المحاضرة 5: المعركة مع الشيطان
عندما قال مارتن لوثر إن الأعداء الثلاثة للحياة المسيحية هم العالم والجسد والشيطان، لم يُدرج الأخير، أي الشيطان، كمجرد تعبير تجريدي لاهوتي أو كعقيدة، لكن كان لوثر يتمتع بوعي شخصي شديد وعميق على حقيقة إبليس. لكن يجب أن تدرك أنه حين كان الناس يهتمون بعيش الحياة المسيحية في القرن السادس عشر، كانت لديهم نظرة للواقع مختلفة قليلًا عن النظرة الشائعة اليوم. كان لوثر واعيًا تمامًا على وجود الشيطان لدرجة أنه تكلم دائمًا عن الـ"أنفكتونغ"، أي "الاعتداء الجامح" الذي شنّه ضده العدو، رئيس مملكة الظلمة، في حياته الشخصية. وكان لوثر يجد حضور الشيطان ملموسًا جدًا أحيانًا، لدرجة أنه ذات مرة حمل محبرة موضوعة على مكتبه بينما كان يكتب، ورماها بالاتجاه الذي ظنّ الشيطان واقفًا فيه، وما لقيه نتيجة ذلك هو حائط ملطخ كليًا بالحبر. كانت لديه وسائل أخرى أقلّ جاذبية للتخلص من الشيطان، وسأذكر هذه بين هلالين. لكن كان الكلّ تقريبًا منشغلًا انشغالًا كاملًا في القرن السادس عشر بحقيقة الشيطان. لكن الأوقات تغيرت، والناس بمعظمهم لا يعيشون في هذا النوع من الإطار في أيامنا.
منذ بضع سنوات، كنت أعلّم مادة الفلسفة هنا في الولايات المتحدة في جامعة علمانية، وكان يوجد ثلاثون تلميذًا في صفّي، وتمت إثارة مسألة الشيطان أو إبليس بطريقة ما، ونشأ حديث حيّ وجدال بين التلاميذ. وأخيرًا قررت القيام باستطلاع رأي لاكتشاف موقف كل واحد، وقلت "من منكم يؤمن بأن الشيطان موجود فعلًا؟" ورفع ثلاثة أيديهم من بين ثلاثين، أي 10 في المئة. لما طرحت السؤال، تسعون في المئة من تلاميذي في صف الفلسفة المعاصر لم يؤمنوا بوجود الشيطان فعليًا. فتابعنا الحديث وطرحت السؤال التالي، قلت "من منكم يؤمن بالله؟" لم أعلم ماذا يجب أن أتوقع من ذلك السؤال، لكن في ذلك الصف بالذات، رفع الكل يده، أي أنهم لم يتشاركوا جميعًا بالضرورة النظرة نفسها تجاه لله، لكنهم كانوا يؤمنون جميعًا بوجود كائن أسمى – الكلّ في ذلك الصف.
وقلت "هذا يحيّرني! لماذا يوافق الكلّ من دون استثناء على فكرة وجود الله فيما لا يوافق إلا عشرة في المئة على وجود الشيطان؟" وقلت "أخبروني، سأطرح عليكم هذا السؤال: من منكم يؤمن بالله إن عرّفت عنه بهذه الطريقة: الله كائن فائق للطبيعة يملك القدرة أو الإمكانية على أن يحثّ البشر على فعل الخير؟" فوافق الكلّ على ذلك. ثم قلت "ماذا لو عرّفتُ عن الشيطان على أنه كائن فائق للطبيعة يملك القدرة على حث البشر على فعل الشر؟" ما الذي يجعلكم مستعدين للتأكيد على وجود كائن فائق للطبيعة يستطيع أن يحثنا على فعل الخير، ونسارع إلى إنكار وجود كائن فائق للطبيعة قادر أن يحثنا على فعل الشر؟ ألأننا في اختبارنا، نعيش في مجتمع أو في عالم يسود فيه الخير على الشر بشكل ساحق؟ توجد أدلة على التأثيرات الفائقة للطبيعة الباعثة إلى الخير، من التأثيرات الفائقة للطبيعة الباعثة إلى الشر، بحيث أننا لا نعطي أيّ مصداقية للتأثير الشرير.
وقالوا "لا، لا، لا ليس هذا السبب"، فقلت "لماذا تؤكدون على الأول وتنكرون الآخر؟" فردّ أحد التلاميذ قائلًا "لا يمكنك الانخراط في العالم المتطور للعلم المعاصر، وأن تظل تؤمن بأشياء مثل الشياطين". فقلت "إذًا، الثورة العلمية هي التي وضعت حدًا لإيمان الحضارة الغربية بوجود الشيطان"، فقال "أجل"، فقلت "ساعدني الآن، فأنا لست ضليعًا في العلوم الطبيعية، أنا متخصص في الفلسفة، عليك أن تتحمل جهلي هنا. أخبرني، ما هو الأمر في المختبرات أو في النظرية العلمية الذي جعل فجأة من الدفاع عن وجود الشيطان أمرًا متعذرًا، أهو قانون الديناميكيا الحرارية الثاني أم اكتشاف الشفرة الوراثية الذي أبعد الشيطان فجأة عن المصداقية العلمية؟"
وانتظرت طويلًا لكي يجد التلاميذ برهانًا أو اكتشافًا ناتجًا عن العالم العلمي يعتّم على مفهوم الشيطان، ولم يستطع أحد أن يجد شيئًا، إلى أن قال أحد التلاميذ أخيرًا "لكن ألا ترى أننا في أدبنا نضع الشيطان في الخانة نفسها مع الساحرات والعفاريت والجان؟" فقلت "أتعلم؟ لاحظت هذا أيضًا في ثقافتنا، وهو أننا نضع تلك الأمور كلها في الفئة نفسها". ثم قلت لنفسي "ما السبب يا ترى؟" بالتأكيد، لدينا سبب منطقي لنكون مشكّكين في ما يتعلق بالعفاريت، وسبب منطقي لنكون مشككين في ما يتعلق بالساحرات، لكن الشيطان أمر مختلف تمامًا. لماذا؟ لأننا متى ناقشنا مسألة وجود أمر أو آخر، يجب أن نفكّر في مصدر التأكيد على هذه الحقائق، أهو تصوّر أحدهم ومخيّلته أو غير ذلك؟
لا يمكنني التغاضي عن كون الكتاب المقدس يشدد على وجود الشيطان، وأنه كمصدر أُخضع لتحليل علمي نقدي أكثر من أي مصدر مكتوب على الأرض. ربما لستم مقتنعين بأنه مصدر موثوق جدًا، أنا مقتنع جدًا بأنه مصدر موثوق جدًا. وعندما يقول لي الشيطان، عذرًا، عندما يقول لي الكتاب المقدس إن الشيطان موجود، فإني أصدّق ذلك أكثر مما أصدّق شهادة شيرلي ماكلاين الشخصية عن التقمص. سيؤمن المليارات من الناس في الأمر لمجرد أنها قالته، أو "برايدي مورفي" أو ما شابه. إذًا، علينا إعادة النظر في المصدر.
أحد الأسباب التي تجعلني أقتنع بأن فكرة الشيطان برمتها لم تعد تلقى ثقة، هو سوء فهم عميق لتاريخ القرون الوسطى. في العصور الوسطى، كانت الكنيسة تؤمن بوجود الشيطان، وكانت الكنيسة مهتمة جدًا بإيجاد طرق لمقاومة تأثير الشيطان. دعوني أدعم كلامي قليلًا، هل تدركون كم مرة تكلّم يسوع عن وجود الشيطان، وكيف يصلي يسوع بلجاجة لأجل حماية شعبه من الشيطان؟ من منكم يعرف الصلاة الربّانية؟ هيا، أنتم تعرفون الصلاة الربّانية، الصلاة الأكثر شهرة على الإطلاق: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي". إِنَّمَا، خَيْرٌ، وَرَحْمَةٌ، إنهن الفتيات الثلاث في العهد القديم، لا "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الْأَرْضِ"، إلخ. ويتابع الصلاة الربانية قائلًا فيها "وَلَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ" – هذه هي الترجمة الحديثة "نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ".
في العهد الجديد، الكلمة المُستعمَلة عادةً للإشارة إلى الشر، هي "بونيرون". وهذان السطران الأخيران يشيران إلى أمر ما – أتذكرون حين درستم اللغة أنه كان عليكم دراسة أواخر الكلمات المختلفة لصيغة النصب والرفع والجر والمضاف، وجميع تلك الأشياء التي تثير جنونكم في محاولة لضبط أواخر الكلمات بالشكل الصحيح؟ لا توجد أواخر كلمات للإشارة إلى الحالات فحسب، لكن توجد أيضًا أواخر كلمات تشير إلى الجنس، سواء كان في صيغة المذكر أو المؤنث أو المحيَّر. أتذكرون جميع تلك التمارين التي كان عليكم القيام بها؟ حسنًا، كلمة "بونيرون" محيّرة، وهي الكلمة الطبيعية المستعملة للإشارة إلى الشر. إن تحوّل آخر الكلمة المحيَّر إلى الضمير المتكلم المفرد المذكّر "أوس"، فإنه يصبح ما نسميه "تيرمينوس تكنيكوس"، أي مصطلح تقني يشكّل لقبًا لشخص محدّد. كلمة "بونيروس" في العهد الجديد هي لقب مخصّص للشيطان – "هو بونيروس" تعني حرفيًا "الشرير".
أيها الأحباء، الصلاة الربّانية، كما وردت في العهد الجديد، لم ترد فيها كلمة "بونيرون" بل "بونيروس". ما كان يسوع يقوله لتلاميذه هو الآتي: "متى صليتم، صلوا بهذه الطريقة "لَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ العدو، من الشرير. يا رب، احمنا من مكايد الشيطان وتأثيراته". إن كنت مسيحيًا، فيجب أن يبين ذلك أنك تؤمن بتعاليم المسيح وتصدّقها. أن تكون مسيحيًا يعني أن تتبع المسيح وتعاليمه. وما أحاول قوله لكم هو أنه في قلب تعليم يسوع يوجد اهتمام عميق بحقيقة الشيطان الصارمة. لكن على الرغم من مركزيّة تعليم يسوع عن حقيقة الشيطان، في يومنا وعصرنا توجد معارضة مستمرة للأمر.
لكن أكرر، حين أناقش الأمر مع الناس فإنهم يقولون "يا آر سي، نحن نعترف ربما بوجود قوة شريرة في العالم، لكن عندما تبدأ بالكلام عنها بصيغة شخصية، كما لو أنها فرد ما، هذا ما يجعلنا نختنق حتى الموت، لكننا نؤمن بوجود قوة خبيثة تعمل في الكون". هل سمعتم بذلك؟ بأن فكرة الشيطان إن كان يجب أن تكون موثوقة وأكثر تطورًا بالنسبة إلى الإنسان العصري يجب فهمها على أنها قوة شريرة، بدلًا من أنها كائن شرير؟ نحن نقوم بهذا التغيير لجعل الأمر أكثر قبولًا لتقدّمنا الفكري في القرن العشرين. إن حلّلنا ذلك، أظن أننا سنرى أن ما فعلناه هو تبديل مفهوم سليم فكريًا بمفهوم غير سليم. فكّروا في الأمر لبعض الوقت. كيف يمكن أن توجد قوة شريرة من دون أن تكون تلك القوة شخصية؟ أيمكن اعتبار رياح أو إعصار بأنها لاأخلاقية، أيها الأحباء؟ هل تفهمون ما أقول؟ القوات المجردة لا تملك أي قدرة معنوية. إذًا، لا يجوز الكلام عن قوة شريرة ما لم نتكلم عن قوة منبثقة من كائن فردي يملك ذهنًا وإرادة وضميرًا، لأننا لا نقول إن الأزهار ترتكب الخطايا، لا يمكنها ارتكاب الخطايا لأنها لا تملك المؤهّلات الطبيعية اللازمة لارتكاب الخطايا. هل تفهمون ما أقول؟
نعود إلى العصور الوسطى. لماذا نلقى هذه المقاومة في هذا اليوم والعصر؟ في العصور الوسطى، كانت الكنيسة تؤمن بحقيقة وجود الشيطان، وكانت تبحث عن طرق لحماية نفسها من هجماته، فابتكرت وسائل مختلفة، لوثر ومحبرته وما إلى ذلك. لكنها فعلت الآتي: قالوا "ما نعرفه عن الشيطان هو أن الشيطان سقط بسبب الكبرياء". إذًا، في جميع الاحتمالات، أكبر نقطة ضعف لدى العدو هي كبرياؤه. ويقول الكتاب المقدس "قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ". إذًا، جمعت الكنيسة ذلك كله قائلة "أفضل طريقة لمقاومة الشيطان تقضي بالسخرية من الشيطان ومهاجمة كبريائه وإذلاله، ما يبعده بعيدًا، لأنه لا يتحمّل الإذلال". إذًا، ما فعلته الكنيسة هو أنها اخترعت تلك الرسومات الكاريكاتورية الفاضحة للشيطان، وجعلته يبدو كمهرج. فكانت تضع له قرونًا وحوافر مشقوقة وملابس تحتية حمراء ومذراة وما إلى ذلك، لكي يبدو مثل مفستوفيليس، وكانوا يعلّقون تلك الرسوم الكاريكاتورية على الحائط للسخرية من الشيطان. لكن ما حدث هو أن الجيل التالي شاهد تلك الرسوم وقال "لا تقولوا لي إن آبائي كانوا يؤمنون بهذا الكائن بالملابس الداخلية الحمراء، الذي كان يجول مع مذراة وحوافر مشقوقة وقرون. أي نوع من السذاجة هذا؟ بأي نوع من الأساطير كانوا يؤمنون؟"
بالطبع، قراءة الكتاب المقدس بشكل سطحي تبين لك أنه لم يتم أبدًا وصف الشيطان على أنه مهرج يرتدي ملابس حمراء. على العكس، كيف تم التعريف عنه للمرة الأولى في العهد القديم؟ "وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أحْيَلَ وأمكر جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ". يمكنني أن أضيف أولًا أن الشيطان، ومن وجهة نظر كتابية، هو مخلوق، لكنه مخلوق يملك مواهب فائقة للطبيعة. الموهبة الأولى المذكورة هي موهبة المكر أو الحيلة، التي استعملها ضد آدم وحواء. يقول العهد الجديد إن الشيطان يظهر كشبه ملاك نور، إنه يظهر كشبه ملاك نور. لدينا جملة في الفلسفة واللاهوت مفادها كالآتي "سابسبيسيز بونا"، ما يعني "شيء يظهر". "سابسبيسيز بونا" تعني أنه يظهر وكأنه بشير خير، لكنه خبيث في الحقيقة، ما يعني أن الكائن الأكثر مكرًا في الكون كلّه هو الشيطان. لا يأتي الشيطان وهو يبدو مثل "أويل كان هاري"، محاولًا الدخول في صفقة، لا، لا، إنه يتنكر ويظهر كشبه ملاك نور. يقضي مكره وذكاؤه بأن يكون متطورًا، وفصيحًا، ووسيمًا، ومضللًا. كل ما يقوله الكتاب المقدس عن ضد المسيح وارتباطه بالشيطان مهمّ.
دعوني أقول هذه الكلمة مجددًا "ضد المسيح". يوجد وجهان لاستعمال كلمة "أنتي" في العهد الجديد، ويوجد لعب على هذه الكلمة في عبارة "ضد المسيح". تعرفون طبعًا أحد أوجه استعمالها "أنتي" تعني "ضد"، شخص مناهض لشيء ما، أي أن ضد المسيح هو من يعادي المسيح ويقف ضده. لكن أيضًا كلمة "أنتي" تعني "بدلًا من" أو "عوضًا عن"، أي أن ضد المسيح يظهر كتابيًا كبديل للمسيح، إنه المزيّف الذي يحاول تقليد الأصلي. وجاء في تحذيرات الكتاب المقدس أن الشيطان وضد المسيح بارعان جدًا في ما يفعلانه، لدرجة أنهما يضللان المختارين إذا أمكن.
إذًا، أنا أوضح هذه الفكرة لكي تدركوا أن صورة الشيطان التي أراها في الكتاب المقدس مختلفة تمامًا عن طريقة تصويره في الثقافة الحديثة. وبالتالي، لا عجب في أنه لم يعد أحد يؤمن بوجود الشيطان، ومن كان ليؤمن برسوم كاريكاتورية غريبة مماثلة؟ لكن الشيطان في الكتاب المقدس هو ملاك النور، الذي لن يظهر على أنه هتلر أو موسوليني أو عيدي أمين أو ما شابه، لكن حين يأتي سيبدو بالأحرى مثل بيلي غراهام. أنا لا أقصد أبدًا أن أقول لكم إن بيلي غراهام متحالف مع الشيطان، لا تحرّفوا كلامي، لكني أعني أن الشخص الذي سيتمتع بهذا النوع من الموثوقية هو من سيخدعنا إنه ملاك نور.
إذًا، في الوقت نفسه، إنه يدعى "أَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ". إذًا، يبيّن لنا الكتاب المقدس أن الشيطان ليس حقيقيًا وذكيًا فحسب، بل إنه قوي، قوي جدًا لدرجة أن مصطلحات القوة نفسها التي تم نسبها إلى المسيح، تم نسبها إلى الشيطان أيضًا. يدعى المسيح "أسد يهوذا"، رمز الملكية، والشيطان يُدعى "الأسد الزائر" الذي يلتمس من يبتلعه. أعني أنه أقوى مني ومنك بكثير، بحيث أن مقاومته صعبة، كما ذكرت.
