المحاضرة 6: الثِّقَةُ فِي الرَّجَاءِ

لا أَعْلَمُ مَا إِذَا سَبَقَ لَكُمْ أَنْ سَمِعْتُمْ مَقْطُوعَةَ أَدَاجْيُو (Adagios) لأَلْبِينُونِي (Albanini). إِنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مُوسِيقِيَّةٌ وَصَلَتْ إِلَيْنَا فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، لَكِنَّ مُؤَلِّفَها أَلْبِينُونِي تُوُفِّيَ قَبْلَ عِدَّةِ قُرُونٍ. كَانَ قَدْ عَثَرَ عَلَيْها الْمُؤَلِّفُ الْمُوسِيقِيُّ رِيمو جِيَازُوتُو. وَزَعَمَ أَنَّهُ اكْتَشَفَ مَقْطُوعَةَ أَدَاجْيُو وَسَطَ أَنْقَاضِ مَدِينَةِ دْرِيسِدِنْ عَقِبَ الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ. يَا لَهَا مِنْ قِصَّةٍ عَظِيمَةٍ. وَيَا لَهَا مِنْ مَقْطُوعَةٍ مُوسِيقِيَّةٍ بَدِيعَةٍ. إِبْدَاعٌ مُطْلَقٌ تَنْفَرِدُ بِهِ مَقْطُوعَةُ أَدَاجْيُو لأَلْبِينُونِي. وَيَا لَهَا مِنْ قِصَّةِ أَمَلٍ عَظِيمَةٍ الْعُثُورُ عَلَى شَيْءٍ جَمِيلٍ بَيْنَ الأَنْقَاضِ عَقِبَ دَمَارِ الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ. وَقَدْ حَاوَلَ مُؤَرِّخُونَ مُوسِيقِيُّونَ التَّحَقُّقَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، لَكِنَّهُمْ بِبَسَاطَةٍ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ ذَلِكَ. فَعَلَى الأَرْجَحِ أَنَّ هَذِهِ الْمَقْطُوعَةَ الْمُوسِيقِيَّةَ مِنْ تَأْلِيفِ رِيمُو نَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لا يَزَالُ اسْمُ الْمُؤَلِّفِ مُلْتَصِقًا بِهَا. لا يَزَالُ أَلْبِينُونِي اسْمَ مُؤَلِّفِ مَقْطُوعَةِ أَدَاجْيُو. تَنْشَغِلُ النَّفْسُ الْبَشَرِيَّةُ بِالرَّغْبَةِ فِي الْعُثُورِ عَلَى الرَّجَاءِ، إِذْ تَرْغَبُ بِطَرِيقَةٍ مَا فِي اسْتِخْرَاجِ الرَّجَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَنْقَاضِ حَتَّى وَإِنْ تَحَتَّمَ ابْتِدَاعُ هَذَا الرَّجَاءِ.

حَسَنًا، حِينَ نَتَحَدَّثُ عَنْ ثِقَتِنَا فِي الرَّجَاءِ، نَحْنُ لا نَتَحَدَّثُ عَنْ شَيْءٍ عَلَيْنَا ابْتِدَاعُهُ أَوْ شَيْءٍ عَلَيْنا اخْتِراعُهُ. بَلْ نَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ يَقِينٍ قَائِمٍ. فِي مُحَاضَرَتِنا الأَخِيرَةِ، أَثْنَاءَ مُحَاوَلتِنَا إِدْرَاكَ اللَّحْظَةِ الَّتِي نَحْيَا فِيهَا وَكَيْفَ نَتَعَامَلُ مَعَهَا، أَرْغَبُ فِي التَّحَدُّثِ مَعًا عَنِ الرَّجَاءِ. فَأُرِيدُ أَنْ نَبْدَأَ مِنَ الأَصْحَاحِ الثَّالِثِ مِنَ الرِّسَالَةِ الأُولَى لِيُوحَنَّا الرَّسُولِ. يُوَضِّحُ لَنَا هَذَا النَّصُّ -سَنَتَمَعَّنُ معًا فِي الآيَاتِ الثَّلاثِ الأُولَى- يُوضِّحُ لَنَا هَذَا النَّصُّ مَا يَقْصِدُهُ اللَّاهُوتِيُّونَ أَحْيَانًا بِـ "غِبْطَةِ رُؤْيَةِ اللهِ وَمَعْرِفَتِهِ" (beatific vision). فِي الْوَاقِعِ، إِنَّهُ أَحَدُ النُّصُوصِ الْمُفَضَّلَةِ لِلدُّكْتُورِ سْبْرُول وَالَّذِي اقْتَبَسَ مِنْهُ كَلِمَاتِ إِحْدَى تَرَانِيمِ أَلْبُومِهِ "مَجْدًا لِلْقُدُّوسِ" (Glory to the Holy One) وَهْيَ تَرْنِيمَةُ الرَّابِيَةِ (Highland) وَالْمُسْتَوْحَاةُ مِنْ مَفْهُومِ غِبْطَةِ رُؤْيَةِ اللهِ وَمَعْرِفَتِهِ. نَعُودُ لِلنَّصِّ ذَاتِهِ، فَنَقْرَأُ مِنَ الآيَةِ 1 مِنَ الأَصْحَاحِ 3 مِنْ رِسَالَةِ يُوحَنَّا الأُولَى:

اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الْآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلَادَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هَذَا لَا يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ. أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ، الْآنَ نَحْنُ أَوْلَادُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لِأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ. وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هَذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ.

