المحاضرة 1: كَيْفِيَّةُ الصَلاةِ
كُلُّ مَنِ اسْتَمَعَ يَوْمًا إِلَى عِظَةٍ لِي فِي أَيِّ فَتْرَةٍ مِنَ الْوَقْتِ، يُدْرِكُ سَرِيعًا أَنِّي أُحِبُّ أَسْفَارَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ. لِأَنَّنَا نَجِدُ فِي صَفَحَاتِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ قِصَصًا أَعْتَبِرُهَا فَاتِنَةً وَمُؤَثِّرَةً وَمُثِيرَةً لِلْمَشَاعِرِ، لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ أَشْخَاصًا حَقِيقِيِّينَ يُوَاجِهُونَ صِرَاعَاتٍ حَقِيقِيَّةً فِي الْحَيَاةِ فِيمَا يَسْعَوْنَ إِلَى تَطْوِيرِ عَلَاقَتِهِمِ الشَخْصِيَّةِ بِاللَّهِ. وَبِرَأْيِي، إِحْدَى الْقِصَصِ الْأَكْثَرِ إِثَارَةً لِلْمَشَاعِرِ الَتِي نَجِدُهَا فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ هِيَ قِصَّةُ حَنَّةَ، أُمِّ صَمُوئِيلَ.
نَذَكُرُ أَنَّنَا فِي الْأَصْحَاحِ ٢ مِنْ سِفْرِ صَمُوئِيلَ الْأَوَّلِ نَقْرَأُ نَشِيدَ حَنَّةَ، الَذِي يُشْبِهُ كَثِيرًا نَشِيدَ مَرْيَمَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. تُوجَدُ أَوْجُهُ شَبَهٍ كَثِيرَةٌ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ. لَكِنَّ نَشِيدَ الِاحْتِفَالِ وَالْفَرَحِ الَذِي أَنْشَدَتْهُ حَنَّةُ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، جَاءَ رَدًّا عَلَى اسْتِجَابَةِ اللَّهِ لِصَلَاتِهَا.
مَا سَنَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ فِي الْمُحَاضَرَاتِ الْقَلِيلَةِ الْمُقْبِلَةِ هُوَ نَهْجٌ مَسِيحِيٌّ لِلصَلَاةِ. أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرٍ عَمَلِيَّةٍ، لِأَنِّي أَعِي جَيِّدًا أَنَّ الْكَثِيرَ مِنَ النَاسِ فِي الْعَالَمِ الْمَسِيحِيِّ يُصَارِعُونَ فِي مَسْأَلَةِ الصَلَاةِ بِرُمَّتِهَا. كَمَا أَنَّ النَاسَ مُثْقَلُونَ بِذَنْبٍ كَبِيرٍ لِأَنَّهُمْ يَشْعُرُونَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَاهِرِينَ وَثَابِتِينَ عَلَى مَبْدَأٍ فِي مَسِيرَةِ صَلَاتِهِمْ، حَتَّى إِنَّ قِرَاءَةً سَرِيعَةً لِصَفَحَاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ تُبَيِّنُ أَنَّ الْقِدِّيسِينَ قَدِيمًا كَانُوا أُنَاسًا يَتَمَيَّزُونَ بِمَسِيرَةِ صَلَاةٍ ثَابِتَةٍ.
إِذًا، مَا أُرِيدُ الْعَمَلَ عَلَيْهِ فِي السَاعَاتِ الْمُقْبِلَةِ هُوَ السُؤَالُ الْآتِي: كَيْفَ يُمْكِنُنَا تَعَلُّمُ كَيْفِيَّةِ الصَلَاةِ مِثْلَ الْقِدِّيسِينَ قَدِيمًا فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟ أُرِيدُ أَنْ أَبْدَأَ بِإِلْقَاءِ نَظْرَةٍ وَجِيزَةٍ عَلَى هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الَتِي تَمَّ تَدْوِينُهَا لَنَا فِي سِفْرِ صَمُوئِيلَ الْأَوَّلِ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَنَّةَ. كَانَتْ حَنَّةُ مُتَزَوِّجَةً وَكَانَتْ تَتُوقُ إِلَى إِنْجَابِ الْأَطْفَالِ. لَكِنَّنَا نَعْلَمُ فِي الْأَصْحَاحِ ١ أَنَّ:
الرَّبَّ كَانَ قَدْ أَغْلَقَ رَحِمَهَا. وَكَانَتْ ضَرَّتُهَا تُغِيظُهَا أَيْضًا غَيْظًا لِأَجْلِ الْمُرَاغَمَةِ، لِأَنَّ الرَّبَّ أَغْلَقَ رَحِمَهَا. وَهَكَذَا صَارَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ، كُلَّمَا صَعِدَتْ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ، هَكَذَا كَانَتْ تُغِيظُهَا. فَبَكَتْ وَلَمْ تَأْكُلْ. فَقَالَ لَهَا أَلْقَانَةُ رَجُلُهَا: "يَا حَنَّةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ وَلِمَاذَا لَا تَأْكُلِينَ؟ وَلِمَاذَا يَكْتَئِبُ قَلْبُكِ؟ أَمَا أَنَا خَيْرٌ لَكِ مِنْ عَشْرَةِ بَنِينَ؟". فَقَامَتْ حَنَّةُ بَعْدَمَا أَكَلُوا فِي شِيلُوهَ وَبَعْدَمَا شَرِبُوا، وَعَالِي الْكَاهِنُ جَالِسٌ عَلَى الْكُرْسِيِّ عِنْدَ قَائِمَةِ هَيْكَلِ الرَّبِّ، وَهِيَ مُرَّةُ النَّفْسِ. فَصَلَّتْ إِلَى الرَّبِّ، وَبَكَتْ بُكَاءً.
