المحاضرة 3: الثقةُ فِي الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ

فِي الْمُحَاضَرَةِ السَّابِقَةِ، تَحَدَّثْنَا عَنِ الثِّقَةِ فِي اللهِ. أَمَّا فِي هَذِهِ الْمُحَاضَرَةِ، سَنَتَحَدَّثُ عَنِ الثِّقَةِ فِي كَلِمَةِ اللهِ. إِذَا اسْتَرْجَعْنَا بَعْضَ الأُمُورِ الَّتِي تَحَدَّثْنَا عَنْهَا فِي مُحَاضَرَتِنَا الأُولَى مَعًا، وتِلْكَ اللَّحَظَاتِ الَّتِي تَتَسَبَّبُ فِي تَغْيِيرِ هَذَا الزَّمَنِ، هَذَا التَّغْيِيرُ الْمَنْهَجِيُّ وَالسَّرِيعُ الَّذِي نَرَاهُ مِنْ حَوْلِنَا. إِذَا اسْتَرْجَعْنَا الارْتِبَاكَ الثَّقَافِيَّ، سَنَرَى بَعْضَ الْمُتَوازِيَاتِ الْمُثِيرَةِ لِلاهْتِمَامِ بَيْنَ جِدالٍ يَجْرِي الآنَ، وَجِدَالٍ جَرَى فِي الْفَتْرَةِ الزَّمَنِيَّةِ مَا بَيْنَ ثَمَانِينِيَّاتِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ إِلَى الْعُشْرِيَّةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ. فِي الْوَاقِعِ، رُبَّمَا مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُقالَ إِنَّهُ فِي أَزْمِنَةِ التَّغَيُّرِ الثَّقَافِيِّ هَذِهِ وَالارْتِبَاكِ النَّاتِجِ عَنْهُ، نَجِدُ حَقًّا أَنَّهُ لا جَدِيدَ تَحْتَ الشَّمْسِ! لَقَدْ رَأَيْنَا ذَلِكَ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ فِي الأَصْحَاحِ التَّاسِعِ مِنْ سِفْرِ إِرْمِيَا. وَرَأَيْنَاهُ أَيْضًا فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ أَثْنَاءَ مِيلادِ الْكَنِيسَةِ فِي عَصْرِ الثَّقَافَةِ الْيُونَانِيَّةِ الرُّومَانِيَّةِ. وَرَأَيْنَاهُ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ مَعَ الْقِدِّيسَيْنِ جِيرُومَ وَأُوغُسْطِينُوسَ. وَرَأَيْنَاهُ عَلَى مَدَارِ الْقُرُونِ. قَدْ قِيلَ قَبْلًا إِنَّ "التَّارِيخَ لا يُعِيدُ نَفْسَهُ، بَلْ يُعِيدُ أَصْدَاءَهُ". لَكِنَّ الأَمْرَ الْمُثِيرَ فِي هَذِهِ الأَصْدَاءِ أَنَّهَا تَحْمِلُ فِي انْتِقَالِهَا مَلامِحَ الْبِيئَةِ الْجَدِيدَةِ الَّتِي انْبَثَقَتْ مِنْهَا. لِذَلِكَ فَهْيَ اسْتِعَارَةٌ سَدِيدَةٌ لِفَهْمِ كَيْفَ أَنَّنَا نَوْعًا مَا نَشِبَهُ هَذِهِ اللَّحَظاتِ التَّارِيخِيَّةِ. لَكِنْ أَيْضًا يَطْرَأُ تَجْدِيدٌ عَلَى الْحُجَجِ الَّتِي نَتَصَدَّى لَهَا.

