المحاضرة 20: ذاتيَّةُ الوُجُودِ

كيف يمكن أن يوجد الله دائمًا؟ هل فكرة أن الله موجود دائمًا فكرة لا معنى لها؟ عندما يتصادم العقل المحدود مع فئات غير محدودة وأسئلة مثل هذا، يمكن أن تتحول الدهشة إلى صراع، والصراع إلى الشك، ثم في النهاية إلى عدم الإيمان - عدم الإيمان بسبب الطبيعة التي تبدو مستحيلة لفكرة: إن الله موجود دائمًا. ولكن كما يوضح د. سبرول في هذه المحاضرة، فإن وجود الله ليس فقط ممكنًا، بل إنه ضروري.

نُتَابِعُ دِرَاسَتَنَا لِعِلْمِ الدِّفَاعِيَّاتِ. تَذَكَّرُوا أَنَّنَا دَرَسْنَا فِي الْمُحَاضَرَاتِ السَّابِقَةِ الْخِيَارَاتِ - أَوِ الْبَدَائِلَ - الَّتِي تُقَدِّمُ سَبَبًا كَافِيًا لِتَفْسِيرِ الْوَاقِعِ الَّذِي نَرَاهُ. وَتَنَاوَلْنَا الخِيَارَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاقِعَ وَهْمٌ، وَاسْتَبْعَدْنَا ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ. ثُمَّ الْخِيَارَ الثَّانِي الَّذِي تَنَاوَلْنَاهُ بِالتَّفْصِيلِ هُوَ أَنَّ الْوَاقِعَ خَلَقَ نَفْسَهُ. ثُمَّ دَرَسْنَا أَنَّهُ مِنْ مَنْظُورٍ تَحْلِيلِيٍّ، أَيْ بِالتَّحْلِيلِ الْمَنْطِقِيِّ، هَذِهِ الْفِكْرَةُ تَدْحَضُ نَفْسَهَا، أَيْ إِنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلْعَقْلِ بِحُكْمِ تَعْرِيفِهَا، لِأَنَّهَا مُسْتَحِيلَةٌ مَنْطِقِيًّا. ثُمَّ الْبَدِيلُ الثَّالِثُ الَّذِي تَنَاوَلْنَاهُ هُوَ أَنَّ الْكَوْنَ ذَاتِيُّ الْوُجُودِ، أَوْ خَلْقَهُ شَيْءٌ ذَاتِيُّ الْوُجُودِ.

بِهَذَا الْمَفْهُومِ عَنْ ذَاتِيَّةِ الْوُجُودِ، نُدْرِكُ فِي الْحَالِ أَنَّهُ مِنْ بَيْنِ الْبَدَائِلِ الْأَرْبَعَةِ، أَثْبَتْنَا بِالْفِعْلِ ضَرُورَةَ وُجُودِ شَيْءٍ، فِي مَكَانٍ مَا، وَبِشَكْلٍ مَا، ذَاتِيِّ الْوُجُودِ، لِأَنَّنَا اسْتَبْعَدْنَا الْبَدِيلَيْنِ الْآخَرَيْنِ بِاسْتِحَالَةِ النَّقِيضِ. وَلِذَلِكَ، سَنَدْرُسُ هُنَا طَبِيعَةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ. لَكِنْ أَوَّلًا، أَوَدُّ دِرَاسَةَ مَفْهُومِ ذَاتِيَّةِ الْوُجُودِ. وَالسُّؤَالُ الْأَوَّلُ الَّذِي سَنَطْرَحُهُ هُوَ: "هَلْ يُمْكِنُ حَقًّا لِأَيِّ شَيْءٍ أَنْ يَكُونَ ذَاتِيَّ الْوُجُودِ؟" رَأَيْنَا أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحِيلِ مَنْطِقِيًّا أَنْ يَخْلُقَ الشَّيْءُ ذَاتَهُ، مُجَدَّدًا لِأَنَّهُ كَيْ يَخْلُقَ الشَّيْءُ ذَاتَهُ، سَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، وَبِالتَّالِي، أَنْ يَكُونَ وَأَلَّا يَكُونَ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَدَاخِلَ الْعَلَاقَةِ نَفْسِهَا. وَبِالتَّالِي، يَسْتَبْعِدُ الْمَنْطِقُ كَوْنَ ذَلِكَ احْتِمَالًا مَنْطِقِيًّا.

