ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالتي تيموثاوس الأولى والثانية
۷ يناير ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن رسالة كورنثوس الأولى
۱٤ يناير ۲۰۲۵ثلاث حقائق يجب أن تعرفها عن سفر أعمال الرسل
سفر أعمال الرسل فريدٌ وسط أسفار العهد الجديد. تشهد الأناجيل الأربعة لخدمة يسوع المسيح وموته الذبيحيّ الكفّاريّ، وقيامته المنتصرة. وتشرح عشرون رسالة هوية يسوع ورسالته، وتوجِّه محبّتنا التي تشكَّلت بالإيمان نحو فدائه. ويكشف سفر الرؤيا عن النزاع الخفيّ وراء ويلات العالم المرئيّة تمامًا، مطمئنًا إيّانا بأنّ الحَمَل انتصر. ولكنّ سفر أعمال الرسل هو الوحيد الذي يصف عقود السنوات التأسيسيّة التي فيها وضع الربّ المُقام الذي صعِد إلى السماء أساس كنيسته.
1. سفر الأعمال هو المصباح الذي ينير "النفق" الواصل ما بين الأناجيل والرسائل.
لو لم يكُن لدينا سفر الأعمال في قراءتنا العهد الجديد، فسنكون مثل مسافرين في مقصورةٍ معتمة فيما يدخل قطارهم نفقًا شديد الظلمة، ومن ثم يخرج أخيرًا إلى النور. وإلى أنْ تعود عيوننا لتتأقلم مع النور، ستجد أنّ الكثير تغيَّر: فسيكون لدينا رفاق سفر جُدد، وحمّالون جُدُد، وقاطعو تذاكر جُدد.
مع انتهاء أحداث الأناجيل، نرى الربّ يسوع المُقام يُظهِر حقيقة قيامته "بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ" (أعمال 1: 3؛ وهذا تلخيص للوقا 24، ومتّى 28، ومرقس 16، ويوحنا 20-21). ومع أنّ كُلَّ شهود يسوع الرسوليّين يهودٌ، فقد أرسلهم يسوع لحمل خبره السّارّ إلى كلِّ الأمم. ومع انتهاء الأناجيل، يُرى انتظار نبوّة يوحنّا المعمدان بأنّ يسوع سوف سيعمِّد "بِالرُّوحِ القُدُسِ وَالنَّارِ" (لوقا 3: 16) تتحقَّق، وهو ما يقول يسوع إنّه سيحدث قريبًا (لوقا 14: 49؛ يوحنّا 15: 26).
إلى النفقِ ندخل. وحين نخرج نقابل فجأةً بولس، الذي يدعو نفسَه رسولَ يسوع المسيح، ولكنّنا لا نجده قطّ حين ظهر يسوع لمريم وبطرس والآخرين. فبعد عشرين سنة من قيامة يسوع نرى بولس يكتب رسائلَ إلى المؤمنين المسيحيّين في مدنٍ ومناطق يونانيّة رومانيّة: تسالونيكي، غلاطِيَّة، كورنثوس، روما، فيلبّي، أفسس، كولوسي. ويقِرُّ بولس بأنّه اضطهد يسوع وشعبه في الماضي، ولكنّه الآن يخدم يسوع ربًّا بكلّ حماسٍ ومحبّة. كيف حدث مثل هذا التغيير الرّاديكالي في الأحداث؟
المجموعات التي يكتب بولس إليها "من الذين هم خارج شعب الله،" "أمم" كانوا في السابق "أَجْنَبِيِّينَ عَنْ رَعَوِيَّةِ إِسْرَائِيلَ، وَغُرَبَاءَ عَنْ عُهُودِ الْمَوْعِدِ" (أفسس 2: 11-13). وهكذا، نرى تحقُّق رؤيا يسوع بأن ينتشر ملكوت نعمة الله في كل العالم. ما الأحداث التي أدّت إلى تحوُّلٍ من التركيز على "خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ" (متّى 15: 24) إلى "[خِرافٍ] أُخَر" خارج "الحَظِيرَةِ" (يوحنا 10: 16)؟
الكنائس التي أسَّسها بولس تعمّدت بروحٍ واحدٍ إلى جسدٍ واحدٍ (1كورنثوس 12: 13). إنّها "[تَعِيشُ] بِالرُّوحِ،" ولذا ينبغي أن "[تَسْلُكُ] بِالرُّوحِ"، ليظهرَ فيهم ثمرُ الروح (غلاطيّة 5: 16-25). متَى وكيف حدثت تلك الذّروة في خدمة المسيّا (بحسب يوحنّا المعمدان) – أي انسكاب روح الله؟
سفر الأعمال هو المصباح الذي ينير ظلمة النفق والذي يجيب عن هذه الأسئلة. ففي يوم الخمسين، عمَّد يسوع أتباعه في الروح القدُس (أعمال الرسل 1: 4؛ أعمال 2). ولاحقًا، نرى الربَّ يُرسِلُ بطرس ليُعلِن للأمم الخبر السارّ، ويشاهد مندهِشًا الروحَ القدس وهو يرحِّب بهم في عائلة الله (أعمال الرسل 10-11). ونلتقي بشاول (الذي صار لاحقًا يُعرَف بـ "بولس")، وقد أعماه مجد يسوع وحوَّله من مُضطهِد لـ "الطّريق" إلى مدافعٍ عنه ومذيعًا الخبر السّارّ عنه (أعمال 9). وبينما يسافر بولس عبر البحر واليابسة ليأتي بـ"[النُّورِ] لِلْأُمَم" (أعمال 1: 8؛ أعمال 13: 46-47)، نسمع عن خلفيّة تلك الكنائس التي كتب رسائلها لها (أعمال 13-28). يا لحكمة الله ولطفه في قيادته لوقا بأن يكتب مُلحَقًا لـ"الكِتابِ الأَوَّل" (الذي هو الإنجيل الثالث)، ليكون الكتاب الثاني!