لِذَا، إِنِ اسْتَرْجَعْنَا الْفَتْرَةَ مَا بَيْنَ ثَمَانِينِيَّاتِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ إِلَى عِشْرِينِيَّاتِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، سَنَجِدُ أَنْفُسَنَا أَمَامَ مَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ "الْجِدالُ الأُصُولِيُّ-الْحَدَاثِيُّ"، كَانَ هَذَا "الْجِدالُ الأُصُولِيُّ-الْحَدَاثِيُّ" يُرَكِّزُ حَقًّا عَلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ، وكَانَ هُجُومًا عَلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. وَكانَ هَذا الْهُجُومُ فِي جُلِّهِ مِنْ خِلالِ الْعِلْمِ. بِالطَّبْعِ، أَمَامَنا فِي سِتِّينِيَّاتِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ دَارْوِينُ وَنَظَرِيَّتُهُ الْحَدِيثَةُ، وَقْتَهَا، عَنْ أَصْلِ الأَنْوَاعِ الْمُخَالِفَةِ تَمامًا لِمَا تُخْبِرُهُ حَقَائِقُ الْبَداءَاتِ فِي الأَصْحَاحاتِ الأُولَى مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ. وَقَدِ اسْتَغْرَقَ الأَمْرُ فَتْرَةً حَتَّى وَصَلَتِ الأَفْكَارُ الدَّارْوِينِيَّةُ إِلَى الثَّقَافَةِ الأَمْرِيكِيَّةِ، وَفَتْرَةً أُخْرَى حَتَّى تَغَلْغَلَتْ هَذِهِ الأَفْكَارُ فِي الثَّقَافَةِ الأَمْرِيكِيَّةِ. وَنَرَى ذُرْوَةَ الأَمْرِ عَامَ 1925 فِيمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ مُحَاكَمَةُ قِرْدِ سْكُوبْسْ (Scopes Monkey)، الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ وِلايَةِ تِينِيسِي وَالسَّيِّدِ سْكُوبْس الَّذِي كَانَ مُدَرِّسًا لِلْعُلُومِ لِلْمَرْحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ مُسْتَعِينًا بِمُقَرَّرٍ تَعْلِيمِيٍّ يَسْتَرْشِدُ بِالتَّطَوُّرِ وَيُعَلِّمُ عَنْهُ. وَكانَ هَذَا ضِدَّ قَانُونِ الْوِلايَةِ بِجَلاءٍ، لِذَا رُفِعَ الأَمْرُ لِلْقَضَاءِ. فَأَضْحَتْ قَضِيَّةَ الْقَرْنِ. فِي الْوَاقِعِ، كَثُرَتْ قَضَايَا الْقَرْنِ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ. نَعَمْ رُفِعَتْ قَضَايَا قَرْنٍ كَثِيرَةٌ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، وَكَانَتْ إِحْدَاهَا قَضِيَّةُ قِرْدِ سْكُوبْسْ عامَ 1925. وَكَانَتْ كُلُّ الأَعْيُنِ فِي الْبِلادِ مُوَجَّهَةً إِلَى دَايْتُونَ فِي وِلايَةِ تِينِيسِي، وَإِلَى قَضِيَّةِ قِرْدِ سْكُوبْسْ. كانَ الْجِدالُ قَائِمًا حَوْلَ السُّؤالِ التَّالِي: هَلْ سَنُنْصِتُ إِلَى كِتَابٍ، اسْمَعُوا هَذَا، هَلْ سَنُنْصِتُ إِلَى كِتَابٍ عُمْرُهُ مَا بَيْنَ أَلْفَيْ إِلَى خَمْسَةِ آلافِ عَامٍ، أَمْ نُصْغِي إِلَى الْعُلُومِ الْحَدِيثَةِ؟ كَانَ هَذَا هُوَ الْجِدالُ. كَانَ بِهَذِهِ الْبَسَاطَةِ حَقًّا.

