المحاضرة 5: التَنَاقُضُ مُقَابِلَ المُعْضِلَةِ

بَيْنَمَا نُتَابِعُ الآنَ دِرَاسَتَنَا لِلثَالُوثِ، كَوَّنَّا حَتَّى الآنَ فِكْرَةً عَنِ الْعَقِيدَةِ كَمَا وَرَدَتْ فِي أَسْفارِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَفِي أَسْفارِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَعَنْ كَيْفِيَّةِ تَطَوُّرِ الْعَقِيدَةِ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ وَفِي الْقُرُونِ الأُولَى مِنَ الْفِكْرِ الْمَسِيحِيِّ. لَكِنَّنَا ذَكَرْنَا عَلَى طُولِ الطَرِيقِ أَنَّهُ كَانَ يَتِمُّ اتِّهَامُ الثَالُوثِ بِاسْتِمْرَارٍ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْطِقِيٍّ، وَبِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَنَاقُضًا. وَتَذْكُرُونَ سَابِقًا أَنِّي رَدَدْتُ عَلَى ذَلِكَ، قَائِلًا إِنَّ تَسْمِيَتَهُ تَنَاقُضًا تُشَكِّلُ سُوءَ تَطْبِيقٍ لِقَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ عَلَى الصِيغَةِ، لأَنَّ صِيغَةَ الثَالُوثِ تُعَلِّمُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ فِي الْجَوْهَرِ وَثَلاثَةُ أَقَانِيمَ، وَبِالتَالِي، هُوَ وَاحِدٌ فِي أَمْرٍ مَا وَثَلاثَةٌ فِي أَمْرٍ آخَرَ. يَجْدُرُ بِنَا الْقَوْلُ إِنَّهُ وَاحِدٌ فِي إِطَارٍ مُعَيَّنٍ وَثَلاثَةٌ فِي إِطَارٍ آخَرَ، مَا لَا يَنْتَهِكُ أَنْظِمَةَ التَفْكِيرِ الْمَنْطِقِيٍّ أَوْ قَانُونَ عَدَمِ التَنَاقُضِ. غَيْرَ أَنَّ النَاسَ لا يَزالُونَ يُوَاصِلُونَ اتِّهَامَ الثَالُوثِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْطِقِيٍّ. فِي الْوَاقِعِ، تَلَقَّيْتُ رِسَالَةً الْبَارِحَةَ مِنْ شَخْصٍ يُوَجِّهُ هَذِهِ التُهْمَةَ إِلَى الْمَسِيحِيَّةِ التَارِيخِيَّةِ. إِذًا، أُرِيدُ أَنْ أُكَرِّسَ بَعْضَ الْوَقْتِ الْيَوْمَ لأُبَيِّنَ لِمَاذَا بِرَأْيِي يَرْتَكِبُ النَاسُ خَطَأَ اتِّهَامِ الْمَسِيحِيَّةِ بِاللامَنْطِقِيَّةِ أَوْ بِالتَنَاقُضِ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِعَقِيدَةِ الثَالُوثِ.

فِي فُصُولٍ أُخْرَى، خَصَّصَتْ وَقْتًا لِدِراسَةِ ثَلاثِ فِئَاتٍ مُتَمَيِّزَةٍ نَحْتَاجُ إِلَى فَهْمِهَا وَالتَمْيِيزِ بَيْنَها. وَهَذِهِ الْفِئَاتُ هِيَ التَنَاقُضُ، وَالْمُفَارَقَةُ، وَالْمُعْضِلَةُ. تُمَثِّلُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الثَلاثُ، ثَلاثَ أَفْكَارٍ أَوْ مَفَاهِيمَ مُخْتَلِفَةً، لَكِنَّ أَحَدَها مُرْتَبِطٌ بِالآخِرِ ارْتِباطًا وَثِيقًا، بِحَيْثُ إِنَّهُ غَالِبًا مَا يَتِمُّ الْخَلْطُ بَيْنَ الثَلاثَةِ. فِي الْـ"بَارَادُوكْس" (أَوِ الْمُفَارَقَةِ)، الْبَادِئَةُ "بَارَا" تَعْنِي "بِجَانِبِ"، وَيَأْتِي الْجَذْرُ مِنَ الْكَلِمَةِ الْيُونَانِيَّةِ "دُوكَايْ"، وَمَعْنَاهَا "يَبْدُو" أَوْ "يَظُنُّ" أَوْ "يَظْهَرُ". الْمُفَارَقَةُ هِيَ أَمْرٌ يَبْدُو مُتَنَاقِضًا عِنْدَمَا تَسْمَعُهُ لِلْمَرَّةِ الأُولَى، لَكِنْ بَعْدَ مَزِيدٍ مِنَ التَمْحِيصِ، تُحَلُّ الْمُشْكِلَةِ. يَقُولُ لَنَا يَسُوعُ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ إِنَّنَا إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَكُونَ أَحْرَارًا، عَلَيْنَا أَنْ نُصْبِحَ عَبِيدًا أَوْ خُدَّامًا لِلْمَسِيحِ. يَبْدُو الأَمْرُ مُتَنَاقِضًا، لَكِنْ بَعْدَ التَمْحِيصِ وَالتَدْقِيقِ، نَرَى أَنَّ يَسُوعَ يَقُولُ إِنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ حُرًّا فِي إِطَارٍ مُعَيَّنٍ، عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا فِي إِطَارٍ آخَرَ. وَبِالتَالِي، لَيْسَ فِي الأَمْرِ انْتِهَاكٌ لِقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِ.

لَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ تَكْمُنُ فِعْلًا بَيْنَ الْمُعْضِلَةِ وَالتَنَاقُضِ، وَإِلَيْكُمُ السَبَبَ: فِي كَلِمَةِ "مُعْضِلَةٍ"، نَحْنُ نُشِيرُ بِالْمُعْضِلَاتِ إِلَى أُمُورٍ لَمْ نَفْهَمْهَا بَعْدُ حَتَّى الآنَ. نَحْنُ نُؤْمِنُ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ، لَكِنَّنَا لا نَفْهَمُ كَيْفِيَّةَ كَوْنِها صَحِيحَةً أَوْ سَبَبَ كَوْنِهَا صَحِيحَةً. نَحْنُ عَلَى دِرَايَةٍ بِوُجُودِ الْجَاذِبِيَّةِ، لَكِنَّ جَوْهَرَ الْجَاذِبِيَّةِ لا يَزَالُ يُشَكِّلُ مُعْضِلَةً بِالنِسْبَةِ إِلَيْنَا، حَتَّى إِنَّ أَمْرًا أَسَاسِيًّا وَجَوْهَرِيًّا بِالنِسْبَةِ إِلَيْنَا مِثْلَ الْحَرَكَةِ، وَهُوَ أَمْرٌ نُلاحِظُهُ كُلَّ يَوْمٍ وَنَبْنِي حَيَاتَنَا عَلَى أَسَاسِهِ، يَتَحَدَّى التَحْلِيلَ الدَقِيقَ لِفِعْلِيَّتِهِ. عِنْدَمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنَ النَاحِيَةِ الْفَلْسَفِيَّةِ، نَقُولُ إِنَّهُ يَنْطَوِي عَلَى مُعْضِلَةٍ مَا، كَمَا هِيَ حَالُ أُمُورٍ أُخْرَى كَثِيرَةٍ نَخْتَبِرُهَا فِي حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ. إِذًا، الْمُعْضِلَةُ أَمْرٌ نُؤَكِّدُ عَلَى صِحَّتِهِ، لَكِنَّنا لا نَفْهَمُ تَشَعُّبَاتِهِ كُلَّهَا.

بِالطَبْعِ، لِلْمَسِيحِيَّةِ الْكِتَابِيَّةِ حِصَّتُهَا فِي الْمُعْضِلاتِ. نَحْنُ لا نَفْهَمُ كَيْفَ يُمْكِنُ للهِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْدُودٍ بِوُجُودِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ، نَحْنُ نُؤَكِّدُ عَلَى كَوْنِهِ كَذَلِكَ. ثَمَّةَ حَقَائِقُ كَثِيرَةٌ يُعْلِنُهَا لَنَا اللهُ عَنْ شَخْصِهِ تَتَجَاوَزُ قُدْرَتَنَا عَلَى الْفَهْمِ. فِي الْوَاقِعِ، قَدْ لا نَتَمَكَّنُ أَبَدًا مِنْ فَهْمِ بَعْضٍ مِنْ هَذِهِ الْحَقَائِقِ بِشَكْلٍ كَامِلٍ، حَتَّى فِي السَمَاءِ. بَيْنَمَا نَحْصُلُ عَلَى مَعْلُومَاتٍ جَدِيدَةٍ وَنَكْتَسِبُ مَعْرِفَةً جَدِيدَةً، الأُمُورُ الَتِي كَانَتْ تُشَكِّلُ مُعْضِلَةً بِالنِسْبَةِ إِلَيْنَا سَابِقًا كُشِفَتْ مَعَ رُؤْيَةٍ وَمَعْلُومَاتٍ جَدِيدَةٍ، وَقَدْ شَهِدْنَا تَقَدُّمًا حَقِيقِيًّا فِي الْمَعْرِفَةِ فِي تَارِيخِ الْعِلْمِ، وَاللَاهُوتِ، وَفِي مَجَالاتٍ أُخْرَى مَعَ ازْدِيَادِ مَعْرِفَتِنا. لَكِنْ حَتَّى إِنْ ازْدَادَتْ مَعْرِفَتُنا إِلَى أَقْصَى حُدُودٍ فِي إِطَارِ الاخْتِبَارِ الْبَشَرِيِّ، حَتَّى فِي السَمَاءِ، سَنَبْقَى مَخْلُوقَاتٍ مَحْدُودَةً، لَنْ تَتَمَكَّنَ مِنْ فَهْمِ طَبِيعَةِ اللهِ فَهْمًا كَامِلًا. إِذًا، يَجِبُ أَلَّا نَتَفَاجَأَ – نَظَرًا لِلاخْتِلافِ بَيْنَ شَخْصِ اللهِ وَالإِنْسَانِ – بِوُجُودِ عَنَاصِرَ حَقٍّ غَامِضَةٍ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِاللهِ.

