المحاضرة 10: التَنَاقُضُ وَالمُفَارَقَةُ
كيف تجيب على شخص يقول إن الثالوث مفهوم غير منطقي؟ هل يعلِّم الإنجيل التناقضات؟ قبل الإجابة على ذلك، من الأفضل التأكد من أننا نعني نفس الشيء عندما نقول التناقض. في هذه المحاضرة، يذكرنا د. سبرول بالاختلافات البسيطة، ولكن غالبًا ما يساء فهمها، بين "التناقض والمفارقة".
فِي دِرَاسَتِنَا لِعِلْمِ الدِفَاعِيَّاتِ، وَفَنِّ الدِفَاعِ عَنْ إِيمَانِنَا، تَنَاوَلْنَا مَبَادِئَ الْمَعْرِفَةِ أَوِ الإِبِيسْتِيمُولُوجْيَا الْفَائِقَةَ الأَهِمِّيَّةِ، الَتِي يَجِبُ أَلَّا نَتَفَاوَضَ بِشَأْنِهَا أَبَدًا وَنَحْنُ نُدَافِعُ عَنِ الإِيمَانِ، لأَنَّ تِلْكَ هِيَ الْمَبَادِئُ الَتِي يُسَاوِمُ فِيهَا الْمُلْحِدُونَ أَوِ الانْتِقَادِيُّونَ أَوِ الْمُتَشَكِّكُونَ فِي الإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ بِوُجُودِ اللهِ.
وَانْتِقالًا مِنَ الْمَبَادِئِ الأَرْبَعَةِ الَتِي ذَكَرْتُها قَبْلًا، وَهِيَ قَانُونُ عَدَمِ التَنَاقُضِ، وَقَانُونُ السَبَبِيَّةِ، وَالْمَوْثُوقِيَّةُ الأَسَاسِيَّةُ لِلإِدْرَاكِ الْحِسِّيِّ، وَأَخِيرًا، الاسْتِعْمَالُ التَشَابُهِيُّ لِلُّغَةِ، نَدْخُلُ الآنَ مَجَالًا مُتَّصِلًا بِهَذِهِ الْمَبَادِئِ، يَحْدُثُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الْخَلْطِ، لأَنَّهُ تُوجَدُ ثَلاثُ كَلِمَاتٍ فِي اللُغَةِ تُسْتَخْدَمُ كَثِيرًا كَمَا لَوْ أَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ، فِي حِينِ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَيَجِبُ التَمْيِيزُ بَيْنَهَا بِوُضُوحٍ. هَذِهِ الْمَفَاهِيمُ الثَلاثَةُ هِيَ: التَنَاقُضُ، وَالْمُفَارَقَةُ، وَاللُّغْزُ. هَذِهِ الأَفْكَارُ وَثِيقَةُ الصِلَةِ لِدَرَجَةِ أَنَّهُ يَسْهُلُ عَلَيْنَا الْخَلْطُ بَيْنَهَا. وَعِنْدَمَا نَخْلِطُ بَيْنَهَا، نَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَتَاعِبِ.
مُنْذُ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ، قَرَأْتُ مَقَالًا كَتَبَهُ أُسْتَاذٌ فِي الْفَلْسَفَةِ، لَمْ يَكُنْ فَقَطْ رَافِضًا لِلإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ بِوُجُودِ اللهِ، بَلْ كَانَ يَسْتَهْزِئُ بِهِ أَيْضًا، قَائِلاً إِنَّهُ فِي لُبِّ الْمَسِيحِيَّةِ الْعَرِيقَةِ، تَكمُنُ عَقِيدَةُ الثَالُوثِ. وَذَكَرَ فِي مَقَالِهِ أَنَّهُ لا يَفْهَمُ كَيْفَ يُمْكِنُ لأَيِّ شَخْصٍ عَقْلانِيٍّ أَنْ يَعْتَنِقَ الْمَسِيحِيَّةَ، تَحْدِيدًا بِسَبَبِ عَقِيدَتِهَا عَنِ الثَالُوثِ. ثُمَّ تَابَعَ قَائِلاً إِنَّ فِكْرَةَ الثَالُوثِ مُنَافِيَةٌ لِلْعَقْلِ، لأَنَّها تَنْتَهِكُ قَانُونَ التَنَاقُضِ. وَكَانَ الاتِّهَامُ كَالتَالِي: أَنَّ عَقِيدَةَ الثَالُوثِ تَنْتَهِكُ الْمَنْطِقَ وَقَانُونَ عَدَمِ التَنَاقُضِ.
