المحاضرة 2: صدمة القداسة

منذُ فترةٍ تحدَّثَتْ معي سيِّدةٌ مِنْ أُوكْلانْد، كاليفورْنْيا، وكانَتْ غاضِبَةً ومنزَعِجَةً وقالَتْ لي إِنَّها غاضبةٌ منْ راعِي كنيسَتِها. فسألتُها لماذا أنتِ غاضبةٌ من راعي كنيستِكِ؟ قالَتْ: "لديَّ شعورٌ، بأنَّهُ لسببٍ ما، يبْذُلُ كلَّ ما بوسعِهِ في صباحِ كلِّ أحَدٍ لحَجْبِ هُوِيَّةِ اللهِ الحقيقيَّةِ عن شعبِ الكنيسَةِ. أدْخُلُ إلى الْكنيسَةِ متلهِّفَةً كيْ تُتاحَ لي فُرْصَةٌ للعِبادَةِ، وكَيْ أُمَجِّدَ اللهَ، لكِنَّ الإلهَ الَّذِي أَسْمَعُ عنهُ هو إِلَهٌ انتُزِعَتْ مِنْهُ قوَّتُهُ وتمَّ تَرْوِيضُهُ، فصارَ مُبْتَذَلًا. أنا على يقينٍ أنَّهُ يفعلُ هذا لأنَّهُ لا يرغَبُ في إخا

فةِ النَّاسِ إنْ قدَّمَ شخصيَّةَ اللهِ الْحَقِيقِيَّةَ".

لا أعلمُ مدى دِقَّةِ شكْوَى هذهِ السيِّدةِ، لكنْ أعلمُ أنَّنا نميلُ جمِيعًا إلى التَّخفيفِ مِنْ صورةِ اللهِ الْكِتابِيَّةِ، ويوجَدُ سببٌ لذلِكَ. السَّببُ هوَ أنَّ قداسةَ اللهِ تُزْعِجُ غيرَ المُقدَّسِينَ. ويتَّضِحُ لنا هذا حينَ ننْظُرُ إلى بَقِيَّةِ نَصِّ سِفْرِ إِشَعْيَاءَ. فَقَدْ رَأَيْنَا بِالْفِعْلِ ما كتبَهُ إِشَعْياءُ عنْ رؤْيا قداسَةِ اللهِ، وأوَدُّ أنْ أتحدَّثَ الآنَ عمَّا حدثَ لإِشَعْيَاءَ بسببِ ما رآهُ.

الارْتِعادُ أمامَ اللهِ:

قبلَ هذا، لديَّ تعليقٌ مأخوذٌ مِنَ الفصولِ الأُولَى مِنْ كتابِ "أُسُسُ الدِّينِ الْمَسِيحِي" للْكاتِبِ جُون كَالْفِن، يُدْلِي كالْفِنْ بِتصْرِيحٍ قائلًا: "هذا هُوَ سببُ الْخَوْفِ والرُّعبِ اللَّذَيْنِ شَعَرَ بِهِما الْقِدِّيسونَ قديمًا أمامَ اللهِ، حَسَبَ وَصْفِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ بِشَكْلٍ مُتَّسِقٍ". تحدَّثَ كَالْفِنْ عَنْ نَمَطٍ مِنْ ردودِ الأفعالِ الْبَشرِيَّةِ تُجاهَ حُضُورِ اللهِ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ؛ وَيَبْدُو أنَّهُ كلَّما ازدادَ برُّ أحَدِهِمْ، ازْدادَ ارْتِعادُهُ عِنْدَ دخولِهِ إلى مَحْضَرِ اللهِ الْمُباشِرِ.

لمْ يَكُنْ رَدُّ فِعْلِ حَبَقُوقَ عادِيًّا أَوْ حِيادِيًّا حينَ الْتَقَى بالإلهِ القدُّوسِ. أتَذْكُرونَ شَكْوَى حَبَقُوقَ، حِينَ رأى الانْحِلالَ والْمَظالِمَ تَكْتَسِحُ بِلادَهُ؟ كانَ مُسْتاءً بشِدَّةٍ حتَّى أنَّهُ صَعِدَ إلى مَرْصَدِهِ، وَرَفَعَ شَكْوَاهُ أمامَ اللهِ قَائِلًا: "يَا اللهُ أنْتَ قدُّوسٌ إلى حَدِّ أنَّكَ لا تَستطيعُ النَّظَرَ إلى الإِثْمِ. فكيْفَ تقِفُ مكتوفَ الأَيْدِي سَامِحًا بحدوثِ كُلِّ هذا؟" (قارِنْ حبَقُوق 1: 13). ثمَّ قالَ: "سأَظَلُّ هُنَا وأَنْتَظِرُ إلى أَنْ يُجيبَ اللهُ سُؤالِي". وتذكُرونَ ما حدَثَ حينَ ظَهَرَ اللهُ لِحَبَقُوقَ، قالَ: "رَجَفَتْ شَفَتَايَ. ارْتَعَدَتْ أَحْشَائِي دَخَلَ النَّخْرُ فِي عِظَامِي" (حَبَقوق 3: 16).