يربط سفر الأعمال الأناجيل والرسائل بحكايته قصّةَ وضعِ الربّ يسوع المسيح أساس كنيسته، وسكبِه روحَ الله، وقبولِ الأُمَم في النعمة.
2. المسيح القائم من الموت والصاعد إلى السماء هو العامل الرئيسي في دراما سفر الأعمال.
وصف لوقا إنجيله بأنّه "عَنْ جَمِيعِ مَا ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَفْعَلُهُ وَيُعَلِّمُ بِهِ،" وهذا يشير ضمنيًّا إلى أنَّ سفر الأعمال يروي ما استمرّ يسوع يعمله ويعلِّمه بعد أنْ صعد إلى السماء (اعمال 1: 1-2). ولأن سفر الأعمال يصف خدمتَي بطرس (أعمال الرسل 1-12) وبولس (أعمال 13-28)، فقد أُضيف العنوانان "أعمال كلّ الرسل" أو "أعمال الرسل" إلى السفر منذُ وقتٍ قديم جدًّا. ولكنّ لوقا يريدنا أن نعرف أنّ البطلَ الحقيقي الذي يوجِّه نموّ الكنيسة ويعزّزه هو الربّ المُقام يسوع المسيح نفسه.
وكما اختار يسوع الرسُلَ في خدمته الأرضيّة (أعمال 1: 2)، يختار يسوع بديلًا عن يهوذا لينضمّ إلى الرسُل (أعمال 1: 21-26). وحلولُ الروحِ القدس في يوم الخمسين هو عمل يسوع: "وَإِذِ ارْتَفَعَ بِيَمِينِ اللهِ، وَأَخَذَ مَوْعِدَ الرُّوحِ الْقُدُسِ مِنَ الآبِ، سَكَبَ هذَا الَّذِي أَنْتُمُ الآنَ تُبْصِرُونَهُ وَتَسْمَعُونَهُ" (أعمال 2: 33). يسوع هو الربّ الذي كان وما يزال "كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ" (أعمال 2: 47؛ انظر أعمال 5: 14؛ 11: 21-22). وإثر شفاء رجلٍ مشلول وقيامه وقفزه في ساحات الهيكل، يُبعِد بطرس ويوحنا انتباه الجمع عنهم نحو الشافي الحقيقي: "وَبِالإِيمَانِ بِاسْمِهِ، شَدَّدَ اسْمُهُ هذَا الَّذِي تَنْظُرُونَهُ وَتَعْرِفُونَهُ، وَالإِيمَانُ الَّذِي بِوَاسِطَتِهِ أَعْطَاهُ هذِهِ الصِّحَّةَ أَمَامَ جَمِيعِكُمْ" (أعمال 3: 12، 16؛ ومرّة أخرى في أعمال 4: 9-10). وحين يسأل المُضطهِدُ الأعمى: "مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟" يأتيه الجواب: "أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ" (أعمال الرسل 9: 5). واختار يسوع شاول ليكون له "[إِنَاءً مُخْتَارًا] لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ" (أعمال الرسل 9: 15). يسوع هو الربّ الذي استودع بولس وبرنابا المؤمنين الجديد وشيوخهم لحفظه وعنايته (أعمال 14: 23). الربّ هو الذي فتح قلب ليديا لتسمع بشارة الإنجيل (أعمال 16: 14-15)؛ والربّ هو مَن يشجِّع بولس في مدينة كورنثوس قائلًا: "لأَنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ" (أعمال 18: 10)، وفي السجن (أعمال 23: 11).
يُلفِت سفر أعمال الرسل بإصرار واستمرار الانتباه إلى الحضور الشخصي للربّ يسوع المسيح الممجَّد في كنيسته بروحه. ليس المسيح ملكًا غائبًا، بعيدًا ولا يمكن الاقتراب إليه. ومع أنّه يحكم وهو جالس عن يمين الآب في السماء، فإنّه ما يزال "اللهَ مَعَنَا" هنا على الأرض. وبروحه القدير يدعم حياة الكنيسة ويقود ويغذّي نموّها. يحفظ يسوع وعوده:
- "أَبْني كَنِيسَتِي" (متّى 16: 18).