لَكِنْ مُجَدَّدًا، يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُعْضِلَةِ وَالتَنَاقُضِ، لَكِنَّ الأَمْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الاثْنَيْنِ هُوَ الآتِي: لا أَحَدَ يَفْهَمُ التَنَاقُضَ، كَمَا أَنَّ الْمُعْضِلاتِ لَيْسَتْ مَفْهُومَةً. إِذًا، يُمْكِنُنَا أَنْ نُسَارِعَ إِلَى الْحُكْمِ قَائِلِينَ "إِنْ لَمْ أَفْهَمْ أَمْرًا مَا، فَلا بُدَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْطِقِيٍّ، لا بُدَّ أَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ"، لَكِنْ لَيْسَتْ هَذِهِ الْحَالَ إِطْلاقًا. سَبَبُ عَدَمِ كَوْنِ التَنَاقُضَاتِ مَفْهُومَةً هُوَ غُمُوضُهَا الضِمْنِيُّ. لا أَحَدَ يَقْدِرُ أَنْ يَفْهَمَ التَنَاقُضَ لأَنَّهُ يَعْسُرُ فَهْمُ التَنَاقُضَاتِ.

سَبَقَ أَنْ أَخْبَرْتُ هَذِهِ الْقِصَّةَ. قَامَ أُسْتَاذُ لاهُوتٍ لَدَيَّ بِعَقْدِ حَاجِبَيْهِ وَتَكَلَّمَ بِلَهْجَةٍ جِدِّيَّةٍ، وَأَعْلَنَ فِي فَصْلِنا قَائِلًا: "اللهُ غَيْرُ قَابِلٍ إِطْلاقًا لِلتَغَيُّرِ فِي جَوْهَرِهِ، وَاللهُ قَابِلٌ تَمَامًا لِلتَغَيُّرِ فِي جَوْهَرِهِ"، فَتَنَهَّدَ جَمِيعُ التَلامِيذِ مَعًا قَائِلِينَ: "آهٍ، هَذَا عَمِيقٌ"، فَقُلْتُ: "لا، هَذَا جُنُونٌ، هَذِهِ حَمَاقَةٌ". لَكِنْ إِنْ كُنْتَ قَدْ حَصَّلْتَ مِقْدَارًا وَافِرًا مِنَ الْعِلْمِ وَكُنْتَ تَشْغَلُ مَرْكَزَ سُلْطَةٍ فِي الْمَجَالِ الأَكَادِيمِيِّ، يُمْكِنُكَ الْقِيَامُ بِتَصَارِيحَ تَافِهَةٍ تَجْعَلُ النَاسَ يُبْهَرُونَ بِمَدَى عُمْقِكَ. لَكِنَّهُ لَمِنَ الْحَمَاقَةِ تَمَامًا الْقَوْلُ إِنَّ اللهَ قَابِلٌ لِلتَغَيُّرِ تَمَامًا، وَغَيْرُ قَابِلٍ إِطْلاقًا لِلتَغَيُّرِ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ وَفِي الإِطَارِ نَفْسِهِ. جَمِيعُ الشَهَادَاتِ العِلْميَّةِ فِي الْعَالَمِ لا تَقْدِرُ أَنْ تَفْهَمَ هَذَا الْكَلامَ لأَنَّهُ تَصْرِيحٌ تَافِهٌ. مَا مِنْ إِنْسَانٍ يَقْدِرُ أَنْ يَفْهَمَ التَنَاقُضَ، لأَنَّهُ، وَكَمَا ذَكَرْتُ، غَيْرُ مَفْهُومٍ ضِمْنًا. وَلَيْسَ اللهُ وَحْدَهُ قَادِرًا عَلَى فَهْمِ التَنَاقُضِ. يَقُولُ الْبَعْضُ: "هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ اللهِ وَالإِنْسَانِ؛ فِيمَا أَذْهَانُنَا مَحْدُودَةٌ بِقَوَانِينِ الْمَنْطِقِ، اللهُ قَادِرٌ أَنْ يَتَجَاوَزَ قَوَانِينَ الْمَنْطِقِ، وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَفْهَمَ أَمْرًا مَا عَلَى أَنَّهُ نَفْسُهُ وَنَقِيضُهُ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ وَفِي الإِطَارِ نَفْسِهِ". قَدْ تَظُنُّ أَنَّكَ تُمَجِّدُ اللهَ عَبْرَ الْقَوْلِ إِنَّهُ رَائِعٌ جِدًّا فِي فَهْمِهِ، وَمُتَفَوِّقٌ فِي حِكْمَتِهِ بِحَيْثُ إِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ فَهْمِ التْنَاقُضَاتِ. لا، مَا فَعَلْتَهُ هُوَ أَنَّكَ طَعَنْتَ بِالأُلُوهِيَّةِ، لأَنَّكَ قُلْتَ إِنَّهُ فِي ذِهْنِ اللهِ تَكْمُنُ الحَمَاقَةُ وَالْفَوْضَى، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْحَالَ. لَكِنَّ مَا نَقْصِدُهُ هُوَ أَنَّ ثَمَّةَ أُمُورًا لا نَفْهَمُهَا، وَهِيَ غَامِضَةٌ بِالنِسْبَةِ إِلَيْنَا، لَكِنَّ اللهَ وَبِفَضْلِ نَظْرَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ الْكُلِّيَّةِ قَادِرٌ أَنْ يَفْهَمَها بِسُهُولَةٍ، أَيْ أَنَّهُ بِالنِسْبَةِ إِلَى اللهِ لا تُوجَدُ مُعْضِلَةٌ. أَيْضًا، لا تُوجَدُ تَنَاقُضَاتٌ، لأَنَّهُ لا يُفَكِّرُ بِحَسَبِ هَذِهِ الْفِئَاتِ.