أَتَرَوْنَ كَيْفَ بَدَأَ يُوحَنَّا هَذَا؟ لا يَسْتَطِيعُ حَتَّى تَقْدِيمَ وَصْفٍ شَامِلٍ لِمَحَبَّةِ اللهِ. كُلُّ مَا أَمْكَنَهُ قَوْلُهُ: "اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ"، أَيْ أَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ لَنَا، الَّتِي دَفَعَتْهُ إِلَى إِرْسَالِ ابْنِهِ مِنْ أَجْلِنَا، عَظِيمَةٌ لِلْغَايَةِ حَتَّى إِنَّ يُوحَنَّا لا يَسْتَطِيعُ وَصْفَها كَامِلَةً فَيُلَمِّحُ إِلَيْهَا فَحَسْبُ. فَهْيَ عَمَلٌ يَفُوقُ الْوَصْفَ. وَهْيَ صَنِيعٌ يَسْمُو عَنِ التَّوْضِيحِ. لَكِنَّنَا نَنْعَمُ بِمَحَبَّةِ اللهِ لَنَا. فَفِيمَا تَتَمَثَّلُ مَحَبَّةُ الآبِ؟ تَتَمَثَّلُ فِي كَوْنِنَا أَبْنَاءَ اللهِ. فِي الْوَاقِعِ، وَمِنْ نَواحٍ عِدَّةٍ، تُعَدُّ هَذِهِ الآيَاتُ الثَّلاثُ دِرَاسَةً نَوعًا ما عَلَى فِعْلِ الْكَيْنُونَةِ. سَتَجِدُونَ فِعْلَ الْكَيْنُونَةِ فِي الْمَاضِي، التَّصْرِيفُ الَّذِي لا يَسْتَخْدِمُهُ هَذَا النَّصُّ مُبَاشَرَةً كَثِيرًا، لَكِنْ نَسْتَنْتِجُهُ مِنَ السِّيَاقِ. فِيهِ فِعْلُ الْكَيْنُونَةِ فِي الْمَاضِي. وَفِعْلُ الْكَيْنُونَةِ فِي الْحَاضِرِ. وَفِعْلُ الَكْيُنَونَةِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. فَمَاذَا كُنَّا؟ كُنَّا أَوْلادَ الْغَضَبِ. هَكَذَا يَصِفُنا بُولُسُ إِنْ عُدْنَا إِلَى الأَصْحَاحِ الثَّانِي مِنْ رِسَالَتِهِ إِلَى أَفَسُسَ. فَهَذَا يُخَالِفُ نَظْرَتَنَا التِّلْقَائِيَّةَ الْمُفَضَّلَةَ لأَنْفُسِنَا كبَشَرٍ. إِذْ نُفَضِّلُ التَّرْكِيزَ عَلَى جَانِبِ الْكَرَامَةِ الإِنْسَانِيَّةِ لنا كَبَشَرٍ، لا عَلَى جَانِبِ فَسَادِ الْبَشَرِيَّةِ الْكَامِلِ. لَكِنَّنَا-وَاقِعًا وَحَقًّا-كُنَّا أَوْلادَ الْغَضَبِ. كُنَّا تَحْتَ غَضَبِ اللهِ. هَذَا مَا كُنَّا عَلَيْهِ. وَفِي مِلْءِ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ لِيَمُوتَ مِنْ أَجْلِنَا. وَمَعْ أَنَّنَا كُنَّا لا نَزَالُ أَعْدَاءَهُ، وَتَحْتَ غَضَبِهِ، مَاتَ الْمَسِيحُ مِنْ أَجْلِنَا.

فَكُنَّا أَوْلادَ الْغَضَبِ، لَكِنَّنَا الآنَ أَوْلادُ اللهِ. وَلَمْ نَعُدْ أَجْنَبِيِّينَ عَنْهُ. لَقَدْ صُولِحْنَا مَعَهُ، وَجُلِبْنَا إِلَيْهِ. فَهَذَا مَنْ نَحنُ. فَيَا لَهُ مِنْ أَمْرٍ رَائِعٍ. فِي الْغَالِبِ، يُرِيدُنَا يُوحَنَّا أَنْ نَتَوَقَّفَ هُنَا. دُعِينَا أَوْلادَ اللهِ، "وَنَحْنُ كَذَلِكَ". وَعِنْدَ هَذَا الْحَدِّ يَكْفِي الْحَدِيثُ عَنْ ثِقَتِنا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ أَنْتُمْ أَوْلادُ اللهِ، فَثِقُوا. لَكِنْ لَدَيْهِ الْمَزِيدُ لِيَقُولَهُ. فَيَقُولُ: "مِنْ أَجْلِ هَذَا لَا يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ". فَمَاذَا يَقْصِدُ هُنَا؟ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ الْعَالَمَ يَعْرِفُنَا. يَعْلَمُون بِوُجُودِنَا، وَيَرَوْنَ شَكْلَنَا، وَيَتَعَامَلُونَ مَعَنا، وَيَتَواصَلُونَ مَعَنَا، فَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّنَا هُنَا، فَمَا يَقْصِدُهُ هُوَ أَنَّهُمْ لا يَفْهَمُونَنَا. فَهُمْ لا يُدْرِكُونَ مَا نَحْنُ حِيالَهُ. لا يَفْهَمُونَ كَيْفَ نَحْيَا. لا يَعْرِفُونَ مَا نُقَدِّرُهُ، الَّذِي هُوَ مُغَايِرٌ لِمَا يُقَدِّرُونَهُ هُمْ. وَعَلَيْهِ فَهُمْ لا يَعْرِفُونَنَا حَتَّى. فَكَمَا لَوْ أَنَّنَا هَبَطْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ كَوْكَبٍ مَا غَرِيبٍ. فَهُمْ حَتَّى لا يَفْهَمُونَ اللُّغَةَ الَّتِي نَتَحَدَّثُ بِهَا. هَذَا مَا يُحَاوِلُ يُوحَنَّا قَوْلَهُ. وَلِمَاذا لا يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ؟ لأَنَّ الْعَالَمَ "لَا يَعْرِفُهُ". كُنَّا قَدْ ذَكَرْنَا دِيتْرِيش بِينْهُوفَر فِي مُحَاضَرَةٍ سَابِقَةٍ. قَالَ بِينْهُوفَر ذَاتَ مَرَّةٍ إِنَّ الْمَسِيحَ أَتَى إِلَى الْعَالَمِ، وَقَدْ دَفَعَهُ الْعَالَمُ بَعِيدًا، دَفَعَهُ كُلَّ الطَّرِيقِ إِلَى الصَّلِيبِ؛ رَافِضِينَ كُلَّ عَلاقَةٍ بِهِ وَكُلَّ مَعْرِفَةٍ بِرِسَالَتِهِ وَكُلَّ ارْتِبَاطٍ بالإِنْجِيلِ. لِذَا الْعَالَمُ لا يَعْرِفُنَا لأَنَّهُ لا يَعْرِفُهُ. غُرَبَاءُ رَازِحُونَ فِي الْعالَمِ.