- "لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ" (يوحنا 14: 18).
- "وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (متّى 28: 20).
يُرينا سفر الأعمال يسوعَ حيًّا، ويحكم بسيادته وسلطانه، وموجودًا دائمًا بروحه في كنيسته، ناشرًا نور نعمة الله إلى أقصى الأرض.
3. يساوي سفر أعمال الرسل ما بين نموّ الكنيسة ونموّ الكلمة.
كما يعمل لوقا في إنجيله (لوقا 1: 80؛ 2: 40، 52؛ 4: 14، وغيرها)، ينثر لوقا بين رواياتِ أحداثٍ مُعيّنة في سفر الأعمال مُلخَّصاتٍ وموجَزاتٍ لما يحدث نتيجةَ هذه الأحداث. فبعد أن آمن آلافٌ في يوم الخمسين، يقول إنّهم "كَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ،" ويتشاركون بما لديهم من موارد مالية، ويعبدون في الهيكل، ويأكلون معًّا (أعمال 2: 42-47؛ انظر أعمال 4: 32-35؛ 5: 12-16؛ 9: 31؛ 16: 5).
وأحد المواضيع المتكرِّرة في هذه المُلخَّصات هو "نموّ" الكلمة:
- أعمال الرسل 6: 7: "وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو (auxanō)، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ".
- أعمال الرسل 12: 24: "وَأَمَّا كَلِمَةُ اللهِ فَكَانَتْ تَنْمُو (auxanō) وَتَزِيدُ".
- أعمال الرسل 19: 20: "هكَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ تَنْمُو (auxanō) وَتَقْوَى بِشِدَّةٍ.
يُشير لوقا إلى نموّ الكنيسة عدديًّا ومن ناحية النموّ الروحي. وهو يصف نموّ الكنيسة بأنّه "نموّ الكلمة،" لأنّ الكلمة التي كرز بها الرسل بقوّة الروح القدس هي السلاح الذي لا يُقهَر، الذي به يأسر المسيح القلوب، وهي الغذاء الذي يُوصِل أولاد الله إلى النّضوج.
يظهر الدور المركزي لكلمة الله في حياة الكنيسة ورسالته في العظات والخطابات المنتشرة بكثرة في سفر أعمال الرسل. فحتّى قبل حلول الروح القدس، شرح بطرس للمؤمنين المجتمعين كيف أن خيانة يهوذا وتبديله تتميم للكتاب المُقدَّس (أعمال 1: 15-22). وفي يوم الخمسين، يُظهِر بطرس كيف أن مزمور 16 ومزمور 110 ويوئيل 2 أنبأتْ بقيامة يسوع وصعوده وانسكاب الروح القدس (أعمال الرسل 2: 14-36). وقد شهد بطرس ويوحنّا لجموع الهيكل وقادتهم بأنّ يسوع هو الوحيد الذي يخلِّص (أعمال 3-4). ويعمل استفانوس مسحًا لتاريخ إسرائيل المُخزي في رفضهم للمُنقِذين الذين أرسلهم الله، وهو ما وصل ذروته في قتلهم البارّ يسوع (أعمال الرسل 7: 2-53). ويتكلَّم بطرس عن الخبر السارّ للأمم (أعمال 10: 34-43). وفي المجامع، أظهر بطرس تحقيق الكتاب المُقدَّس في يسوع المسيّا (أعمال 13: 16-41؛ 17: 2-4، 11، 17). كما يتكلَّم بالكلمة للوثنيّين (أعمال الرسل 14: 14-17)، وللفلاسفة المدنيّين (أعمال الرسل 17: 22-31)، والجموع اليهوديّة (أعمال الرسل 22: 1-22)، وللحكّام الأمميِّين (أعمال الرسل 26: 1-23). ويتكلَّم الرسل بكلمة الله في معالجة الجدالات الدائرة في الكنيسة (أعمال الرسل 15: 7-21)، ولإعداد قادة الكنيسة (أعمال 20: 18-35). وفي ختام سفر الأعمال، نرى بولس باقيًا في روما قيد الاعتقال، ولكنّه على الرغم من هذا، كان "كَارِزًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمُعَلِّمًا بِأَمْرِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ، بِلاَ مَانِعٍ" (أعمال 28: 30-31).
لماذا نجد الكثير من الكلام في سفر دعته الكنيسة "أعمال الرسل"؟ لأن سفر الأعمال يعلِّم هذا الدرس المهمّ والحيوي: كنيسة المسيح تنمو وتزدهر لا بتحليل السوق أو التخطيط الاستراتيجي البشري، ولا حتّى بالآيات والعجائب التي أكّد الله بها شهادة الرسل في الماضي (عبرانّين 2: 3-4؛ 2كورنثوس 12: 11-12)، بل بكلمة النعمة التي كرزوا بها من الكتاب المُقدَّس، بقوّة الروح القدس.
هذه المقالة هي جزء من سلسلة "ثلاث حقائق يجب أن تعرفها".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في موقع ليجونير.