وماذا حدثَ لأَيُّوبَ حينَ كانَ ينْتَظِرُ صوتَ اللهِ؟ فَحِينَ أَظْهَرَ اللهُ ذاتَهُ لأَيُّوبَ، قَالَ أيُّوبُ: "أَرْفُضُ وأَندمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ، مَرَّةً تَكَلَّمْتُ فَلاَ أُجِيبُ، وَمَرَّتَينِ، فَلاَ أَزِيدُ وَضَعتُ يدِي علَى فَمِي" (قارِنْ أيُّوبَ 42: 6). قالَ كالْفِن، إنَّ الإقرارَ الْمُوحَّدَ لِلْكَلِمَةِ الْمُقَدَّسَةِ هُوَ أنَّ كُلَّ مَنْ وقَفَ أمامَ قداسَةِ اللهِ ارْتَعَدَ في مَحْضَرِهِ. الأَمْرُ ذاتُهُ يَنْطَبِقُ على إِشَعْياءَ.

البَرَكَةُ والْوَيْلُ:

انظرْ إِلى إِشَعْيَاءَ. لَمْ أشْرَعْ في بحثٍ أخْلاقِيٍّ عَنْ إِسرائيلَ فِي القرْنِ الثَّامِنِ قَبْلَ الْمِيلادِ، لَكِنْ لا يُمْكِنُنِي تَصَوُّرُ أنَّهُ كانَ هناكَ إنسانٌ في الأُمَّةِ الْيَهودِيَّةِ آنذاكَ أبَرُّ، بِالمقايِيسِ الْبَشَرِيَّةِ، مِنْ إِشَعْيَاءَ. كانَ إِشعياءُ بَارًّا بِقَدْرِ ما يُمْكِنُ أنْ يكونَ الْبَشَرُ عَلَيْهِ آنَذاكَ لَكِنَّهُ حينَ رأَى لَمْحَةً مِنْ قداسَةِ اللهِ، كانَ أَوَّلَ ما فعلَهُ هُوَ أَنْ صرَخَ فِي رَعْدَةٍ. ويقولُ الكتابُ المقدَّسُ إِنَّهُ قالَ: "وَيْلٌ لِي إِنِّي هَلَكْتُ" (إشعياء 6: 5).

أعْلَمُ أنَّ ترجماتٍ إنجليزيَّةً حديثَةً حاوَلَتْ تغييرَ لُغَةِ إِشَعْياءَ هُنا إذْ لمْ يَعُدْ أحَدٌ يتحدَّثُ هكذا، لا أحدَ الآنَ يقولُ: "ويلٌ لِي". هذهِ الْكلماتُ عَفا عَلَيْهَا الزَّمَن. وصارَتْ مَهْجُورَةً. فَهْيَ مِثْلُ قَوْلِ أَحَدِهِمْ: "وا حَسْرَتَاهُ" أوْ "وَيْحَاهُ". لمْ يَعُدْ أحَدٌ يتحدَّثُ هكذا ما لم يكنْ لديكَ أصدقاءُ يهودٌ. ممَّن يقولونَ حينَ تَسوءُ الأَحْوالُ: "أوِيفي أيْس مِير"، الَّذي هُوَ ترجمَةٌ يَدِيشِيَّةٌ لتَعْبِيرِ "وَيْلٌ لِي". لَكِنْ في أغْلَبِ الأَحْيانِ، لا نَسْمَعُ الناسَ يقولونَ هذا في مُجتمعِنا. وهكذا، حينَ حاولَ المترْجِمونَ نَقْلَ كَلِمَةِ اللهِ إلى تعابيرَ عَصْرِيَّةٍ، اسْتَغْنَوْا عَنْ بعضِ الْكَلماتِ الْمَهْجورةِ. لَكِنْ لِلأَسَفِ، حينَ نفعَلُ هذا، نَتعرَّضُ لخَطَرِ أنْ تفوتَنا رُؤْيَةُ جوهَرَةٍ مِنَ الْجواهِرِ الْمُختبِئَةِ في الأدَبِ الْكِتابِي.

هناكَ سببٌ لاستِخْدامِ إِشعْيَاءَ كَلِمَةَ "وَيْلٌ". فَفِي العهدِ الْقَدِيمِ، كانَ النبِيُّ شخْصًا ممْسُوحًا من اللهِ ليتحدَّثَ بِلِسانِهِ. والاخْتِلافُ الْبَسِيطُ بَيْنَ النبيِّ والكاهنِ في إِسرائيلَ هوَ: أنَّ مُهِمَّةَ الكاهِنِ هِيَ التحدُّثُ إلى اللهِ نيابَةً عنِ الشَّعْبِ، في حِينِ مُهِمَّةُ النَّبِيِّ هِيَ التحدُّثُ إِلَى الشَّعْبِ نيابَةً عنِ الله. وَلِهَذَا حينَ كانَ النَّبِيُّ يُنادِي بِرِسالَتِهِ، لَمْ يكُنْ يَبْدَأُها بِقَوْلِ: "في رَأْيِي الْمُتواضِعِ أَوْ بِحَسَبِ تَقْدِيرِي أَوْ بِحَسَبِ اعْتِقادِي" لَمْ يُخَاطِبِ الأَنْبِياءُ الشعبَ هكذا، بَلْ حِينَ قدَّمُوا رِسالَتَهُمْ كانُوا يَبْدَؤُونَها بِالْكلماتِ "هَكذَا قالَ الرَّبُّ"، لأَنَّهُمْ عَلِمُوا أنَّهُمْ آنِيَةُ الإِعلانِ الإِلَهِي.