ثُمَّ يَتَابِعُ يُوحَنَّا قَائِلًا: "أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ، الْآنَ نَحْنُ أَوْلَادُ اللهِ". لَقَدْ أَخْبَرَنَا بِهَذَا سَابِقًا. فَهْوَ يُؤَكِّدُ عَلَيْهَا بِالتَّكْرَارِ فَحَسْبُ. "الْآنَ نَحْنُ أَوْلَادُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ". فَأَنَا أُحِبُّ هَذِهِ الآيَةَ. أَرَى أَنَّهُ يَنْبَغِي بِنَا كِتابَتُهَا عَلَى جِبَاهِنَا. سَتَمْنَحُنا هَذِهِ الآيَةُ صَبْرًا فِي تَعَامُلِنا بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ: "وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ". كَيْفَ لَنْ يُسَاعِدَنَا ذَلِكَ عَلَى تِلْكَ الْمُنَاغَصَاتِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي تَظْهَرُ بَيْنَنَا، وَتِلْكَ الْخِلافَاتُ الَّتِي تَظْهَرُ فِي كَنَائِسِنَا، وَتِلْكَ الْمُشَاحَنَاتِ الَّتِي تَظْهَرُ فِي عَائِلاتِنا. هَذَا مَا عَلَى الآباءِ أَنْ يَقُولُوهُ لأَنْفُسِهِمْ كُلَّمَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَوْلادِهِمْ. "وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَيَكُونُونَ". "وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَيَكُونُونَ". يَأْتُونَ. وَيَرْتَكِبُونَ أَحْمَقَ الأُمُورِ أَمَامَ عَيْنَيْكَ. أَتَعْلَمُونَ مَا أَوَّلُ مَا يَتَبَادَرُ إلى ذِهْنِكَ؟ "وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَيَكُونُونَ". يَا لَهَا مِنْ آيَةٍ مُعَزِّيَةٍ وَمُطَمْئِنَةٍ. كَمَا أَنَّهَا حَقٌّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِطُولِ أَنَاتِنَا مَعَ أَنْفُسِنَا. وَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَأَلَّا أَقْصِدَ بِأَيَّةِ صُورَةٍ كَانَتْ أَنْ يَصِيرَ هَذَا رُخْصَةً لِلْخَطِيَّةِ سَوَاءٌ لَنَا أَوْ لِلآخَرِينَ. لَكِنَّها تَذْكَرَةٌ بِأَنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ مَا سَنَكُونُ عَلَيْهِ. نَحْنُ الآنَ أَوْلادُ اللهِ، لَكِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ مَا سَنَكُونُ عَلَيْهِ. فَأَنَا مُعَلِّمُ طُلَّابٍ، عَلَيَّ أَنْ أُذَكِّرَ نَفْسِي بِهَذَا. "وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَيَكُونُونَ". إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ الْمُكَوَّنَةَ مِنْ خَمْسِ كَلِمَاتٍ فِي يُوحَنَّا الأُولَى مُطَمْئِنَةٌ لِلْغَايَةِ.

