المحاضرة 2: جُنْدُ السَمَاءِ

سَنُتَابِعُ الآنَ دِرَاسَتَنَا لِوَظِيفَةِ الْمَلائِكَةِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فِي مُحَاضَرَتِنَا الأُولَى تَنَاوَلْنَا الْبُعْدَ الْخَاصَّ بِمَوْقِعِ الْمَلائِكَةِ فِي السَمَاءِ، وَلاحَظْنَا مَا جَاءَ فِي الأَصْحَاحِ السَادِسِ مِنْ سِفْرِ إِشَعْيَاءَ عَنِ السَرَافِيمِ، وَتَكْوِينِهِمْ، وَهُمْ يُرَنِّمُونَ فِي مَحْضَرِ اللهِ.

وَنَحْصُلُ عَلَى الْمَزِيدِ مِنَ الْمَعْلُومَاتِ عَنْ هَذِهِ الْكَائِنَاتِ الْمَلائِكِيَّةِ فِي جُزْءٍ لاحِقٍ مِنَ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. فَإِذَا قَرَأْنَا الأَصْحَاحَ الرَابِعَ مِنْ سِفْرِ الرُؤْيَا، نَجِدُ فِي التَرْجَمَةِ عُنْوانًا فَرْعِيًّا لَيْسَ جُزْءًا مِنَ النَصِّ الأَصْلِيِّ. وَهَذَا الْعُنْوَانُ الْفَرْعِيُّ يَقُولُ "الْعَرْشُ الَذِي فِي السَمَاءِ".

يَبْدَأُ الأَصْحَاحُ الرَابِعُ مِنْ سِفْرِ الرُؤْيَا كَالتَالِي:

بَعْدَ هَذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي السَّمَاءِ، وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ الَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوقٍ يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلاً: "اصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هَذَا".

ثُمَّ كَتَبَ يُوحَنَّا:

وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي الرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي السَّمَاءِ، وَعَلَى الْعَرْشِ جَالِسٌ. وَكَانَ الْجَالِسُ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ الْيَشْبِ وَالْعَقِيقِ، وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْمَنْظَرِ شِبْهُ الزُّمُرُّدِ. وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ عَرْشًا. وَرَأَيْتُ عَلَى الْعُرُوشِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ شَيْخًا جَالِسِينَ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ أَكَالِيلُ مِنْ ذَهَبٍ. وَمِنَ الْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ. وَأَمَامَ الْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ اللهِ.

لاحِظُوا الصُوَرَ الْغَنِيَّةَ الَتِي اسْتَخْدَمَها يُوحَنَّا لِوَصْفِ الرُؤْيَا السَمَاوِيَّةِ الَتِي حَصَلَ عَلَيْهَا. ثُمَّ فِي الْمَقْطَعِ التَالِي، اسْمَعُوا مَا يَقُولُ:

وَقُدَّامَ الْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ الْبَلُّورِ. وَفِي وَسَطِ الْعَرْشِ وَحَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ: وَالْحَيَوَانُ الأَوَّلُ شِبْهُ أَسَدٍ، وَالْحَيَوَانُ الثَّانِي شِبْهُ عِجْلٍ، وَالْحَيَوَانُ الثَّالِثُ لَهُ وَجْهٌ مِثْلُ وَجْهِ إِنْسَانٍ، وَالْحَيَوَانُ الرَّابِعُ شِبْهُ نَسْرٍ طَائِرٍ. وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ حَوْلَهَا، وَمِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوَّةٌ عُيُونًا، وَلاَ تَزَالُ نَهَارًا وَلَيْلًا قَائِلَةً: "قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الْإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي كَانَ وَالْكَائِنُ وَالَّذِي يَأْتِي". وَحِينَمَا تُعْطِي الْحَيَوَانَاتُ مَجْدًا وَكَرَامَةً وَشُكْرًا لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، الْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، يَخِرُّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا قُدَّامَ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ، وَيَسْجُدُونَ لِلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ، وَيَطْرَحُونَ أَكَالِيلَهُمْ أَمَامَ الْعَرْشِ قَائِلِينَ: "أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ أَيُّهَا الرَّبُّ أَنْ تَأْخُذَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْقُدْرَةَ، لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَقْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ".