انْدَهَشْتُ حَقًّا مِنْ قِرَاءَةِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَقَالِ تَحْدِيدًا، لَيْسَ بِسَبَبِ سُخْرِيَةِ الْبَعْضِ مِنَ الْمَسِيحِيَّةِ، أَوِ اتِّهَامِهَا بِأَنَّهَا غَيْرُ عَقْلَانِيَّةٍ، لأَنَّنَا نَسْمَعُ ذَلِكَ طَوَالَ الْوَقْتِ. كَمَا لَمْ يُدْهِشْنِي قَوْلُ أَحَدِهِمْ إِنَّ عَقِيدَةَ الثَالُوثِ مُتَنَاقِضَةٌ. بَلْ مَا فَاجَأَنِي هُوَ أَنَّ اتِّهَامَ عَقِيدَةِ الثَالُوثِ بِالتَنَاقُضِ وُجِّهَ مِنْ أُسْتَاذٍ فِي الْفَلْسَفَةِ.
أُدْرِكُ أَنَّهُ يُمْكِنُ لِلْبَعْضِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا فِي أَمْرِيكَا، وَيَحْصُلُوا عَلَى دَرَجَةِ الدُكْتُورَاه فِي مَجالاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي أَمْرِيكَا، دُونَ دِرَاسَةِ مُقرَّرٍ وَاحِدٍ عَنِ الْمَنْطِقِ. وَفِي الْوَاقِعِ، مُعْظَمُ مُؤَسَّسَاتِ التَعْلِيمِ الْعَالِي لَمْ تَعُدْ تُطَالِبُ بِالْمَنْطِقِ كَمُقَرَّرٍ إِلْزَامِيٍّ. لَكِنْ لا أَسْتَطِيعُ تَخَيُّلَ أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُهُمْ عَلَى دَرَجَةٍ عِلْمِيَّةٍ فِي مَجَالِ الْفَلْسَفَةِ، دُونَ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى الأَقَلِّ عَلَى دَوْرَةٍ تَمْهِيدِيَّةٍ فِي الْمَنْطِقِ، وَدُونَ أَنْ يَكُونَ عَلَى دِرَايَةٍ عَلَى الأَقَلِّ بِقَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ. وَإِنْ كَانَ أُسْتَاذُ الْفَلْسَفَةِ هَذَا قَدْ دَرَسَ دَوْرَةً تَمْهِيدِيَّةً فِي الْمَنْطِقِ، لَكَانَ سَيَفْهَمُ عَلَى الأَقَلِّ أَنَّ عَقِيدَةَ الثَالُوثِ الْمَسِيحِيَّةَ لَيْسَتْ مُتَنَاقِضَةً، وَلا تَنْتَهِكُ قَانُونَ عَدَمِ التَنَاقُضِ، لأَنَّ عَقِيدَةَ الثَالُوثِ تَقُولُ: اللهُ وَاحِدٌ فِي الْجَوْهَرِ وَثَلاثَةُ أَقَانِيمَ. هَذِهِ هِيَ الصِيغَةُ التَقْلِيدِيَّةُ لِعَقِيدَةِ الثَالُوثِ. اللهُ وَاحِدٌ فِي الْجَوْهَرِ وَثَلاثَةُ أَقَانِيمَ. وَإِنْ حَلَّلْنَا ذَلِكَ، سَنَقُولُ إِنَّ اللهَ وَاحِدٌ فِي "أ" وَثَلاثَةٌ فِي "ب". يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ صِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ، هُوَ يَتَمَتَّعُ بِالْوَحْدَةِ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ صِفَةٍ أُخْرَى مُخْتَلِفَةٍ، فَبِهِ تَنَوُّعٌ أَوْ تَعَدُّدِيَّةٌ. فَإِنْ قُلْنَا مَثَلاً إِنَّ اللهَ وَاحِدٌ فِي الْجَوْهَرِ وَثَلاثَةٌ فِي الْجَوْهَرِ، فَإِنَّنَا نَنْتَهِكُ بِهَذَا قَانُونَ عَدَمِ التَنَاقُضِ. أَوْ إِنْ قُلْنَا إِنَّ اللهَ أُقْنُومٌ وَاحِدٌ وَثَلاثَةُ أَقَانِيمَ، فَإِنَّنَا أَيْضًا نَنْتَهِكُ بِهَذَا قَانُونَ عَدَمِ التَنَاقُضِ. لَكِنَّ قَوْلَنَا إِنَّهُ وَاحِدٌ فِي أَمْرٍ، وَثلاثَةٌ فِي أَمْرٍ آخَرَ، لَيْسَ انْتِهَاكًا لِقَانُونِ الْمَنْطِقِ هَذَا بِالذَاتِ.