ثُمَّ يَقُولُ التَّالِي. هَذَا مَا سَنَكُونُ عَلَيْهِ: "نَكُونُ مِثْلَهُ". سَنَكُونُ مِثْلَهُ. يَقُولُ بُولُسُ فِي كُورِنْثُوسَ الثَّانِيَةِ-فِي خِضَمِّ حَدِيثِهِ عَنْ كَيْفَ صِرْنَا فِي عَلاقَةٍ مَعَ الْمَسِيحِ -إِنَّنَا نَتَغَيَّرُ "مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ". فَلْتَتَخَيَّلُوا، نَوْعًا مَا، هَذَا الْمُنْحَنَى التَّصَاعُدِيَّ عِنْدَمَا نَنْظُرُ إِلَى الْمَسِيحِ -نَاظِرِينَ بِإِيمَانٍ إِلَى الْمَسِيحِ، وَنَدَعُ صُورَةَ الْمَسِيحِ، كَمَا نَرَاهَا فِي صَفَحَاتِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، تَنْعَكِسُ عَلَيْنا -سَنَرَى تِلْكَ الْجَوَانِبَ الَّتِي نَحْتَاجُ إِلَى تَقْوِيمِهَا. ثُمَّ، مَاذَا نَفْعَلُ؟ نَعُودُ إِلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ لِنَكْتَشِفَ جَوَانِبَ أُخْرَى. ثُمَّ نَعُودُ إِلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، لِنَكْتَشِفَ جَوَانِبَ أُخْرَى. فَنَغْدُوَ مَسِيحِيِّينَ نَاضِجِينَ. نَنْمُو مُتَشَبِّهِينَ بِصُورَةِ الْمَسِيحِ. لَكِنْ فِي يَوْمٍ مَا، سَنَكُونُ مِثْلَهُ. إِحْدَى كَلِمَاتِي الْمُفَضَّلَةِ لِجُونَاثَان إِدْوَارْدْز هِيَ كَلِمَةٌ عَمِيقَةٌ لِلْغَايَةِ. وَهْيَ كَلِمَةُ "التَّخَلُّصُ مِنَ الانْسِدَادِ". إِنَّهَا إِحْدَى كَلِمَاتِي الْمُفَضَّلَةِ. يَقُولُ إِدْوَارْدْز: عِنْدَمَا نَصِلُ إِلَى السَّمَاءِ، سَنَتَخَلَّصُ مِنْ كُلِّ انْسِدَادٍ. أَلَيْسَ هَذَا عَظِيمًا؟ فَقَدْ أَتَخَيَّلُ كَمَا لَوْ أَنَّهَا عُبْوَةٌ ضَخْمَةٌ مِنْ مُنَظِّفِ "دْرَانُو" يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطَايَانَا. هَذَا مَا يَتَحَدَّثُ عَنْهُ. فَنَحْنُ الآنَ نُعانِي الانْسِدَادَ.

تَتَنَاوَلُ إِقْرَارَاتِ سنودس "دُورْت" -الَّتِي تُعَدُّ وَثِيقَةً فِي غَايَةِ الرَّوْعَةِ صَدَرَتْ فِي الْعُشْرِيَّةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْقَرْنِ السَّابِعَ عَشَرَ رَدًّا عَلَى مُغَالَطَةِ جَاكُوبُوس أَرْمِينْيُوسَ وَبِدَايَةِ الأَرْمِينِيَّةِ، وَتَضُمُّ رَدَّ الْكَالْفِينِيِّينَ عَلَى الرِّيمُونْسْتَانْس الْمُعْتَرِضِينَ الْمُسَمَّى بْرُودْرِيخْت أَوْ كَمَا نُسَمِّيهِ اخْتِصَارًا "دُورْت". تَتَنَاوَلُ إِقْرَاراتُ دُورْت نُقْطَةَ مَحْدُودِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، النُّقْطَةَ الْكَالْفِينِيَّةَ الْمِحْوَرِيَّةَ الثَّالِثَةَ مِنَ التَّسْمِيَةِ الإِنْجْلِيزِيَّةِ TULIP، لَكِنَّهَا فِي إِقْرَارَاتِ دُورْتْ كَانَتِ الثَّانِيَة لا الثَّالِثَةَ. إِذْ إِنَّ التَّرْتِيبَ مُخْتَلِفٌ فِي إِقْرَارَاتِ سنودس دُورْت عَلَى شَاكِلَةِ ULTIP فَلا تُعَدُّ كَلِمَةً مَنْطُوقَةً وَمُسْتَسَاغَةً، لِذَا نَحْنُ نَسْتَخْدِمُ TULIP؛ لَكِنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الإِقْرَارَاتُ عِبَارَةً فِي غَايَةِ الرَّوْعَةِ. تَقُولُ: "حَتَّى أَنْصَعُ مَلابِسِنَا بَيَاضًا، مُلَطَّخَةٌ". حَتَّى أَعْمَالُنا الَّتِي نَصْنَعُهَا بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَنَقُومُ بِهَا بِأَفْضَلِ مَا فِي وِسْعِنَا بِأَمَانَةٍ تُجَاهَ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، حَافِظِينَهُ طَائِعِينَ-حَتَّى أَكْثَرُ مَلابِسِنَا بَيَاضًا الَّتِي نُقَدِّمُهَا كَرُمُوزٍ عَلَى امْتِنانِنا لِلْفِداءِ الَّذِي لَدَيْنَا فِي الْمَسِيحِ، كَمَا نُحَاوِلُ أَنْ نَكُونَ تَلامِيذَ مُطِيعِينَ، "حَتَّى أَنْصَعُ مَلابِسِنَا بَيَاضًا تِلْكَ، مُلَطَّخَةٌ". فَلِهَذا، مَرَّةً أُخْرَى، نَجِدُ أَنْفُسَنَا لاجِئِينَ إِلَى الصَّلِيبِ طَالِبِينَ الْغُفْرَانَ، حَتَّى وَنَحْنُ مَسِيحِيِّينَ. لَكِنْ فِي يَوْمٍ مَا، فِي السَّمَاءِ، سَتُزالُ اللَّطْخَاتُ، وَسَنَلْبِسُ حُلَلًا نَاصِعَةَ الْبَيَاضِ، وَسَيُزالُ الانْسِدَادُ. يَوْمًا مَا، سَنَكُونُ مِثْلَهُ. هَذِهِ هِيَ رُؤْيَةُ اللهِ وَمَعْرِفَتُهُ. هَذَا هُوَ الرَّجَاءُ. هَذِهِ هِيَ الْمَسَرَّةُ الَّتِي تَحَدَّثَ عَنْهَا أُوغُسْطِينُوسُ فِي مَدِينَةِ اللهِ. وَحِينَمَا نَتَحَرَّرُ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الَّتِي تَعُوقُنَا عَنِ الْعِبَادَةِ الطَّاهِرَةِ، سَنَكُونُ حَيْثُما يَكُونُ الَّذِي هُوَ رَجَاؤُنَا.

