المحاضرة 1: الله محبة
أَتَساءَلُ كَمْ وَاحِدًا مِنَ الْمَوْجُودِينَ هُنا أَوْ مِنْ مُشاهِدِي هَذَا الْبَرْنَامَجِ أَوْ مِنَ الْمُسْتَمِعِينَ إِلَيْهِ مُسَجَّلًا شاهَدَ يَوْمًا فِيلْمَ هُولِيوُود، وَعُنْوَانُهُ "إِلْمِرْ غَانْتْرِي"؟ أَوْ رُبَّما قرَأَ الْكِتابَ الَّذي تَمَّ اسْتِيحاؤُهُ مِنْهُ، وَهْوَ كِتابٌ كْلاسِيكِيٌّ أَمِيرْكِيٌّ كَتَبَهُ "سِينْكْلِير لُوِيسْ". إِنْ شاهَدْتَ يَوْمًا ذَلِكَ الْفِيلْمَ فَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ نَجْمَيْ الْفِيلْمِ هُمَا "بِيرْتْ لانْكاسْتِرْ" وَ"شِيرْلِي جُونْزْ". وكانَ الْفِيلْمُ محاكاةً ساخِرةً حَوْلَ مُبَشِّرَيْنِ مَشْهُورَيْنِ. وَ"بِيرْت لانْكاسْتِر"، بِصِفَتِهِ "إِلْمِير غَانْتْرِي"، قامَ بِأداءٍ ساخِرٍ لدَوْرِ الْمُبَشِّرِ "بِيلِي سَانْدَايْ"، وَ"شِيرْلِي جُونْز"، بِصِفَتِها الأُخْتَ شَارُون فَالْكُونِير، لَعِبَتْ بِسُخْرِيَةٍ دَوْرَ "إِيْمِي سامْبْل ماكْفِرْسُون". وَبِالطَّبْعِ كانَ "سِينْكْلِير لُوِيسْ" يَسْخَرُ مِنْ هَذَيْنِ الْمُبَشِّرَيْنِ.
وأَحَدُ الْمَشاهِدِ الشَّهِيرَةِ في الْفِيلْمِ يُصَوِّرُ "بِيرْت لانْكاسْتِر" بِدَوْرِ "إِلْمِير غَانْتْرِي" وَهْوَ يَظْهَرُ عَلَى الْمَسْرَحِ، ثُمَّ يَتَحَرَّكُ بِسُرْعَةٍ عَلَى الْمَسْرَحِ وَيَنْزَلِقُ كَمَا يَنْزَلِقُ لاعِبُ الْبَيْسبول حَتَّى الْقاعِدَةِ الثانِيَةِ، لأَنَّ هَذا مَا كَانَ "بِيلِي سانْدَايْ" يَشْتَهِرُ بِهِ؛ لَقَدْ كانَ لاعِبَ بَيْسْبُول رَئِيسِيًّا وَمُتَسَلِّلًا إِلَى الْقاعِدَةِ، فَانْزَلَقَ "غَانْتْرِي" حَتَّى الْقاعِدَةِ الثَّانِيَةِ، وقالَ "فِي أَمانٍ بَيْنَ ذِراعَيْ يَسُوع". وَإِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ، "بِيرْت لانْكاسْتِر" كانَ يَرْسُمُ تِلْكَ الابْتِسامَةَ الَّتِي لا مَثِيلَ لَها، وكانَتْ عَيْناهُ تَلْمَعانِ، ثُمَّ يَسْتَهِلُّ عِظَتَهُ بِالْقَوْلِ: "الْمَحَبَّةُ. مَا هِيَ الْمَحَبَّةُ؟ الْمَحَبَّةُ هِيَ نَجْمَةُ الصُّبْحِ وَالْمَساءِ، الْمَحَبَّةُ هِيَ إِلْهامُ الْفَنَّانِ وَجَوْهَرُ الْفلاسِفَةِ"، ثُمَّ يَسْتَرْسِلُ أكثرَ فأكثرَ في تَعْرِيفِ الْمَحَبَّةِ الْحُلْوِ وَالْجَمِيلِ. وَبِالطَّبْعِ، السُّخْرِيَةُ الْكامِنَةُ وَراءَ ذَلِكَ تُفِيدُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ دائِمًا لِلْواعِظِ أَنْ يَجْتَذِبَ الْجُمُوعَ إِنْ تَكَلَّمَ دائِمًا بِتَعابِيرَ لا مَعْنَى لَها عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ.