لاحِظُوا قَدْرَ الصُوَرِ الَتِي أُدْرِجَتْ فِي هَذَا المَقْطَعِ فِي التَرْنِيمَةِ الشَهِيرَةِ الَتِي تَقُولُ: "قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ" الْكَرُوبِيمُ وَالسَرَافِيمُ يَسْجُدُونَ أَمَامَهُ، طَارِحِينَ أَكَالِيلَهُمُ الذَهَبِيَّةَ، إِلَى آخِرِهِ. وَمُجَدَّدًا، نِلْنَا امْتِيَازَ إِمْعَانِ النَظَرِ فِي الدَارِ الدَاخِلِيَّةِ لِلسَمَاءِ، حَيْثُ نَرَى هَؤُلاءِ الْمَلائِكَةَ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ، نَقْرَأُ لَيْسَ فَقَطْ عَنْ مَلاكٍ وَاحِدٍ أَوْ مَلاكَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ يُرَافِقُونَ حُضَورَ اللهِ، بَلْ رِبْوَاتٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ - أَيِ الآلافِ وَعَشَرَاتِ الآلافِ مِنَ الْمَلائِكَةِ - هُمْ جَمِيعًا جُزْءٌ مِمَّا نُسَمِّيهِ "جُنْدَ السَمَاءِ" (heavenly host).

وَبِالْمُنَاسَبَةِ، كَلِمَةُ "هُوسْت" الإِنْجْلِيزِيَّةُ الَتِي اسْتَخْدَمْتُهَا هُنَا لا تَعْنِي الشَخْصَ الَذِي يُقِيمُ مَأْدُبَةً، أَوِ الَذِي يَسْتَضِيفُكَ فِي مَنْزِلِهِ لِحُضُورِ وَلِيمَةٍ فَخْمَةٍ. لَكِنَّ كَلِمَةَ "هُوسْت" مُسْتَخدَمَةٌ هُنَا كَمُرَادِفٍ لِكَلِمَةِ "جَيْشٍ". فَهُنَاكَ جَيْشٌ كَامِلٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ، يُدْعَوْنَ أَحْيَانًا السَرَافِيمَ، وَأَحْيَانًا الْكَرُوبِيمَ. وَإِنْ سَأَلْتُمُونِي عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ السَرَافِيمِ وَالْكَرُوبِيمِ، لَنْ أَتَمَكَّنَ مِنَ الرَدِّ. فَلَسْتُ أَعْلَمُ الْفَرْقَ، لأَنَّهُ يَبْدُو أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يَسْتَخْدِمُ اللَفْظَيْنِ بِالتَبَادُلِ. إِنْ سَأَلْتُمْ بِيتَرْ بُول رُوبِينْزْ مَا هُوَ الْكَرُوبِيمُ - فَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى لَوْحَاتِهِ الْكْلاسِيكِيَّةِ، نَجِدُهُ يُصَوِّرُ الْكَرُوبِيمَ مِثْلَ مَلائِكَةٍ أَطْفَالٍ، لَكِنَّ هَذَا مِنْ وَحْيِ خَيَالِ الْفَنَّانِ، وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى تَفْسِيرٍ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.

لَكِنْ عَلَى أَيِّ حَالٍ، نَرَى مُجَدَّدًا أَنَّ مَوْقِعَ السَرَافِيمِ وَالْكَرُوبِيمِ هُوَ فِي مَحْضَرِ اللهِ، إِذْ يُدَاوِمُونَ عَلَى تَسْبِيحِ اللهِ وَإِكْرَامِهِ لأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ، وَيَهْتِفُونَ بِذَلِكَ نَهارًا وَلَيْلًا. أَيْضًا، نَقْرَأُ قَدْرًا مِنَ الْوَصْفِ الْجِسْمَانِيِّ أَكْبَرَ مِمَّا جَاءَ فِي إِشَعْيَاءَ 6. كَانَ لِهَؤُلاءِ هَيْئَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ - شِبْهُ عِجْلٍ، وَمِثْلُ وَجْهِ إِنْسَانٍ، وَشِبْهُ أَسَدٍ، إِلَى آخِرِهِ. وَهُمْ مُمْتَلِئُونَ عُيُونًا يُعَايِنُونَ بِهَا مَحْضَرَ اللهِ. وَمَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ الْمَلائِكَةُ هُنَا هُوَ أَسْمَى رَجَاءٍ لِلْمُؤْمِنِ فِي حَيَاتِنَا - فِي حَيَاتِنَا الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ - وَهُوَ مَا نُسَمِّيهِ "الرُؤْيَةَ الطُوبَاوِيَّةَ". وَقَدْ أُعْطُوا عُيُونًا كَثِيرَةً كَيْ يَسْتَمْتِعُوا بِهَا. وَسُمِّيَتِ "الرُؤْيَةُ الطُوبَاوِيَّةُ" هَكَذَا لأَنَّهَا الرُؤْيَةُ الَتِي يَنْتُجُ عَنْهَا أَعْلَى مُسْتَوًى مِنَ النَعِيمِ يُمْكِنُ لأَيِّ مَخْلُوقٍ بَشَرِيٍّ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهِ. وَهَذَا هُوَ الرَجَاءُ الْمَوْضُوعُ أَمَامَ شَعْبِ اللهِ، وَالْوَعْدُ الَذِي قَطَعَهُ يَسُوعُ فِي الْعِظَةِ عَلَى الْجَبَلِ لِمَجْمُوعَةٍ خَاصَّةٍ مِنَ الْبَشَرِ، حِينَ قَالَ: "طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللَّهَ". إِذَنْ، قُطِعَ الْوَعْدُ بِمُعَايَنَةِ اللهِ لِلأَنْقِيَاءِ. وَنَحْنُ نُوصَى بِأَنْ نَكُونَ قِدِّيسِينَ. وَبِدُونِ الْقَدَاسَةِ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مَحْضَرَ اللهِ.

