لا يملك إبليس مفاتيح الموت
۱٤ أبريل ۲۰۲۰ماذا كان قبل الله؟
۲۰ أبريل ۲۰۲۰شعور زائف باليقين
"على الرغم من أن المرائين والناس الآخرين غير المجدّدين قد يخدعون أنفسهم باطلًا بآمالٍ زائفة وافتراضات جسدانيّة بأنهم في رضى الله، وفى حالة الخلاص (رجاءهم هذا سيخيب): مع ذلك فالذين يؤمنون حقًا بالرب يسوع، ويحبونه بإخلاصٍ، مجتهدين أن يسلكوا بكل ضمير صالح أمامه، بإمكانهم، في هذه الحياة، التأكد يقينًا بأنهم في حالة النعمة، ويمكنهم أن يبتهجوا على رجاء مجد الله، ذلك الرجاء الذي لن يخزيهم أبدًا". (إقرار إيمان وستمنستر 18: 1)
يعلِّمنا هذا المقطع بأن الأشخاص غير المُجدَّدين قد يمتلكون شعورًا زائفًا باليقين من جهة خلاصهم، لكن المؤمنين الحقيقيِّين يمكنهم امتلاك شعورًا حقيقيًّا باليقين. لننظر إلى اليقين بالنسبة للأنواع الأربعة من البشر في العالم.
المجموعة الأولى من الناس لم ينالوا الخلاص وهم على دراية بذلك. فهم غير مُجدَّدين ويعلمون ذلك. وهم لا يعنيهم أن يصيروا مؤمنين.
المجموعة الثانية من الناس هم في حالة النعمة، لكنهم غير متأكِّدين من خلاصهم. يخبرنا إقرار إيمان وستمنستر، كما سنرى، بأن يقين الخلاص يمكن التأكُّد منه ويجب بالفعل السعي إليه. ومع ذلك، لم يصل بعد كل مَن هو في حالة النعمة إلى الاستنتاج بأنه في هذه الحالة. قد يظن مثل هؤلاء الناس أنهم نالوا الخلاص أو يأملون في ذلك، ولكن قد لا يكون لديهم اليقين الكامل بأنهم بالفعل كذلك. تتأرجح درجة يقينهم بين الثبات والتزعزع. خلال دراستنا لموضوع مثابرة القديسين، أشرنا إلى أنه يمكن أن يسقطوا بشكل خطير وكبير، ولكن ليس بشكل كامل ونهائي. عندما يكون هؤلاء الناس في وسط سقوط خطير، يمكن أن يكون لديهم أسئلة جادة حول حالة نفوسهم.
من السهل شرح المجموعة الثالثة من الناس. فهم في حالة النعمة ولديهم يقين من خلاصهم.
ما يعقِّد مسألة اليقين برمته هي المجموعة الرابعة: أولئك الذين لم ينالوا الخلاص ولكنهم يعتقدون أنهم مُخلَّصون. هناك مجموعتان تمتلكان يقين الخلاص، ولكن واحدة فقط منها نالت بالفعل الخلاص. لذلك، إن كان لشخص ما يقين الخلاص، فكيف له أن يتأكَّد من أن يقينه حقيقي، وليس اليقين الزائف لشخص مرائي وغير مؤمن؟ وكيف يمكن لأشخاص لم ينالوا الخلاص ومع ذلك لهم يقين كامل بأنهم مُخلَّصون؟
إن الطريقة الرئيسيَّة التي يحصل بها الناس على شعور زائف بيقين خلاصهم هي باكتسابهم فهمًا خاطئًا لطريقة الخلاص. يؤمن كثير من الناس بمفهوم التبرير بالموت، وهو عقيدة مؤيِّد الشموليَّة. يمكن شرح منطقهم كالتالي: "ينال جميع الناس الخلاص بواسطة إله مُحب ورحيم. وبما أنني إنسان، فإن ذلك يعني أنني مُخلَّص ولا يمكن أن أفقد خلاصي". هدفنا هنا ليس مناقشة ادِّعاءات الشموليَّة والتي لا يمكن إثباتها من الكتاب المقدس، بل إظهار كيف يمكن أن يتملك الناس شعورًا زائفًا بيقين خلاصهم من خلال كونهم شموليِّين.
ربما تكون أكثر عقيدة عن التبرير انتشارًا في الثقافة الحديثة هي عقيدة التبرير بالأعمال. يؤمن معظم الناس بما فيهم مَن يُطلقون على أنفسهم إنجيليِّين أن الناس سوف يذهبون إلى السماء إذا عاشوا حياة صالحة. فهم يعتقدون: "أنا شخص صالح جدًا، فأنا أفعل كل ما بوسعي من خير، ولم أرتكب أي خطأ فادح. لذلك فالله راضي". وربما يعتقد المؤمنون: "أتطلع إلى اليوم الذي فيه أذهب إلى السماء، فلقد تردَّدت على الكنيسة لمدة أربعين عامًا، وكنت خادمًا في مدارس الأحد، وأعطيت المال للكنيسة ولصالح أغراض جيدة، ولم أقتل أبدًا أي شخص أو أرتكب الزنا". إن ثقة هؤلاء الناس مبنية على أساس صلاحهم الشخصي، وهذا ليس التعليم الكتابي عن الخلاص.
