التوليب واللاهوت المُصلَح: الكفارة المحدودة
۲۷ يناير ۲۰۲۰التوليب واللاهوت المُصلَح: النعمة التي لا تُقاوم
۲۹ يناير ۲۰۲۰اللاهوت المُصلَح هو لاهوت العهد
غالبًا ما يرتبط اللاهوت المُصلح بـ"لاهوت العهد". إذا كنت مستمع جيد، فغالبًا ما تسمع الرعاة والمعلمين يصفون أنفسهم "بالمُصلحين والعهديين". يستخدم المصطلحان "المُصلَح والعهد" معًا على نطاق واسع لدرجة أنه يستدعي منا أن نفهم سبب ارتباطهما.
يشير لاهوت العهد إلى أحد المعتقدات الأساسيَّة التي تمسَّك بها الكالفينيُّون بشأن الكتاب المقدس. جميع البروتستانت الذين ظلُّوا مخلصين لتراثهم يؤكِّدون على "سولا سكريبتورا" أي الكتاب المقدس وحده، الاعتقاد بأن الكتاب المقدس هو سلطتنا العليا والتي لا جدال فيها. ومع ذلك، يميِّز لاهوت العهد بين وجهة النظر المُصلَحة عن الكتاب المقدس والآراء البروتستانتيَّة الأخرى من خلال التأكيد على أن العهود الإلهيَّة توحِّد تعاليم الكتاب المقدس بأكمله.
وصلت التطورات المُبكرة في الفهم المُصلَح والعهدي للكتاب المقدس إلى مرتبة عالية في إنجلترا في القرن السابع عشر مع إقرار إيمان وستمنستر (1646)، وبيان سافوي (Savoy Declaration، 1658)، وإقرار الإيمان المعمداني في لندن لعام 1689، وكل منها يمثِّل مجموعات مختلفة من الكالفينيين الناطقين بالإنجليزيِّة. مع بعض الاختلافات الطفيفة بينهم، تكرس كل هذه الوثائق فصلاً كاملاً للطريقة التي تعلن بها عهود الله مع البشر عن وحدة كل ما يُعلِّمه الكتاب المقدس.
على سبيل المثال، يتحدث إقرار إيمان وستمنستر عن تنازل الله ليعلن عن نفسه للبشر عن طريق العهد. ثم يقسِّم تاريخ الكتاب المقدس بأكمله إلى عهدين فقط: "عهد الأعمال" في آدم و"عهد النعمة" في المسيح. كان عهد الأعمال هو ترتيب الله مع آدم وحواء قبل سقوطهما في الخطية. يسود عهد النعمة على بقية الكتاب المقدس. من هذا المنظور، كانت كل مراحل عهد النعمة متشابه من حيث المضمون. اختلفت هذه المراحل فقط عندما أدار الله عهد النعمة الواحد في المسيح بطرق مختلفة عبر التاريخ الكتابي.
في نفس السياق، أكدَّ عدد من اللاهوتيِّين المُصلحيين حديثًا على وحدة العهود في الكتاب المقدس عن طريق ربط العهود الكتابيَّة بما يسميه العهد الجديد "ملكوت الله". أشار يسوع إلى أهمية ملكوت الله في كلماته الافتتاحيَّة للصلاة الربانيَّة: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ" (متى 6: 9–10). تشير كلمات المسيح أولاً إلى أن الهدف الأسمى للتاريخ هو مجد الله وإكرامه. ومع ذلك، تشير كلماته أيضًا إلى أن الله سيحصل على هذا المجد من خلال مجيء ملكوته إلى الأرض كما هو في السماء. كان هدف الله دائمًا هو استقبال التسبيح الأبدي من كل مخلوق عن طريق تأسيس ملكوته المجيد على الأرض. نقتبس من التسبيح المعروف في سفر الرؤيا 11: 15، في نهاية التاريخ "قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ الْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ".
أظهرت الاكتشافات الحفريَّة حديثًا مدى ارتباط عهود الله بملكوته الأرضي. في أزمنة الكتاب المقدس، كان العديد من ملوك الأمم المحيطة بإسرائيل يديرون توسيع ممالكهم من خلال المعاهدات الدوليَّة. لاحظ علماء الكتاب المقدس أوجه تشابه ملحوظة بين هذه المعاهدات القديمة والعهود الكتابيَّة مع آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وداود، والمسيح. تشير أوجه التشابه هذه إلى أن الكتاب المقدس يقدِّم العهود كوسيلة الله لإدارة اتساع ملكوته على الأرض.
