المحاضرة 3: الهدَفُ مِنَ الأَلَمِ

فِي أَعْقَابِ إِعْلَانِ أَمْرِيكَا الْحَرْبَ ضِدَّ الإِرْهَابِ، رَأَيْنَا أَنَّ الْحُرُوبَ نَاتِجَةٌ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ عَنْ صِرَاعِ الأَفْكَارِ، وَأَنَّ الْحَرْبَ تَبْدَأُ فِي الذِهْنِ، وَيَنْدَلِعُ الْقِتَالُ حِينَ يَتَوَصَّلُ النَاسُ إِلَى اسْتِنْتَاجَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ حَوْلَ كَيْفِيَّةِ الْعَيْشِ وَكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ. كَمَا شَهِدْنَا أَيْضًا اضْمِحْلالَ الأَهَمِّيَّةِ الرَئِيسِيَّةِ لِمَفْهُومِ الْعِنَايَةِ الإِلَهِيَّةِ حَتَّى فِي الْكَنِيسَةِ الْمَسِيحِيَّةِ فِي يَوْمِنَا. وَلاحَظْتُ، كَمَا تَصِفُ وَسَائِلُ الإِعْلَامِ أَحْدَاثَ 11 سَبْتَمْبَر فِي الْعَامِ 2001، أَنَّهُ يَتِمُّ اسْتِخْدَامُ كَلِمَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لِوَصْفِ إِشْكالِيَّاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ كَلِمَاتٍ مِثْلِ "كَارِثَةٍ" أَوْ "بَلِيَّةٍ". وَرُبَّمَا إِحْدَى الْكَلِمَاتِ الَتِي أَسْمَعُهَا أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ كَلِمَةٍ أُخْرَى هِيَ كَلِمَةُ "مَأْسَاةٍ".

لَكِنْ مَا أَقْلَقَنِي نَوْعًا مَا فِي الِاسْتِعْمَالِ الْعَامِّ لِلْمُفْرَدَاتِ، هُوَ أَنِّي أَسْمَعُ دَائِمًا هَذِهِ الْعِبَارَةَ مِرَارًا وَتَكْرَارًا الَتِي تَصِفُ هَذِهِ الْأَحْدَاثَ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ هِيَ "مَأْسَاةٌ لَا مَعْنَى لَهَا". إِنْ كَانَ لَدَيَّ الْوَقْتُ لِلدُخُولِ فِي تَحْلِيلٍ تِقْنِيٍّ شَامِلٍ لِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِالتَزَامُنِ مَعَ بَعْضِهَا الْبَعْضِ، فَأَظُنُّ أَنَّ بِإِمْكَانِي أَنْ أُبَرْهِنَ لَكُمْ حَتَّى تُصَدِّقُوا أَنَّ عِبَارَةَ "مَأْسَاةٌ لَا مَعْنَى لَهَا" هِيَ اجْتِمَاعُ نَقِيضَيْنِ. فَلِكَيْ يَتِمَّ تَحْدِيدُ أَمْرٍ مَا فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ عَلَى أَنَّهُ مَأْسَاوِيٌّ، لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مِعْيَارٍ مِنَ الصَلَاحِ لِكَيْ يَتِمَّ اعْتِبَارُ أَمْرٍ مَا مَأْسَاوِيًّا مُقَابِلَ ذَلِكَ. وَإِنْ حَدَثَتِ الْأُمُورُ بِطَرِيقَةٍ لَا مَعْنَى لَهَا، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُشَكِّلَ أَيُّ أَمْرٍ مَأْسَاةً أَوْ بَرَكَةً، بَلْ سَيَكُونُ بِبَسَاطَةٍ حَدَثًا عَدِيمَ الْمَعْنَى. أَيْ إِنَّ كَلِمَةَ "مَأْسَاةٍ" تَقْتَضِي ضِمْنًا نَوْعًا مِنْ التَرْتِيبِ وَالْهَدَفِ فِي الْعَالَمِ. لَكِنْ مَا يَشْغَلُنِي هُنَا هُوَ أَنَّ فِكْرَةَ "الْمَأْسَاةِ عَدِيمَةِ الْمَعْنَى" تُمَثِّلُ وُجْهَةَ نَظَرٍ عَنِ الْحَيَاةِ مُتَضَارِبَةً تَمَامًا مَعَ الْفِكْرِ الْمَسِيحِيِّ، لِأَنَّهَا تَفْتَرِضُ حُدُوثَ أَمْرٍ مَا مِنْ دُونِ هَدَفٍ أَوْ مَعْنًى. وَإِنْ كَانَ الرَبُّ هُوَ اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ إِلَهَ الْعِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ سَيِّدًا، فَلَا يُمْكِنُ لِأَيِّ أَمْرٍ يَحْدُثُ أَنْ يَكُونَ عَدِيمَ الْمَعْنَى فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ.