مرَّةً أُخْرَى أَقُولُ إِنَّ الأُسْلوبَ الأدَبِيَّ الشَّائِعَ لدَى أنبياءِ إِسرائيلَ هُوَ الَّذِي نُسَمِّيهِ "الْوَحْيَ النَّبَوِيَّ". قَطْعًا سَمِعْتُمْ عنْ كتابٍ يُونانِيٍّ بِعِنْوَان – وَحْيُ دَلْفِي – الَّذي قَدَّمَ إعلاناتٍ عنِ الْمُسْتَقْبَلِ. لَدَى الْيَهودِ، انْطَوَى هذا الأُسْلُوبُ الأَدَبِيُّ الَّذِي يُسَمَّى الْوَحْيَ النَّبَوِيَّ عَلَى نَوْعَيْنِ. هُناكَ النبوَّةُ بِالْبَركاتِ والنُّبُوَّةُ بِالْوَيْلاتِ. يَعنِي هذا بِبَساطَةٍ أنَّهُ يقدِّمُ إِعلاناتٍ مِنَ اللهِ تَحْمِلُ أخْبارًا سارَّةً، وأُخْرَى تَحْمِلُ أخْبارًا سَيِّئَةً.

لَدَى الْيَهُودِ، كانَتْ نُبُوَّةُ الْبَرَكةِ – أَوِ الرَّخاءِ – تُسْتَخْدَمُ كلِمَةٌ تُمَثِّلُ أهمِّيَّةً في هذا الوَحْيِ لقَوْلِ الأخْبارِ السَّارَّةِ، وهْيَ كَلِمَةُ: "طُوبَى أَو مُبَارَكٌ". وَمِنَ الْواضِحِ أنَّ يسوعَ اسْتَخْدَمَ أُسْلُوبَ الْوَحْيِ النَّبَوِيِّ، عَنْ عَمْدٍ، بِصِفَتِهِ نبِيًّا في الْعِظَةِ عَلَى الْجَبَلِ. وَقَدْ أدركَ مُعاصِرُوهُ مَغْزَى هذهِ الْبِدايَةِ، حينَ أَعْطَى قائِمَةً من الأَقْوالِ: "طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ... طوبَى لِلْحَزَانَى... طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ... طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ... طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ" (متى 5: 3-9). قدْ كانَ يَنْطِقُ بِنُبُوَّةِ الْبركةِ مِنَ اللهِ على البَشَرِ – وَبِالتَّطويبِ وَالْبركَةِ الإِلَهِيَّةِ – على فاعِلي هذهِ الأُمورِ عيْنِها.

لَكِنْ كانَ الْوَجْهُ الْمُقابِلُ لِنُبُوَّةِ الْبَرَكَةِ هُوَ نبوَّةُ الْوَيْلاتِ، الَّذِي كانَ إعلانًا كئيبًا ومُرَوِّعًا عَنْ دينونَةِ اللهِ. اسْمَعُوا عامُوسَ النَّبِيَّ، وهْوَ يُعْلِنُ دينونَةَ اللهِ على الأُمَمِ وَالْمُدُنِ: "وَيْلٌ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ دِمَشْقَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ" (عاموسُ 1: 3). يسوعُ، أيْضًا، في توبيخِهِ اللَّاذِعِ لِلْفِرِّيسِيِّينَ، بَدَأَ كلِماتِ الدَّيْنُونَةِ مُسْتَخْدِمًا الْوَحْيَ النَّبَوِيَّ لِلْعَهْدِ الْقَدِيمِ قائلًا: "وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفً" (متى 23: 15).

ذكَرْتُ في المحاضرةِ الأُولَى مدَى نَدْرَةِ ارتقاءِ أيِّ شَيْءٍ فِي كُلِّ الْكتابِ الْمُقَدَّسِ إِلَى مُسْتَوَى التَّكْرَارِ لِلتَّوْكِيدِ. وقُلْتُ إِنَّ صِفَةَ اللهِ الْوَحِيدَةَ الَّتِي تَكَرَّرَتْ ثلاثَ مرَّاتٍ هِيَ صِفَةُ الْقَداسَةِ: قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ. لكنَّها لَيْسَتِ الشَّيْءَ الْوَحِيدَ الَّذِي تَكَرَّرَ ثلاثَ مَرَّاتٍ. فَحِينَ ذَهَبَ إِرْمِيَا النَّبِيُّ ونَطَقَ بِدَيْنُونَةٍ اللهِ أمامَ الْهَيْكَلِ الْيَهُودِيِّ، قالَ لَهُمْ: "أنتمْ تأتُونَ إِلَى هُنا قائِلِينَ هَيكلُ الربِّ هَيكلُ الرَّبِّ هيْكلُ الرَّبِّ هُوَ" (إرميا 7: 4). كانَ إرميا يقولُ لَهُمْ، إِنَّ رياءَكُمْ قَدْ وَصَلَ إِلَى أَقصَى حَدٍّ "ها إنَّكُمْ متَّكِلُونَ على كلامِ الْكَذِبِ الَّذِي لاَ يَنْفَعُ".