فَهِمْتُمُ السِينَارْيُو هُنَا. كَانَتْ حَنَّةُ تَعِيسَةً وَلَمْ يَتَحَسَّنْ وَضْعُهَا عَلَى مَرِّ السِنِينَ. وَكَانَتْ ضَرَّتُهَا تَسْخَرُ مِنْ حَيَاتِهَا لِدَرَجَةِ أَنَّهَا أُصِيبَتْ بِالْمَرَارَةِ. فَرَآهَا زَوْجُهَا وَقَلِقَ لِشِدَّةِ كَآبَتِهَا، وَسَأَلَهَا: "مَا خَطْبُكِ؟ لَا بَأْسَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَدَيْنَا أَيُّ أَوْلَادٍ. أَلَسْتُ أُسَاوِي شَيْئًا بِالنِسْبَةِ إِلَيْكِ؟ آمُلُ أَنْ أَكُونَ بِالنِسْبَةِ إلَيْكِ بِقَدْرِ عَشَرَةِ أَبْنَاءٍ". لَكِنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ كَافِيًا بِالنِسْبَةِ إِلَى حَنَّةَ. فَهِيَ أَرَادَتْ أَنْ تُصْبِحَ أُمًّا. فَقَصَدَتِ الْهَيْكَلَ حَيْثُ يَخْدِمُ عَالِي الشَعْبَ، وَنَعْلَمُ أَنَّهَا صَلَّتْ بِرُوحٍ مُعَذَّبَةٍ.
يَقُولُ لَنَا الْعَهْدُ الْجَدِيدُ إِنَّ "طَلِبَةَ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا". لَكِنَّ كَلِمَةَ "بَارٍّ" لَا تَقْتَصِرُ عَلَى جِنْسٍ مُعَيَّنٍ مِنَ النَاسِ. أَيْ أَنَّ بِإِمْكَانِنَا تَرْجَمَةَ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ إِنَّ "طَلِبَةَ "الْإِنْسَانِ" الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا". وَلَيْسَتْ صَلَاةُ الذُكُورِ وَحْدَهُمْ هِيَ الْفَعَّالَةُ. لَكِنْ لَاحِظُوا أَنَّهُ حِينَ قِيلَ لَنَا ذَلِكَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، إِنَّ أَحَدَ مَفَاتِيحِ الصَلَاةِ الْفَعَّالَةِ هُوَ الصَلَاةُ الْحَارَّةُ. يَجِبُ أَلَّا تَكُونَ مُتَقَطِّعَةً، وَيَجِبُ أَلَّا تَكُونَ عَرَضِيَّةً. لَكِنْ حِينَ يَتَوَقَّعُ النَاسُ أَنْ يَنَالُوا اسْتِجَابَةً لِصَلَوَاتِهِمْ، يَجِبُ أَنْ يَحْدُثَ ذَلِكَ فِي إِطَارِ الصَلَاةِ الْجِدِّيَّةِ.
إِنْ دَخَلَ اللَّهُ إِلَى مَنْزِلِكَ بَعْدَ ظُهْرِ الْيَوْمِ وَأَرَدْتَ أَنْ تُكَلِّمَهُ، أَوْ أَنْ تَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ وَأَنْ تَلْتَمِسَ مِنْهُ عَمَلًا مَا، أَوْ أَنْ تُمَجِّدَهُ عَلَى عَظَمَتِهِ أَوْ أَنْ تَعْتَرِفَ بِخَطَايَاكَ، فَمَاذَا سَتَكُونُ حَالَةُ نَفْسِكَ فِي تِلْكَ الْمُحَادَثَةِ؟ مِنَ الْمُؤَكَّدِ أَنَّهَا لَنْ تَكُونَ مُتَبَلِّدَةً وَعَرَضِيَّةً. حِينَ كَانَتْ شَخْصِيَّاتُ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ تَدْخُلُ فِي أَحَادِيثَ مَعَ اللَّهِ، مِثْلَ يَعْقُوبَ، كَانُوا يَتَصَارَعُونَ مَعَ اللَّهِ، كَانُوا يَسْتَغْرِقُونَ اللَيْلَ كُلَّهُ، كَانُوا مُثَابِرِينَ وَمُتَحَمِّسِينَ لِأَنَّ هُمُومَهُمْ الَتِي قَدَّمُوهَا إِلَى اللَّهِ كَانَتْ نَابِعَةً مِنْ أَعْمَاقِ حُزْنِهِمْ، أَيْ مِنْ كَرْبِ وَضْعِهِمْ، فَصَرَخُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ أَعْمَاقِ قُلُوبِهِمْ. هَذَا مَا حَدَثَ لِحَنَّةَ.