تذكروا بطرس، حين حذّره يسوع من دخول الشيطان إلى قلبه قائلًا "سوف تخونني". "لا، لن أفعل ذلك"، أجاب بطرس "لن أفعل ذلك أبدًا"، فقال يسوع "ستفعل ذلك في الساعات الأربع وعشرين المقبلة، وستفعل ذلك ثلاث مرات". "ليس أنا، فليقع الجميع في هذا النوع من التجربة يا يسوع لكنك تعلم أني سأتبعك حتى آخر الطريق. لا شيء سيحملني على فعل ذلك" هل تتكلمون بهذه الطريقة؟ ماذا قال يسوع؟ "سِمْعَانُ سِمْعَانُ هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ". الصياد العظيم، بطرس القوي والمندفع، القادر أن يقف في وجه أي كان، قال له يسوع "أنت سهل المنال بين يديه، سيغربلك كالحنطة". لا تستخف أبدًا بقوة الشيطان، فهو أقوى منك، وهو أذكى منك، وهو أكثر خداعًا منك. وعندما أراجع التحذيرات المتعلقة بالأمر في الكتاب المقدس، فهي كافية لتجعلك تريد أن تهرب لتنجو بحياتك.
اسمعوا ما يقوله بولس في مقطع في رسالة أفسس سمعتموه مرارًا عدة "الْبَسُوا سِلَاحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلَاطِينِ، مَعَ وُلَاةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ احْمِلُوا سِلَاحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا".
المسيحية فائقة للطبيعة تمامًا. أزِل الجانب الفائق للطبيعة من العهد الجديد، فتجرّد العهد الجديد من جوهره. في الواقع، أعتقد أن محاولة إعادة بناء المسيحية من دون الفائق للطبيعة هو أساسًا عمل مخادع. هنا، قال الرسول بطريقة تعليمية: "اسمعوا، أنتم في صراع، أنتم تحاولون إرضاء الله، تريدون عيش حياة تعكس القداسة، لكن هذه معركة، إنها معركة مع الجسد، إنها معركة مع العالم. لكن المعركة التي تخوضونها تتجاوز ذلك، صراعنا ليس مع لحم ودم، بل مع القوات، مع السلاطين، مع أجناد الشر الروحية في السماويات – في "أورانوس"، في السماويات". نحن نتكلم عن الشر الكوني هنا، في عالم غير منظور، إنه عالم الطبيعة الخارقة.
نرى في قلب إعلان الإيمان المسيحي أن المسيحية مبنية على الإعلان، وأننا ننال معلومات تتجاوز إطار الإدراك الطبيعي والتجريبي، وأننا ننال معلومات عن العالم الخارق للطبيعة، والعالم النوميني، وذاك الذي يتجاوز ما هو منظور. ويقول لنا الله إنه يوجد بعد للحقيقة غير منظور بالعين المجردة، لكن هذا الواقع غير المنظور بالعين المجردة، له تأثير عميق في حياتنا. نحن نفهم ذلك على سبيل التشابه، أليس كذلك؟ أعني أنه توجد جسيمات وحقائق دون مجهرية تمكنّا من اكتشافها في القرون الأخيرة، لم تعرف الأجيال البشرية السابقة أي شيء عنها، عن عالم غير منظور يمارس تأثيرًا عميقًا على حياتهم.
يواجه المسيحي مشكلتين مع الشيطان: الأولى هي الاستخفاف بحقيقة الشيطان وقوّته. لا شيء يسرّ الشيطان أكثر من جيل مسيحي لا يؤمن بوجوده. فعندئذٍ، يتمكن من التحرك بأمان لديه بطاقة "أمريكان إكسبرس" شيطانية، يمكنه الذهاب إلى أي مكان يريده والدخول إليه، لن يزعجه أحد لأن لا أحد يؤمن بوجوده، وأي صفقة أفضل يمكنه الحصول عليها؟ لكن إن لم يعمل الأمر، يميل الناس إلى الانتقال من نقيض إلى آخر في المجتمع. الخطر الآخر هو المغالاة في تقدير قوة الشيطان. تسود نزعة في مجتمعنا المسيحي اليوم تركّز كثيرًا على الشيطان، بحيث أنه بالكاد بقي مكان للنشاط البشري وكل أعمال الشر والخطية ناتجة عن الأسر أو الامتلاك الشيطانيين. في الواقع، أعتقد أن شكاية الشيطان هي العمل الأساسي الذي يقوم به الشيطان في حياة المؤمن، وهذا هو البعد الذي سنتطرق إليه في محاضرتنا المقبلة، حين نتكلم عن مدى أهمية الحفاظ على ضمير نقي، والتمتع بشعور قوي بالحصول على الغفران، بينما نخوض هذا الصراع لأجل النمو الشخصي.