المحاضرة 5: إِيجادُ السَلامِ

حِينَ نَجْتَمِعُ سَوِيًّا هُنَا فِي هَيْئَةِ لِيجُونِيرَ لِتَصْوِيرِ مُحَاضَرَاتِنا أَوْ لإِعْدادِ مُحَاضَراتٍ لِلإذَاعَةِ، لَدَيْنَا جِهَازٌ هُنَا يُمْكِنُ لِلْكُلِّ أَنْ يَراهُ، يُوجَدُ عَلَى هَذَا الْجِهَازِ تِمْثَالٌ رُبَّمَا لأَشْهَرِ مَنْحُوتَةٍ نَعْرِفُهَا لِرُودَان. وَمَا هِيَ؟ الْمُفَكِّرُ. وَالسُؤَالُ الْمَطْرُوحُ الْيَوْمَ هُوَ: "مَا الَذِي يُفَكِّرُ فِيهِ؟" وَسَأَلْتُ الْحُضُورَ: "مَا الَذِي يُفَكِّرُ فِيهِ الْمُفَكِّرُ؟" وَاقْتَرَحَ الْبَعْضُ أَنَّهُ يُفَكِّرُ فِي مَعْنَى الْحَيَاةِ، لَكِنْ طِبْقًا لِرُودَانْ، مَا كَانَ يُحَاوِلُ تَصْوِيرَهُ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَنْحُوتَةِ لِشَخْصٍ مَأْخُوذٍ بِالتَأَمُّلِ، هُوَ أَنَّ الْمُفَكِّرَ كَانَ يُفَكِّرُ فِي الْجَحِيمِ، وَهُوَ أَمْرٌ نَشْمَئِزُّ مِنَ التَفْكِيرِ فِيهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا. لَكِنْ فِي الْمُحَاضَرَةِ السَابِقَةِ تَحَدَّثْنَا عَنْ حَقِيقَةِ غَضَبِ اللهِ، عِلْمًا بِأَنَّ الإِظْهَارَ النِهَائِيَّ لِهَذَا الْغَضَبِ هُوَ عَقِيدَةُ الْجَحِيمِ. وَقَدْ تَمَّ مَحْوُ ذَلِكَ مِنْ إِدْرَاكِنَا الْيَوْمَ، لأَنَّ عَقِيدَةَ الْخَلاصِ الرَئِيسِيَّةَ فِي أَمْريكَا الْيَوْمَ، أَوِ الْعَقِيدَةَ الأَكْثَرَ رَوَاجًا لِمَا نُسَمِّيهِ التَبْرِيرَ، لَيْسَتِ التَبْرِيرَ بِالإِيمَانِ، وَلا التَبْرِيرَ بِالأَعْمَالِ، بَلِ التَبْرِيرُ بِالْمَوْتِ؛ أَيْ أَنَّ كُلَّ مَا عَلَى الْمَرْءِ فِعْلُهُ لِيَنْتَقِلَ إِلَى السَمَاءِ هُوَ الْمَوْتُ، لأَنَّنَا مَحَوْنَا مِنْ وَعْيِنَا أَيَّ فِكْرَةٍ عَنْ إِمْكَانِيَّةِ وُجُودِ وُجْهَةٍ أَكْثَرِ قَتَامَةٍ لِلنَفْسِ الْبَشَرِيَّةِ مِنَ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ فِي السَمَاءِ.

فِي الأَصْحَاحِ 13 مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا، نَرَى حَادِثَةً أُخْرَى يَسْأَلُ فِيهَا التَلامِيذُ يَسُوعَ عَنِ الأَلَمِ وَالْمَأْسَاةِ. سَبَقَ أَنْ دَرَسْنا الْمُنَاسَبَةَ الَتِي سَأَلَ فِيهَا التَلامِيذُ يَسُوعَ كَمَا وَرَدَ فِي الأَصْحَاحِ 9 مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا عَنِ الاخْتِبَارِ الْمَأْسَاوِيِّ لِلرَجُلِ الَذِي وُلِدَ أَعْمَى. تَذْكُرُونَ قَوْلَهُمْ لِيَسُوعَ: "مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟" وَأَجَابَ يَسُوعُ بِالْقَوْلِ: "لَا هَذَا أَخْطَأَ وَلَا أَبَوَاهُ". ثُمَّ اكْتَشَفْنَا مَدَى أَهَمِّيَّةِ الانْتِبَاهِ أَلَّا نَفْتَرِضَ أَنَّهُ حِينَ يَتَأَلَّمُ النَاسُ أَوْ يَجْتَازُونَ فِي اخْتِبَارَاتٍ مَأْسَاوِيَّةٍ، أَنَّهُ يُوجَدُ تَوَافُقٌ بَيْنَ دَرَجَةِ مُعَانَاتِهِمْ وَفَدَاحَةِ ذَنْبِهِمْ.