وَأَخِيرًا، فِي رِسَالَةِ يُوحَنَّا الأُولَى تَحَدَّثَ يُوحَنَّا عَنِ الْمَحَبَّةِ الْمُذْهِلَةِ الَتِي أَعْطَاهَا اللهُ لَنَا. "أُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ!" ثُمَّ تَابَعَ قَائِلًا: "الْآنَ نَحْنُ أَوْلَادُ اللهِ". ثُمَّ قَالَ: "وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ". يَسْأَلُنِي النَاسُ طَوَالَ الْوَقْتِ قَائِلِينَ: "أَرْ. سِي.، كَيْفَ بِرَأْيِكَ سَتَبْدُو السَمَاءُ؟" فَأُجِيبُ: "هَلْ تَظُنُّونَ أَنَّنِي زُرْتُهَا يَوْمًا؟" ثُمَّ يَقُولُونَ: "حَسَنًا، هَلْ سَأَكُونُ عَجُوزًا حِينَ أَصِلُ إِلَى هُنَاكَ؟ هَلْ سَأَظَلُّ فِي الْخَامِسَةِ وَالثَمَانِينَ إِلَى الأَبَدِ، أَمْ كَيْفَ سَأَكُونُ؟" فَأُجِيبُ: "لَيْسَتْ لَدَيَّ أَدْنَى فِكْرَةٍ، لَكِنِّي مُتَأَكِّدٌ أَنَّ اللهَ خَطَّطَ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّ الأَمْرَ سَيَكُونُ أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ نَتَصَوَّرَ مِنْ مَنْظُورِ هَذَا الْعَالَمِ. نَعْرِفُ ذَلِكَ، لَكِنْ رَجَاءً لا تَسْأَلُوني عَنْ تَفَاصِيلِ مَا سَتَبْدُو عَلَيْهِ السَمَاءُ، أَكْثَرَ مِمَّا أَعْلَنَهُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ.

لَكِنْ يَقُولُ يُوَحَنَّا: "وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ"، لَكِنَّنا نَعْلَمُ أَمْرًا وَاحِدًا: أَنَّنَا سَنَكُونُ مِثْلَهُ - مِثْلَ الْمَسِيحِ - لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ. وَعِبَارَةُ "كَمَا هُوَ " فِي اللُغَةِ اللَاتِينِيَّةِ - "en se est" - تَعْنِي "فِي جَوْهَرِهِ غَيْرِ الْمُحْتَجِبِ". هَذَا رَجَاؤُنا الأَعْظَمُ، أَنَّنَا سَنَحْظَى بِمَا يُسَمَّى رُؤْيَةَ اللهِ، فَإِنَّنَا سَنَرَاهُ. وَمُجَدَّدًا، يَسْأَلُ الْبَعْضُ: "كَيْفَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَرَاهُ حَتَّى بِأَجْسَادِنَا الْمُقَامَةِ؟ كَيْفَ سَنَتَمَكَّنُ مِنْ رُؤْيَتِهِ، إِذَا كَانَ بِطَبِيعَتِهِ رُوحًا، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَنْظُورٍ؟"

قَدَّمَ جُونَاثان إِدْوَارْدْز جَوابًا جَيِّدًا عَنْ هَذَا السُؤَالِ. أَوَّلًا، الْمُشْكِلَةُ الْكُبْرَى الَتِي تَحْجُبُ مَجْدَ اللهِ عَنْ أَعْيُنِنَا لا تَكْمُنُ فِي خَلَلٍ فِي عَصَبِنَا الْبَصَرِيِّ. بَلِ الْخَلَلُ يَكْمُنُ فِي الْقَلْبِ. فَالْخَطِيَّةُ هِيَ الْحَاجِزُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ. وَمَا دَامَتِ الْخَطِيَّةُ فِي قُلُوبِنَا - أَيْ مَا دُمْنَا غَيْرَ أَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ - لَنْ نُعَايِنَهُ. وَلِهَذَا بَعْدَ السُقُوطِ، أَطْلَقَ اللهُ هَذَا الْحَظْرَ الْعَامَّ: "لا أَحَدَ يَرَى اللهَ وَيَعِيشُ". لَكِنْ قَبْلَ دُخُولِ الْخَطِيَّةِ إِلَى الْبَشَرِيَّةِ، كَانَ هُنَاكَ وَعْيٌ بِمَجْدِهِ، وَكَانَتِ الرُؤْيَةُ الطُوبَاوِيَّةُ مُمْكِنَةً. وَحِينَ تَأَمَّلَ إِدْوَارْدْز فِي ذَلِكَ، تَكَلَّمَ عَنْ وَسَائِلِ الإِعْلامِ.