لا أَظُنُّ أَنَّهُ تُوجَدُ كَلِمَةٌ فِي اللُّغَةِ تَمَّ تَجْرِيدُهَا مِنْ عُمْقِ مَعْناها مِثْلُ كَلِمَةِ مَحَبَّة. أَذْكُرُ أَنِّي حِينَ كُنْتُ وَلَدًا كُنْتُ أَمْلِكُ تِلْكَ الأَلْعابَ الْمِشْكالِيَّةَ، حَيْثُ تُحَدِّقُ فِي طَرَفِها وَتَرَى تِلْكَ الأَنماطَ الْجَمِيلَةَ النَّاتِجَةَ عَنِ الأَحْجارِ الْمُلَوَّنَةِ فِي الطَّرَفِ، وَفِيما تُحَرِّكُ الْجُزْءَ الْمِشْكَالِيَّ سُرْعانَ مَا يَتَغَيَّرُ نَمَطُ الأَجْزاءِ الصَّغِيرَةِ لِلْحِجارَةِ تَغْيُّرًا سَرِيعًا وَبِوَتِيرَةٍ سَرِيعَةٍ، وهذا ما يَحْدُثُ لِكَلِمَةِ مَحَبَّة، الَّتِي أَصْبَحَ لَها تقريبًا مَعْنًى صُوفِيٌّ وَسِحْرِيٌّ فِي الثَّقافَةِ الْعِلْمانِيَّةِ.
مُجَدَّدًا، إِنِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَرْجِعَ بِالتَّارِيخِ إِلَى الْخَمْسِينِيَّاتِ، إِلَى أُغْنِيَةٍ شَعْبِيَّةٍ شَهِيرَةٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَعُنْوانُها "الْحُبُّ مَصْدَرُ إِشْراقِ كَثِيرينَ"، وَقَدْ تَمَّتْ إِذاعَتُها مُنْذُ بَدْءِ الْمُوسِيقَى عَلَى أَنَّها رُبَّما أَقْوَى عاطِفَةٍ يُمْكِنُ أَنْ يَخْتَبِرَهَا الْبَشَرُ، بِمَا أنَّ هَدَفَ وَشَهْوَةَ كُلِّ قَلْبٍ بَشَرِيٍّ هُوَ اخْتِبارُ بُعْدٍ فائِقٍ لِلمَحَبَّةِ.
أُكَرِّرُ، حِينَ نَتَطَرَّقُ إِلَى الْمَفْهُومِ الْكِتابِيِّ لِمَحَبَّةِ اللهِ يَجِبُ أنْ نَكُونَ شَدِيدِي الْحَذَرِ، لأنَّنَا نَمِيلُ إِلَى التَّطَرُّقِ إِلَى النَّصِّ وَلدَيْنا أَفْكارٌ عَنِ الْمَحَبَّةِ مُسْتَوْحاةٌ مِنْ رُومَانْسيَّةِ ثَقافَتِنَا الْعِلْمانِيَّةِ، مِنَ الْمُوسِيقَى الشَّعْبِيَّةِ وَالْفَنِّ وَالأَدَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فِي حِينِ أَنَّ ما نُرِيدُ فِعْلَهُ عندَما نَتَكَلَّمُ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ هُوَ أَنْ نَسْتَخْرِجَ مِنَ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ الْمَفْهُومَ الْكِتابِيَّ لِهَذِهِ الصِّفَةِ الرَّائِعَةِ للهِ.
إِذًا، فِي هَذِهِ السِّلْسِلَةِ، مَا سَنُحاوِلُ فِعْلَهُ هُوَ مُحاوَلَةُ النَّظَرِ عَنْ كَثَبٍ إِلَى كَيْفِيَّةِ تَكَلُّمِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ، وَكَيْفِيَّةِ إِظْهارِ اللهِ تِلْكَ الْمَحَبَّةَ فِي عَمَلِ الْفِداءِ، مَنْ هُمْ مَوْضُوعُ مَحَبَّتِهِ؟ بِأَيِّ مَعْنًى يُمْكِنُ الْقَوْلُ عَنِ اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ فَحَسْبُ بَلْ يُبْغِضُ أَيْضًا، وَهْوَ أَحَدُ أَصْعَبِ الْمَفاهِيمِ الَّتِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْنَا التَّصارُعُ مَعَها. إِذًا، فَلْنَسْتَهِلَّ دِراسَتَنا بِتَنَاوُلِ رِسالَةِ يُوحَنَّا الأُولَى فِي الْأصْحاحِ الرَّابِعِ حَيْثُ نَجِدُ الْجُمْلَةَ التَّقْلِيدِيَّةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِمَحَبَّةِ اللهِ.