وَرَأَيْنَا جَبْهَةً أُخْرَى نُصِبَتْ أَلَا وَهْيَ الْمَجالُ الْعِلْمِيُّ لِلنَّقْدِ النَّصِّيِّ. فَبَدَلًا مِنَ الذَّهَابِ إِلَى إِنْجِلْتِرا وَدَارْوِين وَسَفِينَةِ الْبِيغِلْ وَاكْتِشَافَاتِهِ فِي هَذِهِ الرِّحْلَةِ، سَنَذْهَبُ إِلَى أَلْمَانْيَا وَإِلَى مَيدانِ النَّقْدِ الْعَالِي. فِي الْعِشْرِيَّةِ الأُولَى مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، تَحَوَّلَ بِيلِي صَنْدَايْ، مِنْ لاعِبِ بَيْسْبُول مُحْتَرِفٍ إِلَى كَارِزٍ حَمَاسِيٍّ. فَقَدْ حَظِيَ بِسِجِلٍّ هُوَ الأَشْهَرُ لِسَارِقِي نِقَاطِ الْتِقَاطِ الْكُرَةِ. الآنَ، لا أَعْرِفُ كَيْفَ تَكُونُ مَسِيحِيًّا وَمُتَصالِحًا مَعَ سَرِقَةِ نِقَاطِ الْتِقاطِ الْكُرَةِ. عَجَبًا! هَذَا هُوَ بِيلِي صَنْدَايْ، فِي أَحَدِ مُعَسْكَرَاتِهِ الْكِرَازِيَّةِ فِي الْعِشْرِيَّةِ الأُولَى مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ، وَقَدِ اشْتَهَرَ بِنَوْعٍ مِنَ الْكِرَازَةِ الْبَهْلَوَانِيَّةِ. فِي الْوَاقِعِ، أَحْيَانًا كَانَ صَنْدَايْ يَقْفِزُ مِنَ الْمِنَصَّةِ إِلَى أَعْلَى الْمَنْبَرِ. وَكَانَ يَقِفُ عَلَى حَافَّةِ الْمِنَصَّةِ رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ وَقَدْ أَخَذَ هَذَا الْوَضْعَ لِيَكُونَ عَلَامَتَهُ الَّتِي يَشْتَهِرُ بِهَا. وَكَانَ يَصِيحُ قَائِلًا: "اقْلِبِ الْجَحِيمَ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، مَاذَا سَتَجِدُ مَخْتُومًا عَلَى ظَهْرِ الْقَاعِ؟ "مَصْنُوعٌ فِي أَلْمَانْيَا!" الآنَ، كَانَتِ الْحَرْبُ الْعَالَمِيَّةُ الأُولَى مُشْتَعِلَةً حِينَها، كَانَ الْعَالَمُ فِي حَرْبٍ ضِدَّ أَلْمَانْيَا. لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَا قَصَدَهُ صَنْدَاي. بَلْ ما قَصَدَه هُوَ النَّقْدُ الْعَالِي. طَبَّقَ هَؤُلاءِ الْعُلَمَاءُ الأَلْمَانُ-الَّذِينَ سَوَّقُوا بِضَاعَتَهُمْ بِأَنَّهُمْ عُلَمَاءُ فِي النُّصُوصِ-وَهْيَ أَسَالِيبُ مُطَبَّقَةٌ عَلَى هَذِه النُّصُوصِ التَّارِيخِيَّةِ لِمَعْرِفَةِ تَارِيخِهَا الْحَقِيقِيِّ، وَمَا أُضِيفَ إِلَيْهَا لاحِقًا، وَمَا النَّصُّ الحَقِيقِيُّ، الوَاقِعِيُّ، وَمَا الإِضَافَاتُ اللَّاحِقَةُ الَّتِي أَضَافَتْهَا الْكَنِيسَةُ. وَبَدَأَ هَذَا الْمِنْهَاجُ "بِالْبَحْثِ عَنْ يَسُوعَ التَّارِيخِيِّ". بِافْتِرَاضِ أَنَّ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ يَحْتَوِي عَلَى يَسُوعَيْنِ: يَسُوعُ الإِيمانِ؛ وَهْوَ يَسُوعُ الْمُزَيَّفُ الَّذِي هُوَ يَسُوعُ الْكِنَائِسِ الَّذِي ظَهَرَ بَعْدَ يَسُوعَ التَّارِيخِيِّ بِأَمَدٍ؛ ويَسُوعَ الَّذِي هُوَ جَوْهَرُ الْحَقِّ؛ يَسُوعُ التَّارِيخِيُّ. وَقَدْ بَدَأَ هَذَا الْبَحْثُ عَنْ يَسُوعَ التَّارِيخِيِّ في بِدَايَاتِ الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَر وَاسْتَمَرَّ طَوَالَ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ. فِي الْوَاقِعِ، يَمْتَدُّ هَذَا الْبَحْثُ حَتَّى حَاضِرِنَا هَذَا، إِلَى مُنْتَدَى يَسُوعَ (Jesus Seminar) وَإِلَى كِتَابَاتِ بَارْتْ إِيرْمَان الْكَاتِبِ ذَائِعِ الصِّيتِ وَالأَكَادِيمِيِّ الشَّهِيرِ بِجَامِعَةِ دُوك، الَّذِي يُجَادِلُ بِوُجُودِ اخْتِلافٍ بَيْنَ يَسُوعَ التَّارِيخِيِّ وَيَسُوعَ الإِيمانِ. وَإِنْ طَبَّقْتُمْ-أَتَسْمَعُونَ هَذَا؟ هَكَذَا يُجْرِي الْعُلَمَاءُ عَمَلَهُمْ-إِنْ طَبَّقْتُمُ الأُسْلُوبَ الصَّحِيحَ عَلَى الْبَشَرِ أَوِ النَّصِّ، سَتَصِلُونَ إِلَى الْحَقِيقَةِ. لِذَا، نَضَعُ ثِقَتَنَا فِي أُسْلُوبِنَا الْعِلْمِيِّ. فَمَا يُطْرَحُ فِي الْجِدَالِ الأُصُولِيِّ-الْحَدَاثِيِّ هُوَ سُؤَالُ الْحَدَاثَةِ الْمُتَمَثِّلُ فِيمَا يَلِي: "هَلْ سَنَخْضَعُ لِنَصٍّ قَدِيمٍ، أَمْ أَنَّ النَّصَّ الْقَدِيمَ يَخْضَعُ لَنَا؟" لأَنَّنَا، اسْمَعُوا الآنَ الغَطْرَسَةَ فِي هَذَا، نَحْنُ عَلَى دِرَايَةٍ أَكْبَرَ. هَذَا مَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَقُولُوهُ. يَنْبَغِي أَنْ تَقُولُوا: "يُمْكِنُنَا أَنْ نُنَحِّيَ جَانِبًا الأَصْحَاحَاتِ الثَّلاثَةَ الأُولَى مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ الْمُعْتَبَرَةَ تَارِيخِيَّةً، لأَنَّنَا عَلَى دِرَايَةٍ أَكْبَرَ. كما يُمْكِنُنَا أَنْ نُنَحِّيَ جَانِبًا الْبَشَائِرَ الأَرْبَعَ الْمُعْتَبَرَةَ أَحْدَاثًا تَارِيخِيَّةً، لأَنَّنَا عَلَى دِرَايَةٍ أَكْبَرَ". هَذَا مَا كانَ عَلَى الْمِحَكِّ فِي الْجِدَالِ الأُصُولِيِّ-الْحَدَاثِيِّ. كَانَ فِي الْوَاقِعِ مَعْرَكَةً مِنْ أَجْلِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ.

وَالآنَ، دَعُونَا نَتَقَدَّمُ زَمَنِيًّا بَعْضَ الشَّيْءِ. إِنْ عُدْنَا إِلَى بِدَايَةِ الأَلْفِيَّةِ الثَّالِثَةِ وَعِشْرِيَّتِها الثَّانِيَةِ، فَيَبْدُو أَنَّ مُعْضِلَةَ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَيْسَتْ فِي الْغَالِبِ الْعُلُومَ الْجَامِدَةَ، لأَنَّ مَيْدَانَها يَفْتَرِضُ أَنَّهُ، لِعِدَّةِ أَسْبَابٍ، قَدْ رُبِحَ ثَقَافِيًّا. لَكِنَّ مَيْدانَ الْحَاضِرِ، الَّذِي يَبْدُو أَنَّ الْهُجُومَ مِنِ اتِّجَاهِهِ، يَتَمَثَّلُ فِي الْعُلُومِ الاجْتِمَاعِيَّةِ. نَعَمْ، عُلَمَاءُ الاجْتِمَاعِ. فِي الْعَالَمِ الأَكَادِيمِيِّ كَثِيرًا مَا يُشَارُ إِلَيْهَا "بِالْعُلُومِ الْمَرِنَةِ" فِي مُقَابِلِ "الْعُلُومِ الْجَامِدَةِ". لَكِنَّ هَذِهِ الْعُلُومَ الاجْتِمَاعِيَّةَ هِيَ مَا تُهاجِمُنَا وَتُهَاجِمُ الْكِتَابَ الْمُقَدَّسَ الآنَ.