سَأَطْرَحُ الْآنَ السُّؤَالَ التَّالِيَ: "هَلْ مِنَ الْمَنْطِقِيِّ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مَا ذَاتِيَّ الْوُجُودِ وَأَزَلِيًّا؟" فِي بَعْضِ الْفَتَرَاتِ فِي الْمَاضِي، فِي تَارِيخِ الْفَلْسَفَةِ، تَمَادَى الْبَعْضُ إِلَى حَدِّ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ تَصَوُّرُ شَيْءٍ بِالْعَقْلِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْوَاقِعِ. لَيْسَ هَذَا مَا سَنُحَاوِلُ إِثْبَاتَهُ هُنَا.

فَمَثَلًا، يُمْكِنُنِي تَصَوُّرُ وُجُودِ الْحِصَانِ أُحَادِيِّ الْقَرْنِ. فَلَدَيْنَا الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِخْلَاصِ أَفْكَارٍ، وَدَمْجِهَا مَعًا، وَالرَّبْطِ بَيْنَهَا، وَتَفْكِيكِهَا، ثُمَّ إِعَادَةِ جَمْعِهَا، وَاضِعِينَ قُرُونًا فَوْقَ أُنُوفِ الْأَحْصِنَةِ، وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ - بِالِاسْتِعَارَةِ مِنْ وَحِيدِ الْقَرْنِ - فَيُصْبِحُ لَدَيْنَا حَيَوَانٌ فَوْقَ أَنْفِهِ قَرْنٌ. وَيُمْكِنُنَا وَضْعُ قَرْنٍ عَلَى أَنْفِ بَطَّةٍ إِنْ أَرَدْنَا، وَتَصَوُّرُ وُجُودِ بَطَّةٍ ذَاتِ قَرْنٍ. رُبَّمَا ذَهَبْتُمْ إِلَى بَعْضِ الْمَتَاجِرِ - مِثْلَ مَحَلَّاتِ السِّلَعِ الرِّيَاضِيَّةِ - حَيْثُ لَاحَظْتُمْ عَلَى الْجِدَارِ رُؤُوسَ غِزْلَانٍ بِقُرُونِهَا، ثُمَّ بِجِوَارِهَا رَأْسُ أَرْنَبٍ لَهُ قَرْنَانِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَ مُحَنَّطِي الْحَيَوَانَاتِ فَكَّرُوا فِي غَرْسِ قُرُونِ الْغِزْلَانِ فِي جُمْجُمَةِ الْأَرْنَبِ، كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ اصْطَادَ بِالْفِعْلِ أَرْنَبًا لَهُ قَرْنُ غَزَالٍ رَائِعٌ. فَيُمْكِنُنَا، بِأَخْذِ سِمَاتٍ مُعَيَّنَةٍ لِبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ، وَإِعَادَةِ تَشْكِيلِهَا، الْخُرُوجُ بِتَصَوُّرٍ عَنْ أَرَانِبَ لَهَا قُرُونٌ، أَوْ عَنْ حِصَانٍ لَهُ قَرْنٌ، يُعْرَفُ بِالْحِصَانِ أُحَادِيِّ الْقَرْنِ. لَكِنَّ مُجَرَّدَ إِمْكَانِيَّةِ تَصَوُّرِ وُجُودِ حِصَانٍ أُحَادِيِّ الْقَرْنِ بِالْعَقْلِ لَا يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْحَيَوَانَ مَوْجُودٌ. لَكِنْ، لَا يُمْكِنُكُمْ رَفْضُ احْتِمَالِيَّةِ أَوْ حَقِيقَةِ وُجُودِ الْحِصَانِ أُحَادِيِّ الْقَرْنِ فَقَطْ عَلَى أَسَاسِ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ مَنْطِقِيًّا.