أكَّدت العهود الكتابيَّة على ما هو مطلوب في المراحل المحددة لملكوت الله من خلال تعزيز مبادئ في العهود السابقة. بدأ الله مع آدم بإعلانه عن مُلكِه، ودور البشر، والمصير الذي خطَّط له للأرض (تكوين 1–3). ثم استمرت هذه المبادئ حين وعد الله بالاستقرار في الطبيعة لخدمة البشر في العهد مع نوح (تكوين 6، 9). عزز الله عهوده السابقة من خلال الوعد بأن نسل إبراهيم سيصبح إمبراطوريَّة عظيمة وسينشرون بركات الله على جميع الأمم الأخرى (تكوين 15، 17). بنى الله على هذه العهود إذ بارك إسرائيل بناموسه في أيام موسى (خروج 19–24). أُخذ كل عهد سابق إلى آفاق جديدة عندما ثبَّت الله بيت داود ووعد بأن يحكم أحد أبنائه بالبِر على إسرائيل وعلى العالم بأسره (المزامير 72؛ 89؛ 132). ثم تعززت جميع العهود في العهد القديم وتحقَّقت في المسيح (إرميا 31: 31؛ 2 كورنثوس 1: 19–20). بصفته الابن الأعظم لداود، فإن حياة المسيح، وموته، وقيامته، وصعوده، وعودته يضمنون إلى الأبد تغيُّر الأرض كلها لتصبح ملكوت الله المجيد.
يجد الكثير من المسيحيِّين الإنجيليِّين اليوم صعوبة في تصديق أن كل شيء في الكتاب المقدس بعد تكوين 3: 15 يتعلَّق بملكوت الله الذي يُدار من خلال استعلان عهد النعمة. فغالبية الإنجيليِّين الأمريكيِّين ينظرون إلى الكتاب المقدس على أنه مقسَّم إلى فترات زمنيَّة يحكمها مبادئ لاهوتيَّة مختلفة إلى حدٍ كبير. عندما يتبع المسيحيُّون هذا النهج المشهور لقراءة الكتاب المقدس، سرعان ما يصبحوا مقتنعين بأن العهد الجديد لعصرنا الحالي يتعارض حقًا مع العديد من جوانب العهد القديم.
غالبًا ما تظهر ثلاث قضايا على الأقل: الأعمال والنعمة، الإيمان الجماعي والفردي، والاهتمامات الأرضيَّة والروحيَّة. أولاً، يعتقد الكثير من الإنجيليِّين أن تركيز العهد القديم على الأعمال الصالحة يتعارض مع الخلاص بالنعمة من خلال الإيمان بالمسيح. ثانيًا، يبدو أن علاقة شعب إسرائيل المشتركة مع الله كجماعة قد تم استبدالها بالتركيز على العلاقات الشخصيَّة للأفراد مع الله. ثالثًا، يعتقد الكثير من الإنجيليِّين أن دعوة العهد القديم إلى تأسيس ملكوت أرضي لله تتناقض مع تأكيد العهد الجديد على الملكوت الروحي في المسيح.
لقد مكَّن لاهوت العهد اللاهوتيِّين المُصلحين من رؤية أن العهد الجديد يشبه العهد القديم إلى حد بعيد في هذه المجالات الثلاثة. أولاً، في هذا المنظور، كان الخلاص بالنعمة من خلال الإيمان بالمسيح هو الطريق الوحيد للخلاص في كلا العهدين. يدعو الكتاب المقدس بأكمله إلى الأعمال الصالحة لأن إيمان الخلاص يثمر دائمًا ثمر الطاعة لله. ثانيًا، يساعدنا لاهوت العهد على رؤية أن كلا العهدين يتحدثان عن العلاقات الفرديَّة والجماعيَّة مع الله. فكل عهود الله تتعامل مع البشر على المستويين. ثالثًا، أظهر لاهوت العهد أن ملكوت الله كان دائمًا أرضيًّا وروحيًّا. يركز العهدين القديم والجديد على خدمتنا في كلا المجالين. بهذه الطرق وغيرها، لدى لاهوت العهد الكثير ليقدِّمه للمجتمع الإنجيلي الأوسع.