فَمَا مَسَائِلُها؟ تَتَمَثَّلُ مَسَائِلُهَا فِي هُوِيَّةِ الإِنْسَانِ، وَمَاذَا يَعْنِي أَنْ تَكُونَ إِنْسانًا مَخْلُوقًا عَلَى صُورَةِ اللهِ. وَفِي الْهُوِيَّةِ الْجِنْسِيَّةِ، إِذْ تُجْرَى الْيَوْمَ مُنَاقَشَةٌ بِشَأْنِ مُصْطَلَحِ "الخَلْطِ الْجِنْسِيِّ". فَنَقْرَأُ فِي الأَصْحَاحَاتِ الأُولَى مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ اللهَ خَلَقَهُمْ ذَكَرًا وَأُنْثَى. كَمَا يَمْثُلُ تَحَدٍّ حِيَالَ الزَّوَاجِ، وَإِعَادَةِ تَعْرِيفِ الزَّوَاجِ. وَأَيْضًا يَمْثُلُ أَمَامَنا، كَمَا ذَكَرْتُ فِي الْمُحَاضَرَةِ الأُولَى، قَرارُ الْمَحْكَمَةِ الْعُلْيَا فِي صَيْفِ عَامِ 2015، بِتَقْنِينِ زَوَاجِ الْمِثْلِيِّينَ فِي الْوِلايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ. لَكِنَّنَا نَقْرَأُ فِي الأَصْحَاحَاتِ الأُولَى مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ الزَّوَاجَ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى. لِذَا، مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ لَيْسَ مُجَرَّدَ سَرْدٍ لأَصْلِ الإِنْسَانِ تُحَارِبُهُ مُجَرَّدُ بَدَائِلَ عِلْمِيَّةٍ لِفَهْمِ أُصُولِ الإِنْسَانِ.  بَلْ مَا نَجِدُهُ الآنَ هُوَ بَدِيلٌ لِلأَصْحَاحاتِ الأُولَى الأَسَاسِيَّةِ لِسِفْرِ التَّكْوِينِ الَّتِي تُخْبِرُنَا بِهُوِيَّةِ الْبَشَرِ-بِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ عَلَى صُورَةِ اللهِ، وَأَنَّ الْهُوِيَّةَ الْجِنْسِيَّةَ لَيْسَتْ بُنْيَةً اجْتِمَاعِيَّةً، بَلْ فِي الْوَاقِعِ هُوِيَّةٌ مُتَأَصِّلَةٌ لأَنَّ اللهَ خَلَقَنا ذَكَرًا وَأُنْثَى، الَّذِي عَلَيْهِ وُضِعَ تَعْرِيفُ الزَّوَاجِ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَيْسَ لِيُعَادَ تَشْرِيعُهُ مِنْ جَدِيدٍ. وَأَنَّ تَعْرِيفَ الزَّوَاجِ هَذَا كَمَا هُوَ فِي الأَصْحاحاتِ الأُولَى.

فَلِذَا نَحْنُ وَاقِفُونَ عِنْدَ النُّقْطَةِ الْمُحَدَّدَةِ عَيْنِهَا الَّتِي كَانَ عِنْدَهَا الْجِدَالُ الأُصُولِيُّ-الْحَدَاثِيُّ، لَكِنْ بِاخْتِلافٍ طَفِيفٍ فِي لَهْجَةِ الْجِدالِ. إِذْ يَحْمِلُ الصَّدَى مَعَالِمَ عَصْرِنَا. لِذَا يَتَمَثَّلُ السُّؤالُ الْفَاصِلُ فِي: هَلْ سَنُنْصِتُ إِلَى اكْتِشَافَاتِ الْعُلُومِ الاجْتِمَاعِيَّةِ وَنَعْرِفُ وَنَحْذَرُ وَنَنْتَبِهُ إِلَى-تَمَعَّنُوا فِيمَا أَقُولُهُ-مَا نَعْتَبِرُهُ الآنَ حَقًّا؟ هَذَا مَا يُقالُ: "هَذَا الَّذِي نَعْتَبِرُهُ الآنَ حَقًّا. "لَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ نَافِعًا لِلتَّطْبِيقِ". وَهُنَا يَصِيرُ الأَمْرُ مُثِيرًا لِلاهْتِمَامِ. إِذْ تَصِيرُ الضُّغُوطُ الثَّقَافِيَّةُ ثَقِيلَةً لِلْغَايَةِ عَلَى الْبَعْضِ. مِنْ ثَمَّ، مَا الَّذِي نَبْدَأُ فِي رُؤْيَتِهِ؟ نَرَى قَائِدًا مَسِيحِيًّا تِلْوَ آخَرَ-فِي الْحَقِيقَةِ نَرَى طَوَائِفَ كَامِلَةً تَقُولُ: "نَرَى الزَّوَاجَ الآنَ بِصُورَةٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَنَرَى الهُوِيَّةَ الجِنْسيَّةَ بِصُورَةٍ مُخْتَلِفَةٍ أَيْضًا". وَلِلْإِقْرارِ بِذَلِكَ لا بُدَّ أَنْ تَقُولَ: "هَذَا لَمْ يَعُدْ نَافِعًا لِلتَّطْبِيقِ". هَذَا هُوَ مَا نَجِدُ أَنْفُسَنَا فِيهِ.