لَكِنْ مُجَدَّدًا، بَيْتُ الْقَصِيدِ هُوَ أَنَّهُ لا يُمْكِنُنَا فَهْمُ الْمُعْضِلَةِ، لَكِنْ يُمْكِنُ فِي مَرْحَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَعَلَى ضَوْءِ الْمَزِيدِ مِنَ الْمَعْلُوماتِ وَوُجْهَةِ نَظَرٍ أَكْثَرِ عُمْقًا، أَنْ تُحَلَّ خُيُوطُ الْمُعْضِلَةِ. وَأُكَرِّرُ، اللهُ قَادِرٌ أَنْ يَفْهَمَها. اللهُ يَفْهَمُ قَانُونَ الْجَاذِبِيَّةِ، اللهُ يَفْهَمُ الْحَرَكَةَ، وَاللهُ يَفْهَمُ الْوَاقِعَ الْمُطْلَقَ وَالْوُجُودَ فِي حِينِ لَمْ نَتَمَكَّنْ مِنْ سَبْرِ غَوْرِ تِلْكَ الأُمُورِ بِشَكْلٍ كَامِلٍ. إِذًا، أَرْجُو أَنْ تَفْهَمُوا أَنَّهُ عَلَيْنَا تَوَخِّي الْحَذَرَ عِنْدَمَا نَقُولُ إِنَّ الثَالُوثَ أَمْرٌ لا أَفْهَمُهُ. أَنا لا أَفْهَمُ كَيْفَ يُمْكِنُ لأَحَدِهِمْ أَنْ يَكُونَ أُقنُومًا وَاحِدًا وَأَنْ يَمْلِكَ طَبِيعَتَيْنِ، طَبِيعَةً إِلَهِيَّةً وَطَبِيعَةً بَشَرِيَّةً. لَمْ أُصَادِفْ أَمْرًا مُمَاثِلًا فِي تَجْرِبَتِي الْبَشَرِيَّةِ، وَكُلُّ شَخْصٍ الْتَقَيْتُهُ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ سِوَى طَبِيعَةٍ وَاحِدَةٍ لِكُلِّ شَخْصٍ. لَكِنْ عِنْدَمَا نُؤَكِّدُ عَلَى طَبِيعَةِ الْمَسِيحِ الْمُزْدَوِجَةِ، فَنَحْنُ نُؤَكِّدُ عَلَى أَمْرٍ يَتَفَرَّدُ بِهِ، يَخْتَلِفُ عَنِ الاخْتِبارِ الطَبِيعِيِّ لِلْبَشَرِيَّةِ. إِذًا، الأَمْرُ يُشَكِّلُ مُعْضِلَةً.

وَقُلْنَا عِنْدَمَا تَكَلَّمْنَا عَنْ مَجْمَعِ خَلْقِيدُونِيَّةَ، إِنَّ بِإِمْكَانِنَا التَأْكِيدَ عَلَى الْعِبَارَتَيْنِ السَلْبِيَّتَيْنِ اللَتَيْنِ تُبَيِّنَانِ أَنَّ الطَبِيعَتَيْنِ خَالِيَتَانِ مِنَ الامْتِزاجِ وَالاخْتِلاطِ وَالانْقِسَامِ وَالانْفِصَالِ، لَكِنَّ هَذَا يَحِدُّ فَهْمَنَا عَبْرَ إِظْهَارِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ. نَحْنُ لا نَعْلَمُ كَيْفَ تَعْمَلُ فِعْلًا طَبِيعَتَا الْمَسِيحِ. أَيْضًا، عِنْدَمَا نَتَطَرَّقُ إِلَى الثَالُوثِ، نَقُولُ، وَبِمَا أَنَّهُ عَلَيْنَا الْقَوْلَ اسْتِنادًا إِلَى إِعْلانِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، إِنَّ اللهَ وَاحِدٌ فِي إِطَارٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ ثَلاثَةٌ فِي إِطَارٍ آخَرَ. وَيَجِبُ أَنْ نَحْرِصَ عَلَى الإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذَيْنِ الإِطَارَيْنِ لَيْسَا مُتَشَابِهَيْنِ. إِنْ كَانَا مُتَشَابِهَيْنِ، فَإِنَّنَا كُنَّا لِنَجِدَ أَنْفُسَنَا أَمَامَ تَنَاقُضٍ لا يَسْتَحِقُّ إِيمَانَنَا. لَكِنَّنَا نُشِيرُ إِلَى مُعْضِلَةِ طَبِيعَةِ اللهِ، الَذِي هُوَ وَاحِدٌ فِي الْجَوْهَرِ وَثَلاثَةُ أَقَانِيمَ.