وَهِيَ مُرَّةُ النَّفْسِ. فَصَلَّتْ إِلَى الرَّبِّ، وَبَكَتْ بُكَاءً، وَنَذَرَتْ نَذْرًا وَقَالَتْ: "يَا رَبَّ الْجُنُودِ، إِنْ نَظَرْتَ نَظَرًا إِلَى مَذَلَّةِ أَمَتِكَ، وَذَكَرْتَنِي وَلَمْ تَنْسَ أَمَتَكَ بَلْ أَعْطَيْتَ أَمَتَكَ زَرْعَ بَشَرٍ، فَإِنِّي أُعْطِيهِ لِلرَّبِّ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ، وَلَا يَعْلُو رَأْسَهُ مُوسَى". وَكَانَ إِذْ أَكْثَرَتِ الصَّلَاةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَعَالِي يُلَاحِظُ فَاهَا. فَإِنَّ حَنَّةَ كَانَتْ تَتَكَلَّمُ فِي قَلْبِهَا، وَشَفَتَاهَا فَقَطْ تَتَحَرَّكَانِ، وَصَوْتُهَا لَمْ يُسْمَعْ، أَنَّ عَالِيَ ظَنَّهَا سَكْرَى. فَقَالَ لَهَا عَالِي: "حَتَّى مَتَى تَسْكَرِينَ؟ انْزِعِي خَمْرَكِ عَنْكِ". فَأَجَابَتْ حَنَّةُ وَقَالَتْ: "لَا يَا سَيِّدِي. إِنِّي امْرَأَةٌ حَزِينَةُ الرُّوحِ وَلَمْ أَشْرَبْ خَمْرًا وَلَا مُسْكِرًا، بَلْ أَسْكُبُ نَفْسِي أَمَامَ الرَّبِّ. لَا تَحْسِبْ أَمَتَكَ ابْنَةَ بَلِيَّعَالَ، لِأَنِّي مِنْ كَثْرَةِ كُرْبَتِي وَغَيْظِي قَدْ تَكَلَّمْتُ إِلَى الْآنَ". فَأجَابَ عَالِي وَقَالَ: "اذْهَبِي بِسَلَامٍ، وَإِلَهُ إِسْرَائِيلَ يُعْطِيكِ سُؤْلَكِ الَّذِي سَأَلْتِهِ مِنْ لَدُنْهُ".
وَنَالَتِ اسْتِجَابَةً لِصَلَاتِهَا. وَهِيَ صَلَاةٌ لَمْ تُعْلِنْهَا بِصَوْتٍ مَسْمُوعٍ. إِنَّهَا صَلَاةٌ رَفَعَتْهَا بِصَمْتٍ. حَرَّكَتْ شَفَتَيْهَا أَثْنَاءَ الصَلَاةِ لَكِنَّهَا كَانَتْ تُخَاطِبُ اللَّهَ الْقَادِرَ أَنْ يَسْمَعَ صُرَاخَ نَفْسِهَا مِنْ قَلْبِهَا.
اللَيْلَةَ الْمَاضِيَةَ تَحَدَّثْتُ مَعَ امْرَأَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ مِنْ خَادِمٍ، قَالَتْ: "خِدْمَةُ زَوْجِي هِيَ خِدْمَةُ الْكَلِمَةِ لَكِنَّ خِدْمَتِي هِيَ خِدْمَةُ الصَلَاةِ". وَقَالَتْ إِنَّهَا تُمْضِي أَيَّامَهَا فِي الصَلَاةِ، وَإِنَّهَا تَجِدُ نَفْسَهَا تَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ عَالٍ حَتَّى بَيْنَمَا تَجُولُ فِي مَمَرَّاتِ السُوبَرِ مَارْكِتْ. وَهِيَ تَسْتَمِرُّ فِي رَفْعِ صَلَوَاتٍ لِلَّهِ وَهِيَ تُصَلِّي مِنْ أَجْلِ شَعْبِ الْكَنِيسَةِ. أَحْيَانًا يَنْظُرُ إِلَيْهَا النَاسُ وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا مَجْنُونَةٌ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مَجْنُونَةً. لَقَدْ اكْتَشَفَتْ قُوَّةَ الصَلَاةِ.