فَمَا أَسْعَى إِلَيْهِ أَنَّهُ عَلَيَّ الرَّدُّ عَلَى هَذَا. عَلَيْنَا جَمِيعًا الرَّدُّ عَلَى هَذَا. عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ: "هَذَا مَا تُعَلِّمُهُ الأَصْحاحَاتُ الثَّلاثَةُ الأُولَى مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ عَنْ تَأْسِيسِ كُلِّ الأَشْيَاءِ وَبَدَاءَتِها". هَذَا هُوَ الْقَانُونُ الطَّبِيعِيُّ مِثْلَما أُنْزِلَ إِلَيْنَا. عَلَيْنَا التَّحَدُّثُ بِهَذَا عَلانِيَةً. عَلَيْنَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ "الْمُجْتَمَعَ الْمَدَنِيَّ تَأَسَّسَ عَلَى هَذِهِ الْحَقَائِقِ التَّأْسِيسِيَّةِ الأُولَى لِلْهُوِيَّةِ الْبَشَرِيَّةِ". فَنَحْنُ نَرُدُّ عَلَى هَذَا، لأَنَّ أُمُورَنَا عَلَى الْمِحَكِّ. فَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَلَيْنَا الرَّدُّ عَلَى هَذَا جَيِّدًا. وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَلَيْنَا الرَّدُّ عَلَى هَذَا بِإِقْنَاعٍ. أَعْتَقِدُ يَجِبُ أَلَّا نَرُدَّ عَلَى هَذَا بِاحْتِقَارٍ أَوْ بِشُعُورٍ بِالْبِرِّ الذَّاتِيِّ، بَلْ عَلَيْنَا رَسْمُ خَطٍّ أَحْمَرَ قَائِلِينَ: "نَحْنُ نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْحَقَائِقِ". وَمَا يَشْغَلُنِي أَيْضًا هُوَ مَا مَدَى سُهُولَةِ التَّأَثُّرِ الْخَفِيفِ بِهَذِهِ التَّحَوُّلاتِ الثَّقافِيَّةِ؟ وَمَا مَدَى سُهُولَةِ تَشْكِيكِنَا سَائِلِينَ: "هَلِ الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ نَافِعٌ حَقًّا لِلْحَياةِ فِي الْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ؟"

أَتَعْلَمُونَ، عِنْدَمَا نَتَمَعَّنُ فِي عَقَائِدِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، كَثِيرًا مَا يُعلِّمُها عُلَمَاءُ اللَّاهُوتِ- وَلا تَشْغَلُوا بَالكم بِالتَّوَارِيخِ. لَنْ أُجْرِيَ عليها اخْتِبَارًا، لِذَا لا عَلَيْكُمْ بِحِفْظِ التَّوَارِيخِ-عِنْدَمَا نَتَمَعَّنُ فِي عَقَائِدِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، كَثِيرًا مَا يُعَلِّمُ عُلَمَاءُ اللَّاهُوتِ مَا يَتَعَلَّقُ "بِسِمَاتِ" الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. وَتَمامًا مِثْلَ صفاتِ اللهِ، لَدَيْنا "سِمَاتُ" الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. وَبِالطَّبْعِ أَوَّلُ هَذِهِ السِّماتِ وَأَهَمُّهَا هِيَ سُلْطَةُ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، أَيْ أَنَّ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ هُوَ المَرْجَعُ صَاحِبُ السُّلْطانِ. كَانَ قَدْ قَالَ الْمُصْلِحُ الشَّهِيرُ بِيتْر مَارْتِر فِيرْمِيجْلِي (Peter Martyr Vermigli): "كُلُّ شَيْءٍ يَتْبَعُ كَلِمَتَيْنِ لاتِينِيَّتَيْنِ: "دُومِينُوس دِيكْسِتْ (dominus dixit)"، الَّتِي تُتَرْجَمُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ إِلَى "هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ". فَإِنْ كَانَ الْكِتابُ الْمُقَدَّسُ هُوَ كَلِمَةُ اللهِ، فَهْوَ الْمَرْجَعُ صَاحِبُ السُّلْطَانِ. نُقْطَةٌ. وَيَتَوَقَّفُ الْحَدِيثُ. مَا مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ لِيُقالَ. وَنَحْنُ نَتَقَدَّمُ فِي عَقِيدَةِ سُلْطَةِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، نَرَى أَنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنِ "الْعِصْمَةِ" وَ"النَّزَاهَةِ عَنِ الْخَطَأِ". وَبِالطَّبْعِ قَدِ انْبَثَقَا مِنْ عَقِيدَةِ الْوَحْيِ الإِلَهِيِّ. إِنَّها صِيغَةٌ بَسِيطَةٌ جِدًّا. الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ كَلِمَةُ اللهِ. هَذِهِ هِيَ عَقِيدَةُ الْوَحْيِ الإِلَهِيِّ. فَهْوَ وَحْيٌ لَفْظيٌّ كَامِلٌ؛ فَهْوَ لَفْظيٌّ لأَنَّ كَلِماتِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ ذاتَها مُوحًى بِهَا. أَمَّا كَامِلٌ فَيَعْنِي بِأَكْمَلِهِ، لَيْسَ فِي أُمُورِ الإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ فَحَسْبُ، بَلْ أَيْضًا فِي أُمُورِ التَّارِيخِ وَمَا تَتَضَمَّنُهُ الأَسْفَارُ الثَّلاثَةُ الأُولَى مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ. إِنَّهُ كَلِمَةُ اللهِ. فَبِمَا أَنَّهُ كَلِمَةُ اللهِ-وَحْيٌ لَفْظيٌّ كَامِلٌ-إِذَنْ فَهْوَ حَقٌّ مَعْصُومٌ وَمُنَزَّهٌ عَنِ الْخَطَأِ. فَهَذِهِ هِيَ عَقِيدَةُ سُلْطَانِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ.