فِي الْأصْحاحِ الرَّابِعِ مِنْ رِسالَةِ يُوحَنَّا الأُولَى وابْتِداءً مِنَ الآيَةِ 7 نَقْرَأُ هَذِهِ النَّصِيحَةَ "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. بِهَذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللهِ فِينَا: أَنَّ اللهَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هَذَا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا. أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هَكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا". إذًا هُنَا، حِينَ يَأْمُرُ الرَّسُولُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يُظْهِرُوا مَحَبَّةً الْواحِدُ للآخَرِ، فإِنَّهُ يَبْنِي نَصِيحَتَهُ عَلَى أَساسِ صِفاتِ طَبيعةِ اللهِ.
إذًا، فَلْنُلْقِ نَظْرَةً أَكْثَرَ تَفَحُّصًا عَلَى مَا قَصَدَهُ بِقَوْلِهِ: "لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا" والسَّبَبُ الأوَّلُ الّذي يَطْرَحُهُ هو: "لأنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ"، الْمَحَبَّةُ هِيَ مِنَ اللهِ. مَا يَقولُهُ هُنَا هُوَ أَنَّ الْمَحَبَّةَ الَّتِي يَصِفُها، الْمَحَبَّةَ "أغَابِي"، الْمَحَبَّةَ الْمَسِيحِيَّةَ، هِيَ مَحَبَّةٌ نَابِعَةٌ مِنَ اللهِ نَفْسِهِ، وَهْيَ لَيْسَتْ مَحَبَّةً طَبِيعِيَّةً، لَيْسَتْ مَحَبَّةً مَوْجُودَةً فِي جِسْمِ بَشَرِيَّتِنا، بل مَحَبَّةٌ نَابِعَةٌ مِنَ اللهِ نَفْسِهِ، إِنَّهَا عَطِيَّةٌ إِلَهِيَّةٌ، إِنَّهَا إحدى ثَمَرِ الرُّوحِ الْقُدُسِ الَّتي يَتِمُّ إِيقاظُها فِي نُفُوسِنا حِينَ نَتَغَيَّرُ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ. لَقَدْ مُنِحْنَا قُدْرَةً عَلَى المَحَبَّةِ غَيْرَ طَبِيعِيَّةٍ، إنَّها مَحَبَّةٌ نَابِعَةٌ مِنَ اللهِ، وَهْيَ تَنْتَمِي إِلَيْهِ. وَفِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَحَبَّةِ يُرَى اللهُ عَلَى أنَّهُ أساسُ ويُنْبُوعُ وَمَصْدَرُ كُلِّ مَحَبَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ.
يُمْكِنُ لِهَذا الْجُزْءِ التَّالِي أَنْ يَكُونَ مُضَلِّلًا جِدًّا إِنْ لَمْ نَتَوَخَّ الْحَذَرَ حين يَقُولُ: "وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ". هذا لا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ إِنْسانٍ يَخْتَبِرُ مَحَبَّةً بَشَرِيَّةً طَبِيعِيَّةً هُوَ بِالتَّالِي مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ، بَلْ ما يقُولُهُ يُوحَنَّا هُوَ إِنَّ نَوْعَ الْمَحَبَّةِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ عَنْهُ هُوَ نَوْعُ مَحَبَّةٍ لا يَأْتِي إِلَّا مِنْ خِلالِ التَّجدُّد، مِنَ أَشْخاصٍ تَغَيَّرُوا من الدَّاخِلِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ. وَبِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، هَذَا دَلِيلٌ أَسَاسِيٌّ عَلَى التَّجَدُّدِ.
