المحاضرة 6: يَسُوعُ وَكَلِمَةُ اللهِ
فِي الْمُحَاضَرَةِ السَابِقَةِ مِنْ دِرَاسَتِنَا لِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، أَشَرْتُ إِلَى الْمُؤْتَمَرِ الْمُهِمِّ الَذِي انْعَقَدَ فِي عَامِ 1978، حَيْثُ اجْتَمَعَتْ مَجْمُوعَةٌ مِنَ اللَاهُوتِيِّينَ الدَوْلِيِّينَ، فِي اجْتِمَاعِ قِمَّةٍ، لِتَقْدِيمِ تَعْرِيفٍ لِلْمُصْطَلَحِ الْكْلاسِيكِيِّ "خُلُوِّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مِنَ الْخَطَأِ". قَبْلَ بِضْعِ سَنَوَاتٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَدَثِ، قَامَتْ "خِدْمَاتُ لِيجُونِيرَ" بِرِعَايَةِ مُؤْتَمَرٍ أَصْغَرَ كَثِيرًا، عَنِ الْمَوْضُوعِ نَفْسِهِ، فِي غَرْبِ بِنْسِلْفَانْيَا، حَيْثُ اجْتَمَعَ سِتَّةُ أَوْ سَبْعَةُ لاهُوتِيِّينَ مِنْ كُلِّ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ لِتَنَاوُلِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا الْمُتَعَلِّقَةِ بِسُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَخُلُوِّهِ مِنَ الْخَطَأِ. وَأُؤَكِّدُ لَكُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَوَاطُؤٌ بَيْنَ اللَاهُوتِيِّينَ الْمُشَارِكِينَ، وَالْوَثَائِقُ الَتِي قُرِئَتْ فِي ذَلِكَ الْحَدَثِ صَارَتْ هِيَ النُوَاةَ لِكِتَابٍ نَشَرَتْهُ لاحِقًا Bethany Fellowship، بِعُنْوَانِ "كَلِمَةُ اللهِ الْخَالِيَةُ مِنَ الْخَطَأِ". وَقَامَ بِتَحْرِيرِهِ اللَاهُوتِيُّ اللُوثِرِيُّ "جُون وَارْوِيك مُونْتْجُومِرِي" (John Warwick Montgomery).
لَكِنَّ مَا أَبْهَرَنِي فِي ذَلِكَ الْحَدَثِ هُوَ أَنَّ هَؤُلاءِ اللَاهُوتِيِّينَ أَتَوْا مِنْ شَتَّى أَنْحَاءِ الْبِلادِ، وَمِنْ أُورُوبَّا، إِلَى ذَلِكَ الْحَدَثِ لِمُنَاقَشَةِ مَسْأَلَةِ خُلُوِّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مِنَ الْخَطَأِ، دُونَ سَابِقِ حَدِيثٍ بَيْنَهُمْ. وَجَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى ذَلِكَ الاجْتِمَاعِ لِلتَشْدِيدِ عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ تَتَعَلَّقُ فِي النِهَايَةِ بِالْكْرِيسْتُولُوجْيَا.
رُبَّمَا تَتَسَاءَلُونَ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ. لا تَتَعَلَّقُ الْقَضِيَّةُ فِي النِهَايَةِ بِسُؤالِ "هَلْ نَضَعُ ثِقَتَنا فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟" بَلْ "مَا نَوْعُ الثِقَةِ الَتِي نَتَحَلَّى بِهَا فِي صِدْقِ وَسُلْطَانِ الْمَسِيحِ نَفْسِهِ؟".
هُنَاكَ قِصَّةٌ أُحِبُّ أَنْ أُرْوِيَهَا، وَرُبَّمَا سَمِعَهَا الْبَعْضُ مِنْكُمْ بِالْفِعْلِ فِي مُحَاضَرَاتٍ أُخْرَى. وَهِيَ حَادِثَةٌ مُهِمَّةٌ وَقَعَتْ لِي مُنْذُ بِضْعِ سَنَوَاتٍ فِي فِيلادِلْفْيا. كُنْتُ أَتَحَدَّثُ عَنْ مَوْضُوعِ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ فِي كَنِيسَةٍ كَبِيرَةٍ فِي وَسَطِ مَدِينَةِ فِيلادِلْفْيَا. وَفِي خِتَامِ ذَلِكَ الْحَدَثِ، سُرِرْتُ وَصُدِمْتُ بِرُؤْيَةِ زَمِيلِ دِرَاسَةٍ مُقَرَّبٍ جِدًّا لِي يَرْكُضُ فِي مَمَرِّ الْكَنِيسَةِ لِيُحَيِّيَنِي بَعْدَ الاجْتِمَاعِ. لَمْ أَكُنْ قَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ الرَجُلَ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً. وَفِي الْوَاقِعِ، حِينَ كُنَّا فِي الْجَامِعَةِ، كُنَّا نُقِيمُ فِي الْمَنْزِلِ نَفْسِهِ. وَكُلَّ مَسَاءٍ، كُنَّا نَلْتَقِي لِمُدَّةِ سَاعَةٍ، نُخَصِّصُ نِصْفَهَا لِدِرَاسَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَالنِصْفَ الآخَرَ لِلصَلاةِ. وَهَكَذا، كُنَّا مُقَرَّبِينَ جِدًّا، وَكَانَ يَكْبُرُني بِسَنَةٍ دِرَاسِيَّةٍ، وَتَخَرَّجَ قَبْلِي. وَبَعْدَ الْجَامِعَةِ، دَخَلْتُ كُلِّيَّةَ اللَاهُوتِ، لَكِنَّهُ خَرَجَ بَعْدَ الْجَامِعَةِ إِلَى الْحَقْلِ الْمُرْسَلِيِّ لِيَصِيرَ مُرْسَلًا لِمُدَّةِ ثَلاثِ سَنَواتٍ. وَبَعْدَمَا أَنْهَى هَذِهِ السَنَوَاتِ الثَلاثِ، ذَهَبَ إِلَى كُلِّيَّةِ لاهُوتٍ أُخْرَى، وَذَهَبْتُ إِلَى أُورُوبَّا، وَفَقَدْتُ أَثَرَهُ، وَلَمْ أَرَهُ طَوَالَ هَذِهِ السَنَوَاتِ. كَانَ مِنَ الرَائِعِ أَنْ أَرَى صَدِيقِي هَذَا، فَتَرَكْتُ كُلَّ شَيْءٍ، وَقُلْتُ لَهُ: "لِنَذْهَبْ لِتَنَاوُلِ الْعَشَاءِ سَوِيَّةً، وَنُمْضِ وَقْتًا مُمْتِعًا، وَأَعْرِفُ هَلْ تَزَوَّجْتَ، وَهَلْ لَدَيْكَ أَوْلادٌ، إِلَى آخِرِهِ". فَذَهَبْنا إِلَى الْمَطْعَمِ، وَعِنْدَمَا جَلَسْنَا، كَانَ مُتَوَتِّرًا بَعْضَ الشَيْءِ، وَقَالَ: "أَرْ. سِي.، قَبْلَ أَنْ نَتَحَدَّثَ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ، هُنَاكَ أَمْرٌ أَوَدُّ أَنْ أُخْبِرَكَ بِهِ"، فَقُلْتُ: "وَمَا هُوَ؟"، قَالَ: "سَمِعْتُ عِظَتَكَ الْيَوْمَ حَيْثُ أَكَّدْتَ مُجَدَّدًا ثِقَتَكَ فِي عِصْمَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: "فَقَطْ أَوَدُّ أَنْ أُخْبِرَكَ بِأَنِّي لَمْ أَعُدْ أُؤْمِنُ بِذَلِكَ". وَأَضَافَ "بَعْدَ تَعَرُّفِي عَلَى دِيَانَاتٍ أُخْرَى وَثَقَافَاتٍ أَجْنَبِيَّةٍ، ثُمَّ عَوْدَتِي وَانْضِمَامِي إِلَى كُلِّيَّةِ اللَاهُوتِ فِي نْيُويُورْكَ، وَالْغَوْصِ فِي الدِرَاسَاتِ النَقْدِيَّةِ الشُكُوكِيَّةِ لِلْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، لَمْ أَعُدْ أَتَبَنَّى ذَلِكَ الرَأْيَ عَتِيقَ الطِرَازِ عَنْ خُلُوِّ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ مِنَ الْخَطَأِ". فَقُلْتُ لَهُ: "حَسَنًا، وَهَلْ هُنَاكَ مَا لا زِلْتَ تُؤْمِنُ بِهِ؟" فَابْتَسَمَ وَقالَ: "أَجَلْ، مَا زِلْتُ أُؤْمِنُ بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ مُخَلِّصِي وَرَبِّي". سُرِرْتُ بِالتَأْكِيدِ لَدَى سَمَاعِي بِذَلِكَ، لَكِنَّنِي قُلْتُ لَهُ: "حَسَنًا، تَقُولُ إِنَّهُ رَبُّكَ، لَكِنْ كَيْفَ يُمَارِسُ رُبُوبِيَّتَهُ عَلَى حَيَاتِكَ؟" سَأَلَنِي: "مَاذَا تَقْصِدُ؟"، أَجَبْتُه: "الرَبُّ هُوَ شَخْصٌ يُصْدِرُ الأَوَامِرَ، فَكَيْفَ يُدِيرُ الْمَسِيحُ حَيَاتَكَ أَوْ يَحْكُمُهَا؟ إِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ خِلالِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، فَكَيْفَ تَسْمَعُ أَوَامِرَ رَبِّكَ؟". فَفَكَّرَ لِلَحْظَةٍ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّنِي أَسْمَعُ كَلِمَةَ اللهِ، وَأَسْمَعُ مَا تَقُولُهُ. أَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ خِلالِ تَعْلِيمِ الْكَنِيسَةِ". فَقُلْتُ: "الْكَنِيسَةُ؟ وَأَيَّةُ كَنِيسَةٍ؟ أَهِيَ الْكَنِيسَةُ الْمِيثُودِيَّةُ أَمِ الْكَنِيسَةُ الْمَشْيَخِيَّةُ أَمِ الْكَنِيسَةُ الأُسْقُفِيَّةُ؟"، فَأَجَابَ: "كَلَّا، الْكَنِيسَةُ الْمَشْيَخِيَّةُ". فَقُلْتُ: "وَأَيَّةُ كَنِيسَةٍ مَشْيَخِيَّةٍ؟ تِلْكَ الَتِي فِي سَانْتْ لُويسْ، أَمِ الَتِي فِي بُوسْطَن، أَمِ الَتِي فِي بِيتِسْبُرْج؟" أَجَابَ: "كَلا، أَعْنِي الْمَحْفَلَ الْعَامَّ لِلْكَنِيسَةِ الْمَشْيَخِيَّةِ". فَقُلْتُ: "وَأَيُّ مَحْفَلٍ عَامٍّ لِلْكَنِيسَةِ الْمَشْيَخِيَّةِ؟ ذَلِكَ الَذِي صَوَّتَ بِشَأْنِ قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي الْعَامِ الْمَاضِي، ثُمَّ غَيَّرَ رَأْيَهُ تَمَامًا فِي هَذَا الْعَامِ؟ أَيٌّ مِنْهُمَا كَانَ هُوَ "فِكْرُ اللهِ"؟"، أَجَابَ: "حَسَنًا، أَظُنُّ أَنَّنِي أُعَانِي مِنْ مُشْكِلَةٍ". فَقُلْتُ: "أَجَلْ، لَدَيْكَ رَبٌّ بِلا وَسِيلَةٍ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْ رُبُوبِيَّتِهِ".