وَلِأَنَّهُ الْمَرْجَعُ ذُو السُّلْطانِ، سَنَتَحَدَّثُ عَنْ "ضَرُورَةِ" الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. فَأَمَامَنَا ضَرُورَةُ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ؛ بَعْدَمَا تَحَدَّثْنا عَنْ سُلْطَانِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، سَنَتَحَدَّثُ عَنْ ضَرُورَتِهِ.

وَأَيْضًا سَنَتَحَدَّثُ عَنْ سِمَةِ أَوْ خَاصِّيَّةِ وُضُوحِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. إِنَّهُ وَاضِحٌ. وَاضِحٌ فِي رِسَالَتِهِ الْجَوْهَرِيَّةِ الأَسَاسِيَّةِ. يَسْهُلُ فَهْمُهُ. لَنْ تَحْتَاجُوا إِلَى مُفَكِّكِ شَفْرَةٍ أَوْ عَقَاقِيرَ سِرِّيَّةٍ لِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ. فَأَيُّ إِنْسَانٍ بِذَكاءٍ بَسِيطٍ يَسْتَطِيعُ قِرَاءَةَ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ وَفَهْمَ مَا يَقُولُهُ.

لَكِنْ هُنَاكَ سِمَةٌ أَوْ خَاصِّيَّةٌ أُخْرَى. إِنَّهَا سِمَةُ "كِفَايَةِ" الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، كِفَايَةِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ. فِي الْحَقِيقَةِ إنَّهَا أَهَمُّ سِمَةٍ. إِذْ إِنَّهَا مِنْ جَانِبٍ تُؤَكِّدُ عَلَى عِصْمَةِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ، وَمِنْ جَانِبٍ آخَرَ تُصَادِقُ عَلَى أَنَّ الْكِتابَ الْمُقَدَّسَ كَافٍ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، وَمن ثمَّ يَجِبُ تَطْبِيقُهَا. وَقَلَقِي لَيْسَ فِي أَنَّ الْكَنِيسَةَ "تَدْعَمُ نَفْسَها" بَعْضَ الشَّيْءِ. أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ فَهْيَ تَضَعُ ثِقَتَها فِي كَلِمَةِ اللهِ كَيْ نَقْدِرَ عَلَى مُوَاجَهَةِ هَذِهِ التَّحَدِّيَاتِ فِي الْمَجَالِ الْعَامِّ. هَذَا مَا يَتَحَتَّمُ عَلَيْنَا فِعْلُهُ. هُناكَ مَنْ يَفْعَلُونَ هَذَا، وَيَقُومُونَ بِهِ بِبَراعَةٍ. فَعَلَيْنا نَحْنُ أَيْضًا فِعْلُ هَذَا، وَسَطَ عَائِلاتِنَا وَأَحْيَائِنا وَمُجْتَمَعاتِنا الَّتِي نَحْيَا فِيهَا وَنَعْمَلُ بِهَا. لَكِنَّ قَلَقِي يَتَمَثَّلُ فِي أَنَّ كَثْرَةَ الانْكِبَابِ عَلَى الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ تَدْفَعُنَا بِخِفَّةٍ إِلَى إِهْمَالِهِ. إِذْ نَبْدَأُ بِالتَّسَاهُلِ مَعَ الشُّكُوكِ. عَلَى شَاكِلَةِ "رُبَّمَا لَمْ يَعُدْ كَافِيًا بَعْدَ الآنَ"، "حَيَاتِي مُعَقَّدَةٌ لِلْغَايَةِ"، "الْمُشْكِلاتُ الَّتِي نُوَاجِهُهَا فِي الْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مُعَقَّدَةٌ لِلْغَايَةِ مَا يُحَتِّمُ عَلَيْنَا الْبَحْثَ فِي مَصْدَرٍ آخَرَ".