الاعْتِرَاضُ الثَانِي الَذِي يُثَارُ بِاسْتِمْرَارٍ ضِدَّ عَقِيدَةِ الثَالُوثِ هُوَ لُغَوِيٌّ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ. الْحُجَّةُ هِيَ أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ، وَالْعَهْدَ الْجَدِيد بِشَكْلٍ خَاصٍّ، لا يَسْتَخْدِمُ أَبَدًا كَلِمَةَ "ثَالُوثٍ". إِذًا، كَلِمَةُ "ثَالُوثٍ"، هِيَ كَلِمَةٌ مِنْ خَارِجِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، مَفْرُوضَةٌ عَلَى نَصِّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَبِالتَالِي، يَتَضَمَّنُ الأَمْرُ دُخُولًا إِلَى الْفِكْرِ الْعِبْرِيِّ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مِنْ خَارِجِ إِطَارِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، إِنَّهُ اجْتِيَاحٌ لِلأقْوَالِ الْيُونَانِيَّةِ المُجَرَّدَةِ لِمَسِيحِيَّةِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. نَحْنُ نَسْمَعُ ذَلِكَ طَوَالَ الْوَقْتِ، كَمَا لَوْ أَنَّ الرُوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَقْدِرْ حَقًّا أَنْ يَسْتَخْدِمَ اللُغَةَ الْيُونَانِيَّةَ كَوَسِيطٍ لإِيصَالِ الْحَقِّ. وَفِي الْوَاقِعِ، نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَتْ هَذِهِ الْحَالَ، بِمَا أَنَّ الْعَهْدَ الْجَدِيدَ كُتِبَ بِاللُغَةِ الْيُونَانِيَّةِ. إِذًا، أَحْيَانًا الْيَوْمَ، يُواجِهُ اللَاهُوتِيُّونَ وَالْفَلاسِفَةُ الْمَشاكِلَ مَعَ اللُغَةِ الْيُونَانِيَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَفْعَلُ اللهُ.

لَكِنْ بِأَيِّ حَالٍ، إِنَّ فِكْرَةَ عَدَمِ وُرُودِ كَلِمَةِ "ثَالُوثٍ" فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ جَعَلَتِ الْبَعْضَ يَتَفَاجَأُ. لَكِنَّ السُؤَالَ هُوَ "مَاذا تَعْنِي هَذِهِ الْكَلِمَةُ؟ هَلْ يَظْهَرُ الْمَفْهُومُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟" كُلُّ مَا تَفْعَلُهُ كَلِمَةُ "ثَالُوثٍ" هُوَ التَرْكِيزُ لُغَوِيًّا كَكَلِمَةٍ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا مَضْمُونَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الَذِي يُعَلِّمُ، كَمَا سَبَقَ لَنَا أَنْ رَأْيَنا، وَحْدَةَ اللهِ، وَشَخْصِيَّةَ اللهِ الثُلاثِيَّةَ. إِذًا، نَحْنُ نَبْحَثُ عَنْ كَلِمَةٍ تُبَيِّنُ هَذَيْنِ التَأْكِيدَيْنِ بِدِقَّةٍ، الْوَحْدَةُ وَالشَخْصِيَّةُ الثُلاثِيَّةُ، فَنَصِلَ إِلَى فِكْرَةِ الْوَحْدَةِ الثُلاثِيَّةِ، ثَلاثَةٌ فِي وَاحِدٍ، فَنَسْتَخْلِصُ كَلِمَةَ "ثَالُوثٍ". لِذَا، إِنَّهُ لَمِنَ السَذَاجَةِ الاعْتِرَاضُ وَالْقَوْلُ إِنَّ الْكَلِمَةَ بِحَدِّ ذَاتِها لَمْ تَرِدْ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، مَا دُمْنَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ الْمَفْهُومَ وَارِدٌ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَأَنَّهُ يَتِمُّ تَعْلِيمُهُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ.

