المحاضرة 5: تَعْرِيفُ مُصْطَلَحاتِنا

لَقَدْ كُنَّا نَبْحَثُ فِي نَشْرِ لُوثَرَ لاحْتِجَاجَاتِهِ الْخَمْسَةِ والتِسْعِينَ عَامَ 1517 وَمِنْهَا فِي الْمَفْهُومِ الْكَاثُولِيكِيِّ للتَبْرِيرِ. فَفِي احْتِجَاجَاتِهِ، طَرَحَ تَسَاؤُلاتٍ بِشَأْنِ نِظَامِ التَبْرِيرِ بِأَكْمَلِهِ الَذِي تَبَنَّتْهُ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ. فِي هَذَا التَوْقِيتِ، كَانَ لُوثَرُ لا يَزَالُ مُؤْمِنًا مُخْلِصًا بِالنِظَامِ الْكَاثُولِيكِيِّ، وَلَكِنْ بَدَأَتِ الأَسْئِلَةُ تُسَاوِرُهُ وَمِنْ بَيْنِها مَسْأَلَةُ "زَوَائِدِ الْفَضَائِلِ". إِذْ كَانَتْ زَوَائِدُ الْفَضَائِلِ جَوْهَرِيَّةً لِمَفْهُومِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ بِرُمَّتِهِ.

فَجَمِيعُنَا يَعْلَمُ كَيْفَ تَسَبَّبَ الْجِدَالُ بِشَأْنِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ بِعَاصِفَةٍ حَامِيَةٍ وَقْتَئِذٍ بِسَبَبِ الطَرِيقَةِ الَتِي كَانَ يُوهَانُ تِيتْزِل يَبِيعُ بِهَا صُكُوكَ الْغُفْرَانِ، لَكِنَّ السُؤَالَ الأَهَمَّ هُوَ مَا أَمَرْ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ بِرُمَّتِها؟ وَمِنْ أَيْنَ نَشَأَتْ؟ أَقُولُهَا ثَانِيَةً، لَقَدْ تَطَوَّرَ الأَمْرُ تَدْرِيجِيًّا عَلَى مَدَارِ تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ. لَقَدْ كَانَ يَسْتَنِدُ أَسَاسًا إِلَى فِكْرَةِ إِعْطَاءِ الْمَسِيحِ لِبُطْرُسَ الْمَفَاتِيحَ إِلَى الْمَلَكُوتِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْمَلَكُوتِ. وَعَلَيْهِ، كَانَ يُنْظَرُ إِلَى الْبَابَا بِأَنَّهُ فِي مَنْصِبِ حَامِلِ مَفَاتِيحِ الْمَلَكُوتِ، وَمِنْهَا مَفَاتِيحُ السُلْطَانِ عَلَى تَقْسِيمِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ وَتَوْزِيعِها. فَعَلَى قَوْلِ الرَبِّ يَسُوعَ لِتَلامِيذِهِ: "مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ"، أَقَامُوا مَفْهُومَهُمْ.

فَصَارَتْ زَوَائِدُ الْفَضَائِلِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذِهِ الْفِكْرَةِ الْكَامِلَةِ لِبَيْعِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ وَفِي مَرْكَزِهَا. وَفَضَائِلُ الزَوَائِدِ هِيَ خِزَانَةٌ تَحْتَوِي عَلَى قَدْرٍ غَيْرِ مَحْدُودٍ مِنَ الاسْتِحْقَاقاتِ، وَلِلْكَنِيسَةِ السُلْطَةُ لِتَوْزِيعِهَا عَلَى مَنْ يَفْتَقِرُونَ إِلَى الاسْتِحْقَاقِ. وَفِي الْمَقَامِ الأَوَّلِ تَمَثَّلَ الإِيدَاعُ الرَئِيسِيُّ لِزَوَائِدِ الْفَضَائِلِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَسِيحِ، لَكِنْ لَمْ يَكُنِ اسْتِحْقَاقُ الْمَسِيحِ وَحْدَهُ مَوْجُودًا فِي الْخِزَانَةِ لأَنَّ مَفْهُومَ زَوَائِدِ الْفَضَائِلِ لا يَزَالُ حَاضِرًا فِي شَرِكَةِ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ. فَبِالإِضَافَةِ إِلَى اسْتِحْقَاقِ يَسُوعَ، كَانَتِ الْخِزانَةُ تَحْوِي اسْتِحْقاقَ مَرْيَمَ، وَبِجَانِبِهِما أُضِيفَتِ اسْتِحْقَاقَاتُ الْقِدِّيسِينَ.