بِالأَمْسِ سَأَلْتُ أَحَدَهُمْ إِنْ كَانَ قَدْ شَاهَدَ مُبَارَاةَ كُرَةِ قَدَمٍ مُعَيَّنَةٍ، فَأَجَابَنِي بِأَنَّهُ شَاهَدَها. فَسَأَلْتُهُ: "هَلْ تَقْصِدُ أَنَّكَ كُنْتَ فِي الاسْتَاد؟" أَجَابَ: "لا". وَقَالَ: "شَاهَدْتُها عَبْرَ التِلْفَازِ". فَقُلْتُ: "إِذَنْ، أَنْتَ لَمْ تُشَاهِدِ الْمُبَارَاةَ، بَلْ شَاهَدْتَ صُورَةً إِلِكْتْرُونِيَّةً أَوْ نَقْلًا لِلْمُبَارَاةِ - أَيْ شَاهَدْتَ مُبَاراةً نُقِلَتْ إِلَيْكَ بِوَاسِطَةِ التِلْفَازِ. فَأَنْتَ لَمْ تُشَاهِدْهَا مُبَاشَرَةً أَوْ بِنَفْسِكَ". لَكِنْ حَتَّى حِينَ نَذْهَبُ إِلَى مُبَارَاةٍ لِكُرَةِ الْقَدَمِ، وَنَكُونُ بِالْفِعْلِ فِي الاسْتَادِ، أَيْ حَتَّى حِينَ نَرَى مَا نَرَاهُ بِأَعْيُنِنَا، فَإِنَّنَا نَرَى انْعِكَاسَ الضَوْءِ عَلَى الأَشْيَاءِ الْمَادِّيَّةِ، مُنْشِئًا رُدُودَ فِعْلٍ مُعَيَّنَةٍ فِي أَعْيُنِنَا، وَفِي الْعَصَبِ الْبَصَرِيِّ، إِلَى آخِرِهِ. فَحَتَّى آنَذَاكَ، مَا نَرَاهُ فِي الْعَالَمِ الْخَارِجِيِّ يُنْقَلُ إِلَى أَذْهَانِنَا بِوَاسِطَةِ حَوَاسِّنَا الْمَادِّيَّةِ. وَيَقُولُ إِدْوَارْدْز: "حِينَ نَرَى اللهَ فِي الْمَجْدِ، لَنْ نَحْتَاجَ إِلَى أَعْيُنٍ، وَلَنْ نَحْتَاجَ إِلَى أَعْصَابٍ بَصَرِيَّةٍ. بَلْ سَيَحْظَى الذِهْنُ بِتَصَوُّرٍ مُبَاشِرٍ لِمَجْدِ اللهِ". يَا لَلْعَجَبِ! فَحِينَ أُفَكِّرُ فِي الأَمْرِ، يَغْمُرُنِي الذُهُولُ الشَدِيدُ.

