المحاضرة 18: الخَلْقُ الذَاتِيُّ (الجُزْءُ الأَوَّلُ)

كيف تثبت لغير المؤمنين حقيقة تكوين 1: 1؟ إحدى طرق القيام بذلك هي إظهار البدائل غير المنطقية لهم. في هذه المحاضرة، يكشف د. سبرول عن بعض هذه البدائل غير المنطقية التي يلجأ إليها الناس عندما ينكرون الخالق وهو يفسر حماقة "الخلق الذاتي".

نُتَابِعُ الْآنَ دِرَاسَتَنَا لِعِلْمِ الدِّفَاعِ عَنِ الْإِيمَانِ. تَنَاوَلْنَا فِيمَا سَبَقَ الْبَدَائِلَ الْمُحْتَمَلَةَ لِتَفْسِيرِ الْوَاقِعِ الَّذِي نَرَاهُ. وَتَذْكُرُونَ أَنَّنَا سَرَدْنَا الْحُجَجَ الْأَرْبَعَ الرَّئِيسِيَّةَ لِتَفْسِيرِ وُجُودِ الْكَوْنِ الَّذِي نَعْرِفُهُ: الْأُولَى هِيَ الْوَهْمُ؛ وَالثَّانِيَةُ هِيَ الْخَلْقُ الذَّاتِيُّ؛ وَالثَّالِثَةُ هِيَ ذَاتِيَّةُ الْوُجُودِ؛ وَالرَّابِعَةُ هِيَ الْخَلْقُ بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ.

وَذَكَرْنَا أَيْضًا أَنَّ الِاحْتِمَالَيْنِ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ يَحْمِلَانِ فِكْرَةَ وُجُودِ كَائِنٍ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ. سَنَتَطَرَّقُ إِلَى ذَلِكَ لَاحِقًا. لَكِنْ عَلَيْنَا تَنَاوُلُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي قَبْلَ الِانْتِقَالِ إِلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ. وَسَبَقَ أَنْ اسْتَبْعَدْنَا ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ، مُسْتَخْدِمِينَ بِالتَّأْكِيدِ طَرِيقَةَ تَفْكِيرِ دِيكَارْتْ لِلتَّوَصُّلِ إِلَى وَعْيٍ بِالذَّاتِ.

نَصِلُ الْآنَ فِي دِرَاسَتِنَا إِلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي، الَّذِي لَيْسَ هُوَ الْبَدِيلَ الْوَحِيدَ لِلْإِيمَانِ الْقَوِيِّ بِوُجُودِ اللَّهِ الَّذِي يُقَدِّمُهُ الْمُلْحِدُونَ، لَكِنَّهُ حَتْمًا الْبَدِيلُ الْأَكْثَرُ شُيُوعًا الَّذِي يُقَدِّمُهُ مُعَارِضُو الْإِيمَانِ بِوُجُودِ اللَّهِ. مِنَ النَّادِرِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُهُمْ وَيَقُولَ إِنَّ الْكَوْنَ مَخْلُوقٌ ذَاتِيًّا. لَكِنَّنِي أَسْتَخْدِمُ هَذَا كَمَبْدَأٍ عَامٍّ، نُدْرِجُ تَحْتَهُ أَنْوَاعًا مُتَعَدِّدَةً وَمُخْتَلِفَةً مِنْ مَفْهُومِ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ، بِحَيْثُ حَتَّى إِنْ لَمْ يُصَرِّحِ النَّاسُ بِأَنَّ هَذَا مَا يَقْصِدُونَهُ، سَنَكُونُ مُنْصِفِينَ إِنْ قُلْنَا إِنَّ مَفْهُومَهُمْ يَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ الذَّاتِيِّ. دَعُونِي أُوَضِّحُ ذَلِكَ بِبَعْضِ الطُّرُقِ.