وأكثرُ ساعاتِ هذا الْكَوْكَبِ ظُلمَةً فِي سِفْرِ الرُّؤْيَا فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، حَيْثُ نَقْرَأُ أنَّهُ في تِلْكَ الساعَةِ الأخيرةِ تنْسَكِبُ جاماتُ الْغضبِ الإِلَهِيِّ فَوْقَ هذا الْكَوْكَبِ. ثُمَّ نَقْرَأُ عَنِ الكائنِ السماويِّ الَّذِي سيطيرُ مُجْتازًا السَّماءَ الْمُظْلِمَةَ ومُعلِنًا دَيْنونَةَ اللهِ الأخِيرَةِ مَعَ تكرارِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ "وَيلٌ، وَيْلٌ، وَيْلٌ" (رؤيا 8: 13). قَطْعًا لَنْ تُحِبُّوا أَنْ تَتَواجَدُوا فِي الأَنحاءِ حينَ يَبْدَأُ ذلكَ الْمَلاكُ فِي الصُّراخِ.

"إني انحلَلْتُ":

لَكِنْ أَتَرَوْنَ ما يَحْدُثُ في الأصْحاحِ السَّادِسِ مِنْ سِفْرِ إِشَعياءَ؟ هذا الرَّجُلُ المَدْعُوُّ والْمُفْرَزُ منَ اللهِ، الَّذِي كانَتْ كلماتُهُ هِيَ كلماتُ اللهِ الَّتِي وُضِعَتْ فِي فَمِهِ كانَ الْوَحْيُ النَّبَوِيُّ الأوَّلُ الَّذِي نطقَ بِهِ هُوَ حُكْمٌ بِالْمَوْتِ عَلَى نفسِهِ: "وَيْلٌ لِي!" ما أَن رأَى إِشَعْياءُ قداسَةَ اللهِ دُونَ احْتِجابٍ، أَدرَكَ لأَوَّلِ مَرَّةٍ في حياتِهِ مَنْ هُوَ اللهُ. وَفِي اللَّحظَةِ الَّتِي أَدرَكَ فِيهَا إِشَعياءُ مَن هُوَ اللهُ لأوَّلِ مرَّةٍ في حياتِهِ، أدرَكَ مَنْ هُوَ إِشَعْيَاءُ. وَمَا خَرَجَ مِنْ فَمِهِ كانَ شبَيِهًا بِصَرخَةٍ بِدَائِيَّةٍ، إِذْ لَعَنَ نَفْسَهُ: "وَيْلٌ لِي إِنِّي انْحَلَلْتُ".

أَعْلَمُ أَنَّ التَّرْجَماتِ الحدِيثَةَ تَسْتَخْدِمُ كلِمَةَ "هَلَكْتُ". لَكِنْ تُعْجِبُنِي كَلِمَةُ "انْحَلَلْتُ" الأَقْدَمُ، لأنَّنا إِنْ نظَرْنا إلى ما يحدُثُ هنا بِعَدَسَةِ التَّحليلِ النَّفْسِيِّ الْحَدِيثِ، سَنَصِفُ هَذَا الاخْتِبارَ الَّذِي يَرْوِيهِ إِشَعْيَاءُ بِأَنَّهُ اخْتِبارُ تَفَكُّكٍ نَفْسِيٍّ، أَيْ عَدَمُ تَمَاسُكٍ.

فإنَّنَا نقولُ عَنْ شَخْصٍ فِي صِحَّةٍ جَيِّدَةٍ إِنَّهُ صَحِيحٌ أَوْ إِنَّهُ بِكامِلِ صِحَّتِهِ أيْ إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فيهِ مُتماسِكٌ معًا. وحينَ نرى أحَدًا يفقِدُ عقْلَهُ، ماذا نَقولُ؟ "إنَّهُ ينهارُ أَوْ يَتَفَكَّكُ". (أَلَيْسَ مِنَ الْمُثِيرِ للِاهتماِم أَنَّ أحَدَ مُرادِفاتِ كَلِمَةِ "فَضِيلَةٍ" في لُغَتِنَا هِي كَلِمَةُ "تَكَامُلٌ"؟ وَتَعْنِي أنَّ كُلَّ شيْءٍ في حَياتِنَا مُتَلاحِمٌ مَعًا في إِحْكامٍ وَاتِّساقٍ). إِذَن، هَذَا الرَّجُلُ، الأَشَدُّ تَكامُلًا بَيْنَ الشَّعْبِ الْيَهُودِيِّ، قَدْ حَصَلَ عَلَى لَمْحَةٍ خَاطِفَةٍ عَنْ قَدَاسَةِ اللهِ، وَفِي الْحَالِ عانَى تفَكُّكًا، وانْهِيارًا.