لا يَضُمُّ مَنْظُورُ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ، تَارِيخِيًّا، سِوَى عَدَدٍ قَلِيلٍ لِلْغَايَةِ مِمَّنْ مَاتُوا وَدَخَلُوا مُبَاشَرَةً إِلَى السَمَاءِ. إِنَّمَا الْغَالِبِيَّةُ الْعُظْمَى مِمَّنْ مَاتُوا، الَذِينَ مَاتُوا بِآثَامِهِمْ الَتِي لا تَزَالُ فِي نُفُوسِهِمْ، يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِمِ الذَهَابُ إِلَى الْمَطْهَرِ، لِلتَطَهُّرِ مِنْ هَذِهِ الآثَامِ وَمَحْوِها قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا إِلَى السَمَاءِ. لِلتَأْكِيدِ، الْمَطْهَرُ وَلَيْسَ الْجَحِيمَ. فَهُمْ لا يَذْهَبُونَ إِلَى الْجَحِيمِ لِيُدَانُوا. الْمَطْهَرُ لَيْسَ مَكَانًا لِلدَيْنُونَةِ، إِنَّمَا مَكَانٌ لِلتَطْهِيرِ، وَفِي النِهَايَةِ سَيَكُونُ الْمَصِيرُ النِهَائِيُّ لِكُلِّ مَنْ فِيهِ، هُوَ السَمَاءُ، لَكِنْ لَيْسَ قَبْلَ إِتْمَامِ مَرْحَلَةِ تَطْهِيرِهِمْ.

لَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ الآنَ فِي أَنَّ الَذِينَ فِي الْمَطْهَرِ لَيْسَ فِيهِمِ الْبِرُّ الْكَافِي لِيَنْقُلَهُمْ مُبَاشَرَةً إِلَى السَمَاءِ. وَكَمَا قُلْتُ: هِيَ قِلَّةٌ قَلِيلَةٌ، تَارِيخِيًّا، مِمَّنْ مَاتُوا دُونَ آثامٍ فِي نُفُوسِهِمْ وَبِاسْتِحْقَاقٍ كافٍ لإِدْخَالِهِمْ مُبَاشَرَةً إِلَى السَمَاءِ، وَلَيْسَ لَدَيْهِمْ مَا يَكْفِي مِنَ الاسْتِحْقَاقِ فَحَسْبُ لِلدُخُولِ إِلَى السَمَاءِ، لَكِنْ كَانَ لَدَيْهِمْ نَوْعُ اسْتِحْقَاقٍ ثَالِثٍ لَمْ نُنَاقِشْهُ بَعْدُ. لَقَدْ تَنَاوَلْنَا سَابِقًا الفَرْقَ بَيْنَ الاسْتِحْقاقِ السَخِيِّ وَالاسْتِحْقَاقِ الْمُعَادِلِ فِي سِرِّ التَوْبَةِ وَالاعْتِرَافِ.