أَذْكُرُ حِينَ كُنْتُ فِي الْجَامِعَةِ، وَكَانَ عَلَيَّ أَنْ أَتْبَعَ دُرُوسًا تَمْهِيدِيَّةً فِي مُخْتَبَرِ مَادَّةِ الْأَحِيَاءِ. فِي الْوَاقِعِ، كَانَتْ هَذِهِ تُدْعَى "الْأَحِيَاءَ الْبَسِيطَةَ"، لِأَنَّهَا كَانَتْ دُرُوسَ أَحْيَاءٍ مُوَجَّهَةً لِلتَخَصُّصَاتِ غَيْرِ الْعِلْمِيَّةِ. وَرُبَّمَا الْأَمْرُ الْوَحِيدُ الَذِي أَتَذَكَّرُهُ مِنْ ذَلِكَ الصَفِّ هُوَ الْمُحَاضَرَةُ الْأُولَى الَتِي أَعْطَاهَا الْأُسْتَاذُ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّ صُفُوفَ الْأَحْيَاءِ الْبَسِيطَةِ كَانَتْ تَضُمُّ بِمُعْظَمِهَا طَلَبَةً مُبْتَدِئِينَ، أَيْ أَنَّ 99% مِنْ طَلَبَةِ الصَفِّ كَانُوا مُبْتَدِئِينَ، بَيْنَمَا كُنْتُ طَالِبًا عَلَى وَشْكِ التَخَرُّجِ. كُنْتُ طَالِبًا عَلَى وَشْكِ التَخَرُّجِ مِنْ قِسْمِ الْفَلْسَفَةِ، وَاضْطُرِرْتُ لِتَأْجِيلِ أَخْذِ هَذِهِ الْمَادَّةِ، لِأَنِّي كُنْتُ فِي صِرَاعٍ مَعَ الْيُونَانِيَّةِ فِي السَنَةِ الْأُولَى مِنَ الْجَامِعَةِ، حَيْثُ كُنْتُ قَدْ أَنْهَيْتُ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ جَامِعِيَّةٍ فِي مَجَالِ الْبَحْثِ وَالِاسْتِقْصَاءِ الْفَلْسَفِيِّ. وَالْأَمْرُ الَذِي اسْتَرْعَى ذُرْوَةَ اهْتِمَامِي فِي تِلْكَ الْمُحَاضَرَةِ الِافْتِتَاحِيَّةِ هُوَ قَوْلُ الْأُسْتَاذِ "كَعُلَمَاءَ يَسْتَكْشِفُونَ عَالَمَ الْأحِيَاءِ، الْأَمْرُ الْوَحِيدُ الَذِي لَا يُثِيرُ اهْتِمَامَنَا هُوَ عِلْمُ الْغَائِيَّةِ" (teleology) – وَالْكَلِمَةُ تَأْتِي مِنْ اللُغَةِ الْيُونَانِيَّةِ "تِيلُوسْ" (Telos)، وَمَعْنَاهَا "غَايَةٌ، أَوْ هَدَفٌ أَوْ غَرَضٌ".