هذا هُوَ ما يَحْدُثُ لِمَنْ يَحْصُلُونَ عَلَى لَمْحَةٍ عَنْ طَبِيعَةِ اللهِ. فَإِنَّنَا نَقْضِي كُلَّ حَياتِنَا حَاجِبِينَ أَنْفُسَنَا عَنْ طَبِيعَةِ اللهِ الْحَقِيقِيَّةِ، لأَنَّنا نميلُ بِالْفِطْرَةِ يا أحبَّائِي إلى الاخْتِبَاءِ منْه، لأنَّنَا نَعْلَمُ بِالْغَرِيزَةِ أَنَّ ظُهُورَ الشَّيْءِ الْمُقَدَّسِ سيَفْضَحُ وَيَكْشِفُ أَيَّ شَيْءٍ أَوْ شَخْصٍ غَيْرِ مُقَدَّسٍ مُقَارَنَةً بِذَلِكَ الْمِقْياسِ.

لدينا تبريراتٌ لِكُلِّ خطِيَّةٍ نَرْتَكِبُها، وَخِبْرَةٌ كبيرَةٌ فِي خِداعِ أَنْفُسِنا. يَقُولُ كَالْفِن "فَما دُمْنَا لا نَنْظُرُ أَبْعَدَ مِنَ الأَرْضِ ونَبقَى مُكْتَفِينَ بِبِرِّنا وَحِكْمَتِنا وَفَضِيلَتِنا، فَإِنَّنَا نَتَمَلَّقُ أنْفُسَنا كُلَّ التَّمَلُّقِ، ونَتَوَهَّمُ أنَّنا أَنْصَافُ آلِهَةٍ". وَنَفْعَلُ مَا حذَّرَنا الرَّسولُ بُولُسُ مِنْهُ حِينَ قالَ: "إِذْ يقِيسُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيُقَابلونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَفْهَمونَ" (2 كورنثوس 10: 12).

لا أحَدَ كامِلٌ:

دعُوني أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ عَنِ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ. إِنْ خَرَجْنَا إِلَى شَوارِعِ أَمْرِيكَا لِنَطْرَحَ سُؤالًا عَلَى الْجَمِيعِ، لا يُمْكِنُنِي تَصَوُّرُ عَدَدِ مَنْ سَيُقَدِّمونَ الإِجابَةَ نَفْسَها. فَإِنْ سَأَلْتُ: "هَلْ أَنْتَ كامِلٌ؟" أُراهِنُ أَنَّ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فِي الْمِئَةِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ خَلْفِيَّتِهِمْ سَيُجِيبُونَ: "لا، لَسْتُ كامِلًا." فإنَّ الْمَبْدَأَ الَّذِي يُؤَيِّدُهُ جَمِيعُ الأَمْرِيكِيِّينَ هُوَ: لا أَحَدَ كَامِل. Errare humanum est أَيْ: الإِنْسَانُ خَطَّاءٌ.

لا أَحَدَ كامِلٌ، لَكِنْ يَبْدُو أنَّ هذا لا يُزْعِجُنا الْبَتَّةَ. لا يُوجَدُ واحِدٌ مِنْ أَلْفٍ يُنْكِرُ أنَّهُ غَيْرُ كامِلٍ، هَذَا نَفْيُ النَّفْيِ بِمَعْنَى آخَرَ لا يُوجَدُ واحِدٌ مِنْ ألْفٍ يدَّعِي أنَّهُ كامِلٌ، وَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لا يُوجَدُ واحِدٌ مِنْ أَلْفٍ يُدْرِكُ خُطُورَةَ عَدَمِ كَمَالِهِ. لأنَّ الْمِقْيَاسَ الَّذِي سَنُدانُ بِحَسَبِهِ في النِّهايَةِ ليسَ مُنْحَنًى، بَلْ سيَكُونُ مِقْياسَ كمالِ اللهِ.

أَسْمَعُ هذا كثيرًا: "لِكُلِّ إنسانٍ الْحقُّ في ارتكابِ خطأٍ واحِدٍ". مَنْ قالَ هَذَا؟ أينَ قالَ اللهُ: "يمكنُكُمْ جميعًا ارْتكابُ خطأٍ واحِدٍ، خطِيَّةٍ واحِدَةٍ بلا مقابِل، فِعْلِ خيانَةٍ واحِدٍ ضِدَّ سُلْطانِي بِلا مُقابِل، إِهانَةٍ واحِدَةٍ لقداسَتي بِلا مُقابِل؟" لمْ يَقُلْ هذا قَطُّ، أليسَ كذلك؟ وحتَّى إنْ قالَ هذا، فمنذُ مَتَى قدِ اسْتنفَذْتَ هذا الْعَرْضَ؟

"لكلِّ إنسانٍ الْحَقُّ في خطيَّةٍ واحِدَةٍ" أتمَنَّى أنْ تُتاحَ لنا أكثرُ مِنْ خطيَّةٍ واحِدَةٍ. رُبَّما خطيَّةٌ واحِدَةٌ كُلَّ ثَانِيَةٍ، يتَّضِحُ هنا أنَّنا مُتصالِحُونَ مع نَقائصِنا. ونَحْكُمُ على أَنْفُسِنا بِأَنْفُسِنا. فَمَهْمَا كنتُ خَجِلًا مِنْ ضَعَفاتِي. وحينَ أنظرُ داخلَ أعْماقي، أشعرُ بالغثيانِ. ألا تشعُرونَ بهذا؟ ألَمْ تَشْمَئِزُّوا يومًا من أنفُسِكُم؟ "كيْفَ أمكنَنِي فِعْلُ هذا؟ لا أصدِّقُ أنَّنِي بهذهِ الأنَانِيَّةِ" أو "لا أصدِّقُ أنَّنِي بِهذا الْجَشَعِ أوِ الشَّهْوانِيَّةِ" أوْ "غيرُ ذلِك".