لَكِنْ بِالإِضَافَةِ إِلَى الاسْتِحْقَاقِ السَخِيِّ وَالاسْتِحْقَاقِ الْمُعَادِلِ، كَانَ هُنَاكَ النَوْعُ الثَالِثُ مِنَ الاسْتِحْقاقِ الَذِي كانَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ "الاسْتِحْقَاقُ الْفَائِقُ"، الاسْتِحْقَاقُ الَذِي يَنَالُهُ مَنْ يَقُومُ بِأَعْمَالٍ فَائِقَةٍ، لَيْسَ وَاجِبًا، بَلْ فَائِقًا. فَالأَعْمَالُ الْفَائِقَةُ هِيَ تِلْكَ الأَعْمَالُ الصَالِحَةُ جِدًّا، وَالْجَدِيرَةُ بِالاسْتِحْقَاقِ جِدًّا، بِحَيْثُ تَتَجَاوَزُ تَلْبِيَةَ الْوَاجِبِ. إِنَّهُ اسْتِحْقَاقٌ زَائِدٌ أَوْ إِضَافِيٌّ يَقُومُ بِهَا عَدَدٌ قَلِيلٌ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، الْقِيَامُ بِبَعْضِ الأَعْمَالِ الْفَائِقَةِ، أَوْ أَعْمَالٍ أَكْثَرَ مِمَّا تَحْتَاجُهُ لِدُخُولِ السَمَاءِ، ثُمَّ تُودَعُ هَذِهِ الاسْتِحْقَاقَاتُ الإِضَافِيَّةُ إِلَى زَوَائِدِ الْفَضَائِلِ، وَمِنْ تِلْكَ الْخِزَانَةِ تَسْتَطِيعُ الْكَنِيسَةُ مِنْ خِلالِ الْبَابَا وبِسُلْطَانِهِ أَنْ تَمْنَحَ هَذِهِ الاسْتِحْقَاقَاتِ لِمَنْ يَنْقُصُهُمْ. لِذَا، مَا كَانَ يَحْدُثُ فِي نِظَامِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ بِرُمَّتِهِ، هُوَ أَنَّهُ بِالتَبَرُّعِ بِالصَدَقَاتِ وَبِشِرَاءِ صُكُوكِ الْغُفْرَانِ، تُجْرَى عَمَلِيَّاتُ سَحْبٍ مِنْ هَذِهِ الْخِزانَةِ، إِنْ جَازَ التَعْبِيرُ، وَمَنْحِ الاسْتِحْقَاقاتِ لِلَذِينَ يَفْتَقِرُونَ إِلَيْهَا فِي الْمَطْهَرِ حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنْ دُخُولِ السَمَاءِ.

وَبِهَذَا نَخْتِمُ تَطَرُّقَنَا التَمْهِيدِيَّ إِلَى مَفْهُومِ التَبْرِيرِ لَدَى الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ. كَمَا أَنِّي سَأَتَعَمَّقُ أَكْثَرَ فِيهِ حِينَ نَتَنَاوَلُ تَنَاقُضَاتٍ أُخْرَى بَيْنَها وَبَيْنَ الْمَنْظُورِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيِّ. لَكِنْ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ، كَانَتْ صَيْحَةُ لُوثَرَ بِالطَبْعِ هِيَ "سُولا فِيدِي"، التَبْرِيرُ بِالإِيمانِ وَحْدَهُ. وَالآنَ، سَنَقْضِي بَعْضَ الْوَقْتِ لِنَبْحَثَ فِي تَعَالِيمِ بُولُسَ عَنْهُ فِي رِسَالَةِ رُومِيَةَ. وَلَكِنْ فَقَطْ كَمُقَدِّمَةٍ لِلْمَنْظُورِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيِّ لِلتَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ، أُرِيدُ أَنْ أَقْضِيَ بَعْضَ الْوَقْتِ لِتَعْرِيفِ الْمُصْطَلَحَاتِ.

أَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ، كَلِمَةُ "تَبْرِيرٍ" ذَاتُهَا. الْكَلِمَةُ الإِنْجْلِيزِيَّةُ "justification" "تَبْرِيرُ" مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْكَلِمَةِ اللاتِينِيَّةِ iustificare الَتِي تَعْنِي حَرْفِيًّا "يَجْعَلُ بَارًّا" أَوْ "يَجْعَلُ صَالِحًا". تَمَثَّلَتْ إِحْدَى الْمُشْكِلاتِ، تَارِيخِيًّا، الَتِي أَوْجَدَتْ هَذَا الْجِدالَ بِرُمَّتِهِ مُنْذُ الْقُرُونِ الأُولَى، فِي أَنَّ الآباءَ اللَاتِينِيِّينَ لَمْ يَكُونُوا يَقْرَؤُونَ وَيُشَكِّلُونَ عَقِيدَتَهُمْ مِنَ التَرْجَمَةِ الْيُونَانِيَّةِ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، بَلْ مِنَ الْفُولْجَاتَا، وَهِيَ التَرْجَمَةُ اللاتِينِيَّةُ لَهُ. فَعِنْدَمَا تَذْكُرُ التَرْجَمَةُ اللاتِينِيَّةُ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ التَبْرِيرَ، فَإِنَّهَا تَسْتَخْدِمُ اللَفْظَةَ اللاتِينِيَّةَ iustificare، الْمُسْتَمَدَّةَ مِنَ الصِيغَةِ الْقَانُونِيَّةِ لِنِظامِ الْقَانُونِ الرُومَانِيِّ. وَمَرَّةً أُخْرَى، أَنْ "يَجْعَلَ بَارًّا" يَعْنِي أَنَّ هَذَا الشَخْصَ لَيْسَ بَارًّا، وَكَلِمَةُ "يُبَرِّرُ" تَعْنِي "أَنْ يَجَعْلَهُ بَارًّا أَوْ حَتَّى "أَنْ يَصِيرَ بَارًّا حَقًّا فِي ذَاتِهِ وَمِنْ ذَاتِهِ".

وَعَلَيْهِ كَانَ نِظَامُ التَبْرِيرِ الَذِي نَشَأَ هُوَ نِظَامُ فَهْمِ كَيْفَ يُصْبِحُ الشَخْصُ الشِرِّيرُ صَالِحًا أَوْ بَارًّا. وَالآنَ عِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ عَمَلِيَّةِ أَنْ نَكُونَ صَالِحِينَ حَقًّا، فَإِنَّنَا لا نَتَحَدَّثُ عَنِ التَبْرِيرِ، بَلْ عَنِ التَقْدِيسِ، لِذَلِكَ نُؤْمِنُ بِأَنَّ التَبْرِيرَ يَحْدُثُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَتْبَعُهُ التَقْدِيسُ. أَوْ بِحَسَبِ الْمَنْظُورِ الْكَاثُولِيكِيِّ الْقَدِيمِ، بِسَبَبِ اسْتِخْدَامِ هَذَا الْمُصْطَلَحِ iustificare، كانَ التَقْدِيسُ، فِي الْوَاقِعِ، يَسْبِقُ التَبْرِيرَ لأَنَّ اللهَ لَنْ يُعْلِنَكَ بَارًّا إِلَّا بَعْدَ أَنْ تُصْبِحَ بَارًّا حَقًّا. لَكِنَّ الْكَلِمَةَ الْيُونَانِيَّةَ dikaiosune لا تَعْنِي "جَعْلَ الْفَرْدِ بَارًّا"، بَلْ تَعْنِي "احْتِسَابَ الْبِرِّ أَوْ حِسْبَانَهُ" أَيِ التَعَامُلَ مَعَ الإِنْسَانِ عَلَى أَنَّهُ بَارٌّ. وَعَلَيْهِ، فَإِنَّ جَوْهَرَ مَنْظُورِ الإِصْلاحِ هُوَ أَنَّهُ بَيْنَمَا لا نَزالُ فُجَّارًا، أُعْلِنَ تَبْرِيرُنَا بِاحْتِسَابِ اللهِ بِرَّ الْمَسِيحِ لَنَا، الْمَفْهُومُ الَذِي سَأَشْرَحُهُ بِدَوْرِي لاحِقًا.

فَلِذَا، حِينَ يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْنَا يَرَى أَنَّنَا مَا زِلْنَا خُطَاةً وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ، بِمُجَرَّدِ أَنْ نُؤْمِنَ، يَحْسِبُنَا أَوْ يَحْتَسِبُنا أَوْ يُعْلِنُ أَنَّنَا أَبْرَارٌ. كَانَ شِعَارُ لُوثَرَ لِتَوْضِيحِ هَذَا، رُبَّمَا سَمِعْتُمُوهُ قَبْلًا، الْعِبَارَةَ اللاتِينِيَّةَ simul justus et peccator، وَكَانَتِ الصِيغَةَ الَتِي حَاوَلَ بِهَا تَعْرِيفَ هَذِهِ الْحَالَةِ الَتِي فِيهَا لا نَكُونُ أَبْرَارًا فِي أَنْفُسِنَا وَفِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ أَمَامَ اللهِ نُعَدُّ أَبْرارًا. فَعِبَارَةُ simul justus et peccator تَعْنِي، سَنَقْسِمُها: simul الَتِي مِنْهَا اشْتَقَقْنا "simultaneous"، فَكَلِمَةُ simul تَعْنِي "فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ". Simul justus "صَالِحٌ أَوْ بَارٌّ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ". أَمَّا Et مَاذَا تَعْنِي؟ هَلْ هِيَ الْفِعْلُ الْمَاضِي مِنْ يَأْكَلُ "To eat" فِي اللُغَةِ الإِنْجْلِيزِيَّةِ؟ Et تَعْنِي بِبَسَاطَةٍ "وَ". أَتَتَذَكَّرُونَ كَلِمَةَ يُولْيُوسَ قَيْصَرَ الأَخِيرَةَ حِينَ طُعِنَ الَتِي يُعْتَقَدُ أَنَّهَا كَانَتْ "Et tu, Brute?" الَتِي تَعْنِي "وَأَنْتَ يَا بْرُوتُس؟"، إِذَنْ ـet تَعْنِي بِبَسَاطَةٍ "و". simul justus et "فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ، بَارٌّ وَ..." peccator الَتِي تَعْنِي "خَاطِيًا". نَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنِ الْخَطايَا الصَغِيرَةِ بِاعْتِبَارِهَا هَفَواتٍ. فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ شَخْصًا مَا طَاهِرٌ، فَإِنَّنَا نَقُولُ إِنَّهُ بِلا خَطِيَّةٍ، وَهَذَا يَأْتِي مِنَ الْكَلِمَةِ اللاتِينِيَّةِ الَتِي تَعْنِي الْخَطِيَّةَ.

فَكَانَ لُوثَرُ يَقُولُ: "خُطَاةٌ وَأَبْرَارٌ فِي آنٍ وَاحِدٍ". قَدْ يَبْدُو هَذَا، لِلْوَهْلَةِ الأُولَى، تَنَاقُضًا. فَمَا هُوَ قَانُونُ عَدَمِ التَنَاقُضِ؟ شَيْءٌ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ "أ" وَ "ضِدَّ أ" فِي آنٍ وَاحِدٍ وَبِالْمَعْنَى ذَاتِهِ أَوْ فِي الْعَلاقَةِ عَيْنِهَا. فَمَا يَقُولُهُ لُوثَرُ هُنَا: "نَحْنُ فِي آنٍ وَاحِدٍ "أ" وَ "ضِدَّ أ"، أَبْرَارٌ وَخُطَاةٌ، لَكِنْ لَيْسَ فِي الْعَلاقَةِ عَيْنِهَا". فِي أَنْفُسِنَا وَمِنْ أَنْفُسِنَا نَظَلُّ خُطَاةً، لَكِنَّنَا أَبْرَارٌ بِفَضْلِ انْتِقَالِ بِرِّ الْمَسِيحِ إِلَيْنَا، بِحُكْمِ احْتِسَابِ بِرِّهِ. قُلْنَا فِي بِدَايَةِ دِرَاسَتِنَا لِلْمَنْظُورِ الْكَاثُولِيكِيِّ عَنِ التَبْرِيرِ إِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ بِغَرْسِ النِعْمَةِ. وَعَلَيْهِ، حَسَبَ الْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ، يَحْظَى الإِنْسَانُ الْمُبَرَّرُ بِمَا يُبَرِّرُهُ عَلَى أَسَاسِ الْبِرِّ الْمَغْرُوسِ الَذِي، حِينَهَا، يَمْتَلِكُهُ الْمُؤْمِنُ بِطَبِيعَتِهِ. أَمَّا الْمَنْظُورُ الْبْرُوتِسْتَانْتِيُّ يَقُولُ إِنَّنَا لا نَتَبَرَّرُ بِغَرْسِ الْبِرِّ، بَلْ بِاحْتِسَابِهِ.

تَعْلَمُونَ مَا قُلْتُهُ سَابِقًا، فِي عَصْرِ الإِصْلاحِ جُرِّبَتْ كُلُّ أَنْوَاعِ الْمُحَاوَلاتِ لِلتَغَلُّبِ عَلَى هَذَا الانْشِقَاقِ الْكَارِثِيِّ دَاخِلَ الْعَالَمِ الْمَسِيحِيِّ، وَكَانَ آخِرُهَا فِي رِيجِنْسْبُورْج إِذِ اقْتَرَبُوا مِنْ رَأْبِ الصَدْعِ وَمَحْوِ الانْشِقَاقِ وَحَلِّ الْمُعْضِلَةِ اللَاهوتِيَّةِ، لَكِنَّ النُقْطَةَ الشَائِكَةَ الَتِي لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُمْكِنِ حَلُّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوِ الآنَ هِيَ أَمْرُ الاحْتِسَابِ. لَطَالَمَا رَفَضَتِ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ مَفْهُومَ أَنَّنَا نَتَبَرَّرُ عَلَى أَسَاسِ الْبِرِّ المُحْتَسَبِ، أَوِ الْبِرِّ الَذِي لَيْسَ لَنَا أَوْ مِنَّا، أَوِ الْبِرِّ الَذِي أَطْلَقَ عَلَيْهِ لُوثَرُ اسْمَ alienum iustitiam، بِرًّا خَارِجِيًّا، بِرَّ extra nos خَارِجَنَا أَوْ لَيْسَ مِنَّا، بِرًّا مَحْسُوبًا لَنَا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِرَّنَا. إِنْ سَمَحَ الْوَقْتُ، سَنَسْتَطْرِدُ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الشَيْءِ لاحِقًا، لَكِنَّنِي أُحَاوِلُ فَقَطْ أَنْ أُقَدِّمَ لَكُمُ التَعْرِيفَ الأَسَاسِيَّ لِلتَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ.

ثَانِيًا، حَرْفُ الْجَرِّ "الْبَاءُ". هَذَا حَرْفُ جَرٍّ بَسِيطٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُ قَبْلًا أَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى صِيغَةِ الْمَجْرُورِ لِلتَعْبِيرِ عَنِ الْوَسِيلَةِ، فَإِذَا سَأَلَتَ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ: "بِأَيِّ وَسِيلَةٍ نَتَبَرَّرُ؟" سَتَرُدُّ: "الْعِلَّةُ الْوَسِيلِيَّةُ لِتَبْرِيرِنَا هِيَ الْمَعْمُودِيَّةُ". أَتَتَذَكَّرُونَ عِنْدَمَا قُلْتُ فِي الْبِدَايَةِ إِنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الْمَعْمُودِيَّةَ هِيَ مَا تَبْدَأُ عَمَلِيَّةَ التَبْرِيرِ، وَهِيَ الْعِلَّةُ الْوَسِيلِيَّةُ أَوِ الْوَسِيلَةُ الَتِي بِهَا يَتَبَرَّرُ الْمَرْءُ.

اسْمَحُوا لِي بِدَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ فَحَسْبُ أَنْ أَتَحَدَّثَ عَنْ مَفْهُومِ "الْعِلَّةِ الْوَسِيلِيَّةِ". أَحَدُ أَقْدَمِ أَسْئِلَةِ الْفَلْسَفَةِ هُوَ مَسْأَلَةُ الْحَرَكَةِ وَالتَغْيِيرِ. رُبَّمَا تَتَذَكَّرُونَ مَقُولَةَ هِيرَاقْلِيطْس: "أَنْتَ لا تَنْزِلُ إِلَى النَهْرِ ذَاتِهِ مَرَّتَيْنِ أَبَدًا، لأَنَّهُ بِحُلُولِ الْوَقْتِ الَذِي تَضَعُ فِيهِ قَدَمَكَ الثَانِيَةَ فِي النَهْرِ، يَكُونُ قَدْ جَرَى، وَأَنْتَ قَدْ تَغَيَّرْتَ إِذَا كَبِرْتَ وَلَوْ لِبِضْعِ ثَوَانٍ". وَيَقُولُ أَيْضًا، كُلُّ شَيْءٍ يَتَغَيَّرُ. التَغَيُّرُ هُوَ السِمَةُ الثَابِتَةُ الْوَحِيدَةُ لِلْخَلِيقَةِ وَالْمَحْدُودِيَّةِ. وَفِي مَنْظُورِ أَرِسْطُو، كَانَ التَغْيِيرُ أَحَدَ أَوْجُهِ الْحَرَكَةِ. لِذَا تَمَعَّنَ فِي هَذَا وَسَأَلَ نَفْسَهُ: "هَلْ هُنَاكَ طُرُقٌ مُخْتَلِفَةٌ تَتَغَيَّرُ بِهَا الأَشْيَاءُ؟ أَمْ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ التَغْيِيرَاتِ؟ فِي الْوَاقِعِ، هُوَ يَقُولُ فِي أَثْنَاءِ بَحْثِهِ عَنِ التَغْيِيرِ إِنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ سَبَبِ التَغْيِيرِ، فَمِنَ السَذَاجَةِ افْتِرَاضُ أَنَّ الأَسْبَابَ فَرْدِيَّةٌ لأَنَّهُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْحَالاتِ يَحْدُثُ التَغْيِيرُ بِتَطْبِيقِ عِدَّةِ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ.

فَقَدِ اسْتَخْدَمَ الْمِثَالَ التَوْضِيحِيَّ الْكْلاسِيكِيَّ لِقِطْعَةٍ فَنِّيَّةٍ، وَمَنْحُوتَةٍ، وَتِمْثَالٍ صُنِعَ لِغَرَضِ التَفْرِقَةِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ أَنْوَاعِ الأَسْبَابِ. كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْعِلَّةَ الْفَاعِلَةَ هِيَ السَبَبُ الْجَوْهَرِيُّ الَذِي يُحَقِّقُ التَغْيِيرَ؛ فَالْعِلَّةُ الرَئِيسِيَّةُ الْفَاعِلَةُ لِتَصْمِيمِ الْمَنْحُوتَةِ هِيَ النَحَّاتُ. إِنَّهُ الإِنْسَانُ الَذِي يُحْدِثُ كُلَّ التَغْيِيرَاتِ، لَكِنْ هُنَاكَ أَيْضًا الْعِلَّةُ الْمَادِّيَّةُ الَتِي هِيَ الْمَنْحُوتَةُ سَواءٌ نُحِتَ التِمْثَالُ من قِطْعَةِ خَشَبٍ أَوْ قِطْعَةِ رُخَامٍ، وَلِذَا فَهُوَ يُعَرِّفُ الْعِلَّةَ الْمَادِّيَّةَ أَنَّهَا تِلْكَ الْمَادَّةُ الَتِي بِهَا صُنِعَ الشَيْءُ أَوْ غُيِّرَ. لَكِنْ عِنْدَمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ خَلْقِ الْكَوْنِ، مَا الَذِي نَعْتَبِرُهُ الْعِلَّةَ الْمَادِّيَّةَ؟ لا شَيْءَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ، مَا عَدَا الْعَدَمَ عَلَى الأَقَلِّ. لَكِنَّ اللهَ يُعِدُّ الْعِلَّةَ الْفَاعِلَةَ وَالْكَافِيَةَ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّها. عِنْدَمَا خَلَقَ اللهُ الْعَالَمَ، لَمْ يَخْلُقْهُ مِنْ جَوْهَرٍ أَوْ مَادَّةٍ كَانَتْ مَوْجُودَةً سَابِقًا، بَلْ لَقَدْ خَلَقَهُ مِنَ الْعَدَمِ ex nihilo.

حَسَنًا، أَمَّا "الْعِلَّةُ الْوَسِيلِيَّةُ" فَهِيَ الأَدَوَاتُ الْمُسْتَخْدَمَةُ لإِحْدَاثِ التَغْيِيرِ، فَفِي حَالَةِ نَحْتِ التِمْثَالِ، الْعِلَّةُ الْوَسِيلِيَّةُ سَتَكُونُ الْمِطْرَقَةَ وَالإِزْمِيلَ، أَيِ الأَدَوَاتِ الْمُسْتَخْدَمَةَ وَالَتِي يَتِمُّ مِنْ خِلالِهَا التَغْيِيرُ، الأَمْرُ بَسِيطٌ. لِذَلِكَ، عِنْدَمَا تَتَحَدَّثُ الْكَنِيسَةُ الْكَاثُولِيكِيَّةُ عَنِ الْمَعْمُودِيَّةِ بِاعْتِبَارِهَا الْعِلَّةَ الْوَسِيلِيَّةَ، فَهِيَ تَعْنِي أَنَّهَا الْوَسِيلَةُ أَوِ الأَدَاةُ الَتِي بِهَا يَتَغَيَّرُ الإِنْسَانُ إِلَى قَبُولِ النِعْمَةِ أَوْ غَرْسِهَا فِيهِ. بَيْنَمَا الْمُصْلِحُونَ يَقُولُونَ: "لا، الْعِلَّةُ الْوَسِيلِيَّةُ الْوَحِيدَةُ لِلتَبْرِيرِ هِيَ الإِيمَانُ". لَيْسَتِ الْمَعْمُودِيَّةَ وَلَا سِرَّ التَوْبَةِ وَالاعْتِرَافِ، بَلِ الإِيمَانُ هُوَ الْعِلَّةُ الْوَسِيلِيَّةُ.

الْجَدِيرُ بِالذِكْرِ، عَلَى الرُغْمِ مِنِ اسْتِخْدَامِ كُلٍّ مِنَ الْبْرُوتِسْتَانْت وَالْكَاثُولِيكِ لُغَةَ تَمْيِيزِ أَرِسْطُو لِلْعِلَلِ وَمُصْطَلَحَاتِهَا، فَقَدْ أَضَافَ كِلا الْجَانِبَيْنِ عِلَّةً دَقِيقَةً أُخْرَى أَطْلَقُوا عَلَيْهَا "عِلَّةَ الاسْتِحْقَاقِ" لِلْتَبْرِيرِ، وَمَرَّةً أُخْرَى نَعُودُ إِلَى لُبِّ الْمُعْضِلَةِ. فَمَا الأَسَاسُ الَذِي عَلَيْهِ يُعْلِنُ اللهُ أَنَّ الإِنْسَانَ بَارٌّ؟ بِالنِسْبَةِ لِلْكَنِيسَةِ الْكَاثُولِيكِيَّةِ، لأَنَّ الإِنْسَانَ بَارٌّ. أَمَّا فِي الْمَفْهُومِ المُصْلَحِ، الأَسَاسُ الْوَحِيدُ لِتَبْرِيرِ الْمُؤْمِنِ هُوَ بِرُّ الْمَسِيحِ. بِرُّ الْمَسِيحِ، بِرُّهُ وَحْدَهُ مَا يُبَرِّرُنَا. فِي الْوَاقِعِ، إِنَّ عِبَارَةَ "التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ"، هِيَ تَلْخِيصٌ لِمَفْهُومِ "التَبْرِيرِ بِالْمَسِيحِ وَحْدَهُ".

حَسَنًا، لِذَلِكَ فِي الْعَقِيدَةِ الْبْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ تَسْمَعُونَ عِبَارَةَ "سُولا فِيدِي"، الَتِي تَعْنِي بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ، لَيْسَ بِالإِيمَانِ بِالإِضَافَةِ إِلَى الأَعْمَالِ. وَعِبَارَةُ "سُولا جْرَاتِيَا" الَتِي تَعْنِي بِالنِعْمَةِ وَحْدَهَا، لا بِالاسْتِحْقَاقِ بَلْ بِالنِعْمَةِ، وَبِالْمَسِيحِ وَحْدَهُ، لا بِالْمَسِيحِ بِالإِضَافَةِ إِلَيَّ. وَبَعْدَ ذَلِكَ، فِي مُحَاضَرَتِنَا التَالِيَةِ، سَنَصِلُ إِلَى الْكَلِمَةِ الثَالِثَةِ مِنْ عِبَارَةِ التَبْرِيرِ بِالإِيمَانِ وَحْدَهُ، عِنْدَمَا نَتَمَعَّنُ فِي مَعْنَى نَوْعِ الإِيمانِ الَذِي يُبَرِّرُ وفي أَهَمِّيَّتِهِ.