أَحَدُ الْأَبْحَاثِ الْعَظِيمَةِ فِي تَارِيخِ الْفَلْسَفَةِ هُوَ بَحْثٌ حَوْلَ مَعْنَى الْحَيَاةِ وَالْوُجُودِ الْبَشَرِيِّ وَالْهَدَفِ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ الْوُجُودَ الْبَشَرِيَّ فَحَسْبُ، بَلْ الْوُجُودُ الْحَيَوَانِيُّ أَيْضًا، وَوُجُودُ الْأَزْهَارِ، وَوُجُودُ الصُخُورِ وَكُلِّ شَيْءٍ آخَرَ. أَيْ أَنَّ الْفَلْسَفَةَ تُعْنَى بِشَكْلٍ عَمِيقٍ بِأَسْئِلَةٍ حَوْلَ الْهَدَفِ وَالْمَعْنَى. فَدَخَلَتْ إِلَى صَفِّ الْمُبْتَدِئِينَ فِي مَادَّةِ الَأَحِيَاءِ، وَقِيلَ لِي فِي الْبِدَايَةِ لَا يُسْمَحُ بِالتَطَرُّقِ إِلَى الْأَسْئِلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِعِلْمِ الْغَائِيَّةِ. وَمَا سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ يَقُولُهُ هُوَ أَنَّ مَا سَتَتَعَلَّمُونَهُ مِنْ الْآنَ فَصَاعِدًا فِي الْجُزْءِ الْمُتَبَقِّي مِنْ هَذَا الْمُقَرَّرِ التَعْلِيمِيِّ سَيَكُونُ بِلَا مَعْنًى، لَكِنْ مَا كَانَ الْأُسْتَاذُ يَقُولُهُ فِعْلًا هُوَ أَنَّنَا سَنَحْصُرُ بَحْثَنَا بِالْأَسْئِلَةِ الْآتِيَةِ، "كَيْفَ وَمَاذَا وَأَيْنَ"، لَكِنَّ السُؤَالَ الْوَحِيدَ الَذِي يُمْنَعُ طَرْحُهُ هُوَ "لِمَاذَا؟". وَلَكِنْ حِينَ نَرْجِعُ إِلَى أَحْدَاثِ 11 مِنْ سِبْتَمْبِرَ عامَ 2001، هَذَا هُوَ السُؤَالُ الَذِي يَشْغَلُ عُقُولَ الْجَمِيعِ. "لِمَاذَا حَدَثَ ذَلِكَ؟" لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ مُؤْمِنًا، وَخُصُوصًا مُؤْمِنًا مَسِيحِيًّا، فَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ سَبَبِ حُدُوثِ الْأَمْرِ. السُؤَالُ هُوَ "كَيْفَ سَمَحَ اللَّهُ بِحُدُوثِ هَذا الْأَمْرِ؟" نَحْنُ نَسْأَلُ "لِمَاذَا حَدَثَ ذَلِكَ يَا رَبُّ؟" لِأَنَّ الْمَسِيحِيِّينَ لَا يَتَقَبّلُونَ وُقُوعَ أَحْدَاثٍ بِلَا مَعْنًى. لِأَنَّ فِي قَلْبِ الْحَيَاةِ الْمَسِيحِيَّةِ وَوُجْهَةِ نَظَرِهَا عَنِ الْحَيَاةِ، كُلُّ حَدَثٍ فِي التَارِيخِ لَدَيْهِ هَدَفٌ فِي فِكْرِ اللَّهِ الْقَدِيرِ. اللَّهُ هُوَ إِلَهُ الْأَهْدَافِ، وَلَيْسَ اللَّهُ فَوْضَوِيًّا. اللَّهُ لَا يَلْعَبُ النَرْدَ كَمَا عَلَّقَ أَلْبِرْتْ أَيْنِشْتَايِنْ ذَاتَ مَرَّةٍ. يُوجَدُ هَدَفٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، بِمَا فِي ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ بِالْمَأْسَاةِ. أُكَرِّرُ، مَا سَبَبُ هَذِهِ الْمَأْسَاةِ؟

أَحَدُ الْأُمُورِ الَتِي حَدَثَتْ فِي الْأَيَّامِ الْأُولَى مِنْ خَوَاطِرَ حَوْلَ أَحْدَاثِ 11 مِنْ سِبْتَمْبِرَ، كَانَ صُدُورَ تَعْلِيقَاتٍ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الْوُعَّاظِ الْمَعْرُوفِينَ، لَا سِيَّمَا جِيرِي فَالْوِيلْ، بِمُؤَازَرَةٍ بَاتْ رُوبِرْتْسُونْ. أَبْدَى فَالْوِيْلْ مُلَاحَظَةً تُفِيدُ بِأَنَّ سَبَبَ هَذِهِ الْمَأْسَاةِ هُوَ إِنْزَالُ اللَّهِ دِينُونَتَهُ عَلَى أَمْريِكَا، نَتِيجَةَ فُجُورِ أَمْرِيكَا وَالْإِجْهَاضِ وَدَمَارِ الْعَائِلَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَخْلَاقِيَّةِ فِي أَيَّامِنَا. أَدَّى ذَلِكَ إِلَى خَلْقِ عَاصِفَةٍ نَارِيَّةٍ مِنَ الْجَدَلِ وَرُدُودِ فِعْلٍ سَلْبِيَّةٍ عَنِيفَةٍ، حَتَّى إِنَّ الْمُعَلّقِينَ الْمَسِيحِيِّينَ كَانُوا مُعَبّرِينَ فِي نَقْدِهِمْ لِهَذَا التَقْيِيمِ الَذِي قَدَّمَهُ جِيرِي فَالْوِيْلُ، لِدَرَجَةِ أَنَّ فَالْوِيلْ تَرَاجَعَ عَلَنًا عَنْ تَعْلِيقِهِ الَذِي شَكَّلَ فِعْلًا حُكْمًا مُتَسَرِّعًا.

وَالْآنَ دَعُونِي أَقُولُ أَمْرًا. إِنْ سَأَلَنِي أَحَدُهُمْ "لِمَاذَا حَدَثَ ذَلِكَ؟ مَاذَا كَانَ هَدَفُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؟" فَإِنَّ الْجَوَابَ الصَادِقَ الْوَحِيدَ الَذِي يُمْكِنُنِي تَقْدِيمُهُ هُوَ بِبَسَاطَةٍ "لَسْتُ أَدْرِي". لَا يُمْكِنُنِي قِرَاءَةُ أَفْكَارِ اللَّهِ. إِنْ سَأَلْتَنِي "هَلْ كَانَ لِلَّهِ عَلَاقَةٌ بِالْأَمْرِ؟" أَجَلْ، لِأَنِّي أُؤْمِنُ بِعَقِيدَةِ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ. وَأَنَا مُقْتَنِعٌ بِأَنَّهُ كَانَ لِلَّهِ عَلَاقَةٌ بِهَذَا الْأَمْرِ، وَبِأَنَّ الْأَمْرَ تَمَّ وَفْقَ مَقَاصِدِ اللَّهِ. لَكِنْ مَاذَا كَانَ الْهَدَفُ الْمُحَدّدُ مِنْ مُشَارَكَةِ اللَّهِ فِي الْأَمْرِ؟ لَيْسَ لَدَيَّ أَدْنَى فِكْرَةٍ".