ثُمَّ قُلْتُ: "وَالْمُشْكِلَةُ التَالِيَةُ هِيَ: مَا رَأْيُ هَذَا الرَبِّ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟" قُلْتُ: "إِذَا جَاءَ يَسُوعُ اللَيْلَةَ إِلَى هَذِهِ الْغُرْفَةِ، وَقُلْنَا لَهُ: يَا يَسُوعُ، لَقَدْ تَعَرَّفْنَا عَلَى شَتَّى أَنْوَاعِ النَظَرِيَّاتِ النَقْدِيَّةِ عَنْ أَصْلِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَتَطَوُّرِهِ، وَجَدَارَتِهِ بِالثِقَةِ. وَخُضْنَا نِزَاعَاتٍ لا نِهَائِيَّةً حَوْلَ الْعِصْمَةِ، وَالْخُلُوِّ مِنَ الْخَطَأِ، وَالْوَحْيِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَهَلَّا أَخْبَرْتَنَا مِنْ فَضْلِكَ إِنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ هُوَ كَلِمَةُ اللهِ أَمْ لا؟ وَإِنْ كَانَ خَالِيًا مِنَ الْخَطَأِ أَمْ لا؟"
إِذَا دَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هُنَا اللَيْلَةَ، أَيُّهَا السَيِّدَاتُ وَالسَادَةُ، وَقَالَ لَكُمْ: "أَيُّهَا الأَصْدِقَاءُ، الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ كِتَابٌ تَارِيخِيٌّ جَيِّدٌ، لَكِنَّهُ قَطْعًا لَيْسَ خَالِيًا مِنَ الْخَطَأِ. لَيْسَ هَذَا سِوَى رَأْيِ الْمُحَافِظِينَ الْمُبالَغِ فِيهِ". فَإِنَّنِي سَأَتَخَلَّى عَنْ عَقِيدَةِ الْخُلُوِّ مِنَ الْخَطَأِ فِي الْحَالِ إِذَا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى هُنَا وَقَالَ ذَلِكَ. لَكِنْ لِنَفْتَرِضْ أَنَّكَ لَمْ تَكُنْ مُتَأَكِّدًا. أَوْ لِنَفْتَرِضْ أَنَّكَ تَبَنَّيْتَ الرَأْيَ الْقَائِلَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَثِيقَةٌ خَالِيَةٌ مِنَ الْخَطَأِ فِي مَخْطُوطَاتِهَا الأَصْلِيَّةِ. لا أَحَدَ يُدَافِعُ بِالتَأْكِيدِ عَنْ خُلُوِّ التَرْجَمَاتِ مِنَ الْخَطَأِ. وَأَرْجُو أَنْ نَفْهَمَ ذَلِكَ. لَكِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنِ النُسَخِ الأَصْلِيَّةِ. وَلَمْ تَكُنْ مُتَأَكِّدًا أَوْ رَاوَدَكَ الشَكُّ. وَجَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْغُرْفَةِ، وَقَالَ: "هَذَا الْكِتَابُ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ الرُوحِ الْقُدُسِ. وَهُوَ كَلِمَةُ أَبِي. وَأَبِي لا يُخْطِئُ الْبَتَّةَ. وَهُوَ مَعْصُومٌ تَمَامًا، وَخَالٍ مِنَ الْخَطَأِ تَمَامًا". فَهَلْ سَتَقْتَنِعُ؟ وَهَلْ سَتُحْسَمُ الْمَسْأَلَةُ لَدَيْكَ، إِذَا لَمْ تَسْمَعْ هَذَا مِنْ سْبْرُولْ أَوْ مِنْ أَيِّ لاهُوتِيٍّ آخَرَ، أَوْ مِنْ بَيَانٍ صَادِرٍ عَنْ مُؤَسَّسَةٍ مَا، بَلْ جَاءَ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ وَقَالَ: "هَذَا الْكِتَابُ، الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، خَالٍ مِنَ الْخَطَأِ". هَلْ سيَحْسِمُ ذَلِكَ النِزَاعَ بِالنِسْبَةِ إِلَيْكَ؟
إِنَّهُ سَيَحْسِمُهُ بِالنِسْبَةِ إِلَيَّ. فَلا يُمْكِنُنِي تَخَيُّلُ أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمْ وَيَقُولُ: "مَعَ أَنَّنِي قَطْعًا أَقْبَلُكَ، يَا يَسُوعُ، رَبًّا عَلَى حَيَاتِي، وَرَبًّا لِلْكَنِيسَةِ، لَكِنْ أَوَدُّ الاعْتِرَاضَ عَلَى هَذِهِ الْفِكْرَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ أُصَوِّبَ كَلامَكَ. فَأَنْتَ تَتَبَنَّى رَأْيًا سَاذَجًا وَعَفَا عَلَيْهِ الزَمَنُ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ". أَيُمْكِنُكَ أَنْ تَتَخَيَّلَ شَخْصًا لَدَيْهِ مِنَ الْجُرْأَةِ مَا يَجْعَلُهُ يُعَارِضُ الْمَسِيحَ فِي أَمْرٍ كَهَذَا؟
حَسَنًا، أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بِقَدْرِ غَرَابَةِ ذَلِكَ، لَكِنَّ هَذا مَا حَدَثَ تَحْدِيدًا، وَلا يَزَالُ يَحْدُثُ فِي كَنِيسَةِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ. وَأَوَدُّ قَضَاءَ بَعْضِ الْوَقْتِ فِي شَرْحِ ذَلِكَ. وَسَيَكُونُ الأَمْرُ مَعَقَّدًا بَعْضَ الشَيْءِ.