وَالآنَ، دَعُونِي أَتَكَلَّمُ فِي هَذَا الإِطَارِ عَنْ هَذِهِ الْمُصْطَلحاتِ اللَاهُوتِيَّةِ الَتِي تَظْهَرُ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ، وَعَنْ سَبَبِ ظُهُورِهَا فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ. إِنَّهَا تَظْهَرُ أَسَاسًا نَظَرًا لالْتِزَامِ الْكَنِيسَةِ بِالدِقَّةِ اللَاهُوتِيَّةِ. بَيَّنَ جُون كَالْفِنْ فِي كِتَابِهِ "أُسُسُ الدّينِ المَسيحيُّ" أَنَّ ثَمَّةَ كَلِمَاتٍ مِثْلِ كَلِمَةِ "ثَالُوثٍ" ظَهَرَتْ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ بِسَبَبِ مَا وَصَفَهُ بِالـ "الأَفَاعِي الْمُنْدَسَّةِ خُلْسَةً" فِي مُحَاوَلَةٍ لِتَشْوِيهِ تَعْلِيمِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَنْ طَرِيقِ الْهَرْطَقَةِ. أَعْنِي، ثَمَّةَ شَخْصٌ، كَمَا رَأَيْنَا سَابِقًا، مِثْلُ أَرْيُوسَ الَذِي لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي تَسْمِيَةِ يَسُوعَ ابْنَ اللهِ، وَلَمْ يَتَرَدَّدْ فِي تَقْدِيمِ الْعِبَادَةِ لِيَسُوعَ عَلَى أَنَّهُ ابْنُ اللهِ، وَلَمْ يَتَرَدَّدْ فِي الْقَوْلِ إِنَّ يَسُوعَ كَانَ مِثْلَ اللهِ، وَمَعَ ذَلِكَ حَاوَلَ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ يَسُوعَ مَخْلُوقٌ. وَبِالَتالِي، هُوَ اسْتَخْدَمَ لَهْجَةَ الْكَنِيسَةِ، كَمَا فِي مَجْمَعِ أَنْطَاكِيَةَ فِي الْعَامِ 267 حَيْثُ تَمَّ إِدْخَالُ كَلِمَةِ "هُومُوي أُوسِيُوس" كَنَقِيضٍ لِكَلِمَةِ "هُومُو أُوسِيُوس". وَلَمْ يَتَرَدَّدْ أَرْيُوسُ فِي اسْتِعْمَالِ كَلِماتِ الْمَجَامِعِ السَابِقَةِ، لَكِنَّهُ مَلَأَ تِلْكَ الكَلِماتِ بِمَضْمُونٍ مُخْتَلِفٍ، وَهَذَا مَا يَفْعَلُهُ الْمُهَرْطِقُونَ طَوَالَ الْوَقْتِ.

وَالْخُدْعَةُ الْمُفَضَّلَةُ لَدَى الْمُهَرْطِقِ هِيَ مَا نُسَمِّيهِ "الْغُمُوضَ المَقْصودَ"، الْغُمُوضَ المَقْصودَ. الْغُمُوضُ المَقْصوُد هُوَ وَسِيلَةُ التَوَاصُلِ يَتِمُّ بِمُوجَبِها اسْتِخْدَامُ كَلِمَةٍ مَا لِتَعَمُّدِ جَعْلِ الْمَفْهُومِ غَامِضًا. فِي الْقَرْنِ السَادِسَ عَشَرَ، نَشَأَ أَكْبَرُ جِدَالٍ لاهُوتِيٍّ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ فِي فَتْرَةِ الإِصْلاحِ حَوْلَ عَقِيدَةِ التَبْرِيرِ، وَكَانَتِ الْمَسْأَلَةُ الأَسَاسِيَّةُ تَتَمَحْوَرُ حَوْلَ أَسَاسِ تَبْرِيرِنَا. هَلْ تَبْرِيرُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى بِرٍّ مُتَأَصِّلٍ فِينَا؟ أَمْ إِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى بِرٍّ مُتَمَّمٍ بِمَعْزِلٍ عَنَّا، خَارِجًا عَنَّا، "إِكْسْتْرا نُوس"؟ أَيْ، هَلْ بِرُّنَا نَابِعٌ مِنْ دَاخِلِنا أَمْ مِنَ الْمَسِيحِ، مِنْ عَمَلِ بِرِّهِ الْكَامِلِ، حَيْثُ يُحْتَسَبُ بِرُّهُ لنَا أَوْ يُنْسَبُ إِلَيْنَا؟ يُمْكِنُ اخْتِصَارُ الْجَدَلِ كُلِّهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ "الْاحْتِسَابِ"، حَيْثُ يَقُولُ الْمُصْلِحُونَ إِنَّ الطَرِيقَةَ الْوَحِيدَةَ الَتِي يَتَبَرَّرُ بِهَا أَيُّ إِنْسَانٍ تَقْضِي بِنَقْلِ بِرِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ إِلَى حِسابِهِ.

فِي إِطَارِ الْجُهُودِ الرَامِيَةِ إِلَى حَلِّ النِزَاعِ، قَالَ أُنَاسٌ كُثُرٌ: "فَلْنُدَوِّنِ الأَمْرَ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ: إِنَّنَا مُبَرَّرُونَ بِالْمَسِيحِ. يُوافِقُ كِلانَا عَلَى أَنَّنَا مُبَرَّرَانِ بِالْمَسِيحِ، إِذًا، فَلْيُمْسِكْ أَحَدُنَا بِيَدِ الآخَرِ، وَلْنُنْشِدِ التَرَانِيمَ، وَلْنُصَلِّ مَعًا، ولْنَبْقَ مَعًا بِمُوجَبِ صِيغَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَهِيَ أَنَّنَا مُبَرَّرُونَ بِالْمَسِيحِ". وَهَذَا غَامِضٌ بِمَا يَكْفِي بِحَيْثُ إِنَّ الأَشْخَاصَ الَذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّكَ مُبَرَّرٌ عَبْرَ انْسِكابِ بِرِّ يَسُوعَ إِلَيْكَ، وَتَعَاوُنِكَ مَعَهُ لِيُصْبِحَ الْبِرُّ مُتَأَصِّلًا فِيكَ، وَيُمْكِنُكَ التَمَسُّكُ بِذَلِكَ؛ وَأَنْتَ الَذِي تُؤْمِنُ بِأَنَّكَ مُبَرَّرٌ بِالْمَسِيحِ بِمُوجَبِ احْتِسَابِ بِرِّهِ لَكَ – نَظْرَتَا التَبْرِيرِ هَاتَانِ تَبْعُدُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الأُخْرَى كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ عَنِ الْمَغْرِبِ. يُمْكِنُنَا تَجَنُّبُ الْجَدَلِ، يُمْكِنُنَا تَجَنُّبُ النِزَاعِ، يُمْكِنُنَا الْحِفَاظُ عَلَى الْوَحْدَةِ الْمَسِيحِيَّةِ عَبْرَ اسْتِخْدامِ صِيغَةٍ غَامِضَةٍ عَمْدًا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُفَسِّرَهَا عَلَى طَرِيقَتِكَ، وَأَسْتَطيعُ أَنْ أُفَسِّرَهَا عَلَى طَرِيقَتِي. هَذَا مَا يَحْدُثُ فِي حَالَةِ الْغُمُوضِ المَقْصودِ.

