تحديد دعوة الله
۱ سبتمبر ۲۰۲۱مَثَل الخروف الضال ومَثَل الدرهم المفقود
۳ سبتمبر ۲۰۲۱مجال الطموح الصالح
"أَعْطِنِي هذَا الْجَبَلَ... فَأَطْرُدَهُمْ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ". هذه هي كلمات كالب البالغ من العمر ثمانين عامًا، والتي تم تسجيلها في سفر يشوع، حيث اندفع شعب إسرائيل ليدخل الأرض واستعدوا لمحاربة أعدائهم (يشوع 14: 12). في ضوء العقبات التي كانت أمام كالب والمخاطر التي تُمثِّلها تلك العقبات، لا يسعنا أن نراه سوى شخص طموح.
لكن هل كانت طموحات كالب جيِّدة أم شرِّيرة؟ كثيرًا ما تستحضر كلمة "طموح" صورًا سلبيَّة لمصرفيي الاستثمار في وول ستريت والذين يبرِّرون الطمع الذي يخدم مصالحهم الشخصيَّة. أو قد يجد المرء الكلمة موضوعة على ملصق تحفيزي لمتسلِّق يتشبَّث بجانب الجبل وهو يحاول الصعود. لكن أيُّهما يمثِّل الطموح إذن؟ هل الطموح سيء أم يجب أن نزرعه في أنفسنا وفي أطفالنا؟ هل يشجِّع الكتاب المُقدَّس على الطموح؟
عندما نقوم بالبحث عن كلمة "طموح" في الكتاب المُقدَّس نجدها في نصوص مُتعدِّدة مُترجَمة من عدَّة كلمات يونانيَّة. يتم استخدام كلمة "طموح" في كل من السياقات الإيجابيَّة والسلبيَّة. سلبيًّا، أدان يعقوب أولئك الذين لديهم "غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَزُّبٌ" (يعقوب 3: 14). وإيجابيًّا، قال بولس: "كُنْتُ مُحْتَرِصًا أَنْ أُبَشِّرَ" (رومية 15: 20). من الواضح أن الكتاب المُقدَّس يعترف بكل من الطموح الجيِّد والشرِّير. فكيف نعرف الفرق؟
دعونا نتذكَّر ما هو الطموح. تعريف القاموس هو ببساطة رغبة في تحقيق غاية معيَّنة. لكن ربَّما يكون هذا التعريف ضعيفًا بعض الشيء – حيث يُمكن تطبيقه على قرارات الحياة اليوميَّة التي لا تُعتبر طَمُوحة. لذلك اسمحوا لي أن أقترح التعريف التالي للطموح: رغبة قويَّة تؤدِّي إلى الاستعداد للتغلُّب على العقبات لتحقيق غاية معيَّنة. هناك ملاحظتان في غاية الأهميَّة يجب طرحهما هنا. أوَّلًا، العلاقة بين "الرغبة" و"الغاية". ثانيًا، لاحظ أن التعريف يشمل أيضًا الكلمات "التغلُّب على العقبات" و"تحقيق" ممَّا يشير إلى أن هناك حاجة إلى قدرٍ مُعيَّن من الجهد، كما سيتم استخدام وسائل للقيام بذلك. دعونا نتناول كل من هذه الملاحظات بمزيد من التفصيل.
الرغبات والغايات:
كل منَّا لديه رغبات: رغبات العقل والجسد. الرغبة هي أحد أبعاد كونك مخلوقًا، فهي نتاج العقل والجسد. المشكلة هي أن الخطيَّة تُشوِّه هذه العلاقة بطرق عديدة. أوَّلًا، تؤدِّي الخطيَّة إلى رغبات (شهوات، مشيئات، أهواء) لغايات خاطئة. أي أن طبيعتنا الساقطة تُشوِّه تفكيرنا لدرجة أنَّنا نرغب في السعي وراء غايات لا تُرضي الله (يعقوب 4: 1-3).
ثانيًا، تُشوِّه الخطيَّة توافق العلاقة بين الرغبة والغاية، ممَّا يجعلنا نرغب حتى في الغايات الصحيحة بالقدر الخاطئ من الرغبة (رغبة ضعيفة للأمور الحسنة، ورغبة قويَّة للأمور العاديَّة أو التافهة). لنتذكَّر هنا كلمات الرب يسوع للفريسيين في متى 23: 23:
وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالشِّبِثَّ وَالْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ.
على هذا النحو، يُذكِّرنا الكتاب المُقدَّس مرارًا وتكرارًا بتجديد أذهاننا لنُقدِّر ما يُقدِّره الله ولنكره ما يكرهه الله. يجب أن ندرب عقولنا (وبالتالي مشاعرنا) على محبَّة ما يحبه الله. لاحظ ما تقوله رومية 12: 2: "وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ"؛ وكذلك مزمور 37: 4: "وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ".
الوسائل:
الجزء الثاني من تعريف الطموح هو استخدام الوسائل لتحقيق الغايات المرجوَّة. تقودنا الخطيَّة إلى تشويه وسائل الله المُعلَنة لتحقيق الغايات، ففي أغلب الأحيان نستخدم منهجيَّات خاطئة لتحقيقها. ولكن يجب أن تكون الوسائل المُستخدَمة أيضًا مُتوافقة مع كلمة الله. الكتاب المُقدَّس مليء بالوصايا والمبادئ التي ترشدنا في استخدام الوسائل، حيث تخبرنا بما هو مشروع وما هو غير ذلك. حتى لو كانت الرغبة جيَّدة وكانت الغاية تُرضي الله، فلا يجوز لنا استخدام وسائل غير مشروعة لتحقيق هذه الرغبة. قد نرغب في إنجاب طفل، وهذا من شأنه أن يُرضي الله، لكن اختطاف طفل ما كوسيلة لتحقيق هذه الغاية هو خطيَّة.