رَفَضْنَا الْخَلْقَ الذَّاتِيَّ بِالْفِعْلِ عَلَى أَسَاسِ أَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ مَنْطِقِيًّا. إِذَنْ، مَا نَسْأَلُهُ الْآنَ هُوَ: "هَلْ ذَاتِيَّةُ الْوُجُودِ فِكْرَةٌ مُحْتَمَلَةٌ مَنْطِقِيًّا؟" فَحِينَ نَضَعُ هَاتَيْنِ الْفِكْرَتَيْنِ جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ، أَيْ الْخَلْقَ الذَّاتِيَّ وَذَاتِيَّةَ الْوُجُودِ، تَبْدُوَانِ مُتَشَابِهَتَيْنِ لِدَرَجَةِ أَنَّ الْبَعْضَ قَدْ يُجِيبُونَ قَائِلِينَ: "حَسَنًا، إِذَا كَانَ الْخَلْقُ الذَّاتِيُّ مُسْتَحِيلًا مَنْطِقِيًّا، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ ذَاتِيَّةُ الْوُجُودِ أَيْضًا مُسْتَحِيلَةً مَنْطِقِيًّا". وَإِذَا أَرَدْنَا تَفْسِيرَ الْوَاقِعِ، سَيَتَحَتَّمُ عَلَيْنَا الِاخْتِيَارُ بَيْنَ فِكْرَتَيْنِ مُسْتَحِيلَتَيْنِ مَنْطِقِيًّا، أَوْ لَا يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُمَا. إِذَنْ، مَا الْفَارِقُ الَّذِي سَيُحْدِثُهُ اخْتِيَارُنَا لِلْخَلْقِ الذَّاتِيِّ أَوْ لِذَاتِيَّةِ الْوُجُودِ؟

إِلَيْكُمْ الْفَارِقَ: مَا مِنْ شَيْءٍ غَيْرِ مَنْطِقِيٍّ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي فِكْرَةِ وُجُودِ كَائِنٍ أَزَلِيٍّ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ - أَيْ كَائِنٍ لَمْ يُسَبِّبْهُ شَيْءٌ آخَرُ. تَذَكَّرُوا قَوْلَنَا فِي الْبِدَايَةِ إِنَّ إِحْدَى الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي نُوَاجِهُهَا عِنْدَ دِرَاسَةِ وُجُودِ اللَّهِ هِيَ أَنَّ الْبَعْضَ يُسِيءُ فَهْمَ قَانُونِ السَّبَبِ وَالنَّتِيجَةِ، قَائِلِينَ إِنَّهُ يَعْنِي ضَرُورَةَ وُجُودِ سَبَبٍ لِكُلِّ شَيْءٍ. وَقُلْتُ: "كَلَّا، يَقُولُ قَانُونُ السَّبَبِيَّةِ إِنَّ لِكُلِّ نَتِيجَةٍ يَجِبُ أَنْ يُوجَدَ سَبَبٌ، لِأَنَّ النَّتِيجَةَ، بِحُكْمِ تَعْرِيفِهَا، هِيَ شَيْءٌ يُسَبِّبُهُ شَيْءٌ آخَرُ خَارِجَهُ". لَكِنَّ فِكْرَةَ وُجُودِ كَائِنٍ بِلَا مُسَبِّبٍ مَنْطِقِيَّةٌ تَمَامًا. وَمُجَرَّدُ تَصَوُّرِ كَائِنٍ بِلَا مُسَبِّبٍ - أَيْ مَوْجُودٍ مِنْ ذَاتِهِ مُنْذُ الْأَزَلِ دُونَ أَنْ يُسَبِّبَهُ شَيْءٌ آخَرُ خَارِجَهُ - لَا يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا، لِمُجَرَّدِ قُدْرَتِنَا عَلَى تَصَوُّرِهِ. بَلْ كُلُّ مَا أَقُولُهُ هُوَ أَنَّنَا نَسْتَطِيعُ تَصَوُّرَ وُجُودِ كَائِنٍ أَزَلِيٍّ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ، دُونَ انْتِهَاكِ الْمَنْطِقِ. أَقُولُ إِذَنْ إِنَّ الْمَنْطِقَ يَقْبَلُ احْتِمَالِيَّةَ ذَلِكَ، فِي حِينِ لَا يَقْبَلُ احْتِمَالِيَّةَ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ.

ذَكَرْتُ لِتَوِّي أَنَّ مُجَرَّدَ تَمَكُّنِي مِنْ تَصَوُّرِ الِاحْتِمَالِيَّةِ الْمَنْطِقِيَّةِ لِوُجُودِ كَائِنٍ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ، لَا يَعْنِي أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِالْفِعْلِ. فَقَدْ نَقُولُ نَظَرِيًّا إِنَّهُ مِنَ الْمَنْطِقِيِّ تَصَوُّرُ عَدَمِ وُجُودِ شَيْءٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ. دَعُونِي أُكَرِّرُ ذَلِكَ: مِنَ الْمَنْطِقِيِّ تَصَوُّرُ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِشَيْءٍ الْآنَ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ قَطُّ. لَكِنَّ اتِّخَاذَنَا لِلْخُطْوَةِ الَّتِي اتَّخَذْنَاهَا فِي الْبِدَايَةِ - وَهِيَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ شَيْءٌ مَوْجُودًا، فَهَذَا يُغَيِّرُ الْحَالَ تَمَامًا - يَجْعَلُ فِكْرَةَ وُجُودِ كَائِنٍ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ لَيْسَتْ فَقَطْ مُحْتَمَلَةً، بَلْ ضَرُورِيَّةً أَيْضًا. دَعُونِي أُكَرِّرُ ذَلِكَ: إِذَا كَانَ أَيُّ شَيْءٍ مَوْجُودًا، تَصِيرُ فِكْرَةُ وُجُودِ كَائِنٍ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ لَيْسَتْ فَقَطْ مُحْتَمَلَةً مَنْطِقِيًّا، بَلْ ضَرُورِيَّةً مَنْطِقِيًّا أَيْضًا.

دَعُونِي أَتَنَاوَلُ تِلْكَ الْفِكْرَةَ بِمَزِيدٍ مِنَ التَّفْصِيلِ، مُجَدَّدًا عَنْ طَرِيقِ دِرَاسَةِ ذَاتِيَّةِ الْوُجُودِ - الَّتِي نُسَمِّيهَا فِي عِلْمِ اللَّاهُوتِ بِالصِّفَةِ aseity، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَوْجُودًا مِنْ ذَاتِهِ، غَيْرَ مُسَبَّبٍ، وَغَيْرَ مَخْلُوقٍ، وَيَخْتَلِفُ عَنْ أَيِّ شَيْءٍ آخَرَ فِي الْكَوْنِ لَهُ سَبَبٌ، أَوِ اعْتِمَادِيٌّ، أَوْ مُشْتَقٌّ. إِذَنْ، الْكَائِنُ الْأَزَلِيُّ ذَاتِيُّ الْوُجُودِ لَدَيْهِ الْقُدْرَةُ أَنْ يُوجَدَ، مِنْ تِلْقَاءِ ذَاتِهِ. أَوْ بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، هُوَ يَتَمَتَّعُ بِقُوَّةِ الْكَيْنُونَةِ، مِنْ ذَاتِهِ. فَهُوَ لَا يَكْتَسِبُ وُجُودَهُ أَوْ كَيْنُونَتَهُ مِنْ شَيْءٍ سَابِقٍ لَهُ، بَلْ هَذَا الْوُجُودُ مُتَأَصِّلٌ فِيهِ. وَلِأَنَّهُ مُتَأَصِّلٌ فِيهِ، فَهُوَ يَتَمَتَّعُ بِهِ مُنْذُ الْأَزَلِ. فَلَمْ يَأْتِ وَقْتٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا الْكَائِنُ ذَاتِيُّ الْوُجُودِ. وَلَوْ جَاءَ هَذَا الْوَقْتُ، لَمَا كَانَ ذَاتِيَّ الْوُجُودِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّ شَيْئًا آخَرَ خَلْقَهُ. إِذَنْ، الْكَائِنُ ذَاتِيُّ الْوُجُودِ، بِحُكْمِ تَعْرِيفِهِ، لَطَالَمَا كَانَ مَوْجُودًا.

إِذَنْ، عَلَى أَيِّ حَالٍ، عِنْدَ دِرَاسَتِنَا لِذَاتِيَّةِ الْوُجُودِ، نَقُولُ إِنَّ وُجُودَ هَذَا الْكَائِنِ لَيْسَ فَقَطْ مُحْتَمَلًا مَنْطِقِيًّا، بَلْ ضَرُورِيًّا أَيْضًا. فَحِينَ حَاوَلَ الْقِدِّيسُ تُومَا الْأَكْوِينِيُّ إِثْبَاتَ وُجُودِ اللَّهِ فِي أَيَّامِهِ، كَانَتْ إِحْدَى حُجَجِهِ الخَمْسِ لِإِثْبَاتِ وُجُودِ اللَّهِ مُؤَسَّسَةً عَلَى مَبْدَأِ الْكَائِنِ الضَّرُورِيِّ. فَفِي عِلْمِ اللَّاهُوتِ، دُعِيَ اللَّهُ "إِنْزْ نِيسِيسَارْيُومْ" - أَيْ الْكَائِنَ الَّذِي وُجُودُهُ ضَرُورِيٌّ. قَدْ يَحْدُثُ بَعْضُ الِالْتِبَاسِ هُنَا. وَقَدْ يَتَعَقَّدُ الْأَمْرُ بَعْضَ الشَّيْءِ. لِذَا، يَجِبُ أَنْ نَفْحَصَهُ بِتَمَعُّنٍ.