لكنَّنا نُسرِعُ إلى التماسِ الْعُذْرِ لأَنْفُسِنا. لأَنَّنا نَنْظُرُ حَوْلَنا فَنَنْجَحَ دائِمًا فِي إِيجادِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ فَسادًا منَّا، ظَاهِرِيًّا على الأقلّ. وهكذا قد نُشْبِهُ الفرِّيسيَّ الَّذي تحدَّثَ عنهُ يسوعُ والَّذي صَعِدَ إلى الْهَيْكَلِ لِيُصَلِّيَ. فقالَ: "اللَّهُمَّ أشْكُرُكَ أَنِّي لسْتُ مِثْلَ ذلكَ الرَّجُلِ الْبَائِسِ الْوَاقِفِ هُناكَ". فَإِنَّنا نَجِدُ وَسِيلَةً نَلْتَمِسُ بِهَا الْعُذْرَ لأَنْفُسِنا، وَنَتَمَلَّقُ بها أَنْفُسَنا إِلى أَنْ نَرَى المِقْياسَ الحقيقيَّ.

وعِنْدَئِذٍ، ننحلُّ ونَتَفَكَّكُ كإِشَعْيَاءَ. فَحِينَ رأَى الْقداسةَ الْخالِصَةَ، أَدْرَكَ أنَّهُ لَيْسَ كذلك. ولَمْ يَحْتَمِلْ هذا، فَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ، وصَرَخَ فِي أَلَمٍ قائِلًا: "وَيْلٌ لِي، إِنِّي انْحَلَلْتُ، لأنِّي إِنسانٌ نجسُ الشَّفَتَيْنِ، وأَنا ساكِنٌ بَيْنَ شعْبٍ نَجِسِ الشَّفتَيْنِ، لأنَّ عينيَّ قد رأتا الْمَلِكَ، رَبَّ الْجُنُودِ".

نَجِسُ الْفَمِ:

أتساءَلُ لماذا قالَ هذا؟ فحينَ صرخَ في رُعْبٍ قالَ: "إِنِّي انْحَلَلْتُ لأنِّي إِنسانٌ نجسُ الْفَمِ" أتساءَلُ لماذا تعلَّقَ الأَمْرُ بِفَمِه؟

إنْ قرَأْتُمْ تعليمَ الرَّبِّ يَسوعَ، سَتَجِدونَ أنَّ أحَدَ الأشياءِ الَّتي تَتَخَلَّلُ تَعْلِيمَهُ كثيرًا هُوَ دَرْسٌ لَمْ يَعُدْ أَحَدٌ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ تَقْرِيبًا يُؤْمِنُ بِهِ. مِنْ أكْثَرِ الأشْيَاءِ الَّتي علَّمَها يسوعُ النَّاصِرِيُّ كثيرًا. أَنَّ يَوْمًا ما سَيَقِفُ كُلُّ إِنْسَانٍ أمامَ اللهِ لِلْمُحَاكَمَةِ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا لا بُدَّ أنْ يُقَدِّمَ حِسابًا أمامَ الْقدُّوسِ خالِقِ السَّماءِ والأَرْضِ.

ويقولُ الرَّبُّ يسوعُ إنَّهُ في ذلك اليومِ سنُعْطِي حِسابًا عَنْ كُلِّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ تَفَوَّهْنا بِها (متى 12: 36). كلُّ شيءٍ فَعَلْنَاهُ، أَوْ نَطَقْنا بِهِ، كُلُّ وَعْدٍ قَطَعْناهُ وَلَمْ نُنَفِّذْهُ، وَكُلُّ كَلِمَةِ تَجْدِيفٍ خَرَجَتْ مِنْ أَفْواهِنا، وَكُلُّ كَلِمَةِ افْتِراءٍ عَلَى قَرِيبِنا ستُقدَّمُ لِلْمُحاكَمَةِ. قَالَ الرَّبُّ يَسوعُ: "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإنسان، بلْ ما يخْرُجُ منَ الفمِ" (متى 15: 11).

أعطانا اللهُ أفْواهَنا كأَدواتٍ نَمدَحُهُ بِهَا ونتكَلَّمُ بِحَقِّهِ، لَكِنّنا اسْتَخْدَمْنَا أَفْواهَنا كَيْ نَكْذِبَ، وَنَجْرَحَ مشاعِرَ الآخَرِينَ، ونجَدِّفَ على الله. لدَيْنا أفواهٌ نَجِسَةٌ. حينَ رأَى إِشَعْيَاءُ قَداسَةَ اللهِ، توجَّهَتْ يَدُهُ غَرِيزِيًّا إلى فَمِهِ نَاطِقًا بِهَذِهِ اللَّعْنَةِ عَلَى نَفْسِهِ.

كُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ:

وَلَكِنْ أَيُّها السَّادَةُ ماذا فعلَ اللهُ؟ هَلْ نَظَرَ مِنْ عَرْشِهِ وَرَأَى عَبْدَهُ يَتَلَوَّى فِي التُّرابِ فِي نَدَمٍ وَتَوْبَةٍ شَدِيدَةٍ، مِثْلَ راهِبٍ فِي دَيْرٍ فِي الْعُصورِ الْوُسْطَى مُنْهَمِكًا فِي جَلْدِ الذَّاتِ فَقالَ: "تَعالَ الآنَ تعالَ يا إِشَعْيَاءَ. أَنْتَ تَقْسُو عَلَى نَفْسِكَ كَثِيرًا. لا تَنْشَغِلْ بِإِثْمِكَ بهذا الشَّكلِ الْمَرَضِيِّ. فإِنَّكَ بهذَا سَتَجْعَلُ مِنْ نَفْسِكَ حالَةً تَسْتَحِقُّ دراسَةَ مدَى الْحياةِ مِنْ أَشخَاصٍ مِثْلِ سِيجْمُونْد فْرُويْد. لا تُبالِغْ كَثِيرًا. أَنْتَ عالِقٌ فِي الشُّعورِ بِالذَّنْبِ لا بُدَّ أنَّكَ كُنْتَ تَقْرَأُ كتابَاتِ جُوناثانْ إِدْوارْدْز أَوْ تَنْتَظِرُ الْمَلِكَةَ فِيكْتُورْيَا".

لكنَّهُ لَمْ يفعلْ هذا. كما لَمْ ينظُرِ اللهُ إلى عَبْدِهِ وَهوَ يتمرَّغُ في التُّرابِ فقالَ لَهُ: "لِتُعَانِ، أيُّها الْمَخُلُوقُ الْبَائِسُ، أنْتَ تَسْتَحِقُّ أَن تَنْحَلَّ وَتَهْلِكَ. لِتَسْقُطْ عَلَيْكَ اللَّعْنَةُ. قَدْ طَفَحَ بِي الْكَيْلُ مِنْ أَمْثَالِكَ يَا إِشَعْيَاءُ" لا، لَمْ يَفْعَلْ هذا.

وهناكَ شَيْءٌ آخَرَ لم يفعلْهُ، لمْ يُكَلِّمِ اللهُ إشعْياءَ عَنْ نِعْمَةٍ بَخْسَةِ الثَّمَنِ. لَمْ يَقُلْ لَهُ: "كُلُّ الْمَطْلُوبِ مِنْكَ هُوَ أنْ تُوَقِّعَ بِطَاقَةَ عُضْوِيَّةٍ أَوْ تَرْفَعَ يَدَكَ وَسَتَدْخُلُ مَلَكُوتِي".

لا، بَلْ رأَى اللهُ عَبْدَهُ يُعَانِي، فَأَوْمَأَ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ السَّرافِيمِ، فَذَهَبَ إِلَى الْمَذْبَحِ حَيْثُ كانَتِ الْجَمَرَاتُ تَشْتَعِلُ فِي الْقُدْسِ. وَكانَتْ حَرارَتُهَا شَدِيدَةً حَتَّى لَمْ يَسْتَطِعِ الْمَلاكُ نَفْسُهُ لَمْسَهَا فَاسْتَخْدَمَ مِلْقَطًا. وَبِهِ أخَذَ واحِدَةً مِنْ الْجَمَراتِ، وطارَ نَحْوَ إِشَعْيَاءَ، وَنَقْرَأُ في النَّصِّ أنَّهُ وَضَعَ الْجَمْرَةَ الْمُشْتَعِلَةَ عَلَى شَفَتَيْهِ.

هل تعلمونَ مَدَى حَسَاسِيَّةِ شفاهِ الإِنْسانِ؟ فإِنَّنا بها نعبِّرُ عَنْ أكْثَرِ أشْكَالِ التَّواصُلِ حَمِيمِيَّةً: الْقُبْلَة. فَإِنَّ نَهاياتِ أعْصَابِ الشِّفاهِ فائِقَةُ الْحَسَاسِيَّة. وَمَعَ ذَلِكَ، تَعرَّضَ هذا الرَّجُلُ لِوَضْعِ جَمْرَةٍ مُشْتَعِلَةٍ على شَفَتَيْهِ. تعلَمونَ أنَّهُ في اللَّحْظةِ الَّتي لامَسَتْ فيها الْجَمرَةُ شَفَتَيْهِ تكوَّنَتْ قُرْحَةٌ واسِعَةٌ. حَتَّى أنَّنا نستطيعُ سَماعَ قَشْقَشَةِ الْجِلْدِ. لماذا؟ هَلْ لأَنَّ اللهَ كانَ قاسِيًا وَغَيْرَ مَعْهُودٍ فِي عِقابِهِ لإِشَعْياءَ؟ لا. بَلْ قَدْ وُضِعَتِ الْجَمْرَةُ لِكَيِّ شَفَتَيْهِ حتَّى تُطهِّرَهُما، وَتَشْفِيَهُما، وَتُعِدَّهُما لِلرِّسالَةِ الَّتِي كانَ سيُنادِي بِها. انْظُرُوا ما يقولُ النَّصُّ: "فطارَ إليَّ واحِدٌ مِنَ السَّرافيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ إنَّ هذه قدْ مسَّتْ شفتيْكَ فانتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ" (إشعياءُ 6: 6-7).