لَكِنْ ثَمَّةَ مَأْسَاةٌ أُخْرَى اسْتَرْعَتِ اهْتِمَامَ مُعَاصِرِي يَسُوعَ، وَفِي الآيَةِ 1 مِنَ الأَصْحَاحِ 13 سَأَلَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ يَسُوعَ عَنِ الأَمْرِ. فِي الآيَةِ 1 مِنَ الأَصْحَاحِ 13 مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا نَقْرَأُ مَا يَلِي: "وَكَانَ حَاضِرًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوْمٌ يُخْبِرُونَهُ عَنِ الْجَلِيلِيِّينَ الَّذِينَ خَلَطَ بِيلَاطُسُ دَمَهُمْ بِذَبَائِحِهِمْ. فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: "أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لِأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هَذَا؟ كَلَّا! أَقُولُ لَكُمْ…"".

وَالآنَ، دَعُونِي أَتَوَقَّفُ عِنْدَ هَذِهِ النُقْطَةِ لِنُوَضِّحَ أَبْعَادَ الصُورَةِ. أَصَابَتْ مَأْسَاةٌ أُنَاسًا أَبْرِيَاءَ، قَوْمًا فِي خِضَمِّ الْعِبَادَةِ يُقَدِّمُونَ ذَبَائِحَهُمْ فِي كَنِيسَةِ ذَلِكَ الْحِينِ. حِينَ جَاءَ بِيلاطُسُ الْبُنْطِيُّ وَجَمَاعَتُهُ وَذَبَحُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ بَيْنَمَا كَانُوا فِي خِضَمِّ الْعِبَادَةِ، وَمَزَجُوا دِمَاءَهُمْ بِدِماءِ الْجَلِيلِيِّينَ. فَحَزِنَ النَاسُ كَثِيرًا بِسَبَبِ هَذَا الأَمْرِ، وَالسُؤَالُ الضِمْنِيُّ الَذِي طَرَحُوهُ عَلَى يَسُوعَ هُنَا هُوَ: "كَيْفَ سَمَحَ اللهُ بِحُدُوثِ ذَلِكَ؟" فَقَالَ يَسُوعُ: "أَتَظُنُّونَ أَوْ تَفْتَرِضُونَ أَنَّ هَؤُلاءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ النَاسِ؟" وَقَالَ: "إِنِّي أَقُولُ لَكُمْ كَلَّا، لا يُمْكِنُكُمْ الاسْتِنْتَاجُ أَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ الَذِين كَابَدُوا تِلْكَ الْبَلِيَّةَ وَالَذِينَ هَلَكُوا فِي تِلْكَ الْكَارِثَةِ هَلَكُوا لأَنَّهُمْ كَانُوا مُذْنِبِينَ فِيمَا كَانَ آخَرُونَ أَبْرِيَاءَ، أَوْ لأَنَّهُمْ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ هَؤُلاءِ الَذِينَ نَجَوْا مِنْ تِلْكَ الْبَلِيَّةِ بِالذَاتِ".

أَذْكُرُ حَادِثَةَ الْقِطَارِ الْكَبِيرِ الَذِي كُنْتُ أَسْتَقِلُّهُ فِي أَلابَاما فِي الْعَامِ 1993، حِينَ جَنَحَ الْقِطارُ وَوَقَعَ فِي الْمِيَاهِ، وَقُتِلَ فِي حَادِثَةِ الْقِطارِ تِلْكَ عَدَدٌ مِنَ الأَشْخاصِ يَفُوقُ عَدَدَ الَذِينَ قُتِلُوا فِي حَوادِثِ "أَمِتْرَاكَ" مُجْتَمِعَةً. فَنَجَوْتُ وَزَوْجَتِي مِنْ حَادِثَةِ الْقِطَارِ تِلْكَ. وَحِينَ رَجَعْنا إِلَى أُورْلانْدُو، أَحَاطَ بِنَا مُرَاسِلُونَ وَمُذِيعُونَ تِلِفِزْيُونِيُّونَ، وَظَلُّوا يَطْرَحُونَ عَلَيَّ السُؤالَ نَفْسَهُ: "فِي رَأْيِكَ، لِمَاذا نَجَّاكُمَا اللهُ؟" فَقُلْتُ "لا فِكْرَةَ لَدَيَّ". لَكِنِّي لا أُرِيدُ الافْتِرَاضَ أَنِّي كُنْتُ الْمَحْظُوظَ، لأَنَّهُ إِنْ هَلَكَ مُؤْمِنُونَ فِي حَادِثَةِ الْقِطَارِ تِلْكَ، فَلا بُدَّ مِنْ أَنَّهُمْ أَمْضُوا الْيَوْمَ التَالِي فِي ظُرُوفٍ أَفْضَلَ بِكَثِيرٍ مِنْ ظُرُوفِي وَذَهَبُوا مُبَاشَرَةً إِلَى السَمَاءِ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، هَذَا يَعْكِسُ نَظْرَتَنَا السَلْبِيَّةَ لِلْمَوْتِ، كَمَا لَوْ أَنَّ الْمَوْتَ هُوَ أَسْوَأُ بَلِيَّةٍ قَدْ تُصِيبُ أَحَدَهُمْ، فِيمَا أَنَّهُ أَعْظَمُ أَمْرٍ قَدْ يَحْدُثُ لِلإِنْسَانِ الْمَفْدِيِّ.