في الوقت نفسه، هناك أيضًا حاجة متزايدة إلى إعادة تأكيد لاهوت العهد بقوة في الأوساط المُصلَحة المعاصرة. في العقود الأخيرة، أهمل العديد من دعاة اللاهوت المُصلَح لاهوت العهد.
تدريجيًّا، نجد أن اللاهوت المُصلَح قد تحوَّل إلى ما نسميه في كثير من الأحيان عقائد النعمة — وهي المعتقدات المألوفة مثل الفساد الشامل، والاختيار غير المشروط، والكفارة المحدودة، والنعمة التي لا تُقاوم، ومثابرة القديسين. بالطبع، يجب أن نقدِّر حقائق الكتاب المقدس هذه، لكن عندما نفشل في التأكيد على الإطار الأكبر الذي يقدِّمه لاهوت العهد، فإن فهمنا للكتاب المقدس سرعان ما يبدأ في التدهور في نفس المجالات الثلاثة.
أولاً، أدَّت عقائد النعمة بدون لاهوت العهد إلى الاعتقاد بأن اللاهوت المُصلَح يهتم أولاً بتعليم أن نعمة الله تدعم الحياة المسيحيَّة من البداية إلى النهاية. بالطبع، هذا صحيح. ومع ذلك، فإن عهود كلا من العهدين القديم والجديد تُعلِّم باستمرار أن الله يطلب دائمًا جهدًا حازمًا من شعبه استجابةً لنعمته وأنه سيكافئ الطاعة ويعاقب العصيان.
ثانياً، بصرف النظر عن لاهوت العهد، يبدو أن الكثير من الناس حولنا يعتقدون أن لاهوتنا يدور بأكله حول إيجاد طرق فريدة مُصلَحة للأفراد لتحسين علاقاتهم مع الله. في عصرنا، تم التعامل مع عدة طرق نحو القداسة الشخصيَّة والتكريس كسمات أساسيَّة في اللاهوت المُصلَح. على الرغم من أهمية الأفراد في الكتاب المقدس، فإن لاهوت العهد يبرز علاقتنا الجماعيَّة مع الله أيضًا. لم يتم قطع عهدًا في الكتاب المقدس مع شخصٍ واحدٍ فقط. بل اشتملت العهود أيضًا على تأسيس الله لعلاقات مع مجموعات من البشر. لهذا السبب، يعلِّمنا كلا العهدين أن عائلات المؤمنين هي جماعات في العهد تعبر إليها رحمة الله من جيل إلى آخر. علاوة على ذلك، فإن الكنيسة المنظورة في كلا العهدين هي جماعة العهد التي نتلقَّى من خلالها الإنجيل والوسائط العامة للنعمة.
ثالثًا، تعطينا عقائد النعمة الانطباع بأن اللاهوت المُصلَح يهتم فقط بالمسائل الروحيَّة. يهتم كثير من الناس حولنا بعمقٍ بالتغيير الداخلي من خلال فهم صحيح للكتاب المقدس. ومع ذلك، فإننا غالبًا ما نتجاهل الآثار الماديَّة والاجتماعيَّة للخطية والخلاص. يعطينا لاهوت العهد رؤية أكبر وأكثر إلحاحًا لرجائنا كمسيحيِّين. في كلا العهديين، ينشر المؤمنون ملكوت الله في الواقع الروحي والأرضي. يجب علينا أن نعلِّم رسالة إنجيل المسيح لجميع الأمم حتى يتغير الناس روحيًّا، لكن هذا التجديد الروحي هو من أجل امتداد ربوبيَّة المسيح إلى كل جانب من جوانب الثقافة حول العالم.
كل هذا يعني أن لاهوت العهد لديه الكثير ليقدِّمه لكل مسيحي. لذلك عندما نسأل أنفسنا، "ما هو اللاهوت المُصلَح؟"، سيكون من المفيد لنا أن نجيب، إن "اللاهوت المُصلَح هو لاهوت العهد".
تم نشر هذه المقالة في الأصل في مجلة تيبولتوك.