الكتاب المقدس وحده وبالإيمان وحده
٤ يوليو ۲۰۱۹النهضة الحقيقية والنهضة المزيفة
۹ يوليو ۲۰۱۹الإسلام اليوم
كلما أقوم بالتدريس عن الإسلام، سواء في كلية اللاهوت أو في الكنيسة، أتلقَّى دائمًا أسئلة مثل: "كيف يفكّر المسلم بالشأن الفلاني...؟" إجابتي النموذجية هي بسؤال آخر: "أي مسلم تقصد؟"
تخيَّل شخصًا يسأل سؤالاً مماثلاً: "كيف يفكر المسيحيون في الشأن الفلاني؟" حسنًا، أي نوع من المسيحيِّين تقصد؟ هل مشيَّخي محافظ أم معمداني من جنوب أمريكا؟ هل ليبرالي يتبع كنيسة نهضة القداسة؟ أم خمسيني؟ أم قبطي؟ أم عضو في كنيسة تتبع جماعة أعمال الرسل 29 في مدينة سياتل أو كنيسة معمدانيَّة أصوليَّة في أعماق الجنوب؟ هل قس، أم أكاديمي، أم مسيحي عادي؟ هل أمريكي، نرويجي، أوكراني، سوري، رواندي، أم ماليزي؟ أعتقد أنك فهمت المغزى.
في الواقع، هناك الكثير من التنوع في العالم الإسلامي كما هو الحال في العالم المسيحي. فكما أننا لا نريد أن ينظر غير المسيحيين إلينا بنظره واحدة للمسيحية "بمقياس واحد يناسب الجميع"، ينبغي أن نعي ونجيب بشكل مناسب لتعدديَّة الرؤى، والتقاليد، والممارسات القائمة بين المسلمين المعاصرين. في هذه المقالة، سنستكشف بعض نقاط التنوُّع الرئيسيَّة الموجودة في الإسلام اليوم وسننظر في الآثار المترتبة على كيفيَّة تعاملنا مع المسلمين.
مما لا شك فيه أن الانقسام الأبرز في العالم الإسلامي هو الانقسام بين السنة والشيعة، الذي يعود إلى الصراعات الداخليَّة المريرة في العقود الأولى من الإسلام. يمثِّل السنة 85–90% من المسلمين اليوم. والدول الوحيدة ذات الغالبيَّة الشيعيَّة هي إيران، والعراق، وأذربيجان، والبحرين. في بعض النواحي، يمكن مقارنة الانقسام السني – الشيعي في الإسلام بالانشقاق بين الشرق والغرب في المسيحيَّة الذي يفصل بين التقاليد اللاهوتية الشرقيَّة (الأرثوذكسيَّة الشرقيَّة) والتقاليد اللاهوتية الغربيَّة (البروتستانتيَّة وكنيسة الروم الكاثوليك)، على الرغم من أنه لا يجب المبالغة في هذا التشبيه.
إن الخلاف المركزي بين السنة والشيعة هو سياسي أكثر من كونه فقهي، فهو يتعلَّق بالقيادة الشرعيَّة للأمة (الجالية الاسلامية في جميع أنحاء العالم). يُّصر الشيعة على أن الأمة يجب أن يقودها أئمة مرشدون إلهيًّا، كل منهم ينحدر من الإمام علي، ابن عم وصهر محمد. وعلى الرغم من أن علي كان الخليفة الرابع، إلّا أن الشيعة يعتقدون أنه كان يجب أن يرث عباءة القيادة فور وفاة محمد. ينقسم الشيعة إلى طوائف عدة، مثل "الاثني عشرية" المهيمنة في إيران، بسبب خلافات حول كيفيَّة تتبُّع خط القيادة من خلال أحفاد علي. في المقابل، يعتقد السنة أنهُ من حيث المبدأ يمكن لأي مسلم تقي أن يكون خليفة. عادةً ما ينظر الشيعة إلى أنفسهم كأقليَّة مضطهدة ولكنها صالحة على مدار التاريخ الإسلامي. ومن المنصف القول إن السنة والشيعة ينظرون إلى بعضهم البعض على أنهم مخطئين، إن لم يكن مهرطقين.
هناك نقطه أخرى مهمة في التنوّع الإسلامي تتمثَّل في الصوفيَّة، أي التقليد الصوفي السري في الإسلام. ببساطة، الصوفيون هم "الكاريزميُّون" في الإسلام. ليست الصوفيَّة فرعًا أو طائفة مستقلة من الإسلام إلى جانب الإسلام السني والشيعي، ولكنها بالأحرى نهج اختباري أكثر للتقوى يمكن العثور عليه بين الجماعتين. ظهرت الصوفيَّة وانتشرت في العصور الوسطي كرد فعل على الشرعيَّة الجافة للإسلام السائد الذي أعطى القليل من الاهتمام للروحانيَّة الشخصيَّة ومعرفة لله الاختباريَّة. ركَّزت الصوفيَّة المبكرة على الوحدة مع الله وقاربت من عقيدة وحدة الوجود، وهي النظرة القائلة بأن الله هو واحد مع الكون — وتلك الفكرة هي تجديف تام عند المسلمين مستقيمي العقيدة. بعد قرون، أدخل الفقيه الغزالي (1058–1111) الصوفيَّة إلى التيار الرئيسي بإعادة صياغتها بعبارات تقليديَّة أكثر، وظلت الروحانيَّة الصوفيَّة تيارًا بارزًا للديانة الإسلاميَّة منذ ذلك الحين.