دلالات الطموح الصالح:
إذن، دعونا نجمع هذه الملاحظات معًا ونخرج بمنظور كتابي حول الطموح. أوَّلًا، يجب أن يكون لدينا طموحات صالحة. يصف بولس نفسه بأنَّه طموح، وبالتأكيد كان ربنا طموحًا (باستخدام تعريفنا أعلاه) لتحقيق دعوته كنبي وكاهن وملك. ثانيًا، يتطلَّب الطموح الصالح رغبات مرتبطة بطريقةٍ صحيحة بغايات صالحة. ثالثًا، يستخدم الطموح الصالح الوسائل الصالحة لتحقيق هذه الغايات. لكن كيف ننمِّي الطموح الصالح؟
الانضباط، والواجب، والرغبة:
أوَّلًا، يجب أن ندرك الأدوات التي يمنحها لنا الله ونستخدمها. يكتب بولس في 1 تيموثاوس 4: 7 قائلًا: "رَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى". علينا أن نفهم أن هناك دورًا للانضباط في حياة كل مؤمن للتغلُّب على الكسل والعمل على النمو في التقوى.
ثانيًا، هناك واجب. كثير من المؤمنين يتذمَّرون عند سماعهم لكلمة "واجب". لكن يجب أن يُفهم الواجب على أنَّه وسيلة لتحقيق الغاية. فالواجب هو طاعة مُنضبطة مع مراعاة نمو محبتنا لكل ما نعمله. فالواجب هو الابتهاج بما يُسر الله حتى نختبر تلك المسرَّة الفعليَّة. نكلِّف أنا وزوجتي أطفالنا بالأعمال المنزليَّة، وغالبًا ما يرفضون القيام بها، لكن هدفنا هو مساعدتهم على تطوير حب النظام والعمل حتى يصبح الواجب الكامن وراءهم ثانويًّا. فالانضباط والواجب طريقان للمسرَّة.
الهُويَّة المسيحيَّة والطموح:
هناك طريقة أخرى للنمو في الطموح الصالح وهي أن يفهم المؤمنون هُويَّتهم ومكانتهم وهدفهم.
فيما يتعلَّق بالمكانة، يجب أن يكون لدى كل مؤمن فهم كتابي واضح لطبيعة انتمائه كمواطن في ملكوت الله. إن فهم أنَّنا أبناء الخالق وفى علاقة عهديَّة معه أمر أساسي لفهم مَن نحن. سوف يساعدنا التفكير في أولويَّات الملكوت والدينونة النهائيَّة على تشكيل طموح صالح.
بالإضافة إلى فهم مَن نحن (المكانة)، نحتاج إلى معرفة سبب وجودنا (الغرض). في بداية الخليقة، أخبر الله آدم وحواء بما يجب عليهما القيام به – وهو ما نسميِّه التكليف الحضاري (تكوين 1: 28). فنحن مدعوون لنثمر ونتكاثر. للأسف، فإنَّ العديد من الذين يؤمنون بالمسيح قد قلَّلوا من مسؤوليَّة الزواج والإنجاب. في الثقافة الحديثة، يُعتَبر كل من الزواج والإنجاب أمر صعب لدرجة أنهم يؤدِّيان إلى نتائج عكسيَّة على الحريَّة الشخصيَّة والفرح. ولكن مثل القطار الذي يريد أن يتحرَّر من القضبان، كذلك أولئك الذين يتطلَّعون إلى تحقيق مصيرهم الذي أعدُّوه بأنفسهم على عكس أهداف الخلق التي من أجلها خلق الله البشريَّة. كمؤمنين، يجب أن نتغلَّب على هذا التيَّار ونتمسَّك بالزواج كعطية من الله. ما لم يكن لدينا الدعوة النادرة والمُحدَّدة لعدم الزواج من أجل الخدمة، يجب أن نكون طموحين في الزواج، وإنجاب الأطفال، وتأسيس العائلات الصالحة.
يتناول التكليف الحضاري للتسلُّط على الكوكب قضية العمل والدعوة. هل ترى أن عملك جزء من هذا التكليف بطريقةٍ ما؟ يجب عليك أن ترى ذلك إذا كانت وظيفتك مشروعة. وعندما ترى عملك كجزء من خطة الله، ومن صورته الكبيرة، فإن طموحك في العمل بشكلٍ جيِّد، وفي النجاح، يجب أن ينمو.
التكليفات المذكورة أعلاه تتعلَّق بالأسرة والمجال المدني. لكن الله وضعنا أيضًا في الكنيسة. وهو بذلك وصف لنا أيضًا الدور الذي يجب أن نقوم به في دعواتنا كأخوة وأخوات. أعطى الله كل مؤمن موهبة روحيَّة (رومية 12؛ 1 كورنثوس 12؛ أفسس 4؛ 1 بطرس 4) لكي نخدم بها بعضنا البعض. كما تم إعطاؤنا التكليف لكي نذهب إلى العالم ونعلن رسالة الإنجيل (مرقس 16: 15)، وأن نتلمذ جميع الأمم (متى 28: 19). كلا من الاهتمامين المُؤكَّدين –الخدمة الداخليَّة في الكنيسة والإعلان الخارجي للعالم– ضروريَّان للطموح المسيحي الصالح وللتطبيق.
كتب بولس في 2 كورنثوس 5: 9 قائلًا: "لِذلِكَ نَحْتَرِصُ أَيْضًا مُسْتَوْطِنِينَ كُنَّا أَوْ مُتَغَرِّبِينَ أَنْ نَكُونَ مَرْضِيِّينَ عِنْدَهُ". يا ليت هذا الوصف ينطبق علينا نحن أيضًا.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.