المحاضرة 4: أَرْبَعُ خُطُواتٍ بِالتَرْتِيبِ الْعَكْسِيِّ

كيف تعرف ما إذا كان شيء ما صحيحًا؟ هل تمتحنه بالملاحظة؟ هل تفكِّر فيه بشكل منطقي؟ في هذه المحاضرة، يتناول د. سبرول أسئلة مهمة من نظريَّة المعرفة، أي دراسة المعرفة. بينما يضع د. سبرول أربع افتراضات منطقيَّة ضروريَّة لكل خطاب منطقي، يوضِّح أن العديد من الملحدين ينتهكون المنطق الأساسي من أجل إنكار وجود الله.

نُمَارِسُ هُنَا الدِفَاعِيَّاتِ، أَيْ تَقْدِيمَ دِفَاعٍ فِكْرِيٍّ عَنْ تَصْرِيحَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ. وَأَوَّلُ شَيْءٍ عَلَيْنَا التَعَامُلُ مَعَهُ، عِنْدَ وَضْعِ اسْتْرَاتِيجِيَّةٍ لِتَكْوِينِ دِفَاعٍ فِكْرِيٍّ، يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِ الإِبِيسْتِيمُولُوجْيَا. أَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تَبْدُو غَرِيبَةً عَلَى مَسَامِعِ الْكَثِيرِينَ. لِذَا، سَأَصْرِفُ بِضْعَ لَحَظاتٍ الْيَوْمَ لِتَوْضِيحِ مَاهِيَّةِ الإِبِيسْتِيمُولُوجْيَا، وَسَبَبِ أَهَمِّيَّتِها الْكَبِيرَةِ لِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ بِرُمَّتِهِ.

لِنُدَوِّنْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى السَبُّورَةِ - إِبِيسْتِيمُولُوجْيَا - إ-ب-ي-س-ت-ي-م-و-ل-و-ج-ي-ا. الإِبِيسْتِيمُولُوجْيَا هُوَ فَرْعٌ مِنْ فُرُوعِ الْفَلْسَفَةِ، يُرَكِّزُ عَلَى سُؤَالٍ أَسَاسِيٍّ بَالِغِ الأَهَمِّيَّةِ، وَهُوَ: كَيْفَ نَعْرِفُ مَا نَعْرِفُهُ؟ وَكَيْفَ يُمْكِنُنَا إِثْبَاتُ صِحَّةِ أَوْ خَطَأِ ادِّعَاءٍ مَا؟ نُصَادِفُ ذَلِكَ طَوَالَ الْوَقْتِ. فَرُبَّمَا أَقُولُ لَكَ شَيْئًا، فَتَقُولُ لِي: "كَيْفَ عَرَفْتَ ذَلِكَ؟" فَأُجِيبُكَ: "عَرَفْتُ ذَلِكَ لأَنَّ ..."، مُقَدِّمًا دِفَاعًا أَوْ سَبَبًا، وَمُحاوِلًا إِثْبَاتَ ذَلِكَ الادِّعَاءِ بِالاحْتِكَامِ إِلَى أَسَاسٍ مِنَ الْمَعْرِفَةِ. يَقُولُ الْبَعْضُ: "لا أُؤْمِنُ بِاللهِ لأَنَّهُ غَيْرُ مَنْظُورٍ. وَمَا لَمْ أَتَمَكَّنْ مِنْ رُؤْيَتِهِ، أَوْ تَذَوُّقِهِ، أَوْ لَمْسِهِ، أَوْ شَمِّهِ، أَوِ الاسْتِمَاعِ إِلَيْهِ، لَنْ أُؤْمِنَ بِهِ". يَقُولُ هَذَا الشَخْصُ إِذَنْ: "بِرَأْيِي، الْمَعْرِفَةُ الْوَحِيدَةُ السَلِيمَةُ هِيَ الَتِي يُمْكِنُ اخْتِبَارُهَا مِنْ خِلالِ حَاسَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ". وَيَقُولُ آخَرُ "مَهْلاً، أَنَا مِنْ مِيزُورِي، وَحَتَّى إِنْ رَأَيْتُ الشَيْءَ، لَنْ أُصَدِّقَ، مَا لَمْ يُمْكِنْكَ إِثْبَاتُهُ لِي بِيَقِينِيَّةِ الْمُعَادَلاتِ الْحِسَابِيَّةِ، لأَنَّنِي أَعْلَمُ أَنَّ شُهُودَ الْعِيَانِ كَثِيرًا مَا يُخْطِئُونَ، وَيَنْخَدِعُونَ بِمَا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ. وَرُبَّمَا يُهَلْوِسُونَ أَوْ مَا إِلَى ذَلِكَ. إِذَنْ، الْبُرْهَانُ الْوَحِيدُ الَذِي سَأَرْضَخُ لَهُ هُوَ الْبُرْهَانُ الْمَنْطِقِيُّ وَالْمَنْهَجِيُّ، كَذَلِكَ الْبُرْهَانُ الْمُسْتَمَدُّ مِنَ الْمُعَادَلاتِ الْحِسَابِيَّةِ، عَلَى مُسْتَوَى اثْنَيْنِ زَائِدِ اثْنَيْنِ يُسَاوِي أَرْبَعَةً".

