
ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر عزرا
۲٦ يونيو ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر ملاخي

يتكلَّم الربّ بالكثير من التشجيع والتحدِّي لشعبه بعدَ السبي من خلال النّبي ملاخي. سفر ملاخي مُرتَّب في سلسلةٍ من سبع مناظرات أو جدالات نبويّة تبدأ كلّ واحدةٍ منها بكلامٍ مرٍّ يقوله الشعب ثمَّ يردّ الربّ عليه. معظم هذه الأقوال النّبويّة توبيخات فاحصة كاشفة لمواقف صدرت عن معاصري ملاخي أو لأعمالٍ لهم. ولكنْ قبل أن يوبِّخ الربُّ الشعبَ، يبدأ بتأكيد محبّته لهم، هذه المحبة التي اختارتهم، والتي هي السبب في استمرارهم في الوجود بعد دينونة السبي. فقبل أن يقول الربُّ: "أنا ضدّكُم،" يُعلِن: "أَحْبَبْتُكُمْ" (ملاخي 1: 2).
1. يُعلِن ملاخي أنَّ محبّة الله المختارة هي دائمًا نقطة البداية.
في هذه الأثناء، يردّ الشعب معترضين: "بِمَ أَحْبَبْتَنَا؟" (ملاخي 1: 2). هذا سؤال يعطي الربّ جوابًا مفاجئًا له. ربما توقَّعنا أن يُشير الربّ إلى الخروج وفتح أرض كنعان، حيث عملَ معجزاتٍ عظيمة ومكَّن الشعب من الاستيلاء على أرض كنعان، حيث عمل معجزاتٍ عظيمة لحماية شعبه ومنحهم ميراثهم. ولكنْ، بدلًا من ذلك، يُشير الرَّبُّ إلى ما هو قبل ذلك أيضًا: إلى اختياره جدَّهم الأوّل، يعقوب، مقابل رفضه لأخيه عيسو (ملاخي ١: ٣). المحبّة غير المُستحَقَّة تمامًا هي السبب وراء استمرار إسرائيل في الوجود بعد تدمير البابليّين لأورشليم وسبي الشعب إلى بابل. طبعًا، عانى شعب إسرائيل وتألَّم بسبب خطاياه، ولكنّه، مع هذا رُدَّ إلى الأرض، وذلك بسبب محبّة الربّ العظيمة. نجا شعب أدوم، وهم نسل عيسو، في الفترة البابليّة، إذْ لم يتعرَّضوا لأذى البابليّين (انظر عوبديا 10-14)، ولكنّ راحة شعب أدوم الحالية ستُدمَّر وتتلاشى سريعًا، وسيكون سقوطه تامًّا ونهائيًّا (ملاخي 1: 4-5). قد يتعثَّر شعب الله المختار بخطاياه، ولكنّهم لن يسقطوا سقوطًا تامًّا، لأنَّ الربَّ يُمسِك بهم بسبب محبّته (مزمور 37: 23-24).
2. يُظهِر ملاخي أنّ الشعب يكون معرَّضًا لموقف السخريّة حين تكون الحياة صعبة.
في سفر ملاخي، يأتي ردّ الشعب على الربّ ساخرًا جدًّا، من البداية إلى النهاية. في البداية، سعوا إلى رفض إعلان محبّة الله لهم (ملاخي 1: 2). وفي النهاية، أعلنوا أنّ لا قيمة لإطاعة الربّ، لأنّ فاعلي الشرّ ينجحون والمتكبّرين مطوَّبون (ملاخي 3: 15). وأين عدل الله الذي من المفترَض أن يكون سائدًا؟ (ملاخي 2: 17). يَظهَر هذا الموقف الساخر، اللامبالي تجاه الربّ، في عبادة الشعب غير القلبيّة (ملاخي 1: 12-13)، وعدم أمانة رجال إسرائيل تجاه نسائهم اللواتي كانوا قد تزوجوهنَّ (ملاخي 2: 14-16)، والبُخل في العطاء (ملاخي 3: 8-9). وحتّى الكهنة، انتقلت إليهم عدوى هذا الموقف أيضًا (ملاخي 2: 1-9)، إذْ كانوا يسمحون للناس بأن يقدِّموا ذبائح معيبة، ويصدِروا أحكامًا تنطوي على تحيُّز مقابل رشوة يأخذونها (ملاخي 2: 9). كثيرًا ما تلد الظروف الصعبة قلوبًا باردةً تجاه الله، كما نرى في زمن ملاخي وفي يومنا.