لَكِنْ عَلَى أَيِّ حَالٍ، هَذَا هُوَ السُؤَالُ الَذِي طَرَحَهُ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ عَلَى يَسُوعَ: "كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَمُوتَ هَؤُلاءِ؟" قَالَ يَسُوعُ "لَيْسَ أَنَّهُمْ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ". لَكِنْ تَوَقَّفْتُ فِي مُنْتَصَفِ جَوَابِ يَسُوعَ، فَلْنَرَ الْجُزْءَ الْمُتَبَقِّيَ مِنْهُ: "كَلاَّ أَقُولُ لَكُمْ" فَاصِلَةٌ "بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ". أَتَتَخَيَّلُونَ أَنْ يَنْجُوَ يَسُوعُ بِعِظَةٍ مُمَاثِلَةٍ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ فِي أَمْرِيكَا؟ فِي وَسَطِ الْمَأْسَاةِ، وَبَدَلًا مِنْ إِعْطَاءِ رِسَالَةِ تَعْزِيَةٍ وَرَجَاءٍ وَمُوَاسَاةٍ، يَقُولُ يَسُوعُ: "لا تَعْتَبِرُوا هَؤُلاءِ الْقَوْمَ أَسْوَأَ مِنْكُمْ، لأَنَّكُمْ مَا دُمْتُمْ غَيْرَ تَائِبِينَ أَمَامَ اللهِ فَسَتَهْلِكُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا". ثُمَّ يُتَابِعُ وَيُجِيبُ عَلَى السُؤالِ التَالِي: "أَوْ أُولَئِكَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْبُرْجُ فِي سِلْوَامَ وَقَتَلَهُمْ، أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مُذْنِبِينَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ؟"

وَإِلَيْكُمْ حَادِثَةَ انْهِيَارِ بُرْجٍ أُخْرَى، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يُقْتَلْ 6000 شَخْصٍ، بَلْ قُتِلَ 18 شَخْصًا فَقَطْ، لَكِنَّ الأَمْرَ كَانَ مَأْسَاوِيًّا كِفَايَةً حَتَّى جَاءَ النَاسُ إِلَى يَسُوعَ، قَائِلِينَ: "كَيْفَ سَمَحَ اللهُ بِحُدُوثِ ذَلِكَ؟" وَيُمْكِنُكُمْ أَنْ تَتَوَقَّعُوا أَنْ يُجِيبَ يَسُوعُ قَائِلًا: "أَنَا آسِفٌ جِدًّا عَلَى ذَلِكَ". أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يَقُولُ إِنَّهُ لا يَنْعَسُ وَلا يَنَامُ حَافِظُ إِسْرَائِيلَ، لَكِنَّ هَذِهِ صِيغَةٌ مُبَالَغَةٌ، هَذَا شِعْرٌ، وَتَعْلَمُونَ أَنَّ عَمَلَ اللهِ مِنْ ضَبْطِ وَمُراقَبَةِ كُلِّ ذَرَّةٍ تَتَحَرَّكُ فِي هَذَا الْكَوْنِ الشَاسِعِ هُوَ مُهِمَّةٌ شَاقَّةٌ حَتَّى بِالنِسْبَةِ إِلَى اللهِ. وَحَتَّى اللهُ يَحْتَاجُ إِلَى الرَاحَةِ بَيْنَ الْحِينِ وَالآخَرِ. وَبَعْدَ ظُهْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَبَيْنَمَا كَانَ يَأْخُذُ قَيْلُولَةً خَارِجَ نِطَاقِ سُلْطَانِهِ، وَقَعَ ذَلِكَ الْبُرْجُ عَلَى 18 شَخْصًا. يُؤْسِفُنِي مَا حَدَثَ، سَأَطْلُبُ مِنْهُ الانْتِبَاهَ أَكْثَرَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. أَوْ أَخْبَرْتُكُمْ بِأَنَّهُ مَا مِنْ طَيْرٍ يَحُطُّ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دُونِ أَنْ يُلاحِظَهُ، وَفِي الْوَاقِعِ، شَعْرُ رَأْسِكَ مَعْدُودٌ لَدَيْهِ، لَكِنْ بَعْدَ ظُهْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالذَاتِ كَانَ مَشْغُولًا جِدًّا بِتَعْدَادِ شَعْرِ رَأْسِ رَجُلٍ كَثِيفِ الشَعْرِ، فَتَحَوَّلَ انْتِبَاهُهُ عَنْ ذَلِكَ الْبُرْجِ الَذِي سَقَطَ".

تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا مَا قَالَهُ يَسُوعُ. وَيَسُوعُ لا يَقُومُ بِأَيِّ مُحَاوَلَةٍ لِتَبْرَِئَةِ اللهِ هُنَا، أَيْ لا يُحَاوِلُ أَنْ يُبَرِّرَ اللهَ عَلَى وُقُوعِ الْمَآسِي فِي الْعَالَمِ. تَرَوْنَ أَنَّهُ كَانَتْ لَدَى يَسُوعَ وُجْهَةُ نَظَرٍ عَنِ الْحَيَاةِ مُخْتَلِفَةٌ تَمَامًا عَنْ وُجْهَةِ نَظَرِنَا؛ كَانَتْ لَدَى يَسُوعَ رُؤْيَةٌ للهِ مَفَادُها أَنَّ اللهَ الآبَ كَامِلٌ تَمَامًا فِي بِرِّهِ وَعَدْلِهِ. وَكَانَتْ لَدَيْهِ أَيْضًا رُؤْيَةٌ لِلإِنْسَانِ مُخْتَلِفَةٌ تَمامًا عَنْ رُؤْيَتِنا، لأَنَّ يَسُوعَ كَانَ يَرَى أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ مُذْنِبٌ أَمَامَ اللهِ، وَكُلَّ إِنْسَانٍ مَدِينٌ للهِ، وَلا يُمْكِنُ لِهَذَا الشَخْصِ أَنْ يُسَدِّدَ ذَلِكَ الدَيْنَ. سَأَتَكَلَّمُ أَكْثَرَ عَنِ الأَمْرِ بَعْدَ قَلِيلٍ. لَكِنْ مُجَدَّدًا، نَجِدُهُ يُعْطِي الرَدَّ نَفْسَهُ الَذِي أَعْطاهُ بِشَأْنِ الْحَادِثَةِ الَتِي خَلَطَ فِيهَا بِيلاطُسُ دَمَ الشَعْبِ بِالذَبَائِحِ لِتَفْسِيرِ انْهِيَارِ ذَلِكَ الْبُرْجِ فِي سِلْوَامَ، فَيَقُولُ: "إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذَلِكَ تَهْلِكُونَ".

دَعُونِي أَقُولُ أَمْرَيْنِ عَنِ الْجَحِيمِ، وَهُمَا غَيْرُ رَاِئَجَيْنِ إِطْلاقًا. لا أَحَدَ يُعَلِّمُنَا عَنِ الْجَحِيمِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَكْثَرَ مِنْ يَسُوعَ. وَثَانِيًا، يَسُوعُ عَلَّمَ عَنِ الْجَحِيمِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَّمَ عَنِ السَمَاءِ. لَكِنْ إِنْ كانَ يُوجَدُ أَيُّ تَعْلِيمٍ لِيَسُوعَ لا تُصَدِّقُهُ الْكَنِيسَةُ، فَهُوَ تَعْلِيمُهُ عَنْ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ الرَهِيبَةِ الَتِي تَنْتَظِرُ الْعَالَمَ غَيْرَ التَائِبِ. إِنَّ كَاتِبَ رِسَالَةِ الْعِبْرَانِيِّينَ، وَهُوَ يَتَأَمَّلُ فِي الْفِدَاءِ الْكَبِيرِ الَذِي تَمَّمَهُ لَنَا الْمَسِيحُ، يُشَبِّهُنا بِالشَعْبِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ الَذِي أَنْكَرَ رَحْمَةَ اللهِ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ بَعْدَ جِيلٍ، وَأَنْكَرَ مَرَاحِمَ اللهِ، وَأَنْكَرَ نِعْمَةَ اللهِ أَمَامَ الْخَطَرِ الدَائِمِ الْمُحْدِقِ بِهِ. وَيُجْرِي كَاتِبُ رِسَالَةِ الْعِبْرَانِيِّينَ مُقَارَنَةً بَيْنَ إِلَهِ الرَحْمَةِ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَرَحْمَتِهِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ؛ وَيُشِيرُ إِلَى غِنَى النِعْمَةِ الَتِي يَفِيضُ اللهُ بِهَا عَلَى الْعَالَمِ مِنْ خِلالِ عَطِيَّةِ الْمَسِيحِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ؛ وَيَتَكَلَّمُ عَنْ عَظَمَةِ الْخَلاصِ الَذِي تَمَّمَهُ يَسُوعُ. ثُمَّ يَطْرَحُ هَذَا السُؤَالَ الْبَلاغِيَّ: "فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلَاصًا هَذَا مِقْدَارُهُ؟" مَا الَذِي يَجْعَلُ هَذَا السُؤالَ بَلاغِيًّا؟ السُؤَالُ الْبَلاغِيُّ هُوَ سُؤَالٌ مُعْلَنٌ أَوْ مَنْطُوقٌ، وَلا شَكَّ فِي جَوَابِهِ. وَهَذَا السُؤَالُ الَذِي يَطْرَحُهُ الْكَاتِبُ "فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلَاصًا هَذَا مِقْدَارُهُ؟" الْجَوَابُ عَلَيْهِ وَاضِحٌ. مَاذَا؟ لا يُمْكِنُنَا أَنْ نَنْجُوَ، وَلَنْ نَنْجُوَ. يُوجَدُ شَرْطٌ وَضَعَهُ الْمَسِيحُ وَالْعَهْدُ الْجَدِيدُ وَكَلِمَةُ اللهِ لِلنَجَاةِ، وَهَذَا الشَرْطُ هُوَ التَوْبَةُ التَوْبَةُ وَالإِيمَانُ. "مَا لَمْ تَفْعَلِ الأَمْرَ الأَوَّلَ"، يَقُولُ يَسُوعُ، "فَالأَمْرُ الثَانِي سَيَتْبَعُهُ لا مَحَالَةَ". وَالَأَمْرُ الثَانِي هُوَ كَالتَالِي: "الْهَلاكُ"، مَا لَمْ تَسْتَوْفِ هَذَا الشَرْطَ. لِذَا أَنَا أَمِيلُ إِلَى التَشْدِيدِ عَلَى مَدَى خُطُورَةِ وُقُوفِ الْخُدَّامِ وَالْوُعَّاظِ وَإِخْبَارِهِمْ لِلنَاسِ عُمُومًا بِأَنَّ اللهَ يُحِبُّ الْجَمِيعَ بِلا شُرُوطٍ. لأَنَّكَ حِينَ تَسْمَعُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ "الْمَحَبَّةَ غَيْرَ الْمَشْرُوطَةِ" تَعْنِي هَذِهِ الْعِبَارَةُ لِلأَشْخَاصِ الَذِينَ يَسْمَعُونَهَا بِأَنَّ: يُمْكِنُنِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أَشَاءُ وَمَتَى أَشَاءُ، وَلَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَقْلَقَ أَبَدًا بِشَأْنِ اللهِ، لَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَقْلَقَ أَبَدًا بِشَأْنِ النَجَاةِ مِنْهُ، لأَنَّ مَحَبَّتَهُ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ. مِنْ نَاحِيَةٍ، مَحَبَّتُهُ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ، لَكِنَّ خَلاصَهُ مَشْرُوطٌ. فَهُوَ يَطْلُبُ مِنْ جَمِيعِ النَاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، وَأَنْ يَعْتَرِفُوا بِخَطَايَاهُمْ، وَأَنْ يَتَخَلَّوْا عَنْ أَيِّ رَجَاءٍ فِي أَنْ يَفْدُوا أَنْفُسَهُمْ. لَيْسَ مَا يُمْكِنُكَ فِعْلُهُ لِتُنَجِّيَ نَفْسَكَ.

مُجَدَّدًا، يَصِفُنا يَسُوعُ بِأَشْخَاصٍ مَدِينِينَ. وَاْلمَدِينُونَ هُمْ أَشْخَاصٌ تَتَراكَمُ عَلَيْهِمْ دُيونٌ غَيْرُ مُسَدَّدَةٍ. إِنْ رَاجَعْنا الْمَبادِئَ الأَوَّلِيَّةَ لِفَهْمِنَا للهِ، تَذَكَّرُوا أَنَّ وُجْهَةَ نَظَرِنَا عَنِ الْحَيَاةِ تَبْدَأُ بِكَيْفِيَّةِ فَهْمِنَا لِطَبِيعَةِ اللهِ، وَفِي قَلْبِ فَهْمِنَا للهِ يَكْمُنُ إِدْرَاكُنَا أَنَّ اللهَ بِصِفَتِهِ صَانِعَنا وَمُتَسَلِّطًا عَلَيْنَا، وَهُوَ السَيِّدُ عَلَى الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ كُلِّهِ، هَذَا الإِلَهُ يَتَمَتَّعُ بِشَكْلٍ أَبَدِيٍّ وَطَبِيعِيٍّ وَجَوْهَرِيٍّ بِالْحَقِّ الْمُطْلَقِ بِفَرْضِ الْتِزَامَاتٍ عَلَيْكَ. تَعْرِفُونَ كَيْفَ تَسِيرُ الأُمُورُ، وَكَمْ أَنَّنَا نَشْعُرُ بِالْحُزْنِ غَالِبًا حِينَ يَقُولُ أَحَدُهُمْ "عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ هَذَا الأَمْرَ، أَوْ أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ الأَمْرَ أَوْ غَيْرَهُ". وَنَحْنُ نَتْعَبُ مِنَ الأَشْخَاصِ الَذِينَ يُشِيرُونَ إِلَيْنَا بِالإِصْبَعِ قَائِلِينَ إِنَّ عَلَيْنَا فِعْلَ أَمْرٍ مَا "عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ هَذَا الأَمْرَ" وَيَفْرِضُونَ عَلَيْنَا عِبْئًا مِنَ الذَنْبِ أَوِ الْتِزامًا لَمْ نَطْلُبْهُ. يُخْبِرُنِي أُنَاسٌ كُثُرٌ إِنَّ عَلَيَّ فِعْلَ أَمْرٍ مَا وَلا سُلْطَانَ لَدَيْهِمْ لِقَوْلِ ذَلِكَ لِي. لَكِنْ إِنْ نَظَرَ إِلَيَّ اللهُ الْقَدِيرُ قَائِلًا: "يَا أَرْ سِي، عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا"، فَلا يُمْكِنُنِي أَنْ أُجَادِلَ الْقَدِيرَ، لأَنَّ اللهَ يَتَمَتَّعُ بِالْحَقِّ الضِمْنِيِّ بِفَرْضِ الْتِزَامَاتٍ عَلَيَّ. وَالالْتِزَامُ الَذِي فَرَضَهُ عَلَيْكَ، وَالالْتِزَامُ الَذِي فَرَضَهُ عَلَيَّ، هُوَ الالْتِزَامُ بِطَاعَةِ نَامُوسِهِ. وَهَذَا النَامُوسُ هُوَ مَا يَقِيسُ دَرَجَةَ مَدْيُونِيَّتِي للهِ.

فِي فَصْلِ تَعْلِيمِ حَقَائِقِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لِلصِغَارِ نَسْأَلُ الأَوْلادَ "مَا هِيَ الْخَطِيَّةُ؟" وَالْجَوَابُ "الْخَطِيَّةُ هِيَ أَيُّ تَقْصِيرٍ فِي الالْتِزَامِ بِشَرِيعَةِ اللهِ، أَوْ هِيَ التَعَدِّي عَلَى شَرِيعَةِ اللهِ". وَعَدَمُ طَاعَةِ اللهِ هُوَ كَسْرٌ لِلنَامُوسِ. وَكُلَّمَا امْتَنَعْنَا عَنْ طَاعَةِ اللهِ، ارْتَكَبْنَا خَطِيَّةً مَا، فَإِنَّنَا نَجْلُبُ دَيْنًا عَلَى أَنْفُسِنَا. فِي فَصْلِ مَدْرَسَةِ الأَحَدِ فِي كَنِيسَتِي الأُسْبُوعَ الْمَاضِي، كُنَّا نَتَكَلَّمُ عَنْ مَقْطَعٍ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ سَأَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ بَعْدَ قَلِيلٍ لَكِنَّنَا تَكَلَّمْنَا عَنْ هَذِهِ الصُورَةِ الَتِي أَعْطَاهَا بُولُسُ عَنِ ادِّخَارِ الْغَضَبِ وَتَخْزِينِهِ لِيَوْمِ الْغَضَبِ. وَسَبَبُ اسْتِعْمَالِ هَذَا النَوْعِ مِنَ التَشْبِيهِ هُوَ وُجُودُ مَدْيُونِيَّةٍ بَارِزَةٍ. فَكُلَّمَا خَرَقْتُ نَامُوسَ اللهِ فَإِنِّي أَجْلُبُ عَلَى نَفْسِي دَيْنًا مَعْنَوِيًّا، وَفِي الْمَرَّةِ التَالِيَةِ الَتِي أُخْطِئُ فِيهَا يَتَعَاظَمُ الدَيْنُ، وَفِي الْمَرَّةِ الثَالِثَةِ الَتِي أُخْطِئُ فِيهَا يَزْدَادُ الدَيْنُ، فَتَتَكَدَّسُ تِلْكَ الدُيُونُ حَتَّى يَوْمِ الدَيْنُونَةِ. إِذًا، يَقُولُ يَسُوعُ عَنَّا "إِنَّنَا مَدِينُونَ وَلا يُمْكِنُنَا تَسْدِيدُ دَيْنِنَا".

مَرَّاتٍ أَتَكَلَّمُ مَعَ أُناسٍ يُفَكِّرُونَ عَلَى هَذَا النَحْوِ قَائِلِينَ: "نَعَمْ لا يُوجَدُ إِنْسَانٌ كَامِلٌ. بِالطَبْعِ، اقْتَرَفْتُ الأَخْطَاءَ فِي حَيَاتِي، بِالطَبْعِ ارْتَكَبْتُ الْخَطايَا، لَكِنِّي أَعِيشُ حَيَاةً صَالِحَةً وَمُتَوَازِنَةً وَأُعَوِّضُ عَنْ أَخْطَائِي بِأَعْمَالِي الصَالِحَةِ". أَلا تُدْرِكُ أَنَّ اللهَ يَطْلُبُ الْكَمَالَ؟ إِنِ ارْتَكَبْتَ خَطِيَّةً وَاحِدَةً، مِنَ الْمُسْتَحِيلِ أَنْ تَفْعَلَ أَمْرًا كَافِيًا بِالْمُقَابِلِ لِلتَعْوِيضِ عَنْ ذَلِكَ التَعَدِّي الْوَاحِدِ. وَنَحْنُ نَقُولُ بِارْتِجالٍ "يَحِقُّ لِلْجَمِيعِ ارْتِكابُ خَطَأٍ وَاحِدٍ". لا أَعْلَمُ مَنْ أَجَازَ لَكَ ذَلِكَ. بِالطَبْعِ، لَمْ يُجِزْ لَكَ اللهُ أَنْ تَرْتَكِبَ خَطِيَّةً وَاحِدَةً. لَكِنْ حَتَّى إِنْ أَجَازَ لَكَ ارْتِكابَ خَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَمُنْذُ مَتَى اسْتَنْفَذْتَ مَا يَحِقُّ لَكَ بِهِ؟ سَبْعُونَ فِي المَائَةِ مِنَ الشَعْبِ فِي الْوِلاياتِ الْمُتَّحِدَةِ تَتَرَاكَمُ عَلَيْهِمْ دُيُونٌ فِي بِطَاقَةِ الائْتِمَانِ، وَالْبَعْضُ غَارِقٌ فِي الدُيُونِ. لَدَيَّ صَدِيقَةٌ مُتَراكِمٌ عَلَيْهَا دُيُونٌ فِي بِطَاقَةِ الائْتِمَانِ تَفُوقُ رَاتِبَهَا عَلَى مَدَى سَنَةٍ، لا أَمَلَ لَدَيْهَا فِي التَمَكُّنِ مِنْ تَسْدِيدِ الدَيْنِ. وَالْخَاطِئُ الَذِي أَخْطَأَ إِلَى اللهِ لا رَجاءَ لَدَيْهِ إِطْلاقًا فِي تَسْدِيدِ الدَيْنِ. هَذَا هُوَ جَوْهَرُ الإِنْجِيلِ بِرُمَّتِهِ: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ. هَذَا الإِلَهُ الَذِي هُوَ إِلَهُ الْعَدْلِ هُوَ أَيْضًا إِلَهُ النِعْمَةِ. هَذَا الإِلَهُ الَذِي هُوَ إِلَهُ الْغَضَبِ هُوَ أَيْضًا إِلَهُ الرَحْمَةِ.

وَالآنَ نَقْرَأُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَنَّ اللهَ أَظْهَرَ لَنَا نِعْمَتَهُ فِي الإِنْجِيلِ مِنْ خِلالِ عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ، حَيْثُ أَرْسَلَ اللهُ إِلَى الْعَالَمِ، فِيمَا كُنَّا لا نَزَالُ خُطَاةً، ذَاكَ الَذِي لَيْسَ عَلَيْهِ أَيُّ دُيُونٍ، وَالَذِي عَاشَ حَيَاتَهُ كُلَّهَا فِي طَاعَةٍ كَامِلَةٍ. لِذَا مِنَ الْمُهِمِّ لَنَا أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ الْمَسِيحَ بِلا خَطِيَّةٍ، لأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى نِهَايَةِ حَيَاتِهِ مِنْ دُونِ دُيُونٍ، وَجَاءَ إِلَى شَعْبِهِ الْغَارِقِ فِي الدُيُونِ، وَالْعَاجِزِ تَمَامًا عَنْ تَسْدِيدِ دَيْنِهِ، وَقَالَ "أَعْطُونِي دُيُونَكُمْ". فَأَخَذَ ذَلِكَ الدَيْنَ وَوَضَعَهُ عَلَى نَفْسِهِ. يَصِفُ بُولُسُ الأَمْرَ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ كُولُوسِي كُولُوسِي الأَصْحَاحِ 2 وَالآيَةِ 13: "وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا، إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ". يَا لَهَا مِنِ اسْتِعَارَةٍ رَائِعَةٍ لِوَصْفِ الْكَفَّارَةِ! يَتَكَلَّمُ بُولُسُ عَنْ صُكُوكِ دَيْنٍ، وَعَنْ سَنَدَاتِ الدُيُونِ، حَيْثُ إِنَّهُ حَتَّى فِي نَامُوسِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ حِينَ كَانَ أَحَدُهُمْ يَكْسِرُ النَامُوسَ كَانَ يَتِمُّ تَدْوِينُ الأَمْرِ، وَكانَ هَذَا بِمَثَابَةِ صَكٍّ مَعْنَوِيٍّ بِالدَيْنِ. مَدِينُونَ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُسَدِّدُوا الدَيْنَ... هَذَا مَا قَالَهُ يَسُوعُ. هَذَا مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِطَبِيعَتِكُمْ. وَيَقُولُ بُولُسُ إِنَّ أَوَّلَ أَمْرٍ فَعَلَهُ الْمَسِيحُ عَلَى الصَلِيبِ بِالنِيَابَةِ عَنَّا هُوَ مَحْوُ دَيْنِنَا. لَقَدْ مَحَاهُ.

أَتَذْكُرُونَ دَاوُدَ؟ بَعْدَ أَنِ ارْتَكَبَ الإِثْمَ مَعَ بَثْشَبَعَ وَوَاجَهَهُ نَاثَانُ النَبِيُّ، وَصَلَ إِلَى مَرْحَلَةِ اعْتِرَافٍ حَقِيقِيٍّ، حَيْثُ صَرَخَ إِلَى اللهِ قَائِلًا: "يَا رَبُّ امْحُ مآثِمِي. لَيْتَك تَمْحُوهَا مِنْ سِجِلِّي وَتُلْغِيهَا مِنْ تَارِيخِي". وَهَذَا تَحْدِيدًا مَا يَفْعَلُهُ الْمَسِيحُ لِلأَشْخَاصِ الَذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهِ: إِنَّهُ يَمْحُو دَيْنَهُمْ. ثُمَّ يَقُولُ بُولُسُ إِنَّهُ سَمَّرَ ذَلِكَ الصَكَّ عَلَى الصَلِيبِ. فِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، حِينَ كَانَ يَتِمُّ إِبْطَالُ دَيْنٍ اقْتِصَادِيٍّ، بَدَلًا مِنَ الْكِتَابَةِ "مَدْفُوعٌ بِالْكَامِلِ" عَلَى الصَكِّ، كَانَ يَتِمُّ وَضْعُ هَذِهِ الْعَلامَةِ أَيِ التَصْوِيرِ الْيُونَانِيِّ للصَلِيبِ كَانَ يَتِمُّ وَضْعُهَا عَلى الصَكِّ. فَاللهُ يَضَعُ حَرْفِيًّا صَلِيبًا عَلَى دَيْنِكَ حِينَ تَتُوبُ وَتَقْبَلُ الْمَسِيحَ. مَنْ فِي الْعَالَمِ يَقْدِرُ أَنْ يَقِيسَ فَضْلَ تِلْكَ النِعْمَةِ؟ وَرَحْمَةَ تِلْكَ الرَحْمَةِ؟ هَذَا هُوَ الْخَلاصُ بِالْمَعْنَى الْمُطْلَقِ... تَصَوَّرْ أَنَّ الْمَسِيحَ أَبْطَلَ دَيْنَنَا إِلَى الأَبَدِ، وَضَمِنَ لَنَا غُفْرَانَ كُلِّ خَطِيَّةٍ ارْتَكَبْنَاهَا. لَيْسَ هَذَا فَحَسْبُ، بَلْ نَقَلَ إِلَى حِسَابِنَا كَمَالَ بِرِّهِ، لِجَمِيعِ الَذِينَ يُؤْمِنُونَ.

حِينَ يَفْعَلُ اللهُ ذَلِكَ، فَهَذَا لا يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ قُدُّوسًا، وَلا يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ بَارًّا. حِينَ يَصِفُ بُولُسُ عَمَلِيَّةَ التَبَادُلِ هَذِهِ فِي رِسَالَةِ رُومِيَةَ، وَيُطْلِعُنَا عَلَى رِسَالَةِ الإِنْجِيلِ، فَهُوَ يَقُولُ إِنَّ مَا يُبَيِّنُهُ لَنَا الإِنْجِيلُ هُوَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْبَارُّ وَالَذِي يُبَرِّرُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ. وَهُوَ لا يُفَاوِضُ أَبَدًا عَلَى بِرِّهِ. بَلْ يَحْرِصُ عَلَى مُعَاقَبَةِ الذَنْبِ وَدَفْعِ ثَمَنِ الْخَطِيَّةِ. هُوَ لا يُعْفِي مِنَ الدَيْنِ فَحَسْبُ، بَلْ يُدَوِّنُ أَنَّهُ مَدْفُوعٌ، أَيْ هُوَ يَظَلُّ عَادِلًا. لَكِنْ أَنْ يَسْمَحَ بِأَنْ يُسَدِّدَهُ شَخْصٌ آخَرُ سِوَانا، فَهَذَا يُبَيِّنُ مَجْدَ عَدْلِهِ وَغِنَى نِعْمَتِهِ الَذِي لا يُوصَفُ. فِي نِهايَةِ الْمَطافِ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، مَا يُحَدِّدُ وُجْهَةَ النَظَرِ الْمَسِيحِيَّةَ عَنِ الْحَياةِ هُوَ مَجْدُ الصَلِيبِ.