حُرَّاسِ مَوْكِبِ الْمَلِكِ.