لَكِنْ أَوَّلًا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَ: "هَلْ نَسْتَطِيعُ، إِنْ أَمْكَنَ، مَعْرِفَةَ رَأْيِ يَسُوعَ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟" كَيْ نَكْتَشِفَ رَأْيَ يَسُوعَ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، إِلَى أَيْنَ يَجِبُ أَنْ نَتَّجِهَ؟ يَجِبُ أَنْ نَذْهَبَ إِلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، بِالتَأْكِيدِ. يَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ إِنَّ يَسُوعَ قَالَ: "الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ هُوَ كَلِمَةُ اللهِ". مَا الْخَطْبُ فِي ذَلِكَ؟ قَدْ يَبْدُو أَنَّنَا هُنَا أَمَامَ الْمُعْضِلَةِ الأَكْثَرِ تَعْقِيدًا، وَهِيَ مُعْضِلَةُ الْحَلْقَةِ المُفْرَغَةِ، أَوْ مُغَالَطَةُ الْمَنْطِقِ الدَائِرِيِّ، فِي أَشَدِّ صُوَرِهَا. فَإِذَا كَانَتِ الْوَسِيلَةُ الْوَحِيدَةُ لِنَعْرِفَ عَنْ يَسُوعَ هِيَ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، وَالْوَسِيلَةُ الْوَحِيدَةُ لِنَعْرِفَ مَا قَالَهُ يَسُوعُ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ هِيَ قِرَاءَةُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هُنَاكَ مَعْنَى لِمَا يَقُولُهُ يَسُوعُ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟ أَتَشْعُرُونَ بِحَجْمِ الْمُشْكِلَةِ؟ يَقُولُ النَاسُ إِنَّ الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ هُوَ دَوَرَانٌ فِي حَلْقَةٍ مُفْرَغَةٍ، لَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا الْبَتَّةَ، وَلَنْ تُغَادِرَ الْبَتَّةَ نُقْطَةَ الْبِدَايَةِ.
أَقْتَرِحُ أَنْ نُفَكِّرَ فِي هَذَا بِتَمَعُّنٍ شَدِيدٍ. فَالْمَسَارُ الَذِي نَتْبَعُهُ هُنَا فِعْلِيًّا لَيْسَ دَائِرِيًّا، وَإِنَّمَا مُسْتَقِيمٌ وَتَدَرُّجيٌّ. الأَمْرُ الأَوَّلُ الَذِي أَوَدُّ أَنْ نَبْدَأَ بِهِ هُوَ: "هَلْ يُعْطِي الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ أَيَّ سَبَبٍ يَدْعُو لاسْتِنْتَاجِ تَمَتُّعِهِ بِقِيمَةٍ تَارِيخِيَّةٍ؟ لا أَظُنُّ أَنَّنَا قَدْ نَتَلَقَّى اعْتِرَاضًا عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَيِّ بَاحِثٍ جَادٍّ. فَقَدْ يَتَجَادَلُ الْبَعْضُ حَوْلَ دَرَجَةِ الصِحَّةِ التَارِيخِيَّةِ لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لَكِنَّنِي لا أَعْرِفُ أَيَّ عَالِمِ نَقْدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ عَدِيمُ الْقِيمَةِ تَمَامًا مِنْ حَيْثُ مُحْتَواهُ التَارِيخِيُّ.
ثُمَّ الانْتِقَالُ إِلَى الْمَرْحَلَةِ التَالِيَةِ أَصْعَبُ. سَأَقُولُ: "حَسَنًا، هَلْ لَدَيْنَا أَيُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مَوْثُوقٌ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ فِيمَا يُعَلِّمُهُ؟ لَيْسَ مَعْصُومًا، أَوْ خَالِيًا مِنَ الْخَطَأِ، أَوْ مُوحًى بِهِ، بَلْ فَقَطْ نَظِيرَ الْوَثَائِقِ الْبَشَرِيَّةِ الأُخْرَى الْقَدِيمَةِ، مَا صِلَةُ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بِالْحَقِيقَةِ؟" دَعُونِي أَسْتَبِقُ الأُمُورَ هُنَا قَلِيلًا، يَا أَصْدِقَائِي، وَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لا يُوجَدُ كِتَابٌ مِنَ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، أَوْ مَصْدَرٌ أَدَبِيٌّ مِنَ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، خَضَعَ لِلْفَحْصِ وَالتَحْلِيلِ الْعِلْمِيِّ الدَقِيقِ الَذِي خَضَعَ لَهُ الْعَهْدَانِ الْقَدِيمُ وَالْجَدِيدُ. وَفِي الْوَاقِعِ، مَا مِنْ مُؤَلَّفٍ مِنَ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ خَضَعَ لِلْبَحْثِ الدَقِيقِ بِنِسْبَةِ 1/10000 مِنْ نِسْبَةِ الْبَحْثِ الَذِي خَضَعَ لَهُ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ. لَدَيْنَا كِتَابَاتٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ بَاقِيَةٌ إِلَى الْيَوْمِ. وَسَبَقَ أَنْ ذَكَرْتُ بَعْضَ الْمُؤَرِّخِينَ الْقُدَامَى، مِثْلَ ثُوقِيدِيدِسَ (Thucydides)، وتَاكِيتُوسَ (Tacitus)، وَزِينُوفُونَ (Xenophon)، وَهِيرُودُوتَ (Herodotus)، وَسُويتُونْيُوسَ (Suetonius) وَآخَرِينَ. وَالْجُهُودُ الْمَبْذُولَةُ لِلإِثْبَاتِ الْعِلْمِيِّ لِصِحَّةِ التَقَارِيرِ التَارِيخِيَّةِ لِلْكُتَّابِ الْقُدَامَى لَيْسَتْ بِالْمُهِمَّةِ السَهْلَةِ. فَمَثَلًا، إِنْ قَالَ لَنَا لُوقَا إِنَّ مَلاكًا ظَهَرَ لِزَكَرِيَّا فِي هَيْكَلِ أُورُشَلِيمَ، فَكَيْفَ سَيُثْبِتُ عِلْمُ الآثَارِ، مَثَلًا، صِحَّةَ أَوْ كَذِبَ هَذَا الادِّعَاءِ؟ فَمَا لَمْ تَسْتَخْرِجْ مِنَ الأَرْضِ أجْنِحَةَ مَلاكٍ مُتَحَجِّرَةٍ، سَيَصْعُبُ كَثِيرًا إِثْبَاتُ صِحَّةِ أَوْ كَذِبِ ذَلِكَ. لا يَعْمَلُ التَحَقُّقُ التَارِيخِيُّ فِي الْعِلْمِ بِهَذِهِ الطَرِيقَةِ. وَإِنَّمَا مِنْ خِلالِ عِلْمِ الآثَارِ، مَثَلًا، نُعِيدُ تَكْوِينَ جُغْرَافْيَا الشُعُوبِ وَالْمُدُنِ الْقَدِيمَةِ، وَالتَقَالِيدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَنُقَارِنُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةَ بِمَا أَخْبَرَنَا بِهِ الْمُؤَرِّخُونَ الآخَرُونَ، بِوَاسِطَةِ مَا تَمَّ التَحَقُّقُ مِنْهُ دُونَ مَجَالٍ لِلشَكِّ مِنْ خِلالِ مَجْرَفَةِ عِلْمِ الآثَارِ. فَمَثَلًا، وَبِبَسَاطَةٍ، إِنْ قَالَ لُوقَا إِنَّ فُلانًا كَانَ حَاكِمًا لِمَكَانٍ مَا، فِي فَتْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ التَارِيخِ. ثُمَّ فِي الأُسْبُوعِ التَالِي، عُثِرَ عَلَى وَثَائِقَ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الشَخْصَ نَفْسَهُ الَذِي ذَكَرَهُ لُوقَا كَانَ بِالْفِعْلِ هُوَ الْحَاكِمَ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ مِنَ التَارِيخِ، نَكُونُ عَلَى الأَقَلِّ قَدْ تَحَقَّقْنَا بِشَكْلٍ قَاطِعٍ مِنْ أَنَّ لُوقَا كَانَ مُحِقًّا فِي تِلْكَ الْمَعْلُومَةِ التَارِيخِيَّةِ الْبَسِيطَةِ. أَتَفْهَمُونَ قَصْدِي؟ لَكِنْ إِنْ نَقَّبْنَا فِي الآثَارِ، وَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَاكِمًا، بَلْ كَانَ يَشْغَلُ مَنْصِبًا آخَرَ، وَيَحْمِلُ اسْمًا آخَرَ، عِنْدَئِذٍ يَقَعُ لُوقَا فِي مَأْزِقٍ كَمُؤَرِّخٍ. أَتَفْهَمُونَ ذَلِكَ؟ مَا مِنْ مُؤَرِّخٍ فِي الْعَالَمِ الْقَدِيمِ يَقْتَرِبُ حَتَّى مِنْ مُسْتَوَى الدِقَّةِ التَارِيخِيَّةِ الْمُثْبَتَةِ عِلْمِيًّا الَتِي يَتَمَتَّعُ بِهَا كَاتِبُ إِنْجِيلِ لُوقَا، مَثَلًا. فَأَيُّهَا السَيِّدَاتُ وَالسَادَةُ، اسْتَنْتَجَ الْعِلْمَانِيُّونَ وَاللادِينِيُّونَ أَنَّ لُوقَا هُوَ أَدَقُّ مُؤَرِّخٍ فِي الْعالَمِ الْقَدِيمِ. وَقَدِ اسْتَفَضْتُ فِي هَذِهِ الْفِكْرَةِ لِسَبَبٍ. فَأَظُنُّ أَنَّنِي سَأَكُونُ عَدِيمَ الْمَسْؤُولِيَّةِ تَمَامًا إِنْ قُلْتُ إِنَّهُ فِي ضَوْءِ الأَدِلَّةِ التَارِيخِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ، الْعَهْدُ الْجَدِيدُ، بِصِفَتِهِ تَارِيخًا، غَيْرُ مَوْثُوقٍ.
أَثَرْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كُلِّيَّةِ لَاهُوتِ بِيتِسْبُرْجْ، حِينَ قَدَّمْتُ مُحَاضَرَةً هُنَاكَ أَمَامَ هَيْئَةِ التَدْرِيسِ وَالطُلَّابِ مُنْذُ عِدَّةِ سَنَوَاتٍ. وَقُلْتُ: "الْفِكْرَةُ الْأُولَى الَتِي أَوَدُّ إِثْبَاتَهَا هِيَ الْمَوْثُوقِيَّةُ الْأَسَاسِيَّةُ لِوَثَائِقِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ". إِذَا كُنْتُ أُخَاطِبُ جُمْهُورًا غَيْرَ مُؤْمِنٍ، لَاضْطُرِرْتُ لِلِاسْتِفَاضَةِ فِي هَذِهِ الْفِكْرَةِ. لَكِنَّنِي كُنْتُ أُخَاطِبُ جُمْهُورًا كَنَسِيًّا، فِي كُلِّيَّةِ لَاهُوتِ، فَقُلْتُ: "إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا هَذِهِ الْفَرْضِيَّةَ، بِأَنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مَوْثُوقٌ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ، وَبِوَجْهٍ عَامٍّ، فَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَبْرِيرٌ مَنْطِقِيٌّ لِوُجُودِ كُلِّيَّةِ لَاهُوتٍ". سَتَقُولُ لِي إِنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَصْدَرُ التَارِيخِيُّ الرَئِيسِيُّ الَذِي تَقُومُ عَلَيْهِ الْمَسِيحِيَّةُ بِرُمَّتِهَا غَيْرَ مَوْثُوقٍ، فَلْنُغْلِقِ الْكُلِّيَّاتِ إِذَنْ، وَنَمْضِ إِلَى بُيُوتِنَا. وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمَسْأَلَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْثُوقِيَّةِ الْأَسَاسِيَّةِ، بَلْ بِالْخُلُوِّ مِنَ الْخَطَأِ، أَوْ الْعِصْمَةِ، وَقُلْتُ: "لِنَفْتَرِضْ، بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الْوَثِيقَةِ التَارِيخِيَّةِ الْمَوْثُوقَةِ بِوَجْهٍ عَامٍّ، أَنَّنَا قَرَأْنَاهَا، وَاقْتَنَعْنَا حَقًّا بِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يُدْعَى يَسُوعَ، صَنَعَ أُمُورًا اسْتِثْنَائِيَّةً، وَكَانَ يَتَحَلَّى بِحِكْمَةٍ وَبَصِيرَةٍ مُذْهِلَتَيْنِ، وَكَانَ مُعْتَرَفًا بِهِ عَلَى الْأَقَلِّ بِأَنَّهُ نَبِيٌّ. فَلَا يَتَطَلَّبُ التَوَصُّلُ إِلَى الِاسْتِنْتَاجِ بِأَنَّ يَسُوعَ كَانَ نَبِيًّا عِصْمَةَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ أَوْ خُلُوَّهُ مِنَ الْخَطَأِ. أَتَفْهَمُونَ؟ نَحْنُ نَتَحَرَّكُ فِي خُطُوَاتٍ تَدْرِيجِيَّةٍ. إِذَنْ، اقْتَنَعْنَا بِهَذَا. لَا وَقْتَ لَدَيَّ لِأُقَدِّمَ الدَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ. لَكِنْ إِنِ اقْتَنَعْنَا حَقًّا بِأَنَّ يَسُوعَ كَانَ عَلَى الْأَقَلِّ نَبِيًّا، سَنَهْتَمُّ بِمَعْرِفَةِ مَا عَلَّمَهُ هَذَا النَبِيُّ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فَلَكَيْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ نَبِيًّا، يَجِبُ أَنْ يَفُوقَ الْمَوْثُوقِيَّةَ الْعَامَّةَ بِقَلِيلٍ. فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، إِنْ كَانَ نَبِيٌّ مَا فَقَطْ مَوْثُوقًا بِوَجْهٍ عَامٍّ فِي نَبَوَّاتِهِ، لَكِنْ غَيْرَ مَوْثُوقٍ أَحْيَانًا، كَانَ يُرْجَمُ حَتَّى الْمَوْتِ، لِأَنَّهُ سَيَكُونُ نَبِيًّا كَذَّابًا، إِنْ نَطَقَ بِنُبُوَّةٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ.
أَيُمْكِنُنَا مَعْرِفَةُ مَا عَلَّمَهُ هَذَا النَبِيُّ، يَسُوعُ، عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟ سَنَبْدَأُ فِي تَوْفِيرِ الْوَقْتِ. تَطَلَّعَ نُقَّادُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ إِلَى أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وَفَتَّتُوهُ نَوْعًا مَا، قَائِلِينَ: "نَظُنُّ أَنَّ هَذَا كُتِبَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الثَانِي، وَأُقْحِمَ عَلَى النَصِّ، إِلَى آخِرِهِ". مُشَكِّكِينَ فِي الْأَصَالَةِ التَارِيخِيَّةِ لِبَعْضِ أَجْزَاءِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. لَكِنْ مِنَ الْغَرَائِبِ، أَيُّهَا السَيِّدَاتُ وَالسَادَةُ، أَنَّهُ حَتَّى فِي مَجَالِ الشُكُوكِيَّةِ وَالنَقْدِ، كَانَ أَحَدُ أَجْزَاءِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَذِي حَظِيَ بِأَعْلَى مُسْتَوًى مِنَ التَصْدِيقِ التَارِيخِيِّ هُوَ تِلْكَ الْمَقَاطِعُ الَتِي تَحْوِي تَعْلِيمَ يَسُوعَ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. إِذَنْ، مَا مِنْ جَدَلٍ جَادٍّ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ حَوْلَ مَا عَلَّمَهُ يَسُوعُ النَاصِرِيُّ وَآمَنَ بِهِ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَمِنَ الْوَاضِحِ جِدًّا أَنَّ يَسُوعَ النَاصِرِيَّ قَبِلَ، وَتَبَنَّى، وَعَلَّمَ الرَأْيَ السَائِدَ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الَذِي كَانَ الْيَهُودُ يَتَبَنَّوْنَهُ، وَهُوَ أَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ مُوحًى بِهِ مِنَ اللَّهِ، وَمَعْصُومٌ.
حَسَمَ يَسُوعُ نِزَاعَاتِهِ اللَاهُوتِيَّةَ مَعَ مُعَاصِرِيهِ بِالِاحْتِكَامِ إِلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ. وَأَدْلَى بِهَذَا التَعْلِيقِ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ: "يَا إِلَهِي، كَلَاَمُكَ هُوَ حَقٌّ". الْبَعْضُ لَا يُحِبُّونَ مُصْطَلَحَ الْوَحْيِ اللَفْظِيِّ. وَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَطَالُ أَصْغَرَ التَفَاصِيلِ. وَيَقُولُونَ: "رُبَّمَا هَذَا الْمُصْطَلَحُ صَحِيحٌ بِوَجْهٍ عَامٍّ، لَكِنَّهُ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ". قَالَ يَسُوعُ: "لَاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ، أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ". وَيُمْكِنُ لِرَأْيِ يَسُوعَ عَنِ الْوَحْيِ أَنْ يُسَمَّى "وَحْيَ الْحَرْفِ وَالنُقْطَةِ". فَهُوَ يَنْطَبِقُ عَلَى الْفَاصِلَةِ، وَالنُقْطَةِ، وَالنِقَاطِ فَوْقَ الْحُرُوفِ.