قَبْلَ أَنْ أَتَنَاوَلَ الْأَشْكَالَ الْمُخْتَلِفَةَ مِنْ هَذَا الْمَفْهُومِ، دَعُونِي أَصْرِفُ بَعْضَ الْوَقْتِ فِي تَنَاوُلِهِ مِثْلَمَا كَتَبْتُهُ. فَفِكْرَةُ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ هِيَ مَفْهُومٌ نَقُولُ فِي الْفَلْسَفَةِ إِنَّهُ خَاطِئٌ تَحْلِيلِيًّا، أَيْ خَاطِئٌ بِحُكْمِ تَعْرِيفِهِ. مُجَدَّدًا، أُذَكِّرُكُمْ بِأَنَّنَا أَشَرْنَا فِي الْبِدَايَةِ إِلَى مَبَادِئِ الْمَعْرِفَةِ، أَوْ الْإِبِيسْتِيمُولُوجْيَا، الْحَيَوِيَّةِ لِفَهْمِ أَيِّ حَقٍّ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ. وَذَكَرْتُ مَبَادِئَ يَجِبُ أَلَّا نَتَفَاوَضَ بِشَأْنِهَا الْبَتَّةَ كَمُؤْمِنِينَ بِوُجُودِ اللَّهِ، لِأَنَّ الَّذِينَ يَرْفُضُونَ الْإِيمَانَ بِوُجُودِ اللَّهِ سَيَرْفُضُونَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَبَادِئِ الْمَعْرِفَةِ هَذِهِ، مِثْلَ قَانُونِ عَدَمِ التَّنَاقُضِ، وَقَانُونِ السَّبَبِيَّةِ، إِلَى آخِرِهِ.

حِينَ نَتَحَدَّثُ عَنِ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ، يَبْدُو وَاضِحًا أَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلْعَقْلِ، لِأَنَّهُ كَيْ يَخْلُقَ الشَّيْءُ نَفْسَهُ، أَيْ يَكُونَ نَتِيجَةً هُوَ نَفْسُهُ سَبَبُهَا، وَكَيْ يَخْلُقَ نَفْسَهُ، سَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ؛ أَوْ بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، كَيْ يَخْلُقَ نَفْسَهُ، سَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ. وَبِتَعْبِيرٍ آخَرَ أَيْضًا، سَيَعْنِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ وَأَلَّا يَكُونَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ وَدَاخِلَ الْعَلَاقَةِ نَفْسِهَا، مِمَّا يَنْتَهِكُ بِوُضُوحٍ قَانُونَ عَدَمِ التَّنَاقُضِ، وَيُدْرِجُ هَذِهِ الْفِكْرَةَ فِي خَانَةِ عَدَمِ الْعَقْلَانِيَّةِ الْبَحْتَةِ. فَمُجَدَّدًا، كَيْ يَخْلُقَ الشَّيْءُ نَفْسَهُ، سَيَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْبِقَ نَفْسَهُ زَمَنِيًّا، أَيْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ. أَتَفْهَمُونَ ذَلِكَ؟ حَسَنًا، فِكْرَةُ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ هِيَ، بِحَسَبِ التَّحْلِيلِ الْمَنْطِقِيِّ، فَرْضِيَّةٌ خَاطِئَةٌ.

قَبْلَ أَنْ نُتَابِعَ، دَعُونِي أَعْقِدُ مُقَارَنَةً بَيْنَ مَفْهُومِ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ، وَالْمَفْهُومِ الثَّالِثِ لِذَاتِيَّةِ الْوُجُودِ. فَالْقَوْلُ بِأَنَّ شَيْئًا ذَاتِيَّ الْوُجُودِ يَعْنِي أَنَّهُ أَزَلِيٌّ، وَأَنَّ لَدَيْهِ فِي ذَاتِهِ قُوَّةَ الْكَيْنُونَةِ، أَيْ إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَمَنْطِقِيًّا، لَا يُوجَدُ مَا هُوَ مُنَافٍ لِلْعَقْلِ أَوْ غَيْرُ مَنْطِقِيٍّ فِي فِكْرَةِ ذَاتِيَّةِ الْوُجُودِ أَوْ الْوُجُودِ الْأَزَلِيِّ. فَعَلَى الْأَقَلِّ، وَكَمَا سَنَرَى لَاحِقًا بِالتَّفْصِيلِ، هَذِهِ الْفِكْرَةُ مُحْتَمَلَةٌ مَنْطِقِيًّا، لِأَنَّهَا لَا تَنْتَهِكُ أَيًّا مِنْ قَوَانِينِ الْمَنْطِقِ. فَوَصْفُ شَيْءٍ مَا بِأَنَّهُ ذَاتِيُّ الْوُجُودِ لَيْسَ انْتِهَاكًا لِأَيٍّ مِنْ قَوَانِينِ الْمَنْطِقِ. لَكِنَّ وَصْفَهُ فِي الْمُقَابِلِ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ ذَاتِيًّا يَنْتَهِكُ الْعَقْلَانِيَّةَ وَقَوَانِينَ الْمَنْطِقِ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّهُ يَنْتَهِكُ قَانُونَ عَدَمِ التَّنَاقُضِ، كَمَا ذَكَرْتُ لِتَوِّي. وَلِهَذَا أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِشَيْءٍ أَنْ يَخْلُقَ نَفْسَهُ.