إِذًا، لَنْ أَنْتَقِلَ سَرِيعًا إِلَى الِاسْتِنْتَاجِ أَنَّ هَدَفَ اللَّهِ كَانَ إِنْزَالَ دَيْنُونَةٍ عَلَى أَمرِيكَا. لَكِنَّ أَحَدَ الْأُمُورِ الَتِي تُزْعِجُنِي هُوَ مَدَى ثِقَةِ الْمُعَلّقِينَ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ عَمَلَ دَيْنُونَةٍ. دَعُونِي أُكَرِّرُ مَا قُلْتُ، وَلْيَكُنْ كَلَامِي وَاضِحًا. لَا أَعْلَمُ مَا إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَمَلَ دَيْنُونَةٍ، لَكِنْ لَا يَسَعُنِي التَفْكِيرُ فِي أَيِّ أَمْرٍ فِي وُجْهَةِ النَظَرِ الْمَسِيحِيَّةِ عَنِ الْحَيَاةِ يَسْتَبْعِدُ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ عَمَلَ دِينُونَةٍ، إِنْ أَدْرَكْنَا أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ الْبَلَايَا بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ عَلَى الْأُمَمِ كَعَمَلِ دِينُونَةٍ. لَكِنَّ الصِرَاعَ مَعَ هَذَا السُؤَالِ لَيْسَ فَقَطْ فِي إِطَارِ ذَلِكَ الْحَدَثِ الْمُعَيَّنِ أَوْ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالذَاتِ، لَكِنْ نَظَرًا لِلْمَآسِي الَتِي تُصِيبُ النَاسَ عَبْرَ الْعُصُورِ، وَيَوْمِيًّا فِي هَذَا الْعَالَمِ، يُطْرَحُ هَذَا السُؤَالُ "لِمَاذَا؟"

دَعُونِي أَلْفِتُ انْتِبَاهَكُمْ، بِإِيجَازٍ عَلَى الْأَقَلِّ، إِلَى مُنَاقَشَةٍ حَوْلَ هَذَا النَوْعِ مِنَ الْأَسْئِلَةِ بَيْنَ يَسُوعَ وَتَلَامِيذِهِ. فِي الْأَصْحَاحِ 9 مِنْ إِنْجِيلِ يُوحِنَّا نَقْرَأُ الْكَلِمَاتِ الْآتِيَةَ: " وَفِيمَا هُوَ (أَيْ يَسُوعُ) مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَانًا أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِهِ". دَعُونِي أَتَوَقَّفُ هُنَا قَلِيلًا. أَنْتِ أُمٌّ تَحْمِلِينَ طِفْلَكَ حَتَّى الْأَوَانِ الطَبِيعِيِّ لِلْمَخَاضِ، وَأَنْتِ مُتَحَمِّسَةٌ لِوِلَادَةِ هَذَا الطِفْلِ. أَنْتَ هُوَ الْأَبُ، وَحِينَ يُولَدُ الطِفْلُ، سُرْعَانَ مَا تَكْتَشِفُ أَنَّهُ أَعْمَى. قِلَّةٌ هُمُ الْأَشْخَاصُ الَذِينَ يَتَقَبّلُونَ ذَلِكَ بِفَرَحٍ، وَقِلَّةٌ هُمُ الْأَشْخَاصُ الَذِينَ يَعْتَبِرُونَ هَذَا الِاخْتِبَارَ افْتِقَادًا لِلَّهِ بِالْبَرَكَةِ. بِاخْتِصَارٍ، إِنَّ الْوَالِدَيْنِ، وَلِشِدَّةِ خَيْبَتِهِمَا، اعْتَبَرَا ذَلِكَ الْحَدَثَ بِالنِسْبَةِ إِلَيْهِمَا وَإِلَى طِفْلِهِمَا عَلَى الْأَرْجَحِ مَأْسَاةً شَخْصِيَّةً. وَبِالطَبْعِ، يَمِيلُ النَاسُ إِلَى طَرْحِ سُؤَالِ: "يَا رَبُّ، لِمَاذَا سَمَحْتَ بِحُدُوثِ ذَلِكَ؟"