مُجَدَّدًا، الَذِينَ يَعْتَرِضُونَ عَلَى عَقِيدَةِ الْخُلُوِّ مِنَ الْخَطَأِ، لَا يَعْتَرِضُونَ عَلَى كَوْنِ هَذَا مَا عَلَّمَهُ يَسُوعُ. فَأُنَاسٌ مِثْلُ بَارْتْ، وَبُرُونَرْ، وَيهُويَاكِيمْ جِيرِيمَايَاسْ، وَسِي. إِتْشْ. دُودْ، مَثَلًا، كَتَبُوا جَمِيعًا فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ قَائِلِينَ إِنَّهُمْ مُقْتَنِعُونَ بِأَنَّ يَسُوعَ تَبَنَّى الرَأْيَ الْقَائِلَ إِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ مَعْصُومٌ. لَكِنْ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، تَابَعَ هَؤُلَاءِ قَائِلِينَ: "لَكِنَّهُ كَانَ مُخْطِئًا"!
قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ ذَلِكَ بِالذُعْرِ، اعْلَمُوا أَنَّ لَدَيْهِمْ تَبْرِيرًا لَاهُوتِيًّا مَهِمًّا لِتَقْوِيمِهِمْ يَسُوعَ فِي هَذَا الشَأْنِ. فَهُمْ يَقُولُونَ: "تَذَكَّرُوا أَنْ يَسُوعَ كَانَتْ لَدَيْهِ طَبِيعَةٌ إِلَهِيَّةٌ، وَطَبِيعَةٌ بَشَرِيَّةٌ. وَكَإِنْسَانٍ، كَانَتْ مَعْرِفَتُهُ فِي نَاسِوَتِهِ مَحْدُودَةً".
كَتَبْتُ مَقَالًا، مُنْذُ عَامٍ تَقْرِيبًا، فِي مَجَلَّةِ تِيبُولْتُوكْ (Tabletalk)، حَيْثُ طَرَحْتُ السُؤَالَ: "حِينَ كَانَ يَسُوعُ فِي الْمِذْوَدِ، هَلْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ كُرَوِيَّةٌ؟" هَلْ كَانَ الطِفْلُ يَسُوعُ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ كُرَوِيَّةٌ؟ لَا أَظُنُّ ذَلِكَ. كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ فِي لَاهُوتِهِ، لِأَنَّهُ خَالِقُهَا، وَيُعْرَفُ شَكْلَهَا. لَكِنَّهُ فِي نَاسُوتِهِ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ. فَفِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، جَاءَ التَلَامِيذُ إِلَى يَسُوعَ، وَسَأَلُوهُ عَنْ نِهَايَةِ الْأَزْمِنَةِ، وَمَتَى سَيَأْتِي ثَانِيَةً. فَأَجَابَ: "وَأَمَّا ذَلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَاعَةُ فَلَاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ وَلَاَ الِاِبْنُ". فِي هَذَا التَصْرِيحِ، إِذَا أَمْكَنَكُمْ تَحْمُّلُ هَذَا، أَيُّهَا السَيِّدَاتُ وَالسَادَةُ، أَخْبَرَ يَسُوعُ تَلَامِيذَهُ بِأَنَّ هناكَ أَمْرًا لَا يَعْلَمُهُ. أَعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ اللَاهُوتِيِّينَ بَذَلُوا جُهْدًا مُضْنِيًا فِي مُحَاوَلَةِ إِيجَادِ تَبْرِيرٍ لِذَلِكَ، قَائِلِينَ إِنَّ يَسُوعَ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، لَكِنَّ الْجَوَابَ كَانَ عَمِيقًا أَوْ مُقَدَّسًا لِدَرَجَةٍ مَنَعَتْهُ مِنْ إِطْلَاعِ الْآخَرِينَ عَلَيْهِ. لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا أَعْلَمُ"!
يُقِرُّ هَؤُلَاءِ اللَاهُوتِيُّونَ بِمَا عَلَى كُلِّ لَاهُوتِيٍّ بُرُوتِسْتَانْتِيٍّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ يَسُوعَ فِي نَاسُوتِهِ لَمْ يَكُنْ كُلِّيَّ الْعِلْمِ. فَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ كُلَّ شَيْءٍ. فَالْعِلْمُ الْكُلِّيُّ، أَيْ مَعْرِفَةُ كُلِّ شَيْءٍ، أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ، هُوَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ. وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ اللَاهُوتِ. وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ رُوحٌ، بِلَا جَسَدٍ، كَانَ لِنَاسُوتِ يَسُوعَ جَسَدٌ. لَكِنْ لَيْسَ لِلَّاهُوتِ جَسَدٌ. وَاللَاهُوتُ حَلَّ فِي الْجَسَدِ الْبَشَرِيِّ، إِلَى آخِرِهِ. تَعْلَمُونَ أَنَّهُ حِينَ جَاعَ يَسُوعُ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِظْهَارًا لِلَّاهُوتِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَجُوعُ. كَانَ هَذَا إِظْهَارًا لِلنَاسُوتِ. إِذًا، حِينَ قَالَ يَسُوعُ: "لَا أَعْلَمُ"، لَمْ يَكُنْ هَذَا بِالتَأْكِيدِ إِظْهَارًا لِعِلْمِ لَاهُوتِهِ، فَاللَاهُوتُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، عَلَى عَكْسِ النَاسُوتِ.