3. يُظهِر ملاخي أنَّ الربّ يُكرِم الذين يكرمونه.
لم يكن الموقف الساخر اللامبالي تجاه الربّ عند الجميع في زمن ملاخي. فقد بقي هناك مَن كانوا يخافون الربّ، ورأى الربّ ذلك الموقف وحفظهم "خَاصَّةً" له ("سيجولَّا" – "مُلْك خاصٌّ وثمين ومحفوظ"؛ ملاخي 3: 17)، وهي الكلمة العبريَّة نفسها المُستخدمة في وصف شعب إسرائيل في خروج 19: 6. سيظهر الربُّ قريبًا في هيكله ليأتي بالعدل الذي كان يُفترَض أنَّ النّاس يتوقون إليه (ملاخي 3: 1-2). فسيفصل الأبرار عن الأشرار إلى الأبد، والذين يخافون الرب سيُبرَّأون وتظهر حقيقة أنّهم شعب الله الحقيقيّ، بينما سيُدان الأشرار ويهلكون (ملاخي 4: 1-3). وفي هذه الأثناء، ينبغي للأمناء أن يتذكَّروا شريعة موسى، معيار الله للحياة المُقدَّسة، وينبغي أن يتطلَّعوا إلى مجيء إيليّا جديد، النّبي الذي هو تحقيق رموز ونماذج عديدة، ليدعو شعب الله إلى التوبة (ملاخي 4: 4-6). والذين لا يستجيبون لرسالته سيواجهون لعنةً ودينونة (في العبريّة "حِرِم"؛ ملاخي 4: 6).
ولكنْ إنْ كُنّا جميعًا خطاة ولا نفي بمطالب مقياس ناموس موسى، كما يعبِّر عنها الرسول بولس في رومية 3، فكيف لله أن يميّز بين الأبرار والأشرار في القضاء النهائي من دون أن يديننا جميعًا؟ كيف يستطيع الله أنْ يخلِّص يعقوب غير البارّ، الذي أحبّه واختاره؟ سننتظر الجواب عن هذا السؤال في العهد الجديد، وهو ما تهيِّئنا نبوّة ملاخي له بصورة ممتازة.
في لوقا 1: 17، عُرِّف يوحنا المعمدان قبل ولادته بأنّه إيليّا الذي سيسبق يسوع المسيح في مجيئه الأوّل. لافتٌ للانتباه أنّ رسالة الملاك تركِّز بصورة حصريّة على الجانب الإيجابي في نبوّة ملاخي، إذْ أعلن: "وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا." فلا تُذكَر إمكانيّة إيقاع لعنة الدينونة هنا لأنّ يسوع المسيح في مجيئه الأوّل أتى ليطلب ويخلِّص مَن ضلّ وهلك (متّى 1: 21).
التقى يسوع على جبل التجلّي مع موسى وإيليا، اللّذين حدَّثاه عن "خروجه" (exodon) ٱلَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ، حيث يأتي بفداء لشعبه (لوقا 9: 31). بالنسبة للّذين يرفضون قبول المسيح الآن، هناك مجيء آخر عليهم انتظاره، حين سيأتي المسيح راكبًا على فرسٍ أبيض ليأتي بالهلاك على غير التائبين (رؤيا 19: 11-21). ولكنّ بالنسبة إلى الذين يَظهَر خوفُهم الربَّ في إيمانهم بيسوع المسيح، سيكون ذلك اليوم مثل أوائل أشعّة الشمس المُشرِقة في الربيع، فتعطي الجسم دفئًا ممتعًا، وليس مثل أتونٍ أو تنّورٍ مشتعل يلتهم كلَّ ما يلمسه (ملاخي 4: 1-2).
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.