هل انتهى الإصلاح؟
۲۹ ديسمبر ۲۰۲۲الإصلاح الحقيقي
۵ يناير ۲۰۲۳لماذا كان الإصلاح ضروريًّا؟
إن الكنيسة في حاجة دائمة إلى الإصلاح. وحتى في العهد الجديد نفسه، نرى يسوع يوبِّخ بطرس، وبولس يقوِّم مؤمني كورنثوس. وبما أن المؤمنين لا يزالون خطاة، ستظل الكنيسة بحاجة دائمة إلى الإصلاح. لكنَّ السؤال الذي نطرحه الآن هو: متى تصبح هذه الحاجة ضرورة مطلقة؟
توصَّل مصلحو القرن السادس عشر العظام إلى استنتاج في أيامهم بأن الإصلاح كان أمرًا ملحًّا وضروريًّا. وفي سعيهم إلى إصلاح الكنيسة، رفضوا نوعين من التطرُّف. فمن ناحية، شجبوا أولئك الذين أصرُّوا على أن الكنيسة سليمةٌ في جوهرها، ولا تحتاج إلى تغييرات أساسية. لكنهم شجبوا، من ناحية أخرى، أولئك الذين ظنُّوا أن باستطاعتهم خلق كنيسة كاملة ومثالية في كلِّ تفاصيلها. فقد كانت الكنيسة بحاجة إلى إصلاح أساسي، لكنها ستظل أيضًا بحاجة مستمرة إلى إصلاح نفسها. وقد خلص المصلحون إلى هذه الاستنتاجات من واقع دراستهم للكتاب المقدس.
في عام 1543، طلب مارتن بوسر (Martin Bucer)، مُصلِح ستراسبرج، من جون كالفن أن يكتب دفاعًا عن الإصلاح، ليقدِّمه إلى الإمبراطور تشارلز الخامس في اجتماع المجلس التشريعي للإمبراطورية، الذي كان من المقرَّر انعقاده بمدينة شباير في عام 1544. فقد عَلِم بوسر أن إمبراطور روما الكاثوليكي كان مُحاطًا بمستشارين يشوِّهون سمعة الإصلاح في الكنيسة، ورأى أن كالفن هو الشخص الأقدر على الدفاع عن القضية البروتستانتية.
قبل كالفن هذا التحدي، وكتب واحدًا من أفضل مؤلَّفاته، بعنوان "ضرورة إصلاح الكنيسة". ومع أن هذه الأطروحة القوية لم تُقنع الإمبراطور، صار الكثيرون يعتبرونها أفضل عرض لقضية الإصلاح قدِّم على الإطلاق.
بدأ كالفن أطروحته هذه بإبداء ملاحظة مفادها أن الجميع يتفقون معًا على أن الكنيسة تعاني من "أمراض متعدِّدة ومؤسفة". وقال كالفن إن الوضع خطير لدرجة أنه لم يَعُد بإمكان المؤمنين تحمُّل "مزيد من التأجيل" للإصلاح، أو انتظار "علاجات بطيئة". ورفض الرأي القائل إن المصلحين مذنبون بتهمة "الابتداع المتسرِّع والخاطئ"، وأصر بالأحرى على أن "الله أقام لوثر والآخرين" كي يحفظ "حقَّ ديانتنا". ورأى كالفن أن أساسات المسيحية صارت مهدَّدة بالخطر، وأن الحق الكتابي وحده هو القادر أن يجدِّد الكنيسة.
ثم أشار كالفن إلى أربع مجالات كبرى في حياة الكنيسة كانت بحاجة إلى الإصلاح. وهذه المجالات تُشكِّل ما دعاه كالفن "روح الكنيسة وجسدها". تتمثَّل روح الكنيسة في "عبادة نقية وسليمة لله"، وفي "خلاص البشر". أما جسد الكنيسة، فيتمثل في "ممارسة الفرائض"، و"إدارة الكنيسة". ووفقًا لكالفن، تَكمُن هذه الأمور في لُبِّ الجدالات حول الإصلاح، وهي ضرورية لحياة الكنيسة، ولا يمكن أن نفهمها فهمًا صحيحًا إلا في ضوء تعليم الكتاب المقدس.
ربما يفاجئنا وضع كالفن عبادة الله في قمة القضايا المحتاجة إلى إصلاح؛ إلا أن هذا الاعتقاد كان ثابتًا لديه. فقبل ذلك، كتب إلى الكاردينال سادوليتو يقول: "لا شيء يشكِّل خطرًا على خلاصنا أكثر من عبادةٍ سخيفة وفاسدة لله". فالعبادة هي وسيلة التقائنا بالله، وينبغي أن يُدار هذا اللقاء وفقًا لمعايير الله. وتُبيِّن عبادتنا ما إذا كنا نقبل كلمة الله حقًّا بصفتها سلطتنا العليا، ونخضع لها، أم لا. فالعبادة التي نمارسها وفقًا لمعاييرنا نحن هي شكل من أشكال التبرير بالأعمال، كما أنها نوعٌ من عبادة الأوثان.
انتقل كالفن بعد ذلك إلى القضية التي نرى على الأغلب أنها أكبر قضية في الإصلاح، وهي قضية عقيدة التبرير، قائلًا:
نحن نؤكِّد، بغض النظر عن الوصف الذي قد يُنسَب إلى عمل الإنسان، أن الإنسان يُحسَب بارًّا أمام الله فقط على أساس الرحمة المجانية، وذلك لأن الله، ودون أدنى اعتبار للأعمال، يتبنَّى الإنسان مجانًا في المسيح، عن طريق احتساب برِّ المسيح له، كما لو كان هو برُّه الشخصي. وهذا ما نسمِّيه التبرير بالإيمان، الذي بموجبه يتجرَّد الإنسان من أيَّة ثقة في أعماله، ويصير على قناعة بأن الأساس الوحيد لقبول الله له هو برٌّ ليس فيه، بل هو برٌّ مستعار من المسيح. والفكرة التي تغيب دائمًا عن ذهن البشر (إذ ساد هذا الخطأ في كلِّ العصور تقريبًا) تكمن في تخيُّلهم أن الإنسان، مهما كان فاسدًا ومعيبًا جزئيًا، لا يزال يستحق إلى حدٍّ ما رضا الله عليه بأعماله.
هاتان القضيتان الأساسيتان اللتان تُشكِّلان روح الكنيسة مدعومتان من جسد الكنيسة، أي الفرائض وإدارة الكنيسة. فينبغي أن تعود الفرائض مرة ثانية إلى معناها النقي والبسيط، وإلى استخدامها الموجود في الكتاب المقدس. كذلك، على إدارة الكنيسة أن ترفض أيَّ طغيان يقيِّد ضمير المؤمنين بما يخالف كلمة الله.
عندما ننظر إلى الكنيسة في يومنا هذا، نستطيع أن نستنتج بالفعل وجود حاجة، بل ضرورة، للإصلاح في كثير من المجالات التي أثارت حفيظة كالفن بشكل كبير. وفقط كلمة الله وروحه هما القادران في النهاية أن يصلحا الكنيسة. لكن، علينا أن نصلي، ونعمل بأمانة وإخلاص، إلى أن يتحقق هذا الإصلاح في زماننا.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.