إِذًا، يَقُولُ هَؤُلَاءِ اللَاهُوتِيُّونَ: "بِمَا أَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، فَمِنَ الْمُمْكِنِ بِالتَأْكِيدِ أَنْ يُخْطِئَ. فَكَيْفَ كَانَ بِاسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الرَأْيَ الْيَهُودِيَّ السَائِدَ عَنِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ خَاطِئٌ؟ كَيْفَ نَلُومُ يَسُوعَ لِقَوْلِهِ: "مُوسَى كَتَبَ عَنِّي"، بَيْنَمَا لَمْ يَكُنْ فَلَهَاوْزِنَ (Wellhausen) قَدْ وُلِدَ بَعْدُ، وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ يَدْرِي أَنَّ مُوسَى لَمْ يَكْتُبِ الْأَسْفَارَ الْخَمْسَةَ الْأُولَى مِنَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لَكِنَّهَا كُتِبَتْ عَلَى يَدِ الْمَصَادِرِ J وَE وَD وَP؟ كَيْفَ نُلُومُهُ لِقَوْلِهِ: "إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي"؟ كَيْفَ أَمْكَنَ يَسُوعَ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ ابْرَاهِيمَ أُسْطُورَةٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ شَخْصًا حَقِيقِيًّا؟ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَلُومَ يَسُوعَ عَلَى ذَلِكَ. بَلَى، يُمْكِنُنَا أَنْ نَلُومَهُ.
الْفِكْرَةُ الْمِحْوَرِيَّةُ، أَيُّهَا السَيِّدَاتُ وَالسَادَةُ، هِيَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَسُوعَ أَنْ يَكُونَ كُلِّيَّ الْعِلْمِ فِي نَاسُوتِهِ كَيْ يُخْلِّصَنَا مِنْ خَطَايَانَا، لَكِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَتْمًا أَنْ يَكُونَ بِلَا خَطِيَّةٍ لِيَكُونَ مُؤَهَّلًا أَنْ يُخَلِّصَنَا. وَادِّعَاءُ أَوْ تَصْرِيحُ أَيِّ شَخْصٍ بِأَنَّهُ يَعْرِفُ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْرِفُهُ حَقًّا هُوَ خَطِيَّةٌ. وَمِنْ مَعَايِيرِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لِوَظِيفَةِ الْمُعَلِّمِ هُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِيًا أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ لَا تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ، لِأَنَّهُ مَعَ التَعْلِيمِ تَأْتِي دَيْنُونَةٌ أَعْظَمُ. فَتَضْلِيلُ أَحَدِهِمْ يُعْتَبَرُ أَسْوَأَ الْخَطَايَا. فَخَيْرٌ لِهَذَا الشَخْصِ لَوْ لَمْ يُولَدْ، وَأَنْ يُعَلَّقَ حَجَرُ رَحًى فِي عُنُقِهِ، لِأَنَّهُ أَعْثَرَ أَحَدَ أُولَئِكَ الصِّغَارِ.
لِنَفْتَرِضْ أَنِّي جِئْتُ إِلَيْكُمْ قَائِلًا: "الْيَوْمَ أُرِيدُ أَنْ تُصْغُوا إِلَى كَلامِي، فَعِنْدَمَا يَتَكَلَّمُ أَرْ. سِي. سْبْرُول، يُعْلِنُ الْحَقَّ"، ثُمَّ رَأَيْتُمُونِي أَرْتَكِبُ خَطَأً، فَمَاذَا سَتَكُونُ مِصْدَاقِيَّتِي لَدَيْكُمْ؟
أَتُدْرِكُونَ أَنَّ يَسُوعَ قَالَ: "لَسْتُ أُعَلِّمُ شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، بَلْ فَقَطْ أَقُولُ مَا فَوَّضَنِي اللهُ لأَقُولَهُ"؟ ثُمَّ تَابَعَ قَائِلًا: "أَنَا هُوَ الْحَقُّ". إِنِ ادَّعَى مُعَلِّمٌ مَا أَنَّهُ لا يُعَلِّمُ شَيْئًا إِلَّا مَا أَعْطَاهُ الآبُ إِيَّاهُ، وَادَّعَى أَنَّهُ الْحَقُّ مُتَجَسِّدًا، ثُمَّ عَلَّمَ مَعْلُومَاتٍ خَاطِئَةً، عِنْدَئِذٍ، تُكَذَّبُ ادِّعَاءَاتُهُ، وَتَكُونُ هَذِهِ خَطِيَّةً. وَلَنْ يَكُونَ يَسُوعُ أَهْلًا لأَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ، نَاهِيكَ عَنْ أَنْ يُخَلِّصَنَا نَحْنُ.
إِنَّ مَسْأَلَةَ سُلْطَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ تَكْمُنُ فِي النِهَايَةِ فِي سُلْطَانِ الْمَسِيحِ. فَلِأَنَّنَا عَلَى قَنَاعَةٍ بِأَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ رَبُّ الْكَنِيسَةِ، وَالْمُعَلِّمُ بِامْتِيَازٍ، وَمَصْدَرُ السُلْطَةِ المُطْلَقُ، وَرَأْسُ الْكَنِيسَةِ، نُدَافِعُ بِكُلِّ ضَرَاوَةٍ عَنِ ادِّعَاءاتِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ كَلِمَةُ اللهِ، لأَنَّ مَا عَلَى الْمِحَكِّ هُنَا لَيْسَ مِصْدَاقِيَّةَ إِشَعْيَاءَ أَوْ إِرْمِيَا، بَلْ مَا لا يَقِلُّ عَنْ سُلْطَانِ الْمَسِيحِ، وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَخَلاصِهِ.