قدوس الله - خدمات ليجونير
ما معنى الثبات في المسيح؟
۱۲ مايو ۲۰۲۰
4 دلالات من لاهوت مارتن لوثر
۱٤ مايو ۲۰۲۰
ما معنى الثبات في المسيح؟
۱۲ مايو ۲۰۲۰
4 دلالات من لاهوت مارتن لوثر
۱٤ مايو ۲۰۲۰

قدوس الله

يخبرنا لقب "قدوس الله" أن الرب يسوع قدوس بلا حدود وبشكل كامل، وإله كامل فيه يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاهوت. فهو متسامٍ وكلي العظمة والجلال. هو الذي نزل من عُلاه ليخلِّص الخطاة، لكنه، في الوقت ذاته، منفصل عن الخطاة لأنه بلا خطية، وبلا أي لائمة أو عيب؛ فهو كامل في جميع طرقه. طبيعته مقدسة. شخصه قدوس. ذهنه قدوس. دوافعه مقدسة. أقواله مقدسة. أفعاله مقدسة. طرقه مقدسة. أحكامه مقدسة. من هامة رأس الأقنوم الثاني في الذات الإلهيَّة حتى أخمص قدميه، وكل ذرة فيه، وبحاله، وبكيانه، وبجوهره مساوٍ لله الآب في القداسة.

ما هي قداسة الله؟ أولًا، هي تتعلَّق "بالتسامي" أو "الاختلاف". يتعلَّق مفهوم القداسة بالاختلاف الجوهري بينه وبيننا. تشمل القداسة جلاله الفائق، وسموِّه العظيم. فهو فريد في تميُّزه عنَّا. ولكونه الكائن غير المحدود فوقنا، فهو وحده المستحق لتسبيحنا وعبادتنا. كان قد تساءل موسى قائلًا: "مَنْ مِثْلُكَ بَيْنَ الْآلِهَةِ يَا رَبُّ؟ مَنْ مِثْلُكَ مُعْتَزًّا فِي الْقَدَاسَةِ، مَخُوفًا بِالتَّسَابِيحِ، صَانِعًا عَجَائِبَ؟" (خروج 15: 11). فهذه هي القداسة التي أدركها إبليس؛ فقد عرف أن الرب يسوع هو العالي، والمرتفع، والفائق في السماء وعلى الأرض.

ثانيًا، هي تتعلَّق بطهارته الفائقة وكماله الذي بلا عيب. فالله بلا لوم أو عيب أخلاقيًّا في جميع طرقه. لقد شدَّد إشعياء النبي على هذه الصفة في شخصيته باستخدامه المتكرِّر لها بصفتها أحد ألقاب الله الرسميَّة بقوله: "قدوس إسرائيل". ذُكر أن سفر إشعياء منقسم إلى جزئين: الجزء الأول ويضم 39 أصحاحًا، والآخر يضم 27 أصحاحًا. يتكرَّر هذا اللقب للإشارة إلى الله في الجزء الأول 12 مرة. وفي الجزء الثاني، يتكرَّر 17 مرة. أي يُلقَّب الله بلقب "قدوس إسرائيل" 29 مرة في سفر إشعياء. فنقرأ على سبيل المقال: "اسْتَهَانُوا بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ" (1: 4)؛ "لِأَنَّ قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ فِي وَسَطِكِ" (12: 6)؛ "وَفَادِيكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ" (41: 14).

لا شك أن تكرار إشعياء لهذا اللقب نابع من مقابلته مع الله الحي المدونة في الأصحاح السادس، عندما دخل إلى الهيكل ورأى الرب العالي والمرتفع، وحول العرش السرافيم ينادون ليلاً ونهارًا: "قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ"، معلنون بترديدهم هذا أن الله هو أقدس كائن، والفائق في قداسته على أي مخلوق. فلا عجب، بعد رؤيته لهذا، أن يدعو إشعياء الله باستمرار "قدوس إسرائيل". كتب فرانز ديلتزش (Franz Delitzsch)، المفسِّر العظيم للعهد القديم، يقول إن هذا اللقب "يشكِّل جزءًا مهمًا من بصمة إشعياء النبويَّة". بعبارة أخرى، إنها بصمة إشعياء الفريدة، وختمه على صفحات سفره ليُعرِّف أن الله قدوس مرارًا وتكرارًا.

عندما لقَّبه إبليس، في الأصحاح الأول من إنجيل مرقس، لقبًا شبيهًا بما استخدمه إشعياء "قُدُّوسُ اللهِ"، لم يترك مساحة لأي شك حول التعريف الذي كان يحدِّده. فدعونا نتأمَّل ما يعنيه هذا اللقب على الرب يسوع.

أولًا، يُعد لقبًا إلهيًّا. بالفعل شعرنا بمدى قرب الشبه بينه وبين اللقب الذي خصَّصه إشعياء لله. وعلى المنوال ذاته، دعا الله نفسَه "أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ" في خروج 3: 14، ثم لقَّب الرب يسوع نفسه بهذا اللقب حين قال: "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ" (يوحنا 6: 48)؛ "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ" (يوحنا 8: 12)؛ "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ" (يوحنا 11: 25). فهو أخذ لقب الله في العهد القديم لنفسه ليعلن أنه معادل لله. فهنا يحدث شيء مشابه، على الرغم من أنه في هذا الموقف الناطق بلقب الرب يسوع هو إبليس.

لا نقرأ لقب "قدوس الله" سوى مرة واحدة في مقطع آخر في العهد الجديد. عندما قرَّر بعض تلاميذ الرب يسوع التوقُّف عن اتِّباعه، سأل الرب يسوع الاثني عشر قائلًا: "أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟" (يوحنا 6: 66-67). فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ: "يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلَامُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ، وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ"، وفي ترجمات أخرى "أنت قدوس الله"، (الآيات 68-69). أي أن بطرس بهذه الكلمات يحدِّد هويَّة معلِّمهم بأنه الله المتجسِّد، وهذا ما يعنيه اللقب.

ثانيًا، يُعد لقبًا للاتِّضاع البشري. فهو يقر بأن الله القدوس الجالس على عرشه في السماوات، قد نزل ليكون مع البشر غير المقدَّسين. يتعلَّق هذا اللقب بحقيقة أن الله إله السماوات، العالي، والعظيم، والملك، قد اتَّخذَ جسدًا بشريًّا ولكن بلا خطية. قال الرب يسوع بفمه: "لِأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ" (يوحنا 6: 38). كان الرب يسوع الله القدوس في صورة البشر.

ثالثًا، يُعد لقبًا للكمال بلا خطية. إن كان هو الله، على الرغم من بشريته، إذن الرب يسوع كلي الطهارة. ويؤكِّد الكتاب المقدس على هذا في مواضع كثيرة، نقرأ: "وَلَيْسَ فِيهِ خَطِيَّةٌ" (1 يوحنا 3: 5)؛ "الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلَا وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ" (1 بطرس 2: 22)؛ "الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً" (2 كورنثوس 5: 21). وبالمثل قال الرب يسوع: "رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ" (يوحنا 14: 30). ما كان يقوله الرب يسوع هنا هو: "ما من مكمن لإبليس داخلي. ولم يُقم أي عَدوَة أمامي. ولم يُشيِّد أي معاقل شيطانيَّة ليقصفني منها بنيران الجحيم". لقد قاوم الرب يسوع كل تجربة بثبات. كما استطاع الرب يسوع أن يقول لأعدائه: "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟" (يوحنا 8: 46) لأنه كان بلا خطية.

في الجلجثة، وُضعت كل خطايانا على حمل الله الذي بلا خطية، وفي المقابل وهبنا طاعته لناموس الله الطاهرة بلا خطية والكاملة. هذه هي المقايضة العظيمة التي تمت في الجلجثة: "لِأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لِأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ" (2 كورنثوس 5: 21). تحتَّم على الرب يسوع أن يأتي كما فعل، مولودًا من عذراء، لكي يكون ما هو عليه، كامل بلا خطية، لكي يقوم، القدوس، بما فعله — أن يموت على الصليب بصفته حمل الله الذي بلا خطية، ليصير خطية لأجلنا.

يقول الكتاب المقدس إنه بالموت أباد الرب يسوع ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس (عبرانيين 2: 14). لقد قيَّد القوي، ونهب بيته من على الصليب، وحرَّر السبايا (متى 12: 29؛ أفسس 4: 8). يُظهر انتصاره أن "الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَم" (1 يوحنا 4: 4). لذا ينبغي أن نصرخ "شُكْرًا لِلهِ الَّذِي يُعْطِينَا الْغَلَبَةَ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1 كورنثوس 15: 57).

تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.

ستيفن لوسان
ستيفن لوسان
الدكتور ستيفن لوسان هو مؤسس هيئة خدمات وانباشون (OnePassion). وهو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير، ومدير برنامج الدكتوراه في الخدمة في كلية لاهوت (The Master’s Seminary)، ومدير لمعهد الوعظ التفسيري. وقد كتب أكثر من عشرين كتابًا.