وَالآنَ صَادَفَ التَلامِيذُ إِنْسَانًا بَالِغًا، وَعَلِمُوا أَنَّهُ أَعْمَى مُنْذُ الْوِلَادَةِ وَأَنَّهُ عَانَى مِنَ الْعَمَى التَامِّ لِسَنَواتٍ طَوِيلَةٍ. إِنْ كانَ يُوجَدُ أَمْرٌ يَبْدُو عَدِيمَ الْمَعْنَى فَهُوَ اخْتِبَارُ الرَجُلِ الَذِي وُلِدَ أَعْمَى. إِذًا، جَاؤُوا إِلَى يَسُوعَ وَسَأَلُوهُ "يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟" مَنْ أَخْطَأَ؟ الرَجُلُ الَذِي وُلِدَ أَعْمَى، أَمْ أَبَوَاهُ؟ مَنْ بَيْنِ هَؤُلاءِ؟

هُنَا أَدْرَكَ يَسُوعُ فَوْرًا أَنَّ السُؤَالَ الْمَطْرُوحَ عَلَيْهِ يَنْطَوِي عَلَى مُغَالَطَةٍ مَنْطِقِيَّةٍ. وَلِهَذِهِ الْعَمَلِيَّةِ تَسْمِيَةٌ تِقْنِيَّةٌ: إِنَّهَا تُدْعَى "مُغَالَطَةَ الْمُعْضِلَةِ الْكَاذِبَةِ"، أَوْ تُدْعَى أَحْيَانًا مُغَالَطَةَ أَمْرٍ مِنِ اثْنَيْنِ. أَيْ حِينَ يَحْصُرُ أَحَدُهُمْ الْأَمْرَ بِاحْتِمَالَيْنِ اثْنَيْنِ فَقَطْ، فِي حِينِ أَنَّهُ رُبَّمَا تُوجَدُ احْتِمَالَاتٌ أُخْرَى. فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ، يُمْكِنُ لِلِاحْتِمَالَاتِ أَنْ تَكُونَ مَحْصُورَةً بِاحْتِمَالَيْنِ، شَرْعِيًّا وَمَنْطِقِيًّا – إِمَّا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَوْجُودًا، أَوْ أَلَّا يَكُونَ مَوْجُودًا. لَا يُوجَدُ "حَلٌّ وَسَطٌ" فِي الْأَمْرِ، لَا يُوجَدُ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ. وَاحِدٌ مِنْ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَمُوتَ أَوْ أَلَّا تَمُوتَ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ احْتِمَالٌ آخَرُ. لَكِنْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَسَرَّعُ التَلَامِيذُ فِي الْحُكْمِ وَحَصَرُوا الِاحْتِمَالَاتِ بِاثْنَيْنِ، بَيْنَمَا كَانَ يُوجَدُ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ لَمْ يُفَكِّرُوا فِيهِ. وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ السُؤَالَ يُطْرَحُ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ – "يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟" – بِمَاذَا أَجَابَ يَسُوعُ؟

لَا هَذَا أَخْطَأَ وَلَا أَبَوَاهُ، لَكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللهِ فِيهِ. يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ. قَالَ هَذَا وَتَفَلَ عَلَى الْأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِينًا وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الْأَعْمَى. وَقَالَ لَهُ: "اذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ" الَّذِي تَفْسِيرُهُ: مُرْسَلٌ، فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيرًا.

وَتَبِعَتْ ذَلِكَ الْمُوَاجَهَةُ بَيْنَ يَسُوعَ وَالْمَسْؤُولِينَ، الَذِينَ ذُهِلُوا بِتِلْكَ الْمُعْجِزَةِ الَتِي صَنَعَهَا الْمَسِيحُ. لَكِنَّ يَسُوعَ قَالَ "لَا يَعُودُ السَبَبُ إِلَى خَطِيَّةِ الْإِنْسَانِ، وَلَا يَعُودُ إِلَى خَطِيَّةِ وَالِدَيْهِ، وَإِنَّمَا لِكَيْ يَظْهَرَ مَلَكُوتُ اللَّهِ. قَصَدَ اللَّهُ أَنْ يُظْهِرَ هُوِيَّتِي مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ". وَحَتَّى هَذَا الْيَوْمِ، أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ 2000 سَنَةٍ، هَذَا الرَجُلُ الْأَعْمَى الَذِي يُفْتَرَضُ أَنَّهُ فِي السَمَاءِ الْيَوْمَ، وَالَذِي انْضَمَّ إِلَيْهِ أَوْلَادُهُ وَأَحْفَادُهُ، جَالِسٌ فِي السَمَاءِ يَتَكَلَّمُ عَنْ كَيْفِيَّةِ اسْتِخْدَامِ اللَّهِ عَمَاهُ لِإِظْهَارِ هُوِيَّةِ الْمَسِيحِ، وَاكْتَشَفَ أَنَّ حَالَتَهُ الْمَأْسَاوِيَّةَ لَمْ تَكُنْ عَدِيمَةَ الْمَعْنَى إِطْلَاقًا، بَلْ كَانَ يُوجَدُ هَدَفٌ إِلَهِيٌّ مِنْهَا.