فِي هَذَا الْمَقْطَعِ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، اسْتَمْتَعَ الْمَلائِكَةُ الْحَاضِرُونَ بِالرُؤْيَةِ الطُوبَاوِيَّةِ، إِذْ كَانَتْ لَدَيْهِمْ أَعْيُنٌ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءَ. فَأَيْنَما اسْتَدَارُوا لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يَفُوتَهُمْ إِبْصَارُ مَجْدِ اللهِ. يَكَادُ هَذَا يُشْبِهُ مَجْمُوعَةً مِنَ الدُيُوكِ الرُومِيَّةِ. هَلْ سَبَقَ لَكَ أَنْ ذَهَبْتَ إِلَى الْغَابَةِ، وَرَأَيْتَ مَجْمُوعَةً مِنَ الدُيُوكِ الرُومِيَّةِ؟ أَذْكُرُ أَنَّنِي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَجْلِسُ فِي مَقْعَدِ الصَيَّادِينَ فَوْقَ شَجَرَةٍ - عُذْرًا عَلَى هَذَا الْخَيَالِ الْجَامِحِ - أَصْطَادُ الدُيُوكَ الرُومِيَّةَ. وَكُنْتُ - فِي مَوْسِمِ الصَيْدِ - كُنْتُ أُرَاقِبُ مَجْمُوعَةً مِنَ الدُيُوكِ الرُومِيَّةِ تَشُقُّ طَرِيقَهَا عَبْرَ الْغَابَةِ. بَدَأَ قَلْبِي يَخْفِقُ، وَازْدَادَ حَمَاسِي، وَأَنَا آمُلُ أَلَّا تَرَانِي لأَنْ بِإِمْكَانِها أَنْ تَرَاكَ وَأَنْتَ تَرْمِشُ مِنْ مَسَافَةِ مِئَةِ يَارِدَةٍ. لَكِنْ رَاقِبُوا كَيْفَ تُنَظِّمُ نَفَسَهَا فِيما تَسِيرُ فِي مَجْمُوعَاتٍ فِي الْغَابَةِ. فَطَوَالَ الْوَقْتِ، تَجِدُ دِيكًا يَنْظُرُ إِلَى الْخَلْفِ، وَآخَرَ يَنْظُرُ إِلَى الْيَمِينِ، وَآخَرَ يَنْظُرُ إِلَى الْيَسَارِ، وَآخَرَ يَنْظُرُ إِلَى الأَمَامِ. وَأَنَا أَرْجُو أَلَّا يَنْظُرَ أَحَدٌ مِنْهَا إِلَى فَوْقُ. لَكِنَّهَا تَحْظَى بِنَظْرَةٍ شَامِلَةٍ عَلَى كُلِّ مُحِيطِهَا، حَتَّى إِذَا أَطْلَقَ أَحَدُهَا نَاقُوسَ الْخَطَرِ، تُغَادِرُ جَمِيعُهَا فِي الْحَالِ. وَلِذَا يَصْعُبُ جِدًّا صَيْدُهَا. لَكِنْ مُجَدَّدًا، هِيَ تَعْتَمِدُ عَلَى الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ، لأَنَّهُ لا يَقْدِرُ دِيكٌ رُومِيٌّ وَاحِدٌ أَنْ يَرَى مَا وَرَاءَهُ. لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى آخَرَ لِيَنْظُرَ خَلْفَهُ. لَكِنَّ الْمَلائِكَةَ الَذِينَ يُوصَفُونَ هُنَا، أَيِ السَرَافِيمَ، مُمْتَلِئُونَ عُيُونًا، بِحَيْثُ لا يَغِيبُ اللهُ عَنْ نَظَرِهِمْ الْبَتَّةَ، بَيْنَمَا يَسْتَمْتِعُونَ بِالرُؤْيَةِ الطُوبَاوِيَّةِ لَحْظَةً بَعْدَ لَحْظَةٍ بَعْدَ لَحْظَةٍ.

أَوَدُّ إِلْقَاءَ نَظْرَةٍ عَلَى بَعْضِ النُصُوصِ الأُخْرَى، إِنْ أَمْكَنَ. أَوَدُّ أَنْ أَتَنَاوَلَ الأَصْحَاحَ الأَوَّلَ مِنْ سِفْرِ حِزْقِيَالَ، وَهُوَ مَرَّةً أُخْرَى وَاحِدٌ مِنْ أَكْثَرِ الأَصْحَاحَاتِ الَتِي يَصْعُبُ فَهْمُهَا، بِسَبَبِ غِنَاهُ بِالصُوَرِ وَالرُمُوزِ. يَبْدَأُ سِفْرُ حِزْقِيَالَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ: "كَانَ فِي سَنَةِ الثَّلَاثِينَ، فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ، فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَنَا بَيْنَ الْمَسْبِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ، أَنَّ السَّمَاوَاتِ انْفَتَحَتْ، فَرَأَيْتُ رُؤَى اللهِ". فَكَمَا نَالَ يُوحَنَّا امْتِيَازَ إِمْعَانِ النَظَرِ فِي الدَارِ الدَاخِلِيَّةِ لِلسَمَاءِ، فِي سِفْرِ الرُؤْيَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، هَكَذَا أُعْطِيَ حِزْقِيَالُ قَبْلَهُ هَذِهِ الرُؤْيَةَ السَمَاوِيَّةَ، فَكَتَبَ عَنْهَا. قَائِلًا: "فِي الْخَامِسِ مِنَ الشَّهْرِ، وَهِيَ السَّنَةُ الْخَامِسَةُ مِنْ سَبْيِ يُويَاكِينَ الْمَلِكِ، صَارَ كَلَامُ الرَّبِّ إِلَى حِزْقِيَالَ الْكَاهِنِ ابْنِ بُوزِي فِي أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ عِنْدَ نَهْرِ خَابُورَ. وَكَانَتْ عَلَيْهِ هُنَاكَ يَدُ الرَّبِّ".