تؤكِّد الصوفيَّة على التقوى الشخصيَّة، والخبرة الباطنيَّة السريَّة، والتدريبات الروحيَّة مثل التلاوة، والتأمل، والزهد، والصلاة، والإنشاد، والتي يُعتقد أنها تجلب الروح إلى اتحاد أوثق بالله. إن أحد أفضل الجماعات الصوفيَّة المعروفة هي الطريقة المولوية، أو "دراويش المولوية" والتي يقوم أتباعها بالرقص الدائري ليس لمجرد العروض الفنيَّة ولكن كأعمال من التفاني الروحي. كثيرًا ما عُومل الصوفيون على أنهم هراطقة وتضطهدهم الأغلبيَّة السنيَّة. وحتى اليوم، يُنظر إليهم عمومًا بارتياب وازدراء من قبل المسلمين التقليديين بسبب معتقداتهم وممارساتهم الخاصة.
إن المبشرون المسيحيُّون الذين يعملون مع المسلمين في الدول الأقل تقدُّمًا على دراية تامة بالنزعة المتنوعة والشاذة للإسلام المعروفة باسم "الإسلام الشعبي". الإسلام الشعبي هو النسخة الإسلامية للديانة الشعبيَّة، وهو نظام عقائدي توفيقي يمزج بين الديانة التوحيديَّة التقليديَّة والخرافات الوثنيَّة. (على سبيل المقارنة، فكّر في اندماج كاثوليكيَّة الروم مع السحر والتنجيم في أجزاء من منطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينيَّة). عادةً ما يهتم الإسلام الشعبي بالحاضر — أي الحماية من الأرواح الشريرة والتأقلم مع المعاناة اليوميَّة — أكثر من الإسلام السائد بمنظوره الأخروي المُتزمت.
يلتزم أتباع الإسلام الشعبي العام بالعديد من الممارسات الخرافيَّة مثل طرد الأرواح بالتعويذات والتمائم السحريَّة، وتلاوة آيات القرآن لتحقيق الشفاء المعجزي. وقد يُنسبُ إلى محمد وضعًا شبه إلهي ويتم مناشدته للمساعدة فوق الطبيعيَّة، على غرار الطريقة التي تُعامل بها مريم العذراء في كاثوليكيَّة الروم الشعبيَّة. يطرح الإسلام الشعبي تحديات وفرصًا مميزة للإرساليَّات المسيحيَّة. قام الطبيب المصلح صموئيل زومير (1867–1952)، الملقب "الرسول إلى الإسلام"، بإجراء بحث رائد حول هذا المظهر التوفيقي للإسلام، ملاحظًا أن الرب يسوع يتناول احتياجات ومخاوف المسلمين الشعبيين بطريقة لم يستطع محمد القيام بها أبدًا.
يجب أن يدرك المسيحيُّون في الولايات المتحدة شكلاً أخر من أشكال الإسلام الرئيسي والمميَّز الموجود بين الأمريكيين من أصل أفريقي. ففي عام ١٩٣٠ تأسست منظمة أمّة الإسلام (Nation of Islam - NOI) على يد والاس د. فورد (Wallace D. Ford) الذي أصبح لاحقًا والاس فورد محمد (Wallace Fard Muhammad) وهي حركة تُمثِّل تفوّق العرق الأسود. وفي الأصل، كان ارتباط منظمة أُمَّة الإسلام بالإسلام الرئيسي ضعيفًا جدًا. تم اختيار اسم المنظمة في المقام الأول ليكون مناقضًا للمسيحيَّة، التي تُوصف على أنها ديانة سلالة البيض مالكة العبيد، إلى جانب الرأي القائل بأن الإسلام هو الدين الأفريقي الأصلي. كانت تعاليم قادة المنظمة الأصليين أبعد ما تكون عن الإسلام التاريخي كبُعد طائفة المورمون عن المسيحيَّة القويمة.
ومع ذلك، في أواخر سبعينات القرن الماضي تخلى زعيم المنظمة، والاس د. محمد، عن جذورها العنصريَّة وجعلها تتماشى مع الإسلام السني التقليدي، وترتب على ذلك دخول مئات الآلاف من الأمريكيِّين السود في التيار الرئيسي للإسلام بين عشية وضحاها. (انتعشت منظمة أمة الإسلام الأصليَّة فيما بعد كمجموعه منشقة وهي مستمرة اليوم تحت قيادة لويس فاراخان [Louis Farrakhan]). واليوم يُمثِّل الأمريكيُّون الأفارقة واحد من كل خمسة مسلمين في الولايات المتحدة الأمريكيَّة، مقارنة بواحد من كل ستة مسيحيين.
يميل المسيحيُّون في الغرب إلى تعريف الإسلام بالدين الأصولي القائم على القرآن الموجود في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا — ولسبب وجيه. وعلى الرغم من ذلك، فإن الإسلام الأصولي لا يُمثِّل سوى اتجاه واحد من عده اتجاهات يقودها الإسلام اليوم. واجه العالم الإسلامي أزمه ثقة منذ إلغاء الخلافة العثمانيَّة في 1924. ومنذ ذلك التاريخ، لم تكن هناك خلافة معروفة يمكن للمسلمين السير تحت لوائها. سقطت الخلافات الإسلاميَّة المختلفة التي سيطرت على الكثير من العالم المتحضر في القرون السابقة، وذلك جعل المسلمون يتساءلون: "ما الذي حدث وأين موضع الخطأ، وكيف يمكن إصلاحهُ؟"
بشكلٍ عام، ظهرت حركتان إصلاحيتان مختلفتان للغاية استجابة لهذه الأزمة. تُصر الحركة الأصوليَّة على أن الإسلام بحاجة إلى العودة إلى جذوره: فالمسلمون اليوم، بمن فيهم زعماء الدول ذات الأغلبيَّة المسلمة، ليسوا إسلاميين بالقدر الكافي. والحل المقترح هو العودة إلى التمسُّك المطلق بالقرآن والأحاديث (التقاليد المتعلِّقة بمحمد والجماعة المسلمة المبكرة). في المقابل، تدّعي الحركة التقدميَّة أن الإسلام قد تعثَّر لأنه فشل في التصالح مع الحداثة، على عكس الغرب المسيحي. وفي هذا الرأي، فإن الطريق إلى الأمام هو إصلاح الإسلام وتحضُّره ليتكيَّف مع العالم الحديث. من الواضح أن هذا يتطلَّب إتباع نهج أكثر مرونة وانتقائيَّة إزاء المصادر الإسلاميَّة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين يقف معظم المسلمين اليوم فيما يختص بحركات الإصلاح المتضاربة هذه؟ لا يوجد إجابة بسيطة لهذا السؤال، ولكن من الإنصاف أن نقول إن معظم المسلمين يجدون أنفسهم ممزقين بين الإثنين. فاحتماليِّة العيش في ظل التفسير الصارم للشريعة الإسلاميَّة الذي دعا إليه الأصوليُّون لا يحظى سوى بقدر ضئيل من الجاذبيَّة، وقد خاب أملهم من دائرة العنف التي يرتكبها التيار الإسلامي المتشدِّد. ومع ذلك، لا يمكنهم التخلُّص من الشعور بأنه عندما يتعلَّق الأمر بتمثيل "الإسلام الحقيقي" القائم على القرآن والأحاديث، فإن دعوة الأصوليِّين أفضل من دعوة المُحدثين.
إلى جانب هذه التقاليد والانقسامات المختلفة في العالم الإسلامي، يمكننا أيضًا أن نجد تنوعًا ثقافيًّا كبيرًا ناهيك عن الاختلافات المألوفة في الشخصية والمزاج التي تميز البشر. ولا يعني أي من هذا أن الإسلام كيان غير متبلور وغير قابل للتعريف. لا يزال بإمكاننا أن نتكلم بشكلٍ هادف عن "الإسلام السائد" باعتباره دينًا توحيديًّا صارمًا يُعرَّف بأنه التسليم والخضوع لإرادة الله، الذي كشف عنه نبيّهُ محمد، والمحفوظ في القران والأحاديث، والمُعبَّر عنه في "الأركان الخمسة" التي يُطبّقها الإسلام. ومع ذلك، ونحن ندور حول هذه النواة نجد تنوعًا مُحيِّرًا في أشكال الإسلام.
ماذا يعني هذا في الحوار المسيحي مع المسلمين؟ من بين أمور أخرى، يجب علينا تطبيق القاعدة الذهبيَّة، والسعي لتجنب الصور النمطيَّة عن المسلمين تمامًا كما نقاوم الصور النمطيَّة عن المسيحيين. ففي حوارنا مع المسلمين، يجب أن نقضي الوقت الكافي للاستماع وفهم وجهة نظرهم الخاصة عن الإسلام وتداعياته قبل أن نستعمل مِشرَط كلمة الله. بثقتنا في كفاية الكتاب المقدس، يمكننا أن نثق ليس فقط في أن تشخيص الكتاب المقدس للحالة الإنسانيَّة الساقطة ينطبق على كل فرد مسلم، باعتباره رفيق من ذرية آدم، ولكن أيضًا في أن الطُرق التي من خلالها تعامل المسيح ورسله مع الأشكال المختلفة من التديُّن الزائف في العهد الجديد تُشكل دليلًا قيِّمًا لنا ونحن نحمل مياه الحياة لجيراننا المسلمين.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.