العلّة الوسيليّة للتبرير - خدمات ليجونير
ثلاثة أمور ينبغي أن تعرفها عن سفري الملوك الأوَّل والثاني
۲۱ مارس ۲۰۲٤
كليّ الوجود
٦ يوليو ۲۰۲٤
ثلاثة أمور ينبغي أن تعرفها عن سفري الملوك الأوَّل والثاني
۲۱ مارس ۲۰۲٤
كليّ الوجود
٦ يوليو ۲۰۲٤

العلّة الوسيليّة للتبرير

كثيرًا ما تُلخّص عقيدة الإصلاح حول التبرير في شعار "سولا فيدي" (sola fide) والذي يعنى "بالإيمان وحده". تشير عبارة "سولا فيدي" إلى التعليم بأن التبرير هو بالإيمان وحده.

علَّمت الكنيسة الكاثوليكيَّة أيضًا عبر تاريخها أن التبرير هو بالإيمان. فهم يقولون إن الإيمان هو نقطة البداية للتبرير. فهو أساس وأصل تبريرنا. تُصرُّ الكنيسة الكاثوليكيَّة على ضرورة الإيمان للتبرير. لذا أكَّدت الكنيسة الكاثوليكيَّة بوضوح على الإيمان في "سولا فيدي". ما لم تؤكِّد عليه الكنيسة الكاثوليكيَّة هو كلمة "وحده" في عبارة "سولا فيدي"، لأنه على الرغم من أن الإيمان هو نقطة بداية، وأساس، وأصل التبرير، إلا أن مجرد وجوده ليس كافيًا لإحداث التبرير. هناك شيء إلى جانب الإيمان حتى نتبرَّر، وهو شرط ضروري. الشرط الضروري هو شيء يجب أن يكون موجودًا حتى يتبعه تأثير أو نتيجة، لكن وجوده لا يضمن النتيجة.

على سبيل المثال، في الظروف الطبيعيَّة، هناك شرط ضروري للحريق وهو وجود الأكسجين. ولكن لحسن حظنا، مجرد وجود الأكسجين لا يكفي لإحداث حريق. فإن كان الأمر كذلك، لكنَّا احترقنا بالنار في كل مرة نتنفَّس فيها الهواء. لذلك نحن نميِّز بين الشرط الضروري والشرط الكافي. فالشرط الكافي يضمن بالتمام حدوث النتيجة.

بعد ما أوضحنا هذا التمييز، يمكننا أن نرى الفرق بين وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكيَّة ووجهة نظر الإصلاح عن العلاقة بين الإيمان والتبرير. من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكيَّة، الإيمان هو شرط ضروري للتبرير، ولكنَّه ليس شرطًا كافيًا له. من وجهة نظر البروتستانتيَّة، ليس الإيمان شرطًا ضروريًّا فحسب، بل هو أيضًا شرط كافٍ للتبرير. هذا يعنى أننا عندما نضع ثقتنا وإيماننا في المسيح، فإن الله يعلن بالتأكيد أننا مُبرَّرون في نظره. إن وجهة نظر الإصلاح، وهي وجهة نظر الكتاب المقدس، هي أنه كان الإيمان حاضرًا فإن التبرير حتمًا يكون حاضرًا أيضًا.

ما لا يمكن تصوُّره في وجهة نظر الإصلاح هو أنه يمكننا أن نؤمن دون أن نتبرَّر. لا يمكن أن يكون لدينا تبرير بدون إيمان، ولا يمكن أن يكون لدينا إيمان بدون تبرير. تقول الكنيسة الكاثوليكيَّة إنه لا يمكن أن يكون لدينا تبرير بدون إيمان، ولكن يمكن أن يكون لنا إيمان دون أن نتبرَّر. يمكن أن نستمر في إيماننا ولكننا نرتكب خطية مميتة تدمِّر نعمة التبرير، بحيث نصير مُدانين (بدون توبة مناسبة). ولكن بالنسبة للمُصلحين، فإنّ مجرد امتلاك الإيمان الحقيقي هو كل ما هو مطلوب حتى نتمكَّن من الحصول على النعمة ونستمر في حالة التبرير.