وَهُنَا نَقْرَأُ عَنْ مَرْكَبَاتِ الرِيحِ. اسْمَعُوا هَذَا:

فَنَظَرْتُ وَإِذَا بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ جَاءَتْ مِنَ الشِّمَالِ. سَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ وَحَوْلَهَا لَمَعَانٌ، وَمِنْ وَسْطِهَا كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ اللَّامِعِ مِنْ وَسْطِ النَّارِ. وَمِنْ وَسْطِهَا شِبْهُ أَرْبَعَةِ حَيَوَانَاتٍ. وَهَذَا مَنْظَرُهَا: لَهَا شِبْهُ إِنْسَانٍ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ. وَأَرْجُلُهَا أَرْجُلٌ قَائِمَةٌ، وَأَقْدَامُ أَرْجُلِهَا كَقَدَمِ رِجْلِ الْعِجْلِ، وَبَارِقَةٌ كَمَنْظَرِ النُّحَاسِ الْمَصْقُولِ. وَأَيْدِي إِنْسَانٍ تَحْتَ أَجْنِحَتِهَا عَلَى جَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ. وَوُجُوهُهَا وَأَجْنِحَتُهَا لِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ. وَأَجْنِحَتُهَا مُتَّصِلَةٌ الْوَاحِدُ بِأَخِيهِ. لَمْ تَدُرْ عِنْدَ سَيْرِهَا. كُلُّ وَاحِدٍ يَسِيرُ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ.

رَأَيْتُ بِالْفِعْلِ بَعْضَ الْمُحَاوَلاتِ الْغَرِيبَةِ وَالْمُثِيرَةِ لِلاهْتِمَامِ مِنَ الْبَعْضِ لِرَسْمِ هَذَا الْمَشْهَدِ، بِطَرِيقَةٍ تُمَكِّنُ النَاسَ مِنْ فَهْمِهِ. لَكِنْ مَاذَا رَأَى حِزْقِيَالُ؟ رَأَى دَائِرَةً - بَكَرَةً دَاخِلَ بَكَرَةٍ تَدُورُ. وَبَيْنَما كَانَتْ تَدُورُ وَتَدُورُ، لَمْ تُغَيِّرْ فِعْلِيًّا مِنِ اتِّجَاهِهَا قَطُّ. بَلْ أَمْكَنَها الذَهَابُ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، نَوْعًا مَا. ثُمَّ نَرَى تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ بِأَجْنِحَتِهَا وَمَا إِلَى ذَلِكَ، تُرَافِقُهَا. لَكِنْ لاحِظُوا الْعَنَاصِرَ الَتِي صَاحَبَتْ ذَلِكَ. أَوَّلًا، رِيحٌ عَاصِفَةٌ، وَسَحَابَةٌ عَظِيمَةٌ، وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ، وَلَمَعَانٌ، وَبَرِيقٌ فِي الوَسَطِ، فِي وَسَطِ النَّارِ.

فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، تَمثَّلَ الظُهُورُ الرَئِيسِيُّ للهِ فِي النَارِ، أَوْ فِي نَوْعٍ مِنَ النِيرانِ. وَ"الثِيُوفَانِي" هُوَ ظُهُورٌ مَنْظُورٌ للهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ. كَلِمَةُ "ثِيُوسَ" تَعْنِي "اللهَ"، وَكَلِمَةُ "فَانْيُو" تَعْنِي "يُظْهِرُ نَفْسَهُ". وَ"فَانِيرُوس" مَعْنَاهَا "إِظْهَارُ". إِذَنْ، الثِيُوفَانِي هُوَ إِظْهَارٌ مَنْظُورٌ للهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ. وَنَرَاهُ عَادَةً فِي عَمُودِ النَارِ أَوْ فِي الدُخَانِ أَوْ فِي الْعُلَّيْقَةِ الْمُتَّقِدَةِ. يَقُولُ لَنَا كَاتِبُ الرِسَالَةِ إِلَى الْعِبْرَانِيِّينَ إِنَّ إِلَهَنا نَارٌ آكِلَةٌ. كَمَا نَرَاهُ فِي "مَجْدِ الشَكِينَةِ"، ذَلِكَ النُورِ الْبَرَّاقِ وَاللامِعِ الَذِي تَحَدَّثْنَا عَنْهُ، وَالَذِي يُرَافِقُ حُضُورَ اللهِ.