إِذَنْ، تَعْتَمِدُ الْمَجْمُوعَةُ الأُولَى مِنَ النَاسِ عَلَى الْحَوَاسِّ. وَتَعْتَمِدُ الْمَجْمُوعَةُ الثَانِيَةُ الَتِي ذَكَرْتُها لِتَوِّي عَلَى الْعَقْلِ، وَعَلَى عَمَلِيَّاتِ التَفْكِيرِ الْمَنْهَجِيَّةِ. وَعِنْدَمَا نَأْتِي إِلَى مَسْأَلَةِ الْحَقِّ، يَجِبُ أَنْ نَسْأَلَ: "مَا الْعَناصِرُ اللازِمَةُ لِنَعْرِفَ أَنَّ أَمْرًا مَا صَحِيحٌ؟"

تُوجَدُ عِدَّةُ مَنْهَجِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لِتَنَاوُلِ مَسْأَلَةِ الإِبِيسْتِيمُولُوجْيَا، وَلا سِيَّمَا فِي عَلاقَتِهَا بِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ. قَالَ الْبَعْضُ إِنَّ الدِفَاعَ اللائِقَ الْوَحِيدَ هُوَ الْمُتَأصِّلُ فِي الْمَعْلُومَاتِ التَارِيخِيَّةِ، وَالَذِي يُعْرَفُ بِالْحَواسِّ الْخَمْسِ. وَيَقُولُ آخَرُونَ: "كَلَّا، هَذِهِ مَنْهَجِيَّةٌ أَقَلُّ مِنْ لائِقَةٍ. فَالسَبِيلُ الْحَقِيقِيُّ الْوَحِيدُ لإِثْبَاتِ وُجُودِ اللهِ هُوَ الاسْتِدْلالُ الْمَنْطِقِيُّ". وَيَقُولُ آخَرُونَ: "كِلاكُمَا مُخْطِئٌ تَمَامًا. فَالسَبِيلُ الْحَقِيقِيُّ الْوَحِيدُ لِلْمَعْرِفَةِ عَنِ اللهِ هُوَ التَسْلِيمُ بِذَلِكَ مِنَ الْبِدَايَةِ، كَافْتِرَاضٍ مُسْبَقٍ ضَرُورِيٍّ لأَيَّةِ مَعْرِفَةٍ"، إِلَى آخِرِهِ. إِذَنْ، ثَمَّةَ اخْتِلافٌ فِي الرَأْيِ حَوْلَ الْمَزِيجِ الْمَطْلُوبِ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ لِتَكْوِينِ دِفَاعٍ سَلِيمٍ عَنِ الإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ.

سَأَتَنَاوَلُ الأَمْرَ بِالتَرْتِيبِ الْعَكْسِيِّ نَوْعًا مَا. وَسَأَتَناوَلُهُ بِالتَرْتِيبِ الْعَكْسِيِّ بِطَرِيقَتَيْنِ. الطَرِيقَةُ الأُولَى الَتِي سَأَتَنَاوَلُ بِهَا الأَمْرَ بِالتَرْتِيبِ الْعَكْسِيِّ هِيَ: مُنْذُ عِدَّةِ سَنَواتٍ، عِنْدَمَا كُنْتُ أُعَلِّمُ طُلَّابَ السَنَةِ النِهَائِيَّةِ فِي كُلِّيَّةِ اللاهُوتِ بِفِيلادِلْفْيا، بِجَامِعَةِ تَمْبِل، قَدَّمْتُ لَهُمْ مُقَرَّرًا اخْتِيَارِيًّا عَنِ الإِلْحَادِ عَبْرَ التَارِيخِ. وَفِي ذَلِكَ الْمُقرَّرِ، وَكَجُزْءٍ مِنَ الْمُتَطَلَّباتِ الأَكَادِيمِيَّةِ، كَلَّفْتُ الطُلَّابَ بِقِرَاءَةِ الْمَصَادِرِ الأَوَّلِيَّةِ لأَكْبَرِ الْمُلْحِدِينَ فِي الْفِكْرِ النَظَرِيِّ الْغَرْبِيِّ، أَمْثَالِ جُونْ سْتِيوارْت مِيل، وَكَارْل مَارْكْس، وَجَانْ بُول سَارْتْر، وَأَلْبِير كَامُو، وَوَالْتِر كُوفْمَان، وَغَيْرِهِمْ. وَخِلالَ فَحْصِنَا لِلْمَصَادِرِ الأَوَّلِيَّةِ لِهَؤُلاءِ الْعُلَمَاءِ الاسْتِثْنَائِيِّينَ الَذِينَ كَانُوا مُلْحِدِينَ، أَعَرْنَا انْتِبَاهًا كَبِيرًا لِلْكَيْفِيَّةِ الَتِي كَوَّنَ بِهَا هَؤُلاءِ الْمُعَارِضُونَ لِلإِيمَانِ بِوُجُودِ اللهِ حُجَجَهُمْ السَلْبيَّةَ. وَبِالنَظَرِ إِلَى الأَمْرِ بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ، لاحَظْتُ ظُهُورَ نَمَطٍ، وَهُوَ كَالتَالِي: اكْتَشَفْتُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ تَقْرِيبًا مِنْ هَؤُلاءِ الْمُفَكِّرِينَ أَوِ الْفَلاسِفَةِ الْمُلْحِدِينَ، فِي مَرْحَلَةٍ أَوْ أُخْرَى مِنْ حُجَجِهِ ضِدَّ الإِيمَانِ بِوُجُودِ اللهِ، هَاجَمَ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الْمَبَادِئِ الإِبِيسْتِيمُولُوجِيَّةِ الأَسَاسِيَّةِ الأَرْبَعَةِ.

دَعُونِي الآنَ أَذْكُرُهَا لَكُمْ. الْمَبَادِئُ الأَسَاسِيَّةُ الأَرْبَعَةُ لِلْمَعْرِفَةِ، الَتِي هَاجَمَهَا الْمُلْحِدُونَ إِمَّا جُزْئِيًّا أَوْ كُلِّيًّا، هِيَ أَوَّلاً، قَانُونُ عَدَمِ التَنَاقُضِ، أَوْ مَا يُعْرَفُ أَحْيَانًا بِقَانُونِ التَنَاقُضِ. فَلِدَحْضِ الْحُجَّةِ الْمُؤَيِّدَةِ لِوُجُودِ اللهِ، عَارَضَ بَعْضُ الْفَلاسِفَةِ قَوَانِينَ الْمَنْطِقِ الأَسَاسِيَّةَ نَفْسَهَا - مِثْلَ قَانُونِ التَنَاقُضِ. الْمَبْدَأُ الثَانِي، الأَكْثَرُ تَعَرُّضًا لِلْهُجُومِ، كَمَا سَنَرَى لاحِقًا، هُوَ قَانُونُ السَبَبِيَّةِ، أَوْ مَا يُسَمَّى أَحْيَانًا بِقَانُونِ السَبَبِ وَالنَتِيجَةِ. وَسَنَتَناوَلُ هَذَا الْعُنْصُرَ مِنْ نَظَرِيَّةِ الْمَعْرِفَةِ عَلَى حِدَةٍ. وَالْمَبْدَأُ الثَالِثُ الَذِي تَعَرَّضَ لِلْهُجُومِ هُوَ مَا أُسَمِّيهِ بِمَبْدَأِ الْمَوْثُوقِيَّةِ الأَسَاسِيَّةِ لِلإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ.

وَأَقْصِدُ بِالإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ مَا ذَكَرْتُهُ مُنْذُ دَقَائِقَ عَنْ حَوَاسِّنَا الْخَمْسِ - أَيْ كَيْفَ نَرَى بِأَعْيُنِنَا، أَوْ نَسْمَعُ بِآذَانِنَا، أَوْ نَلْمُسُ بِأَيْدِينَا، أَوْ نَشُمُّ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. تِلْكَ هِيَ الْحَواسُّ. فَإِنَّنِي أَرَى الآنَ هَذَا الرَجُلَ الْجَالِسَ فِي الصَفِّ الأَوَّلِ، أَيْ أُدْرِكُهُ بِعَيْنَيَّ. هَذَا هُوَ الإِدْرَاكُ الْحِسِّيُّ. قَدْ أَكُونُ مَخْدُوعًا، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الرَجُلُ مِنْ صُنْعِ خَيَالِي، لَكِنْ تَظَلُّ لَدَيَّ ثِقَةُّ أَسَاسِيَّةٌ فِي الْمَوْثُوقِيَّةِ الأَسَاسِيَّةِ لِحَواسِّي. لا تَتَمَتَّعُ حَواسِّي بِالْمَوْثُوقِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ، لَكِنَّهَا عَلَى الأَقَلِّ جَدِيرَةٌ بِالثِقَةِ بِشَكْلٍ أَسَاسِيٍّ. هَذَا هُوَ الْمَبْدَأُ الثَالِثُ. أَمَّا الْمَبْدَأُ الرَابِعُ، الَذِي قَدْ يَبْدُو لَكُمْ غَرِيبًا وَغَامِضًا لِلْغَايَةِ، فَهُوَ مَا أُسَمِّيهِ "الاسْتِخْدَامَ التَشَابُهِيَّ للُّغَةِ".

سَأَصْرِفُ وَقْتًا لِلاسْتِفَاضَةِ فِي شَرْحِ كُلِّ مَبْدَأٍ مِنْ هَذِهِ الْمَبَادِئِ الأَرْبَعَةِ، وَإِظْهَارِ سَبَبِ أَهَمِّيَّتِها الْبَالِغَةِ فِي أَيِّ دِفَاعٍ جَادٍّ عَنْ تَصْرِيحَاتِ الْمَسِيحِيَّةِ. لَكِنْ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، سَأَقُولُ فَقَطْ إِنَّهُ بِالنَظَرِ بِشَكْلٍ غَيْرِ مُبَاشِرٍ إِلَى انْتِقَادَاتِ أَكْبَرِ خُصُومِ الْمَسِيحِيَّةِ وَالإِيمَانِ بِوُجُودِ اللهِ عَبْرَ التَارِيخِ، وَكَمَا ذَكَرْتُ سَابِقًا، نَكْتَشِفُ أَنَّ النَمَطَ الَذِي يَتَّبِعُهُ الْمُلْحِدُونَ هُوَ أَنَّهُمْ يُسَاوِمُونَ عَادَةً فِي مَبْدَأٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَر، مِنْ هَذِهِ الْمَبَادِئِ الأَرْبَعَةِ لِلْمَعْرِفَةِ.

وَأَرْغَبُ فِي سَرْدِ هَذِهِ الْمَبَادِئِ لَكُمْ لأُحَاوِلَ حَثَّ الْمُؤْمِنِينَ الَذِينَ يَسْعَوْنَ إِلَى الدِفَاعِ عَنِ الإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ عَلَى أَنْ يَكُونُوا شَدِيدِي الْحِرْصِ، عِنْدَ تَكْوِينِ دِفَاعِهِمْ عَنِ الْمَسِيحِيَّةِ، أَلَّا يُسَاوِمُوا فِي أَيٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَبَادِئِ الأَرْبَعَةِ، لأَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَهُمْ يُقَدِّمُونَ تَنَازُلاتٍ قَدْ تَهْدِمُ حُجَّتَهُمْ أَمَامَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ. كَمَا يَجِبُ أَنْ أُضِيفَ، كَمَسْأَلَةٍ جَانِبِيَّةٍ، أَنَّ هُنَاكَ الْكَثِيرَ مِنْ أَنْظِمَةِ الدِفَاعِيَّاتِ الْمَسِيحِيَّةِ الَتِي تُسَاوِمُ بِالْفِعْلِ فِي وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمَبَادِئِ، وَهَذَا بِرَأْيِي خَطَأٌ فَادِحٌ فِي مِنْهَجِيَّاتِهَا الدِفَاعِيَّةِ.

سَبَقَ أَنْ تَحَدَّثْتُ عَنْ طَرِيقَتَيْنِ بِالتَرْتِيبِ الْعَكْسِيِّ حَاوَلْتُ بِهِمَا تَوْضِيحَ هَذِهِ الْمَبَادِئِ الْمَعْرِفِيَّةِ غَيْرِ الْقَابِلَةِ لِلْمُسَاوَمَةِ. الطَرِيقَةُ الأُولَى هِيَ الْعَمَلِيَّةُ الاسْتِدْلالِيَّةُ الْمُتَمَثِّلَةُ فِي فَحْصِ أَعْمَالِ الْمُلْحِدِينَ عَبْرَ التَارِيخِ، وَمُلاحَظَةِ الأُسْلُوبِ الَذِي اتَّبَعُوهُ، وَتَحْدِيدِ طَبِيعَةِ افْتِراضَاتِهِمْ فِي أَثْنَاءِ تَكْوِينِ حُجَجِهِمْ، وَفَحْصِ مَا إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الافْتِرَاضَاتُ سَلِيمَةً أَمْ لا. الطَرِيقَةُ الأُخْرَى الَتِي اتَّبَعْتُها هِيَ مُلاحَظَةُ الافْتِراضاتِ الْمَعْرِفِيَّةِ الْمُفْتَرَضَةِ، الْمُسْتَخْدَمَةِ بِاسْتِمْرَارٍ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لأَنَّهُ فِي النِهَايَةِ، الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ هُوَ سُلْطَتُنَا النِهَائِيَّةُ كَمُؤْمِنِينَ، وَالْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ، مَعَ أَنَّهُ مَعْنِيٌّ جِدًّا بِالْحَقِّ - أَيِ الْحَقِّ الْمُطْلَقِ - لَكِنَّهُ لَيْسَ مَرْجَعًا مُتَخَصِّصًا فِي نَظَرِيَّةِ الْمَعْرِفَةِ. فَلا يُقدِّمُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ تَحْلِيلاً فَلْسَفِيًّا لِعَلاقَةِ الْعَقْلانِيَّةِ بِالإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ، أَوْ لِعَلاقَةِ الإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ بِالاسْتِخْدَامِ التَشَابُهِيِّ لِلُّغَةِ. لا نَجِدُ هَذِهِ الأُمُورَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَمَعَ ذَلِكَ، عِنْدَمَا نَفْحَصُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ وَأُسْلُوبَهُ، نَرَى افْتِرَاضَاتٍ مُعَيَّنَةً، أَوْ مَا سَأُسَمِّيهِ هُنَا "افْتِرَاضَاتٍ مُسْبَقَةً" - وَهِيَ افْتِرَاضَاتٌ يُسَلِّمُ بِهَا الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ عِنْدَ تَوْصِيلِ مُحْتَواهُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُهُ. تِلْكَ الافْتِرَاضَاتُ هِيَ مِنْ عِنْدِ اللهِ نَفْسِهِ؛ وَأَفْتَرِضُ، بِالتَالِي، أَنَّهَا جُزْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقِ، لأَنَّ اللهَ خَلَقَ الْمَخْلُوقَ كَائِنًا يُفَكِّرُ، وَيَشْعُرُ، وَيَتَوَاصَلُ، إِلَى آخِرِهِ. نَرَى، مَثَلاً، فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ افْتِراضًا ضِمْنِيًّا بِصِحَّةِ قَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ، حَيْث يُفْتَرَضُ فِيِه أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مُتَنَاقِضٍ، وَأنَّهُ يُوجَدُ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ الطَاعَةِ وَالْعِصْيَانِ، وَبَيْنَ الْبِرِّ وَالإِثْمِ، وَبَيْنَ الْمَسِيحِ وَضِدِّ الْمَسِيحِ. فَسَوْفَ نُقدِّمُ حِسَابًا أَمَامَ خالِقِنا، لأَنَّهُ إِنْ أَوْصَانَا اللهُ بِفِعْلِ الأَمْرِ "أ"، فَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَعْصَى ذَلِكَ فَاعِلِينَ عَكْسَهُ. فَلَيْسَ مَسْمُوحًا لَنَا أَنْ نَسْلُكَ بِخِلافِ مَا يُوصِي بِهِ اللهُ، أَوْ بِخِلافِ مَا يَنْهَى عَنْهُ. فإذا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ طَائِعًا لِكَلِمَةِ اللهِ فِي الْمَقَامِ الأَوَّلِ، عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ ضِمْنَ إِطَارِ قَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ، لأَنَّهُ دُونَ قَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ، لَمَا أَمْكَنَ فَهْمُ أَيَّةِ جُمْلَةٍ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. سَأُحَاوِلُ إِثْبَاتَ ذَلِكَ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْمُقْبِلَةِ، لَكِنِ الآنَ، سَنُلْقِي مُجَدَّدًا نَظْرَةً شَامِلَةً عَلَى الأَمْرِ، لأُبيِّنَ لَكُمُ الْمَبَادِئَ الأَسَاسِيَّةَ الَتِي يَجِبُ أَلَّا تُسَاوِمُوا فِيهَا الْبَتَّةَ.

مَاذَا عَنْ قَانُونِ السَبَبِيَّةِ؟ هَلْ هُوَ مُسَلَّمٌ بِهِ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ؟ حَسَنًا، كُلَّمَا احْتُكِمَ فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، مَثَلاً، إِلَى الْقِيمَةِ الإِثْبَاتِيَّةِ لِمُعْجِزةٍ مَا، يُسَلَّمُ بِمَوْثُوقِيَّةِ قَانُونِ السَبَبِيَّةِ. قَالَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ: "إِنْ كُنْتُمْ لا تُصَدِّقُونَ كَلامِي، فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ الأَعْمَالِ نَفْسِهَا". وَعِنْدَمَا جَاءَ نِيقُودِيمُوسُ إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً قَائِلاً: "يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّمًا، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ"، كَانَ نِيقُودِيمُوسُ يَقْصِدُ الآتِي: "أُحَاوِلُ الرَبْطَ بَيْنَ الأَدِلَّةِ. فَلا بُدَّ مِنْ وُجُودِ سَبَبٍ إِلَهِيٍّ فَائِقٍ لِلطَبِيعَةِ وَرَاءَ الأَعْمَالِ الَتِي تَعْمَلُهَا، وَإِلَّا لَمَا صُنِعَتْ هَذِهِ الأَعْمَالُ". وَبِرَأْيِي، كَانَ نِيقُودِيمُوسُ يُفَكِّرُ هُنَا بِطَرِيقَةٍ مَنْطِقِيَّةٍ وَسَلِيمَةٍ.

لَكِنْ مُجَدَّدًا، حِينَ يَقُولُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ "انْظُرْ، هَذِهِ مُعْجِزَةٌ! خَرَجَ الْمَسِيحُ مِنَ الْقَبْرِ، وَقَامَ الْمَيِّتُ"، يُفْتَرَضُ أَنْ نَسْتَنْتِجَ مِنْ ذَلِكَ وُجُودَ سَبَبٍ إِلَهِيٍّ وَرَاءَ الْقِيَامَةِ. لَكِنْ إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ يُمْكِنُ لأَيِّ شَيْءٍ أَنْ يُسَبِّبَ أَيَّ شَيْءٍ، أَوْ إِنَّ أَيَّ شَيْءٍ قَدْ يَحْدُثُ دُونَ سَبَبٍ، تُصْبِحُ الْقِيمَةُ الإِثْبَاتِيَّةُ لِلْقِيَامَةِ، أَوْ لأَيٍّ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْمَسِيحِ، أَوْ لأيٍّ مِنْ مُعْجِزَاتِ قِدِّيسِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، مَعْدُومَةً. إِذَنْ، مُنْذُ الصَفْحَةِ الأُولَى لِلْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ وَحَتَّى النِهَايَةِ، يُسَلَّمُ بِقَانُونِ السَبَبِيَّةِ. وَمُجدَّدًا، سَأَسْتَفِيضُ فِيهِ بِأَكْثَرِ تَفْصِيلٍ فِي مُحَاضَرَةٍ مُنْفَصِلَةٍ، لأُبَيِّنَ سَبَبَ الأَهَمِّيَّةِ الْبَالِغَةِ لِقَانُونِ السَبَبِيَّةِ فِي عِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ الْمَسِيحِيَّةِ.

ثَالِثًا، الْمَوْثُوقِيَّةُ الأَسَاسِيَّةُ لِلإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ. مُجَدَّدًا، حَتَّى إِذَا سَلَّمْنَا بِأَنَّ حَوَاسَّنَا يُمْكِنُ أَنْ تَخْدَعَنا. فَالْقِدِّيسُ أُوغُسْطِينُوسُ، مَثَلًا، اسْتَخْدَمَ مَثَلاً شَهِيرًا لإِظْهَارِ حُدُودِ مَوْثُوقِيَّةِ الإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ، وَهُوَ تَشْبِيهُ "الْمِجْذَافِ الْمَائِلِ". تَشْبِيهُ الْمِجْذَافِ الْمَائِلِ مُسْتَمَدٌّ مِمَّنْ كَانُوا يَسْتَخْدِمُونَ الْمَجاذِيفَ لِلْخُرُوجِ بِقَوَارِبِهِمْ إِلَى الْبُحَيْرَاتِ - أَيْ زَوَارِقِ التَجْذِيفِ الْقَدِيمَةِ. رُبَّمَا جرَّبْتُمْ جَمِيعًا رُكُوبَ زَوَارِقِ تَجْدِيفٍ، فَعِنْدَمَا تَضَعُونَ الْمِجْذَافَ فِي الْمِيَاهِ تَحْتَ أَشِعَّةِ شَمْسِ الظَهِيرَةِ، ثُمَّ تَنْظُرُونَ فِي الْمِيَاهِ، سَتَتَمَكَّنُونَ مِنْ رُؤْيَةِ حَافَّةِ الْمِجْذَافِ تَحْتَ سَطْحِ الْمِيَاهِ، وَمِنْ مَوْقِعِكُمْ، يَبْدُو لَكُمْ يَقِينًا أَنَّ الْمِجْذَافَ مَائِلٌ، بِفِعْلِ انْكِسَارِ الضَوْءِ. إِذَنْ، مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِكُمْ وَأَنْتُمْ جَالِسُونَ فِي الزَوْرَقِ، وَإِذَا كُنْتُمْ تَجْهَلُونَ قَوَانِينَ الضَوْءِ وَالانْكِسَارِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ، سَتَسْتَنْتِجُونَ أَنَّ الْمِجْذَافَ مَائِلٌ. هَكَذَا يُمْكِنُ لإِدْرَاكِنَا الْحِسِّيِّ خِدَاعُنَا.

عِنْدَمَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَاضِرِينَ هُنَا الْيَوْمَ، وَأَرْفَعُ إِبْهَامِي أَمَامَ عَيْنَيَّ، كَالْفَنَّانِ الَذِي يَقِيسُ الْمَنْظُورَ وَالْمَسَافَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ أُغْمِضُ عَيْنِي الْيَسْرَى وَأَضَعُ إِبْهامِي أَمَامَ عَيْنِي الْيُمْنَى، ثُمَّ أَنْظُرُ إِلَى السَيِّدِ الْجَالِسِ فِي الصَفِّ الْخَلْفِيِّ، سَأَرَى ظِفْرَ إِبْهَامِي يُخْفِي رَأْسَهُ كَامِلًا. رُبَّما أَسْتَنْتِجُ إِذَنْ أَنَّ هَذَا السَيِّدَ الْجَالِسَ بِالْخَلْفِ قِزْمٌ، وَأَنَّ رَأْسَهُ فِي حَجْمِ ظِفْرِ إِبْهَامِي. لَكِنْ أُكَرِّرُ، يَتَعَلَّقُ هَذَا بِالْمَنْظُورِ. وَبِإِدْرَاكِ الأَبْعَادِ، نَتَعَلَّمُ التَكَيُّفَ مَعَ الأَمْرِ طَوَالَ الْوَقْتِ. وَكُلُّ هَذَا يُظْهِرُ حُدُودَ الإِدْرَاكَ الْحِسِّيِّ. فَثَمَّةَ أَصْوَاتٌ يُمْكِنُ لِكَلْبِي سَمَاعُهَا لَكِنَّنِي أَعْجَزُ عَنْ سَمَاعِهَا. لَكِنَّنا نَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الأَصْوَاتَ مَوْجُودَةٌ. بِالطَبْعِ، تُوجَدُ حُجَّةٌ قَدِيمَةٌ يَطْرَحُها الْفَلاسِفَةُ تَقُولُ: "إِذَا وَقَعَتْ شَجَرةٌ فِي الْغَابَةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مَوْجُودًا لِيَسْمَعَها، فَهَلْ تُصْدِرُ صَوْتًا؟" وَالنُسْخَةُ الأَحْدَثُ مِنْ هَذَا اللُغْزِ الْفَلْسَفِيِّ هِيَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ رَجُلٌ شَيْئًا فِي الْغَابَةِ، وَلَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ مَوْجُودَةً لِتَسْمَعَهُ، فَهَلْ يَظَلُّ عَلَى خَطَأٍ؟ إِذَنْ، يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِالْمَوْثُوقِيَّةِ الأَسَاسِيَّةِ لِلإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ. فَلَوْ كَانَتْ حَواسُّنَا غَيْرَ جَدِيرَةٍ بِالثِقَةِ فِي الأَسَاسِ، لَنْ يُمْكِنُنَا اسْتِخْلاصُ أَيَّةِ اسْتِنْتَاجَاتٍ صَحِيحَةٍ مِمَّا نُلاحِظُهُ، أَوْ نَسْمَعُهُ، أَوْ نَلْمُسُهُ. وَبِالطَبْعِ، سَتَكُونُ هَذِهِ نِهَايَةَ الْعُلُومِ الطَبِيعِيَّةِ الَتِي نُمَارِسُهَا الْيَوْمَ، وَالَتِي تَعْتَمِدُ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ جِدًّا عَلَى الإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ. وَقَطْعًا، كَانَ الْعِلْمُ دَائِمًا عَلَى دِرَايَةٍ بِحُدُودِ الْحَوَاسِّ، وَحُدُودِ الإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ. وَلِهَذَا، فَالْبَعْضُ مِنْ أَعْظَمِ الاكْتِشَافاتِ فِي مَجَالِ الْعُلُومِ نَتَجَ عَنِ اسْتِخْدَامِ مُعِدَّاتٍ مُطَوَّرَةٍ، تُحَسِّنُ قُدْرَتَنَا عَلَى الإِدْرَاكِ، كَالْمِجْهَرِ الَذِي يَجْعَلُنَا نُبْصِرُ أَشْيَاءً لا تُرَى بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ، وَنَعِي شَتَّى أَنْوَاعِ الأَشْيَاءِ الْمَوْجُودَةِ بِالْفِعْلِ، وَالَتِي لا نَرَاهَا بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ، لَكِنْ بِمُجَرَّدِ وَضْعِهَا تَحْتَ الْمِجْهَرِ، نُبْصِرُ مَا كَانَ قَبْلًا غَيْرَ مَنْظُورٍ. وَبِالْمِثْلِ، غَيَّرَ التِلِسْكُوبُ جَذْرِيًّا مِنْ إِدْرَاكِنَا لاتِّسَاعِ الْكَوْنِ، لأَنَّ الأَشْيَاءَ الَتِي لَمْ يَكُنْ بِإِمْكَانِنَا رُؤْيَتُهَا بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ، أَصْبَحَتِ الآنَ مَنْظُورَةً بِوُضُوحٍ بِاسْتِخْدَامِ تِلْكَ الآلَةِ أَوِ الأَدَاةِ، الَتِي تُعَزِّزُ مِنْ إِدْرَاكِنَا الْحِسِّيِّ.

لَكِنَّ هَذَا مَا قَالَهُ كُتَّابُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ. فَبُطْرُسُ، مَثَلاً، الَذِي ذَكَرْتُهُ قَبْلًا، قَالَ: "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْنَا نُنَادِي لَكُمْ بِخُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةٍ، وَإِنَّمَا نُخْبِرُكُمْ بما رَأَيْنَاهُ بِأَعْيُنِنَا وَسَمِعْنَاهُ بِآذانِنَا". مِنْ أَبْرَزِ جَوَانِبِ الْقِيَامَةِ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ هُوَ أَنَّهُ فِي صَبَاحِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَمْ يَحْدُثْ أَنْ جَاءَ الْبَعْضُ إِلَى الْقَبْرِ، وَوَجَدُوهُ فَارِغًا، فَاسْتَخْلَصُوا اسْتِنْتَاجًا مِنَ الْقَبْرِ الْفَارِغِ قَائِلِينَ: "لا بُدَّ أَنَّهُ قَامَ، لأَنَّنَا لا نَسْتَطِيعُ الْعُثُورَ عَلَيْهِ". يُمْكِنُ تَقْدِيمُ تَفْسِيرَاتٍ أُخْرَى بَدِيلَةٍ لِغِيَابِ الْجُثْمَانِ، وَبِالطَبْعِ، آخِرُ احْتِمَالٍ يُمْكِنُ افْتِرَاضُهُ مَنْطِقِيًّا هُوَ أَنَّهُ قَامَ. كَلَّا، فَشَهَادَةُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ لا تَقُومُ عَلَى اسْتِنْتَاجَاتٍ مِنْ قَبْرٍ فَارِغٍ، وَإِنَّمَا عَلَى شَهَادَةِ شُهُودِ عِيَانٍ. "إِنَّنَا رَأَيْنَاهُ، وَلِهَذَا نُخْبِرُكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ بِصِفَتِنَا شُهودَ عِيَانٍ". إِذَنْ، يَحْتَكِمُ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ بِاسْتِمْرَارٍ إِلَى الْمَوْثُوقِيَّةِ الأَسَاسِيَّةِ لِلإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ، لِيُقدِّمَ حُجَّتَهُ بِشَأْنِ الْحَقِّ.

نَصِلُ أَخِيرًا إِلَى الْفِكْرَةِ الْغَامِضَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالاسْتِخْدَامِ التَشَابُهِيِّ لِلُّغَةِ. قَدْ يَبْدُو هَذَا التَعْبِيرُ مُعَقَّدًا بَعْضَ الشَيْءِ، لَكِنَّهُ مُسْتَمَدٌّ بِبَسَاطَةٍ مِنْ كَلِمَةِ "تَشْبِيهٍ". أَعْتَقِدُ أَنَّنَا نَعْلَمُ مَا هُوَ التَشْبِيهُ - أَيْ أَنْ يُشْبِهَ شَيْءٌ مَا شَيْئًا آخَرَ. فَإِنَّنَا نَتَحدَّثُ عَنْ أَوْجُهِ الشَبَهِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ حَتَّى نَصِفَهُمَا. وَهَذَا مُهِمٌّ جِدًّا لأَنَّ كَثِيرِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لأَنَّ اللهَ مُخْتَلِفٌ عَنَّا تَمَامًا، فَأَيَّةُ مُحَاوَلَةٍ مِنَّا لِلتَحَدُّثِ عَنْهُ سَتَكُونُ غَيْرَ مَفْهُومَةٍ، لأَنَّ اللُغَةَ الْبَشَرِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَنْ وَصْفِ كَائِنٍ فَائِقٍ، أَوْ عَنْ قَوْلِ كَلامٍ لَهُ مَعْنًى عَنْهُ. وَفِي الْوَاقِعِ، كَانَ هَذَا مِحْوَرَ الْكَثِيرِ مِنَ النَقْدِ الَذِي وُجِّهَ لِلْمَسِيحِيَّةِ مِنْ فَلْسَفَةِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، قَائِلًا إِنَّ التَصْرِيحَاتِ الدِينِيَّةَ لا تُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ عَنِ الْوَاقِعِ الْخَارِجِيِّ، بَلْ فَقَطْ تُخْبِرُنَا عَنْ أَنْفُسِنَا. وَإِنَّهَا مُجَرَّدُ تَصْرِيحَاتٍ مُحَرِّكَةٍ لِلْمَشَاعِرِ. فَهِيَ تَصِفُ عَوَاطِفَنَا، وَمَشَاعِرَنَا الدِينِيَّةَ؛ لَكِنْ لا نَظِيرَ لَهَا فِي الْوَاقِعِ الْمُطْلَقِ، لأَنَّ اللُغَةَ - أَيِ اللُغَةَ الْبَشَرِيَّةَ - لا تَسْتَطِيعُ فِي ذَاتِهَا أَنْ تَسْمُوَ فَوْقَ عَالَمِ الْبَشَرِ، وَأَنْ تَتَفوَّهَ بِكَلامٍ لَهُ مَعْنًى عَنْ كَائِنٍ فَائِقٍ. وَلِهَذَا، فَإِنْ أَرَادَتِ الْمَسِيحِيَّةُ الصُمُودَ أَمَامَ هَذِهِ الْهَجَماتِ الْمُوجَّهَةِ إِلَيْهَا عَلَى صَعِيدِ اللُغَةِ، يَجِبُ أَنْ نَتَمَكَّنَ مِنْ صِيَاغَةِ أَوْجُهِ شَبَهٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللهِ، كَيْ يَكُونَ لِحَدِيثِنَا عَنْهُ مَعْنَى. وَلِهَذَا، مَثَلًا، فِي بِدَايَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، نَجِدُ تَأْكِيدًا عَلَى أَنَّ اللهَ خَلَقَ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ كَشَبَهِهِ، وَعَلَى وُجُودِ تَشَابُهٍ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، يَجْعَلُ الْحَدِيثَ عَنْهُ مُمْكِنًا.

سَنَتَنَاوَلُ كُلَّ واحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوْضُوعَاتِ عَلَى حِدَةٍ فِي الأَيَّامِ الْمُقْبِلَةِ، حَتَّى نَكْتَشِفَ بِمَزيدٍ مِنَ التَفْصِيلِ مَدَى أَهَمِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهَا لِلدِفَاعِ عَنِ الإِيمَانِ الْمَسِيحِي.