نَحْنُ نَنْظُرُ إِلَى الْأَمْرِ وَنَرَى أَنَّ التَلَامِيذَ ارْتَكَبُوا خَطَأً، الْخَطَأَ نَفْسَهُ الَذِي ارْتَكَبَهُ جِيرِي فَالْوِيلْ. لَقَدْ تَسَرَّعُوا فِي الْحُكْمِ، وَافْتَرَضُوا أَنَّ التَفْسِيرَ الْوَحِيدَ الْمُمْكِنَ لِعَمَى هَذَا الرَجُلِ طَوَالَ حَيَاتِهِ هُوَ خَطِيَّةٌ ارْتَكَبَهَا الرَجُلُ أَوْ وَالِدَاهُ، مِثْلَمَا افْتَرَضَ فَالْوِيلْ أَنَّ أَحْدَاثَ 11 مِنْ سِبْتَمْبِرَ الْمَأْسَاوِيَّةَ كَانَتْ إِنْزَالَ اللَّهِ دَيْنُونَتَهُ عَلَى أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ. كَانَ التَلَامِيذُ عَلَى خَطَأٍ، لَكِنْ دَعُونَا لَا نَعْتَبِرُهُمْ أَغْبِيَاءَ. يَقْرَأُ الْبَعْضُ هَذَا النَصَّ وَيُفَكِّرُونَ: مَا خَطْبُ هَؤُلَاءِ التَلَامِيذِ حَتَّى فَكَّرُوا أَنَّ اللَّهَ سَمَحَ بِأَنْ يُولَدَ الطِفْلُ أَعْمَى بِسَبَبِ خَطِيَّةِ وَالِدَيْهِ. أَوْ أَنَّ الرَجُلَ نَفْسَهُ أُصِيبَ بِالْعَمَى بِسَبَبِ خَطِيَّةٍ ارْتَكَبَهَا. لِمَاذَا قَامُوا بِتِلْكَ الِافْتِرَاضَاتِ؟ كَانَ هَؤُلَاءِ تَلَامِيذَ يَسُوعَ، وَارْتَادُوا أَعْظَمَ مَدْرَسَةِ لَاهُوتٍ فِي تَارِيخِ الْعَالَمِ، وَتَدَرَّبُوا عَلَى يَدِ اللَّهِ الْكَلِمَةِ نَفْسِهِ. مَا الَذِي قَدْ يَجْعَلُهُمْ يَرْتَكِبُونَ هَذَا الْخَطَأَ الْفَادِحَ، مُفْتَرِضِينَ وُجُودَ عَلَاقَةٍ بَيْنَ الْخَطِيَّةِ وَالْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ؟ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ الْإِلَهِيَّ، وَأَنَّ السَبَبَ الْأَسَاسِيَّ لِلْمَأْسَاةِ، وَالسَبَبَ الْأَسَاسِيَّ لِلتَأَلُّمِ فِي هَذَا الْعَالَمِ هُوَ الْخَطِيَّةُ. تَخَلَّصْ مِنَ الْخَطِيَّةِ فَتَتَخَلَّصَ مِنَ الْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ. لا وُجُودَ لِلْخَطِيَّةِ فِي السَمَاءِ. وَلا وُجُودَ لِلْمَآسِي فِي السَمَاءِ. وَلا وُجُودَ لِلْمَوْتِ فِي السَمَاءِ. وَلا وُجُودَ لِلأَلَمِ فِي السَمَاءِ.