أَنا بْرُوتِسْتَانْتِيٌّ عَنْ قَناعَةٍ، لَكِنَّ أحَدَ الأشياءِ الَّتِي أَفْتَقِدُها مِنَ التَّقْلِيدِ الْكاثولِيكِيِّ هُوَ طَقسُ الاعْتِرَافِ. نَعَمْ هَذَا الطَّقْسُ مَثَارُ جَدَلٍ بْرُوتِسْتَانْتِيٍّ لَكِنَّنَا بِسَبَبِ عُنْصُرٍ واحِدٍ فِيهِ نَمِيلُ إِلَى رَفْضِهِ كَكُلٍّ.  كَمْ أَتُوقُ أَنْ أتَمَكَّنَ مِنَ الذَّهابِ إلى مَوْضِعٍ ما، أَوْ إِلَى شَخْصٍ ما أَسْتَطِيعُ سماعَهُ وَرُؤْيَتَهُ وَجْهًا لِوَجْهٍ، فَأَقُولُ لَهُ: "يَا أَبَتِي، أَخْطَأْتُ، وفَعَلْتُ كَذا" ثُمَّ أَبْدَأُ فِي سَرْدِ آثَامِي، لأُزِيحَ حِمْلَها عَنْ صَدْرِي، ثُمّ أتَمَكَّنُ مِنَ السُّقوطِ على رُكْبَتَيَّ فأسْمَعُ شخْصًا يقولُ "باسْمِ يسوعَ الْمَسِيحِ لَقَدْ حُلِلْتَ، قَدْ غُفِرَتْ خَطاياكَ.

إلى أيِّ مدًى تُريدُ أنْ ترى الْمَسيحَ يدْخُلُ الْغُرْفَةَ الآنَ ويسيرُ إِلَيْكَ حيثُ أَنْتَ جَالِسٌ بِمُفْرَدِكَ، وَيَقُولُ: "أَعْلَمُ جَمِيعَ خَطاياكَ، لَكِنِ الآنَ أرِيدُ أَنْ أُبَشِّرَكَ بأَنَّ كُلَّ خَطِيَّةٍ فَعَلْتَها فِي حياتِكَ قَدْ غُفِرَتْ. قَدِ انتُزِعَ إِثْمُكَ كلُّهُ لَيسَ عَلَيْكَ أنْ تقلقَ بَعدَ الآنَ مِنَ الْخطايَا الَّتِي ارْتَكَبْتَها فِي حَقِّ اللهِ. فَإِنَّنِي أَغْفِرُ لَكَ وأُطَهِّرُكَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ." بِمَ قَدْ تُضَحِّي فِي سَبيلِ أنْ تسمَعَ يسوعَ يقولُ لكَ هذا؟ هذا هُوَ ما قالَهُ اللهُ لإِشعْيَاءَ: "قَدِ انتُزِعَ كُلُّ إِثْمِكَ، لا تَحتَاجُ بَعْدُ أَنْ تَنْطِقَ بِاللَّعْنَةِ فَقَدِ انتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ".

وبينما كانَ إشعياءُ يحاولُ استيعابَ هذا تكلَّمَ اللهُ ثانِيَةً وقالَ: "مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟" (إشعياء 6: 8). وماذا كانَ أوَّلُ شَيْءٍ قالَهُ إِشَعْيَاءُ بعْدَ أَنْ لَعَنَ نَفسَهُ؟ "هأَنَذَا أَرْسِلْنِي" لاحِظُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: أَنا هنا كانَ هذا سيخبِرُ اللهَ بِمَوقِعِهِ الْجُغْرَافِيِّ. لا، لكنَّهُ قالَ: "هأنَذا يا اللهُ " فبالكادِ استطاعَ إخراجَ الكلِماتِ من شَفَتَيْهِ.

أَحبَّائِي، إنَّ ثمنَ التَّوْبَةِ مُؤْلِمٌ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ صَادِقَةٌ أمامَ اللهِ ودُخُولَ مَحضَرِ إِلَهٍ قدُّوسٍ مُؤْلِمٌ. لَكِنْ حينَ نأْتِي فِي اتِّضاعٍ، كما فَعَلَ إِشَعْيَاءُ – وَنَسْقُطُ عَلَى وُجوهِنَا – يَكُونُ اللهُ مُسْتَعِدًّا أَنْ يَغْفِرَ، وَيُطَهِّرَ، ويُرسِلَ.

فإنَّ التَّبريرَ الْوَحيدَ لإِرْسالِيَّةِ أيِّ مُرْسَلٍ، أَو لِعِظَةِ أيِّ واعِظٍ، هُوَ أنَّ ذلكَ الشَّخْصَ اختبرَ غُفْرانَ اللهِ.

دَعُونَا نُصَلِّي.

أبانا إنَّ شِفاهَنا نَحْنُ أَيضًا نجِسَةٌ، ولَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ نَنْجُوَ مِنْ مَحْضَرِكَ لَوْلا الْكَفَّارةُ الَّتي صَنَعْتَهَا لَنا في الْمَسِيحِ. نُصَلِّي أنْ نختبِرَ غُفْرانَكَ الآنَ وإلى الأَبَدِ، حتَّى نقولَ لك: "هأنَذا أَرْسِلْني". آمين.

تم نشر هذه المحاضرة في الأصل في موقع ليجونير.