4 دلالات من لاهوت مارتن لوثر - خدمات ليجونير
5 أمور ينبغي عليك أن تعرفها عن موسى
۳ مايو ۲۰۲۳
ما هو اسم الله؟
۸ مايو ۲۰۲۳
5 أمور ينبغي عليك أن تعرفها عن موسى
۳ مايو ۲۰۲۳
ما هو اسم الله؟
۸ مايو ۲۰۲۳

4 دلالات من لاهوت مارتن لوثر

ما الذي تعنيه سيادة الله، والخلاص بالنعمة، والتبرير بالإيمان، والحياة الجديدة بالاتّحاد بالمسيح لعيش الحياة المسيحيَّة؟ بالنسبة إلى مارتن لوثر، تحمل هذه الأمور أربع دلالات:

  1. المسيحيّ مُبرّر، ومع هذا هو خاطئ.

الدلالة الأولى هي معرفة أنّ المؤمن المسيحيّ هو simul iustus et peccator، أي هو تبرّر لكنّه مازال خاطئًا في الوقت ذاته. وكان قد حفَّز كتاب (Theologia Germanica) لجون تولر (John Tauler) لوثر بهذا المبدأ الذي ترسَّخ داخله ومفاده: في قرارة نفسي، لا أرى سوى إنسان خاطئ؛ لكن حين أرى نفسي في المسيح، أرى إنسانًا احتُسِبَ بارٌّ بالبرّ الكامل الذي للمسيح. لذلك، فإنّ مثل هذا الإنسان يستطيع الوقوف أمام الله بارًّا كما يسوع المسيح — لأنّه لا يُعدّ بارًا إلّا بالبرّ الذي للمسيح. بهذا نقفُ آمنين.

  1. الله صار أبانا في المسيح.

الدلالة الثانية هي إدراك أنّ اللهَ صار أبانا في المسيح، وأنّنا مقبولون. دَوَّن جون شلاجينهاوفن (John Schlaginhaufen) السوداويّ إلى حدّ ما والمحبوب كثيرًا، وربّما لدلالة خاصّة، أحد أروع القصص عن لوثر في حديث المائدة (Table Talk) قائلًا:

بكلّ تأكيد لا بدّ أنّ الله أكثر وُدًّا معي، ويتحدَّث إليَّ بطريقة ودودة أكثر من حديث زوجتي كاتي إلى صغيرنا مارتن. فلا يمكنني أنا أو زوجتي أنْ نفقعَ عينَي صغيرنا أو نهشم رأسه عن سابق تصوّر وتصميم، ولا الله يُمكنه أنْ يفعلَ ذلك. لا بدّ أنّ الله يتحلّى بالصبر من نحونا، وقد برهن على ذلك بإرساله لابنه في هيئتنا لكي نرجو فيه الأفضل.

  1. حمل الصليب هو ما يُميّز الحياة المسيحيّة برمّتها.

الدلالة الثالثة هي تشديد لوثر على أنّ الحياةَ في المسيح هي حتمًا حياة تحت الآلام. إن اتّحدنا بالمسيح، ستشبه حياتُنا حياتَه. فطريق كلّ من الكنيسة الحقيقيَّة والمسيحيّ الحقيقيّ ليس عبر لاهوت المجد (theologia gloriae)، بل عبر لاهوت الصليب (theologia crucis). ويؤثِّر هذا فينا داخليًّا بموتنا عن ذواتنا، وخارجيًّا بمشاركتنا في آلام الكنيسة، لأنّه لا بدّ أن يتغلّب لاهوت الصليب على لاهوت المجد للعصور الوسطى. على الرغم من جميع اختلافات لوثر وكالفن حول فهم طبيعة الأسرار المقدَّسة بالتحديد، إلّا أنّهما اتّفقا في هذا الأمر. إن اتّحدنا بالمسيح في موته وقيامته، وخُتمنا بالمعموديَّة (كما يُعلِّم بولس في رومية 6: 1-14)، ستصير حياة المسيحيّ برمّتها حياة مُميّزة بحمل الصليب، فيقول:

لا يعني صليب المسيح تلك القطعة الخشبيّة التي حملها المسيح على كتفَيه، والتي سُمِّر عليها عقب ذلك، بل يعني أنّ جميع آلام المؤمن التي يعانيها بشكل عام، هي آلام المسيح. مكتوب في 2كورنثوس 1: 5: "كَمَا تَكْثُرُ آلَامُ الْمَسِيحِ فِينَا"؛ وفي كولوسي 1: 24: "الْآنَ أَفْرَحُ فِي آلَامِي لِأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لِأَجْلِ جَسَدِهِ، الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ". لذلك، يرمز صليب المسيح بشكل عامّ إلى جميع آلام الكنيسة التي تعانيها من أجل المسيح.

بالنسبة إلى لوثر، صار اتّحاد المؤمن بالمسيح في موته وقيامته وثماره في الاختبار اليوميّ، العدسات التي من خلالها يتعلَّم المسيحي رؤية كلّ تجربة يمرّ بها في حياته. هذا، أي لاهوت الصليب (theologia crucis)، ما يشحذ التركيز على كلّ شيء، ويُمَكِّننا من فَهم النموّ والسقطات في الحياة المسيحيَّة، فيقول:

معرفة هذه الأمور تنفعنا وإلّا سيغمرنا الحزن أو يغشينا اليأس حين نرى أعداءَنا يضطهدوننا، ويحرموننا من الكنيسة، ويقتلوننا. لكن دعونا نتأمَّل في قرارة أنفسنا فيما قاله بولس، بأنّه ينبغي أنْ نفتخرَ بالصليب الذي نحمله، لا من أجل خطايانا بل من أجل المسيح. إنْ لم نحتسب سوى لأنفسنا الآلام التي نعانيها، سنراها آلامًا ظالمة ولا يمكن تحمُّلها؛ ولكن حين نردِّد: "كَمَا تَكْثُرُ آلَامُ الْمَسِيحِ فِينَا" أو كما في مزمور 44: 22: "لِأَنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ"، لن تكون مجرّد آلام سهلة وحسب، بل خفيفة أيضًا، كما هو مكتوب: "لِأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ" (متى 11: 30).

  1. الحياة المسيحيّة مختومة باليقين والفرح.

الدلالة الرابعة هي أنّ الحياة المسيحيَّة مختومة باليقين والفرح. وقد كانت هذه الدلالة إحدى سمات الإصلاح على نحو جليّ. إعادة اكتشاف الإصلاح للتبرير — الذي بدلًا من الجهاد على رجاء نواله، تبدأ به الحياة المسيحيَّة في الواقع — رافقها خلاص مذهل يغمر العقل والإرادة والمشاعر بالفرح. أي أنّ في استطاعة الإنسان أنْ يبدأ في العيش على ضوء مستقبل مضمون في المجد. وقطعًا، لقد انعكس هذا النور على الحياة الحاضرة حاملًا غنى الراحة والتحرير.

إعادة اكتشاف الإصلاح للتبرير — الذي بدلًا من الجهاد على رجاء نواله، تبدأ به الحياة المسيحيَّة في الواقع — رافقها خلاص مذهل يغمر العقل والإرادة والمشاعر بالفرح.

بالنسبة إلى لوثر، الحياة المسيحيَّة هي حياة مؤسّسة على الإنجيل، ومبنيّة على الإنجيل، وتعظّم الإنجيل؛ إنّها حياة تُعلن وتُظهر نعمة الله السياديَّة المجّانيَّة؛ حياة يغمرها الامتنان للمخلِّص الذي مات من أجلنا؛ حياة تشاركه نير الصليب حتّى يُبتلع الموت إلى غلبة، ويغدو الإيمان عيانًا.

في عام 1522، بينما كان الشعب جالسًا في كنيسة بورنا (Borna) يستمع إلى وعظ لوثر في أحد أيّام الآحاد، ربّما تساءل البعض من رعيّته عمَّا يَكمن في قلبِ هذا الإنجيل الذي أثار حماس الأخ مارتن، لا بل قام بتجديده. هل يمكن أنْ يحدثَ ذلك معهم أيضًا؟ عرف لوثر مبتغاهم، فصعد على المنبر وهو على أتمّ الاستعداد للإجابة على سؤالهم قائلًا:

لكن، ما هو الإنجيل؟ الإنجيل هو أنّ الله أرسل ابنه إلى العالم ليخلِّص الخطاة، يوحنا 3: 16، وليسحق الجحيم، ولينتصر على الموت، وليرفع الخطيئة، وليتمِّم الناموس. لكن ماذا ينبغي أنْ نفعلَ؟ لا ينبغي علينا أن نفعل أيّ شيء سوى القبول به، والنظر إلى فاديك، والإيمان بيقين أنّه فعل كلّ هذا من أجل خيرك، وأنّه يمنحك كلّ شيء مجّانًا، حتّى عندما تكون في أهوال الموت والخطية والجحيم، ستكون قادرًا بالاتكال على صنيعه بجرأة وشجاعة أنْ تقولَ بثقة: على الرغم من أنّني لم أكمل الناموس، وعلى الرغم من استمرار الخطيئة وخوفي من الموت والجحيم، إلّا أنّني أعرف من الإنجيل أنّ المسيح قد منحني كلّ ما فعله. وأنا على يقين أنّه لا يكذب، وأنه سيحقِّق وعدَه حقًا. وقد نلت المعموديّة علامة على ذلك.


على هذا أُلقي بمرساة يقيني. فأنا أعلم أنّ ربّي يسوع المسيح قد انتصر على الموت، والخطيئة، والجحيم، والشيطان من أجل خيري. لقد كان بريئًا كما قال بطرس: "الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلَا وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ" (1 بطرس 2: 22). لذلك لم تقدر الخطيئة أن تقتله ولا الموت، ولم يستطع الجحيم أنْ يأسرَه؛ فقد صار سيّدًا عليهما، ومنح هذا لكلّ من يَقبَله ويؤمن به. وهذا كلّه ليس بأعمالي أو باستحقاقاتي، بل بالنعمة وحدها، وصلاح الله، والرحمة.

قال لوثر مرّة: "إنْ كنت أؤمن أن ّالله ليس غاضبًا منّي، فسأقف على رأسي من فرحي". ربّما في ذلك اليوم عينه استجاب بعض ممّن سمعوا عظته واختبروا "اليقين" الذي تحدَّث عنه. مَن يدري، ربّما كتب بعض المستمعين الصغار لاحقًا لأصدقائهم يخبرونهم أنّهم عادوا إلى منازلهم ووقفوا على رؤوسهم من الفرح؟

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

سينكلير فيرجسون
سينكلير فيرجسون
الدكتور سينكلير فيرجسون هو عضو هيئة التدريس في خدمات ليجونير وأستاذ استشاري لعلم اللاهوت النظامي في كلية اللاهوت المُصلَحة. شغل سابقًا منصب الراعي الأساسي في الكنيسة المشيخيَّة الأولى في مدينة كولومبيا، بولاية ساوث كارولاينا، وقد كتب أكثر من عشرين كتابًا، بما في ذلك "المسيح كاملًا" (The Whole Christ).