رُبَّما يَنْبَغِي أَنْ نُنْعِشَ ذَاكِرَتَنا بِتَعْرِيفِ قَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ، حَتَّى نَكُونَ أَكْثَرَ حَذَرًا مِنْ أُسْتَاذِ الْفَلْسَفَةِ هَذَا، عِنْدَ تَعَامُلِنَا مَعَ تِلْكَ الْمَسَائِلِ. يَقُولُ قَانُونُ عَدَمِ التَنَاقُضِ بِبَسَاطَةٍ إِنَّ "أ" لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ "أ" وَلَيْسَ "أ" فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَبِالطَرِيقَةِ نَفْسِهَا أَوْ دَاخِلَ الْعَلاقَةِ نَفْسِهَا. فَلا يُمْكِنُ لِشَيْءٍ أَنْ يَكُونَ نَفْسَهُ وَأَلَّا يَكُونَ نَفْسَهُ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَمِنَ النَاحِيَةِ نَفْسِهَا. يُمْكِنُنِي أَنْ أَكُونَ أَبًا وَابْنًا فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ دُونَ أَنْ أَنْتَهِكَ أَيَّ قَانُونٍ لِلْمَنْطِقِ. لَكِنْ لا يُمْكِنُنِي أَنْ أَكُونَ أَبًا وَابْنًا فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَدَاخِلَ الْعَلَاقَةِ نَفْسِهَا. فَلا يُمْكِنُنِي أَنْ أَكُونَ أَبِي، بَلْ يُمْكِنُنِي أَنْ أَكُونَ أَبًا لابْنِي. كَمَا لا يُمْكِنُنِي أَنْ أَكُونَ ابْنَ ابْنِي، بَلْ فَقَطْ يُمْكِنُنِي أَنْ أَكُونَ ابْنَ أَبِي. إِذَنْ، دَاخِلَ إِطَارِ عَلاقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِنْ جِهَةِ عَلَاقَتِي بِأَبِي، أَنَا ابْنٌ. وَدَاخِلَ إِطَارِ عَلاقَةٍ أُخْرَى، أَنَا أَبٌ لابْنِي. إِذَنْ أَنَا أَبٌ وَابْنٌ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ. لَكِنَّ الْمُفْتَاحَ يَكْمُنُ فِي الْجُزْءِ الثَانِي مِنَ التَعْرِيفِ - لَيْسَ مِنَ النَاحِيَةِ نَفْسِهَا أَوْ دَاخِلَ الْعَلاقَةِ نَفْسِهَا.
أُحِبُّ أَنْ أَرْوِيَ هُنَا قِصَّةَ عَالِمِ لَاهُوتٍ أَلْمَانِيٍّ كَانَ يُعَلِّمُنَا فِي كُلِّيَّةِ اللَاهُوتِ، وَكَانَ حَفِيدَ لاهُوتِيٍّ شَهِيرٍ مِنَ الْقَرْنِ التَاسِعَ عَشَرَ. وَذَاتَ يَوْمٍ، كُنَّا فِي الصَفِّ، وَأَبْدَى أُسْتَاذُ اللاهُوتِ الأَلْمَانِيُّ الْمُلاحَظَةَ التَالِيَةَ: "أَيُّهَا السَادَةُ، اللهُ مُتَغيِّرٌ تَمَامًا فِي جَوْهَرِهِ، وَاللهُ ثَابِتٌ تَمَامًا فِي جَوْهَرِهِ". سَادَ صَمْتٌ مَهِيبٌ أَرْجَاءَ الصَفِّ، وَأَمْكَنَ سَمَاعُ الطُلابِ يَهْمِسُونَ: "هَذَا كَلامٌ لافِتٌ وَعَمِيقٌ!" وَخَرَجَ الطُلَّابُ مِنَ الصَّفِّ مُنْبَهِرِينَ مِنْ بَرَاعَةِ هَذَا الأُسْتَاذِ، لأَنَّهُمْ افْتَرَضُوا