إِذًا، أَدْرَكَ التَلَامِيذُ وُجُودَ رَابِطٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ بَيْنَ الْخَطِيَّةِ وَالْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ، وَبَيْنَ الشَرِّ وَالْمَأْسَاةِ. لَكِنَّهُمْ أَخْطَأُوا بِافْتِرَاضِهِمْ أَنَّ السَبَبَ الْمُحَدّدَ لِهَذِهِ الْمَأْسَاةِ الْمُحَدَّدَةِ هُوَ خَطِيَّةٌ مُحَدَّدَةٌ ارْتَكَبَهَا شَخْصٌ مُحَدَّدٌ. لَوْ أَنَّهُمْ قَرَؤُوا سِفْرَ أَيُّوبَ بِإِمْعَانٍ لَعَرَفُوا أَكْثَرَ. تَذَكَّرُوا بُؤْسَ أَيُّوبَ، وَكَيْفَ تَمَّ تَصْوِيرُهُ لَنَا فِي سِفْرِ الْحِكْمَةِ الْأَدَبِيِّ الثَاقِبِ الرَائِعِ الَذِي يَبْدَأُ كَالْمَسْرَحِيَّةِ مَعَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالْمَشْهَدِ الْأَوَّلِ، حَيْثُ مَثَلَ الشَيْطَانُ أَمَامَ اللَّهِ بَعْدَ جَوَلَانِهِ فِي الْأَرْضِ. وَبَدَأَ يَسْتَهْزِئُ بِاَللَّهِ. قَالَ لَهُ "انْظُرْ إِلَى جَمِيعِ هَؤُلَاءِ الْبَشَرِ عَلَى الْأَرْضِ، إِنَّهُمْ يَخْدُمُونَنِي، أَنَا رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ، لَا أَحَدَ يَلْتَفِتُ إِلَيْكَ". قَالَ اللَّهُ: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟" فَاسْتَهْزَأَ الشَيْطَانُ بِاللَّهِ وَضَحِكَ قَائِلًا: "بِالطَبْعِ سَيَخْدُمُكَ أَيُّوبُ، وَلِمَ لَا؟ فَلَقَدْ سَيَّجْتَ مِنْ حَوْلِهِ وَجَعَلْتَهُ أَغْنَى رَجُلٍ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ. كُلُّ مَا فَعَلْتَهُ هُوَ الْفَيْضُ بِالْبَرَكَةِ تِلْوَ الْأُخْرَى عَلَيْهِ. فَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ يُؤْكَلُ الْكَتِفُ. وَالْآنَ، ارْفَعْ ذَلِكَ السِيَاجَ وَدَعْنِي أُهَاجِمُهُ، وَسَتَسْمَعُ أَيُّوبَ يَلْعَنُ اللَّهُ". فَقَالَ اللَّهُ "حَسَنًا، بَاشِرْ فِعْلَتَكَ". وَأَطْلَقَ الْجَحِيمُ كُلُّهُ عِنَانَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَجُلِ الْبَارِّ الَذِي خَسِرَ كُلَّ شَيْءٍ وَوَقَعَ فِي الْبُؤْسِ الْمُدْقَعِ، وَهَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى كَوْمَةِ رَمَادٍ حِينَ جَاءَتْ زَوْجَتُهُ إِلَيْهِ قَائِلَةً: "يَا أَيُّوبُ، الْعَنِ اللَّهَ وَمُتْ، احْسِمْ أَمْرَكَ". فَقَالَ أَيُّوبُ بِكُلِّ تَمَاسُكٍ: "هُوَذَا يَقْتُلُنِي. لَاَ أَنْتَظِرُ شَيْئًا".

لَكِنَّ أَيُّوبَ لَا يَعْرِفُ سَبَبَ وُقُوعِهِ فِي الْبُؤْسِ وَالْأَلَمِ الْقَاسِي وَالْمُعَانَاةِ. وَجَاءَ إِلَيْهِ أَصْدِقَاؤُهُ مُسَلّحِينَ بِمَفْهُومِ ارْتِبَاطِ الْخَطِيَّةِ بِالْأَلَمِ، وَجَاؤُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: "يَا أَيُّوبُ، أَيُّهَا الْمِسْكِينُ، أَيُّ خَطِيَّةٍ سِرِّيَّةٍ ارْتَكَبْتَ؟ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّكَ أَسْوَأُ خَاطِئٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بِمَا أَنَّكَ أَسْوَأُ مُتَأَلِّمٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ. لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مُعَادَلَةٍ بَيْنَ خَطِيَّتِكَ وَذَنْبِكَ". وَكُتِبَ سِفْرُ أَيُّوبُ بِكَامِلِهِ لِدَحْضِ ذَلِكَ الِاسْتِنْتَاجِ وَذَلِكَ الِافْتِرَاضِ. حَيْثُ إنَّ الْهَدَفَ مِنْ مُعَانَاةِ أَيُّوبَ لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا إِطْلَاقًا بِذَنْبِهِ. لَكِنَّ أَصْدِقَاءَهُ الَذِينَ قَامُوا بِذَلِكَ الِافْتِرَاضِ فَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَدْرَكُوا أَنَّهُ فِي بَعْضِ الْمَرَاحِلِ فِي التَارِيخِ يُنْزِلُ اللَّهُ الدَيْنُونَةَ عَلَى الشَعْبِ، وَيَضْرِبُهُمْ بِالْأَلَمِ وَالْمُعَانَاةِ لِتَنْفِيذِ عَدَالَتِهِ.