حِينَ تَحَدَّثَ الْفَلَاسِفَةُ وَاللَّاهُوتِيُّونَ عَنْ كَوْنِ اللَّهِ كَائِنًا ضَرُورِيًّا، كَانَ لِذَلِكَ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ. الْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُوَ أَنَّهُ كَائِنٌ ضَرُورِيٌّ بِحُكْمِ الْمَنْطِقِ. فَإِذَا كَانَ أَيُّ شَيْءٍ مَوْجُودًا، يَصِيرُ وُجُودُ اللَّهِ ضَرُورَةً مَنْطِقِيَّةً. فَإِذَا كَانَ شَيْءٌ مَوْجُودًا الْآنَ، يُطَالِبُنَا الْمَنْطِقُ بِاسْتِنْتَاجِ أَنَّ شَيْئًا مَا لَطَالَمَا كَانَ مَوْجُودًا. وَهَذَا الشَّيْءُ يَتَمَتَّعُ بِقُوَّةِ الْوُجُودِ فِي ذَاتِهِ، وَإِلَّا لَنْ يُمْكِنَنَا تَفْسِيرُ وُجُودِ أَيِّ شَيْءٍ. أُذَكِّرُكُمْ مُجَدَّدًا بِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ وَقْتٌ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مَوْجُودًا فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَمَا الَّذِي كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يُوجَدَ الْآنَ سِوَى الْعَدَمِ؟ لِأَنَّ "Ex nihilo nihil fit" - "لَا شَيْءَ يَأْتِي مِنَ الْعَدَمِ" - مَا لَمْ يَأْتِ الشَّيْءُ مِنْ تِلْقَاءِ ذَاتِهِ، خَالِقًا ذَاتَهُ، وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ مَنْطِقِيًّا.

أَدْرِكُ فِي هَذِهِ المَرْحَلَةِ أَنَّ البَعْضَ سَيَقُولُونَ: "مَهْلًا، أَثْبَتَ العِلْمُ اليَوْمَ أَنَّهُ يُمْكِنُ، مِنْ خِلَالِ فِيزْيَاءِ الْكَمِّ وَمِيكَانِيكَا الْكَمِّ، أَنْ يَأْتِيَ شَيْءٌ مِنَ العَدَمِ". لَمْ يُثْبِتِ الْعِلْمُ شَيْئًا مِثْلَ هَذَا، بَلْ أَثْبَتَ وُجُودَ أَشْيَاءَ غَامِضَةٍ، لَا تُلَائِمُ النَّمَاذِجَ الْمَوْجُودَةَ - أَتَّفِقُ مَعَ ذَلِكَ. لَكِنَّ مُحَاوَلَةَ إِثْبَاتِ مَجِيءِ شَيْءٍ مِنَ الْعَدَمِ لَيْسَتْ فَقَطْ لَاهُوتًا خَاطِئًا، أَوْ فَلْسَفَةً خَاطِئَةً، بَلْ أَيْضًا عِلْمٌ خَاطِئٌ، لِأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلْعَقْلِ بِوُضُوحٍ.

لَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ شَيْئًا مَا مَوْجُودٌ الْآنَ. يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ وَقْتٌ قَطُّ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مَوْجُودًا فِيهِ. وَلَا بُدَّ مِنْ أَنَّهُ لَطَالَمَا كَانَ شَيْءٌ مَوْجُودًا. حَتَّى الْآنَ، لَمْ نُثْبِتْ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ هُوَ اللَّهُ، لَكِنَّنَا فَقَطْ نَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ شَيْءٍ يَتَمَتَّعُ بِقُوَّةِ الْوُجُودِ فِي ذَاتِهِ، وَلَطَالَمَا كَانَ مَوْجُودًا. وَلِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الْكَائِنِ ضَرُورِيٌّ مَنْطِقِيًّا، يَصِيرُ ضَرُورِيًّا مَنْطِقِيًّا أَنْ نُسَلِّمَ بِفِكْرَةِ وُجُودِ كَائِنٍ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ.

مُجَدَّدًا، بَدَأْنَا بِالِاحْتِمَالِيَّةِ الْمَنْطِقِيَّةِ لِوُجُودِ كَائِنٍ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ. لَكِنْ فِي ضَوْءِ الْفَرْضِيَّةِ الْقَائِلَةِ إِنَّهُ يُوجَدُ شَيْءٌ الْآنَ، بَدَلًا مِنْ لَا شَيْءٍ، يَقُودُنَا ذَلِكَ إِلَى الْخُطْوَةِ التَّالِيَةِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ كَائِنٍ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ، بِحُكْمِ الضَّرُورَةِ الْمَنْطِقِيَّةِ، بِحَيْثُ حِينَ نَصِفُ اللَّهَ بِأَنَّهُ كَائِنٌ ضَرُورِيٌّ، نَقْصِدُ أَوَّلًا أَنَّ وُجُودَهُ ضَرُورَةٌ مَنْطِقِيَّةٌ. فَالْمَنْطِقُ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ كَائِنٍ أَزَلِيٍّ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ. وَهَذَا مُهِمٌّ لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي يُحَاوِلُ الدِّفَاعَ عَنْ إِيمَانِهِ. وَدَعُونِي أَقُولُ سَرِيعًا إِنَّ أَسْلِحَةَ نَقْدِ الْمَسِيحِيَّةِ-الْيَهُودِيَّةِ مُصَوَّبَةٌ حَصْرِيًّا إِلَى فِكْرَةِ الْخَلْقِ وَالْخَالِقِ، لِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ التَّخَلُّصُ مِنْ فِكْرَةِ الْخَلْقِ، وَفِكْرَةِ الْخَالِقِ، يَنْهَارُ مَفْهُومُ اللَّهِ بِرُمَّتِهِ. وَلِذَلِكَ، يُحَاوِلُ النَّاسُ أَنْ يَقُولُوا إِنَّكَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ مَنْطِقِيًّا وَعِلْمِيًّا، عَلَيْكَ أَنْ تُؤْمِنَ بِكَوْنٍ دُونَ إلَهٍ. وَمَا نُحَاوِلُ فِعْلَهُ هُوَ تَصْوِيبُ الْأَسْلِحَةِ فِي الِاتِّجَاهِ الْمُعَاكِسِ، قَائِلِينَ لِلَّذِينَ يَقُولُونَ ذَلِكَ إِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ تَصْوِيبُ أَسْلِحَتِهِمْ نَحْوَ أَنْفُسِهِمْ، مُدْرِكِينَ أَنَّ مَا يَفْتَرِضُونَهُ كَبَدِيلٍ لِلْإِيمَانِ بِوُجُودِ اللَّهِ لَا عَقْلَانِيٌّ بِوُضُوحٍ، لِأَنَّ الْمَنْطِقَ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ كَائِنٍ ضَرُورِيٍّ.

لَكِنَّ هَذَا مُجَرَّدُ مَعْنًى وَاحِدٍ لِمُصْطَلَحِ الْكَائِنِ الضَّرُورِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ مَنْطِقِيًّا. الْمَعْنَى الْآخَرُ لِلْكَائِنِ الضَّرُورِيِّ، بِحَسَبِ الْقِدِّيسِ تُومَا الْأَكْوِينِيِّ، هُوَ أَنَّ هَذَا الْكَائِنَ يَتَمَتَّعُ بِمَا نُسَمِّيهِ "الضَّرُورَةَ الْأَنْطُولُوجِيَّةَ". هُنَا يَصِيرُ الْأَمْرُ أَكْثَرَ غُمُوضًا وَصُعُوبَةً إِذَا لَمْ تَكُنْ دَارِسًا لِلْفَلْسَفَةِ. سَبَقَ أَنْ عَرَّفْتُ الْمُصْطَلَحَ "أَنْطُولُوجْيَا"، لَكِنَّنَا سَنَصْرِفُ بَعْضَ الْوَقْتِ فِي مُرَاجَعَتِهِ.

الْأَنْطُولُوجْيَا هُوَ دِرَاسَةُ أَوْ عِلْمُ الْوُجُودِ. فَحِينَ نَقُولُ إِنَّ اللَّهَ ضَرُورِيٌّ أَنْطُولُوجِيًّا، نَقْصِدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِحُكْمِ ضَرُورَةِ كَيْنُونَتِهِ. فَهُوَ لَيْسَ مَوْجُودًا لِأَنَّ الْمَنْطِقَ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهُ، لَكِنَّهُ مَوْجُودٌ مُنْذُ الْأَزَلِ لِأَنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِقُوَّةِ الْوُجُودِ فِي ذَاتِهِ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ لَهُ ألَّا يَكُونَ. هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ اللَّهِ. فَإِنَّنَا نَقُولُ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْكَائِنُ الْأَسْمَى، وَإِنَّنَا كَائِنَاتٌ بَشَرِيَّةٌ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْكَائِنِ الْأَسْمَى وَالْكَائِنِ الْبَشَرِيِّ هُوَ الْكَيْنُونَةُ. فَإِنَّ كِينُونَتِي أَوْ وُجُودِي هُوَ وُجُودُ مَخْلُوقٍ، مَا يَجْعَلُنِي مَخْلُوقًا اِعْتِمَادِيًّا، وَمُشْتَقًّا، وَمَشْرُوطًا بِآخَرَ. فَلَا يُمْكِنُنِي الْحِفَاظُ عَلَى وُجُودِي إِلَى الْأَبَدِ. وَفِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ أَكُنْ مَوْجُودًا. وَسَيَأْتِي وَقْتٌ سَتَخْضَعُ فِيهِ حَيَاتِي، وَالْحَالَةُ الَّتِي أَعِيشُهَا الْآنَ، لِنَوْعٍ مِنَ التَّحَوُّلِ، أَيْ إِنَّنِي فِي الْوَاقِعِ سَأَمُوتُ. وَحَالِيًّا، كَيْ أَظَلَّ مَوْجُودًا بِحَالَتِي الرَّاهِنَةِ، أَحْتَاجُ إِلَى المِيَاهِ وَالْأُوكْسِجِينْ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَدَيَّ نَبْضٌ وَمَوْجَاتٌ دِمَاغِيَّةٌ، إِلَى آخِرِهِ. فَإِنَّنِي أَعْتَمِدُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ لِأَظَلَّ مَوْجُودًا. مُنْذُ مِئَةِ سَنَةٍ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أرْ سِي سِبْرُولْ. فَلَمْ أَكُنْ مَوْجُودًا، وَالْآنَ أَنَا مَوْجُودٌ. وَلِي بِدَايَةٌ زَمَنِيَّةٌ، وَيُمْكِنُ قِيَاسُ حَيَاتِي بِلُغَةِ الْوَقْتِ. لَيْسَ هَذَا فَحَسْبُ، لَكِنَّ حَيَاتِي بِأَكْمَلِهَا هِيَ حَيَاةٌ مِنَ التَّوَالُدِ، وَالِاضْمِحْلَالِ، وَالتَّغَيُّرِ، وَالتَّحَوُّلِ الْمُسْتَمِرِّ. تِلْكَ هِيَ السِّمَةُ الْأَبْرَزُ لِلْكَائِنَاتِ أَوْ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَشْرُوطَةِ، أَنَّهَا تَتَغَيَّرُ بِاسْتِمْرَارٍ. لَكِنَّ الْكَائِنَ الْأَزَلِيَّ ذَاتِيَّ الْوُجُودِ لَا يَتَغَيَّرُ، لِأَنَّهُ لَا يَفْقِدُ الْبَتَّةَ أَيًّا مِنْ قُوَّةِ وُجُودِهِ، وَلَا يَكْتَسِبُ شَيْئًا فِي نِطَاقِ كَيْنُونَتِهِ، لِأَنَّهُ يَظَلُّ كَمَا هُوَ إِلَى الْأَبَدِ. وَهُوَ لَا يَكْتَسِبُ أَوْ يُضِيفُ شَيْئًا إِلَى ذَاتِهِ بَعْدَ خَمْسِمِئَةِ سَنَةٍ مِنَ الْأَبَدِيَّةِ، بَلْ يَتَمَتَّعُ بِقُوَّةِ الْكَيْنُونَةِ فِي ذَاتِهِ.

هَذَا مَا نَقْصِدُهُ بِالْكَائِنِ الْأَزَلِيِّ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ، الَّذِي وُجُودُهُ ضَرُورِيٌّ أَنْطُولُوجِيًّا، أَيْ لَا يُمْكِنُهُ سِوَى أَنْ يَكُونَ. فَالْكَائِنُ الْبَحْتُ لَا يَعْتَمِدُ فِي اسْتِمْرَارِيَّةِ وُجُودِهِ أَوْ فِي أَصْلِ وُجُودِهِ عَلَى شَيْءٍ. وَهُوَ لَيْسَ فِي حَالَةِ صَيْرُورَةٍ، كَمَا قَالَ أَفْلَاطُونُ، لَكِنَّهُ فِي حَالَةِ الْكَيْنُونَةِ الْبَحْتَةِ. وَلَا يُمْكِنُ لِلْكَائِنِ الْبَحْتِ ألَّا يَكُونَ. وَبِالْمُنَاسَبَةِ، هَذَا بِاخْتِصَارٍ مَا كَانَ وَرَاءَ حُجَّةِ أَنْسِلْمْ الْأَنْطُولُوجِيَّةِ، الَّتِي تَعْكِسُ صِفَةً يَتَمَتَّعُ بِهَا كَائِنٌ وَاحِدٌ فَقَطْ، هُوَ الْكَائِنُ الْأَكْمَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، الَّذِي يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَلَّا يَكُونَ. فَهُوَ يَجِبُ أَنْ يُوجَدَ فِي الْوَاقِعِ، مِثْلَمَا يُوجَدُ فِي الْعَقْلِ. هَذَا مَوْضُوعٌ مُخْتَلِفٌ.

لَكِنْ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ، هَذِهِ هِيَ الصِّلَةُ مَعَ الْإِيمَانِ الْكِتَابِيِّ بِوُجُودِ اللَّهِ. أَعْلَنَ اللَّهُ عَنْ ذَاتِهِ لِمُوسَى فِي بَرِّيَّةِ مِدْيَانَ مِنْ خِلَالِ اسْمِهِ الْقُدُّوسِ، حِينَ نَادَى مُوسَى مِنَ الْعُلَّيْقَةِ الْمُتَّقِدَةِ، وَأَرْسَلَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ لِيُحَرِّرَ شَعْبَ إِسْرَائِيلَ. ذُهِلَ مُوسَى لَمَّا رَأَى الْعُلَّيْقَةَ تَتَّقِدُ دُونَ أَنْ تَحْتَرِقَ، وَسَمِعَ صَوْتًا يُكَلِّمُهُ مِنَ الْعُلِّيْقَةِ، وَيُنَادِيهِ بِاسْمِهِ قَائِلًا: "مُوسَى مُوسَى، اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ". فَكَانَ أَوَّلُ سُؤَالٍ طَرَحَهُ مُوسَى عَلَى اللَّهِ هُوَ: "مَنْ أَنَا حَتَّى أَفْعَلَ ذَلِكَ؟" هَذَا أَوَّلُ سُؤَالٍ. فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ نَفْسَهُ. لَكِنَّهُ سُرْعَانَ مَا انْتَقَلَ إِلَى السُّؤَالِ الْأَهَمِّ، وَقَالَ لِلَّهِ: "مَنْ أَنْتَ؟ مَنْ سَأَقُولُ لِلشَّعْبِ إِنَّهُ فَوَّضَنِي لِأَطْلُبَ مِنْهُمْ الْقِيَامَ بِتَمَرُّدٍ عَلَى فِرْعَوْنَ؟ وَمَنْ سَأُخْبِرُ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ يَقُولُ: ’أَطْلِقْ شَعْبِي‘؟" فَأَجَابَهُ اللَّهُ بِأَنْ عَرَّفَهُ بِاسْمِهِ الْمُقَدَّسِ وَالرَّسْمِيِّ، الِاسْمِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَجْيَالِ، قَائِلًا لِمُوسَى: "يَهْوَه"، وَتَرْجَمْتُهُ "أَكُونُ الَّذِي أَكُونُ". "أَكُونُ" أُرْسِلُكَ. لَيْسَ "كُنْتُ"، أَوْ "سَوْفَ أَكُونُ"، أَوْ "أَنَا قَيْدُ التَّغْيِيرِ أَوِ الصَّيْرُورَةِ"، بَلْ "أَكُونُ الَّذِي أَكُونُ"، مُسْتَخْدِمًا الْفِعْلَ "يَكُونُ" فِي زَمَنِ الْمُضَارِعِ. هَذَا هُوَ اسْمُ اللَّهِ، الَّذِي هُوَ كَائِنٌ دَائِمًا وَأَبَدًا، وَلَا يَتَغَيَّرُ إِلَى الْأَبَدِ. وَدُونَ وُجُودِهِ، لَا يُمْكِنُ لِشَيْءٍ آخَرَ أَنْ يَكُونَ.

إِذَنْ، هَلْ ذَلِكَ الْكَائِنُ الْأَزَلِيُّ ذَاتِيُّ الْوُجُودِ يُدْعَى اللَّهَ؟ أَمْ إِنَّهُ الْكَوْنُ نَفْسُهُ؟ أَوِ الْمَادَّةُ نَفْسُهَا؟ هَذَا مَا سَنَدْرُسُهُ فِي الْمُحَاضَرَةِ الْقَادِمَةِ.