مَا يَلِي: "لا نَسْتَطِيعُ فَهْمَ مَا يَقُولُهُ، لَكِنْ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ هُوَ يَفْهَمُهُ، إِذَنْ لا بُدَّ أَنَّهُ أَذْكَى مِنَّا". وَوَقَفْتُ فِي الْبَهْوِ أَضْحَكُ، فَسَأَلُونِي: "مَا الَّذِي يُضْحِكُكَ؟" أَجَبْتُ: "مَا قَالَهُ لِتوِّهِ عَدِيمُ الْمَعْنَى وَمُنَافٍ لِلْعَقْلِ". "كَيْفَ يُمْكِنُكَ ...؟" فَقُلْتُ: "تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْجَحَ فِي دَفْعِ النَاسِ إِلَى تَصْدِيقِ أَيِّ شَيْءٍ إِذَا اتَّخَذْتَ وَضْعِيَّةً مُنَاسِبَةً، وَعَقَدْتَ حَاجِبَيْكَ، وَتَكَلَّمْتَ بِصَوْتٍ خَافِتٍ". مَثَلًا: "اللهُ مُتَغَيِّرٌ تَمامًا فِي جَوْهَرِهِ وَثَابِتٌ تَمَامًا فِي جَوْهَرِهِ". هَذَا شَبِيهٌ بِوُقُوفِي هُنَا قَائِلًا: "بلبلبلبلبلبلبل". هَذَا كَلامٌ عَدِيمُ الْمَعْنَى. فَلَوْ كَانَ اللهُ مُتَغَيِّرًا تَمَامًا فِي جَوْهَرِهِ، لا يُمْكِنُهُ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَمِنَ النَاحِيَةِ نَفْسِهَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا.
يُذَكِّرُنِي هَذَا أَيْضًا بِمَا حَدَثَ حِينَ كَانَ بُول تِيلِيك يَعِظُ فِي شِيكَاغُو، وَقدَّمَ مَفْهُومَهُ عَنِ اللهِ بِصِفَتِهِ أَسَاسَ الْوُجُودِ. وَفِي هَذِهِ الْمُحَاضَرَةِ عَنْ كَوْنِ اللهِ هُوَ أَسَاسُ الْوُجُودِ، قَالَ: "لا يُمْكِنُنَا نَسْبُ أَلْفَاظٍ بَشَرِيَّةٍ، مِثْلِ الشَخْصِيَّةِ، إِلَى اللهِ، لأَنَّ اللهَ لَيْسَ شَخْصِيًّا أَوْ غَيْرَ شَخْصِيٍّ، لَكِنَّهُ أَسَاسُ الشَخْصِيَّةِ". فَرَفَعَ أَحَدُ الطُّلابِ يَدَهُ وَقَالَ: "د. تِيلِيك". أَجابَ "ماذا؟" قَالَ: "هَلْ أَسَاسُ الشَخْصِيَّةِ هَذَا شَخْصيٌّ أَمْ غَيْرُ شَخْصِيٍّ؟" فَغَضِبَ تِيلِيك وَقَالَ: "قُلْتُ لَكَ إِنَّهُ لا هَذَا وَلا ذاكَ". لَكِنَّ الْفِكْرَةَ هِيَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إِمَّا هَذَا أَوْ ذاكَ، لأَنَّ كَلِمَةَ "غَيْرِ شَخْصِيٍّ" تَعْنِي بِحُكْمِ تَعْرِيفِهَا كُلَّ مَا هُوَ خَارِجَ تَصْنِيفِ الشَخْصِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ، عَلَى أيِّ شَيْءٍ أَنْ يَكُونَ إِمَّا شَخْصِيًّا أَوْ غَيْرَ شَخْصِيٍّ. وَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كِليْهِمَا فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَدَاخِلَ الْعَلاقَةِ نَفْسِهَا؟ كَلَّا. وَلِهَذَا وُجِدَ قَانُونُ عَدَمِ التَنَاقُضِ.