حَسَنًا، رَأَى حِزْقِيالُ كُلَّ هَذِهِ الْعَلامَاتِ عَلَى الأُلُوهِيَّةِ، وَعَلَى بَرِيقِ الْمَجْدِ، إِلَى آخِرِهِ، تَتَحَرَّكُ فِي هَذِهِ الْبَكَرَةِ دَاخِلَ بَكَرَةٍ. مَا هَذَا؟ مَا رَآهُ فِي هَذَا الشَيْءِ الَذِي يَدُورُ هُوَ الْعَرْشُ الْمُتَنَقِّلُ، أَوْ عَرْشُ اللهِ لِلدَيْنُونَةِ. وَكَانَ عَرْشُ اللهِ هَذَا يَتَنَقَّلُ عَبْرَ السَمَاواتِ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَيْسَ لِحُكْمِهِ حُدُودٌ. فَلا حَدَّ يُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَ مُلْكَهُ.

تَذكُرُونَ أَيْضًا الصُورَةَ الْقَاتِمَةَ لِمُغَادَرَةِ مَجْدِ اللهِ أُورُشَلِيمَ، حَيْثُ خَرَجَ هَذَا الشَكْلُ نَفْسُهُ مِنَ الْبَابِ، وَعَبَرَ فَوْقَ أُورُشَلِيمَ، وَغَادَرَ. هَذَا هُوَ عَرْشُ دَيْنُونَةِ اللهِ الْمُتَنَقِّلُ. وَبِالْمُنَاسَبَةِ، هَذَا هُوَ مَا نَقْرَأُ فِي سِجِلَّاتِ أَزْمِنَةِ مَا بَعْدَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَنَّهُ ظَهَرَ فِي وَسَطِ أُورُشَلِيمَ، خِلالَ خَرَابِ أُورُشَلِيمَ وَالْهُجُومِ عَلَيْهَا. قَالَ الْمُؤَرِّخُ يُوسِيفُوسُ - وَاسْتَهَلَّ سَرْدَهُ لِمَا جَرَى عِنْدَ خَرَابِ أُورُشَلِيمَ فِي عَامِ 70م، قَائِلًا إِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بِشَأْنِ إِدْرَاجِ هَذِهِ الشَهَادَةِ بِالذَاتِ، لأَنَّهَا تَبْدُو غَرِيبَةً جِدًّا. لَكِنَّهُ قَالَ إِنَّ كَثِيرِينَ جِدًّا ادَّعَوْا أَنَّهُمْ سَمِعُوا صَوْتًا مِنَ السَمَاءِ، فَنَظَرُوا إِلَى الأَعْلَى، وَرَأَوْا مَرْكَبَاتٍ فِي السَمَاءِ تُغَادِرُ أُورُشَلِيمَ. وَسُمِعَ صَوْتٌ يَقُولُ: "نَحْنُ رَاحِلُونَ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ". وَاعْتُبِرَ هَذَا عَلامَةً عَلَى رَحِيلِ اللهِ عَنِ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ. ثُمَّ دُفِعَتِ الْمَدِينَةُ الْمُقَدَّسَةُ بَعْدَ هَذَا لأَيْدِي الرُومَانِ الَذِينَ قَضَوْا عَلَيْهَا وَخَرَّبُوهَا تَمَامًا. هَذَا مَقْطَعٌ مُثِيرٌ لِلاهْتِمَامِ فِي كِتَابَاتِ يُوسِيفُوسَ. وَمِنَ الْجَيِّدِ أَنْ تَبْحَثُوا عَنْهُ فِي وَقْتٍ مَا وَتَقْرَؤُوهُ.

لَكِنْ مَرَّةً أُخْرَى، هَذِهِ الشَهَادَةُ مِنْ خَارِجِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مُتَّفِقَةٌ مَعَ الْوَصْفِ الَذِي نَجِدُهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى عَنِ الدَيْنُونَةِ الإِلَهِيَّةِ، وَعَنْ رَحِيلِ الْمَجْدِ الإِلَهِيِّ عَلَى هَذَا الْعَرْشِ الْمُتَنَقِّلِ وَالْمُتَحَرِّكِ لِدَيْنُونَةِ اللهِ، يُرَافِقُهُ الْمَلائِكَةُ. أَقُولُ ثَانِيَةً إِنَّ إِحَاطَةَ الْمَلائِكَةِ بِعَرْشِ اللهِ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فَقَطْ فِي سِفْرِ الرُؤْيَا وَفِي ظُهُورِ الْمَلَائِكَةِ هُنَا - أَيْ ظُهُورِ حَيَوَانَاتٍ بَارِقَةٍ كَالْفَحْمِ الْمُتَّقِدِ، أَجْنِحَتُهَا مُتَّصِلَةٌ أَحَدُهَا بِالآخَرِ. أَيْنَ نَجِدُ أَيْضًا ذَلِكَ الْوَصْفَ لأَجْنِحَةٍ مَلائِكِيَّةٍ مُتَّصِلَةٍ أَحَدُهَا بِالآخَرِ؟ فِي حَدَثِ إِقَامَةِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، حِينَ أَعْطَى اللهُ الْحِرَفِيِّينَ التَفَاصِيلَ الْمُحَدَّدَةَ الَتِي يَجِبُ أَنْ يَصْنَعُوا بِمُوجَبِهَا أَثَاثَ الْمَسْكَنِ. وَبِالطَبْعِ، كَانَ أَقْدَسُ غَرَضٍ هُوَ تَابُوتُ الْعَهْدِ، الَذِي يَحْوِي شَرِيعَةَ مُوسَى، أَيْ بُنُودَ تَعَاقُدِهِمْ مَعَ اللهِ، وَبَعْضَ الْمَنِّ، وَعَصَا هَارُونَ. كُلُّ هَذَا دَاخِلَ ذَلِكَ التَابُوتِ، الَذِي هُوَ عَرْشُ اللهِ الْمَوْضُوعِ فِي قُدْسِ الأَقْدَاسِ. وَمَا هُوَ الْغِطَاءُ؟ هُوَ كُرْسِيُّ الرَحْمَةِ، حَيْثُ تُقَدَّمُ التَقْدِمَاتُ فِي يَوْمِ الْكَفَّارَةِ، الَذِي فِيهِ يَدْخُلُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَنَةِ، مُتَمِّمًا "الْمُصَالَحَةَ"، بِسَكْبِ الدَمِ عَلَى غِطَاءِ كُرْسِيِّ اللهِ. لَكِنَّ مَا كانَ يُزَيِّنُ كُرْسِيَّ الرَحْمَةِ هُوَ تِمْثَالُ كَرُوبَيْنِ، يَرِفَّانِ، إِذَا جَازَ التَعْبِيرُ، فَوْقَ عَرْشِ اللهِ. وَقَدْ صُنِعا بِحَيْثُ تُلامِسُ أَجْنِحَتُهُما أَجْنِحَةَ الآخَرِ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّهُ حِينَ كَانَ عَرْشُ اللهِ يَتَقَدَّمُ شَعْبَ إِسْرَائِيلَ إِلَى الْمَعْرَكَةِ، كَانُوا يَنْتَصِرُونَ. وَذَلِكَ الْعَرْشُ - كُرْسِيُّ الرَحْمَةِ الْمَوْضُوعُ فِي قُدْسِ الأَقْدَاسِ دَاخِلَ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ - هُوَ نُسْخَةٌ أَرْضِيَّةٌ طِبْقُ الأَصْلِ مِنْ عَرْشِ اللهِ السَمَاوِيِّ، الَذِي هُوَ أَيْضًا مُتَنَقِّلٌ. فَهُوَ لَيْسَ ثَابِتًا، لَكِنَّهُ يَتَحَرَّكُ عَبْرَ السَمَاوَاتِ، مَصْحُوبًا دَائِمًا بِهَذَا الْجَيْشِ مِنَ الْمَلائِكَةِ - الْكَرُوبِيمِ وَالسَرَافِيمِ.

أَخِيرًا، نَعْرِفُ أَيْضًا أَنَّ لِلْمَلائِكَةِ مَجالًا وَمَوْقِعًا سَمَاوِيًّا مِنْ خِلالِ تَصْرِيحِ يَسُوعَ فِي إِنْجِيلِ مَتَّى، حِينَ أَتَى الأَطْفَالُ إِلَيْهِ، فَانْزَعَجَ التَلامِيذُ مِنْهُمْ وَأَرَادُوا إِبْعَادَهُمْ، فَقَالَ يَسُوعُ عَنِ الأَطْفَالِ: "أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ... كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ الله؟" الأَمْرُ الَذِي يُثِيرُ سُؤَالًا يُمْكِنُنَا التَطَرُّقُ إِلَيْهِ لاحِقًا - لَسْتُ مُتَأَكِّدًا، هَذَا يَعْتَمِدُ عَلَى وَقْتِنَا - عَنْ مَفْهُومِ الْمَلائِكَةِ الْحَارِسَةِ. لَكِنَّ الْفِكْرَةَ هِيَ أَنَّ يَسُوعَ قَالَ: "هَؤُلاءِ الصِغَارُ مَلائِكَتُهُمْ يَنْظُرُونَ وَجْهَ اللهِ دَائِمًا". إِذَنْ، هَذَا الْجُنْدُ السَمَاوِيُّ - كَمَا قُلْتُ لِتَوِّي - لَيْسَ مُجَرَّدَ جَوْقَةٍ صَغِيرَةٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ، لَكِنَّهُ جَيْشٌ مِنْ كَائِنَاتٍ رُوحِيَّةٍ، وَمَخْلُوقَاتٍ خَاصَّةٍ، تَقْتَضِي مُهِمَّتُهُمْ إِكْرَامَ عَرْشِ اللهِ، وَعِبَادَتَهُ، وَمُرَافَقَتَهُ.