يَجِبُ أَنْ أُكْرِّسَ وَقْتًا الْآنَ لِأُظْهِرَ التَبَايُنَ بَيْنَ صَلَاةِ حَنَّةَ وَنَتِيجَتِهَا. وَالْمَرَّةُ الْأُولَى الَتِي أَذْكُرُ أَنِّي رَفَعْتُ فِيهَا صَلَاةً حَارَّةً فِي حَيَاتِي، وَصَلَّيْتُ بِنَفْسٍ حَزِينَةٍ وَمَهْمُومَةٍ، هَذِهِ الصَلَوَاتُ الَتِي صَلَّيْتُهَا فِي هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لَمْ تَكُنْ صَلَوَاتِ مُؤْمِنٍ. هَذِهِ الصَلَاةُ الَتِي أَقْدِرُ أَنْ أَتَذَكَّرَهَا صَلَّيْتُهَا فِي كَنِيسَةٍ، جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيَّ، بِحَرَارَةٍ شَدِيدَةٍ حِينَ لَمْ أَكُنْ مُؤْمِنًا بِالْمَسِيحِ. كَانَ ذَلِكَ بِمُنَاسَبَةِ وِلَادَةِ الطِفْلِ الْبِكْرِ لِأُخْتِي.
أَنَا كُنْتُ فِي الْمَدْرَسَةِ الثَانَوِيَّةِ وَقَصَدَتْ أُخْتِي الْمُسْتَشْفَى لِتُنْجِبَ طِفْلَهَا، وَتَمَّ اسْتِدْعَاؤُنَا إِلَى الْمُسْتَشْفَى فِي وَقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِنَ اللَيْلِ لِأَنَّهَا بَعْدَ أَنْ أَنْجَبَتْ طِفْلَهَا، بَدَأَتْ تَنْزِفُ. وَلَمْ يَتَمَكَّنِ الْأَطِبَّاءُ مِنْ إِيقَافِ النَزِيفِ. فَكَانَتْ حَيَاتُهَا فِي خَطَرٍ شَدِيدٍ. وَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى الْمُسْتَشْفَى، لَمْ يُسْمَحْ لِي بِالصُعُودِ إِلَى غُرْفَتِهَا. كَانَ الْوَضْعُ طَارِئًا جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَحْ لِأَيٍّ مِنْ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ بِرُؤْيَتِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَأَذْكُرُ أَنِّي كُنْتُ فِي رَدْهَةِ ذَلِكَ الْمُسْتَشْفَى، وَكَانَتِ السَاعَةُ الثَانِيَةَ فَجْرًا. لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ زُوَّارٌ فِي الْمَكَانِ وَكَانَ الْجَوُّ مُظْلِمًا وَهَادِئًا تَمَامًا. كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهَا فِي الطَابِقِ السَادِسِ، وَكُنْتُ أَعْرِفُ جَيِّدًا أَنَّ مَشْرَحَةَ الْمُسْتَشْفَى مَوْجُودَةٌ فِي الطَابِقِ السُفْلِيِّ. فَذَهَبْتُ إِلَى الْكَنِيسَةِ وَصَلّيْتُ أَنْ تَعِيشَ أُخْتِي. وَبَعْدَ أَنِ انْتَهَيْتُ مِنَ الصَلَاةِ، وَقَفْتُ أَمَامَ ذَلِكَ الْمَصْعَدِ، وَرُحْتُ أُرَاقِبُ الْأَرْقَامَ وَهِيَ تَتَغَيَّرُ بِحَسَبِ الطَوَابِقِ الْمُخْتَلِفَةِ. ثُمَّ رَأَيْتُ أَبْوَابَ الْمَصْعَدِ تُفْتَحُ عَلَى مُسْتَوَى الرَدْهَةِ وَرَأَيْتُ جُثَّةً مُغَطَّاةً بِمُلَائَةٍ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْأَبْوَابَ تُغْلَقُ وَتَمَّ النُزُولُ إِلَى الْمَشْرَحَةِ، فَارْتَعَبَ قَلْبِي، وَرُحْتُ أُرَاقِبُ مَا يَجْرِي. فَرَأَيْتُ الْمَصْعَدَ يَتَوَقَّفُ عِنْدَ الطَابِقِ السَادِسِ، ثُمَّ رَأَيْتُ السَهْمَ يَتَّجِهُ نُزُولًا مُتَجَاوِزًا الرَدْهَةَ وُصُولًا إِلَى الطَابِقِ السُفْلِيِّ. فَخُفْتُ مُجَدَّدًا أَنْ يَكُونَ جُثْمَانُ أُخْتِي فِي الدَاخِلِ. فَرَجَعْتُ إِلَى الْكَنِيسَةِ وَبَكَيْتُ. كُنْتُ هُنَاكَ وَحْدِي، فَجَثَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَرُحْتُ أَتَوَسَّلُ إِلَى اللَّهِ قَائِلًا: "يَا رَبُّ أَرْجُوكَ، لَا تَأْخُذْ حَيَاةَ أُخْتِي". ثُمَّ تَمَكّنَ الْأَطِبَّاءُ مِنْ إِيقَافِ النَزِيفِ، فَنَجَتْ.
لَا أَذْكُرُ أَنِّي رَجَعْتُ وَجَثَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ قَائِلًا: "شُكْرًا". إِنْ كَانَ هُنَاكَ وُجُودٌ لِمَا يُعْرَفُ بِدِيَانَةِ الْمَأْزِقِ أَوْ الصَلَاةِ وَسَطَ الْأَزْمَةِ فَهَذَا مَا اخْتَبَرْتُهُ. وَقَدْ بَيَّنَ الْأَمْرُ فِعْلًا أَنِّي كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ، حَتَّى قَبْلَ أَنْ أُسَلِّمَ حَيَاتِي لِلْمَسِيحِ أَوْ أَنْ أُصْبِحَ مُؤْمِنًا. وَلَمْ تَكُنِ الصَلَاةُ جُزْءًا مِنْ حَيَاتِي، لَكِنْ حِينَ وَاجَهْتُ مَسْأَلَةَ حَيَاةٍ وَمَوْتٍ رَجَعْتُ إِلَى أَمْرٍ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ طَبِيعِيًّا وَعَادِيًّا وَمُمَارَسَةً يَوْمِيَّةً فِي حَيَاتِي.
وَالصَلَاةُ التَالِيَةُ الَتِي أَذْكُرُ أَنِّي صَلَّيْتُهَا جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيَّ كَانَتْ بَعْدَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، حِينَ صَلّيْتُ بِالْقُرْبِ مِنْ سَرِيرِي طَالِبًا مِنَ اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَايَ فِي اللَيْلَةِ الَتِي نِلْتُ فِيهَا الْخَلَاصَ. أَذْكُرُ أَنِّي مُنْذُ بِدَايَةِ حَيَاتِي الْمَسِيحِيَّةِ كُنْتُ أُحِبُّ الْأَوْقَاتِ الَتِي أُمْضِيهَا فِي شَرِكَةٍ شَخْصِيَّةٍ مَعَ اللَّهِ. كَانَتْ تُوجَدُ عَلَاقَةٌ حَمِيمَةٌ فِي الْأَمْرِ، وَكَانَتْ لِي اخْتِبَارَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي حَيَاتِي عَنْ تَمْضِيَةِ ثَمَانِي سَاعَاتٍ مُتَتَالِيَةٍ فِي الصَلَاةِ. لَا تُسِيئُوا فَهْمِي، أَنَا لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ. لَكِنْ كَانَتْ لِي اخْتِبَارَاتٌ كَثِيرَةٌ مُمَاثِلَةٌ، وَلَا مَثِيلَ لِلْأَمْرِ.
لَكِنِّي تَعَلَّمْتُ مَفْهُومَ الصَلَاةِ الطَوِيلَةِ وَالْحَارَّةِ هَذَا حِينَ كُنْتُ أُسْتَاذًا فِي الْكُلِّيَّةِ فِي السَنَةِ الْأُولَى مِنْ مَسِيرَةِ التَدْرِيسِ. عَلَّمْتُ فِي الْكُلِّيَّةِ نَفْسِهَا الَتِي كُنْتُ قَدْ تَخَرَّجْتُ مِنْهَا، وَهِيَ كَانَتْ تَقَعُ فِي بَلْدَةٍ صَغِيرَةٍ. وَكَانَتْ كُلِّيَّةً مَشْيَخِيَّةً قَدِيمَةً. وَكَانَ جُزْءٌ مِنْ الْمَدِينَةِ يَتَضَمَّنُ مَسَاكِنَ لِلْمُرْسَلِينَ الْمُتَقَاعِدِينَ، وَكَانَ يُوجَدُ رَجُلٌ فِي آخِرِ الثَمَانِينِيَّاتِ مِنَ الْعُمْرِ، كَانَ مُرْسَلًا طِبِّيًا مُتَقَاعِدًا وَهُوَ يُدْعَى الدُكْتُورَ جَامِيسُونْ. وَكَانَ الدُكْتُورُ جَامِيسُونْ يُعْتَبَرُ لَدَى جِيلِنَا الْأَصْغَرِ قَدِّيسًا مَسِيحِيًّا حَقِيقِيًّا صَادِقًا. وَهُوَ كَانَ قَدْ مَارَسَ الطِبَّ فِي حَقْلِ الْإِرْسَالِيَّةِ طَوَالَ عُقُودٍ، لَكِنَّهُ بَلَغَ الْآنَ مَرْحَلَةً مِنْ حَيَاتِهِ حَيْثُ أَصْبَحَ يُعَانِي مِنْ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ، وَقَدْ كَانَ وَاهِنًا. لَمْ يَعُدْ بِإِمْكَانِهِ مُمَارَسَةُ الطِبِّ. وَلَمْ يَكُنْ أَبَدًا ضِمْنَ مُخَطَّطِهِ أَوْ فِي نِيَّتِهِ أَنْ يَتَقَاعَدَ، لَكِنْ لَمْ يَعُدْ بِإِمْكَانِهِ الْعَمَلُ. إِذًا، مَا فَعَلَهُ فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ مِنْ حَيَاتِهِ هُوَ أَنَّهُ كَرَّسَ نَفْسَهُ لِدَعْوَةٍ جَدِيدَةٍ. وَكَانَتْ مِهْنَتُهُ الثَانِيَةُ هِيَ مِهْنَةُ الْمُتَشَفِّعِ بِالصَلَاةِ. قَالَ: "لَا يَزَالُ بِإِمْكَانِي الْعَمَلُ ثَمَانِي سَاعَاتٍ فِي الْيَوْمِ". وَمَا كَانَ الدُكْتُورُ جَامِيسُونْ يَفْعَلُهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، ثَمَانِيَ سَاعَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، هُوَ الْجَثْوُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ. إِنَّهُ يُشَكِّلُ مَا نُسَمِّيهِ مُحَارِبًا فِي الصَلَاةِ.
وَالْآنَ دَعُوْنِي أَقُولُ لَكُمْ أَمْرًا. حِينَ كَانَتْ لَدَيْنَا مَخَاوِفُ حِينَ كُنْتُ أُقِيمُ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَأَرَدْنَا أَنْ يُصَلِّيَ النَاسُ لِأَجْلِنَا، بِرَأْيِكُمْ مَنِ الَذِي أَرَدْتُ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ لِأَجْلِيَ؟ أَصَبْتُمْ! كُنْتُ أَتَوَجَّهُ مُبَاشَرَةً إِلَى مَنْزِلِ الدُكْتُورِ جَامِيسُونْ وَأَقْرَعُ الْبَابَ وَأَقُولُ: "أَيُّهَا الدُكْتُورُ جَامِيسُونْ، هَلّا تُصَلِّي لِأَجْلِي؟" "نَعَمْ بِالطَبْعِ". وَعَلِمْتُ حِينَ قَالَ إِنَّهُ سَيُصَلِّي لِأَجْلِي أَنَّهُ سَيَفِي بِوَعْدِهِ.
أُفَكِّرُ فِي يَعْقُوبَ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، كَاتِبِ رِسَالَةِ يَعْقُوبَ الَذِي، وَبِحَسْبِ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ الْأُولَى وَأَفْضَلِ الْمَصَادِرِ الَتِي وَصَلَتْنَا مِنَ الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ، كَانَ فِي الْوَاقِعِ أَخَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. وَكَانَ يُعْرَفُ فِي الْكَنِيسَةِ الْأُولَى بِاسْمَيْنِ أَوْ لَقَبَيْنِ. وَقَدْ كَانَ أَحَدُ أَلْقَابِهِ يَعْقُوبَ هُوَ الْبَارُّ، لِأَنَّهُ اُشْتُهِرَ بِبُلُوغِهِ مُسْتَوًى فَائِقًا لِلطَبِيعَةِ مِنَ الْبِرِّ. وَهَذَا الرَجُلُ لَمْ يُؤْمِنْ بِأَخِيهِ إِلَّا بَعْدَ قِيَامَةِ هَذَا الْأَخِيرِ مِنَ الْمَوْتِ. وَتَحَوَّلَ مِنْ مُشَكِّكٍ إِلَى مُؤْمِنٍ، وَحَمَلَ لَقَبَ "يَعْقُوبَ الْبَارِّ". لَكِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّ لَقَبَهُ الْآخَرَ كَانَ أَكْثَرَ وُضُوحًا. لَقَبُهُ الْآخَرُ بِحَسْبِ الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ كَانَ "صَاحِبَ رُكْبَتَيْ الْجَمَلِ الْعَجُوزِ". صَاحِبَ رُكْبَتَيْ الْجَمَلِ الْعَجُوزِ.
مُؤَخَّرًا، أَمْضَيْتُ بَعْضَ الْوَقْتِ مَعَ أَحْفَادِي فِي فِيرْجِينْيَا. كُنَّا جَالِسِينَ حَوْلَ طَاوِلَةٍ وَكَانَ الْأَحْفَادُ يَلْعَبُونَ، وَنَظَرُوا إِلَيَّ وَكَانُوا يُنَادُونَنِي "جَدِّي". قَالُوا "جَدِّي، لِمَاذَا يَبْدُو وَجْهُكَ كَالْجِلْدِ؟" هَذَا مَا خَرَجَ مِنْ أَفْوَاهِ الْأَطْفَالِ. مُعْظَمُ الْأَشْخَاصِ لَا يَأْتُونَ إِلَيَّ قَائِلِينَ: "لِمَاذَا يَبْدُو وَجْهُكَ كَالْجِلْدِ؟" لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ فِي الْأَمْرِ، إِنْ كَانَ هَذَا مَا وَجَدَهُ أَحْفَادِي. فَقُلْتُ: "لَسْتُ أَدْرِي، رُبَّمَا لِأَنِّي مُنْهَكٌ قَلِيلًا. تَذَكَّرُوا أَنَّ فَمِي يَبْلُغُ الْخَامِسَةَ وَالتِسْعِينَ مِنْ حَيْثُ التَحَدُّثُ كَثِيرًا". إِذًا، أَنَا أَظُنُّ أَنَّ لَوْنَ بَشَرَتِي قَدْ شَحَبَ عَلَى مَرِّ السِنِينَ. لَمْ يَتَّهِمْنِي أَحَدٌ أَبَدًا بِأَنَّ لَدَيَّ رُكْبَتَيْنِ مِنْ جِلْدٍ، لَكِنَّ عِبَارَةَ "صَاحِبِ رُكْبَتَيْ الْجَمَلِ الْعَجُوزِ" تَمَّ نَسْبُهَا إِلَى يَعْقُوبَ، أَخِي يَسُوعَ، لأَنْ كَانَ لَدَيْهِ نَسِيجٌ عَلَى رُكْبَتَيْهِ جَرَّاءَ تَمْضِيَتِهِ وَقْتًا طَوِيلًا فِي الصَلَاةِ. لَيْسَ الْكُلُّ مَدْعُوًّا لِخِدْمَةِ الصَلَاةِ كَمَا الدُكْتُورِ جَامِيسُونْ، وَلَا يُصَلِّي الْكُلُّ بِحَرَارَةٍ وَمُثَابَرَةٍ كَمَا حَنَّةَ، لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا قَادِرٌ أَنْ يَنْمُوَ فِي مَسِيرَةِ صَلَاتِهِ.
أَحَدُ الْأُمُورِ الَتِي أَجِدُهَا مُحْزِنَةً قَلِيلًا هُوَ أَنَّنَا نَمِيلُ إِلَى اعْتِبَارِ الصَلَاةِ وَاجِبًا مُقَدَّسًا، مُجَرَّدَ وَاجِبٍ. أَسْرَعُ طَرِيقَةٍ أَعْرَفُهَا لِجَعْلِ النَاسِ يَمْقُتُونَ أَمْرًا مَا تَقْضِي بِعَرْضِهِ أَمَامَهُمْ كَفَرِيضَةٍ. عِنْدَئِذٍ، يُصْبِحُ الْأَمْرُ عِبْئًا، وَبِإِمْكَانِنَا جَعْلُ النَاسِ يَشْعُرُونَ بِالذَنْبِ. لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ، الصَلَاةُ هِيَ وَاجِبٌ وَلَا يُمْكِنُنِي الْإِنْكَارُ أَنَّهَا وَاجِبٌ. لَقَدْ دَعَانَا الْمَسِيحُ وَالرُسُلُ وَأَمَرُونَا بِالْمُثَابَرَةِ عَلَى الصَلَاةِ. هَذَا الْأَمْرُ مَوْضُوعٌ أَمَامَنَا، لَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ وَاجِبُنَا. إِذًا، لَنْ أُمْضِيَ الْوَقْتَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ وَاجِبِ الصَلَاةِ لَدَيْنَا.
مَا أُرِيدُ أَنْ نَرَاهُ هُوَ الْفُرْصَةُ الْمَوْضُوعَةُ أَمَامَنَا. كَمْ جَمِيلٌ لِحَيَاتِنَا أَنْ تَتَسَنَّى لَنَا فُرْصَةُ الْمُثُولِ أَمَامَ مَحْضَرِ اللَّهِ نَفْسِهِ وَالتَكَلُّمِ مَعَهُ، فَنَتَمَكَّنُ مِنَ التَكَلُّمِ مَعَهُ مِنْ أَعْمَقِ مَخَاوِفِنَا وَقُلُوبِنَا. وَلَا يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَعْتَبِرَ أَنْفُسَنَا فَاشِلِينَ لِمُجَرَّدِ أَنَّنَا لَمْ نَنْجَحْ فِي الْمُثَابَرَةِ عَلَى الصَلَاةِ. وَأَظُنُّ أَنَّ السَبَبَ الْأَسَاسِيَّ لِعَدَمِ حُدُوثِ ذَلِكَ فِي حَالَاتٍ عِدَّةٍ، لَيْسَ عَدَمَ تَوْقِنَا إِلَى الشَرِكَةِ مَعَ اللَّهِ أَوْ الِاقْتِرَابِ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ افْتِقَارَنَا إِلَى الْوَقْتِ الْكَافِي. لَيْسَتْ هَذِهِ مُشْكِلَتَنَا. لَيْسَ لِأَنَّنَا نَفْتَقِرُ إِلَى الِانْضِبَاطِ. جَمِيعُ تِلْكَ الْأُمُورِ قَدْ تَكُونُ صَحِيحَةً لَكِنَّهَا لَيْسَتِ الْأَسْبَابَ الرَئِيسِيَّةَ لِقُصُورِنَا عَمَّا يُمْكِنُ لَنَا أَنْ نُنْجِزَهُ أَوْ أَنْ نَنْعَمَ بِهِ فِي الصَلَاةِ.
أَظُنُّ أَنَّ السَبَبَ الرَئِيسِيَّ هُوَ أَنَّنَا لَا نَعْرِفُ الطَرِيقَةَ. نَحْنُ لَا نَعْرِفُ كَيْفَ نُصَلِّي. هَذَا لَا يُفَاجِئُنِي، فَمَا سَنَرَاهُ لَاحِقًا حِينَ نَتَأَمَّلُ فِي الصَلَاةِ الرَبَّانِيَّةِ هُوَ أَنَّ الْأَمْرَ الْوَحِيدَ الَذِي طَلَبَهُ تَلَامِيذُ يَسُوعَ مِنْ مُعَلّمِهِمْ كَمَادَّةٍ إِضَافِيَّةٍ وَكَوَاجِبٍ مَنْزِلِيٍّ إِضَافِيٍّ، أَعْنِي أَنَّهُ لَا يُوجَدُ تَلَامِيذُ كَثِيرُونَ يَقْصِدُونَ أُسْتَاذَهُمْ قَائِلِينَ: "شُكْرًا عَلَى كُلِّ مَا عَلَّمْتَنِي إِيَّاهُ حَتَّى الْآنَ، لَكِنْ مَا رَأْيُكَ فِي أَنْ تُعَلِّمَنِي أَكْثَرَ؟" مَا هِيَ الْمَرَّةُ الْوَحِيدَةُ الَتِي نَرَاهُمْ فِيهَا يَأْتُونَ إِلَى يَسُوعَ طَلَبًا لِدِرَاسَةٍ عُلْيَا؟ "يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ". أَنَا مُقْتَنِعٌ بِوُجُودِ سَبَبَيْنِ لِطَلَبِهِمْ هَذَا الْأَمْرَ. السَبَبُ الْأَوَّلُ هُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الطَرِيقَةَ. وَالسَبَبُ الثَانِي هُوَ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ يَسُوعَ يَعْرِفُ الطَرِيقَةَ. لَقَدْ رَاقَبُوهُ. رَأَوْهُ يَنْصَرِفُ بِمُفْرَدِهِ مِنْ دُونِ أَنْ يَقُومَ بِعَرْضٍ مُتَبَاهٍ بِتَقْوَاهُ.
لَاحَظُوا أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ الْفَرِيسِيِّينَ الَذِينَ يَتَبَاهَوْنَ بِقِيَمِهِمِ الرُوحِيَّةِ أَمَامَ الْجَمِيعِ مُصَلّينَ فِي كُلِّ فُرْصَةٍ، مُتَبَاهِينَ بِتَقْوَاهُمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَاوِلُونَ أَنْ يَكْسَبُوا اسْتِحْسَانَ النَاسِ. لَمْ يَفْعَلْ يَسُوعُ الْأَمْرَ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ. كَانَ يَخْتَلِي بِنَفْسِهِ بِهُدُوءٍ وَحَمِيمِيَّةٍ، وَيَسْكُبُ نَفْسَهُ أَمَامَ الْآبِ. فِي الْوَاقِعِ، حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ، تَذْكُرُونَ مَاذَا يَقُولُ لَنَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ فِي إِنْجِيلِ لُوقَا؟ قَضَى اللَيْلَةَ كُلَّهَا فِي الصَلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَهُمْ. مَتَى كَانَتْ آخِرَ مَرَّةٍ قَضَيْتَ فِيهَا اللَيْلَ كُلَّهُ فِي الصَلَاةِ قَبْلَ أَنْ تَتَّخِذَ قَرَارًا مُهِمًّا فِي حَيَاتِكَ؟ نَحْنُ لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ. لَكِنَّ التَلَامِيذَ قَالُوا "يُوجَدُ ارْتِبَاطٌ هُنَا بَيْنَ قُوَّةِ يَسُوعَ الرُوحِيَّةِ وَطَرِيقَةِ ارْتِبَاطِهِ بِالْآبِ فِي الصَلَاةِ". فَقَالُوا لَهُ "رَجَاءً عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ". هَذَا مَا أَرْجُو أَنْ نَتَمَكَّنَ مِنْ تَحْقِيقِهِ إِلَى حَدٍّ مَا فِي هَذِهِ السِلْسِلَةِ.