وَتَارِيخِيًّا، كَانَ كَالْفِنْ مُحِقًّا بِالْقَوْلِ إِنَّ الْغُمُوضَ المَقْصودَ مَخْبَأٌ لِلْمُهَرْطِقِ. إِذًا، سَبَبُ إِصْرَارِ الْكَنِيسَةِ عَلَى هَذَا الْمُصْطَلَحِ تَارِيخِيًّا هُوَ سَدُّ أَفْوَاهِ الْمُهَرْطِقِينَ، وَسَدُّ أَفْوَاهِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَذْهَبِ الشَّكْلانيَّةِ، وَسَدُّ أَفْوَاهِ أَتْبَاعِ مَذْهَبِ المَلَكِيَّةِ الدِينَامِيكِيَّةِ، وَسَدُّ أَفْوَاهِ كُلِّ مَنْ يُعَلِّمُ عَنْ وُجُودِ ثَلاثَةِ آلِهَةٍ، وَأَيْضًا، سَدُّ أَفْوَاهِ الأَشْخَاصِ الَذِينَ يُنْكِرُونَ أنَّ اللهَ مُثَلَّثُ الأَقَانِيمِ عَبْرَ الإِصْرارِ عَلَى النَظْرَةِ التَوْحِيدِيَّةِ. وَبِالتَالِي، نَحْنُ نَرَى الْكَنِيسَةَ تَتَوَصَّلُ إِلَى مَفْهُومٍ يَعْمَلُ فِعْلِيًّا مِثْلَمَا كَانَتْ تَعْمَلُ كَلِمَةُ "شِبُّولَتْ".

أَتَذْكُرُونَ مَا كَانَ الْهَدَفُ مِنْ كَلِمَةِ "شِبُّولَتْ"؟ كَانَتْ كَلِمَةُ "شِبُّولَتْ" بِمَثَابَةِ كَلِمَةِ سِرٍّ تَجْعَلُكَ تَنْجُو مِنَ الْحَارِسِ. حِينَ كَانَ أَعْدَاءُ إِسْرَائِيلَ يُحَاوِلُونَ إِرْسَالَ عُمَلائِهِمْ السِرِّيِّينَ وَجَوَاسِيسِهِمْ إِلَى الأَرْضِ، كَانَ يُطْلَبُ مِنْ كُلِّ قَادِمٍ أَنْ يَلْفُظَ كَلِمَةَ "شِبُّولَتْ". وَلَمْ يَكُنْ جِيرَانُهُمْ يَقْدِرُونَ أَنْ يَلْفُظُوا تِلْكَ الْكَلِمَةَ، وَإِنْ تَلَعْثَمُوا فِي اللَفْظِ كَانَ يَتِمُّ التَخَلُّصُ مِنْهُمْ. إِذًا، هَذَا هُوَ تَعْرِيفُنَا لِكَلِمَة "شِبُّولَتْ": إِنَّهَا كَلِمَةُ اخْتِبَارٍ لِلاكْتِشَافِ مَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمْ صَادِقًا.