يقول إقرار إيمان وستمنستر ما يلي:

الإيمان، وبالتالي قبول المسيح والاتكال عليه وعلى برّه، هو الوسيلة الوحيدة للتبرير.

الوسيلة هي أداة تُستخدم لغرض مُعيّن. عندما كتب واضعو إقرار إيمان وستمنستر أنّ الإيمان هو الوسيلة الوحيدة للتبرير، كانوا على علم بالخلاف الحادث في القرن السادس عشر حول العلَّة الوسيليَّة للتبرير. من الضروريّ أنْ يكون لدينا فهم واضح لهذه العقيدة — أي العلَّة الوسيليَّة للتبرير — لأنّها تتعلَّق بكيفيَّة خلاصنا.

يعود تعبير "العلَّة الوسيليَّة" (instrumental cause) إلى القرن الرابع قبل المسيح، إلى فلسفة أرسطو. فقد كان أرسطو مهتمًا بشرح الحركة والتغيير. في هذه العمليّة، حاول أرسطو عزل الأسباب المختلفة التي تساهم في تغيير حالة أو وضع شيء ما. ما هي علاقة هذا بسؤالنا المطروح هنا؟ نحن بالطبيعة غير مُبرَّرون. فنحن لسنا أبرارًا، ووضعنا أمام الله هو أننا نستحق غضبه الكامل. نحن بحاجة إلى تغيير وضعنا؛ من حالة الإدانة إلى حالة التبرير.

ميَّز أرسطو بين أربعة أنواع من العلل: العلَّة الصوريَّة (formal cause)، والعلَّة الفاعلة (efficient cause)، والعلَّة الغائيَّة (final cause)، والعلَّة الماديَّة (material cause). لم يذكر العلَّة الوسيليَّة، ولكن شكَّلت علله الأربعة الأساس لفكرة العلَّة الوسيليَّة.

استخدم أرسطو المثال التوضيحيّ لتمثال يبدأ ككتلة من الحجر آتية من المحجر. عرَّف أرسطو كتلة الحجر بأنّها العلَّة الماديَّة؛ أي المادة التي يُصنع منها شيء. العلَّة الصوريَّة هي الفكرة التي في ذهن النحَّات، أو الرسمة التي صمَّمها، والتي تمثِّل شكل المنتج في صورته النهائيَّة. فيجب أن تكون هناك فكرة قبل أن تكون هناك نتيجة. العلَّة الفاعلة هي التي تتسبَّب في إحداث التغيير من الحجر إلى التمثال، وفى هذه الحالة هذه العلَّة هي النحَّات. فهو من يجعل ذلك يحدث. العلَّة الغائيَّة هي الغرض من صُنع الشيء، والذي قد يكون في هذه الحالة تجميل حديقة ما.

يمكننا أن نضيفَ إلى هذه العلل أو الأسباب الأربعة مفهوم العلَّة الوسيليَّة، أي الأداة التي يتمّ بها إحداث التغيير. فإن أراد النحَّات تغيير كتلة الحجر إلى تمثال، فعليه أن ينحت في الكتلة ليشكِّلها، ويحدِّدها، وينعِّمها. إنّ إزميله ومطرقته هي الوسائل أو الأدوات التي بواسطتها يحدث التغيير. غالبًا ما نعبِّر عن الوسائل بكلمات مثل بواسطة ومن خلال.

عندما قال المُصلِحون إنّ التبرير بالإيمان أو بواسطة الإيمان، أكَّدوا أنّ الوسيلة أو الأداة التي بها نتبرَّر هي الإيمان والإيمان وحده. فالوسيلة الوحيدة التي نحتاجها، والأداة الوحيدة المطلوبة لنقلنا من حالة الإدانة إلى حالة التبرير هي الإيمان، ولكن الإيمان ليس هو الشيء الوحيد الذي نحتاجه لكي نتبرَّر. فنحن نحتاج أيضًا إلى المسيح لكي نتبرَّر. أي، لكي نتبرَّر، نحتاج إلى بِرّ المسيح الكامل وكفّارته على الصليب. إنّ كلّ ما يطلبه لكي يفي بمعايير بِرّه وعدله قد تم تحقيقه في العمل الخاص بالمسيح ومن خلاله. لقد أتمَّ المسيح العمل كلّه. إنّ الجدلَ بين الكاثوليك والبروتستانت في مجمله ليس حول عمل المسيح الخاصّ به، بقدر ما هو حول كيفيَّة حصولنا على بركات هذا العمل. كيف يمكن الاستفادة من عمل المسيح الخاصّ به بشكل شخصيّ؟ الإجابة التي قدَّمها المُصلحون بناءً على تعاليم بولس الرسول هي "بالإيمان وحده، أو بواسطته، أو من خلاله". لكن ليس الإيمان وحده هو ما يخلِّصنا، فعندما نقول إنّ التبرير بالإيمان وحده، فإنّنا نقول إنّ التبرير هو بواسطة ومن خلال إيماننا بالمسيح وحده.

طبقًا للكنيسة الكاثوليكيَّة، إن العلَّة الوسيليَّة للتبرير هي سرَّيْ المعموديَّة والتوبة. تُعرِّف الكنيسة الكاثوليكيَّة هذه الأسرار على أنّها الوسائل التي من خلالها وبها يتبرَّر المرء. الفرق هو بين الخلاص الذي يتمّ تحقيقه كهنوتيًّا (أي من خلال ممارسة الكنيسة للأسرار)، والخلاص الذي يتمّ اختباره من خلال الإيمان بالمسيح وحده. والفرق شاسع بين الاثنين. يقول إقرار إيمان وستمنستر إنّ الإيمان هو الوسيلة الوحيدة للتبرير، لأنّ بالإيمان وحده نتكلّ على بِرّ المسيح ونقبله. إنّ بِرّ المسيح، وبركات كفارته، واستحقاقه الخاص أو أسباب تبريرنا، مُقدَّم مجانًا لكلّ مَن يومن. "أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا" (رومية 1: 17). نحن مُبرَّرون ليس بالإيمان مضاف إليه أعمال، بل بالإيمان وحده. فكلّ ما هو مطلوب للدخول إلى ملكوت الله هو الإيمان أو الثقة في عمل المسيح وحده.

إن الإيمان ليس هو أساس تبريرنا. أساس تبريرنا هو برّ المسيح واستحقاقه. قال المُصلحون إنّ الاستحقاق المؤدّي لتبريرنا هو بِرّ المسيح وحده. فالعلَّة الوسيليَّة لتبريرنا هي الإيمان، ولكن عندما نقول إنّنا مُبرَّرون بالإيمان وحده، فنحن لا نعني أنّ الإيمان هو عمل استحقاقيّ يضيف أيّ شيء إلى أساس تبريرنا.

ما تأثير ذلك عمليًّا؟ يوجد أناس يقولون إنّهم يؤمنون أنّ التبرير بالإيمان وحده ولكنّهم يتَّكلون على إيمانهم كما لو كان له استحقاق أو أنّه عمل صالح يفي متطلِّبات عدل الله. إنّ حقيقة امتلاك الشخص للإيمان لا تضيف أيّ استحقاق إلى حسابه. إنّ الإيمان يضيف لحسابه استحقاق غير محدود عن طريق الاحتساب، ولكن استحقاق المسيح هو الذي يُحتَسَب له. يمكننا أن نحصل على استحقاق المسيح فقط بالإيمان، وليس لنا فضل أو استحقاق في ذلك. فالوحيد الذي يمكنه أن يخلِّصنا هو المسيح، والطريقة الوحيدة للوصول إليه هي من خلال الإيمان. إنّنا لا نتَّكل على أيّ شيء آخر في حياتنا من أجل خلاصنا سوى على المسيح وبرّه.

تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.

آر. سي. سبرول
آر. سي. سبرول
د. آر. سي. سبرول هو مؤسس خدمات ليجونير، وهو أول خادم وعظ وعلّم في كنيسة القديس أندرو في مدينة سانفورد بولاية فلوريدا. وأول رئيس لكلية الكتاب المقدس للإصلاح. وهو مؤلف لأكثر من مئة كتاب، من ضمنها كتاب قداسة الله.