لَكِنَّ أَكْثَرَ مَا يُذْهِلُنِي فِي النَّصِّ هُوَ مَاذَا يَفْعَلُ هَذَا الرَّجَاءُ؟ هَذَا الرَّجَاءُ يُرْسِلُنَا، لا يَدَعُنا مُتَلَهِّفِينَ لرَجَاءِ الْعَالَمِ الآتِي. فَلا يُرْسِلُنَا كَمَا فَعَلَ جِيرومُ. أَتَتَذَكَّرُونَهُ؟ يَا لَهُ مِنْ مِسْكِينٍ. لَقَدْ تَرَكْنَاهُ فِي الْمُحَاضَرَةِ الأُولَى. وَآخِرَ مَرَّةٍ رَأَيْنَاهُ كَانَ دَاخِلَ كَهْفٍ. هَذَا لَيْسَ رَجَاءً يُدْخِلُنَا إِلَى كَهْفٍ لِمُجَرَّدِ الانْتِظارِ. بَلْ رجَاءٌ يُعِيدُنا إِلَى الْعالَمِ. فَمَا يَقُولُهُ يُوحَنَّا هُنَا يَتَعَلَّقُ بِطَرِيقَةِ عَيْشِنَا فِي الْعَالَمِ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَمْتَلِكُ هَذَا الرَّجَاءَ يُنَقِّي نَفْسَهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا. دَعُونَا الآنَ نَتَأَمَّلْ هَذَا لِبُرْهَةٍ. مَا مَدَى قُوَّةِ هَذَا بِاعْتِبَارِهِ دِفَاعِيَّاتٍ ثَقَافِيَّةً فِي وَقْتِنَا الرَّاهِنِ؟ هَذَا كَانَ-بِالْعَوْدَةِ إِلَى الْمُحَاضَرَةِ الأُولَى عِنْدَمَا قَدَّمْتُ لَكُمْ تَعِبيرَ "الارْتِبَاكِ الثَّقَافِيِّ"، هَذَا لَمْ يَكُنْ مَفْهُومًا مِنْ صِيَاغَةِ عُلَمَاءِ الاجْتِمَاعِ الْمَسِيحِيِّينَ. هَذَا كَانَ مَا يَقُولُهُ عُلَمَاءُ الاجْتِمَاعِ: "بِأَنَّنَا فِي عَصْرٍ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ جَاهِزٌ، عَصْرٍ يَفْتَقِرُ إِلَى مَبَادِئَ حَاكِمَةٍ. "إِنَّهُ عَصْرُ الارْتِبَاكِ الأَخْلاقِيِّ وَالثَّقَافِيِّ". مَا مَدَى قُوَّةِ هَذَا كَشَهَادَةٍ لِلْكَنِيسَةِ وَكَشَهَادَةٍ لِلإِنْجِيلِ، لِنَحْيَا شَعْبًا طَاهِرًا فِي هَذَا الْعالَمِ؟