سَأَعْرِضُ الأَمْرَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ: بِدُونِ قُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُغَيِّرَةِ لا يَمْلِكُ أَحَدٌ هَذِهِ الْقُدْرَةَ عَلَى المَحَبَّةِ، هَذِهِ ناحِيَةٌ مِنَ الأَمْرِ، مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، إِنْ كانَ أَحَدُهُمْ يَمْلِكُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَحَبَّةِ، فَهَذِهِ دَلالَةٌ واضِحَةٌ عَلَى أنَّهُ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. إِذًا، مَا مِنْ إِنْسانٍ غَيْرِ مَوْلُودٍ ثانِيَةً أَوْ غَيْرِ مُتَجَدِّدٍ يَمْلِكُ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمَحَبَّةِ، ومَا مِنْ إِنْسانٍ مُتَجَدِّدٍ يَفْتَقِرُ إِلَى هذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَحَبَّةِ، كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَمْلِكُ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ، وَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ هَذِهِ الْمَحَبَّةَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، قَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ.
ثُمَّ يُتابِعُ قائِلًا "وَمَنْ لاَ يُحِبُّ" أَيْ -بِهَذَا الشَّكْلِ "لَمْ يَعْرِفِ اللهَ". مَنْ لا يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ. هَذَا وَاحِدٌ مِنْ أَقْوَى الإِعْلاناتِ عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي نَجِدُها فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. فِي الْمَقامِ الأَوَّلِ نَرَى أَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، ثُمَّ يَتَجاوَزُ يُوحَنَّا ذَلِكَ لِيَقُولَ لأنَّ اللهَ (هو) مَحَبَّةٌ. مَاذا يَقْصِدُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ؟ كَيْفَ يَسْتَعْمِلُ الضَّمِيرَ "هُوَ" فِي هَذَا الْمَقْطَعِ؟ كانَ لَنا بَعْضُ الْمُناقَشاتِ حَوْلَ مَعْنَى الضَّمِيرِ "هُوَ"، حَيْثُ قُلْنَا إِنَّ الأَمْرَ وَقْفٌ عَلَى مَعْنَى الضَّمِيرِ "هُوَ"، هَذَا لأَنَّهُ تُوجَدُ أَوْجُهُ اسْتِعْمالٍ عِدَّةٌ لِلضَّمِيرِ "هُوَ". أَحْيانًا نَسْتَعْمِلُ الضَّمِيرَ "هُوَ" لِلرَّبْطِ وَالتَّأْكِيدِ، فِي هَذِهِ الْحالَةِ يَكُونُ مُبْتَدَأً ثانيًا ويَلِيهِ خَبَرٌ، حَيْثُ يُوجَدُ تَجانُسٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ. إِذًا، أَحْيانًا يُسْتَعْمَلُ الضَّمِيرُ "هُوَ" في اللُّغةِ لِلدَّلالَةِ عَلَى التَّساوِي. وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ اللهَ هُوَ مَحَبَّةٌ، فَهَذَا يَعْنِي أَنَّ بِإِمْكانِنَا عَكْسَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَالْقَوْلَ "الْمَحَبَّةُ هِيَ اللهُ"، وَهَذَا تَشْوِيهٌ لِما يَقُولُهُ يُوحَنَّا، فَيُوحَنَّا لا يَقُومُ بِإِظْهارِ تَطابُقٍ بَحْتٍ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَاللهِ، بِحَيْثُ إنَّ كُلَّ مَنْ يَنْتابُهُ شُعورٌ رُومَانْسِيٌّ فِي قَلْبِهِ أَوْ أَيَّةُ عَاطِفَةٍ تُجاهَ أَحَدِهِمْ يَكُونُ بِذَلِكَ قَدْ تَقابَلَ مَعَ اللهِ، لَيْسَ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ.