انْبَطَحَ دَاوُدُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَبِسَ مِسْحًا وَرَمَادًا، وَصَلّى أَنْ يُنَجِّيَ اللَّهُ حَيَاةَ الطِفْلِ الْمَوْلُودِ مِنْ بِثَشْبَعَ، بَعْدَ أَنْ أَبْلَغَ النَّبِيُّ نَاثَانُ دَاوُدَ بِأَنَّ اللَّهَ سَيَأْخُذُ حَيَاةَ ذَلِكَ الطِفْلِ لِتَنْفِيذِ دَيْنُونَتِهِ. وَظَلَّ دَاوُدُ يَتَضَرَّعُ إِلَى اللَّهِ طَوَالَ أُسْبُوعٍ لِكَيْ يُنَجِّيَ الطِفْلَ. لَكِنَّ اللَّهَ أَخَذَ حَيَاةَ الطِفْلِ تَنْفِيذًا لِدَيْنُونَتِهِ عَلَى دَاوُدَ. لَا يُمْكِنُكَ أَنْ تُمْضِيَ عَشْرَ دَقَائِقَ فِي قِرَاءَةِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ مِنْ دُونِ أَنْ تَرَى إِلَهَ إِسْرَائِيلَ يُنَزِلُ الدَيْنُونَةَ عَلَى الشَعْبِ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ. الْخَطَأُ الَذِي ارْتَكَبَهُ التَلَامِيذُ، وَالْخَطَأُ الَذِي ارْتَكَبَهُ أَصْدِقَاءُ أَيُّوبَ هُوَ الِافْتِرَاضُ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ تُوجَدُ عَلَاقَةٌ مُبَاشِرَةٌ بَيْنَ الْخَطِيَّةِ وَالدَيْنُونَةِ.

مَاذَا كَانَتْ خَطِيَّةُ بُولُسَ الَتِي جَعَلَتْ لَهُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ؟ أُعْطِيَتْ لَهُ تِلْكَ الشَوْكَةُ لِأَجْلِ تَقْدِيسِهِ، لِإِظْهَارِ صَلَاحِ اللَّهِ، لِجَعْلِ بُولُسَ يَعْتَمِدُ بِاسْتِمْرَارٍ عَلَى النِعْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ. تَكْفِيكَ نِعْمَتِي يَا بُولُسُ. تُوجَدُ أَسْبَابٌ عِدَّةٌ لِإِنْزَالِ اللَّهِ عَلَى شَعْبِهِ مَا يُعْرَفُ بِالْمَأْسَاةِ، مِنْ دُونِ أَنْ تَكُونَ دَيْنُونَةً مُبَاشِرَةً لِلْخَطِيَّةِ – مَعَ أَنَّ الْحَالَ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ أَحْيَانًا.

بَيْتُ الْقَصِيدِ مِمَّا قَابَلَهُ يَسُوعُ وَتَلَامِيذُهُ هُوَ عَدَمُ التَسَرُّعِ فِي الْحُكْمِ؛ وَإِنْ وُلِدَ هَذَا الرَجُلُ أَعْمَى، فَالسَّبَبُ هُوَ أَنَّهُ يَتَلَقَّى دَيْنُونَةَ اللَّهِ، أَوْ أَنَّ وَالِدَيْهِ يَتَلَقَّيَانِ دَيْنُونَةَ اللَّهِ، لَكِنْ أَيٌّ مِنَ الْحَالَتَيْنِ لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً. لِذَا أَقُولُ إِنَّكُمْ إِنْ سَأَلْتُمُونِي عَنْ سَبَبِ حُدُوثِ ذَلِكَ، فَالْجَوَابُ الصَرِيحُ الْوَحِيدُ الَذِي يُمْكِنُنِي تَقْدِيمُهُ هُوَ "لَسْتُ أَدْرِي".

لَكِنْ يَجِبُ أَنْ أُضِيفَ مَا يَلِي: الِافْتِرَاضُ الْأَسَاسِيُّ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ بِإِلَهِ الْمَسِيحِيَّةِ وَبِإِلَهِ الْعِنَايَةِ، هُوَ أَنَّهُ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ لَا تُوجَدُ مَآسٍ، لَا تُوجَدُ مَآسٍ لَدَى شَعْبِ اللَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ بِنَفْسِهِ وَعَدَ بِأَنَّ كُلَّ الْأَشْيَاءِ الَتِي تَحْدُثُ فِي هَذَا الْعَالَمِ – الْآلَامَ وَالْمُعَانَاةَ وَالْمَآسِي كَافَّةً – تَدُومُ لِلَحْظَةٍ. وَأَنَّ اللَّهَ يَعْمَلُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ وَمِنْ خِلَالِهَا لِيُحَوِّلَهَا لِخَيْرِ الْأَشْخَاصِ الَذِينَ يَتَكَبَّدُونَهَا. لِذَا قَالَ الرَسُولُ إِنَّ الْآلَامَ وَالْمُعَانَاةَ وَالْمِحَنَ الَتِي نَتَحَمّلُهَا فِي هَذَا الْعَالَمِ لَا تَسْتَحِقُّ أَنْ نُقَارِنَهَا، وَلَا تَسْتَحِقُّ أَنْ نَقْرِنَهَا بِالْأَمْجَادِ وَالْبَرَكَاتِ الَتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ لِشَعْبِهِ. فَالْمَأْسَاةُ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ مُؤَقَّتَةٌ، وَلَيْسَتْ أَبَدًا دَائِمَةً.