لِمَاذَا انْتَقَى يُوحَنَّا هَذَا؟ فَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ هَذَا الرَّجَاءَ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ. لِمَاذَا، كَانَ بِاسْتِطَاعَةِ يُوحَنَّا بِبَسَاطَةٍ قَوْلُ: "كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ هَذَا الرَّجَاءَ، يَغْمُرُهُ الْفَرَحُ". وَالرَّدُّ الْمُفْحِمُ عَلَى هَذَا يَتَمَثَّلُ فِي مَفْهُومِ تَبَنِّي ثَقَافَةِ الْفَرَحِ وَالتَّحَوُّلِ إِلَى شَخْصٍ يَمْلَأُهُ الْفَرَحُ. عِنْدَمَا يُرِيدُ شَخْصٌ مَا اعْتِنَاقَ الْمَسِيحِيَّةِ، فِي إِحْدَى الْجَمَاعَاتِ الْقَبَلِيَّةِ فِي أَفْرِيقْيَا، بَدَلًا مِنْ أَنْ يَقُولَ "أُرِيدُ أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيًّا"، يَقُولُ "أُرِيدُ الانْضِمَامَ إِلَى الْجَمَاعَةِ الَّتِي تُرَنِّمُ". لأَنَّهُمْ، أَيِ الْمَسِيحِيِّينَ، الْجَمَاعَةُ الْوَحِيدَةُ مِنْ وَسَطِ هَذَا الشَّعْبِ الَّذينَ يَقْضُونَ يَوْمَهُمْ فِي التَّرْنِيمِ. وَهَذَا بِسَبَبِ امْتِلائِهِمْ بِالْفَرَحِ أَمَامَ الْيَأْسِ وَأَحْوَالِهِمِ الأَلِيمَةِ. لَكِنْ هَكَذَا ارْتَبَطَتْ هُوِيَّةُ الْمَسِيحِيُّ بِأَنَّهُ شَخْصٌ يُرَنِّمُ. أَلَمْ يَسْتَطِعْ يُوحَنَّا قَوْلَ هَذَا مُبَاشَرَةً؟ "كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ هَذَا الرَّجَاءَ، سَعِيدٌ وَيُرَنِّمُ كَثِيرًا". لَكِنَّهُ قَالَ: "يُطَهِّرُ نَفْسَهُ". أَيْنَ نَحْنُ؟ نَحْنُ فِي رُومَا الْقَرْنِ الأَوَّلِ حَيْثُ الانْحِطَاطُ الثَّقَافِيُّ. وَنَنْظُرُ إِلَى بَعْضِ الأُمُورِ الَّتِي لَهَا صَدَاهَا فِي ثَقَافَتِنَا؛ فَلا نَرَى عَدَاوَةً فَحَسْبُ، بَلْ نَرَى مَا يَحْدُثُ. أَتَعْلَمُونَ، فِي عِشْرِينِيَّاتِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ قُبِضَ عَلَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ الشَّبَابِ عَلَى شَاطِئِ مَدِينَةِ أَتْلانْتِكْ كَوْنَهُمْ عُرَاةَ الصَّدْرِ اعْتِراضًا عَلَى قَوَانِينِ الْحِشْمَةِ فِي الْعِشْرِينِيَّاتِ. لَقَدْ قَطَعْنَا شَوْطًا طَوِيلًا. فَأَنَا لا أُحَاوِلُ تَنْشِيطَ الْحَنِينِ إِلَى حِقْبَةٍ مَاضِيَةٍ فِيهَا كَانَتِ الْغَالِبِيَّةُ، كَمَا تَعْلَمُونَ، أَكْثَرَ حِشْمَةٍ وَعَلَيْهِ أَكْثَرَ صَلاحًا، وَ"لَيْتَ الأَيَّامَ تَعُودُ يومًا". لَيْسَ هَذَا الْمَغْزَى. لَكِنَّ الْمَغْزَى هُوَ أَنَّ مَا نَرَاهُ مِنِ انْحِطاطٍ أَخْلاقِيٍّ بَيِّنٍ، لا يَخْتَلِفُ وَلا يَقِلُّ عَنِ انْحِطاطِ رُومَا فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ. كَانَ يُوحَنَّا يَعْلَمُ مَا كَانَ يُحَاوِلُ أَنْ يُخْبِرَنَا بِهِ حِينَ قَالَ إِنْ تَسَلَّحْنَا بِهَذَا الرَّجَاءِ سَنُطَهِّرُ أَنْفُسَنَا. فَأَنْ نَعِيشَ شَعْبًا طَاهِرًا فِي هَذَا الْعَصْرِ يُعَدُّ الدِّفَاعِيَّاتِ الأَقْوَى.

حَسَنًا، يَحْمِلُ النَّصُّ الْمَزِيدَ لِنَقُولَهُ هُنَا. إِنْ تَسَلَّحْنَا بِهَذَا الرَّجَاءِ، فَنَحْنُ لا نَعِيشُ بِطَهَارَةٍ فَحَسْبُ، بَلْ نَعِيشُ فِي هَذَا الْعَالَمِ. قَالَ دِيتْرِيش بِينْهُوفَر مَقُولَةً رَائِعَةً. عِنْدَمَا كَانَ مُعْتَقَلًا، سُجِنَ فِي زَنْزَانَةٍ أَضْيَقَ مِنْ خَمْسَةِ أَمْتَارٍ مُرَبَّعَةٍ. كُلُّ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْحَرْبِ. نَعْلَمُ جَمِيعًا مَا آلَتْ إِلَيْهِ الْحَرْبُ، لَكِنْ بَيْنَ عَامَيْ أَلْفٍ وَتِسْعِمَائَةٍ وَثَلاثَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَلْفٍ وَتِسْعِمَائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ، لَمْ يَكُنْ وَاضِحًا إِلَى أَيْن سَيَؤُولُ الأَمْرَ. وَإِلَيْكُمْ مَا كَتَبَهُ، فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ كَتَبَ مَا يَلِي: "يَتَمَثَّلُ الاخْتِلافُ بَيْنَ رَجَاءِ الْقِيامَةِ الْمَسِيحِيِّ وَالرَّجَاءِ الأُسْطُورِيِّ الْخَيَالِيِّ فِي أَنَّ الرَّجَاءَ الْمَسِيحِيَّ يُعِيدُ الإِنْسَانَ إِلَى حَيَاتِهِ عَلَى الأَرْضِ بِحُلَّةٍ جَدِيدَةٍ تَمَامًا". بَيْنَما الرَّجَاءُ الأُسْطُورِيُّ الْخَيَالِيُّ، هو هُرُوبٌ. فهو يَتَعَلَّقُ بِالْخُرُوجِ. أَتَرَوْنَ مَا يَقُولُهُ بِينْهُوفَر؟ الرَّجَاءُ الْمَسِيحِيُّ يُعِيدُنَا إِلَى الأَرْضِ إنَّما بِحُلَّةٍ جَدِيدَةٍ تَمَامًا، لِنَحْيَا حَيَاةً جَدِيدَةً كُلِّيًّا.