حِينَ يَقُولُ إِنَّ اللهَ هُوَ مَحَبَّةٌ، فَهْوَ يَسْتَعْمِلُ أُسْلُوبًا أَدَبِيًّا مُتَّسِمًا بِالْغُلُوِّ، مَا يَعْنِي الْقَوْلَ إِنَّ اللهَ مُحُبٌّ جِدًّا، وَإِنَّ الْمَحَبَّةَ جانِبٌ أَوْ صِفَةٌ حَمِيمَةٌ جدًّا فِي شَخْصِ اللهِ، اللهُ مُرْتَبِطٌ ارْتِباطًا وَثِيقًا بِالْمَحَبَّةِ، بِحَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُكَ بِطَرِيقَةِ الْكَلامِ الْقَوْلُ إِنَّهُ مَحَبَّةٌ. نَجِدُ أُسْلُوبَ التَّعْبِيرِ نَفْسَهُ لَدَى يَسوعَ، حَيْثُ يَقُولُ يَسُوعُ: "أنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَياةُ"، مَا يَعْنِي أنَّ الْمَسِيحَ مُرْتَبِطٌ ارْتِباطًا وَثِيقًا بِالْحَقِّ، وَبَعِيدٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنِ الزَّيْفِ أَوِ الْكَذِبِ أَوْ عَنْ أَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْواعِ الْخِداعِ، لِدَرَجَةِ أَنَّهُ يُمْكِنُنا الْقَوْلُ بِطَرِيقَةٍ مُتَّسِمَةٍ بِالْغُلُوِّ إِنَّهُ لا يَنْطِقُ بِالْحَقِّ فَحَسْبٍ، بَلْ إِنَّهُ مُرْتَبِطٌ ارْتِباطًا وَثِيقًا بِالْحَقِّ، بِحَيْثُ إنَّنَا نَقولُ إِنَّهُ هُوَ الْحَقُّ، كَمَا أنَّهُ هُوَ الْحَياةُ، بِقَدْرِ ما أنَّ الْحَياةَ كُلَّها نَابِعَةٌ مِنْهُ وَمِنْ قُوَّتِهِ.
حِينَ يَتَكَلَّمُ الْكتابُ المُقَدَّسُ عَنِ الْمَحَبَّةِ عَلَى هذَا النَّحْوِ في ما يَتَعَلَّقُ بِاللهِ، فَهذا يَعْنِي أنَّهُ كَيْفَما اخْتَلَفَ فَهْمُنا لِصِفاتِ اللهِ، فأَيُّ نَظْرَةٍ تُقَدَّمُ عَنِ اللهِ لا تَتَضَمَّنُ فِي داخِلِها هَذَا الْمَعْنَى الْعَمِيقَ لِلْمَحَبَّةِ هِيَ تَشْوِيهٌ لِهُوِيَّةِ اللهِ، لأنَّ الْمَحَبَّةَ مُرْتَبِطَةٌ ارْتِباطًا وَثِيقًا بِشَخْصِهِ وَجَوْهَرِهِ. لَكِنْ عادَةً، لَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الْمُشْكِلَةُ الَّتِي نُواجِهُهَا فِي اللَّاهوتِ الْيَوْمَ، لا تَكْمُنُ مُشْكِلَتُنا فِي مَيْلِنا إِلَى التَّفْكِيرِ فِي اللهِ عَلَى أنَّهُ إِلَهٌ لَيْسَتْ لَهُ مَحَبَّةٌ، وإِنَّمَا الْمُشْكِلَةُ الَّتِي نَجِدُها فِي ثقافَتِنَا الْيَوْمَ هِيَ نَظْرَةٌ للهِ تَحْمِلُ نَظْرَةً رَخِيصَةً لِلْمَحَبَّةِ، أَوْ مَعْنًى لِلْمَحَبَّةِ يُلْغِي كلَّ صِفاتِ اللهِ الأُخرى أو يُجَرِّدُهُ مِنْها ويَجْعَلُ صِفَةً واحِدَةً تَبْتَلِعُها، وَهْيَ صِفَةُ الْمَحَبَّةِ.
لا أَعْلَمُ كَمْ مَرَّةً وَعَظْتُ عَنْ سِيادَةِ اللهِ أَوْ عَنْ عَدْلِ اللهِ أَوْ عَنْ قَدَاسَةِ اللهِ وَاعْتَرَضَ أُناسٌ عَلَى صِفاتِ اللهِ تِلْكَ ورَدُّوا قائِلِين: "لَكِنَّ إِلَهِي إِلَهُ مَحَبَّةٍ"، كَمَا لَوْ أَنَّ الْمَحَبَّةَ بارْتِباطِها بِاللهِ تَتَعارَضُ مَعَ الْعَدْلِ، أَوْ إِنْ كانَ اللهُ مُحِبًّا فَلا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ سَيِّدًا، أَوْ أَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ تَسْتَبْعِدُ قَدَاسَتَهُ، وَهْوَ تَشْوِيهٌ كَبِيرٌ لِشَخْصِ اللهِ. إِذًا، يَجِبُ أنْ يَكُونَ لَدَيْنَا هَذا التَّنْبِيهُ أَوْ هذا التَّحْذِيرُ فِي الْبِدايَةِ، عالِمِينَ أَنَّنَا نَمِيلُ أَساسًا كَبَشَرٍ سَاقِطِينَ حِينَ نَتَأَمَّلُ فِي شَخْصِ اللهِ إِلَى اسْتِبْدالِ حَقِّ اللهِ الَّذِي يُعْلِنُهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ، كَمَا يَقُولُ لَنَا الرَّسُولُ بُولُسُ فِي رُومِيَةَ 1، ونَتَّقِي وَنَعْبُدُ الْمَخْلُوقَ دُونَ الْخَالِقِ، وَذَلِكَ عَبْرَ الْوُقُوعِ في الْخَطِيَّةِ الأَكْثَرِ بِدَائِيَّةً، وَهْيَ خَطِيَّةُ عِبادَةِ الْأوْثَان.ِ
فِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ كانَتْ تَتِمُّ مُمَارَسَةُ عِبادَةِ الْأوْثَانِ بِطَرِيقَةٍ وَاضِحَةٍ وَصَرِيحَةٍ، حَيْثُ كَانَ النَّاسُ يَصْنَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ أَصْنامًا مَصْنُوعَةً مِنْ خَشَبٍ أَوْ حِجَارَةٍ، ثمَّ كانُوا يَجْثُونَ عَلَى رُكَبِهِمْ وَيَعْبُدونَ تِلْكَ الأَشْياءَ الَّتِي صَنَعُوهَا بِأَيْدِيهِمْ. وَنَحْنُ نَمِيلُ إِلَى مَدْحِ أَنْفُسِنَا الْيَوْمَ وَالْقَوْلِ إِنَّنا لا نُشارِكُ فِي مِثْلِ هَذَا النَّشاطِ الْوَثَنِيِّ أَو فِي الأَشْكالِ الْبِدائِيَّةِ لِعِبادَةِ الأَوْثانِ الَّتِي كانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ. لا، نَحْنُ أَكْثَرُ تَطَوُّرًا مِنْ ذَلِكَ. لَكِنْ كُلَّما اسْتَبْدَلْنا مَجْدَ الإِلَهِ الْحَقِيقِيِّ بِمَفْهُومٍ أَقَلَّ شَأْنًا، سَواءٌ أكانَ مَصْنُوعًا مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ صُنْعِ أَذْهانِنا، فَإِنَّنا نَقومُ بِعِبادَةِ الْأَوْثَانِ. وَالإِلَهُ المُجَرَّدُ مِنْ صِفاتِ الْعَدْلِ وَالْقداسَةِ والسِّيادَةِ وَغَيْرِها، هُوَ وَثَنٌ تمامًا مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ مَصْنُوعٍ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ.
لِذَا يَجِبُ أَنْ نَنْتَبِهَ أَلَّا نَسْتَبْدِلَ إِلَهَ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ بِإِلَهٍ مُسْتَنْزَفٍ فِي شَخْصِهِ وَكِيانِهِ بِصِفَةِ الْمَحَبَّةِ تِلْكَ، وَهْيَ صِفَةٌ لا نَفْهَمُها فِي الْمَقامِ الأَوَّلِ وَفْقَ مَفْهُومِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ لَهَا، لَكِنَّنَا نَتَبَنَّى مَفْهُومًا عِلْمانِيًّا لِلْمَحَبَّةِ، يَقُولُ إِنَّ الْمَحَبَّةَ تَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ أَبَدًا الاعْتِذَارُ، أَيْنَ نَجِدُ ذَلِكَ فِي صَفَحاتِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ؟ فَإِلَهُ الْمَحَبَّةِ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ هُوَ إِلَهٌ يَطْلُبُ مِنَ الأَشْخاصِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يَعْتَذِرُوا حِينَ يَجْرَحُونَ آخَرِينَ وَحِينَ يُخْطِئُونَ إِلَى اللهِ نَفْسِه.