فِي هُولَنْدَا، وَخِلالَ فَتْرَةِ الاحْتِلالِ، وَحِينَ كَانَتْ هُولَنْدَا تَحْتَ الاحْتِلالِ الأَلْمَانِيِّ طَوَالَ سَنَواتٍ عِدَّةٍ خِلالَ الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَانِيَةِ، كَانَتْ لَدَيْهِمْ كَلِمَةُ "شِبُّولَتْ" الْخَاصَّةُ بِهِمْ. كَانَ لَدَيْهِمْ مُنْتَجَعٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي هُولَنْدَا اسْمُهُ – دَعُونِي أَرَى إِنْ كُنْتُ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ لأَنْجُوَ مِنَ الْحَارِسِ، لأَنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَكُونَ لَدَيْكَ سَائِلٌ مُتَقَطِّرٌ خَلْفَ الأَنْفِ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ لَفْظِ اسْمِهِ – كَانَ ذَلِكَ الشَاطِئُ يُدْعَى "سِخِيفِينِينْجِن". هَلْ سَمِعْتُمْ بِذَلِكَ؟ "سِخِيفِينِينْجِن"، وَكَانَ يَسْتَحِيلُ عَلَى الأَلْمَانِ أَنْ يَلْفُظُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ. كَانُوا يُجِيدُونَ تَكَلُّمَ الْهُولَنْدِيَّةِ وَتَدَبُّرَ أَمْرِهِمْ، وَكَانَ يَتِمُّ اعْتِبَارُهُمْ هُولَنْدِيِّينَ فِي مُعْظَمِ الْحَالَاتِ، لَكِنْ إِنْ طَلَبْتَ مِنْهُمْ لَفْظَ كَلِمَةِ "سِخِيفِينِينْجِن" كَانُوا يَتَلَعْثَمُونَ مِثْلَمَا أَفْعَلُ الآنَ. فَأَصْبَحَ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ "شِبُّولَتْ".

وَهَذَا مَا تَوَجَّبَ عَلَى الْكَنِيسَةِ فِعْلُهُ. أَنْتَ تَسْتَخْدَمُ تَعْبيرَ "الْعِصْمَةُ مِنَ الْخَطَأِ" عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِالْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. ذَاتَ مَرَّةٍ قَالَ جي. أي. باركر: "نَعَمْ، الْعِصْمَةُ مِنَ الْخَطَأِ هِيَ الـ"شِبُّولَتْ"". إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ سَرِيعًا رَأْيَ أَحَدِهِمْ بِالْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لا تَسْأَلْهُ مَا إِذَا كَانَ يُؤْمِنُ بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، اسْأَلْهُ: "هَلْ تُؤْمِنُ بِعِصْمَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مِنَ الْخَطَأِ؟" لأَنَّ النَاسَ يَخْتَنِقُونَ بِهَذَا التَّعْبيرِ قَبْلَ الإِقْرارِ بِهِ. بِالطَبْعِ، لَمْ يُوجَدْ أَبَدًا اعْتِرافُ إِيمَانٍ مَكْتُوبٍ، كَمَا أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ أَبَدًا صِيغَةٌ مُعَبَّرٌ عَنْهَا بِدِقَّةٍ لَا يُمْكِنُ لِلنَّاسِ اَلْمُخادِعينَ اَلتَّلاعُبُ بِهَا. كَلِمَاتُ الْمُرَاوَغَةِ تُصَادَفُ دَائِمًا.

أَثْنَاءَ رَسَامَتِي، أَذْكُرُ شَخْصًا سَأَلَنِي قَبْلَ امْتِحانَاتِ رَسَامَتِهِ، قَالَ لِي "هَلْ يَجْدُرُ بِي الْمُوَافَقَةُ عَلَى الْقِيَامَةِ أَمْ لا؟" فَقُلْتُ: "مَا الَذِي تَقْصِدُهُ؟" قُلْتُ لَهُ: "هَلْ تُؤْمِنُ بِالْقِيَامَةِ؟" فَقَالَ: "بِالطَبْعِ لا"، فَقُلْتُ: "إِذًا، هَذَا مَا عَلَيْكَ قَوْلُهُ". لَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَنْ يُحْسَبَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلرَسَامَةِ، فَرَاوَغَ وَتَمَنَّى الْحَظَّ السَعِيدَ فِيمَا كَانَ يَخْضَعُ لِلامْتِحَانِ. هَذَا الأَمْرُ يَحْدُثُ طَوَالَ الْوَقْتِ. وَالسَبَبُ الَذِي جَعَلَ الْكَنِيسَةَ تَسْتَخْدَمُ كَلِمَاتٍ مِثْلِ "الثَالُوثِ"، هُوَ وَضْعُ مَعَايِيرَ دَقِيقَةٍ قَدْرَ الإِمْكَانِ. وَمَا يَدْفَعُ الْكَنِيسَةَ إِلَى السَعْيِ وَرَاءَ الدِقَّةِ فِي كُلِّ جِيلٍ، هُوَ الْهُجُومُ الَذِي يَشِنُّهُ الْمُهَرْطِقُونَ عَلَى الحَقِّ الإِلَهيِّ. هَذَا مَا تَفْعَلُهُ الْهَرْطَقَةُ. إِنَّهَا تُجْبِرُ الْكَنِيسَةَ عَلَى أَنْ تَكُونَ حَذِرَةً وَوَاضِحَةً وَدَقِيقَةً فِي عَقِيدَتِهَا.

فِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ، سَنَتَكَلَّمُ مُجَدَّدًا عَنْ هَذِهِ الصِيغَةِ: وَاحِدٌ فِي الْجَوْهَرِ، ثَلاثَةُ أَقَانِيمَ. وَسَنَرَى إِنْ كُنَّا نَقْدِرُ عَلَى الأَقَلِّ أَنْ نَكْشِفَ الْمَضْمُونَ اللَاهُوتِيَّ لِلْمَقْصُودِ بِتِلْكَ الْمُصْطَلَحاتِ الَتِي يَتِمُّ اسْتِخْدَامُهَا.