مَا يَحْدُثُ فِي عَقِيدَةِ الثَالُوثِ لَيْسَ انْتِهَاكًا لِقَانُونِ التَنَاقُضِ، لَكِنَّهُ مُفَارَقَةٌ. لِنَتَنَاوَلِ الآنَ الْمَفْهُومَ الثَانِي الْمَكْتُوبَ عَلَى السَبُّورَةِ، وَهُوَ الْمُفَارَقَةُ. إِذَا قُمْنَا بِتَجْزِئَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ - سَنَعُودُ إِلَى التَنَاقُضِ بَعْدَ قَلِيلٍ، لَكِنْ لِنَنْظُرِ الآنَ إِلَى الْمُفَارَقَةِ، وَنَدْرُسْ كَلِمَةَ paradox لُغَوِيًّا. فَهِيَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ بَادِئَةٍ وَجَذْرٍ. الْبَادِئَةُ "para" مَعْنَاهَا فِي اللُغَةِ الْيُونَانِيَّةِ "مَا يَقَعُ بِجَانِبِ شَيْءٍ آخَرَ". فَلَدَيْنَا مَثَلًا كَلِمَةُ "بَارَابِيلِيئُو"، وَمَعْنَاهَا "يُلْقِي الشَيْءَ جَانِبًا"، وَمِنْهَا جَاءَتْ كَلِمَةُ "parable" أَوْ مَثَل. فَعِنْدَمَا كَانَ يَسُوعُ يَرْوِي قِصَصًا لِتَوْضِيحِ فِكْرَتِهِ، كَانَ يُقَدِّمُ رِسَالَتَهُ، ثُمَّ يُلْقِي بِالْقِصَّةِ جَانِبًا لِيُفَسِّرَهَا. هَذا هُوَ مَعْنَى المَثَلِ. سَمِعْتُمْ أَيْضًا عَنْ "paramedics"، أو "paralegals" أو "paraministries"، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مُؤَسَّسَاتٍ أَوْ أَشْخَاصٍ يَعْمَلُونَ إِلَى جَانِبِ شَخْصٍ آخَرَ أَوْ مُؤَسَّسَةٍ أُخْرَى. هَذَا مَا نَفْهَمُهُ مِنَ الْبَادِئَةِ "para" - وَمَعْنَاها بِجَانِبِ أَوْ بِجِوَارِ. أَمَّا الْجَذْرُ "dox" فَيَأْتِي مِنَ الْفِعْلِ الْيُونَانِيِّ "dokein"، وَمَعْنَاهُ "يَبْدُو" أَوْ "يَعْتَقِدُ" أَوْ "يَظْهَرُ".
كَانَتْ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ أَهَمِّيَّةٌ كَبِيرَةٌ فِي تَارِيخِ الْكَنِيسَةِ الأُولَى. فَوَاحِدَةٌ مِنْ أَخْبَثِ الْهَرْطَقَاتِ الَتِي هَدَّدَتْ مَسِيحِيَّةَ الْقَرْنِ الأَوَّلِ هِيَ الْهَرْطَقَةُ النَابِعَةُ مِنَ الْغْنُوسِيَّةِ، وَتُدعَى "الدُوسِيتِيَّةَ"، كَمَا يُسَمِّيها الْبَعْضُ، وَالَتِي عَلَّمَتْ مِنْ مَنْظُورٍ يُونَانِيٍّ بِأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ جَسَدٌ مَادِّيٌّ حَقِيقِيٌّ، أَوْ نَاسُوتٌ حَقِيقِيٌّ، لأَنَّ الْعَثْرَةَ الْكُبْرَى لِلْيُونَانِيِّينَ لَمْ تَكُنْ هِيَ الْقِيَامَةُ بَلِ التَجَسَّدُ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ الْفِكْرِ الْيُونَانِيِّ، إِنْ حَدَثَ وَتَلامَسَ مَا هُوَ رُوحِيٌّ مَعَ مَا هُوَ مَادِّيٌّ، تَلَوَّثَ، لأَنَّ الْمَادِّيَّ، بِفِعْلِ مَادِّيَّتِهِ، لَيْسَ كَامِلًا. وَبِالتَّالِي، لَمْ يَسْتَطِعِ الْيُونَانِيُّونَ اسْتِيعَابَ الْفِكْرَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَنْ كَوْنِ اللهِ كَائِنًا رُوحِيًّا، اتَّخَذَ نَاسُوتًا، وَاتَّحَدَ بِنَاسُوتٍ احْتَوَى عَلَى جَسَدٍ. وَقَالَ هَؤُلاءِ فِي عَصْرِ الْكَنِيسَةِ الأُولَى إِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ جَسَدٌ بَشَرِيٌّ حَقِيقِيٌّ، بَلْ فَقَطْ بَدَا وَكَأَنَّ لَدَيْهِ جَسَدًا بَشَرِيًّا. فَقَدْ بَدَا ظَاهِرِيًّا كَمَا لَوْ أَنَّ لَدَيْهِ جَسَدًا بَشَرِيًّا. لَكِنْ فِي الْوَاقِعِ، كَانَ هَذَا مُجَرَّدَ وَهْمٍ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِ جَسَدٌ بَشَرِيٌّ. أَتَذْكُرُونَ كَيْفَ رَدَّ يُوحَنَّا عَلَى ذَلِكَ فِي رَسَائِلِهِ، فِي حَدِيثِهِ عَنْ ضِدِّ الْمَسِيحِ وَمَا يُنْكِرُهُ ضِدُّ الْمَسِيحِ؟ فَقَدْ قَالَ إِنَّ الْمَسِيحَ جَاءَ "كَاتَا سَارْكَا"، أَيْ "فِي الْجَسَدِ". وَقَالَ إِنَّ هَذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ. إِذَنْ، نَظَرِيَّةُ الدُوسِيتِيَّةِ، الَتِي أَنْكَرَتْ حَقِيقَةَ جَسَدِ يَسُوعَ الْبَشَرِيِّ، اعْتَبَرَها كُتَّابُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ لَيْسَ فَقَطْ هَرْطَقَةً، بَلْ هِيَ نَابِعَةٌ مِنْ ضِدِّ الْمَسِيحِ نَفْسِهِ.
وَهَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ نَفْسُهَا هُنَا الَّتِي مَعْنَاهَا "يَبْدُو" أَوْ "يَعْتَقِدُ" أَوْ "يَظْهَرُ". وَبِذَلِكَ، فَالتَعْرِيفُ الَذِي نَسْتَخْلِصُهُ هُوَ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ هِيَ شَيْءٌ يَبْدُو، لِلْوَهْلَةِ الأُولَى، أَوْ حِينَ نَسْمَعُهُ لِلْمَرَّةِ الأُولَى، مُتَناقِضًا، أَيْ يَبْدُو كَمَا لَوْ أَنَّهُ تَناقُضٌ. لَكِنْ إِذَا أَعْطَيْنَاهُ فُرْصَةً ثَانِيَةً، وَفَحَصْنَاهُ عَنْ كَثْبٍ، سَنُدْرِكُ أَنَّهُ فِي الْوَاقِعِ لَيْسَ تَنَاقُضًا. قَالَ يَسُوعُ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَخْسَرَ حَيَاتَكَ حَتَّى تَجِدَها. وَإِنْ كَانَ يَقْصِدُ بِذَلِكَ أَنَّكَ يَجِبُ أَنْ تَخْسَرَهَا فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ وَمِنَ النَاحِيَةِ نَفْسِها الَتِي تَجِدُهَا فِيهَا، لَكانَ كَلامُهُ هُراءً. لَكِنْ كَانَ رَبُّنَا يَقْصِدُ أَنَّكَ عَلَيْكَ، مِنْ نَاحِيَةٍ، أَنْ تَخْسَرَ حَيَاتَكَ حَتَّى تَجِدَهَا مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى. وَالْعَهْدُ الْجَدِيدُ مَلِيءٌ بِهَذَا النَوْعِ مِنَ التَصْرِيحَاتِ. تُوجَدُ الْكَثِيرُ مِنَ الْمُفَارَقاتِ الْمُمَاثِلَةِ فِي تَعْلِيمِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَلا سِيَّمَا فِي تَعْلِيمِ يَسُوعَ. فَيَنْبَغِي أَنْ نَمُوتَ كَيْ نَحْيَا. يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّنَا يَجِبُ أَنْ نَمُوتَ مِنْ نَاحِيَةٍ، لِنَحْيَا مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى. إِذَنْ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ التَصْرِيحَاتِ قَدْ تَبْدُو مُتَعارِضَةً حِينَ نَسْمَعُها لِلمَرَّةِ الأُولَى، إِنْ أَمْعَنَّا النَظَرَ فِيهَا، نَكْتَشِفُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَنَاقِضَةً. أَعْتَرِفُ بِأَنَّ صِيغَةَ عَقِيدَةِ الثَالُوثِ الْقَائِلَةَ إِنَّ اللهَ وَاحِدٌ فِي الْجَوْهَرِ وَثَلاثَةُ أَقَانِيمَ، حِينَ نَسْمَعُهَا لِلْمَرَّةِ الأُولَى، قَدْ تَبْدُو مُتَنَاقِضَةً، لَكِنْ إِذَا فَحَصْناها، وَأَخْضَعْناها لِقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِ الْفِعْلِيَّةِ، سَنَرَى أَنَّهَا تَجْتَازُ الاخْتِبَارَ بِنَجَاحٍ، وَبِامْتِيازٍ، إِنْ جَازَ التَعْبِيرُ.