أَعْتَقِدُ أَنَّنِي اسْتَخْدَمْتُ سَابِقًا مَثَلَ الْوَلَدَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا يَتَجَادَلَانِ حَوْلَ أَصْلِ الْأَشْيَاءِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ: "مِنْ أَيْنَ جَاءَتِ الْأَشْجَارُ؟" أَجَابَ الصَّبِيُّ "اللَّهُ خَلَقَ الْأَشْجَارَ". "وَمِنْ أَيْنَ جَاءَ الْعُشْبُ؟" "اللَّهُ خَلَقَ الْعُشْبَ". "وَمِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ؟" "اللَّهُ خَلَقَنِي". "حَسَنًا إذَنْ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءَ اللَّهُ؟" وَكَانَ الْجَوَابُ الْعَمِيقُ الَّذِي قَدَّمَهُ الصَّبِيُّ الصَّغِيرُ هُوَ: "اللَّهُ خَلَقَ نَفْسَهُ". قَدْ يَبْدُو الْجَوَابُ جَيِّدًا، لَكِنَّهُ لَيْسَ صَحِيحًا. فَحَتَّى اللَّهُ نَفْسُهُ لَمْ يَكُنْ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَخْلُقَ نَفْسَهُ، لِأَنَّ هَذَا يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، أَيْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ وَأَلَّا يَكُونَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ وَبِالطَّرِيقَةِ نَفْسِهَا. أَدْرَكَ هَامْلِتْ هَذَيْنِ الْخِيَارَيْنِ جَيِّدًا فَقَالَ: "أَكُونُ أَوْ لَا أَكُونُ". فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ الْخِيَارَانِ مَعًا فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَدَاخِلَ الْعَلَاقَةِ نَفْسِهَا.

لِنَرَ مَعًا الْآنَ كَيْفَ صِيغَتْ نَظَرِيَّاتُ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ الْمُخْتَلِفَةُ فِي الْمَاضِي. إِحْدَى الْمُحَاوَلَاتِ الْأَكْثَرِ انْتِشَارًا لِاسْتِخْدَامِ مَفْهُومِ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ - كَبَدِيلٍ عَنْ فِكْرَةِ خَلْقِ كَائِنٍ أَزَلِيٍّ ذَاتِيِّ الْوُجُودِ لِلْكَوْنِ - ظَهَرَتْ خِلَالَ عَصْرِ التَّنْوِيرِ. فَمَعَ أَنَّ حَرَكَةَ التَّنْوِيرِ لَمْ تَكُنْ مُتَجَانِسَةً فِي فَرَضِيَّاتِهَا، كَانَ بَعْضُ مُفَكِّرِي التَّنْوِيرِ يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ اللَّهِ، وَالْبَعْضُ الْآخَرُ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ. لَكِنْ فِي الْحَرَكَةِ الْمَوْسُوعِيَّةِ الْفَرَنْسِيَّةِ، عَارَضَ أَشْخَاصٌ مِثْلُ دِيدِيرُو وَهُولْبَاكْ فِكْرَةَ وُجُودِ اللَّهِ بِشَرَاسَةٍ. وَبِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، كَانَ الْمَبْدَأُ الْأَسَاسِيُّ لِلتَّنْوِيرِ الَّذِي اجْتَاحَ كُلَّ أَنْحَاءِ أُورُوبَّا هُوَ أَنَّهُ الْآنَ بِمَجِيءِ الْعِلْمِ اَلْحَدِيثِ فِي الْقَرْنِ الثَّامِنَ عَشَرَ، لَمْ تَعُدْ فَرْضِيَّةُ اللَّهِ ضَرُورِيَّةً كَتَفْسِيرٍ أَوْ تَعْلِيلٍ كَافٍ لِوُجُودِ الْكَوْنِ. وَقَالَ الْمَوْسُوعِيُّ، مَثَلًا، إِنَّهُ بَدَلًا مِنْ فَرْضِيَّةِ وُجُودِ اللَّهِ، الَّتِي كَانَتِ الْأَجْيَالُ السَّابِقَةُ تَعْتَبِرُهَا ضَرُورَةً مَنْطِقِيَّةً لِتَفْسِيرِ الْوَاقِعِ الَّذِي نَرَاهُ الْآنَ، يُمْكِنُ الْآنَ التَّخَلِّي عَنْهَا دُونَ خَوْفٍ مِنَ الْعُقُوبَةِ، "لِأَنَّنَا صِرْنَا نَعْلَمُ الْآنَ"، عَلَى حَدِّ تَعْبِيرِ الْمَوْسُوعِيِّينَ الْفَرَنْسِيِّينَ، "أَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمَادِّيَّةَ فِي الْكَوْنِ تُوجَدُ مِنْ خِلَالِ مَا يُعْرَفُ بِالتَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ" - التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ.

التَّوَلُّدُ التِّلْقَائِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ بِبَسَاطَةٍ تُوجَدُ تِلْقَائِيًّا، فَجْأَةً، دُونَ الْمُرُورِ بِأَيَّةِ مَرْحَلَةِ تَطَوُّرٍ، لَكِنَّهَا فَقَطْ تُوجَدُ. وَنَشَأَتِ الْفِكْرَةُ حِينَ رَأَى الْبَعْضُ بِرَكَ الْوَحْلِ الَّتِي تَظْهَرُ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَضُحَاهَا، فَنَظَرُوا إِلَى بِرَكِ الْوَحْلِ، وَرَأَوْا بَيْضَ سَمَكٍ صَغِيرٍ أَوْ ضَفَادِعَ صَغِيرَةٍ، فَقَالُوا: "اُنْظُرُوا مَا حَدَثَ فِي بِرْكَةِ الْوَحْلِ، قَدْ خَرَجَتْ حَيَاةٌ تِلْقَائِيًّا مِنْ بِرْكَةِ الْوَحْلِ"، وَلَمْ يُفَكِّرُوا فِي أَنَّ الْعَصَافِيرَ تَحْمِلُ الْأَشْيَاءَ وَتُلْقِيهَا فِي الْوَحْلِ، إِلَى آخِرِهِ. فَلَمْ تَكُنْ أَسْبَابُ ظُهُورِ الضَّفَادِعِ مَرْئِيَّةً بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ. وَهَكَذَا، فِي فَتْرَةٍ مِنَ التَّارِيخِ، آمَنَ الْبَعْضُ بِفِكْرَةِ "ex nihilo" - أَيْ بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ تَأْتِي مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا. وَبِذَلِكَ، جَرَى تَجَاهُلُ قَانُونِ الْعِلْمِ اَلْأَسَاسِيِّ، وَهُوَ "ex nihilo nihil fit". دَعُونِي أُدَوِّنُ ذَلِكَ - ex nihilo nihil fit. مِنَ اللَّا شَيْءِ، لَا شَيْءَ يَأْتِي. وَسَبَبُ وُجُودِ هَذِهِ الْفَرَضِيَّةِ الْبَدِيهِيَّةِ فِي الْعِلْمِ، بِأَنَّ مِنَ اللَّا شَيْءِ، لَا شَيْءَ يَأْتِي، هُوَ أَنَّ الْعَالَمَ يُدْرِكُ أَنَّهُ مِنَ اَللَّا شَيْءِ لَا شَيْءَ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ. فَهُوَ لَا يَأْتِي لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ. فَاللَّا شَيْءُ لَا يُثْمِرُ شَيْئًا، لِأَنَّ اللَّا شَيْءَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُثْمِرَ شَيْئًا. وَسَنَتَطَرَّقُ إِلَى ذَلِكَ مُجَدَّدًا بِأَشَدِّ تَفْصِيلٍ بَعْدَ قَلِيلٍ. لَكِنَّ هَذَا الْمَبْدَأَ قُوبِلَ بِالْمُعَارَضَةِ فِي عَصْرِ التَّنْوِيرِ مِنْ خِلَالِ مَفْهُومِ التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ. فَالْأَشْيَاءُ تُوجَدُ فَجْأَةً مِنْ تِلْقَاءِ ذَاتِهَا.