وَيَتَابِعُ قَائِلًا: "وَلَيْسَ أَمَامَ الْمَسِيحِيِّ حَدٌّ نِهَائِيٌّ لِتَحَمُّلِ الْمَهَامِّ وَالصُّعُوبَاتِ". الأَرْضُ أَسْفَلَ أَقْدَامِنَا تَضْمَحِلُّ، فَلِذَا نَنْصَرِفُ عَنْ مُشَارَكَةِ الْعَالَمِ الَّذِي نَعيشُ فِيهِ حَيَاتَهُ. فَأَهْلُهُ يُعَادُونَنَا دَائِمًا، وَلا يُرِيدُونَ سَمَاعَ مَا لَدَيْنَا، فَلِذَا نَنْصَرِفُ عَنْهُمْ وَلا نُشَارِكُهُمْ حَيَاتَهُمْ -يَا لَهَا مِنْ حَيَاةٍ صَعْبَةٍ بِحَسَبِ الأَخْلَاقِيَّاتِ الْمَسِيحِيَّةِ فِي الْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ. إذًا نَرْفُضُ مُشَارَكَتَهُمْ. أَعْتَقِدُ أَنَّ بِينْهُوفَر مُحِقٌّ. "وَلَيْسَ أَمَامَ الْمَسِيحِيِّ حَدٌّ نِهَائِيٌّ -وَسَأُضِيفُ أَوْ عُذْرًا- لِتَحَمُّلِ الْمَهَامِّ وَالصُّعُوبَاتِ". لَكِنْ مُتَمَثِّلًا بِالْمَسِيحِ نَفْسِهِ -"إِلَهِي، إِلَهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" بِتَرْكِ الْمَسِيحِ عَلَى الصَّلِيبِ- وَعَلَى غِرَارِ الْمَسِيحِ عَلَى الصَّلِيبِ، لا بُدَّ أَنْ يَتَجَرَّعَ مِنَ الْكَأْسِ حَتَّى آخِرَ نُقْطَةٍ".

يَقُولُ بِينْهُوفَر: "لا يَنْبَغِي فُقْدَانُ الأَمَلِ فِي الْعَالَمِ مُبَكِّرًا". فَكِّرُوا مَعِي فِي هَذَا لِدَقِيقَةٍ؟ لَوْ كُنْتُمْ مَسْجُونِينَ فِي زِنْزَانَةٍ نَازِيَّةٍ أَضْيَقَ مِنْ خَمْسَةِ أَمْتَارٍ، أَظُنُّ أَنَّنَا كنَّا لِنَعْذُرَ بِينْهُوفَر إِنْ قَالَ: "أَنَا أَحْتَقِرُ هَذَا الْعَالَمَ وَيَائِسٌ مِنْهُ"، وَكُنَّا سَنَرُدُّ عَلَيْهِ: "نَحْنُ مَعَكَ فِي هَذَا". هَلْ تُرِيدُونَ قِيَاسَها؟ أَحْضِرُوا شَرِيطًا لاصِقًا وَعَلِّمُوا عَلَى الأَرْضِ مِترًا وَثَمَانِينَ سَنْتِيمِتْرًا فِي مِتْرَيْنِ وَخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ سَنْتِيمِتْرًا. فَهَذِهِ هِيَ الْمَسَاحَةُ الَّتِي عاشَ فِيهَا تَحْتَ قُوَّةِ هِتْلَر الرَّازِحَةِ. لَكِنَّهُ قَالَ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ: "لا يَنْبَغِي فُقْدَانُ الأَمْلُ فِي الْعَالَمِ مُبَكِّرًا". اسْمَعُوا، إِنْ وَضَعْنَا ثِقَتَنا فِي الرَّجَاءِ، وَلَيْسَ فِي الْهَرُوبِ. فَالرَّجَاءُ هُوَ مَا يُعِيدُنَا إِلَى الْعَالَمِ. وَالْقَصْدُ مِنْ ذَلِكَ أَلَّا نَفْقِدَ الأَمَلَ فِي الْعَالَمِ مُبَكِّرًا. لا بُدَّ أَنْ نَحْيَا مَسِيحِيِّينَ مُؤْمِنِينَ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَفِي هَذَا الْعَصْرِ. وَلا نُعَظِّمُ مِنَ الْمَاضِي بِإِرْثِهِ مُتَمَنِّينَ عَوْدَتَهُ. نَحْنُ نَحْيَا الْحَاضِرَ الَّذِي خَلَقَنا اللهُ فِيهِ. أَتَعْلَمُونَ أَنَّ الْكَنِيسَةَ الأُولَى رَأَتِ الْجَانِبَيْنِ. فَكَنِيسَةُ مَا قَبْلِ عَصْرِ قُسْطَنْطِينَ وَاجَهَتِ الْعَدَاءَ وَذَاقَتِ الاضْطِهَادَ. أَمَّا كَنِيسَةُ مَا بَعْدَ عَصْرِ قُسْطَنْطِينَ كَانَتْ عَصْرَ الرَّخاءِ.  وَفِي أَثْنَائِهِمَا لَمْ يَكُنْ يَسِيرًا أَنْ تَكُونَ تِلْمِيذًا أَمِينًا. فِي الْعَمَلِ الطَّهُورِيِّ الْبْيُورِيتَانِي الْعَظِيمِ "جَوْهَرَةُ الْقَنَاعَةِ النَّادِرَةِ" (The Rare Jewel of Contentment) لِجِيرِمَايَا بُورُّوس (Jeremiah Burroughs) الَّذِي فِيهِ أَلْمَحَ إلى قَوْلِ بُولُسَ: "أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فَقدْ تَعَلَّمْتُ القَنَاعَةُ".  فَالأَمْرُ يَنْطَبِقُ تَمَامًا عَلَى الأَحْوَالِ الَّتِي نَمُرُّ بِهَا. سَوَاءَ كَانَ مُجْتَمَعًا عَدَائِيًّا أَوْ مُجْتَمَعًا مُسَالِمًا وَدُودًا، لا يَزَالُ أَمَامَنَا تَحَدِّي الْبَقَاءِ تَلَامِيذَ أُمَنَاءَ. وَمِنَ الْمُمْكِنِ جِدًّا أَنْ نَتْرُكَ ذَلِكَ الْمُجْتَمَعَ الْمَأْلُوفَ لَنَا وَالْمُوَاتِي وَالْوَدُودَ. وَمِنَ الْمُمْكِنِ جِدًّا أَيْضًا أَنْ نَكُونَ عَلَى أَعْتَابِ دُخُولِ أَرْضٍ مُعَادِيَةٍ. فَالسُّؤَالُ هُنَا: هَلْ سَنَحْيَا فِي الْعَالَمِ تَلامِيذَ أُمَنَاءَ، أَمْ سَنَحْتَقِرُهُ وَنَيْأَسُ مِنْهُ؟

فَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ ثِقَتُنَا فِي الرَّجَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجَاءُ الدَّافِعَ لَنَا لِنَكُونَ التَّلامِيذَ كما يُرِيدُنَا الرَّبُّ يَسُوعُ أَنْ نَكُونَ. عَثَرْتُ مُؤَخَّرًا فِي نِهَايَةِ إِحْدَى عِظاتِ مَارْتِنْ لُوثَر كِينْج. إِذْ كَانَ يَعِظُ مِنَ الأَصْحَاحِ 12 مِنْ رِسَالَةِ رُومِيَةَ. وَعَثَرْتُ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ الَّتِي يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْعِظَةَ "غَيْرُ مُتَّسِقَةٍ فِكْرِيًّا". فَقَدْ كَانَ شَدْرَخُ وَمِيشَخُ وَعَبْدَنَغُوَ غَيْرَ مُنْسَجِمِينَ فِكْرِيًّا مَعَ الْعَالَمِ. وَكَذَلِكَ دَانْيَالُ لَمْ يَكُنْ مُنْسَجِمًا فِكْرِيًّا-وَأَيْضًا بُولُسُ لَمْ يَكُنْ مُنْسَجِمًا فِكْرِيًّا. وَرُبَّمَا نَكْتَشِفُ أَنَّنَا نَحْتَاجُ إِلَى أَنْ نَكُونَ غَيْرَ مُنْسَجِمِينَ فِكْرِيًّا مَعَ الْعَالَمِ. فَيَقُولُ الآتِي:

هَلْ سَنُوَاصِلُ الْمَسِيرَ عَلَى قَرْعِ طُبُولِ الامْتِثَالِ وَالرُّضُوخِ، أَمْ سَنَسْتَمِعُ إِلَى قَرْعِ طُبُولٍ بَعِيدَةٍ؟ هَلْ سَنَعْبُرُ إِلَى حَيْثُ صَدَى الصَّوْتِ؟ هَلْ سَنَتْبَعُ مُوسِيقَى الْعَصْرِ، أَمْ أَنَّنَا، مُخَاطِرِينَ بِسَمَاعِ الانْتِقَادِ وَالإساءاتِ، سَنَتْبَعُ مُوسِيقَى الأَبَدِيَّةِ مُخَلِّصَةَ النُّفُوسِ؟ نَحْنُ الْيَوْمَ، أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، تَتَحَدَّانا أَقْوَالُ الْمَاضِي "لَا تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ".

إِنَّ ضُغُوطَاتِ التَّشَبُّهِ بِالثّقَافَةِ قَائِمَةٌ دَوْمًا. هَلْ سَنُغَايِرُ الْعَالَمَ فِكْرِيًّا وَبِتَجْدِيدِ أَذْهَانِنَا نَحْيَا حَيَاةَ إِيمَانٍ، وَحَيَاةً لَهَا قِيَمُهَا الْمُنَاقِضَةُ لِلْعَالَمِ؛ حَيَاةً رَاسِخَةً فِي الطَّهَارَةِ مُوَاجِهَةً لِلانْحِطَاطِ الثَّقافِي؟ فِي الْوَاقِعِ، يَنْبَغِي أَنْ نَكُونَ الشَّعْبَ الْمَعْرُوفَ بِالْفَرَحِ فِي وَجْهِ التَّهَكُّمِيَّةِ وَفِي وَجْهِ الْيَأْسِ. وَفِي وَجْهِ مَفْهُومِ "الْحَقِّ بِرُمَّتِهِ فِي مُتَنَاوَلِ الْيَدِ"، وَالأَمْرُ لا يَعْدُو مُجَرَّدَ ارْتِبَاكٍ أَخْلاقِيٍّ، فَهَلْ سَنَثْبُتُ حَقًّا فِي الإِيمَانِ الَّذِي لَنَا مِنْ كَلِمَةِ اللهِ؟

يَوْمًا مَا، سَنَكُونُ مِثْلَهُ. هَذَا رَجَاؤُنَا. لَكِنَّهُ لَيْسَ رَجَاءً نُنَحِّيهِ جَانِبًا، أَوْ يَخْرُجُ بِنَا إِلَى كَهْفٍ. بَلْ رَجَاءٌ يُخْرِجُنَا مُبَاشَرَةً إِلَى الْعَالَمِ. وَلِذَلِكَ نَثِقُ فِيهِ. لِذَلِكَ نَثِقُ فِي اللهِ، وَنَثِقُ فِي كَلِمَتِهِ، وَنَثِقُ فِي الْمَسِيحِ، وَنَثِقُ فِي الإِنْجِيلِ، وَنَثِقُ فِي الرَّجَاءِ. هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ. هَذِهِ هِيَ الرِّسَالَةُ.

أَشْكُرُكُمْ.