إذًا، نَحْنُ نَذْكُرُ أَنَّهُ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ إِحْدَى صِفاتِ اللهِ، وَهْيَ صِفَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا مِنْ صِفاتِ اللهِ، إِنَّما اللهُ كَائِنٌ بَسِيطٌ، لَيْسَ بِمَعْنَى ساذَج، لَكِنْ حِينَ نَفْهَمُ عَقِيدَةَ اللهِ، فَإِنَّنَا نَفهَمُ أَنَّ اللهَ لَيْسَ مُؤَلَّفًا مِنْ أَجْزَاءٍ. هَذَا لا يَعْنِي أَنَّ لَدَى اللهِ جَانِبَ سِيادَةٍ وَجَانِبَ عَدْلٍ وَجانِبَ عَدَمِ قَابِلِيَّةٍ لِلتَّغْيِيرِ وَجَانِبَ مَعْرِفَةٍ كُلِّيَّةٍ وَجَانِبَ أَبَدِيَّةٍ وَجانِبَ مَحَبَّةٍ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ نَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ يَعْكِسُ صِفاتِهِ فِي كُلِّ الأَوْقاتِ. وَبِالتَّالِي، لِكَيْ تَفْهَمَ أَيَّةَ صِفَةٍ مِنْ صِفاتِ اللهِ، يَجِبُ أَنْ تَفْهَمَ تِلْكَ الصِّفَةَ عَلَى ضَوْءِ ارْتِباطِها بِصِفاتِ اللهِ الأُخْرَى.
مَثَلًا، وَكَمَا سَنَرَى فِي هَذَا المُقَرَّرِ التَّعْلِيمِيِّ، مَحَبَّةُ اللهِ هِيَ مَحَبَّةٌ أَبَدِيَّةٌ، مَحَبَّةُ اللهِ هِيَ مَحَبَّةٌ ذاتُ سِيادَةٍ، مَحَبَّةُ اللهِ هِيَ مَحَبَّةٌ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّغْيِيرِ، مَحَبَّةُ اللهِ هِيَ مَحَبَّةٌ مُقَدَّسَةٌ. وَجَمِيعُ الصِّفاتِ الَّتِي تُرافِقُ المَحَبَّةَ أَوِ اللهَ، تُرافِقُ أَيْضًا المَحَبَّةَ. عَدلُ اللهِ هُوَ عَدْلٌ مُحِبٌّ، قَدَاسَتُهُ هِيَ قَداسَة ٌمُحِبَّةٌ، وَمَعْرِفَتُهُ الكُلِّيَّةُ هِيَ مَعْرِفَةُ مُحِبَّةٌ، كمَا أنَّ مَحَبَّتَهُ هِيَ مَحَبَّةٌ كُلِّيَّةُ الْعِلْمِ. إذًا، الْخَطَرُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ نَحْتَرِسَ مِنْهُ هُوَ اسْتِقْراءُ الْمَحَبَّةِ مِنَ الصِّفاتِ الأُخْرَى كُلِّها كَما لَوْ أَنَّها قائِمَةٌ وَحْدَهَا، وأنَّها تُحَدِّدُ وَحْدَها طَبِيعَةَ اللهِ وشَخْصَهُ. وَمَا إِنْ نَبْدَأُ نَفْهَمُ أَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ واحِدَةٌ بَيْنَ صِفاتِ اللهِ الْعَدِيدَةِ، مَعَ أنَّهُ لا يُمْكِنُكَ أَنْ تَفْهَمَ اللهَ بِدُونِها. ما إِنْ نَفْهَمُ ذلِكَ، عِنْدَئِذٍ، أَعْتَقِدُ أنَّ مَفْهُومَنا لِمَحَبَّةِ اللهِ سَيَزْدادُ عُمْقًا عَبْرَ فَهْمِنا لارْتِباطِها بِالصِّفاتِ الأُخْرَى.
بَيْنَ هِلالَيْنِ، وَقَبْلَ أَنْ نَتَطَرَّقَ إِلَى مَحَبَّةِ اللهِ الأَبَدِيَّةِ فِي الْمُحاضَرَةِ الْمُقْبِلَةِ، أُرِيدُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَلِيلًا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الْمُقَدَّسَةِ. حِينَ نَقولُ إِنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ يَجِبُ أَنْ نُضِيفَ فَوْرًا هَذَا الْمُصْطَلَحَ الْوَصْفِيَّ، وَهْوَ أَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ هِيَ مَحَبَّةٌ مُقَدَّسَةٌ. رُبَّما هَذَا الأَمْرُ، وَأَكْثَرُ مِنْ أَيِّ أَمرٍ آخَرَ، يَحْمِينَا مِنْ إِقْرانِ مَفهُومِ مَحَبَّةِ اللهِ بِصِفاتٍ عِلْمَانِيَّةٍ، لأنَّهُ تُوجَدُ نَظْرَةٌ دَنِسَةٌ وشائِعَةٌ لِلْمَحَبَّةِ فِي مُجْتَمَعِنا يَتِمُّ الاحْتِفالُ بِهَا فِي الْفَنِّ الشَّعْبِيِّ لا علاقَةَ لها بِمَحَبَّةِ اللهِ. أيًا تَكُنْ صِفاتُ مَحَبَّةِ اللهِ، إِنَّهَا مُقَدَّسَةٌ فِي الْمَقامِ الأَوَّلِ. وما مَعْنَى ذَلِكَ؟
إِنْ تَناوَلْنا كَلِمَةَ "مُقَدَّسٍ" فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، فَإِنَّنا نَرَى أَنَّ لَهَا مَعْنَيَيْنِ رَئِيسِيَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. وَالْمَعْنَى الأَوَّلُ، الْمَعْنَى الأَسَاسِيُّ لِلْقَداسَةِ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، يُبَيِّنُ أنَّ كَلِمَةَ "مُقَدَّسٍ" تَعنِي مَا هُوَ "آخَرُ" أَوْ "مُخْتَلِفٌ" أَوْ "مُنْفَصِلٌ"، مَا يَعْنِي أَنَّنا حِينَ نَقُولُ إِنَّ "اللهَ قُدُّوسٌ"، فَإِنَّنا نَعْنِي أَنَّ اللهَ مُخْتَلِفٌ عَنْ كُلِّ مَا نَخْتَبِرُهُ في الْعالَمِ الْمَخْلُوقِ، وَأَنَّ اللهَ أَسْمَى مِنَ الْمَخْلُوقاتِ كُلِّها، وَأَنَّ اللهَ عالٍ، بِحَيْثُ إنَّنا حِينَ نَتَكَلَّمُ عَنْ قَداسَتِهِ، فَإِنَّنَا نَتَكَلَّمُ عَنْ عَظَمَتِهِ الإِلَهِيَّةِ، وعَنْ جَلالِهِ الَّذِي يَعْلُو فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ الْمَخْلُوقِ. هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الأَساسِيُّ أَنْ تَكُونَ مُقَدَّسًا، يَعْنِي أنْ تَكُونَ مُنْفَصِلًا وَمُخْتَلِفًا. الْمَعْنَى الثَّانَوِيُّ لِلْقَداسَةِ هُوَ الطَّهارَةُ، الطَّهارَةُ الْمُطْلَقَةُ، بِدُونِ أَيِّ عَيْبٍ، بِدُونِ أَيَّةِ لَمْسَةِ شَرٍّ فِيهَا. وهَذانِ التَّعْرِيفانِ لِلْقداسَةِ يُحَدِّدانِ مَحَبَّةَ اللهِ.
إذًا، أَوَّلُ أَمْرٍ يَجِبُ أَنْ نَفْهَمَهُ بِشَأْنِ مَحَبَّةِ اللهِ، هُوَ أنَّهَا فَائِقَةٌ، وهْيَ لَيْسَتْ شَائِعَةً، ولَيْسَتْ دَنِسَةً وَلا عادِيَّةً، بَلْ هِيَ مَحَبَّةٌ مَهِيبَةٌ وَمُقَدَّسَةٌ وفائِقَةٌ في نَوْعِها، تتجاوَزُ كُلَّ مَا يُمْكِنُ لِلْخَلِيقَةِ أَنْ تُظْهِرَهُ. وثانِيًا، مَحَبَّةُ اللهِ هِيَ دائِمًا مَحَبَّةٌ لا تُخالِطُها ولا تُداخِلُها أَنَانِيَّةٌ ولا شَرٌّ ولا خَطِيَّةٌ، ما مِنْ ظِلٍّ يُغَطِّي بَهاءَ الْمَجْدِ النَّقِيِّ لِمَحَبَّةِ اللهِ. إذًا، حِينَ نتقابَلُ معَ مَحَبَّتِهِ، فَإِنَّنا نَتَقابَلُ مَعَ مَحَبَّةِ "سُوي غِينِيرِيس"، أَيْ أنَّها فِئَةٌ بِحَدِّ ذاتِها، إنَّها مَحَبَّةٌ تَفُوقُ اخْتِباراتِنا الْبَشَرِيَّةَ، لَكِنَّها مَحَبَّةٌ يُشارِكُها جُزْئِيًّا مَعَ خَلِيقَتِهِ، وَهْوَ يَتَوَقَّعُ مِنَّا أَنْ نُظْهِرَها بَعْضُنا لِبَعْضٍ، إنَّها نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْمَحَبَّةِ، مَحَبَّةٌ مُقَدَّسَةٌ.