حَسَنًا، دَعُونَا نَتَحَدَّثُ عَنْ هَذَا. لِنُوَاجِهْ هَذَا. أُرِيدُكُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى الآيَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنَ الأَصْحَاحِ الثَّانِي مِنَ الرِّسالَةِ الأُولَى إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي. إِذْ أَرَاهَا التَّصْرِيحَ الأَوْجَزَ حَقًّا لِبُولُسَ الرَّسُولِ عَنْ عَقِيدَةِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. لَقَدْ أَحَبَّ بُولُسُ كَنِيسَةَ أَهْلِ تَسَالُونِيكِي. وَكَانَتْ لَهُ بَعْضُ الْمَسَائِلِ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْكَنَائِسِ الَّتِي زَرَعَها. وَبِالطَّبْعِ تَقْفِزُ كَنِيسَةُ كُورِنْثُوسَ إِلَى الأَذْهَانِ كُلَّمَا ذُكِرَ هَذَا الأَمْرُ. لَكِنْ عِنْدَمَا تَقْرَأُ الرِّسَالَتَيْنِ إِلَى أَهْلِ تَسَالُونِيكِي، يَنْتَابُكَ شُعُورٌ بِالْمَحَبَّةِ الصَّادِقَةِ، وَالمَحَبَّةِ المُتَبَادَلَةِ التي يَكُنُّهَا بُولُسُ لِكَنِيسَةِ تَسَالُونِيكِي، وَتَكُنُّهَا كَنِيسَةُ تَسَالُونِيكِي لِبُولُسَ. فَهْوَ يَتَحَدَّثُ إِلَيْهِمْ "كَالْأَبِ لِأَوْلَادِهِ"، قُبَيْلَ الآيَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ. لَقَدْ بَذَلَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِ الْمُؤْمِنِينَ هُنَاكَ حَتَّى تَتَأَسَّسَ الْكَنِيسَةُ. وَكُلَّمَا يَتَذَكَّرُ أَوْقاتَهُ مَعَهُمْ، لَيْسَتْ سِوَى ذِكْرَيَاتٍ عَزِيزَةٍ. ثُمَّ يَقُولُ فِي الآيَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنَ الأَصْحَاحِ الثَّانِي: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلَا انْقِطَاعٍ، لِأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ،" فَلْنَتَوَقَّفْ هُنَا. هَذَا مَا قَامَ بِهِ بُولُسُ. نَادَى بِكَلِمَةِ اللهِ. تِلْكَ كَانَتْ مُهِمَّتُهُ. وَسَأُوضِحُ أَنَّهَا مُهِمَّتُنا جَمِيعًا أَنْ نُنَادِيَ بِكَلِمَةِ اللهِ. لَيْسَتْ مُهِمَّةَ الرُّسُلِ وَحْدَهُمْ. وَلَيْسَتْ مُهِمَّةَ الرُّعَاةِ وَحْدَهُمْ. بَلْ مُهِمَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِنا. لَنَا دَعْوَةٌ، وَأَمامَنا أُمُورٌ لِنُتَمِّمَها. لَكِنَّ مُهِمَّتَنا الأَسَاسِيَّةَ تَتَمَثَّلُ فِي الْمُنَادَاةِ بِكَلِمَةِ اللهِ.

لِذَا بُولُسُ يَقُولُ: "لِأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ". فِي الْقَرْنِ الأَوَّلِ الْمِيلادِيِّ، كَثُرَتْ أَقْوَالُ النَّاسِ وَتَعَالِيمُهُمْ. إِذْ كَانَ الْعَالَمُ الْيُونَانِيُّ-الرُّومَانِيُّ يَزْخَرُ بِفَلاسِفَةٍ يَجُولُونَ بِفَلْسَفَاتِهِمْ. فَكَانُوا يَهْبِطُونَ عَلَى الْبُلْدَانِ فَجْأَةً وَيَفْتَرِشُونَ أَمَاكِنَهَا الْعَامَّةَ وَبِبَلاغَتِهِمْ الْخُطَابِيَّةِ كَانُوا يُذْهِلُونَ الْحُشُودَ بِفِكْرَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْ بِبَعْضِ التَّطْبِيقاتِ الْجَدِيدَةِ لِفِكْرَةٍ مَا. وَعَلَيْهِ زَخَرَ الْقَرْنُ الأَوَّلُ بِكَلِمَاتِ أُنَاسٍ لا تُحْصَى، كَمَا يَزْخَرُ الآنَ الْقَرْنُ الْحَادِي وَالْعُشْرونَ بِكَلِمَاتِ أُنَاسٍ لا تُحْصَى. لكنَّ كَلِمَةَ اللهِ لَيْسَتْ كَلامَ النَّاسِ. أَتَتَذَكَّرُونَ مَا قَالَهُ بُطْرُسُ؟ "لِأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً". مِنَ الْمُسَلِّي قِرَاءَةُ الْكِتاباتِ الْيُونَانِيَّةِ الْقَدِيمَةِ. كَمَا أَنَّ كِتَابَاتِهِمْ الأُسْطُورِيَّةَ جَيِّدَةُ الْبُنْيَانِ. فَقَدْ أُلِّفَتْ بِمَهَارَةٍ. لَكِنَّهَا أَسَاطِيرُ مِنْ نَسْجِ خَيَالِ الْبَشَرِ. أَيْ أَنَّهَا مِنْ أَصْلٍ بَشَرِيٍّ. لَكِنَّ بُطْرُسَ يَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ آتِيَةٌ مِنْ فَوْقُ.

وَيَقُولُ بُولُسُ: "لِأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لَا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ". ثُمَّ يُعَرِّفُنَا بِمَاهِيَّةِ الْكَلِمَةِ الَّتِي كَانَ يَكْرِزُ بِهَا. "كَكَلِمَةِ اللهِ". كانَ بِيتَر مَارْتِر فِيرْمِيجْلِي مُحِّقًا. فِي قَوْلِهَ إِنَّ عِبَارَةَ "هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ" هِيَ بَداءَتُنَا مَعَ عَقِيدَةِ الْكِتابِ الْمُقَدَّسِ. فَهْيَ كَلِمَةُ اللهِ. لاحِظُوا بِمَاذَا أَرْدَفَ بُولُسُ: "الَّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ". وَهَذِهِ هِيَ الْعِبَارَةُ الَّتِي أُرِيدُكُمْ التَّوَقُّفَ عِنْدَهَا، فَبِمَا أَنَّهَا كَلِمَةُ اللهِ، لِذَا بِاسْتِطَاعَتِنا الْوُثُوقُ بِهَا لأَنَّهَا كَلِمَةُ اللهِ السَّاكِنَةُ فِينَا. فَهْيَ لَيْسَتْ مِنِ ابْتِداعِ الإِنْسَانِ. وَلَيْسَتْ فَلْسَفَةً مَا زَائِلَةً. بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ وَبَاقِيَةٌ عَبْرَ الْعُصُورِ.