هذا المفهوم الخاطئ عن الخلاص منتشر في ثقافتنا، وهو ضار بقدر انتشاره، لأنه يحجب الإنجيل الحقيقي تمامًا. ومن نتائجه المدِّمرة إعطاء الناس شعورًا زائفًا بالأمان. حذَّرنا يسوع من ذلك في الموعظة على الجبل (متى 5-7). فقرب نهاية الموعظة، قال عن يوم الدينونة بأن: "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟" (متى 7: 22). وهم لا يقولون "يارب" مرتين للتأكيد بل للحميميَّة. حوالي خمسة عشر مرة في الكتاب المقدس يتم استخدام الصيغة الشخصيَّة للمنادى مرتين للتعبير عن مستوى عميق من الألفة والمودَّة الشخصيَّة. لهذا فإن تحذير المسيح مرعب للغاية. فالمسيح يتحدَّث عن أشخاص سوف يأتون إليه في اليوم الأخير، ليس فقط معترفين به كرب بل أيضًا يدَّعون وجود علاقة شخصيَّة حميميَّة معه. فهو يتحدَّث عن أشخاص سيواجهون الدينونة ولديهم شعور عميق باليقين تجاه حالة النعمة التي لهم وتجاه علاقتهم الشخصيَّة بيسوع المسيح. وسوف يدَّعون بأنهم أخرجوا الشياطين باسمه، وبأنهم وعظوا، وخدموا، وشاركوا في العمل المرسلي لكنيستهم، واشتركوا في الكرازة. ولكن قال المسيح: "فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!" (الآية 23).
إن مصيرنا لا يتحدَّد بمعرفتنا بيسوع بل بمعرفته هو لنا. من الواضح أنه يعرف الجميع بأسمائهم، ولكن عندما قال: "إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ!" فهو بذلك يعني: "لم أعرفكم قط على المستوى الشخصي، والحميمي، والخلاصي، فأنتم تتظاهرون بذلك". إنه لأمر مخيف، ولكنه من الوارد، أن يكون لدينا يقين زائف. لهذا السبب يجب علينا أن نفحص أنفسنا بعناية للتأكُّد من أن اعتراف إيماننا هو بالفعل حقيقي.
إن السبب الرئيسي والأساسي الذي يجعل الناس يحصلون على شعور زائف باليقين هو فهمهم الخاطئ للخلاص. فهم يعتقدون بأنهم نالوا الخلاص على أساس أعمالهم الصالحة. يظن البعض الآخر أنهم نالوا الخلاص تلقائيًّا من خلال ممارسة الأسرار المقدَّسة للكنيسة. بحسب هذا الرأي، تؤمن الكنيسة الكاثوليكيَّة الكلاسيكيَّة بأن عطايا الله تنتقل من خلال "ممارسة الأعمال" (ex opere operato)، بواسطة خدمة الأسرار المقدسة في الكنيسة. هناك حرفيًّا الملايين من الناس الذين يبنون ثقتهم على خدمات الكنيسة. لا تقتصر هذه العقليَّة على الكنيسة الكاثوليكيَّة بل يشاركها العديد من البروتستانت الذين يعتقدون أنه إذا كانوا أعضاء في الكنيسة، فهذا هو كل ما يتطلَّبه الأمر لينالوا الخلاص.
في حالة وجود شعور زائف باليقين، من المحتمل أن تكون عقيدة الخلاص خاطئة. يقول بعض الناس: "العقيدة غير مهمة، كل ما تحتاج إلى معرفته هو يسوع". والسؤال هنا: "مَن هو يسوع؟" إذا أجبنا على هذا السؤال فإننا نتعامل مع العقيدة. يتعلَّق لاهوتنا بمحتوى الإيمان المسيحي، وتعاليم الكتاب المقدس، وأهم قضايا الوجود البشري، أي كيف يمكننا أن نرتبط بالإله الحي. وهذا سؤال عقائدي. إذا كانت عقيدتنا خاطئة، فقد يؤدي هذا إلى شعور خاطئ باليقين. من ناحية أخرى، حتى لو كانت عقيدتنا صحيحة، فهذا لا يكفي ليعطينا يقينًا حقيقيَّا للخلاص. فنحن لا نتبرر عن طريق اعتناقنا لعقيدة التبرير. يمكن للشيطان أن يحصل على الدرجة النهائيَّة في اختبار علم اللاهوت النظامي. فالشيطان يعرف الحق، ولكنه يكرهه، ويبقى قلبه مبتعدًا عن الحق. إن مجرد وجود عقيدة صحيحة عن التبرر في ذهن المرء ليس ضمانًا للخلاص. يمكن للمرء أن يكون لديه فهم خاطئ عن عقيدة التبرير ولا يزال مبرَّرًا. من الممكن أن يكون لديك العقيدة الخاطئة، ولكن المضمون الصحيح في الذهن والقلب، وعدم القدرة على التعبير عنه.
لنفترض أن العقيدة الصحيحة هي عقيدة التبرير بالإيمان وحده، وهو ما يعني أن التبرير بالمسيح وحده، وقال أحدهم إنه يفهم أن الطريقة الوحيدة لخلاصه هي عن طريق إيمانه بالمسيح واتِّكاله على بره وحده. ثم قال إنه بالفعل يتَّكل على المسيح، وإن لديه إيمان، وبالتالي فهو متأكد من أنه في حالة الخلاص. هل يمكن للشخص أن يخدع نفسه عن حالة إيمانه؟ نعم. هل يمكننا أن نظن أننا نملك الإيمان الخلاصي ونحن لا نملكه؟ هل يمكننا أن نملكه ولا نكون متأكدين أننا نملكه؟ نعم، يمكن أن نملكه حقًا ونكون غير متأكدين أننا نملكه. لهذا السبب علينا أن ندرس الكتاب المقدس بجد وصلاة، حتى نتمكَّن من تعلُّم التمييز بين اليقين الحقيقي واليقين الزائف.
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.