هَذَا التَمْيِيزُ بَيْنَ التَنَاقُضِ وَالْمُفَارَقَةِ، بِحَسَبِ التَارِيخِ، تَمْيِيزٌ وَاضِحٌ، لِدَرَجَةِ أَنَّنَا إِنْ فَهِمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ، لَنْ نَتَعَثَّرَ فِي الصُعُوبَاتِ الَتِي يُوَاجِهُهَا الْكَثِيرُونَ. لَكِنْ لِلأَسَفِ، يُوجَدُ مُصْطَلَحٌ آخَرُ لَمْ أَكْتُبْهُ عَلَى السَبُّورَةِ، يَمِيلُ إِلَى زِيَادَةِ الطِينِ بَلَّةٍ، وَلا سِيَّمَا بِالنِسْبَةِ إلى المَسِيحِيِّينَ، وَهُوَ كَلِمَةُ "طِبَاقٍ" antinomy. الْكَثِيرُ مِنَ الْمَسِيحِيِّينَ لَمْ يَسْمَعُوا قَطُّ بِكَلِمَةِ "طِبَاقٍ"، الأَمْرُ الَذِي يُدِينُهُمْ، لأَنَّهُ قَدْ يَكْشِفُ عَنْ عَدَمِ قِرَاءَتِهِمْ لِلْكَثِيرِ مِنْ كِتَابَاتِ جي. آي. باكِر، أَوْ لِمُؤَلَّفَاتِهِ الَّتِي بِعُنْوَانِ "الْكِرَازَةُ وَكَلِمَةُ اللهِ"، وَ"السِيَادَةُ فِي كَلِمَةِ اللهِ"، بَلْ وَكِتَابُهُ الأَشْهَرُ بِعُنْوَانِ "مَعْرِفَةُ اللهِ"، لأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ، اسْتَخْدَمَ الْمُصْطَلَحَ "antinomy" (طِباقٍ) بِطَرِيقَةٍ هَزَّتْ قُرَّاءَهُ مِنَ الأَمْرِيكِيِّينَ، لأَنَّهُ اسْتَخْدَمَ الْمُصْطَلَحَ "طِبَاقَ" مِثْلَمَا يَمِيلُ الشَعْبُ البَرِيطَانِيُّ إِلَى اسْتِخْدَامِهِ، فِي اخْتِلافٍ عَنِ الاسْتِخْدَامِ التَقْلِيدِيِّ لَهُ فِي الْوِلاياتِ الْمُتَّحِدَةِ، مِمَّا يُثْبِتُ الْقَوْلَ الْمَأْثُورَ بِأَنَّنَا نَحْنُ الشَعْبَيْنِ الْبَرِيطَانِيَّ وَالأَمْرِيكِيَّ شَعْبَانِ تَفْصِلُ بَيْنَهُما لُغَةٌ مُشْتَرِكَةٌ.
لَكِنْ فِي الْفَلْسَفَةِ الْقَدِيمَةِ، كَانَ الْمُصْطَلَحُ "طِبَاقٌ" مُطَابِقًا تَمَامًا لِلْمُصْطَلَحِ "تَنَاقُضٍ". يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ بِحَسَبِ الْفَلْسَفَةِ الْكْلاسِيكِيَّةِ، الطِبَاقُ هُوَ تَنَاقُضٌ. تَحَدَّثَ د. باكِر كَثِيرًا فِي كُتُبِهِ عَنْ وُجُودِ طِبَاقٍ فِي الإِيمَانِ الْمَسِيحِيِّ. وَكَثِيرًا مَا قَالَ لِي طُلَّابِي فِي كُلِّيَّةِ اللاهُوتِ: "لَكِنْ، يَا د. سْبْرُول، يَقُولُ د. باكِر إِنَّ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ يَحْوِي طِبَاقًا، وَإِنَّ الإِيمَانَ الْمَسِيحِيَّ بِهِ طِباقٌ". وَحِينَ سَمِعْتُ ذَلِكَ لِلْمَرَّةِ الأُولَى قُلْتُ لِنَفْسِي: "لا يُمْكِنَنِي أَنْ أَتَخَيَّلَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ". ثُمَّ سَنَحَتْ لِي الْفُرْصَةُ لأَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهُ: "هَلْ تَسْتَخْدِمُ الْمُصْطَلَحَ طِبَاقَ كَمُرَادِفٍ لِلتَنَاقُضِ، أَمْ تَسْتَخْدِمُهُ كَمُرَادِفٍ لِلْمُفَارَقَةِ؟" فَسَارَعَ مُجِيبًا إِيَّايَ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْمُفَارَقَةَ وَلَيْسَ التَنَاقُضَ.
بَعْدَ تَوْضِيحِنَا ذَلِكَ، يُمْكِنُنَا الْمُتَابَعَةُ. فَتَارِيخِيًّا، الطِباقُ وَالتَنَاقُضُ هُمَا وَاحِدٌ، لَكِنَّهُمَا مُشْتَقَّانِ مِنْ لُغَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ. كَلِمَةُ "contradiction" (تَنَاقُضُ)، مُجَدَّدًا، تَأْتِي مِنَ اللُغَةِ اللاتِينِيَّةِ. وَالْبَادِئَةُ "contra" مَعْنَاهَا "ضِدُّ". و"dictio" مَعْنَاهَا يَتَكَلَّمُ أَوْ يَقُولُ. إِذَنْ، حَرْفِيًّا، التَنَاقُضُ مَعْنَاهُ التَكَلُّمُ ضِدَّ شَيْءٍ مَا. وَيَزْدَادُ وُضُوحُ الأَمْرِ عِنْدَمَا نُحَلِّلُ كَلِمَةَ "antinomy" (طِباقٍ)، الَتِي تَأْتِي مِنَ اللُغَةِ الْيُونَانِيَّةِ. الْبَادِئَةُ "anti" مَعْنَاهَا "ضِدُّ". سَمِعْتُمْ عَنْ ضِدِّ الْمَسِيحِ (anti-Christ)، الَذِي يَعْمَلُ ضِدَّ الْمَسِيحِ. وَالْجَذْرُ هُنَا هُوَ الْكَلِمَةُ الْيُونَانِيَّةُ "nomos"، وَمَعْنَاهَا "قَانُونٌ". إِذَنْ، الْمَعْنَى الْحَرْفِيُّ لِكَلِمَةِ طِبَاقٍ هُوَ "ضِدُّ الْقَانُونِ". وَبِرَأْيِكُمْ، مَا الْقَانُونُ الْمَقْصُودِ هُنَا، بِحَسَبِ أَصْلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ؟ قَانُونُ عَدَمِ التَنَاقُضِ. وَبِهَذَا، يَكُونُ الطِبَاقُ انْتِهاكًا لِقَانُونِ عَدَمِ التَنَاقُضِ، وَبِالتَالِي، هُوَ تَنَاقُضٌ. وَهَكَذَا، فَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْمُصْطَلَحَيْنِ، تَارِيخِيًّا وَتَقْلِيدِيًّا - أَيْ التَنَاقُضُ الطِباقُ - يَحْمِلُ الْمَعْنَى ذَاتَهُ. لَكِنْ لِلأَسَفِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ، وَبِسَبَبِ الْخَلْطِ السَائِدِ، صَارَتْ لِلْكَلِمَتَيْنِ اسْتِخْداماتٌ مُخْتَلِفَةٌ. وَكَثِيرًا مَا تُسْتَخْدَمُ كَلِمَةُ "طِبَاقٍ" كَبَدِيلٍ أَوْ مُرَادِفٍ لِلْمُفَارَقَةِ.
سَنُتَابِعُ هَذِهِ الدِرَاسَةَ فِي مُحَاضَرَتِنَا الْقَادِمَةِ، لِنَرَى عَلاقَةَ ذَلِكَ بِمَفْهُومِ اللُغْزِ. فَفَهْمُنَا نَحْنُ الْمَسِيحِيِّينَ لِذَلِكَ مُهِمٌّ جِدًّا، إِذَا مَا أَرَدْنَا أَنْ نَتَمَكَّنَ مِنَ الدِفَاعِ عَنْ حَقَائِقِ الْمَسِيحِيَّةِ فِي وَجْهِ نُقَّادِ هَذَا الْعَصْرِ.