أَمَّا سَبَبُ وَضْعِ ثِقَتِنَا فِي كَلِمَةِ اللهِ هُوَ أَنَّهَا تُكَمِّلُ. تُكَمِّلُ. تُكَمِّلُ مَا وُضِعَتْ لِتَتْمِيمِهِ. فَهْيَ تَعْمَلُ. فَأَهْلُ تَسَالُونِيكِي هَؤُلاءِ، مَنْ كَانُوا؟ كَانَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمُجَرَّدِ فِكْرَةِ أَنَّ الْمَسِيحَ قَدْ أَتَى. وَأَنَّ تَكْمِيلَ مَوَاعِيدِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ تَحَقَّقَتْ بِالْمُخَلِّصِ الْمَوْلُودِ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ. كَانَتْ تَسَالُونِيكِي فِي وَلاءٍ تَامٍّ لِلدِّيَانَاتِ الْيُونَانِيَّةِ. وَكَانَتْ مُمْتَلِئَةً بِأَتْبَاعِ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ. وَلَمْ يَكُنْ لأَيٍّ مِنْهَا القُوَّةُ الكَافِيَةُ لِتَغْيِيرِ حَيَاتِهِمْ. كَانَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لا غَيْرَ مَا امْتَلَكَ الْقُوَّةَ وَعَمِلَ فِيهِمْ. كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ. فَلَمْ تَمْتَلِكِ الْقُوَّةَ لِتُجَدِّدَهُمْ فَحَسْبُ، بَلْ ظَلَّتْ تَعْمَلُ فِيهِمْ. كُلَّمَا أُفَكِّرُ فِي أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ يَجْرِي فِيكُمْ، أُفَكِّرُ فِي التَّشْكِيلِ. فِي مُبَاحَثَاتِ التَّعْلِيمِ الأُولَى، كَانَتْ كَلِمَةُ "تَشْكِيلٍ" مِنَ الْكَلِمَاتِ الأَسَاسِيَّةِ. أَتَعْلَمُونَ، لَيْسَ بِمَعْنَى "تَكْدِيسِ الْمَعْرِفَةِ" فَحَسْبُ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ لَيْسَ بِمَعْنَى "عِلْمٍ" فَحَسْبُ. فَالتَّعْلِيمُ لا يَتَعَلَّقُ بِاكْتِسَابِ الْمَعْرِفَةِ فَحَسْبُ؛ إِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِاكْتِسَابِ الْمَعْرِفَةِ الَّتِي تَقُودُ إِلَى حَيَاةٍ ذَكِيَّةٍ، وَحِكْمَةٍ. وَفِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْعَمَلِيَّةِ، يَتَشَكَّلُ التِّلْمِيذُ، وَيَتَغَيَّرُ. تَأَمَّلُوا النَّجَّارَ وَفِي يَدِهِ قِطَعَةُ خَشَبٍ لِيُشَكِّلَها؛ فَيُخْرِجُ أَدَواتِهِ مِنْ مِسْوَاةٍ وَمُصَنْفِرَةٍ وَيَعْمَلُ عَلَى قِطْعَةِ الْخَشَبِ لِيُشَكِّلَهَا لِتَأْخُذَ الشَّكْلَ الَّذِي يُرِيدُهُ. تَأَمَّلُوا النَّهْرَ الَّذِي يَشُقُّ مَجْرَاهُ، وَيُشَكِّلُ الصُّخُورَ الْمُعْتَرِضَةَ طَرِيقَهُ. هَكَذَا تَعْمَلُ كَلِمَةُ اللهِ. أَحْيانًا تَجْرَحُ وَهْيَ تُشكِّلُ. أَتَعْلَمُونَ؟ اسْتَعِينُوا بِهَذه المِسْوَاةِ، وَسَتَشْعُرُونَ بِرَاحَةٍ مَا بَعْدَهَا رَاحَةٌ. قَالَ لُوثَرُ إِنَّ كَلِمَةَ اللهِ تُوَبِّخُنَا. لَكِنَّهَا تُعَزِّينَا أَيْضًا. وَالأَهَمُّ فِي الأَمْرِ، أَنَّهَا تَعْمَلُ. إِنَّهَا تَعْمَلُ فِينَا. بِهَذَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَثِقَ. كَثِيرَةٌ هِيَ الأَصْوَاتُ حَوْلَنا. كَثِيرَةٌ هِيَ الأَصْوَاتُ الَّتِي تُقَاوِمُنَا. كَثِيرَةٌ هِيَ الأَصْواتُ الَّتِي تَقُولُ لَنا "سَتَرْتَاحُونَ وَسَتَمْتَازُونَ إِذَا سَلَكْتُمْ هَذَا الطَّرِيقَ". فِي الْكَلِمَةِ يَنْبَغِي أَنْ نَضَعَ ثِقَتَنا، لأَنَّهَا كَلِمَةُ اللهِ الْعَامِلَةُ فِينَا.

وَحِينَ نَقْرَأُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ مَا، تُخْبِرُنَا بِجَوْهَرِهَا، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ وَجَوْهَرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ هُوَ الْكَلِمَةُ اللُّوجُوس، هُوَ الْمَسِيحُ. لِذَا فِي الْمُحَاضَرَةِ التَّالِيَةِ سَنَتَحَدَّثُ عَنْ وَضْعِ ثِقَتِنَا فِي الْمَسِيحِ.