أَتَذَكَّرُ حِينَ كُنْتُ فِي الْمَدْرَسَةِ الثَّانَوِيَّةِ أَنَّنِي كُنْتُ أَسْمَعُ أَسَاتِذَةَ الْعُلُومِ يَسْتَخِفُّونَ بِمَبَادِئِ التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ، وَيُخْبِرُونَنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِالتَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ. لَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ تَحَرَّوْا الدِّقَّةَ فِي تَقْيِيمِهِمْ لِمَا يَقُولُهُ النَّاسُ، لِأَنَّهُ لَا يَزَالُ هُنَاكَ بَعْضُ الِاعْتِقَادِ مِنْ حَوْلِنَا فِي شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِ التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ. لَكِنْ مَا كَانَ أَسَاتِذَةُ الْعُلُومِ يُحَاوِلُونَ تَعْلِيمَنَا إِيَّاهُ فِي الْمَدْرَسَةِ هُوَ أَنَّ هَذِهِ الْفِكْرَةَ الَّتِي صَارَتْ بَارِزَةً فِي الْقَرْنِ الثَّامِنَ عَشَرَ - عَنْ كَوْنِ الْأَشْيَاءِ تُوجَدُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا - انْكَشَفَ زَيْفُهَا. كَانَ يَنْبَغِي كَشْفُ زَيْفِهَا فِي لَحْظَةِ النُّطْقِ بِهَا، لِأَنَّهَا انْطَوَتْ عَلَى اسْتِحَالَةٍ مَنْطِقِيَّةٍ مُنْذُ الْبِدَايَةِ.

لَكِنْ أَتَذَكَّرُ أَمْرًا أَدْهَشَنِي مُنْذُ بِضْعِ سَنَوَاتٍ، حِينَ قَرَأْتُ مَقَالًا بِقَلَمِ عَالِمٍ مِنَ السَّاحِلِ الْغَرْبِيِّ، حَائِزٍ عَلَى جَائِزَةِ بُولِيتْزَرْ، آسِفٌ، عَلَى جَائِزَةِ نُوبِلْ، حَوْلَ مَفْهُومِ التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ. وَقَالَ: "بَلَغْنَا الْآنَ فِي الْعِلْمِ الْحَدِيثِ مَرْحَلَةً لَمْ يَعُدْ بِإِمْكَانِنَا فِيهَا تَأْيِيدُ مَفْهُومِ التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ". ثُمَّ تَابَعَ قَائِلًا إِنَّ "الْوَاقِعَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ ذَاتِهِ تِلْقَائِيًّا. وَعَلَيْنَا اسْتِبْدَالُ مَفْهُومِ التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ بِفِكْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ أَكْثَرَ دِقَّةً وَتَطَوُّرًا"، دَعَاهَا، وَلَسْتُ أَمْزَحُ، بِاسْمِ "التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ التَّدْرِيجِيِّ". قَرَأْتُ ذَلِكَ وَضَحِكْتُ، لَكِنَّنِي قُلْتُ: "مَهْلًا، هَذَا الرَّجُلُ حَائِزٌ عَلَى جَائِزَةِ نُوبِلْ فِي الْعُلُومِ. كَيْفَ لِرَجُلٍ كَهَذَا أَنْ يَتَفَوَّهَ بِمِثْلِ هَذَا الْهُرَاءِ؟ أَحْيَانًا، كُلَّمَا ازْدَادَ عِلْمُك، يَصِيرُ مِنَ السَّهْلِ أَنْ تُدْلِيَ بِتَصْرِيحَاتٍ بِلَا مَعْنًى وَتَنْجُوَ بِفِعْلَتِكَ". التَّوَلُّدُ التِّلْقَائِيُّ التَّدْرِيجِيُّ. بِتَعْبِيرٍ آخَرَ، لَا يُمْكِنُكَ الْحُصُولُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ اللَّا شَيْءِ بِسُرْعَةٍ، بَلْ يَتَطَلَّبُ الْأَمْرُ وَقْتًا. عَلَيْكَ أَنْ تَنْتَظِرَ أَنْ يُثْمِرَ اللَّا شَيْءُ شَيْئًا مِنْ خِلَالِ عَمَلِيَّةِ تَطَوُّرٍ. قَدْ يَسْتَغْرِقُ الْأَمْرُ دُهُورًا وَدُهُورًا، لَكِنْ إِذَا تَحَلَّيْتَ بِصَبْرٍ كَافٍ، فَإِنْ آجِلًا أَوْ عَاجِلًا، يُمْكِنُ لِشَيْءٍ مَا أَنْ يَخْلُقَ نَفْسَهُ.

مُجَدَّدًا، عِنْدَ هَذِهِ النُّقْطَةِ يَصْطَدِمُ الْفَلَاسِفَةُ وَالْعُلَمَاءُ مَعًا، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ تَرَكُوا بِذَلِكَ نِصْفَ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ فِي مَكَانٍ مَا فِي الْمُخْتَبَرِ. أَوْ رُبَّمَا عِنْدَمَا أَوْقَفُوا سَيَّارَاتِهِمْ فِي مَوْقِفِ السَّيَّارَاتِ، أَخَذُوا مَعَهُمْ نِصْفَ الْمَنْهَجِ الْعِلْمِيِّ - وَهُوَ النِّصْفُ التَّجْرِيبِيُّ، أَوْ النِّصْفُ الِاسْتِقْرَائِيُّ - تَارِكِينَ الْجُزْءَ الِاسْتِدْلَالِيَّ فِي صُنْدُوقِ السَّيَّارَةِ. وَلِذَلِكَ، عَلَيْهِمِ الْعَوْدَةُ، وَفَتْحُ الصُّنْدُوقِ، وَمُرَاجَعَةُ تِلْكَ التَّصْرِيحَاتِ الَّتِي تَقْضِي عَلَى الْمَنْطِقِيَّةِ - التَّوَلُّدُ التِّلْقَائِيُّ التَّدْرِيجِيُّ.

إِذَا قَالَ لِي أَحَدُهُمْ: "لَا أَحَدَ يُؤْمِنُ حَقًّا بِالْخَلْقِ الذَّاتِيِّ"، أُجِيبُهُ بِأَنَّ التَّوَلُّدَ التِّلْقَائِيَّ التَّدْرِيجِيَّ، أَوْ التَّوَلُّدَ التِّلْقَائِيَّ فَحَسْبُ، يَسْتَحْضِرُ إِلَى ذِهْنِي الْمَقُولَةَ الْقَدِيمَةَ: "مَهْمَا كَانَ اسْمُ الزُّهْرَةِ، فَهِيَ تَبْقَى زَهْرَةً". فَإِذَا حَلَلْتَ مَفْهُومَ التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ، سَتَكْتَشِفُ أَنَّهُ مُحَاوَلَةٌ مُتَطَوِّرَةٌ لِوَصْفِ فِكْرَةِ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ.

حِينَ أُطْلِقَتْ مَرْكَبَةُ هَابِلْ الْفَضَائِيَّةُ بِاعْتِبَارِهَا مَشْرُوعًا عِلْمِيًّا مُهِمًّا لِلْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ الْأَمِيرِكِيَّةِ، كَانَ هُنَاكَ بَثٌّ إِذَاعِيٌّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، تَحَدَّثَ فِيهِ عَالِمٌ بَارِزٌ وَشَهِيرٌ لِلْغَايَةِ فِي الْفِيزْيَاءِ الْفَلَكِيَّةِ عَنْ أَهَمِّيَّةِ "الزِّيَادَةِ الْحَالِيَّةِ لِإِدْرَاكِنَا لِلْفَضَاءِ الْخَارِجِيِّ، وَاتِّسَاعِ آفَاقِنَا بِفَضْلِ هَذِهِ التِّكْنُولُوجْيَا الْحَدِيثَةِ". وَتَابَعَ مُبَيِّنًا كَيْفَ بَدَأَ الْكَوْنُ، بِرَأْيِهِ، "مُنْذُ نَحْوِ خَمْسَةَ عَشْرَ إِلَى ثَمَانِيةَ عَشْرَ مِلْيَارَ سَنَةٍ"، بِحَسَبِ قَوْلِهِ، "حِينَ تَفَجَّرَ الْعَالَمُ إِلَى حَيِّزِ الْوُجُودِ". هَذَا مِثَالٌ لِاسْتِخْدَامِ عَالِمِ فِيزْيَاءَ فَلَكِيَّةٍ لِلُغَةٍ مُتَأَثِّرَةٍ بِالْفَلْسَفَةِ. فَكَلِمَةُ "وُجُودٍ" أَوْ "كَيْنُونَةٍ" مُفْعَمَةٌ بِالْمُحْتَوَى الْفَلْسَفِيِّ. فَقَدْ تَحَدَّثَ عَنْ أَصْلِ الْكَوْنِ، وَوَضَعَ لَهُ إِطَارًا زَمَنِيًّا - مُنْذُ نَحْوِ خَمْسَةَ عَشْرَ إِلَى ثَمَانِيةَ عَشْرَ مِلْيَارَ سَنَةٍ، تَفَجَّرَ الْكَوْنُ. لَمْ يَقْصِدْ أَنَّ الْكَوْنَ تَفَجَّرَ إِلَى شَكْلِهِ الْحَالِيِّ. فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ قَبْلَ نَحْوِ خَمْسَةَ عَشْرَ إِلَى ثَمَانِيةَ عَشْرَ مِلْيَارَ سَنَةٍ، كَانَ لِلْكَوْنِ شَكْلٌ مُعَيَّنٌ - أَيْ كَانَ مَوْجُودًا، وَحَقِيقِيًّا، وَكَانَتْ هُنَاكَ مَادَّةٌ، أَيْ كَانَ لَهُ كَيْنُونَةٌ - ثُمَّ تَغَيَّرَ جَذْرِيًّا بِفِعْلِ الِانْفِجَارِ الْكَبِيرِ، مَثَلًا، مُنْذُ نَحْوِ خَمْسَةَ عَشْرَ إِلَى ثَمَانِيةَ عَشْرَ مِلْيَارَ سَنَةٍ، يَخْتَلِفُ تَمَامَ الِاخْتِلَافِ عَمَّا قَصَدَهُ عَالِمُ الْفِيزْيَاءِ هُنَا، الَّذِي اسْتَخْدَمَ التَّعْبِيرَ "تَفَجَّرَ إِلَى حَيِّزِ الْوُجُودِ". أَثَارَ الْأَمْرُ فُضُولِي، وَقُلْتُ لِنَفْسِي: "مَاذَا يُقْصَدُ بِقَوْلِهِ إِنَّهُ تَفَجَّرَ إِلَى حَيِّزِ الْوُجُودِ؟ وَكَيْفَ كَانَ قَبْلَ الِانْفِجَارِ؟ هَلْ كَانَ عَكْسَ الْوُجُودِ أَوْ نَقِيضَ الْوُجُودِ؟ بِحَسَبِ التَّعْبِيرِ الْفَلْسَفِيِّ، هَذَا هُوَ عَدَمُ الْوُجُودِ، أَيِ الْمُرَادِفُ لِلْعَدَمِ أَوْ اللَّا شَيْءِ".

إِذَنْ، نَرَى أَنَّ مَجِيءَ شَيْءٍ مِنَ اللَّا شَيْءِ يَتَطَلَّبُ لَيْسَ مُجَرَّدَ وَقْتٍ، وَإِنَّمَا يَتَطَلَّبُ انْفِجَارًا ضَخْمًا. وَإِذَا عُدْتُمْ بِالزَّمَنِ فَتْرَةً كَافِيَةً - رُبَّمَا ثَمَانِيةَ عَشْرَ مِلْيَارَ سَنَةٍ - قَدْ تَعْثُرُونَ عَلَى هَذَا الِانْفِجَارِ الْكَبِيرِ، حَيْثُ وُجِدَ الْوَاقِعُ مِنَ اللَّا وَاقِعِ. هَذَا، أَيُّهَا السَّادَةُ، هُرَاءٌ فَلْسَفِيٌّ، وَلَا عَقْلَانِيَّةٌ بَحْتَةٌ. وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ إِذَا تَسَنَّتْ لِي فُرْصَةُ مُحَاوَرَةِ عَالِمِ الْفِيزْيَاءِ الَّذِي أَدْلَى بِهَذَا التَّصْرِيحِ، سَيُسَارِعُ - أَنَا مُقْتَنِعٌ بِذَلِكَ، وَأَرْجُو ذَلِكَ - سَيُسَارِعُ إِلَى الْقَوْلِ: "قَدْ أَسَأْتُ التَّعْبِيرَ. كُنْتُ أَقْصِدُ أَنَّ حَالَةً سَابِقَةً مِنَ الْوُجُودِ تَغَيَّرَتْ إِثْرَ الْانْفِجَارِ الْكَبِيرِ، وَلَمْ أَقْصِدْ أَنْ أُوحِيَ بِأَنَّ الِانْفِجَارَ حَدَثَ مِنَ اللَّا شَيْءِ إِلَى شَيْءٍ". أَرْجُو وَأَثِقُ أَنَّ هَذَا مَا سَيَقُولُهُ عَالِمُ الْفِيزْيَاءِ، إِذَا تَسَنَّتْ لَنَا فُرْصَةُ مُحَاوَرَتِهِ، وَأَنَّهُ يُشْبِهُ أَيَّ عَالِمٍ آخَرَ قَدْ يَتَفَوَّهُ بِأُمُورٍ فِي تَهَوُّرٍ وَدُونَ تَفْكِيرٍ مُتَمَعِّنٍ. لَكِنِ انْتَبَهُوا إِلَى كَلَامِ أَشْخَاصٍ بَارِزِينَ بِقَدْرِ عَالِمِ الْفِيزْيَاءِ الْفَلَكِيَّةِ هَذَا.

إِذَنْ، نَسْمَعُ عَنِ التَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ، وَالتَّوَلُّدِ التِّلْقَائِيِّ التَّدْرِيجِيِّ، وَانْفِجَارِ الْكَوْنِ إِلَى حَيِّزِ الْوُجُودِ. لَكِنْ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ، الشَّكْلُ الْأَكْثَرُ شُيُوعًا لِلْخَلْقِ الذَّاتِيِّ، الَّذِي نَرَاهُ فِي الثَّقَافَةِ الْحَدِيثَةِ، هُوَ فِكْرَةُ الْخَلْقِ عَنْ طَرِيقِ الْمُصَادَفَةِ، أَيْ إِنَّ الْكَوْنَ يُوجَدُ بِوَاسِطَةِ قُوَّةٍ مُعَيَّنَةٍ تُنْسَبُ إِلَى الْمُصَادَفَةِ. وَعَادَةً مَا تَكُونُ اَلْمُعَادَلَةُ هِيَ: الْمَكَانُ زَائِدُ الْوَقْتِ زَائِدُ الْمُصَادَفَةِ.

لَيْسَ لَدَيَّ وَقْتٌ فِي مُحَاضَرَةِ الْيَوْمِ لِتَنَاوُلِ هَذَا الْجَانِبِ تَحْدِيدًا مِنَ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ. فَبِسَبَبِ اسْتِخْدَامِهِ عَلَى نِطَاقٍ وَاسِعٍ وَمُتَكَرِّرٍ، أَوَدُّ تَنَاوُلَهُ فِي مُحَاضَرَةٍ مُنْفَصِلَةٍ (أَلَّفْتُ كِتَابًا كَامِلًا عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ بِعُنْوَانِ "Not a Chance")، لِنَرَى عَلَاقَتَهُ بِالْمَفَاهِيمِ الْحَدِيثَةِ عَنْ مِيكَانِيكْيَا الْكَمِّ وَالْفِيزْيَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهِيَ النَّظَرِيَّاتُ الَّتِي تَمِيلُ إِلَى إِعْلَامِنَا بِأَنَّهُ عَلَى الْمُسْتَوَى دُونَ الذَّرِّيِّ، لَدَيْنَا بِالْفِعْلِ أَدِلَّةٌ عِلْمِيَّةٌ عَلَى مَجِيءِ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْعَدَمِ، بِنَاءً عَلَى مَبْدَأِ الرِّيبَةِ لِهَايْزَنْبِرْغْ، وَبَعْضِ النَّظَرِيَّاتِ الْأُخْرَى الَّتِي قَدَّمَهَا نِيلْزْ بُورْ وَآخَرُونَ.

سَنَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِأَشَدِّ تَفْصِيلٍ فِي الْمُحَاضَرَةِ الْمُقْبِلَةِ، لَكِنَّنِي الْآنَ سَأُلَخِّصُ مَا سَبَقَ. نَدْرُسُ هُنَا أَرْبَعَةَ احْتِمَالَاتٍ لِتَفْسِيرِ وُجُودِ أَيِّ شَيْءٍ. وَتَذَكَّرُوا أَنَّ أَقْدَمَ سُؤَالٍ فِي الْفَلْسَفَةِ وَالْعِلْمِ هُوَ: "لِمَ يُوجَدُ شَيْءٌ بَدَلًا مَنْ لَا شَيْءٍ؟" وَحَاوَلْتُ أَنْ أُبَيِّنَ لَكُمْ مَا أَوَدُّ أَنْ تُفَكِّرُوا فِيهِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ وَقْتٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَيُّ شَيْءٍ، أَيْ عَدَمِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ - لَا إِلَهَ، وَلَا مَادَّةَ، وَلَا شَيْءَ - فَمَا الَّذِي كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يُوجَدَ الْآنَ؟ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ وَقْتٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَيُّ شَيْءٍ، فَالْوَسِيلَةُ الْوَحِيدَةُ الَّتِي يُمْكِنُ اتِّبَاعُهَا لِتَفْسِيرِ وُجُودِ شَيْءٍ هِيَ نَوْعٌ مِنَ الْخَلْقِ الذَّاتِيِّ، أَيْ مَجِيءُ شَيْءٍ مِنَ الْعَدَمِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. وَلَا يُمْكِنُنِي نَسْبُ هَذِهِ الْمُهِمَّةِ، الْمُتَمَثِّلَةِ فِي أَنْ يَخْلُقَ شَيْءٌ نَفْسَهُ، إِلَى اللَّهِ، أَوْ إِلَى أَشْبَاحٍ، أَوْ عُلَمَاءَ، أَوْ إِلَى حَمْضٍ أَمِينِيٍّ، أَوْ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ.